إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله ...
اليوم مــوضوعنا عن الصــبر عند المصــيبه ..
أخـــــــــــــــواني وأخـــواتي .
المصائب أمر لا بد منه،
من منّا لم تنزل به مصيبة أو يتعرض لمشكلة؟!
من من لم يفقد حبيبًا أو يخسر تجارة أو يتألم لمرض ونحوه؟!
لقد ضرب النبي مثلاً معبرًا للمؤمن في هذه الحياة، فقال ((مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله،
ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأَرْزِ، لا تهتزّ حتى تُستحصد)) رواه مسلم.
لقد اختلطت جذور الزرع في الأرض وتماسكت،
فالريح وإنْ أمالته لا تطرحه ولا تكسره ولا تسقطه،
وكذلك المؤمن فإنّ المصائب وإنْ آلمته وأحزنته فإنها لا يمكن أنْ تهزمه أو تنال من إيمانه شيئًا،
ذلك أنّ إيمانه بالله عاصمُه من ذلك.
وهذه الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع والأمراض ،
فبينما الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب
فإذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته،
وبينما الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق إذا هو يُفجع ويفاجأ بمرض يكدّر حياته ويقضي على آماله،
أو بضياع مال أو وظيفة تذهب معه طموحاته وتفسد مخططاته ورغباته.
في هذه الدنيا أيها الإخوة منح ومحن وأفراح وأتراح وآمال وآلام، فدوام الحال من المحال،
والصفو يعقبه الكدر، والفرح فيها مشوب بحذر.
فمحال أنْ يضحك من لا يبكي، وأنْ يتنعّم من لم يتنغَّصْ، أو يسعدَ من لم يحزنْ!.
هكذا هي الدنيا وهذه أحوالها، وليس للمؤمن الصادق فيها إلا الصبر
فذلكم دواء أدوائها.
قال الحسن رحمه الله:
"جرَّبْنا وجرَّب المجرِّبون فلم نر شيئًا أنفع من الصبر، به تداوى الأمور، وهو لا يُداوى بغيره".
وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، وكان أمر المؤمن من بين الناس أمرًا عجيبًا؛
لأنّه إنْ أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له، كما صح ذلك عن رسول الله .
أيها الإخـــــــــــــوة،
أمرنا الله بالصبروجعله من أسباب العون والمعيّة الإلهية، فقال سبحانه:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [البقرة:153])).
ثم أخبر مؤكِّدًا أنّ الحياة محل الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات،
وأطلق البشرى للصابرين، وأخبر عن حالهم عند المصائب، وأثبت جزاءهم، فقال
((وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)) [البقرة:155-157])) .
فــ الصبر سبب بقاء العزيمة ودوام البذل والعمل، وما فات لأحد كمال إلا لضعف في قدرته على الصبر والاحتمال، وبمفتاح عزيمة الصبرتُعالج مغاليق الأمور، وأفضل العُدَّة الصبرعلى الشدَّة.
المؤمن الصادق في إيمانه يُحْسِن ظنَّه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله :
((أنا عند ظن عبدي بي))
فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها وإنْ كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله
((وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [البقرة:216]))،
وقال رسول الله ((عجبًا للمؤمن! لا يقضي الله له شيئًا إلا كان خيرًا له)) رواه الإمام أحمد.
ثمَّ لنتأمل أيها الإخوة ما حبانا به الله من النعم والمنن لنعلم أنّ ما نحن فيه من البلاء
كقطرة صغيرة في بحر النعماء، ولنتذكر أنّ الله لو شاء لجعل المصيبة أعظم والحادثة أجل وأفدح،
فاعلموا أنّ فيما وُقيتم من الرزايا وكُفيتم من الحوادث ما هو أعظم مما أُصبتم به.
تأسَّوْا بغيركم وتذكَّروا مصائبهم، وانظروا إلى من هو أشدّ مصيبة منكم،
فإنّ في ذلك ما يُذهب الأسى ويخفف الألم ويقلِّل الهلع والجزع.
وتذكَّروا أنّ مَن يتصبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله.،
ليتذكَّرْ من أصيب بعاهة أو مرض مَنْ أصيب بما هو أشدّ، وليتذكَّرْ من فجع بحبيب مَن فُجع بأحباب، وليتذكَّرْ من فقد ابنه مَن فقد أبناء، وليتذكَّرْ مَن فقد أبناءً مَن فقد عائلة كاملة.
ليتذكَّر الوالدان المفجوعان بابنٍ آباءً لا يدرون شيئًا عن أبنائهم،
فلا يعلمون أهم أحياء فيرجونهم أم أموات فينسونهم،
وقد فقد يعقوبُ يوسفَ عليهما السلام ومكث على ذلك عقودًا من السنين، وبعد أنْ كبِر وضعف فقد ابنًا آخر، فلم يزد على أنْ قال في أول الأمر ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) [يوسف:18]))،
ثمّ قال في الحال الثاني ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) [يوسف:83])).
جاء رجل كفيف مشوَّه الوجه إلى الوليد بن عبد الملك فرأى حاله،
ولم ير عليه شيئًا من علامات الجزع، فسأله عـن سبب مصابه، فقال:
كنت كثير المال والعيال، فبتنا ليلة في واد، فدهمنا سيل جرّار، فأذهب كل مالي وولدي إلا صبيًّا وبعيرًا،
فذهب بعيري والصبيُّ معي، فوضعته وتبعت البعير لأمسك به، فعدت إلى الصبي
فإذا برأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وتبعت البعير فرمحني رمحة حطَّم بها وجهي وأذهب بصري،
فأصبحت بلا مال ولا ولد ولا بصَر ولا بعير، فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلَمَ أنّ في الناس من هو أعظم بلاءً منه.
تذكَّروا ما أعدّه الله للمبتلَين الصابرين من الأجر والثواب وتكفير السيئات ورفعة الدرجات
وحسن الخلف والعوض، فأمّا الأجر والثواب فلا أحسن ولا أعظم من الجنة جزاءً وثوابًا،
وقد وعِد بها كثير من الصابرين، فوُعِدت بها تلك المرأة التي كانت تُصرع إذا ما صبرت، كما حدَّث بذلك عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي فقالت: إني أُصرَع، وإني أتكشَّف، فادْعُ الله لي، قال ((إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك))، فقالت: أصبر، وقالت: إني أتكشَّف، فادع الله لي أن لا أتكشّف، فدعا لها. رواه البخاري.
ووُعِد بها الذي فقد بصره، فقال عليه الصلاة والسلام ((إنّ الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضته منهما الجنة)) رواه البخاري.
وكان لمن فقد ولدًا نصيب كبير من البشارة بالجنة لعلم الله بعظم مصيبته وكونه بعباده رحيمًا،
فبشّر عليه الصلاة والسلام المرأة التي مات لها ثلاثة من أولادها بأنها احتمت بحمًى منيع من النار،
فقد أتته ومعها صبي لها مريض وقالت: يا نبي الله، ادعُ الله له فلقد دفنت ثلاثة، قال ((دفنتِ ثلاثة؟!))، قالت: نعم، قال: ((لقد احتظرت بحظار شديد من النار)) رواه مسلم.
ولمن فقد ولدا حبيباً هذا حديثً آخر، وحسبهم به عزاءً وتفريجًا، قال ((إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدَكَ واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسَمُّوه بيت الحمد)) رواه الترمذي.
أخـــــــــــي الكريم / أختي الكــريمه
على من أصيب بمصيبة أنْ يكفَّ نفسه عن تذكُّرها وتردادها في ذهنه،
وأنْ ينفيَ الخواطر والمهيِّجات إذا مرَّتْ به، ولا ينمّيها ويعايشها،
فإنها تصير أماني لا نفع منها ولا غنًى وراءها، وأمثال هذه الأماني رؤوس أموال المفاليس؛
لأنّ من مات لا يعود، وما قُضي لا يردّ، وقد روي عن عمر بن الخطاب قوله (لا تستفزُّوا الدموع بالتذكُّر).
وممّا يقع فيه كثير ممّن أصيب بفقد حبيب أو قريب أنه يسعى إلى الاحتفاظ ببعض أشياء الميت التي تذكِّره به في كل حين، مما يحول دون برء جراحه، ويجدِّد همومه وأحزانه.
أخـــــواني وأخـــــواتي
مما يعين على الصبر عند المصائب الابتعاد عن العزلة والانفراد..
ابتعد ـ أيُّها المصاب ـ عن العزلة والانفراد، فإنّ الوساوس لا تزال تجاذب المنعزل المتفرِّغ،
والشيطان على المنعزل أقدر منه على غيره. وأشغل نفسك بما فيه نفعك،
واحزم أمرك، واشتغل بالأوراد المتواصلة والقراءة والأذكار والصلوات،
واجعلها أنيسك ورفيقك، فإنّه بذكر الله تطمئنّ القلوب.
أسأل الله ان يجعلنا من الصابرين ..