الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
أيها الإخوة , الأمرُ العصيب هو يوم القيامة , فلينظر كلٌ منا حاله في ذلك اليوم , في ذلك اليوم يُعز المرءُ أو يُهان ، عزاً أبدياً أو إهانةً أبدية , في ذلك اليوم العصيب , يظهر الشخص على ما كان عليه في هذه الحياة بحقيقته فلا مجال للمغالطة ولا بقيى مجال للادعاءات ، وإنما ينال الشخص ويجتني ما اكتسبته يداه.
لنسمع إلى حال المتّبعين في يوم القيامة وترون أن حالهم حال كريم يقول في كتابه الكريم ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَالّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِوَالصّالِحِينَ ﴾ سورة: النساء - الآية: 69 ، انظروا اُلحقوا بمن وأُرفقوا بمن، بأكرم الخلق على الله , المتّبعون يوم القيامة يكونون رُفقاء لرسولهم عليه الصلاة والسلام , كانوا معه في الدنيا , فكانوا معه في الآخرة والجزاء من جنس العمل , هل ترضى يوم القيامة أن يُفارق بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم هو الشفيع , بل له الشفاعة العظمى والشفاعات الخاصة ، وهو صاحب الحوض العظيم الذي تُكرم فيه أمته المتّبعة لسنته , وهو الذي يفتح الجنة فلا يفتحُها قبلهُ احد , وهو أول الداخلين وأتباعه أول الداخلين , آما تحب يوم القيامة في ذلك اليوم أن ، أن تُقبل عند الله وان تُقرب من رحمته ومن رسوله ومن مغفرته سبحانه وتعالى , آما تُحب هذا , هذا وعد الله الكريم لمن يطيع الله ورسوله .
إخواني جميعاً المسلمين على مختلف مراتبهم ، ما بين تجارٍ وما بين زّراعٍ وما بين جنودٍ وما بين قادةٍ وما بين عُلماءٍ ودُعاة ، أُبشرهم بهذا الحديث العظيم , روى الإمام البخاري ومسلم من حديث انس " أن رجلا قال يا رسول الله متى الساعة , قال وما أعددت لها , قال والله ما أعددتُ لها من كثرة صلاة ولا صيام ولكني أُحب الله ورسوله , يعني ما يكثر من صلاة النوافل ولا يكثر من صيام النوافل ، فهو يؤدي الفريضة ويعمل ما تيسر من النوافل ، فماذا قال له نبينا عليه الصلاة والسلام قال له " أنت مع من أحببت " هذا الرجل من الأعراب من سكان البوادي ومع هذا يبشره الرسول بإنه معه يوم القيامة مادام انه يحبه حب الإتّباع , فاحذروا حب الابتداع , لأن حب الابتداع حبٌ مزيف وحبٌ مرفوض ولكن حب الإتّباع ينتفعُ به صاحبه بإذن الله رب العالمين , فنبشرُ المسلمين عموماً بهذه البشارة , فلا تقبلوا يا عباد الله ما يُفارق بينكم وبين رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام من ذلك اليوم .
كذلك من أحوال المتبعين يوم القيامة ما قاله الله في كتابه الكريم ﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍبِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ سورة: الإسراء - الآية: 71 ﴿ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ ، فيوم القيامة ينادى الناس يا أتباع فلان, من كان يتّبعُ مُجرماً أو ضالاً إمام ضلالة مبتدعاً أو داعٍ إلى المعاصي والفتن ، ومن كان يتّبع شخصاً ينادى يوم القيامة يا أتباع فلان كونوا مع فلان مع الذي اتّبعوهُ ، أما من اتّبع الرسول فيُنادى يوم القيامة يا أتباع محمد يا أتباع الرسول, خاتم الأنبياء والمرسلين ، فما أعظمها من بشارة يوم أن تُنادى بأنك من أتباع الرسول ، أتُحب أن تكون من أتباعِ من يؤخذون إلي النار ، فانتبه يا عبد الله المرءُ مع من أحب ، من أحب السحرة كان معهم ، ومن أحب الكفرة كان معهم ، ومن أحب المغنين كان معهم ، انظر من تصطفي في حبك وتعظيمك واحترامك وتكريمك ، فقد أُمرت بل فُرض علينا أن نحب رسول الله أعظم من حبنا لابناءِنا بل لأنفسنا ، كذلك أيضاً من البشارات العظيمة يوم القيامة لأهل الإتباع أن الله عز وجل قال في كتابه الكريم ﴿ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوَاْ إِلَى اللّهِتَوْبَةً نّصُوحاً عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْوَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِىاللّهُ النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ سورة: التحريم - الآية: 8 ، فالمؤمنون المتبعون مأمَّنون يوم القيامة من الخزي والفضائح ، أما من لم يتّبع فليس مؤمنناً بل يُفضح على رؤوس الأشهاد ، على رؤوس الأشهاد أن هذا المُراءِِ الذي ادعى الإتّباع وهو مُراءٍ ، بعض الناس إن وصل إلى المتّبع للرسول تظاهر بذلك ، وإن كان مع دعاة البدع تظاهر بذلك وصار دينه على حسب مطالب الناس وأهواء الناس ، هذا يُفضح يوم القيامة لأنه لم يكن صادقاً في أتّباع الرسول عليه الصلاة والسلام , ربُنا قال ﴿ وَالّذِينَآمَنُواْ مَعَهُ﴾ ، ولم يقل والذين امنوا ، فالمؤمنون بالرسولِ كثير ، لكن المتّبعون قليل ، فهل أنت من القليل ، فالقليل دائماً في باب الخير هم المُصطفون الأخيار فكن مع المتّبعين للرسول ولا يضرك كثرةُ الهالكين وكثرةُ البعيدين عن الإتّباع ، ولا يعني كلامي أننا نكفر المسلمين الذين لم يُتم لهم الإتّباع للرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكن من لم يعتني ويهتم بأتّباع الرسول يُخشى عليه من عواقب وخيمة عياذاً بالله ، فهنيئاً للمتّبعين يوم القيامة ، هذا العلامةُ محمد ابن إبراهيم الوزير يقول ،
ياحبذا يوم القيامةِ شهرةٍ * * * بينالخلائقِ في المقامِ الأحمديِ
بمحبةٍ سُنن الشفيعِ وإنني * * * فيها عصيتُ معنفٍ،ومفنديِ
فهو يفتخر بما سيكون له يوم القيامة ، في الدنيا يحارب في الدنيا يؤذى يغمز يلمز يقال له أنت متشدد أو أنت خرجت عن المذهب ، وخرجت عما نحنُ عليه ، هكذا طبيعة الناس الذين لم يرزقوا الإتّباع ، يحاربون من يتّبع الرسول إلا من رحمهُ الله ، فأنت بحاجة إلي أن توطّن نفسك من اجل أن تثبت على كل ما جاءك به رسُولك عليه الصلاة والسلام دون أن تخضع للناس ودون أن تخاف الناس ، ودون أن تستروح إلى ما يريده الناس ، انظر إلى حال المتّبعين في هذا اليوم العصيب ما أكرمهم على الله ، لأنهم أكرموا أنفسهم بإتباع الرسول بإتباع الكتاب والسنة.
نعم أيها الناس ، إذاً لابد أن نحرص على أن نقبل الدين كله الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام نقبله كان لنا أو علينا ، تعبنا أو لم نتعب ، قُبلنا عند الناس أو رفضنا الناس ، هذا حق وهذا دين قامت به السموات والأرض وهذا دين نزل به جبريل الأمين على رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، أيُردُ من اجل أن يُطاع فلان ، أيُردُ من اجل أن يُقبل ضلال فلان وانحراف فلان جاء عند أبي نُعيم والبيهقي في المناقب وابن عساكر إن الإمام الشافعي رحمه الله قال إذا رأيتموني لا اعمل بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أُشهدكم إن عقلي قد ضاع ، أُشهدكم إن عقلي قد ضاع ، أي عاقل يختار أن يُفارق الرسول ولو لحظة واحدة وان يكون مع غيره ، آلا فلنتّعقل ولنتّنبه ولا نبقى نُجر وراء الفتن والمعاصي والانحرافات ، يا عبد الله كن ثابتاً كثبُوت الجبال الرواسي ، وهذا الحسن ابنُ الحسن من آل بيت النبوة ، يقولُ لشخصٍ رافضي ، حبّونا حب الإسلام وابغضونا إذا عصينا الله ، فوا الله لو كان حب آل بيت النبوة نافعاً لكانت قرابة الرسول أحق بالنجاة من غير طاعة ، فالرسول ما نجا أبوه ولا أمه وهم من أقربائه وما نالوا النجاة لأنهم لم يُطيعوا الله ورسوله فبيننا وبين الله الطاعة ، بيننا وبين الله إننا عباده يأمر ونحن نأتمر ويزجر ونحن ننْزجر ويدعوا ونحن نستجيب ، ويخبر ونحن نصدق هذا بينك وبين الله وهذا عهد الله علينا الذي أخذهُ علينا أننا نكون هكذا ، فبعض الناس قد يلتصق بالصالحين ، ويظن أنهم ينفعونه يوم القيامة بغير تمسك وبغير هداية لا ، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لفاطمة بنته رضي الله عنها وهي سيدة نساء أهل الجنة ، يا فاطمة بنت محمد أنقذيِ نفسكِ فاني لا املك لك من الله شيئا ، ما قال لها يا فاطمة ثقي بي واركني واعتمدي علي ، فاعتمد على الله واصدق مع الله واخلص لله واثبت على الحق الذي جاء به الشرع ، وإنما يعظمُ الأجرُ والمثُوبة وتزيد الهداية من الله وتوفيق العبد عند أن يُدعى إلى ترك الحق فيثبت ويصبر ويتحمل ، يهون عليه أن يبدل من نفسه وأن يبدل من ماله ولا يهون عليه أن يضحي بشيء من دينه ، أما من كان كلما اشتدت عليه الأمور ضحى بدينه وأعطى الناس كذا من دينه ، فهذا سيخرج من دون دين ، سيخرج من الحياة بدون دين ، لان الناس لا يرضيهم إلا أن يطيعهم الشخص وان يرضيهم على ما هم عليه من الشر وعلى ما هم عليه من المخالفة.
أيها المسلمون، العصمة العصمةُ من الفتن ومن الضلال ومن الابتداع ومن التحزب ومن المعاصي أننا نتّبع كتاب ربنا وسنة رسولنا قال الله في كتابه الكريم ﴿فَمَنِاتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَىَ﴾ سورة: طه - الآية: 123، فأنت في مأمن ، من الضلال والشقاء مادمت تتّبع كل أمر تكون متّبعاً فيه للحق ، إن كنت تجهل الحق تسأل أهل العلم وترجع إلى أهل العلم ، تسألهم أهذا الذي طُلب مني اهو مشروع أم ليس بمشروع ، إما أن تجعل نفسك مفتيا عند أن تأتي الشهوات والمصالح والملذات ، فهذا من أعظم الجرأة ، ومن أعظم التجاوزات في حق الله وفي حق دينه ، فلنحرص على أن نتعاون على نشر منهاج النبوة ، فندعو المسلمين إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في كل شؤونهم وأحوالهم ، في أرزاقهم في أمنهم واستقرارهم في دراستهم في اقتصادهم في عبادتهم في أمورهم كلها ، أن يكونوا متّبعين لا مبتدعين.
روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال " من دعا إلي هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء " وأنا وأنت بإمكاننا أن نكون دعاة إلي الهُدى بأفعالنا وأقوالنا والدين يسر فلو رأيت حراما فحذرت منه ودعوت إلى الحلال فأنت داعٍ إلى الهُدى ، لو رأيت تارك صلاة فدعوته إلي الصلاة فأنت داعٍ إلى الهُدى ولو رأيت من يسُب أو يسفك الدماء المحرمة فحذرته وأنذرته وبينت عواقب عمله فأنت داعٍ إلى الله ، فإنه من لم يدعُ الناس إلى الخيرِ دعاه الناس إلى الشر ومن لم يكن غيور على الحق صار غيوراً على الباطل ، ومن لم ينصر الحق نصر الباطل فهي سنة الله في خلقه. الشيخ محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله