العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > المنتدى الاسلامى

المنتدى الاسلامى إسلام، سنة، قرآن، دروس، خطب، محاضرات، فتاوى، أناشيد، كتب، فلاشات،قع لأهل السنة والجماعة الذين ينتهجون نهج السلف الصالح في فهم الإسلام وتطبيقه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 12-26-2009, 02:41 PM رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
ام معاذ

الصورة الرمزية ام معاذ

إحصائية العضو







ام معاذ غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

المعلم الرابع: الأمة الواحدة
تبدو هذه قضية واضحة المعالم، يدركها قارئ كتاب الله عز وجل حين يتأمل أي سياق ورد في قصص الأنبياء، بل قد نص الله جل وعلا على ذلك تعقيباً على قصص الأنبياء قائلاً: ((و إن هذه أمتكم أمة واحدة)) ، إن هذا الأمة الواحدة لا ينتهي مداها في دار الدنيا بل يمتد هناك إلى الدار الآخرة حين يقف الناس للحساب والجزاء والمساءلة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال: لهم هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته ،قال: فذلك قوله "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" قال :والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" رواه البخاري.
إن هذا يجعل المسلم يتخطى حاجز الزمن؛ ليرى أنه ينتمي إلى جيل واحد وإلى أمة واحدة وحزب واحد ألا وهو حزب الله ((أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون))، فهو يرى أن تاريخه لا يقف عند حدود ستين عاماً عند آبائه وأجداده، أو عند فلان وفلان، بل ليس عند حدود هذه الأمة؛ فهو تاريخ ضارب بأطنابه كله في جذور التاريخ منذ أن هبط آدم عليه السلام؛ فهو يرى أنه ينتمي إلى أمة واحدة.
وتجنى هذه الثمرة وتتم وحدة هذه الأمة يوم القيامة حين تشهد هذه الأمة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، هناك في المحاكمة والمقاضاة، حينها يتصل الوثاق وهذا الرباط فتأتي هذه الأمة لتشهد يوم يهان الظالمون ويسحبون على وجوههم، لتشهد بأن نوح بلغ الرسالة، وأن هوداً أدى الأمانة، وأن صالحاً قد بلغ ما أمر به، وتشهد لجميع أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
إن من نتاج وحدة الأمة أن اتحدت مواقف أعدائهم منهم، واقرؤوا كتاب الله عز وجل لتروها صورة واحدة كل نبي يعيش صراعاً مع طغاة قومه ((قال الملأ الذين استكبروا من قومه)) وهكذا يتزعم الملأ قضية المواجهة مع أنبياء الله عز وجل، ومن العجيب أن تتحد الأساليب والطرق ولهذا يقول سبحانه وتعالى (أتوا صوبه بل هم قومٌ طاغون)) فكأن هؤلاء قد تواصوا واتفقوا على أسلوب واحد يواجهون به رسل الله والداعين إلى منهجه، لكنهم قوم طاغون يبدؤون العدوان بالسخرية و الاستهزاء ((وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)) ((قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)) إنها لهجة واحدة الاستهزاء وتشويه السمعة ((كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون)) ثم يتجاوز الأمر إلى التشكيك في النوايا والمقاصد ((قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)) ،((إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون))، فرعون يشكك في نوايا أولئك الذين آمنوا أن إيمانهم كان مؤامرة اتفقوا فيها مع موسى ليبطشوا بفرعون ليخرجوه من أرضه، وهكذا يقول عن موسى ((وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)).
وقوم نوح يتهمون أتباعه بأنهم أقوام يسترزقون من وراء هذه الدعوة ويتلقون على ذلك أجراً ولذلك يقول ((وما أنا بطارد المؤمنين)) ، ((ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون الخ…))، أي مال يملكه نوح عليه السلام حتى ينفقه على أولئك الذين يدعي هؤلاء أنهم إنما اتبعوه لأجل المال، وهكذا يسير هؤلاء وفق هذه الطريقة وهذا الأسلوب القذر في الحديث عن النوايا والمقاصد ويطول هذا الأمر ويشتد ويأبى أنبياء الله الخضوع أمام هذه السخرية أو الاستهزاء أو التشويه أو المساومة والإغراء؛ فيلجأ أولئك إلى الإيذاء البدني والتصفية ((و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون الخ..))، وقال سبحانه وبحمده (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)) وفرعون يقول (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى))، ((ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)).
هذه المواقف وغيرها هي التي ترجمها الشيخ النجدي حين حضر ذلك المؤتمر الغاشم الذي عقده ملأ قريش في مؤامرة تُكاد للنبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى ذلك الشيطان على ذاك الاقتراح الذي رأى أن يختار من كل قبيلة شابًّا جلداً فيتفرق دمه بين القبائل، إن هذا المنطق ليس اجتهاداً ولا إبداعاً منه، إنما هو ميراث ورثه من سلفه أولئك الملأ الذين تواصوا بذلك المنطق، وهكذا كانت وتكون مواقف الملأ من كل دعوة صادقة جادة على منهج الأنبياء ولهذا يقولها ورقة -رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه وهو يرجف فؤاده ليتني حيًّا إذ يخرجك قومك، قال صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيًّ هم؟ قال: نعم ما جاء رجل بمثل ما أتيت به إلا عُودِيَ. إنه منهج واحد وطريق واحد إنه العذاب والإيذاء ومن ثم فإن أي دعوة تنتظر أن تهادن أهل الشرك والطغيان والفجور والنفاق، وتنتظر أن تتحاشى اللقاء مع الأعداء فهي دعوة ينبغي لها أن تبحث لها عن منهج أو موقع خارج منهج الأنبياء.




المعلم الخامس: بلسان قومه
قال عز وجل (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء)). فقد كان الأنبياء من أقوامهم ويتكلمون بألسنتهم وهذا يحقق مقاصد شتى:
أولها: حتى يفقهوا ما يقول، ويدركوا ما يدعوهم إليه، ومن ثم فالخطاب الدعوي الموجه للناس ينبغي أن يكون واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ولا يسوغ أن تتجاوز الرغبة في جمال العبارة وحسن الأسلوب لتحول الحديث إلى ألغاز يُحتاج في إدراكه إلى خبراء في حل رموزه والبحث عن كوامنه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الناس يتكلم بكلام فصل لو عدَّه العاد لأحصاه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد كسائر الناس، بل كان يكرر الكلمة ثلاثاً، ولئن دعت الداعية الضرورة بحيث لا يمكنه الإفصاح فيلجأ إلى التلميح والإيماء فإنه لا ينبغي أن يغلو فيبالغ في التعمية فلا يدركها إلا هو فيصبح المعنى في بطن الشاعر، وحينها لا تصبح لدعوته قيمة.
ثانياً: كون النبي يتكلم بلسان قومه يعني أنه منهم يعرفهم ويعرفونه، ويعرف طباعهم وما هم عليه، ومن ثم فالداعية إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى أن يعرف واقعه، ويعي حال الناس وحال المخاطبين ولهذا اختار الله عز وجل الأنبياء من أقوامهم.
ثالثاً: يفيد هذا أنهم يعرفونه؛ فليس غريباً عليهم، وليس نكرة فيهم، ولهذا قالوا لصالح (قد كنت فينا مرجواً قبل هذا) كنا نعرفك ونؤمل فيك الخير ونرجوه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم معروفاً عند قومه بالصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان يحمل الكل ويكسب المعدوم ويعين على نوائب الحق، كان يأتيه الضعيف فيعينه، والمحتاج فيسد حاجته، ولهذا فالدعاة إلى الله عز وجل السائرون على منهج الأنبياء حريٌ بهم أن يكونوا أعلاماً شامخة في أقوامهم يعرفهم الجميع القاصي والداني.






آخر مواضيعي 0 الرئيس محمد حسني مبارك يعلن تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية
0 رساله عاجله الى المعتصمين فى ميدان التحرير والى كل المتناحرين على الحكم
0 تحكيم شرع الله ضرورة شرعية وعقلية
0 صور من تعامل السلف مع الحكام
0 الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
رد مع اقتباس
قديم 12-26-2009, 02:42 PM رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
ام معاذ

الصورة الرمزية ام معاذ

إحصائية العضو







ام معاذ غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

المعلم السادس: رعي الغنم
حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رعيه للغنم أجاب بأن هذا شأن الأنبياء، وأن هذا أمر اختاره الله لأنبيائه؛ فما من نبي إلا ورعى الغنم، والسكينة والوقار كما قال صلى الله عليه وسلم في أهل الغنم.
لقد كان الأنبياء رعاة وقادة للبشرية ومن ثم كان رعي الغنم تهيئة وتربية وإعداداً لهم، ولهذا نرى أسلوب الرفق والحكمة يغلب على منهج الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فيقول الله جل وعلا لموسى وهارون (اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولاله قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى))، وإبراهيم عليه السلام يقول مخاطباً لأبيه ناصحاً واداً ((يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سويًّا)) بلغة الهدوء والمنطق والإشفاق والنصيحة، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فما عرفت البشرية أرحم منه صلى الله عليه وسلم :
وإذا رحــــمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هم الرحمـــاء
وإذا غضبت فإنما هي غـــضبة *** لله لا حـــقــدٌ ولا شحنـاء
فما عرفت البشرية أرحم ولا أرق فؤاداً منه صلى الله عليه وسلم ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم جريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف الرحيم)) فالدعاة إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون منطقهم ورائدهم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه".




المعلم السابع: الوضوح
مع ما اتسم به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد واجهوا قومهم بانحرافاتهم مواجهة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، فلوط عليه السلام يقول لقومه (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين)) ، وشعيب عليه السلام يقول الله عز وجل عنه: ((وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط)).
وإبراهيم عليه السلام الذي كان رحيماً رقيقاً مع أبيه يعمد إلى أصنام قومه فيكسرها ويحطمها؛ فيعقدون له مجلس المناظرة والمحاكمة فيقولون له: أ أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فيقول ساخراً متهكما ((بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون)) ،قال مخاطباً قومه: ((أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)) ويقول محاجاً لطاغية عصره (إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)).
وموسى عليه السلام الذي أرسله الله إلى فرعون وأمره أن يقول قولاً ليناً ((قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً)) ،((قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين)) إنه موسى الذي أمره الله بالقول اللين.
ومن ثم فإن الرفق والقول اللين مع أنه منهج لا يجوز تخطيه ولا المساومة عليه لا يعني السكوت عن قضايا الدعوة، ولا السكوت عن أخطاء الناس وانحرافاتهم وضلالتهم؛ فها هم أنبياء الله يعلنونها صريحة ويواجهون أقوامهم بشركهم وضلالهم مواجهة صريحة.




المعلم الثامن : كان الأنبياء يعيشون قضية عصرهم
لقد كان الأنبياء عليهم السلام يعيشون قضايا عصرهم؛ فلوط عليه السلام دعا إلى التوحيد ثم ندد بالفساد الأخلاقي الذي كان عليه قومه، وشعيب عليه السلام دعا إلى التوحيد وندد بالفساد الاقتصادي والظلم الذي كان عليه قومه، وموسى دعا إلى التوحيد والإيمان وندد بالاستعباد والإهانة للناس ((وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل)).
وهكذا الدعوة التي تسير على منهج الأنبياء ينبغي أن تقتفي معالم هذا المنهج؛ فتعيش قضية عصرها. إنه لا يسوغ أن يعيش امرؤ في بلد يعج بدعاء غير الله وتقديس الأضرحة، ولا يعرف حينها من يعيش هذا العصر من قضية العقيدة إلا قضية الأسماء والصفات، وأن القرآن منزل غير مخلوق.
وهكذا في أي عصر ينبغي أن يعيش الداعية قضية عصره، بل قد كان الأنبياء عليهم السلام -مع أن أقوامهم لم يستجيبوا بعد لقضية التوحيد- يتحدثون عن الفساد والضلال والانحراف الذي كان في عصرهم، فلا ترى سورة يذكر فيها لوط إلا ويذكر فيها الحديث عن الفساد والشذوذ الذي كان عليه قومه، ولا سورة يذكر فيها شعيب إلا وترى حديثه عن الفساد الاقتصادي وعن بخس الناس أموالهم وحقوقهم.




المعلم التاسع: الولاء على أساس الحق
لقد ضرب الله عز وجل لنا في القرآن مثلاً (امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
ونوح حين وعده الله عز وجل أن ينجيه وابنه من أهله وكان يراه في معزل فناداه نوح ((يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)) ،حينما دعا نوح ربه قال الله عز وجل ((يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم)) ، وإبراهيم حين شاقه أبوه وعانده قال له ولقومه ((إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)) . إنها قضية الولاء والبراء وهي تلك التي يقولها صلى الله عليه وسلم إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنَّ أوليائي المتقون، فقضية الولاء والبراء قضية من أسس العقيدة لا يجوز الإخلال بها والمساومة عليها وخدشها؛ فهي قضية من قضايا الأمة الواحدة مما اتفق عليها الأنبياء إلى قيام الساعة، ولهذا توعد الله أولئك الذين يوالون أعداء الله ،قال: ((بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً) (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على أسروا في أنفسهم نادمين)).
فمن يسير على منهج الأنبياء ينبغي أن يكون ولاؤه على أساس الإيمان وعلى أساس كلمة التوحيد وحدها لا غير.




المعلم العاشر: الاستعانة بالله واللجوء له
قال تعالى (ونوحاً إذ نادى من قبل) ،(وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)) إلى آخر ذلك ، ثم قال الله عز وجل (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين))، لقد كان أنبياء الله يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء، يلجؤون إليه عبادة وخضوعاً وتذللاً له سبحانه وتعالى، ويلجؤون إليه استعانة واستنصاراً به سبحانه وتعالى.
فجدير بمن يقتفي أثر منهج الأنبياء أن تكون له صلة بالله عز وجل دعاءً ورغبة ورهبة ولجؤًا إليه سبحانه وتعالى واستعانة به عز وجل واستمداداً للعون والثبات والتوفيق منه سبحانه وتعالى.




المعلم الحادي عشر: حقيقة التمكين
وعد الله عز وجل -ووعده صادق- بالتمكين للمؤمنين فقال(و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون))، ((و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون)) ،((فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام)).
ومع ذلك فقد نصر الله طائفة من أنبيائه وأهلك أقوامهم وجعلهم الله سبحانه وتعالى عبرة وعظة للمكذبين من بعدهم، لكن هناك من أنبياء الله من يأتي يوم القيامة وليس معه إلا الرجل والرجلان، ومن يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، ومنهم أولئك الذين تجرأ عليهم إخوان القردة والخنازير المغضوب عليهم فقتلوهم، فكم عاب الله أولئك الذين يقتلون الأنبياء بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس،؟ أترى أولئك الأنبياء الذين كتب الله لهم أن يقتلوا لم يتحقق فيهم وعد الله سبحانه وتعالى؟ ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون)) ،بلى والله لقد تحقق فيهم هذا الوعد، لكن مفهوم النصر مفهوم أشمل، إنه ليس بالضرورة التمكين في دار الدنيا، فقد يقتل أنبياء الله وقد يمضون ولما يتبعهم أحد، لكن الله لن يخلف وعده رسله ((يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار)) ،حينها يحقق الله عز وجل الوعد لأولئك فحقيقة النصر والتمكين ليست قاصرةً أو منتهية في هذه الدار.
هذه بعض معالم منهج الأنبياء ومعالم الأمة الواحدة علنا أن نقتفي أثرهم ونترسم من خلالها منهجاً واضحاً محدداً نسير عليه في دعوتنا؛ فمنهج الأنبياء خير وأزكى وأبر من اجتهادات البشر التي هي ليست معصومة من الهوى والضلال والانحراف، أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للإقتداء بأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم وأن يحشرنا تحت ضيائهم وفي زمرتهم؛ إنه سميع مجيب.






آخر مواضيعي 0 الرئيس محمد حسني مبارك يعلن تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية
0 رساله عاجله الى المعتصمين فى ميدان التحرير والى كل المتناحرين على الحكم
0 تحكيم شرع الله ضرورة شرعية وعقلية
0 صور من تعامل السلف مع الحكام
0 الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
رد مع اقتباس
قديم 01-03-2010, 12:52 PM رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
ام معاذ

الصورة الرمزية ام معاذ

إحصائية العضو







ام معاذ غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

خطبة (وما قدروا الله حق قدره) بتاريخ 14/4/1430




الحمد لله الذي له ما في ..... يعلم ما يلج في الأرض...
حديثنا اليوم عظيم، لأنه عن الله الجليلِ العظيم، الملكِ العزيز الحكيم، لا إله إلا هو الحي القيوم.



(رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
وقد قال تعالى عن نفسه: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي: ما عظّموه حقَّ تعظيمه .


وفي الصحيحين عن ابن مسعود (رضي الله عنه ) قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) فقال: يا محمد، إنا نجد أنّ الله عز وجل يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
سبحان الله، هذا الكون بما فيه من عظمة وإبهار، يكون يومَ القيامة على أصابع القويّ القهّار .
وروى مسلم عن عَبْد اللَّه بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (عليه الصلاة والسلام ) : "يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ، ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ".


فسبحان من أتته السماء والأرض طائعة، وتطامنت الجبال لعظمته خاشعة، ووكفت العيون عند ذكره دامعة، عبادته شرف، والذلّ له عزّة، والافتقار إليه غنى، والتمسْكن له قوة.
ربنا العظيم كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، يحيِ ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويشفي مريضاً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، سبحانه كل يوم هو في شأن.
سمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى سيداً ونبياً، وأزال الكرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ونجى هوداً وأهلك قومه، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وشق القمر لمحمد، عليهم الصلاة والسلام .


إنه الله الرحيم الودود، من تقرب منه شبراً تقرب إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب من باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، فبابه مفتوح ولكن من الذي يدخل!.
الحسنة عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة عنده بواحدة، فإن ندم عليها واستغفر غفَرها له، يشكر اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل: (قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ).


من علّق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدّث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب.
إليك وإلا لا تُشد الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدِث كاذب
ربنا العظيم أحاط علمه بالكائنات، واطّلع على النيات، عالمٌ بنهايات الأمور، (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، يعلم ما في الضمير، ولا يغيب عنه الفتيل والقطمير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، يبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، وهو فعّال لما يريد، لم يخلق الخلق سُدى، ولم يتخذ من المضلين عضدًا.
يدخل موسى وهارون على رأس الكفر والطغيان فيهابا ويخافا، فيناديهما ربهما: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).. ويلتجأ رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) ومعه الصديق إلى الغار ويحيط بهما الكفار فيقول أبو بكر: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا؟! فيقول له: (لا تحزن، إن الله معنا) .
وتدخل خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها على رسول الله(عليه الصلاة والسلام ) تشكو زوجها، وتخبره سرّها، وعائشة رضي الله عنها في طرف البيت لا تسمع إلا همسًا، ولا تعلم حِسًا، فيسمعها الله من فوق سبع سماوات، ويقول: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).
وتجتمع عائشة وحفصة، فتخبر إحداهما الأخرى بسر رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) ، فيسمع العليم الخبير كلامها، وينبّأ به رسوله (عليه الصلاة والسلام ) ، (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).


فسبحان من علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، الورقة تسقط بعلمه، والهمسة تُنبَس بعلمه، والكلمة تُقال بعلمه، والنية تُعقَد بعلمه، والقطرة لا تنزل إلا بعلمه.. (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) .. (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
النجوى عنده جهر، والسرّ عنده علانية، (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).



هذه بعضُ مظاهر عظمتِه سبحانه مما تتحمّله عقولنا، وإلاّ فعظمة الله وجلاله أجلّ من أن يحيطَ بها عقل، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
فسبحانك يا ربنا ما أعظمك، وعلى من عصاك ما أحلمك، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، وما قدرناك حق قدرك، وما عظّمناك حق عظمتك.



- عباد الله، ما هي آثار عظمة الله في نفوسنا؟ هل عظمنا الله حقاً؟ أم أصبحت الدنيا أعظم في نفوسنا من ربنا؟
إن الكون كله يسبح لربه ويسجد له، ويخضع لعظمته، كما قال تعالى: (تَكَادُ السَّمَـاواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ)، قال المفسرون: يتشقّقن مِن عظمةِ الله عز وجل.
إنّ الإيمان بالله مبنيّ على التعظيم والإجلال، وقد ذمّ الله تعالى مَن لم يعظِّمه حقَّ عظمتِه فقال: (مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) أي ما لكم لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته.



لقد ضعف تعظيم الله في نفوس بعضِ المسلمين اليومَ، وعظُمت في نفوسهم قوى الأرض البشريّة، حين رأوا مُنجزاتِ الحضارة المادّية ونتاجها، من العلوم الدنيوية، إلى القدرات العسكرية، من الصواريخ العابِرة للقارّات، إلى الأسلحة النووية، إلى حرب النّجوم والفضاء، حتى أصيب بعض الناس بالخور والانبهار، وتسرّب إلى نفوسهم الوهن والانكسار.. والهزيمة النفسيّة من أنكى الهزائم وأشدِّها خطرًا على الأمة، كما قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
وبسبب عدم تعظيم الله، كثر في زماننا التهاون في الواجبات، والاستخفاف بالشعائر، والاستهزاءِ بالأحكام، والتطاولِ على الثوابت. فإلى الله نشكو حال هذا الجيل، الذي صدّه الانبهار عن السبيل، وعلاه الغرور والتضليل، وأسكَرَه التّرف والتطبيل، إلا ما رحم الله.




إن هذا الجيل بحاجةٍ ماسّة إلى أن يعرف ربّه حقًّا، ويعظمه صدقًا، بتدبّر أسماء الله وصفاته، والتأمّلِ في آياته، والتفكّر في عظاته، فمَن استقرت عظمة الله في قلبه لم يخف غير الله، ولم يرج عداه، ولم يتحاكم إلاّ له، ولم يذلّ إلا لعظمتِه، ولم يحبّ سواه، كما قال مولاه: (والذين آمنوا أشد حباً لله).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.



الخطبة الثانية




عباد الله.. إنّ تعظيمَ الله عز وجل مِن أجلّ العبادات القلبية التي يتعيّن ترسيخها وتزكيةُ النفوس بها.




إن تعظيم الله صمّام أمان في النفوس، وهو وازع خيرٍ ومانع شرٍ إذا غُرس في قلب العبد، وهو داعٍ إلى مراقبة الله، والخوف منه، والعمل بمرضاته، والبعد عن معصيته.
إنه ما جاهر مجاهر بمعصية إلا لما ضعف تعظيم الله في قلبه وقلّ خوفه منه.. وما ترك الصلاة ولا تخلّف عنها متخلّف إلا لضعف تعظيمه وخوفه من الله.. وما غشّ غاشٌّ أخاه المسلم، ولا اعتدى على حقّه، ولا خان خائن، ولا زنى زانٍ، ولا سرق سارق، إلا لما ضعف تعظيم الله في نفسه.. وما خرجت امرأة متبرجة سافرة إلا لقلة تعظيم الله الذي أمرها بالستر والحجاب والبعد عن الرجال.. وربما تستحي بعض النساء من الناس أعظمَ من حيائها من الله، أو تخاف زوجَها أو أباها وتراقبه أعظم من خوفها ومراقبتها لله؛ لأنها ما قَدَرت علاّمَ الغيوب حقّ قدره، وما عظّمته حق تعظيمه.. (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).


وفي حديث خطير، يخبر النبي (عليه الصلاة والسلام ) عن قومِ سوء، يعظمون الناس أكثر من تعظيمهم لله، ويراقبونهم أشد من مراقبتهم لله، فقد روى ابن ماجه وصححه الألباني عن ثَوْبَانَ (رضي الله عنه ) عَنْ النَّبِيِّ (عليه الصلاة والسلام ) قَالَ: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".


اللهم سلم سلم، إنهم لم يراقبوا الله ولم يعظموه في خلواتهم، ولم يقدروه حق قدره، بل جعلوه سبحانه أهون الناظرين إليهم، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ووالله، لو علم العباد ما لله من العظمة ما عصوه، ولو علم المحبون ما لله من الجمال والكمال ما أحبُوا غيره، ولو عرِف الفقراء غنى الربِ سبحانه ما رجوا سواه، فسبحانه جلّ في علاه هو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين.
أمامَ بابك كلُ الخلق قد وقفوا/ وهم ينادون: يا فتّاح يا صمـدُ
فأنت وحدَك تعطي السائلين ولا/تردُّ عن بابك المقصودِ مَن قصدوا
والخير عندك مبذول لطـالبـه/ حتى لمن كفروا، حتى لمن جحدوا
إن أنت يا رب لم ترحم ضراعتهم/ فليس يرحمهم مِن بينهم أحـدُ
- وأخيراً، هل من وسائلَ معينةٍ على تعظيم الله تعالى في النفوس؟ الوسائل كثيرة، وأكتفي بذكر أربع وسائل:


1.أعظمها: قراءة القرآن وتدبر معانيه.
اقرأ كتاب الله وتأمل فيه؛ تجد فيه صفات الرب سبحانه؛ ملك له الملك كله، أزمة الأمر كلها بيده، مستوٍ على سرير ملكه، لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته، عالم بما في نفوس عبيده، مطلع على أسرارهم وعلانيتهم، يثني على نفسه، ويتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه، ويحذرهم من نقمه.


2.ومن الوسائل كذلك طلب العلم النافع، فإنه على قدر العلم والمعرفةِ بالرب، يكون تعظيمه وإجلاله في القلب، وأعرف النّاس بالله تعالى، أشدّهم له تعظيمًا وإجلالاً، كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) .


3.ومن الوسائل ذكر الله تعالى، والمحافظة على الأذكار اليومية والباقياتِ الصالحات، والإكثارُ منها، فإن الذكر باللسان يورث تعظيم المذكور بالقلب، ولاسيما مع تدبر القلب ومواطأتِه للسان.



4.ومن الوسائل كذلك: التأمل في آيات الله تعالى في هذا الكون، في الآفاق وفي الأنفس، كما قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)،
هذا الكون الفسيح كتاب مفتوح ينطق بعظمة خالقه جل جلاله، لا تملك أمامه إلا أن تطأطيء رأسك، وتخضع قلبك، وتقول سبحان الله العظيم، رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم.



وفي هذا الكون من الآيات، والعجائب والمعجزات، ما تضيق عنه العبارات، ولعله يكون حديثنا في خطب قادمات، إن أمد الله لنا ولكم في الحياة.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...


اللهم أعز الإسلام والمسلمين .... / اللهم آمنا في أوطاننا
اللهم من أرادنا / اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب /اللهم نسألك فعل الخيرات....


م0ن







آخر مواضيعي 0 الرئيس محمد حسني مبارك يعلن تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية
0 رساله عاجله الى المعتصمين فى ميدان التحرير والى كل المتناحرين على الحكم
0 تحكيم شرع الله ضرورة شرعية وعقلية
0 صور من تعامل السلف مع الحكام
0 الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
رد مع اقتباس
قديم 01-03-2010, 12:54 PM رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
ام معاذ

الصورة الرمزية ام معاذ

إحصائية العضو







ام معاذ غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

color=000000]أما بعد . فهذه هي الخطبة الأولى التي تقام في جامع الصفدي غفر الله لبانيه ، ومن أسهم في بنائه أو القيام عليه .
ووالله لا أجد أمراً أستفتح به هذه الخطبة الأولى أعظمَ من الفريضة الأولى .

إنها أول الفرائض ، وأهم الواجبات ، وأعظم الحقوق ، كيف لا وهي حق الله تعالى على عباده .
هذه الفريضة هي معرفة الله .. معرفة الله بالتوحيد .
توحيد الله هو أول الأمر وآخره .

هو أول الأمر ، لأن الله تعالى لا يقبل من عبد صرفاً ولا عدلاً حتى يحقق التوحيد ، وفي الصحيحين أنه  قال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن :"فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله" وفي رواية :"إلا أن يوحدوا الله" .
والتوحيد آخر الأمر كما في حديث معاذ  أن النبي  قال:"من كان آخرُ كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" أبوداود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني .
توحيد الله هو دين الرسل ، من أولهم وهو نوح عليه السلام ، إلى آخرهم وخاتَمهم وهو محمد .
قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) .
وما هو التوحيد؟ إذا أردنا معرفة التوحيد باختصار ، فالتوحيد نوعان : توحيد علمي ، وتوحيد عملي .
أما التوحيد العلمي فيشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات .
وملخص توحيد الربوبية : إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والملك والتدبير وغيرِ ذلك من أفعاله سبحانه .
وأدلة هذا التوحيد في هذا الكون لا تعد ولا تحصى ، في الآفاق من حولنا ، وفي أنفسنا وذواتنا .
(وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون).

فالله تعالى هو الرب الخلاق ، الملك الرزاق .. خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وفطر السماوات والأرض ، وسخر الشمس والقمر ، وجعل الظلمات والنور ، وهو الذي يرسل الرياح ، ويُنْزِل المطر ، ويخرج النبات ، ويدبر الأمر ويفصل الآيات (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين).

ومن تأمّل هذه الآياتِ ، امتلأ قلبه إجلالاً وتعظيماً لله سبحانه .. فأعرف النّاس بالله هو أشدّهم له تعظيمًا وإجلالاً: فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .
وأما توحيد الأسماء والصفات فملخصه : إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله  من الأسماء والصفات إثباتاً يليق بجلال الله تعالى ، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .

وهذا التوحيد أعني توحيدَ الأسماء والصفات هو روح الإيمان ، فإنه متى ما عرف العبد أسماء الله وصفاتِه ، وعلم ما تدل عليه من المعاني العظيمة ، وتعبد الله بهذه الأسماء والصفات ، ودعاه بها ؛ انفتح لقلبه باب التوحيد الخالص والإيمان الكامل .
أخي : هل عرفنا الله؟ هل ذكرناه بقلوبنا قبل أن نذكره بألسنتا؟ .

إنه الله الذي لا إله إلا هو .. المتوحد بالجلال بكمال الجمال .. المتفرد بتصريف الأمور على التفصيل والإجمال .
إنه الله العليم الذي أحاط علمه بجميع المعلومات .. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ، عالم الغيب والشهادة ، وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ، وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ، إن ذلك على الله يسير .
العزيز الذي لا مغالب له ، الجبار الذي له الجبروت والعظمة ، المتكبر الذي لا ينبغي الكبرياء إلا له .
القهار الذي قصم بسلطان قهره كلَّ مخلوق وقهره .
الغفار الذي لو أتاه العبد بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيه لا يشرك به شيئاً لأتاه بقرابها مغفرة .

إنه الله الحليم ، الذي لا يعاجل أهل معصيته بالعقاب ، بل يعافيهم ويمهلهم ليتوبوا فيتوب عليهم إنه هو التواب .
إنه الله الكريم ، الذي لو أن أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم قاموا في صعيد واحد فسألوه ، فأعطى كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .. يقابل الإساءة بالإحسان ، والذنب بالغفران ، ويقبل التوبة ويعفو عن التقصير .

إنه الله المجيب لدعوة الداعي إذا دعاه ، في أي مكان كان ، وفي أي زمان ، لا يشغله سمع عن سمع ، ولا تختلف عليه المطالب ، ولا تشتبه عليه الأصوات ، فيكشف الغم ، ويذهب الهم ، ويفرج الكرب ، ويستر العيب .

إنه الله الجليل الأكبر الخالق الباريء والمصور
باري البرايا منشيء الخلائق مبدعهم بلا مثال سابق
الأول المبدي بلا ابتداء والآخر الباقي بلا انتهاء
الأحد الفرد القدير الأزلي الصمد البر المهيمن العلي
علوَّ قهر وعلوَّ الشان جل عن الأضداد والأعوان
كذا له العلو اوالفوقية على عباده بلا كيفية
ومع ذا مطلع إليهمو بعلمه مهيمن عليهم
وهو الذي يرى دبيب الذر في الظلمات فوق صم الصخر
وسامع للجهر والإخفات بسمعه الواسع للأصوات
وعلمه بما بدا وما خفي أحاط علماً بالجلي والخفي

عباد الله .. إن معرفة الله بجلاله وعظمته توصل العبد إلى درجة الإحسان ، وتورث القلب الشعورَ الحيّ بمعيّته سبحانه.
ها هو رسول الله عندما لجأ هو وصاحبه إلى الغار, واقترب الأعداء منهم حتى كانوا قابَ قوسين أو أدنى, قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، لو أنّ أحدَهم نظر إلى قدميه لرآنا، فيردّ عليه رسول الله بكلّ ثِقة وإيمان : (( يا أبا بكر ، ما ظنّك باثنين ، الله ثالثهما؟!)) .
ومِن قبله يقِف موسى وجنودُه عند شاطئ البَحر فيقول قوم موسى : إنّ فرعونَ من ورائنا والبحرَ من أمامنا, فأين الخلاص؟! (قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) ، فيردّ نبيّ الله موسى عليه السلام باستشعارٍ لعظمة الله وثِقة كاملةٍ بموعود الله: كلا ، إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ) ،فكان بعدَها النّصر والتّمكين .

أما النوع الثاني من التوحيد وهو التوحيد العملي ، فالمراد به توحيد الألوهية ، أي العبادة .
وعنوان هذا التوحيد : تلك الكلمة العظيمة التي قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وأرسلت بها الرسل وأنزلت الكتب ، ونصبت الموازين ، ووضعت الدواوين ، وقام بها سوق الجنة والنار ، وانقسمت بها الخليقة إلى مؤمنين وكفار ، وأبرار وفجار .

تلكم الكلمة هي كلمة التوحيد : لا إله إلا الله .
ركن الدين وأساسه ، وأصل الأمر ورأسه . أفضل الحسنات وأجلُّ القربات .
هي العروة الوثقى ، وكلمة التقوى .. لو وُزنت لا إله إلا الله بالسماوات والأرض لرجحت بهن عند الله ، ففي المسند بسند حسن من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي أنه قال: ((إن نوحاً قال لابنه: آمرُك بـ"لا إله إلا الله" فإن السماواتِ السبعَ والأرضين لو وضعت في كفة ، ووضعت "لا إله إلا الله" في كفة لرجحت بهن "لا إله إلا الله"، ولو أن السماواتِ السبعَ كنَّ حلقة مبهمة لقصمتهنَّ "لا إله إلا الله")).

(لا إله إلا الله) تخرق الحجبَ حتى تصل إلى الله جل وعلا، ليس بينها وبينه حجاب ، ففي الترمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((ما قال عبد: لا إله إلا الله مخلصاً ، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضيَ إلى العرش ما اجتُنبت الكبائر)).
وهي مفتاح الجنة ، ففي الصحيحين من حديث عِتبان أن النبي قال: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) .
أخوة الإيمان .. وهل المراد بهذه الكلمة العظيمة التلفظ بها فقط؟

لا .. قيل لوهب بن منبِّه رحمه الله: أليس مفتاح الجنة "لا إله إلا الله"؟! قال: "بلى، لكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن أتيتَ بمفتاح له أسنان فُتح لك، وإلا لم يفتح ".
ولما قيل للحسن البصري رحمه الله : إن ناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة!! قال: "من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة" .

وفي أحد الأيام التقى الحسن رحمه الله بالفرزدق الشاعر المعروف وهو يدفن امرأته ، فقال له الحسن: "ما أعددت لهذا اليوم؟" قال الفرزدق: شهادةَ أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، فقال الحسن: "نِعم العدّة، لكن لـ"لا إله إلا الله" شروط، فإياك وقذفَ المحصنات .

إذن .. كيف نؤدي حق هذه الكلمة؟
اعلم أيها المبارك أنك عندما تقول : (لا إله إلا الله) ، فإنك تقصد أمرين عظيمين :
الأولُ: ضبطُ الاعتقاد ، فتعتقد بقلبك أنه لا معبود بحق إلا الله ، وتصحح اعتقادك وفكرك بناء على هذه القاعدة .
الثاني: ضبطُ العمل والسلوك بما يقتضيه التوحيد .
ولهذا ، يذكر أهل العلم لكلمة لا إله إلا الله سبعةَ شروط وردت في النصوص الشرعية .
وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقا وردت
فإنه لم ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها
العلم واليقين والقبول والانقياد فادر ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه

فأول الشروط: العلم المنافي للجهل ، العلم بمعنى لا إله إلا الله ، وهو: لا معبود بحق إلا الله . والثاني: اليقين المنافي للشك، والثالث: الإخلاص المنافي للشرك، والرابع: الصدق المنافي للكذب، والخامس: القبول المنافي للرد، والسادس: الانقياد المنافي للترك، والسابع: المحبة المنافية للبغض .
وباجتماع هذه الشروط يستقيم القلب ، ويتعلق بربه ، مؤتمراً بأوامره، منتهياً عن نواهيه، واقفاً عند حدوده ، فلا استنصارَ إلا بالله، ولا توكلَ إلا على الله، و لا رغبةَ ولا رهبةَ، ولا خوفَ و لا رجاءَ إلا بالله ومن الله .

قال الإمام ابن القيم:"وليس التوحيدُ مجردَ إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله ، وأن الله رب كل شيء ومليكه ، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون !! بل التوحيد يتضمن من محبة الله ، والخضوع له ، والذل له ، وكمال الانقياد لطاعته ، وإخلاص العبادة له ، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال ، والمنع والعطاء ، والحب والبغض ؛ ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها" .

أيها المؤمنون .. من حقق التوحيد كان الله تعالى أعظم شيء في قلبه ، وكلُ شيء دون الله هباء، فلا تروعه سطوة قوي، ولا تخدعه ثروة غني .. لأنهم لا شيء أمام قدرة الله .
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ، وبسنة نبيه  ، وجعلنا الله وإياكم ممن حقق التوحيد ، إنه على كل شيء شهيد .
الخطبة الثانية
الحمد لله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

إخوة الإيمان .. إذا كان هذا هو شأن التوحيد ، فإنه يحق لعين الموحد أن تدمع ، ولفؤاده أن يتفطر ، وهو يرى فئاماً من أبناء هذه الأمة يقعون في أنواع شتى من الشرك المنافي للتوحيد أو كماله .
ففي بعض البلدان الإسلامية فئام من الناس ، قد تعلقوا بأصحاب القبور، والتجؤوا إليهم، وتضرعوا أمام أعتابهم، فقبلوها وتمسحوا بها، وطافوا بها ، وأوقفوا الأموال الطائلة عليها ، واستغاثوا بأهلها في الشدائد والكروب .
وإذا أنكرت على هؤلاء قاموا عليك ، واتهموك بأنك تتنقص الأنبياء ، ولا تحب الأولياء .

سبحان الله .. وهل كان شرك الأولين ، قومِ نوح ومن بعدهم إلا بدعاء الأولياء والتعلق بهم من دون الله؟.
ومما يهدم التوحيد في النفوس ما يقع في بعض الكتابات أو البرامج من الطعن في الدين وأحكامه ، والاستهزاء بالله وكتابه ورسوله  ، وقد قال الله (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) .

ثم انظر إلى من فتنوا بالسحرة الدجالين ، والمشعوذين الأفاكين ، الذين تطاولوا على الغيب فيما يسمى بمجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان ، أو معرفة الأبراج.
وقد قال رسول الله : ((من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )) [رواه الأربعة والحاكم] .
ثم انظر إلى ما يقع فيه بعض المسلمين من تعليق التمائم والحروز، يعلقونها على أجسادهم وعلى عيالهم ، بدعوى أنها تدفع الشر، وتُذهب العين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ [الأنعام:17].
وعلى إحدى القنوات الفضائية تخرج لنا امرأة دجالة تضع أمامها جهاز الحاسوب ، في برنامج مباشر لتتلقى اتصالات المشاهدين والمشاهدات .
ثم تسأل المتصل بعض الأسئلة : أين ولدت ؟ في أي يوم ولدت؟ في أي ساعة؟ .
ثم تبدأ هذه الدجالة بتجاوز الخطوط الحمراء لتدخل عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، أنتَ سيحدث لك كذا وكذا، وأنتِ انتبهي الشهر القادم لأنه سيحدث لك كذا .
(قل لايعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) .
هكذا تطعن العقيدة في قلوب الموحدين . والمصيبة أن هذه البرامج تجد رواجاً عند بعض المسلمين .

نقول هذا الكلام ، والأمة اليوم تعيش واقعاً مريراً ، جراء تسلط الأعداء من اليهود والنصارى ، وإراقة دماء المسلمين ، واستباحة حرماتهم ، وهدم منازلهم ، وأسر أبنائهم ، وتهديد مقدساتهم كما يحصل للمسجد الأقصى المبارك .
ثم نتساءل ونقول : (أنى هذا ، قل هو من عند أنفسكم) .
كيف ينصر الله أمة ضيع كثير من أبنائها أصل الدين ، واتخذوا من دون الله أنداداً وشركاء؟
كيف ينصر الله أمة يسير كثير من أبنائها على خطى أبي جهل وأبي لهب ؟
هل نحن جديرون بنصر الله؟ هل نحن مهيئون لتطهير الأقصى من رجس أعداء الله؟.

نعم .. المسجد الأقصى المبارك الذي باركه الله وبارك وما حوله ، قبلة الأمة ، وبوابة السماء، المسرى النبوي ، والمعراج المحمدي ، والعهد العمري .. المكان الطاهر الذي تشد إليه الرحال بعد أن كانت تشد إليه النفوس والأفئدة . هاهو اليوم يشكو احتلال اليهود الغاصبين ، وينادي بالمسلمين : أن عودوا إلى دينكم ، وتعلقوا بربكم ، وحققوا توحيدكم ، وأصلحوا أنفسكم . فوالله ثم والله لن تنتصروا على أعدائكم حتى تنتصروا على شهواتكم . (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) .

أيها المسلمون .. لن تعيد الأقصى شركيات القبوريين ، ولا محدثات المبتدعين ، ولا تفجيرات المفسدين ، ولا دعوات المتحررين ، ولا فسق الستار أكاديميين ، بل تعيده بإذن الله عزائم الموحدين ، ودماء الشهداء الصادقين ، وجهود الدعاة المخلصين .

فالتوحيد التوحيد عباد الله .. نتعلمه ، ونعمل به ، ونربي عليه أبناءنا، وندعو إليه إخواننا في كل مكان .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

اللهم كما هيأت لنا صلاة الجمعة في هذا الجامع المبارك ، اللهم فاغفر لبانيه ، اللهم اغفر لمن بني له ، ولكل من أسهم في بنائه أو القيام عليه ، اللهم اغفر لهم وارحمهم وتقبل حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم ، وبارك لهم في ذرياتهم إنك جواد كريم .


اللهم أعز الإسلام والمسلمين ....






آخر مواضيعي 0 الرئيس محمد حسني مبارك يعلن تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية
0 رساله عاجله الى المعتصمين فى ميدان التحرير والى كل المتناحرين على الحكم
0 تحكيم شرع الله ضرورة شرعية وعقلية
0 صور من تعامل السلف مع الحكام
0 الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
رد مع اقتباس
قديم 01-07-2010, 08:21 PM رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
ام معاذ

الصورة الرمزية ام معاذ

إحصائية العضو







ام معاذ غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

الكتاب : موسوعة خطب المنبر
موسوعة شاملة للخطب التي تم تفريغها في موقع شبكة المنبر
http://www.alminbar.net
حتى تاريخ 15/6/2007م، ويبلغ عددها أكثر من 5000 خطبة، معظمها مخرجة الأحاديث، والعديد منها بأحكام الشيخ الألباني - طيب الله ثراه -
وهي مفهرسة بعنوان الخطبة واسم الخطيب حتى يسهل الوصول إلى موضوع معين.

قام بإعدادها للمكتبة الشاملة:
أحمد عبدالله السني.
الصوفية وبدعة المولد
-------------------------
قضايا في الاعتقاد
الاتباع, البدع والمحدثات
-------------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - العزة في صدر الإسلام لله ولرسوله وللمؤمنين 2 - الأمر بالإعتصام بالكتاب والسنة 3 - الإفتراق حدث بعد عهد الخلفاء الراشدين 4 - ظهور التصوف 5 - بعض نماذج الغلو في المجتمع المسلم
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، واشكروه على أن أخرجكم من الظلمات إلى النور؛ فلقد كان العرب قبل الإسلام يعيشون في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وشرك، وظلم، وفساد أخلاق … وغير ذلك، وقد انتهت تلك الفترة ببزوغ فجر الإسلام وطلوع شمسه وانتشار نوره في العالم، حتى أنار الطريق لكل سالك، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، فقامت للإسلام دولة قوية ذات منعة، وعاش المسلمون في عصر النبوة حياة لم يسبق لها مثيل ولم يوجد لها مثيل؛ توحيد خالص لله وحده، وعدل، وإنصاف وطاعة لله ولرسوله، وتحابب في الله، وتآخ، واعتزاز بالإسلام، وعزة، وكرامة، وهيبة في قلوب الأعداء، وقد سجل لهم القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين [المنافقون:8].
عباد الله!
وهكذا عاش المسلمون في ذلك العهد الفريد إلى أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى.
إلا أنه لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى؛ إلا بعد أن أكمل الله الدين، والكامل لا يقبل الزيادة عادة، وإن نعمة الله على اتباع محمد بالإسلام قد تمت، ولذلك قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:8].
نزلت هذه الآية في حجة الوداع في يوم الجمعة بعرفة، وفي اليوم نفسه خطب النبي خطبة يوم عرفة المشهورة، جاء في آخرها قوله عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب أصحابه: ((أنتم مسؤولون عني؛ فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت ونصحت. فجعل يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم! اشهد، اللهم! اشهد، اللهم! اشهد))(1).
عباد الله!
ولم يعش النبي بعد حجة الوداع طويلاً، بل أخذ يحدث أصحابه وأتباعه أنه إن تركهم سوف لا يسلمهم للفوضى، بل يتركهم على منهج واضح ليس فيه أدنى غموض؛ إذ قال لهم: ((تركتكم على محجة بيضاء نقية، لا يزيغ عنها إلا هالك))، وقال: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله، وسنتي)).
فتركهم على هذا المنهج المصون، ونصحهم ليتمسكوا به ولا يحيدوا عنه ولا يزيدوا فيه، وحذرهم من الزيادة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد))(2)، وقال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))(3).
ثم إنه عليه الصلاة والسلام ترك هذا المنهج في أيد أمينة وقوية، فى أيدي جماعة كانت حريصة على الأمة حرصاً شديداً، وهم رجال رباهم على المنهج، وهم أصحابه الذين اختارهم الله لصحبته، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين المهديون؛ فحافظوا على المنهج وعلى وحدة الأمة، ووقفوا أمام أسباب الانقسام والتفرق؛ لئلا تعود الأمة إلى الجاهلية الأولى من جديد، أو إلى ما يشابه ذلك.
في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، وفي خلافة علي رضي الله عنه خرجت الخوارج، وتشيعت، ثم ظهرت الفرق متتابعة من جبرية ومرجئة وجهمية ومعتزلة وأشعرية وما تريدية، فقسمت بين المسلمين ما تتوقعه من الانقسام والتفرق؛ تصديقاً لقوله : ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار؛ إلا واحدة، وهي الجماعة))(4).
وهكذا بدأت الجاهلية المعاصرة من جديد في صور شتى، وأخص من تلك الصور جاهلية التصوف؛ فقد ظهرت وانتشرت بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إن الصوفية ظهرت أول ما ظهرت في البصرة بالعراق على أيدي بعض العباد الذين عرفوا بالغلو في العبادة والزهد والتقشف المبالغ فيه، بل لقد زين لهم الشيطان أن يتخذوا لباس الشهرة، فلبسوا الصوف، وقاطعوا القطن؛ بدعوى أنهم يريدون التشبه بالمسيح عليه السلام، فنسبوا إلى الصوف، فقيل لهم: الصوفية، فدعوى أنهم منسوبون إلى أهل الصفة أو إلى الصف المتقدم دعوى باطلة يكذبها الواقع واللغة).
عباد الله:*
هكذا ظهرت جاهلية التصوف، ومن تلك المدينة انتشرت، ولو رجعنا إلى الوراء في تاريخنا الطويل؛ لوجدنا أن هذه البدعة التي تسمى بالتصوف اليوم قد أطلت برأسها في عهد الرسول ؛ إلا أنها قمعت عند أول ظهورها أو التفكير فيها، ويدل على ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي فلما أخبروا؛ كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟*فقال أحدهم: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبداً وقال آخر: وأنا أقوم الليل ولا أرقد، وقال آخر: وأنا أصوم ولا أفطر. فجاء رسول الله، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله؛ إنى لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني)) (5)
فأشعرهم النبي أن الأساس في العبادة الاتباع لا الابتداع.
عباد الله**!
ومما ينبغي أن يعلم أن حسن النية وسلامة القصد والرغبة في الإكثار من التعبد كل هذه المعاني لا تشفع لصاحب البدعة لتقبل بدعته أو لتصبح حسنة وعملاً صالحاً؛ لأن هؤلاء الثلاثة لم يحملهم على ما عزموا عليه إلا الرغبة في الخير بالإكثار من عبادة الله رغبة فيما عند الله؛ فنيتهم صالحة، وقصدهم حسن؛ إلا أن الذي فاتهم هو التقيد بالسنة التي موافقتها هي الأساس في قبول الأعمال مع الإخلاص لله تعالى وحده.
عباد الله!
ولعلنا عرفنا أن بدعة التصوف ظهرت أول ما ظهرت مغلفة بغلاف العبادة والزهد، وهما أمران مقبولان في الإسلام، بل مرغوب فيهما، ثم ظهرت على حقيقتها التي هي عليها الآن، وهذا شأن كل بدعة؛ إذ لا تكاد تظهر وتقبل إلا مغلفة بغلاف يحمل على الواجهة التي تقابل الناس معنى إسلامياً مقبولاً بل محبوباً.
عباد الله!
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في معرض حديثه عن الصوفية: ولم يطل الزمن حتى انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة والمرتزقة، وهذه المتصوفة المنتشرة فى العالم الإسلامي من أولئك المبتدعة والزنادقة؛ كالحلاج الذي قتل أخيراً بزندقته، وابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، وغيرهم من مشايخ الصوفية.
وقد شوهت هذه الطائفة - الصوفية - جمال الدين، وغيرت مفاهيم كثيرة من تعاليم الإسلام لدى كثير من المخدوعين، الذين يحسنون الظن بكل ذي عمامة مكورة وسجادة مزخرفة ومسبحة طويلة، ويستسمنون كل ذي ورم، فأخذوا يحاولون أن يفهموا الإسلام بمفهوم صوفي بعيد عن الإسلام الحق الذي كان عليه المسلمون الأولون قبل بدعة التصوف التي دخلت على السذج، وحالت بينهم وبين المفهوم الصحيح للإسلام.
عباد الله!
لا شك أن من أحدث عبادة من عند نفسه لم يشرعها الله قد رغب عن سنة رسول الله واتبع غير سبيل المؤمنين، وقد ورد الوعيد في ذلك؛ فعن ابن مسعود؛ قال: قال رسول الله : ((أنا فرطكم على الحوض، وليختلجن رجال دوني، فأقول: يا رب! أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ إنهم غيروا وبدلوا. فيقول النبي : سحقاً سحقاً لمن غير وبدل))(6).
فهذه براءة من النبي لمن غير وبدل في دين الله ما لم يأذن به الله.
اللهم! اجعلنا متبعين لا مبتدعين، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، على سنة رسولك .
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
إن خير الهدي هدي محمد ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله!
لقد كثرت البدع في زماننا هذا وانتشرت، وعلى سبيل المثال لا الحصر منها التزام كيفيات وهيئات معينة؛ كالذكر على هيئة الاجتماع بصوت واحد، والتزام عبادات معينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته، والاحتفال بيوم الإسراء والمعراج، وتخصيصه بعبادة معينة؛ علماً بأن تاريخه قد اختلف في تحديده، وحتى لو عرف تاريخه؛ فإن الله لم يميزه بعبادة مخصوصة.
عباد الله!
وهناك بدعة خطيرة تفعل في هذا الشهر - ربيع الأول -، تمس شخصية الرسول ، وهي بدعة الاحتفال بعيد مولده ، والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن مثل هذه الاحتفالات لم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل، بل ولا في القرون المفضلة، حتى جاءت الدولة الفاطمية .والتي انتسبت إلى فاطمة ظلماً وعدواناً، بل إن المحققين من المؤرخين يرون أنهم ينحدرون من أصل يهودي - وقيل: مجوسي -، وقد احتفل الفاطميون بأربعة موالد: مولد النبى ، وعلي بن أبي طالب وولاية الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين.
عباد الله *
قسم العلماء الاجتماع الذي يكون في ربيع الأول، ويسمى باسم المولد، إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات؛ فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في (الفتاوى الكبرى) : أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية؛ كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار؛ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في (اقتضاء الصراط المستقيم) إن هذا (أي: اتخاذ المولد عيداً) لم يفعله السلف، (مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه).
قال: (ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً؛ لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص).
وقال الفاكهاني في رسالته في المولد المسماة بـ (المورد في الكلام على عمل المولد)؛ قال في النوع الخالي من المحرمات من المولد: (لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، والمتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة؛ قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً إليه، وحقيقة المندوب ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت، ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين؛ فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو حراماً).
وأما القسم الثانى من عمل المولد، وهو المحتوي على المحرمات؛ فهذا منعه العلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في فتوى له: (فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة؛ فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).
وقال الفاكهاني في "رسالته": "الثاني (أي: من نوعي عمل المولد) : أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم المال ونفسه تتبعه وقلبه يؤلمه ويوجعه لما يحدث من ألم الحيف وقد قال العلماء: أخذ المال بالباطل كأخذه بالسيف، لاسيما إن أدى ذلك إلى شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات: إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفراد، وهن رافعات أصواتهن بالتطريب، غافلات عن قوله: إن ربك لبالمرصاد [الفجر:14]. وهذا لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، ولاسيما أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.
وقال الفاكهاني: (وقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب. هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي - وهو ربيع الأول - هو بعينه الذي توفي فيه؛ فليس الفرح فيه بأولى من الحزن).
عباد الله! *
لا شك أن العواطف الكاذبة ودعوى حب الرسول هي التي حدت بأولئك الجهلة أن يبتدعوا ولا يتبعوا، وكيف تجتمع دعوى حب الرسول مع مخالفة أمره في النهي عن الإحداث في الدين، والضدان لا يجتمعان، وقد جعل الله ميزان محبته ودليلها اتباع رسول الله ؛ قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [آل عمران:31].
__________
(1) 1 الحديث اخرجة الامام مالك بن انس رحمه الله في " الموطا) في ( القدر، رقم 3، باب النهى عن القول بالقدر)، بلاغا، بلغة ان رسول الله قال: ((تركت فيكم امرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله))
(2) 3 الحديث اخرجه: البخارى ومسلم وابو داود من حديث عائشة رضى الله عنها .
(3) 2 الحديث اخرجه الترمذى وصححه ولكن بدل قوله: " عليكم " بـ "علية " وابن حبان والحاكم، وضعفه ابن القطان الفاسى المتوفى سنة (628هـ) لجهالة حال عبد الرحمن بن عمرو السلمى وقال شعيب الارنؤوط: " والية اميل "
(4) 4 هذا الحديث جزء من حديث اخرجة ابن ماجة رحمة الله في ( كتاب الفتن باب افتراق الامم ) وقال البوصيرى في "الزوائد" هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ،رواة الامام احمد في " مسنده ".
(5) 5 رواه البخارى .
(6) 6 الحديث اخرجه البخارى في ( الفتن) بلفظ مقارب، وكذا مسلم في ( الطهارة) بلفظ مقارب، وابن ماجة في (الزهد 4361) بلفظ مقارب ومالك رحمه الله في " الموطا" ( كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء، حديث رقم 28).
(1/1)
________________________________________
الطلاق
-----------------------
فقه
الطلاق, النكاح
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 - عقد النكاح وآثاره الشرعية والإجتماعية 2 - دعوة الإسلام لحفظ العلاقات الزوجية وإزالة كل ما يعكر صفوها 3 - كيفية فض الخلاف بين الزوجين 4 - الطلاق دواء عند إستعمال الداء 5 - صور مشينة متعلقة بالطلاق
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس!
اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].
عباد الله!
اعلموا أن الله فرض فرائض؛ فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها؛ فاعرفوا حدود الله وأحكامه، واعملوا بما تقتضيه شريعته الكاملة.
ألا وإن مما أحكمه الله شرعاً وتنظيماً النكاح، الذي جعله الله صلة بين بني آدم، وسبباً للقربى بينهم، ورتب لعقده ونسخه أحكاماً معلومة وحدوداً مدونة؛ فهو عقد عظيم، يترتب عليه من الأحكام الشيء الكثير؛ النسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات . . . وغيرها.
ألا وإن في النكاح فوائد عديدة :-منها: أنه سبب لغض البصر وحفظ الفرج عما حرم الله؛ كما قال : ((يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج))(1).
- ومنها حصول الراحة النفسية والسكن والأنس بين الزوجين؛ قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها [الروم:21]. وقال تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها [الأعراف:189]. والسكن هو الأنس والطمأنينة.
- ومنها: حصول الذرية التي بها بقاء النسل الإنساني، وتكثير عدد المسلمين.
ولهذه الفوائد وغيرها أمر الله به، ووعد بترتب الخير عليه؛ قال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله [النور:32].
ورغب سبحانه بالإبقاء على الزوجية، ونهى عن كل ما يعرضها للزوال، فأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، ولو مع كراهة أحدهما للآخر؛ قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكوهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً [النساء:19].
وبين الرسول ما جعلت عليه المرأة؛ ليكون الرجل خبيراً بحالها، فلا يطلب منها أكثر مما تطيق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله : ((إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه؛ كسرته، وإن تركته؛ لم يزل أعوج؛ فاستوصوا بالنساء))(2)، وفى رواية لمسلم: ((وكسرها طلاقها)).
وقد أرشد الله تعالى إلى وسائل لعلاج ما يحدث بين الزوجين، لو استخدمها كثير من الناس؛ لرأينا السكينة تسود حياتهم الزوجية، ولما شغلت المحاكم بالقضايا الزوجية.
فإذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه وعدم انقيادها لحقه؛ فقد أمره الله تعالى أن يصلح ذلك بالحكمة واتخاذ الخطوات المناسبة:
قال تعالى: واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا [النساء:34].
أي: الزوجات اللاتي يحصل منهن عصيان لأزواجهن فيما يجب عليهن لهم، فذكروهن ما أوجب الله عليهن في كتابه من حسن العشرة للزوج، وما عليهن من الوعيد في مخالفة ذلك؛ فإن لم يجد فيهن الوعظ؛ فعاقبوهن بالهجر، وهو الإعراض عنهن في الفرش؛ لأن ذلك يشق عليهن، فيحملهن على الإنقياد لأزواجهن، والعودة إلى طاعتهم؛ فإن لم يجد في الزوجة الهجران؛ فإنها تعاقب بما هو أشد منه، وهو الضرب غير الشديد غير المبرح.
عباد الله!
كل هذه الإجراءات يتخذها الزوج مع زوجته دون تدخل من أحد خارجي؛ فإن أستمر الشقاق بين الزوجين؛ فقد أمر الله تعالى بالتدخل بينهما لإصلاحه؛ قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما [النساء:35]. فأمر سبحانه عند تطور الخلاف بتشكيل هيئة للنظر في إزالته، تتكون من عضوين، يتحليان بالإنصاف والعدل، أحدهما من أسرة الزوج، والثاني من أسرة الزوجة، ينظران في ملابسات الخلاف، ويأخذان على يد المعتدي من الزوجين، وينصفان المعتدى عليه، ويسويان النزاع.
كل هذه الإجراءات لإبقاء عقد النكاح واستمرار الزوجية فإن لم تجد هذه الإجراءات، وكان في بقاء الزوجية ضرر على الزوجين، بحيث ساد الخصام والنزاع، وأصبحت الحياة الزوجية جحيماً من المشاكل؛ فقد شرع الله الفراق بينهما بالطلاق.
فالطلاق هو آخر المراحل، وهو في مثل هذه الحالة رحمة من الله، يتخلص به المتضرر، وتتاح له الفرصة للحصول على بديل أحسن؛ كما قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً [النساء:130]. أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا؛ فليحسنا ظنهما بالله؛ فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، ويقيض للمرأة رجلاً يوسع عليها به.
عباد الله!
وإذا كان الزوج لا يرغب الزوجة ولا يريدها، وإنما يمانع من طلاقها من أجل أن تفتدي منه بمال؛ فقد حرم الله عليه هذا، وأمره بطلاقها؛ من غير أن يأخذ منها شيئاً؛ قال تعالى: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [النساء:19]. أي: لا تضار أيها الزوج زوجتك في العشرة؛ لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه، أو حقاً من حقوقها عليك، على وجه القهر لها والإضرار، أو لتبذل لك مالاً تفدي به نفسها منك.
قال ابن عباس: (يعني: الرجل يكون له امرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها؛ لتفتدي به).
وأما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الرجل أو أبغضته ولم تقدر على معاشرته والقيام بحقوقه؛ فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها؛ قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة:229].
عباد الله!
إن الله جعل الطلاق حلا أخيراً بعدما تفشل كل الحلول لحسم النزاع؛ فهو كالدواء يستعمل عند الحاجة وفق طريقة معينة رسمها الشارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة؛ فإنه يضر؛ كما يضر الدواء المستعمل على غير أصوله، ويندم فاعله حيث لا ينفع الندم.
ولهذا رسم الله سبحانه وتعالى للطلاق خطة حكيمة، تقلل من وقوعه، ويكون المتمشي على تلك الخطة الإلهية من الطلاق لا يتضرر به ولا يندم عليه، ويتجنب الآثار السيئة التي يقع فيها من أخل بتلك الخطة.
فجعل للرجل أن يطلق امرأته عند الحاجة طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها، ثم إن بدا له في تلك الفترة أن يراجعها؛ فله ذلك، وإن انقضت عدتها قبل أن يراجعها؛ لم تحل له؛ إلا بعقد جديد.
قال تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة:229]. أي: إذا طلقتها واحدة أو اثنتين؛ فأنت مخير فيها، ما دامت في العدة؛ فلك أن تردها إليك؛ ناوياً الإصلاح والإحسان إليها، ولك أن تتركها حتى تنقضي عدتها، فتبين منك، وتطلق سراحها؛ محسناً إليها؛ ولا تظلمها من حقها شيئاً.
قال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [الطلاق:1].
أي: طلقوهن وهن طاهرات من الحيض؛ من غير أن يحصل منكم جماع لهن في هذا الطهر.
فبين سبحانه في الآية الأولى العدد المشروع في الطلاق، وهو طلقة واحدة، وبين في الآية الثانية الوقت الذي يجوز فيه الطلاق، وهو الطهر الذى لم يجامع فيه.
فبان من هذا أن من يطلق زوجته ثلاثاً دفعة واحدة مخالف للشرع، وكذا من يطلقها وهي حائض أو في طهر جامع فيه.
عباد الله!
ولو أن كل واحد تقيد بما ورد في الشرع من الحلول لما يحصل في العشرة الزوجية، وتقيد بما ورد في حالة الطلاق؛ لما رأينا أناساً استحلوا الطلاق من غير علاج قبله، وطلقوا حتى حرمت عليهم زوجاتهم إلا بعد أن تنكح المرأة زوجاً غيره، فعضوا أصابع الندم، وبدؤوا يتنقلون بين أبواب العلماء بحثاً عن فرج.
قال علي رضي الله عنه: " لا يطلق أحد للسنة فيندم " .
وقال أيضاً: " لو أن الناس أخذوا بما أمر الله في الطلاق, مايتبع رجل نفسه امرأة أبدا ".
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن خير الهدي هدي محمد ، ومن اقتدى؛ فقد اهتدى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.










آخر مواضيعي 0 الرئيس محمد حسني مبارك يعلن تنحيه عن منصب رئيس الجمهورية
0 رساله عاجله الى المعتصمين فى ميدان التحرير والى كل المتناحرين على الحكم
0 تحكيم شرع الله ضرورة شرعية وعقلية
0 صور من تعامل السلف مع الحكام
0 الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين
رد مع اقتباس
قديم 01-10-2010, 01:33 PM رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

وجوب التعاون على البر والتقوى


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء لإخوة في الله وأبناء كرام للتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والتناصح في الله عز وجل. ثم أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على دعوتها لي للمشاركة بهذه المحاضرة. كما أشكر الأخ الكريم الشيخ محمد بن عبد الرزاق الدرويش على دعوته لي لهذا اللقاء، وأسأله عز وجل أن يبارك في جهود الجميع وأن يجعله لقاءا مباركا وأن ينفعنا به جميعا ويجعله عونا لنا على طاعته والتمسك بدينه والنصح له ولعباده إنه خير مسئول.
ثم عنوان الكلمة التي أتحدث إليكم بمضمونها هي كلمة التعاون على البر والتقوى، وإنها كلمة جامعة تجمع الخير كله، وأنتم والحمد لله ممن يهتمون ويعملون لتحقيق هذا الهدف، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان حيث قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[1].
فجدير بكل مسلم وكل مسلمة في أنحاء الدنيا أن يحفظوا هذا العمل وأن يعنوا به كثيرا؛ لأن ذلك يترتب عليه بتوفيق الله صلاح المجتمع، وتعاونه على الخير، وابتعاده عن الشر، وإحساسه بالمسئولية، ووقوفه عند الحد الذي ينبغي أن يقف عنده، وقد جاء في هذا المعنى نصوص كثيرة منها قوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[2]فهذه السورة العظيمة القصيرة اشتملت على معان عظيمة من جملتها التواصي بالحق وهو التعاون على البر والتقوى - والرابحون السعداء في كل زمان وفي كل مكان هم الذين حققوا هذه الصفات الأربع التي دلت عليها هذه السورة، وهم الناجون من جميع أنواع الخسران.
فينبغي لكل مسلم أن يحققها وأن يلزمها وأن يدعو إليها وهي الإيمان بالله ورسوله إيمانا صادقا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتصديق أخباره سبحانه، ويتضمن الشهادة له بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتصديق أخباره عليه الصلاة والسلام، كما يتضمن العمل الصالح، فإن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية عند أهل السنة والجماعة؛ فالإيمان الصادق يتضمن قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، وعمل القلب بمحبة الله والإخلاص له وخوفه ورجاءه والشوق إليه ومحبة الخير للمسلمين مثل دعائهم إليه، كما يتضمن العمل الصالح بالجوارح وهو قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي كما تقدم.
ثم يتضمن أمرا ثالثا وهو التواصي بالحق وهو داخل في العمل الصالح وداخل في الإيمان، ولكن نبه الله عليه فأفرده بالذكر بيانا لعظم شأنه، فإن التواصي له شأن عظيم وهو التعاون على البر والتقوى والتناصح في الله وإرشاد العباد إلى ما ينفعهم ونهيهم عما يضرهم، وكذا يدخل في الإيمان أيضا الأمر الرابع وهو التواصي بالصبر. فاشتملت هذه السورة العظيمة على جميع أنواع الخير وأصوله وأسباب السعادة. فالتعاون على البر والتقوى معناه التعاون على تحقيق الإيمان قولا وعملا وعقيدة، فالبر والتقوى عند اقترانهما يدلان على أداء الفرائض وترك المحارم، فالبر هو أداء الفرائض واكتساب الخير والمسارعة إليه وتحقيقه، والتقوى ترك المحارم ونبذ الشر، وعند إفراد أحدهما عن الآخر يشمل الدين كله. فالبر عند الإطلاق هو الدين كله، والتقوى عند الإطلاق هي الدين كله كما قال عز وجل: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[3]، وقال تعالى في آيه أخرى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}[4]والتعاون على البر والتقوى هو تعاون على تحقيق ما أمر الله به ورسوله قولا وعملا وعقيدة، وعلى ترك ما حرم الله ورسوله قولا وعملا وعقيدة، وكل إنسان محتاج إلى هذا التعاون أيما كان ذكرا كان أو أنثى، حيث تحصل له السعادة العاجلة والآجلة بهذا التعاون والنجاة في الدنيا والآخرة والسلامة من جميع أنواع الهلاك والفساد، وعلى حسب صدق العبد في ذلك وإخلاصه يكون حظه من هذا الربح، وعلى حسب تساهله في ذلك يكون نصيبه من الخسران، فالكل بالكل والحصة بالحصة، فمن لم يقم بهذه الأمور الأربعة علما وعملا فاته الخير كله ونزل به الخسران كله، ومن فاته شيء من ذلك ناله من الخسران بقدر ما فاته من تحقيق هذه الأمور الأربعة. ولا ريب أن أهل العلم أولى الناس بتحقيق هذه الأمور وذلك بالتعاون على البر والتقوى عن إيمان وصدق وإخلاص وصبر ومصابرة؛ لأن العامة قد لا يستطيعون ذلك لعدم فقههم وعلمهم، ولا يستطيعون إلا الشيء اليسير من ذلك على حسب علمهم، ولكن أهل العلم لهم القدرة. على ذلك أكثر من غيرهم وكلما زاد العلم بالله وبرسوله وبدينه زاد الواجب وزادت المسئولية وفي هذا المعنى يقول عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[5]الآية، فكون بعضهم أولياء بعض يقتضي التناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه والحذر من كل ما يخالف هذه الولاية ويضعفها. فالمؤمن ولي أخيه وولي أخته في الله، والمؤمنة كذلك ولية أختها في الله وولية أخيها في الله، وهذا واجب على الجميع، وعلى كل منهم أن يدل أخاه على الخير وينصح له ويحذره من كل شر، وبذلك تتحقق الولاية منك لأخيك بالتعاون معه على البر والتقوى، والنصيحة له في كل شيء تعلم أنه من الخير، وتكره له كل شيء تعلم أنه من الشر وتعينه على الخير وعلى ترك الشر، وتفرح بحصوله على الخير، ويحزنك أن يقع في الشر لأنه أخوك، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)) متفق عليه، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) متفق عليه. فهذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أصول عظيمة في وجوب محبتك لأخيك كل خير وكراهتك له كل شر ونصيحتك له أينما كان وأنه وليك وأنت وليه كما قال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[6]، وفي هذا المعنى أيضا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الدين النصيحة)) قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) وفي هذا الحديث العظيم إخبار النبي عليه الصلاة والسلام أن الدين كله النصيحة، والنصح هو الإخلاص في الشيء وعدم الغش والخيانة فيه. فالمسلم لعظم ولايته لأخيه ومحبته لأخيه ينصح له ويوجهه إلى كل ما ينفعه ويراه خالصا لا شائبة فيه ولا غش فيه. ومن ذلك قول العرب: ذهب ناصح يعني سليما من الغش ويقال عسل ناصح أي سليم من الغش والشمع. وفي هذا المعنى أيضا ما رواه الشيخان من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم). فالواجب على العلماء وطلبة العلم إدراك هذا المعنى والعمل به بصفة أخص من غيرهم؛ لعلمهم وفضلهم وكونهم خلفاء الرسل في بيان الحق والدعوة إليه والنصح لله ولعباده فإنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم كما قال عز وجل: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[7]، وأنصح الناس للناس هم الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء ثم بعدهم العلماء، فهم ورثة الأنبياء وهم خلفاؤهم في الخير والنصح والدعوة إلى الله والصبر على الأذى والتحمل. ومن الولاية والنصح: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قال الله عز وجل في الآية السابقة: {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[8]، ومن ذلك الدعوة إلى الخير والإرشاد إليه، وتعليم الجاهل وإرشاد الضال إلى طريق الصواب كما قال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[9]فليس هناك أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله وقرن ذلك بالعمل الصالح، ويقول عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[10]، وقد بين سبحانه في موضع آخر أنه لابد من العلم؛ لأن الداعي إلى الله لابد أن يكون على علم حتى لا يضر نفسه ولا يضر الناس، كما قال سبحانه وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} فالداعي إلى الله والدال على الخير يجب أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه وفيما ينهي عنه. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الداعي إلى الله له مثل أجور من هداه الله على يديه، وهذا خير عظيم، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من دل على خير له مثل أجر فاعله)) خرجه مسلم في صحيحه، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلال كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) رواه مسلم أيضا. وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه لما بعثه إلى خيبر: ((ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله تعالى فيه ثم قال له فوالله لأن يهدي بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) وهذا خير عظيم، والمعنى أن ذلك خير من الدنيا كلها، لكن لما كانت العرب تعظم الإبل الحمر وتراها أفضل أموالها مثل بها عليه الصلاة والسلام. فأنتم أيها الإخوة والأبناء في حاجة شديدة إلى الإخلاص في هذا الأمر والنشاط فيه والصبر عليه لهذه النصوص التي سمعتم وغيرها مع الصدق والتحري في الخير والعناية بالأسلوب الحسن والتواضع واستحضار أن العبد على خطر عظيم، فهو يدعو إلى الله وينشر الخير وينصح ويعين على البر والتقوى مع التواضع وعدم التكبر وعدم العجب، ولا يرى نفسه أبدا إلا على خطر ويحثها على كل خير ويراقبها ويحذر من شرها ولا يعجب بعمله ولا يمن به ولا يتكبر بذلك ولا يفخر على الناس، بل يرى أن المنة لله عليه في ذلك، كما قال سبحانه وتعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[11]، فالتعاون على البر والتقوى والتناصح يقتضي الدعوة إلى الخير والإعانة عليه، فهو أيضا يقتضي التحذير من الشر وعدم التعاون مع أهل الشر، فلا تعين أخاك على ما يغضب الله عليه، ولا تعينه على أي معصية بل تنصح له في تركها وتحذره من شرورها، وهذا من البر والتقوى. وإذا أعنته على المعصية وسهلت له سبيلها كنت ممن تعاون معه على الإثم والعدوان، سواء كانت المعصية عملية أو قولية كالتهاون بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو حج البيت أو بعقوق الوالدين أو أحدهما أو بقطيعة الرحم أو بحلق اللحى أو بإسبال الثياب أو بالكذب والغيبة والنميمة أو السباب واللعن أو بغير هذا من أنواع المعاصي القولية والفعلية، عملا بقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[12]، ويدخل في الإثم جميع المعاصي. أما العدوان فهو التعدي لحدود الله والتعدي على الناس أو التعدي على ما فرض الله بالزيادة أو النقص، والبدعة من العدوان لأنها زيادة على ما شرع الله، فيسمى المبتدع متعديا والظالم للناس متعديا والتارك لما أنزل الله آثما متعديا لأمر الله، فاقتراف المعاصي إثم، والتعدي على ما فرض الله والزيادة على ما فرض الله والظلم لعباد الله عدوان منهي عنه وداخل في الإثم، كما قال تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[13]، ثم ختم الله الآية بأمره سبحانه وتعالى بالتقوى والتحذير من شدة العقاب، فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[14]، والمعنى احذروا مغبة التعاون على الإثم والعدوان وترك التعاون على البر والتقوى ومن العاقبة في ذلك شدة العقاب لمن خالف أمره وارتكب نهيه وتعدى حدوده. نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للتعاون على البر والتقوى والصدق في ذلك، وأن نبدأ بأنفسنا؛ لأن الداعي إلى الله قدوة وطالب العلم قدوة فعليه أن يحاسب نفسه في كل شيء ويجاهدها في عمل كل خير، وترك كل شر حتى يكون ذلك أجدى لدعوته وأنفع لنصحه وأكمل في تلقي الناس لنصيحته والانتفاع بدعوته وإرشاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان.

[1]سورة المائدة الآية 2.
[2]سورة العصر كاملة
.
[3]سورة البقرة من الآية 177
.
[4]سورة البقرة من الآية 189
.
[5]سورة التوبة من الآية 71
.
[6]سورة التوبة من الآية 71
.
[7]سورة الزمر الآية 9
.
[8]سورة آل عمران الآية 104
.
[9]سورة فصلت الآية 33
.
[10]سورة النحل الاية 125
.
[11]سورة الحجرات الآية 17
.
[12]سورة المائدة من الآية 2
.
[13]سورة المائدة من الآية 2
.
[14]سورة المائدة من الآية 2.
للعلامه بن باز رحمه الله






آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
قديم 01-15-2010, 09:36 AM رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه, أما بعد:
أيها الإخوة , الأمرُ العصيب هو يوم القيامة , فلينظر كلٌ منا حاله في ذلك اليوم , في ذلك اليوم يُعز المرءُ أو يُهان ، عزاً أبدياً أو إهانةً أبدية , في ذلك اليوم العصيب , يظهر الشخص على ما كان عليه في هذه الحياة بحقيقته فلا مجال للمغالطة ولا بقيى مجال للادعاءات ، وإنما ينال الشخص ويجتني ما اكتسبته يداه.
لنسمع إلى حال المتّبعين في يوم القيامة وترون أن حالهم حال كريم يقول في كتابه الكريم ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُولَ فَأُوْلَـَئِكَ مَعَالّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَآءِوَالصّالِحِينَ سورة: النساء - الآية: 69 ، انظروا اُلحقوا بمن وأُرفقوا بمن، بأكرم الخلق على الله , المتّبعون يوم القيامة يكونون رُفقاء لرسولهم عليه الصلاة والسلام , كانوا معه في الدنيا , فكانوا معه في الآخرة والجزاء من جنس العمل , هل ترضى يوم القيامة أن يُفارق بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم هو الشفيع , بل له الشفاعة العظمى والشفاعات الخاصة ، وهو صاحب الحوض العظيم الذي تُكرم فيه أمته المتّبعة لسنته , وهو الذي يفتح الجنة فلا يفتحُها قبلهُ احد , وهو أول الداخلين وأتباعه أول الداخلين , آما تحب يوم القيامة في ذلك اليوم أن ، أن تُقبل عند الله وان تُقرب من رحمته ومن رسوله ومن مغفرته سبحانه وتعالى , آما تُحب هذا , هذا وعد الله الكريم لمن يطيع الله ورسوله .
إخواني جميعاً المسلمين على مختلف مراتبهم ، ما بين تجارٍ وما بين زّراعٍ وما بين جنودٍ وما بين قادةٍ وما بين عُلماءٍ ودُعاة ، أُبشرهم بهذا الحديث العظيم , روى الإمام البخاري ومسلم من حديث انس " أن رجلا قال يا رسول الله متى الساعة , قال وما أعددت لها , قال والله ما أعددتُ لها من كثرة صلاة ولا صيام ولكني أُحب الله ورسوله , يعني ما يكثر من صلاة النوافل ولا يكثر من صيام النوافل ، فهو يؤدي الفريضة ويعمل ما تيسر من النوافل ، فماذا قال له نبينا عليه الصلاة والسلام قال له " أنت مع من أحببت " هذا الرجل من الأعراب من سكان البوادي ومع هذا يبشره الرسول بإنه معه يوم القيامة مادام انه يحبه حب الإتّباع , فاحذروا حب الابتداع , لأن حب الابتداع حبٌ مزيف وحبٌ مرفوض ولكن حب الإتّباع ينتفعُ به صاحبه بإذن الله رب العالمين , فنبشرُ المسلمين عموماً بهذه البشارة , فلا تقبلوا يا عباد الله ما يُفارق بينكم وبين رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام من ذلك اليوم .
كذلك من أحوال المتبعين يوم القيامة ما قاله الله في كتابه الكريم ﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍبِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ سورة: الإسراء - الآية: 71 ﴿ نَدْعُواْ كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ، فيوم القيامة ينادى الناس يا أتباع فلان, من كان يتّبعُ مُجرماً أو ضالاً إمام ضلالة مبتدعاً أو داعٍ إلى المعاصي والفتن ، ومن كان يتّبع شخصاً ينادى يوم القيامة يا أتباع فلان كونوا مع فلان مع الذي اتّبعوهُ ، أما من اتّبع الرسول فيُنادى يوم القيامة يا أتباع محمد يا أتباع الرسول, خاتم الأنبياء والمرسلين ، فما أعظمها من بشارة يوم أن تُنادى بأنك من أتباع الرسول ، أتُحب أن تكون من أتباعِ من يؤخذون إلي النار ، فانتبه يا عبد الله المرءُ مع من أحب ، من أحب السحرة كان معهم ، ومن أحب الكفرة كان معهم ، ومن أحب المغنين كان معهم ، انظر من تصطفي في حبك وتعظيمك واحترامك وتكريمك ، فقد أُمرت بل فُرض علينا أن نحب رسول الله أعظم من حبنا لابناءِنا بل لأنفسنا ، كذلك أيضاً من البشارات العظيمة يوم القيامة لأهل الإتباع أن الله عز وجل قال في كتابه الكريم ﴿ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوَاْ إِلَى اللّهِتَوْبَةً نّصُوحاً عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْوَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِىاللّهُ النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ سورة: التحريم - الآية: 8 ، فالمؤمنون المتبعون مأمَّنون يوم القيامة من الخزي والفضائح ، أما من لم يتّبع فليس مؤمنناً بل يُفضح على رؤوس الأشهاد ، على رؤوس الأشهاد أن هذا المُراءِِ الذي ادعى الإتّباع وهو مُراءٍ ، بعض الناس إن وصل إلى المتّبع للرسول تظاهر بذلك ، وإن كان مع دعاة البدع تظاهر بذلك وصار دينه على حسب مطالب الناس وأهواء الناس ، هذا يُفضح يوم القيامة لأنه لم يكن صادقاً في أتّباع الرسول عليه الصلاة والسلام , ربُنا قال ﴿ وَالّذِينَآمَنُواْ مَعَهُ ، ولم يقل والذين امنوا ، فالمؤمنون بالرسولِ كثير ، لكن المتّبعون قليل ، فهل أنت من القليل ، فالقليل دائماً في باب الخير هم المُصطفون الأخيار فكن مع المتّبعين للرسول ولا يضرك كثرةُ الهالكين وكثرةُ البعيدين عن الإتّباع ، ولا يعني كلامي أننا نكفر المسلمين الذين لم يُتم لهم الإتّباع للرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكن من لم يعتني ويهتم بأتّباع الرسول يُخشى عليه من عواقب وخيمة عياذاً بالله ، فهنيئاً للمتّبعين يوم القيامة ، هذا العلامةُ محمد ابن إبراهيم الوزير يقول ،
ياحبذا يوم القيامةِ شهرةٍ * * * بينالخلائقِ في المقامِ الأحمديِ

بمحبةٍ سُنن الشفيعِ وإنني * * * فيها عصيتُ معنفٍ،ومفنديِ


فهو يفتخر بما سيكون له يوم القيامة ، في الدنيا يحارب في الدنيا يؤذى يغمز يلمز يقال له أنت متشدد أو أنت خرجت عن المذهب ، وخرجت عما نحنُ عليه ، هكذا طبيعة الناس الذين لم يرزقوا الإتّباع ، يحاربون من يتّبع الرسول إلا من رحمهُ الله ، فأنت بحاجة إلي أن توطّن نفسك من اجل أن تثبت على كل ما جاءك به رسُولك عليه الصلاة والسلام دون أن تخضع للناس ودون أن تخاف الناس ، ودون أن تستروح إلى ما يريده الناس ، انظر إلى حال المتّبعين في هذا اليوم العصيب ما أكرمهم على الله ، لأنهم أكرموا أنفسهم بإتباع الرسول بإتباع الكتاب والسنة.
نعم أيها الناس ، إذاً لابد أن نحرص على أن نقبل الدين كله الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام نقبله كان لنا أو علينا ، تعبنا أو لم نتعب ، قُبلنا عند الناس أو رفضنا الناس ، هذا حق وهذا دين قامت به السموات والأرض وهذا دين نزل به جبريل الأمين على رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، أيُردُ من اجل أن يُطاع فلان ، أيُردُ من اجل أن يُقبل ضلال فلان وانحراف فلان جاء عند أبي نُعيم والبيهقي في المناقب وابن عساكر إن الإمام الشافعي رحمه الله قال إذا رأيتموني لا اعمل بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أُشهدكم إن عقلي قد ضاع ، أُشهدكم إن عقلي قد ضاع ، أي عاقل يختار أن يُفارق الرسول ولو لحظة واحدة وان يكون مع غيره ، آلا فلنتّعقل ولنتّنبه ولا نبقى نُجر وراء الفتن والمعاصي والانحرافات ، يا عبد الله كن ثابتاً كثبُوت الجبال الرواسي ، وهذا الحسن ابنُ الحسن من آل بيت النبوة ، يقولُ لشخصٍ رافضي ، حبّونا حب الإسلام وابغضونا إذا عصينا الله ، فوا الله لو كان حب آل بيت النبوة نافعاً لكانت قرابة الرسول أحق بالنجاة من غير طاعة ، فالرسول ما نجا أبوه ولا أمه وهم من أقربائه وما نالوا النجاة لأنهم لم يُطيعوا الله ورسوله فبيننا وبين الله الطاعة ، بيننا وبين الله إننا عباده يأمر ونحن نأتمر ويزجر ونحن ننْزجر ويدعوا ونحن نستجيب ، ويخبر ونحن نصدق هذا بينك وبين الله وهذا عهد الله علينا الذي أخذهُ علينا أننا نكون هكذا ، فبعض الناس قد يلتصق بالصالحين ، ويظن أنهم ينفعونه يوم القيامة بغير تمسك وبغير هداية لا ، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لفاطمة بنته رضي الله عنها وهي سيدة نساء أهل الجنة ، يا فاطمة بنت محمد أنقذيِ نفسكِ فاني لا املك لك من الله شيئا ، ما قال لها يا فاطمة ثقي بي واركني واعتمدي علي ، فاعتمد على الله واصدق مع الله واخلص لله واثبت على الحق الذي جاء به الشرع ، وإنما يعظمُ الأجرُ والمثُوبة وتزيد الهداية من الله وتوفيق العبد عند أن يُدعى إلى ترك الحق فيثبت ويصبر ويتحمل ، يهون عليه أن يبدل من نفسه وأن يبدل من ماله ولا يهون عليه أن يضحي بشيء من دينه ، أما من كان كلما اشتدت عليه الأمور ضحى بدينه وأعطى الناس كذا من دينه ، فهذا سيخرج من دون دين ، سيخرج من الحياة بدون دين ، لان الناس لا يرضيهم إلا أن يطيعهم الشخص وان يرضيهم على ما هم عليه من الشر وعلى ما هم عليه من المخالفة.
أيها المسلمون، العصمة العصمةُ من الفتن ومن الضلال ومن الابتداع ومن التحزب ومن المعاصي أننا نتّبع كتاب ربنا وسنة رسولنا قال الله في كتابه الكريم ﴿فَمَنِاتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَىَ﴾ سورة: طه - الآية: 123، فأنت في مأمن ، من الضلال والشقاء مادمت تتّبع كل أمر تكون متّبعاً فيه للحق ، إن كنت تجهل الحق تسأل أهل العلم وترجع إلى أهل العلم ، تسألهم أهذا الذي طُلب مني اهو مشروع أم ليس بمشروع ، إما أن تجعل نفسك مفتيا عند أن تأتي الشهوات والمصالح والملذات ، فهذا من أعظم الجرأة ، ومن أعظم التجاوزات في حق الله وفي حق دينه ، فلنحرص على أن نتعاون على نشر منهاج النبوة ، فندعو المسلمين إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في كل شؤونهم وأحوالهم ، في أرزاقهم في أمنهم واستقرارهم في دراستهم في اقتصادهم في عبادتهم في أمورهم كلها ، أن يكونوا متّبعين لا مبتدعين.


روى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال " من دعا إلي هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء " وأنا وأنت بإمكاننا أن نكون دعاة إلي الهُدى بأفعالنا وأقوالنا والدين يسر فلو رأيت حراما فحذرت منه ودعوت إلى الحلال فأنت داعٍ إلى الهُدى ، لو رأيت تارك صلاة فدعوته إلي الصلاة فأنت داعٍ إلى الهُدى ولو رأيت من يسُب أو يسفك الدماء المحرمة فحذرته وأنذرته وبينت عواقب عمله فأنت داعٍ إلى الله ، فإنه من لم يدعُ الناس إلى الخيرِ دعاه الناس إلى الشر ومن لم يكن غيور على الحق صار غيوراً على الباطل ، ومن لم ينصر الحق نصر الباطل فهي سنة الله في خلقه. الشيخ محمد بن عبد الله الإمام حفظه الله









آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
قديم 02-19-2010, 10:52 AM رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

أخلاق المسلم

الرحمة
دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يقَبِّلُ حفيده
الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فتعجب الرجل، وقال: والله يا رسول الله إن لي عشرة من الأبناء ما قبَّلتُ أحدًا منهم أبدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرْحم لا يرْحم) [متفق عليه].
*يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل غفر الله له؛ لأنه سقى كلبًا عطشان، فيقول صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ (حذاءه) بالماء، ثم أمسكه بفيه (بفمه)، فسقى الكلب، فشَكَرَ اللهُ له، فَغَفَر له).
فقال الصحابة: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟
قال: (في كل ذات كبد رطبة أجر (يقصد أن في سقي كل كائن حي ثوابًا) [البخاري].
*ما هي الرحمة؟
الرحمة هي الرقة والعطف والمغفرة. والمسلم رحيم القلب، يغيث الملهوف، ويصنع المعروف، ويعاون المحتاجين، ويعطف على الفقراء والمحرومين، ويمسح دموع اليتامى؛ فيحسن إليهم، ويدخل السرور عليهم.
ويقول الشاعر:
ارحم بُنَي جمـيــع الخـلـق كُلَّـهُـمُ
وانْظُرْ إليهــم بعين اللُّطْفِ والشَّفَقَةْ

وَقِّــرْ كبيـرَهم وارحم صغيـرهــم
ثم ارْعَ في كل خَلْق حقَّ مَنْ خَلَـقَـهْ
رحمة الله:
يقول الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54]. ويقول الله تعالى: {فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 64].
ونحن دائمًا نردد في أول أعمالنا: (بسم الله الرحمن الرحيم). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي) [متفق عليه].
فرحمة الله -سبحانه- واسعة، ولا يعلم مداها إلا هو، فهو القائل: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف: 156]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) [متفق عليه].
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
الرحمة والشفقة من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]. وقال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين} [الأنبياء: 107].
وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159].
*وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط ولا امرأة) [أحمد].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّلُ ابنه إبراهيم عند وفاته وعيناه تذرفان بالدموع؛ فيتعجب عبدالرحمن بن عوف ويقول: وأنت يا رسول الله؟!
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يابن عوف، إنها رحمة، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) [البخاري].
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة، وهو ينوي إطالتها، فإذا سمع طفلاً يبكي سرعان ما يخففها إشفاقًا ورحمة على الطفل وأمه. قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوَّز لما أعلم من شدة وَجْدِ (حزن) أمه من بكائه) [متفق عليه].
رحمة البشر:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ارحم من في الأرض، يرحَمْك من في السماء) [الطبراني والحاكم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم].
والمسلم رحيم في كل أموره؛ يعاون أخاه فيما عجز عنه؛ فيأخذ بيد الأعمى في الطرقات ليجنِّبه الخطر، ويرحم الخادم؛ بأن يحسن إليه، ويعامله معاملة كريمة، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرهما والإحسان إليهما والتخفيف عنهما.
والمسلم يرحم نفسه، بأن يحميها مما يضرها في الدنيا والآخرة؛ فيبتعد عن المعاصي، ويتقرب إلى الله بالطاعات، ولا يقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق، ويجتنب كل ما يضر الجسم من أمراض، فلا يؤذي جسده بالتدخين أو المخدرات... إلى غير ذلك. والمسلم يرحم الحيوان، فرحمة المسلم تشمل جميع المخلوقات بما في ذلك الحيوانات.
الغلظة والقسوة:
حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة، وعدَّ الذي لا يرحم الآخرين شقيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شَقِي)
[أبو داود والترمذي] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس) [متفق عليه].
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة، فيقول صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة (قطة) ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض (دوابها كالفئران والحشرات)) [متفق عليه]. فهذه المرأة قد انْتُزِعَت الرحمة من قلبها، فصارت شقية بتعذيبها للقطة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة.
أما المسلم فهو أبعد ما يكون عن القسوة، وليس من أخلاقه أن يرى الجوعى ولا يطعمهم مع قدرته، أو يرى الملهوف ولا يغيثه وهو قادر، أو يرى اليتيم ولا يعطف عليه، ولا يدخل السرور على نفسه؛ لأنه يعلم أن من يتصف بذلك شقي ومحروم.






آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
قديم 02-23-2010, 05:18 PM رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى

ملخص الخطبة
1- عظمة صنع الله لمخلوقاته المبثوثة حول الإنسان. 2- دعوة للتفكر في مخلوقات الله الدالة على عظمة الخالق. 3- دورة الرياح والمطر وعجائب خلق الله.


الخطبة الأولى


أما بعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ولزوم طاعته، فتلك وصية الله للأولين والآخرين ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً [النساء:131].
أيها المسلمون: ويقلب العقلاء أفئدتهم وأبصارهم في ملكوت الله العظيم فيزيدهم ذلك إيمانا بعظمة الخالق، ودقة الصانع: " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا بها الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون [البقرة:164].
ويتأمل المختصون بعلوم البحار في عالم البحار، وقاع المحيطات فيرون في اختلاف مياهها ملوحة أو عذوبة، حرارة أو برودة وأنواعا من الحيتان تختلف أشكالها، وطعومها، وأحجامها، وخلقا آخر، وجواهر، ودررا لا يحيط بها إلا من خلق وهو اللطيف الخبير.
فمن أقام بين البحرين حاجزا، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا؟ ومن أزجى الفلك وسيرها على ظهره وأجرى الرياح وسخرها ليبتغي الناس من فضله؟ أوليس الله رب العالمين … فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ " ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير " [الشورى:32-34].
ويقرأ العالمون بالفلك ويرى غيرهم في عالم السماء كيف رفع الله السبع الشداد بلا عمد، وجعل فيها أنواعا من المخلوقات لا يعلمها إلا الله، وأودع فيها من الغيوب والأرزاق ما اختص الله بعلمه، وينزل للناس في حينه بقدر، ويبصر الناس، كل الناس، كيف زين الله السماء الدنيا بمصابيح يهتدي بها المسافرون، ويرجم بها الشياطين، وجعل للنجوم مواقع، وللشمس والقمر منازل بها يستدل الحاسبون، ويعرف الناس الأزمان والشهور .. ترى من أجراها على الدوام وسخرها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها؟ إنه الله الولي الحميد.
" قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " [القصص:71-73].
ويح أولئك الذين لا يشكرون، وما أكثر الذين هم بنعم ربهم غافلون " الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر فهل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير " [الملك:3-5].
أيها المسلمون: ويبحث علماء الجغرافيا أو الجيولوجيا في طبقات الأرض العلوية أو السفلية، فيرون مختلف الجبال وأنواع الصخور، فهذه جدد بيض وتلك حمر مختلف ألوانها، وثالثة غرابيب سود، ويلفت نظرهم قمم الجبال العالية وبطون الأودية السحيقة، وبين هذا وذاك تنبت أنواع من النباتات وتنتشر أنواع من الحيوانات، وإذا اعتدل الهواء في المناطق المتوسطة باتت قمم الجبال العالية السوداء بيضاء من الثلوج النازلة، وفى حين تنعدم الحياة في المناطق الاستوائية لشدة الحرارة .... ترى من قدر لهذه وتلك قدرها .. وهل في إمكان البشر أن ينقلوا جو هذه إلى تلك أو العكس ... أو يبعثوا الحياة في الأرض الميتة..؟!
كلا بل هو الله العلي القدير، ويدرك العالمون أكثر من غيرهم أن جوف الأرض يحتفظ بأنواع من المياه الجوفية تختلف في مخزونها، وفى مذاقها، وقربها أو بعدها، فمن يمسك البنيان إذ يبنى على ظهر الماء؟ ومن يمنع الأرض أن تتحول إلى طوفان بطغيان الماء في أعلاها وأسفلها إلا الله الذي أنزل من السماء ماء بقدر فأسكنه في الأرض، وهو القادر على أن يذهب به متى يشاء.
وعلى سطح البسيطة تنتشر أنواع من البشر، تختلف في ألوانها وألسنتها، وتختلف في عوائدها وطرائق حياتها، فمن بثها وبعث الحياة فيها وألهم كل نفس فجورها وتقواها؟ إنه الله يعرفه ويخشاه العالمون، ولا يكفر به إلا الظالمون المعاندون.
" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور " [فاطر:27-28].
إخوة الإيمان: ودلائل الإيمان تبدو للإنسان نفسه حتى وإن كان أميا، وهو يتأمل في نفسه، ويبصر عظمة الخلق فيها، كيف خلقها الله ابتداء من ماء مهين، ثم كانت بهذا الشكل القويم، وأدوع فيها من أسرار الخلق ما يعجز الطب عن كنهه، ويبقى الأطباء في حيرة منه " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" [الإسراء:85].
وهذا نموذج للإعجاز والتحدي.
ترى من يرعى دقات قلب المرء في حال اليقظة والنوم؟ وأقرب الناس إليه لا يملك من أمره شيئا، بل وهل يملك الإنسان نفسه التصرف في حركة التنفس؟ فيتنفس متى يشاء، ويوقف أنفاسه إذا لم يشاء، ألم يرى الإنسان كيف يدخل الطعام مدخلا ثم يخرجه الله مخرجا آخر؟ أله في ذلك قدرة وشأن؟ وما حيلته لو اختنق النفس أو احتبس البول؟ كم في جسم الإنسان من جهاز وطاقة؟ وكم فيه من أعضاء وخلية؟ أيملك التصرف بشيء منها؟ وصدق الله وهو أصدق القائلين " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " وهو القائل لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم [التين:4].
إن القرآن يا عباد الله كتاب مفتوح للتأمل في ذات الإنسان وفي ملكوت الله، وخلقه الآخر، وكم تلفت آيات القرآن النظر للتأمل والعبرة، وتدعو للتفكر، وتشنع على العقول الخاملة، والقلوب الميتة، وكم في القرآن من مثل ودعوة ..... وكم من مثل قوله تعالى أفلا تفكرون ، أفلا تذكرون ، أفلا تعقلون ، أفلا تؤمنون ...
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [الحج:46].
فهل يزداد المسلم إيمانا حين يتلو آيات القرآن؟ وهل يتعاظم الإيمان في قلبه حين يطلق لفكره وقلبه التأمل في مخلوقات الله العظام؟
إن العلم يدعو إلى الإيمان، وإن دلائل القرآن تؤكد نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، فمن أين لمحمد الأمي أن يخبر عن حركات الأمواج في الظلمات في البحار اللجية، ويقول للناس: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور [النور:40].
ترى أركب البحر محمد صلى الله عليه وسلم، أم توفر له في حينه ما توفر في عالم اليوم من الغواصات والآلات؟ كلا إن هو إلا وحي يوحى [النجم:4].
بل ومن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم الذي عاش في بيئة يقل فيها العلم، وينتشر فيها الجهل أن يخبر عن أطوار خلق الجنين في بطن أمه، كما قال تعالى : يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فانى تصرفون [الزمر:6].
وإذا لم يعلم محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الظلمات قبل تعليم الله إياه، أفتراه يعلم أو يقول من ذات نفسه عن خلق الإنسان ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون:12-14].
ترى هل مارس محمد صلى الله عليه وسلم الطب أم كان على صلة بالأطباء، وهل كان الأطباء حينها يعلمون ذلك؟ كلا، بل هو كما قال تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون [العنكبوت:48-49].
نفعني الله وإياكم بهدي الكتاب وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم






آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
قديم 02-26-2010, 02:33 PM رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: منبر المنتدى





المسجد هيئة إسلامية ذات شأن عظيم في تربية المجتمع المسلم تربيةً إيمانية متكاملة، وحين يكون دور هذه الهيئة واضحًا وفاعلاً كما ينبغي، فإن آثار ذلك تظهر جليَّة في استقرار وتنمية هذا المجتمع.

ولو لم يكن ذلك، لما عمد النبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى تأسيس وإرساء قواعد المساجد إبَّان وصوله إلى حاضرة دولة الإسلام الوليدة، لقد كانت هذه إشارة بليغة إلى كافة من يريدون أن يلتمسوا أفضل الأماكن، وخير الوسائل في التربية، والتوجيه والإرشاد على الإطلاق في المجتمع المسلم، إنها المساجد، خير الأماكن في أرض الله - سبحانه.


وإذا كانت أشرف البقاع في الأرض هي بيوتَ الله – تعالى - فإن معمري هذه البيوت والقائمين عليها - لا شك - سيكونون من أطيب الناس نفسًا، وأوفرهم حظًّا في الصلة بخالقهم - سبحانه وتعالى - من ناحية، وفي الصلة بكافة المخلوقات، وخاصة المسلمين منهم، من ناحية أخرى؛ يقول الله – تعالى -: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].

وعن عبدالله بن رباح: أن كعبًا قال: إني لأجد في التوراة يقول - تبارك وتعالى -: "إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد، فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم زائره"، ثم قرأت القرآن فوجدت فيه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} إلى آخر الآية [النور: 36].

ثم وجدت في التوراة أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض، حتى يكون بَدْؤُها من الله، ينزلها الله على أهل السماء، ثم ينزلها على أهل الأرض، ولم يكن بغضٌ لأحد من أهل الأرض، حتى يكون بدؤه من الله، ينزله على أهل السماء، ثم ينزله على أهل الأرض، ثم قرأت القرآن فوجدت فيه: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]؛ (كتاب الزهد لأبي داود، باب إن بيوتي في الأرض المساجد).


واقع المسجد المعاصر:

إن نظرةً إلى واقع مساجدنا اليوم توضح أن الصورة الحالية تختلف – أو تتخلف – عما كان عليه، أو عما ينبغي أن يكون عليه هذا الصرح الإيماني، الذي هو موطن الصلة الأول بين العبد وبين ربه - سبحانه وتعالى.

ولعل الأفضل في هذا المقام أن تسير خطتنا في وصف الحال المأمولة، بناء على المبادئ الراسخة في شريعة الإسلام، التي هي أصلح ما يكون لكل زمان ومكان، وذلك بعيدًا عن تكديس الشكاوى من الحال القائمة؛ ففي الأول ما يغني عن هذا الآخر.


وقد جاءت محاور هذه الكلمة كما يلي:

أ- لماذا المسجد؟
ب- وظيفة المسجد.
ج- متى يرتاد الفتيان المسجد؟
د- استقبال المساجد للنساء.
هـ- سمات مسجد اليوم.
و- الدور الأمثل لمسجد اليوم.
ز- موضوعات مسجدية.
ح- الخاتمة والخلاصة.

وعلى الله - تعالى - التكلان، ومنه العون والتوفيق.

(أ) لماذا المسجد؟

في عصرنا الحاضر مؤسسات كثيرة تقوم على توجيه المجتمعات والعناية بها، ومن هذه المؤسسات ما يبني أعماله على النظريات التربوية الحديثة، ومنها ما يهمل ذلك ويعتمد فقط على الإداريات التجريبية أو المدروسة، وتأتي نتائج هذه التوجيهات من تلك المؤسسات شاهدة على مدى واقعية هذه النظريات أو إخفاقها.
أما المسجد، فإنه ينأى بعيدًا عن هذه النظريات التجريبية، إنه صرح إيماني يقوم على الأرض؛ ليصبغ نفوس زواره بصبغة الله؛ {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 137].


فاعتياد زيارته والتردد عليه دليلٌ ظاهر على الإيمان؛ فقد روى أحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد، فاشهدوا له بالإيمان، قال الله – تعالى -: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة/18]))، وفي رواية أخرى: ((يتعاهد)) بدلاً من ((يعتاد)).

وفي "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" يقول المباركفوري: "{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ}؛ ‏أي: بإنشائها، أو ترميمها، أو إحيائها بالعبادة والدروس، قال صاحب "الكشاف": عمارتها: كنسها، وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر، وصيانتها عما لم تُبْنَ له المساجد من حديث الدنيا، فضلاً عن فضول الحديث". اهـ.


(ب) وظيفة المسجد:

إن المراقب لأحوال المساجد على مدى العصور الإسلامية لَيسهلُ عليه الإقرار بأنها لم تقتصر يومًا على أداء الصلوات فحسب؛ بل لعله قد أصبح من المسلَّمات اليوم أن المسجد في الإسلام هو الجامع لقلوب المسلمين، والمانح لهم الطمأنينة والسكينة، والرحمة والمغفرة من عند الله - سبحانه وتعالى.

وفي المسجد تتجلى رموز الوحدة والقوة، حين يجتمع فيه المسلمون خمس مرات في اليوم والليلة على الأقل، وتتأكد فيه روح النظام والحضارة الإسلامية حين يَأْتَمُّون بإمامهم، ويستمعون لخطيبهم، وتحيا فيه معاني الصفح والمودة، والتواصل والتراحم حين يهش المسلم في وجه أخيه ويبش له، ويلقي مع اهتزازات اليدين كلَّ ما له صلة بالضغائن والأحقاد، فتذوب وتنصهر بينهما بحرارة التماس والخشوع والمصافحة.


إنها – والله – معانٍ مفتقدةٌ، إلا في بيوت الله - سبحانه.

والمسجد هو المربي الأصيل لفتيان الأمة وشبابها وشيوخها على السواء، فكل ما فيه وما يتصل به يحفر في النفوس معانيَ الكرامة والإنسانية الصافية، البعيدة عن الكدر والعكر، فصاحب القلب المعلَّق بالمساجد موعود بأن يكون في ظل الله - تعالى - يوم لا ظل إلا ظله، كما أن الشاب الذي نشأ في عبادة الله - سبحانه - لا يمكن أن تتحقق له هذه الصفة بعيدًا عن ارتياد المساجد، والمشاركة في إعمارها.

ومعلِّم الناس الخيرَ، الذي يصلي عليه الله وملائكتُه، وأهل السموات والأرضين، والنمل في جحورها، والحيتان في البحار
[1] - ما تزال صورته في الأذهان صورة المُحاضر الذي يُعلم أبناءه في ساحات المساجد وأركانها.

إن هذه الارتباطاتِ والمعانيَ تجعل من شرائح المجتمع أناسًا ذوي نفوس مطمئنة، ومبادئَ راسخةٍ، وتصرفات حضارية، وقلوب متفتحة، وأرواح شفافة متطلعة إلى المعالي، تستمد من رب هذا الكون قوتها وعونها، ولا تتوانى في التماس كافة الوسائل المشروعة في تطوير أحوال أمتها.


ـــــــــــــــــــــــــ ـ
[1] انظر الحديث الذي رواه الترمذي في "سننه"، باب العلم عن رسول الله، ما جاء في فضل الفقه على العبادة.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:48 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator