في عصر السرعة والتقدم .. الحمار وسيلة غزة للتعايش مع الحصار!
فلسطين الآن – وكالات - ليس بحاجة لـ"التعشيق" أيام البرد، ولا إلى استبدال الزيت كل بضعة كيلومترات، ولا يلزمه شحن البطارية، كما لا يستدعي تبديل الموتور، ولا تغيير جلدة "الديسبراتو"، ولا تهريب زيت، ولا لحام "برميل الاكزوزت".
لهذه الأسباب عادت أقدم وسيلة مواصلات في تاريخ البشرية تطفو على السطح من جديد في قطاع غزة، وهو الحمار، وذلك بعدما أصبحت وسائل المواصلات العصرية غير فعالة في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق المفروض على القطاع منذ عامين، واشتدت وتيرته منذ يونيو الماضي، والذي حرم القطاع بمقتضاه من الوقود والبنزين اللازم لتسيير المركبات.
فبسبب ندرة الوقود في القطاع تشهد حركة السير يوما بعد الآخر تراجعا ملحوظا في شوارعه، منذرة بتوقف شبه كلي؛ فأصحاب المركبات الخاصة وضعوها جانبا بعد أن عجزوا عن توفير وقود لها منذ بدء أزمة الوقود قبل نحو شهرين، وأضحوا أمام خيارين؛ إما المشي على الأقدام أو الالتحاق بوسيلة المواصلات البديلة "عربة الكارو" التي تسير بقوة حمار واحد.
عقب نزوله من عربة "الكارو" شرع خالد في ترتيب هندامه وقال في تقري خاص نشره موقع (إسلام أون لاين) : "لم أجد وسيلة مواصلات أخرى تنقلني إلى جامعتي بعد أن تغيبت عنها أسبوعا كاملا.. الامتحانات على الأبواب والمحاضرات تراكمت عليّ فماذا أفعل؟.. هل أبقى في المنزل وأترك الجامعة؟!"، ويتابع خالد حديثه قائلا: "كان أجدادنا يستخدمون الحمار قبل أن يعرفوا وسائل المواصلات الأخرى فلماذا لا نحذو حذوهم في ظل هذه الأوضاع الصعبة".
لا بديل "للكارو"
المتوجه من رفح جنوبا إلى غزة -أكبر المدن في القطاع- لن يجد بديلاً عن استخدام عربة "الكارو" للذهاب إلى مقر عمله أو جامعته في غزة؛ فبدلاً من أن يكلفه المشوار 20 شيكلا (10 دولارات) ذهابا وإيابا أصبح يكلفه 6 شواكل (3 دولارات).
لكن ذلك لا يعني أن بوسع الجميع تحمل أجرة عربات "الكارو" خصوصا إذا كان في الأسرة الواحدة أكثر من شخص يحتاجون للذهاب إلى العمل أو الجامعة، في ظل الشلل الذي أصاب الاقتصاد الفلسطيني من جراء الحصار الإسرائيلي.
ويقول أبو الوليد الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية: "استخدامنا لعربة "الكارو" أعادنا إلى الماضي السحيق؛ فمن كان يعتقد لوهلة أننا سنلجأ إلى الحمير في القرن الحادي والعشرين للانتقال لأعمالنا وممارسة حياتنا اليومية".
وبلهجة تشوبها السخرية الشديدة يقول محمود الطالب الجامعي: "أخيرا أصبح الحمار يمشي بكل شموخ.. رافعا رأسه إلى أعلى ونافضا صدره أمامه ويمشي بزهو وفخر، ويختال كما الطاووس".
ويمضي محمود في سخريته قائلا: "الحمار له الحق في ذلك فهو وسيلة مواصلاتنا الوحيدة الآن".. وذهب بخياله بعيدا مضيفا: "بعد أشهر سيتغير المشهد تماما.. فبدلاً من أن أشاهد مواكب السيارات تنقل الوزراء والمسئولين ستصبح مواكب الحمير تملأ شوارع غزة".
أبو أمين -وهو أحد تجار الخضار والفواكه- اضطر لبيع سيارته التي كان يبيع عليها الخضار واشترى بدلاً منها عربة كارو يجرها حمار. وبحسرة شديدة قال: ما دفعني لاستبدال عربة كارو بسيارتي "أنه لا يوجد وقود، وإذا وجد فأسعاره خيالية، وإذا تعطلت السيارة فلا يوجد لها قطع غيار.. أما الحمار فلا يكلفني إلا طعامه ولا يحتاج إلى قطع غيار أو وقود".
ازدهار سوق الحمير
انتشار العربات الكارو في قطاع غزة -كوسيلة مواصلات بديلة عن السيارات في ظل قطع الوقود عن القطاع من جانب الاحتلال- انعكس بدوره على ارتفاع أسعار الحمير نفسها، فزاد سعر الحمار الواحد بنسبة 60% في قطاع غزة منذ يونيو الماضي.
ووصل سعر الحمار إلى 615 دولارا، وقد أدت أزمة الوقود في غزة إلى تقليص العدد المعروض من الحمير في سوق الشجاعية إلى أقل من 300 حمار، مما أدى إلى اشتعال المنافسة بين المشترين للفوز بحمار.
ومع اشتداد الحصار الخانق على غـزة واستمرار أزمة الوقـود لجأ قطاع آخر من المواطنين في غزة إلى تحويل سياراتهم من العمل بالوقود إلى العمل بالغاز الطبيعي الذي يستخدم في المنازل، واستخدام الغاز المنزلي أدى بدوره إلى وقوع حوادث عديدة، انفجرت فيها السيارات بالركاب، لعدم وجود شركات متخصصة تقوم بعملية تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، ولوجود عيوب في أسطوانات الغاز، ولانعدام وسائل الأمان التي تحول دون انفجار هذه الأسطوانات، بحسب الميكانيكي في قطاع غزة رأفت الخليلي.
وكانت أزمة الوقود في غزة بدأت مع قرار الاحتلال بخفض كميات الوقود الموردة للقطاع إلى نسبة ضئيلة جدا لا تفي بالحد الأدنى من حاجة الفلسطينيين اليومية.
ويؤكد محمود الشوا -رئيس جمعية أصحاب محطات الوقود في القطاع- أن أزمة نقص الوقود آخذة في التفاقم يوما بعد يوم، مؤكدا أن كمية البنزين والسولار على حد سواء لا تفي باحتياجات قطاع غزة، كما أن كمية الغاز التي تقدر يوميا بنحو 200 طن غير كافية في ظل تزايد الإقبال على الغاز، إذ يحتاج القطاع إلى نحو 350 طنا من الغاز يوميا.