مواقف
بقلم: أنيس منصور
هناك ثلاثة أنواع من المذيعين: واحد تلعنه شخصيا, وواحد تلعن معه من اخترع الراديو, وواحد يجعلك تحب الإذاعة والميكروفون.
من بين هؤلاء مذيع لا تدري به إلا إذا سافرت إلي باريس وهو بلدياتي فتحي النجار في إذاعة الشرق التي يملكها رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
وفتحي النجار صديق كل الناس, وتربطهم علاقة كأنها عائلة, فصوته هاديء وترحيبه دافيء, وكان من الممكن أن يكون مطربا ففي صوته مودة وشجي..
وكنت أداعبه وأقول له: إن باريس تعاني نقصا في عسل النحل فقد حولته إلي كلمات.. وكان النحل قديما يمتص الرحيق من شفتي الشاعر هيرودت, فالنحل يمتص رحيقه من شفتي شاعر الإغريق, ويجيء مذيع مصري فيستولي علي ما تبقي من العسل.
وكان يتخلل أغاني إذاعة الشرق عبارات لفقيد لبنان والعرب رفيق الحريري, ويجيء صوته بين الأغاني ونشرات الأخبار كأنه صوت الضمير, وليس في صوته مرارة ولا رغبة في الانتقام ممن اغتالوه بعد ذلك, وإنما هو يشكر الله علي ما أعطاه ويعد لبنان بمزيد من الخدمات
يرحمه الله فقد كان مثلا رفيعا للإنسان اللبناني بني نفسه مليونا بعد مليون, واللبنانيون فيهم صلابة الجبال وشموخها, ويكفي أن تري ما حدث فيها بعد حروب استمرت عشرين عاما, فما تهدمه القنابل نهارا يعيدونه ليلا, كأنهم البطل الإغريقي سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة أن يدفع حجرا إلي قمة جبل, فإذا بلغ القمة انحدر هابطا إلي السفح ليعيده سيزيف إلي القمة, وكذلك فعل اللبنانيون.