كنت في الرابعة عشر من عمري ، لا زلت أتذكر ذلك اليوم الذي بدأت فيه فك طلاسم فلسفة الحياة ، كانت الشمس عند المشرق حين دخلت إحدى الحدائق الجميلة قرب المنزل و كان الهواء نقياً على غير عادته ، ربما لأنني لم أعتد الخروج في ذلك الوقت من الصباح .
كانت الأرجوحة خالية تداعبها نسمات رقيقة و قد أحاطت بها الأشجار الخضراء من كل جانب ، فوجدتها فرصة سانحة كي ألعب و ألهو قليلاً قبل موعد الدوام في المدرسة .. رأيت الزمن يلاحقني فركضت مسرعة نحوها .. حينها خطرت في بالي فكرة مجنونة _ إذا كان الزمن يلاحقني فذلك يعني أنني أسبقه _ نعم .. أستطيع أن أغير معايير الحياة .. بديهيات الطبيعة لم تعد تعنيني .. لا شيء يمنعني أن أعكس الاتجاه .. أن أنظر إلى أي شيء بعيني لا بأعين الآخرين ، و شعرت حينها أني أمتلك طاقة لا حدود لها .
بدأت أهز أرجوحتي و أزيد من سرعتها لتعلو بالسماء و تطير معها عباءتي السوداء ، لقد كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بأن شعري يتلاعب بالهواء بينما كان في السابق يتلاعب الهواء بشعري كيف يشاء .
تمنيت حينها لو كنت عصفورة تطير .. تحلق في فضاء حدوده النجوم و الأقمار .. أتجه فيه حيث أشاء و متى أشاء ..
بجناحين صغيرين أجوب السماء .
أنا الآن و قد تجاوزت الأربعين ، أمر كل يوم من تلك الحديقة و أنظر إلى الأرجوحة الحزينة و قد يبست الأشجار من حولها فيعود الزمن بي إلى تلك الفتاة التي حلّقت أحلامها في السماء .
ألا زلتُ أسابق الزمن ؟!
عذراً أيتها الريح التي سيَّرتُها يوماً بضفائري فقد غلبتني الأقدار ..
عذراً أيتها الريح فقد كسَّرتِ أجنحتي ..
لكنك لم تستطيعي أن تقتلي في داخلي تلك الفتاة التي لا زالت تعلو بأرجوحتها ليحلق حلمها في السماء .
************************************************** **********************
مدونتي ..
حسام الزينو السلوم
( أسرار البحار )
21/10/2011