بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ
"..إن لله تعالى على العبد عبوديةً في الضراء،كما له عليه عبودية في السراء، وله عليه عبودية فيما يكره ، كما له عليه عبودية فيما يُحِبّ، وأكثر الخلق يُعْطُون العبودية فيما يُحِبُّون ، والشأنُ في إعطاء العبودية في المكاره ، فَبِه تَفاوتَتْ مراتبُ العباد، وبِحَسَبه كانت منازلهم عند الله تعالى .
فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ، ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ، ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية ، هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية ، وتركُ المعصية التي اشتدَّتْ دواعي نفسه إليها من غير خوف من الناس عبودية ، ونفقته في الضراء عبودية ، ولكن فرق عظيم بين العبودتين .
فمن كان عبدا لله في الحالَيْن ، قائماً بحقه في المكروه والمحبوب ، فذلك الذي يتناوله قوله تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر/36] وفي القراءة الأخرى { عبادة } وهما سواء ؛ لأن المفرد مضاف فيعمُّ عموم الجمع. فالكفاية التامة مع العبودية التامة ، والناقصة مع الناقصة ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وَجَد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه .
وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان قال تعالى { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا } [الحجر/42].." ا.هـ