يجب أن تتعايش لتعيش! - انيس منصور
أهم القوانين التي اكتشفتها نظرية دارون عن التطور: أن الحيوانات قادرة على التكيف.. وأن الحيوانات التي تكيفت عاشت.. أي قدرتها على أن تعقد صلحا مع البيئة التي هي أكبر. فلا أحد أكبر من البيئة.
وقد لاحظ العلماء أن الكثير من الحيوانات إذا وُضعت في ظروف أقوى منها فإنها تسايرها.. تعايشها حتى تجد فرصة ترتد فيها إلى أصلها. حدث ذلك مع الأطفال الغزلان.. والأطفال الذئاب أي الذين عاشوا مع الذئاب وأرضعتهم الذئاب وعاشوا كما تعيش.. وزحف الأطفال على أيديهم وأرجلهم حتى كبروا ولم يعرفوا كلمة واحدة من لغتهم.. ولا استطاعوا أن يصلبوا ظهورهم. ماذا حدث؟ إنها البيئة التي حكمت وتحكمت وإلا فالموت للكائن الغريب.
بل إن الطيور أيضا. فقد اعتاد أحد علماء الحيوان أن يجعل طيور النورس تعيش مع القطط تأكل وتشرب معا وفي إناء واحد سنوات. فقد فوجئ بأن هذه الطيور تتصرف كالقطط تماما وتنام معها وتحرص على ذلك.. ولا بد أن الحيوانات والطيور قد مرت بظروف أقسى ولكنها استطاعت أن تحمي نفسها وظهرها وتمشي على أربع من أجل أن تعيش..
وفي مهرجانات إندونيسيا قرود من كل نوع ولكن أحد الباحثين الأميركيين لاحظ شيئا غريبا. لاحظ أن أحد القرود قد حبس عددا من الطيور في خيمة كبيرة. هذه الطيور لا تخرج لتشرب ولا لتأكل. وإنما القرد قد احتضنها بعد أن فقد واحدا من أبنائه. وجعل الطيور تعيش كأنها قردة. بل فوجئ الباحث أن القرد يعلمها أيضا كيف تصرخ وكيف تنادي بعضها بعضا.. وكيف لا تأكل إلا ما يأكله القرود..
والمعنى: الظروف الصعبة تحتاج إلى مرونة.. والمرونة هي التعايش والتوافق.. ولولا ذلك ما بقي على الأرض حيوان أو إنسان!
والعالم دارون وتلامذته عندهم سلسلة طويلة من التحولات والتحذيرات تسبب تحورات في شكل الأصابع والمناقير والعضلات التي اتخذت أشكالا أخرى على مرور ألوف وملايين السنين. إما أن تتوافق وإما أن تتوفى.. أو من تعايش عاش!