العودة   شبكة صدفة > المنتدى السياحـى > سياحة الدول العربيه

سياحة الدول العربيه السياحة العربية في تونس والمغرب والجزائر ومصر والاردن وليبيا ولبنان وسوريا وعثمان، السياحة في شرم الشيخ، السياحة في المناطق الطبيعية العربية، سياحة الأثار العربية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 03-13-2008, 03:50 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الشخصية في الفن المصري بين الحرفة والهواية2


الاتجاه الثاني (1958-1972)
أما الاتجاه الثاني فكان يضم مجموعة من الفنانين هي بمثابة "نتاج" لعملية التحول الاجتماعي ذاتها،


ولكنها ليست من أسباب بعثها مثلما جرى عليه حديثا في السابق حول مجموعة الاتجاه الأول.
إن الشعارات الوطنية التى أخذت الثورة على عاتقها مهمة نشرها وتحقيقها، قد استطاعت أن تفرز لنفسها مؤيديها على نطاق واسع. وبعد أن كانت قضية النضال الوطني الأساسية هي التحرر من الاستعمار الأجنبي، فإنها قد تحولت بعد طروحات الثورة الى قضية محورها هو البحث عن بنائيات الشخصية المصرية. ومادام أنه من العسير نظرياً، وعملياً، التنقيب عن هذه "الشخصية" من خلال المفاهيم الاصطناعية – قبل الخمسينيات – التى كانت تقدم واقعاً كاذباً، وحقيقة مختلفة لمجموعات المشاهدين، فقد جرى التوجه بالضرورة إلى البحث عن ماهية الينابيع التى يمكن الارتكاز على عناصرها في صياغة فن مصري يحمل مقومات العصر، وتكون ملامه من موجبات الشخصية.
كان الفارق دقيقا، والاختلاف شاسعاً بين المجموعة الأولى التى تمثل "الاتجاه الأول"، وبين المجموعة الثانية التى تمثل "الاتجاه الثاني"، وذلك لثلاثة اسباب :
أ*- في الاتجاه الأول، كان الفن مستنداً على عوامل أساسية من بينها حسن النية، وتلقائية التعبير، وطبيعة المهمة المطلوبة. باختصار كان نوعاً من ردود الفعل التى استوجبتها الضرورة. على حين أ، مجموعة الاتجاه الثاني لم تكن تصدر تعبيراتها عن ردود أفعال بقدر ما كان فنها واعياً بمهمته، وربما متعمداً في بعض الحالات.
ب*- كانت مجموعة الاتجاه الأول في مواجهة محتل أجنبي مع عمليات متواترة من الغزو الفني والثقافي والفكري، على حين أن مجموعة الاتجاه الثاني كانت متحررة من تلك الوقاعد التقليدية لمفهوم النضال، في حضور حكم وطني مصري، يعالج هو بنفسه الأفعال مباشرة، وردود الأفعال على السواء.
ج- كانت مجموعة الاتجاه الأول جزءا من بين عناصر التجهيز لحركة التحول الاجتماعي، على حين أن مجموعة الاتجاه الثاني كانت فرزاً من صميم التحول ذاته.
وكما قلنا في السابق، فإن المهمة كانت شائكة ودقيقة، برغم وحدة الهدف. فقد كانت فكرة "التراث" في حد ذاتها غامضة، ومعقدة، كما أن "التحديث" نفسه كان قضية شديدة الخطر. فكيف كان يمكن الدمج،وتجنب الدمج. وكيف كان يمكن أن يتم ذلك تلقائياً من دون "اصطناع" لسياق الابتكار. كيف كان يمكن أن يتم اللقاء بين "التراث والتحديث" بعيداً عن "الاعتقاد"، ودون تكريس قوي مستنير لفكرة الابداع ذاتها،ولفكرة التجهيز لشخصية فنية وطنية – في وقت واحد – على مسطح العمل الفني. كيف كان يمكن استعارة التقنيات القاعدية لصنع الفن، تلك التى استلزمتها أشواط بعيدة،وتطورات زمنية وموضوعية وطبيعية لمجتمع مختلف، وإحلال هذه التقنيات على نفس الخلق الذي قامت عليه في أجزاء من تراث مجتمع آخر، وكيف يبدو العمل الفني ناطقاً بلغات الزمن الحديث، ويكون التعبير فيه شجياً ووشيجاً بتراث صانعه.
لم تكن القضية "رياضية" حتى يمكن بث الحلول على القواعد. وإنما هي كانت قضية "إنسانية".وكانت الصعوبة هي في محاولات تذليل الغموض الانساني حتى تنكشف للفنان القاعدة "الاحتمالية" لذلك المنطق الرياضي الخبىء للمدرك الانساني. فإن "مهمة" التراث والتجديد" التحرر من السلطة بكامل أنواعها، سلطة الماضي، وسلطة الموروث،00 فلا سلطان إلا للعقل تلك كانت القضية.
بالأحرى، المأزق الذي سقط فيه جانب من الفنانين، بسبب عدم دراية البعض كلية بطبيعة "الاشكالية"، وبسب نقص فاعلية "التنوير" عند البعض الثاني، أما عند البعض الثالث فقد كان ذلك بسبب الاتجار.
المنبع الأول :
اللجوء الى الريف والقرية المصرية، التي كانت وماتزال محتفظة بخمائرها، وتقاليدها الراسخة، ومحصنة ضد يأسها وعذابها، بالأسس الحضرية الضاربة في أعماق الزمن.
كانت العادات، والتقاليد،والسلوك اليومي، ومفهوم العقيدة، والزواج، والموت، والميلاد، والاعياد، والملاحم،والغناء والحصاد، وتقديس النيل، 00 مع مختلف الغيبيات العالقة في الذاكرة المزدحمة، هى بذاتها "المتاهل" التى تمثل العنصر البنائي الحي للشخصية المصرية كما رآها أصحاب ذلك المنبع الأول. وفوق ذلك جميعه، كان هنالك "الفلاح المصري"، الذي أخذ يمثل ظهوره الطاغي على الحياة الفنية، حالة من التحدي والكبرياء لطبيعة المفاهيم التي كانت تعمل جاهدة على نبذ، وازدراء الفلاح المصري كما لو كان مواطناً من الدرجة الدنيا لا يستحق – حتى – مجرد الالتفات.
فلعله كان طبيعياً آنذاك أن يظهر – من بين من ظهر – جمال السجيني، وكمال خليفة، ومحمد حسين هجرس، وأحمد عبدالوهاب، وآدم حنين، وأنور عبدالمولى، وصالح رضا، في ا لنحت -، ومصطفى احمد، وجاذبية سرى، وجمال محمود، وعمر النجدى ، وجورج البهجورى، ورفعت احمد، وفاروق شحاته، ومصطفى الرزاز، وفؤاد تاج فى التصوير والحفر، الى جانب "أمومة" نحت، بروزنز، للفنان جمال السجيني المجموعة التى أطلقت على نفسها اسم "جماعة التجربيين، سعيد العدوى، مصطفى عبد المعطى، ومحمود عبدالله" بالاسكندرية.
بل لعله كان طبيعياً أن يخرج هؤلاء من جعبة المجموعة السابقة، وأن يتجاوزوا الطبيعة والواقع، فيلتحما معا كأفران رسالة وطريق.
في ذلك الوقت، أنجز جمال السجيني تمثاله الشهير "الأمومة"، ومجموعات أخرى متتالية للمطروقات النحاسية المعلقة. لايهم هنا كيف كان السجيني في تمثال الأمومة هذا قريبا الى معالجات هنرى



مور(1898) حين استخدم الفراغ – لأول مرة – في صميم الحجم والكتلة، على اعتبار أنه عنصر للجمال، وحين استخدم ذات الملامس والثنيات الدائرية في حذر متعمد لتلافي الكسور الحادة في العمل على مثل ما يفعل "مور"، 00 لا يعنينا ذلك الآن كثيراً، بقدر ما يعنينا اختيار السجيني لهذه الأم الجالسة القرفصاء على نسق يصعب أن يكون لغير أم مصرية جالسة على حالها ومآلها في بلاد الفلاحين. فلقد نحتها السجيني كالنصب القدسي. فإذا وقفت أمامها، فإنه لن يكون هنالك من سبيل سوى الاحتفاظ لها بالقدر العالي "لماهية" فلاحة مصرية هي أم، وامرأة في نفس الوقت. لا يعنينا هنا الا قدر التعظيم الذى ضمنه السجيني لمعنى الفلاحة مع كونها أما عطاءة تضم طفلاً.
وبينما قد عمر النجدي المتاهي الشعبية، وجو الكتاتيب، وحفظه القرآن الكريم وهم جالسون على "مصاطب" القرية، كان صالح رضا قد أنجز منحوتته الشهيرة أيضا "عروس النيل"، ثم "الأسرة المصرية"، تلك التى كان ملتزماً فيها على نحو أو آخر بالطابع السلفي السكوني في منحوتات مصر القديمة. وآنذاك كانت جاذبية سرى قد أخذت تبرز في سياق لوحاتها الجميلة حالة وصفية شجية للألعاب الشعبية في حواري الفقراء، وأنجزت في ذلك الوقت "لعبة السيجة"، و"لعبة الحجلة"، و"أولاد الحارة" في حين ظل جمال محمود، ورفعت أحمد – مع آخرين – وفيان لمواسم الحصاد، ورقصة الحصان والتحطيب، والأعياد الشعبية في رسومهم.
المنبع الثاني :
اللجوء على الفن المصري القديم "الفرعونية"، على اعتبار أنه استنباط لجماليات لا تقبل الجدل. بل إنه قضية منتهية لا سبيل إلى انكار منابعها وأصولها. ولم يكن يضير أولئك الفنانون كونهم خطابيون، بقدر ماكان يعنيهم الزهو باقنعتهم، على أساس أن الفن الذي يقدمونه – من هذا المعنى – كاف للتعبير عن الشخصية المصرية. غير أن "الشخصية المصرية" من هذا المنبع كانت تحتاج الى كثير من النظر، والتدقيق. ذلك أن الفن المصري القديم استلزمته عوامل غيبية عديدة، وظروف موضوعية، وهو فن سكوني غير قابل بطبيعته "للقص"، و "اللزق" مثل فنون إنسانية أخرى. لقد كانت محاولات التعبير للخروج من مأزق الشخصية المصرية عن طريق تحديث الفن المصري القديم، هي محاولات تنبىء عن مدى العجز الثقافي الذى منة به أصحاب هذا المنبع، 00 ذلك أنهم وجدوا أنفسهم وقد أصبحوا موشكين على الاعلان عن إفلاسهم. فالاتجار بالفن عن طريق ابتزاز مشاهديه لم يقدر له إلا أن يقوم بدوره المحتوم، وهو الكشف عن خبيئته، وتعرية مراميه. ذلك أن المسكنات التى جرت على العمل الفني بغرض تحديثه من خارجه، قدأزاحت الستار عن الجانب التلفيقي، كما وأن المسكنات الأخرى التى جرت على العمل من داخله لم تقدم للمشاهدين فاعلية يرتكن عليها، سوى اعادته مرة أخرى الى أصوله من حيث جاء.
المنبع الثالث :
اللجوء الى المقومات الجمالية للعنصر القومي في الفن الاسلامي. وحين جرى ذلك اللجوء، فقد كان جانب منه هو نوع من رد الفعل في مواجهة "الهزيمة"1967، أما الجانب الآخر منه، فقد كان محاولة جدية لتدبير يقظة الفنان في مواجهة إهدار قيمه ومواريثه. وبالتالي الى تعليق هويته القومية حتى حدود التجميد.
ثمة إذن ذلك التشابه القائم بين دوافع المجموعة الأولى التى تمثل "الاتجاه الاول" إجمالا، وبين دوافع هذه المجموعة في المنبع الثالث من "الاتتجاه الثاني"، مع فارق امتيازها بالإرادة الفتية ممثلة في "الاختيار"، وبالتوجه الفني ممثل في "التصميم" بانتخاب وتنقية عناصر بعينها.
كان من بين هذه المجموعة يوسف سيده، ورمزي مصطفى، وأبو خليل لطفى، وطه حسين وعمر النجدي، وسليم، وفتحي جودة،وكمال السراج، ومحي الدين حسين.
كان الأمر ممكنا، لأنه كان ببساطة "محتمل".
وهو كان "محتمل" بسبب اختيار هذه المجموعة لفكرة العنصر القومي ممثلة في جماليات الفن الاسلامي بوجه عام. إن "الممكن" و"المحتمل" هنا، يفسرها الانتقاء الواعي "لمشروع" قابل بطبيعته لاستيعاب أزمنة محدثة متلاحقة، من الزاوية الجمالية، والتقنية البحتة.
فالفن الاسلامي هو بطبيعته فن "توازني". يحمل خواص "المد والجزر" و"القص واللصق" دون أن تصاب جمالياته – باعتباره موروث – بالضرر. كما وأن مفرداته لها قابلية التجسيم والتطويع، والتحويل والتحوير، والفرز والضم، والتربيع والتدوير. فهو فن قائم على "فرضية" أصولية في منهج الفن، ومرتكز على قاعدية بنائية الطابع في منهج التصميم. فأبلغ مافيه هو نقطة، وأقصى مافيه هو دائرة، وأهم مافيه هو قدرته على أن يكون كياناً صحيحاً مستقلاً، ومتحرراً، من سلطان العقيدة.
والفارق بينه وبين الفن الفرعوني هو فارق في جوهر المنهج الانساني. فعلى حين أن الفن الاسلامي هو "جزئي" بنائي الطابع، فإن الفن الفرعوني هو "كلي" سكوني، يستساغ بكامله، أو يترك بكامله على حاله.
ومادامت المحاولة كانت "ممكنة" و"احتمالية" فإن "المخاطرة" عن طريق التحديث كانت مستساغة. فالخشية الوحيدة لم تكن واردة إلا حين يكون الحد الأدنى من قيمة المعيار الثقافي والتقني والابتكاري لصاحب هذا النوع من التوجه، غير ضامنة للقبول بهذا التحدى.
هذا التحدى الذى هو صيغة عصرية – بديلة للقديم – من أجل الوصول الى شخصية مصرية القالب وقومية الطابع في الفن المصري.
خاتمة الاتجاه الثاني :
لقد كان هنالك إذن توجه من نوع مختلف توجه نحو الشخصية المصرية عن طريق وضع عناصر أبطالها مرة واحدة فوق المسروح. لم يكن الأمر هيناً في طريق تذليل المصاعب أمام تلك المجموعة الهامة من الفنانين المصريين. فإن المجموعة الأولى "صاحبة الاتجاه الأول" – كانت قد احتلت المواقع، وحازت على قسط من التوفير الجماهيري، والاحترام العني. كان عليهم أن يلوذوا بحماية المجموعة الأولى صاحبة الاتجاه الأول سعياً وراء الاعتراف.
إن التناقض الوحيد بينهما كان زمانياً، وموضوعياً، وفيما عدا ذلك فإن الاندماج معهم كان ممكناً، ومرحلياً فإنه كان – ربما – محتوماً.
ثمة سياق إذن.
وثمة تنافس على فكرة الوطن ذاتها، قد بدأ ومادام الحال كذلك، فإن "الهواية"كانت قد أخذت تفقد مقوماتها الصلبة القديمة، في السبيل الى أن تكون هواية محايدة، هواية في ذاتها، هواية أحادية المدلول والصناعة من دون أن يكون لها شأن فيما يتعلق بمعنى الانحطاط أو النبل. هواية هي قريبة الى الحرفة، ولكنها بالقطع ليست الحرفة ذاتها. ذلك أن الدولة كانت هي جامع اللوحات الوحيد لمتحق الفن.
الاتجاه الثالث : (1955-1970)
أما الاتجاه الثالث فهو ذلك الذي استمر قائماً منذ النصف الثاني من الخمسينيات حتى نهاية الستينيات كلها على الأقل. وقد ضمن ذلك مجموعة متناقضة الى حد بعيد من الفنانين المصريين، حين ظل انتمائها للفلسفات، وللافكار المغايرة، ولحركة التحول الاجتماعي القوية، دون حسم واضح، ودون موقف محدد. كان بعضا منهم قد صرح علانية بازدرائه لفكرة "الشخصية المصرية" على اعتبار أنها نقيض لفكرة "الحرية". فالشخصية المصرية كانت في نظرهم سياق مبالغ فيه الى درجة التزمت الفاضح، بل انه في نظرهم ليس إلا حالة هروبية تذهب الى حد إغلاق الأبواب والنوافذ، بل والى حد تجميد العقل. وبالتالي فإنها تحكم بالموت على معنى الفن الرفيع، وتكرس النفاق الذى هو ضد الحرية في صالح مجموعة من الأفكار "الرجعية" لمناهضة التقدم، ولفرض حصار على مفهوم "الفن العالمي".
كانت هذه المجموعة تضم فنانين تجريديين، وانطباعيين، وتأثريين، وواقعيين مدرسين في وقت واحد، ومع أنهم كانوا مختلفين الى حد التناقض، والعداء في المنهج الفني، إلا أنهم بوجه عام كانوا يتبنون نفس الأفكار، ونفس الوفاء العلني لمفهوم الحرية، باعتبار أن الغرب هو النموذج، وبأن الغرب هو صيغة لامندوحة منها لابتكار الفنان، وبأن هذه الصيغة وهذا النموذج هما السبيل الى العالمية.
وباستثناء فنان مثل سيف وائلي، فليس هناك مفر من ذكر فنانين مثل رمسيس يونان، وفؤاد كامل، ومنير كنعان، ومصطفى الأرناؤوطي، وراتب صديق، ومحمد صبري، وصبري راغب. على اعتبار أنهم ممثلون رئيسيون لطبيعة الأفكار والتوجهات السالفة في إشكالية التعبير الفني.
وبينما كان البعض يرى نفسه منتميا بالضرورة الى شريحة عالية القدر من "الإيليت" المصري، فإن البعض الآخر كان قد أثر استخلاص جانب هروبي واضح عن طريق تمجيد الجماليات الكائنة في الطبيعة ذاتها، أو رسم أشخاص جالسين، أو فتاة تقرأ في كتاب، أو منظر من أسبانيا، او رسم آنية بجوار نافذة مفتوحة.
وعلى حين كان فؤاد كامل ورمسيس يونان، يتبنيان نزعة من المنطق الثقافي – المستنير، وانحيازا علنيا – في نفس الوقت – للتقنية الغربية، فإنهما كانا بارعان في التحدث أيضا عن القضية الثقافية، وكذلك عن الشخصية المصرية سواء بسواء.
كانت قضية "الفن للفن" قد صعدت على الساحة بوجه عام، وعادت تلك المقولات الغامضة حول الفن "لغاية في ذاته" تتحسس الطريق للاعلان عن نفسها، كما عادت فكرة "الفن الملتزم" كرد فعل أيدولوجي معاكس – من البعض الآخر – لتزايد الأمر سوءاً، وتعقيداً.
ومع ذلك فإنه كان من الغريب أن نرى معظم أعضاء هذه المجموعة ممن حازوا على التقدير الرسمي الوافر، وربما كانوا هم أنفسهم من أوائل من منحتهم الأجهزة الرسمية المعنية مايعرف بـ "منحة التفرغ الفني"، ووضعتهم من حيث الرواتب – خلال منتصف الستينيات نفسها – في مكانة عالية بصورة أو بأخرى.
وثمة ايضا مادفع عديداً من الهيئات الدبلوماسية وممثليها، وبعض الجاليات الأجنبية، على الاقبال على اقتناء أعمال هذه المجموعة بطريقة تكاد تكون متعمدة على نحو واضح، بحيث يتم احتضان شريحة من الفنانين ممن ينتمون الى مايعرف "بالثقافة الرفيعة". هذه الثقافة التى هى في نظر أولئك المشترون كفيلة بالتعبير عنهم هم أنفسهم بصورة اساسية.
لقد كان الهدف – على مايبدو – هو محاولة الابقاء على النمط ، أو هو – على الاصح – محاولة لتحويل الابتكار – مهما كان تقييمنا لمنطلقات هذا الابتكار – الى نموذج، وقالب صنمي يصعب التحرر منه.
إن المقتني، وجامع اللوحات، بداً يتأهب لأن يكون هو نفسه صانع العمل، وخالقه. ففي بقعة يخلو فيها كيان متحضر لنظام جامعي اللوحات، فإن الساحة تكون نهياً لأخطار "قطاع الطرق" ممن هم قادرون على ممارسة الوصاية، وربما النصح أيضا لعملية صنع الفن ذاتها.
الأغراض الربحية بين الهواية والحرفة (من 1973)
وفيما بين عامي 1973 –1983 كان الصراع خشناً وقاسيا. كانت الاتجاهات السالفة واللاحقة قد اختلطت مع بعضها البعض منذ أوائل السبعينيات، ثم بدأت الأفكار الأولى لتحالفات المصالح. وباستثناء فنانين هامين مثل فرغلي عبدالحفيظ وأحمد نوار، وجانب قليل للغاية من بعض شباب الفنانين التالين لهما، فإنه لم يعد الفن، أو الأسلوب، أو التوجه، أو الالتزام، أو الحرية، أو الانتماء، أو التراث، أو الجمال، أو الاخلاق، معياراً لصنع الفن – أيا كانت المعايير – وإنما صارت محاوراً لتحالفات تسوسها المصالح الذاتية، وتحكمها التطلعات الناجمة عن تصادم الأضداد.
وبدأ الحال كما لو كنا قد عدنا إلى زمن الجاهلية، وحرب الطوائف، حين أخذ العامدون وغيرهم، تساندهم مؤسسات كاملة، يهدرون يوماً بعد يوم وظيفة الفن الأساسية. تلك الوظيفة التى هي "إعادة اكتشاف الحياة والواقع"و"إعادة صياغة الحياة والواقع" – وهو تعبير وإن كان يبدو غامضا ومعقداً وشائكاً، إلا أنه هو السبيل الوحيد لترتيب التقدم، ولصنع الحضارة.
لقد ساعد على هذا إهدار الخطير، ذلك الانسحاب الجماعي الصامت – منذ العام 1974 – من قبل مجموعات الفنانين الجادين، أولئك الذين كانوا قد تحملوا على عواتقهم مهمات حيوية وثقيلة في السابق، وكانوا مؤهلين – على نحو أو آخر – لمواصلة الدور بصورة فعالة وعملية.
آنذاك بدأت مجموعة من صالات عرض الفن التجارية تفتح أبوابها في مواقع عديدة راقية في وسط القاهرة، والمعادي، ومصر الجديدة، والهرم، ومدينة نصر، ومدينة المهندسين وجاردن سيتي والزمالك بالقاهرة، ورشدي والعجمي بالاسكندرية، بل إن الأمر تعدى ذلك الى افتتاح صالات لعرض الفن في الشقق السكنية ذاتها.
ولم يكن هناك ثمة اعتراض على مثل هذا الإحلال الجديد، فإن ضرورته هى في الواقع شديدة الاعتبار بالنسبة للفن ، بالنظر الى مضاره المتوقعة، لولا أن جانيا كبيرا منها لم يكن متسلحاً بالتأهيل الأدنى لفكرة إدارة الفن، وللقسط الواجب من المعرفة الثقافية والتقنية حول المهمة المعقدة التى تتطلبها حقيقة الواقع في شخصية مالك صالة العرض الفني ذاته.
لقد كان الغرض"ربحياً" في أغلب الأحوال، ومظهرياً نفعياً في أحوال أخرى، وأما ماعدا ذلك – أي الفن والفنان والمجتمع – فإنه كان قد تم ترتيبها باعتبارها كياناً ثانوياً، بل ودراستها باعتبارها"مشروعا للجدوى”. لم يكن غريبا أن يتحلل جانب لا يستهان به من الفنانين المصريين – في تلك الحقبة الزمنية – من التزاماتهم الأخلاقية، ويقفون فجأة في طابور الانتظار الطويل، آملين أن يجيىء الوقت حتى تدرج أسماءهم في مشاريع الجدوى هذه، بل ,ان ينسحب ذلك على أعمالهم فيتحولون من الابتكار الى النمط المراد، وأن يصيروا "فرضية" من صنع العميل، بدلاً من أن يكون العميل هو كيان من صنعهم هم.
آنذاك أصبحت الساحة نهباً مشاعاً لمجموعات طالعة من الفنانين المصريين، وهم مهمومون بعامل الريح دون أن يكون ولاؤهم الأساسي موظفاً لعملية صنع الفن ذاتها.
وأحكم الحصار مرة أخرى، حتى صارت حركة الفن ذاتها مهددة في صميمها الأكيد بأن تنصهر وتتحول – الى ذلك الانتاج الكمي لما يعرف بـ "فن الباتيك" بعد أن حاز في زمن قصير – كما لو كان بديلا للفن – على قسط كبير من الانتشار المصطنع والتدليل الزائف.
بل إن الحال وصل في مرات عديدة، ببعض صناع الحرف الى حد أنهم وجدوا الأمر مستساغاً، واختاروا لذلك أفضل قاعات العرض الحكومية، دون أن يخامرهم الشعور بالإثم أو الغضاضة.
صار الجو إذن خانقاً حين أهدرت الهواية، واسقطت .
وأما "الحرفة" 00 فبعيدة
ومازال الشوط أمامها بعيداً.
وأما الطريق غليها فيعوزه هو أيضا طريق آخر، ووسيلة أخرى.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 03:53 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفن التشكيلي في العراق

تكتسب تجارب الرواد في فترة الحرب الأولي أهمية تأريخ بوصفها نموذجا لفن الرسم في ظل ظروف اجتماعية معينة أصبح بعدها هذا الرعيل واضحا بفكره وثقافته واهتماماته.



فقد أرسل أول مبعوث في الفن للدارسة خارج البلاد على نفقة الحكومة العراقية عام ( 1930 ) وأقيم أول معرض فني زراعي صناعي ببغداد ضم بعض اللوحات الفنية وكان لهذه الأحداث بالنسبة لمحبي الفن وقع في النفوس بقدر ما لدخول العراق عام ( 1932 ) في عصبة الأمم من أهمية سياسية .. وفي عام (1935 ) صدر كتاب ( قواعد الرسم على الطبيعة للفنان عاصم حافظ ) وفي عام (1936) أقام الفنان حافظ الدروبي أول معرض شخصي في بغداد . . وفي عام (1938) عاد الفنان فائق حسن إلى العراق من باريس نشاطاً فنياً مع زملائه.
وفي عام (1939) سافر جواد سليم إلى فرنسا للدارسة الفنية .. وفي الثالث من أيلول عام (1939) اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية بينما كان الفنانون التشكيليون يجرون في دار الفنان ( فائق حسن ) لقاءات لمناقشة بعض القيم الفنية نتج عنها تحقيق فكرة فتح فرع للرسم في معهد الفنون الجميلة عام (1939).
وفي بداية عام (1940) تشكلت جمعية أصدقاء الفن بمبادرة من الفنان أكرم شكري وكريم مجيد وعطا صبري وشوكت سليمان.
وفي عام (1941) أقامت هذه الجمعية أول معرض لها شارك فيه فنانون هواة . . وكانت أعمالهم محتشدة باتجاهات أسلوبية مختلفة بعضها ناشئ عن التوتر الذاتي والمجتمعي في آن واحد وبعضها مثل الاتجاه التقليدي الذي طبعته الأساليب العديدة التي تحاكي الواقع في أعمالها ، ليسوا طبيعيين في إنتاجهم وليسو نمطيين في اتجاه ذلك الإنتاج حتى يصعب أحيانا التمييز بين الاختلاطات الأسلوبية وبين توقعات المستقبل إذا ما أخذنا الجانب التقني للأعمال الفنية وليس العامل الاجتماعي وحده.
كانت بعض الأعمال الفنية تعبر عن الموقف الاجتماعي ولم تبتعد في تعبر عن الموقف الاجتماعي ولم تبتعد في تعبيرها عن المساهمة الأساسية في الكفاح السياسي ضد التخلف والتأخر وكانت هناك علاقات واضحة بين ما يطرحه الفنان وبين الظروف المحيطة وخاصة ما يشير إلى النزعات المتقدمة في رفض الاغتراب عن مشاكل وقضايا الشعب أو عند وقوع أحداث قومية ووطنية ، اقتصادية أو سياسية خطيرة في الوطن العربي وفي العراق بالذات بما فيها



الانتفاضات والوثبات الشعبية وتبلور الشعور القومي بعد تهديد الصهيونية العالمية بادعاءاتها القائمة على العنصرية في أرض فلسطين العربية قبل حرب سنة 1948 والتنادي بتحقيق مقرراتهم في مؤتمر ( بازل ) الصهيوني عام (1897).
وفي جانب آخر استهدف الفنانون اكتشاف أنفسهم ، ساعين إلى مطابقة الطبيعة وإجراء تجارب عليها بالألوان كما فعل الانطباعيون الفرنسيون وكانت هذه الاعتمادات الفسيولوجية هي القضية الملحة الأخرى في ظل ظروفهم الخاصة ، وبدأت الحياة الفنية في العقد الرابع تنبض بالحيوية وبالقدرة على احتدام الصراع في المجتمع وقد تبلورت هذا المفاهيم في أوساط المثقفين عموماً.
في عام (1942) افتتح الفنان حافظ الدروبي مرسماً حراً ، كان من المقرر له أن يكون نواة المشغل فني كبير إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح بسبب تكوين العلاقات الاجتماعية وطبيعتها اليومية فالمرسم الحر يلزم الفنان بالعمل داخله في جو أكثر صرامة وضغطاً على حريته في حين كان ميل الفنانين وقتذاك نحو الخروج إلى ضواحي المدن في الحقول والأرياف والمرتفعات والجبال .. و " هكذا فأنها بمقدار ما كانت تبدو فيه ( صديً ) للتجمعات الفنية الأوربية (كجماعة الأنبياء) الفرنسية مثلاً في نهاية القرن التاسع عشر ، كانت أيضاً ضرورة تاريخية اقتضاها نضوج الوعي الفني لدي الفنان العراقي إلى الحد الذي أخذ فيه يتحمس للممارسة الفنية بصورة غير فردية ، كما كانت ضرورة اجتماعية وفكرية اقتضاها نمو الجمهور الحديث في مطلع نشأته ، إذ هو يستكمل جميع أبعاد وجوده الإنساني ".
وهكذا بدأت أولي العلاقات المضيئة في ارتباط البدايات الفنية بالفكر العالمي تدريجياً عن طريق اهتمام الفنان العراقي بالاتجاهات والأساليب الفنية في أوربا والشعور العميق بأهمية التقنية الشكلية التي تنضج من الأسلوب باتجاه وضوح المضمون تبلورت المفاهيم القومية والإنسانية المتقدمة في أوساط الفنانين التشكيليين وبلغت نضجها في العقد الخامس من هذا القرن وبأت من المؤكد القول أنه عقد التنوير أو العقد العظيم في تاريخ النهضة الثقافية الحديثة في العراق .. وقد شكلت خلالها الجماعات الفنية وبدأت ترتبط عن طريق اهتمام الفنانين أنفسهم بالأساليب الفنية في أوربا..
أن الحاجة إلى ظهور جماعات تلتقي عبر ملاحظات جوهرية اجتماعية وفكرية أعلنت عن نفسها للتعبير عن ظاهرة تجعل من الفن وسيلة عمل إبداعي لا يكون بمعزل عن المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي ، وهكذا ظهرت جماعة ( الرواد ) عام 1950 " لتلزم أعضائها بالبحث عن المناخ الفني خارج



إطار المرسم الشخي مثلما تلزمهم بتذوق الموسيق أو حمل أدوات الرسم والسفر الى ضواحي بغداد لرسم المنظر الطبيعي " كما أصبحت النزعة الاجتماعية واضحة في كيان " جماعة بغداد للفن الحديث " التي تشكلت عام ( 1951 ) تعبيراً سنمعني الالتزام الحضاري المحلي والإنساني معاً كذلك تشكلت ( جماعة الفنانين الانطباعيين ) عام 1953 وهى في الحقيقة ما كانت تعني بالبحث عن ( طرح الانطباعيين الفرنسيين ) ذاته ، إنما هي مجرد تسمية أدبية في إطارها العام ، وكانت التزاماً تقنياً في أحيان قليلة جداً دون التوصل إلى رؤية جديدة في الفن شأنها في ذلك وبشكل أوضح شأن الجماعات الفنية التي ظهرت في الستينات التي اعتمدت التقنية ، والشكل كجماعة ( المعاصرين ) عام 1965 و ( جماعة المجددين ) 1965 و ( جماعة الجنوب للفنون التشكيلية و (جماعة 14 تموز) و ( جماعة حواء وأدم ) و ( جماعة المدرسة العراقية الحديثة ) عام 1966 ثم ظهرت جماعة الزاوية و ( جماعة الحدث القائم ) و (جماعة تموز) في عام 1967 كما ظهرت ( جماعة البصرة ) و ( جماعة البداية ) عام 1968 وكذلك ( جماعة الفنانين الشباب ) و ( الفن المعاصر ) والرؤية الجديدة عام 1969 .. وفي مطلع عام 1970 ظهرت جماعات كثيرة منها جماعة " نينوي للفن الحديث " وجماعة " السبعين " وجماعة المثلث و " الدائرة " و " الظل " وجماعة فناني السليمانية وجسم سة باء وجماعة النجف .. ولكن هذه ( الجماعات ) لم تستمر في عطائها.
لقد كان الهدف من تشكيل جمعية الفنانين العراقيين عام 1956 هو جمع شمل أعضاء الجماعات الفنية وتنظيم أعمالهم والمساهمة في البحث عن قيمة جديدة لملامح الفن المعاصر في العراق ، كذلك ظهرت نقابة الفنانين لتكوين مركزاً حيوياً لكافة الاتجاهات الفنية الحسية والبصرية .. لتأجيج مفهوم الالتزام الجماعي بعد التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق التي أعقبت قيام ثورة 17 تموز القومية والاشتراكية عام 1968 .
وفي عام 1971 ظهرت جماعة " الأكاديميين " وجماعة الواقعية الحديثة وتجمع البعد الواحد التي استهلمت الحرف العربي في أعمال أعضائها.
كذلك برزت ظاهرة جديدة هي " تأسيس " صالات العرض الفنية ابتداء من " كاليري الواسطي " عام 1965 وقاعة " أيا " وكاليري (تاله) عام 1967 وكاليري 3و4 ، ولم يكتب لهذه الفكرة الاستمرار ، على الرغم من أن الحركة الفنية في العراق في حيوية وأتساع متواصل.
أن واقع الحركات الفنية في الوطن العربي ذو صلة رحمية بالاتجاهات والأساليب الأوربية من الناحية الأسلوبية ، وخاصة تلك التي جاءت نتيجة جهود فردية





على مستوي البحث عن أسلوب حياة وتجارب إبداع في تحرير معني العمل الفني.
لهذا بات من الضروري النظر إلى ( العملية الإبداعية الفردية ) في الفن على أنها دلالة في تفسيرنا للأشياء والعلل وسببية الظواهر ، والفنان الحقيقي هو الذي يرتبط بالشروط الموضوعية والحالات التاريخية ، ولابد أن يسعى لتحرير هذا المعني بالتغيير واتخاذ الوسائل المتقدمة لكي يكون فعل التعبير (ضرورة) لا يمكن لبعض اتجاهات الحياة الاجتماعية والنفسية أن تفسر بدونها طالما لا يمكن أن تتم عملية ( التوصيل ) بغيرها ولا يمكن للأسلوب عداها أن يثير الحواس لخلق حوافز المشاركة في تغيير الأشياء والأنماط والاتجاهات السائدة نحو مرحلة جديدة ، ومتى ما عكس العمل الفني ، الحس الاجتماعي وتمثل صراعات الأمة جماليا حققت تلك ( الأفعال – الضرورة – التجربة ) خصائصها ، وتأتي بعض التجارب وهي تبعث على الحيرة والتردد دون أن تتسم بالغموض والغرابة والشبحية في خلق ( الأفعال – الضرورة ) – أو إلقاء الضوء على المنطقة الداكنة من بقاع الذات الأنسابى ، وما بين فردية الفنان – كذات – وتقنياته – كوسائل فردية تظهر علامات يتقرر في ضوئها وضوح المضمون والشكل باتجاه وضوح الأسلوب وهذا ما فعله فنان مثل ( بول سيزان – 1839 – 1906) من حيث بناء اللوحة واختيار الألوان التي خضعت إلى التجزيء في ألوان الطيف الشمسي المرتبط بدرجات الضوء وحساسية المادة.
وفقا للكثير من الأساليب والاتجاهات الفنية التي سادت أوربا فقد تأثر الفنانون العرب خلال دراساتهم في المعاهد والأكاديميات الغربية وعادوا محملين بتقنياتها وأساليبها يحكم التفاعل والتأثير والتلقين ، وكان ينبغي إلا يتوقفوا عند التفاعل والتلقين وهم يحددون الأطر التي يتحركون داخلها.
علة الظاهرة أننا – بعد ازدهار حضاري عظيم – عشنا في فترة مظلمة خلال ستة قرون توقف العقل العربي خلالها عن الإبداع والتغيير والتقدم ومرت بفترات سلبية وأن اختلفت أثارها الثقافية على مظاهرها ، فهي بالنتيجة متلقية ساكنة لثقافة استعمارية تفاوتت في تأثيراتها وتغلغلها في حركات الفنون التشكيلية ، وبحكم انهيار الدولة العثمانية العجوز ثم تقسيم مناطق النفوذ بين فرنس وإنكلترا وما نتج عن ذلك من ظواهر متردية وعلل اجتماعية وتخريبية ومحاولة إلغاء الوجود القومي للامة العربية كان للفن التشكيلي نصيبه من تلك النتائج ، وأخطرها الفكر التجزيئى المرتبط بثقافة وفكر القوي الغازية الاستعمارية وشيوع ظاهرة التوسل بتقنياتها واتجاهاتها الفنية ، ( والفن المسندي ) من تلك الوسائل التي استخدمت في هذا الغزو الثقافي على الرغم من أهمية الفترة التي ساد فيها ذلك النوع من الفن في أوربا قرابة الأربعمائة عام باعتباره نتيجة لمظهر من مظاهر عصر النهضة ، فأنه بعيد عن قيم وتقاليد وروح الفنان العربي وبعيد عن مفرداته الأساسية في تعامله مع الحياة ، ومهما تحمل من أراء مضادة له فأنه مظهر بارز في وسائل التعبير الفني في العالم ، ومازالت هذه الظاهرة قائمة وستظل وليس فيها ( خطر كبير ) على واقع الحركة التشكيلية العربية المعاصرة اذا استطاع الفنان العربي أن يتفاعل ويميز طريقه فيبدع ويضيف.
ترتبط هذه الملاحظات بطبيعة الظروف التي نشأ فيها الفن التشكيلي الحديث في الوطن العربي وتحولاته ، وفي المرحلة المتأخرة عند بواكير الخمسينات طرح عدد من الشباب العربي أفكارا جديدة ودعوات قومية وإنسانية إلى تحدي الذات وتحريك الذهن باتجاه العصر الراهن للتفاعل والتمثيل والبحث عن الهواية



العربية في الفن ولم تكن تلك الدعوة إلى تحدي الذات العربية وحالاتها الملقاة بالماضي مرتكزة إلى فهم عميق للتاريخ والى تفسير موضوعي لحركته ، بل كانت عواطف صادقة لم ترتكز إلى فكر علمي قائد او حركة موحدة ثم سرعان ما تحول هذا النداء إلى مسألة وموقف (مثاليين) وفي حدود (كلامية الحضارة) لان نظرة ذلك (الجيل المتحمس) إلى التاريخ لم تتجاوز نفسها وسكونيتها ولم تحدد تصورا موضوعيا للزمن والصيرورة التاريخية وأولت اهتمامها للأشكال دون المضامين.
الفنانون التشكيليون العرب جزء من شرائح أمتهم ولهم عنها مواقف إزاء تفسير ظواهر التاريخ المستمر في ذاكرتهم على الدوام ، وهذا يفسر غياب المنطق الأيديولوجي الذي يحكم مسيرة أمتهم ويحلل مرحلتها صراعاتها وينظم تصوراتها وطموحها ويؤشر أهدافها ويعمل على دمج ذهنية أبنائها بطبيعة العصر وتقنياته ويبلور خطط وأهداف مؤسساته المستقبلية ، من هنا نتواجه مع ذهنية الفنان التشكيلي وازدواجيته ، بين ارتماء سلفي في أحضان التاريخ وبين طبيعة عصر يواجهه كل لحظة ويتحداه بشروطه العلمية والتكنوذرية.
ومن هنا يتجسد بشكل اكثر حدة ، التناقض بين عنصر المكان وعنصر الزمان الحضاريين إلا أن المسافة التي تتطاول بسرعة هائلة تكمن في عنصر الزمان الحضاري الذي نعاني منه ألان في محاولة تكيفنا مع المرحلة التاريخية المحددة التي نسعى إلى تجاوزها






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 03:55 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

نشأة الفن المعاصر المغربي (1/2).

طوني مرايني
لقد ظهر قبل الاستقلال بعامين في المغرب كتاب صغير الحجم بعنوان " ميلاد الرسم الإسلامي بالمغرب". تعرض مؤلفه




"سانت - إينيان" في فصل من فصوله إلى بعض الرسامين الشباب المسلمين الذين اكتشفوا انفتاح العالم التشكيلي في وجوهم". فلقد قسمهم إلى نوعين، رسامين درسوا الرسم وآخرين عصاميين، في الصنف الأول، ذكر أسماء عبدالسلام الفاسي وحسن الكلاوي ومريم مزيان وعمر مشماشة وفريد بلكاهية، وفي الصنف الثاني ذكر أسماء محمد بن علال وأحمد بن إدريس اليعقوبي ومولاي أحمد الإدريسي والحمري. وبما أن هذا المؤلف أشاد بالاستعمار الثقافي، فإنه نسب فضل نهضة الرسم المغربي إلى ما قامت به الحماية من أعمال. غير أن تحليلنا الموثق لهذه المرحلة يناقض ما أثبته هذا المؤلف. فعند قراءتنا لكتابه، نخرج منه بانطباع أن المؤلف عوض أن يبحث عن بداية تاريخ الرسم المغربي في فترة الاستقلال، حاول أن يردها إلى فترة الاستعمار، وكان ذلك مفاجأة غير منتظرة على أنه إبان فترة الاستقلال، أنجز رسامون آخرون عبر أبحاثهم أعمالا متنوعة وخصبة، فرضت نفسها على أنها ظاهرة مغاربة، الشيء الذي جعل البورجوازية تتذوقه ومثلها المثقفون والإيديولوجيون أيضا، كل فئة تعكس عليه رغباتها وآمالها وغاياتها. ولدى اكتشاف الغرب لصحوة العالم الثالث، قبلت المعارض الدولية الكبرى عرض بعض النماذج لرسامين منتمين إلى البلدان الحديثة العهد بالاستقلال، (ومنها المغرب) تلك التى رأت في الرسم نوعا من الخطوة، في حين أن الرسامين أنفسهم خم وحدهم الذين تحملوا عبْ هذه المهمة الشاقة في هذه المرحلة التاريخية.
وحين نتحدث عن البداية لا ينبغي نسيان المخاض الطويل الذي تفرضه كل ولادة. فالرسم ليس طفلا، إنه سيرورة حية. هكذا كانت بداية الرسم المعاصر في المغرب عميقة الجذور في حقبة تمتد على مدى طول النصف الأول من القرن العشرين. بداية أساسها في رسم يعزى إلى حقبة الاستقلال، رسم أكد نفسه بعد ذلك باعتباره باعثا على استيقاظ الوعي النظري ابتداء من السنوات الستين.
أما اللحظة الحاسمة لهذه السيرورة التاريخية، فقد تحققت حين اعترف للرسم في المغرب بأنه ظاهرة ثقافية تتسع للأحلام وللرؤي وللمواهب، وتجعل الأسلوب والكيفية يختلفان من فنان إلى آخر، غير أن المهم يبدو في أن الرسم مطالب به على أنه تعبير فردي وعلى أنه نوع من اللغة يدخل في نطاق مشروع ثقافة معربية معاصرة. هكذا بدأ حضور محتشم لبعض رسامين مغاربة ابتداء من سنة 1951 في صالونات رسامين أوروبيين في المغرب. وفي سنة 1952، في صالون الشتاء بمراكش، عرض فريد بلكاهية، وعمر مشماشة، والطيب لحلو، وحسن ا لكلاوي، ومولاي أحمد الإدريسي، ومحمد الحمري، ومحمد بن علال. واقيم أيضا بين نهاية السنوات الأربعين وسنة الاستقلال، بعض أوائل المعارض الفردية (الحمرى، ومريم مزيان، (أول رسامة مسلمة في المغرب) وفريد بلكاهية مثلا) ثم إن معارض شخصية دشنت في الخارج،




(الجلاوي والإدريسي وأحرضان والبايز واليعقوبي) وبعد الاستقلال أي في السنوات الخمسين، أقيمت في المغرب معارض فردية، من بينها معارض المكي مورسيا والمكي مغارة والجيلالي الغرباوي وكريم بناني ومحمد المليحي ومحمد عطا الله وسعد السفاج وأحمد الشرقاوي. وأقيم على الخصوص عدد من المعارض الجماعية، مما ساهم في إعطاء نظرة أولى عامة عن الرسم المغربي لهذه الحقبة. وبين المعارض التي أقيمت في الخارج يمكن ذكر مساهمة المغرب في بينالي الأسكندرية الثاني سنة 1957،(شارك فيه بالإضافة إلى الرسامين الذين ذكروا، بل من حسداي الموزنينو وبنهاييم ومريس أراما وحسين) وفي معرض الفنانين المغاربة في سان فرانسيسكو ميزيوم أوف ارت سنة 1957، وفي رواق المغرب في المعرض الدولي ببروكسيل سنة 1958، أو في واشنطن D.C ولندن وفيينا إلخ.
وأخيرا ففي سنة 1959 شارك المغرب في أول بينالي للشباب في باريس، حيث وقع الاختيار على الغرباوي وكريم بناني وبلكاهية وحسين والمليحي والباز كان باريس لهذه الفترة مركزا للفن المعاصر في أوروبا. على أن هذه المشاركة لم تكن لتمر في خفاء. فمن بين زائري هذا البينالي فينتوري الذي كتب في المجلة إيطالية إكسريسو "بأن الاكتشاف الحقيقي بالنسبة إليه كان في باريس حيث السحر اللامنظر للرسم المغربي ثمارا معترفا بها خارج حدوده، وفي هذه الأثناء فإن مصالح الفنون الجميلة والمتاحف المغربية (التي تولت إدارتها نعيمة الخطيب) نظمت في المغرب عدة معارض جماعية متجولة، أصبح معها الرسم المغربي الوليد ذا وجود شعبي حقيقي. وابتداء من سنة 1960، نشر غاستون ديبل في إطار المركز الثقافي سلسلة كتيبات صغيرة مزينة عبارة عن دراسات عن كل من الغرباوي والإدريسي واليعقوبي وأحرضان والشرقاوي وبن علال وبلكاهية.
فهل كل هذا كاف ليدل على أن الرسم حصل في المغرب على جميع احتياجاته ومطامحه؟ لا. ذلك أنه بمناسبة معرض "رسامي مدرسة باريس والرسامين المغاربة" الذي دشن في الرباط سنة 1962، فإن الناقد الفرنسي ميشيل راغون الذي أعجب بتنوع وحيوية شباب الرسامين الأهالي (سماهم أيضا رسامين شبابا مغاربة حقيقيين) فكتب :"الرسامون الشباب المغاربة الحقيقيون هم اليوم أبعد من أن ينالوا نجاحهم ، فهم مدينون بالتعريف بهم إلى كل من غاستون دييل ونعيمممة الخطيب مديرة المتاحف المغربية."(بستان الفنون رقم 114، ص 29) وعندما استعمل راغون صيغة الرسامون الشباب المغاربة الحقيقيون"، كان لفظة حقيقيين تعني قياسا إلى بعض الرسامين الأجانب المقيمين في المغرب، (فبركة لوحات بشكل آلي من أجل تصديرها، جمال ونخيل ورقصة البطن إلخ). هؤلاء الرسامون الذين لم يجرؤ أي غاليري في باريس على عرض أعمالهم، كانوا طيلة أيام الحماية متصدرين ولايزالون. إن أعمالهم بالنسبة إلى بعض بورجوازيي المغرب(..)المنبهرين بالحكاية، هي الرسم المغربي الحقيقي"، وفعلا، فإنه بالرغم من المساعي المحمودة التي قام بها أولئك الذين دعموا الرسم المغربي الوليد،فإن الوضع عراه التباس تجاري وثقافي وأخذ على أنه رسم مغربي حقيقي. ولطمأنة الجميع، فإن المعارض الجماعية الجوالة انتهت بالحصول على مواد مرسومة من كل نوع. وبدون أي عمل يراهن على الكيف، وبدون تحدي أصول تاريخية ثقافية، وبدون تعمق في النظرية وفي الفكر، فإن الخطر تبدى في الوصول إلى الباب المسدود. وازدادت خطورة هذا الالتباس بتأكيد بعض الملاحظين الأجانب ومنهم سانت - إينيان أن الرسامين المغاربة انطلقوا من فراغ ثقافي عوضوه بالمثاقفة. حتى ميشيل راغون روج لهذه الفكرة حين أكد:"إن الرسامين الأهالي يبنغي أن ينطلقوا من صفر، لأن رسمهم التقليدي كان ليس غير سم تزييني، ولذا كانوا عالة على الرسم الأوروبي.(نفس المصدر ص 26) إنا نعرف أنه ماعدا بعض المقلدين وأمثالهم في كل مكان، فإن الرسامين الأوائل المغاربة لم يأخذوا دروسهم في مدارس الرسم التي لم يستطيعوا حتى حدود السنوات الخمسين) الالتحاق بها، ولكنهم أخذوها فيما هو أكثر فائدة، وهو ما يمكن أن نسمييه روح العصر. ومن جانب آخر، فإن إرادة القطيعة والميل إلى التعبير الذاتي عند الرسامين المغاربة، مصدرهما هو القلق الناتج عن توجه نحو الأحلام والخرافات والألوان والعلامات والرموز، تلك التي يزخر بها عالم جواني مرتبط بتاريخهم نفسه، إن حالات اليعقوبي والإدريسي وأحرضان دليل على ذلك، ويمكن





سرد أسماء أخرى. إن الرسم الشعبي والثقافة التقليدية لم يكونا فراغت تزيينيا، وحتى الرسم المعاصر ذلك المفرق منه في التجريدية غير عاكس لحركة البحث عن ألصول، وهذا ما تمركزت حوله المعايير الثقافية في السنوات الستين.
وفي سنة 1962، أكد راغون تقسيم اتجاهات الرسم المغربي إلى اربعة رئيسية : الاتجاه الذي يستلهم الفولكلور، (يعني بذلك الفنون الشعبية) والاتجاه الغرائبي (السحري) والاتجاه التجريدي والاتجاه الفطري، غير أننا أخذنا برأي سانت - غينيان، فاختصرنا هذه الاتجاهات في اثنين رئيسيين فقط. وبعد أقل من عامين، لم يكن البحث ليعثر على غير هذين الاتجاهين .. والتزاما للدقة، ففي سنة 1964، أشار بيير جوديبير (في كتابه : الرسم المغاربي) على عدد من اتجاهات التجريد المعاصر في أقطار المغرب، ومنها المغرب (الانطباعية والهندسية واللاشكلية والغنائية) توازي هذه تشخيصية حلمية مؤسلبة فطرية أو انطباعية وبعيدا من أي تأثير أكاديمي رسمي أو أي مدرسة أسلوبية، فإن الرسم المغربي انعكست عليه عدد من الاتجاهات والشخصيات والعوالم الرؤيوية . وعبر السنين وقع الانصراف إلى البحث عن منابع تتوخى استرجاع الذاكرة وهي تنحو في نفس الوقت نحو الأزمنة المعاصرة. لقد عبر الشاعر الجزائري م. عبدون عن هذا التصور بعبارة قريبة من عبارة أطلقها م. خيرالدين، وهي :" الذاكرة المستقبلية"(أنفاس 10-8-1968، ص 13). على هذا الحد، فنحن لا نزال في السنوات الستين، أي في عمق فعل جمعوي وفي نقاش مستقل اتخذ موقفا إشكاليا حتى بالنسبة إلى حقبة البداية. وبعد انصرام حقبة الغبطة بصحوة العالم الثالث، كان على الرسامين أن يواجهوا كثيرا من الصعوبات المتعلقة بعرض أعمالهم في جو من احترام المتطلبات المعنية والفنية، من أجل الحصول على تغطية صحفية ملائمة، ومن أجل متابعة أبحاثهم متحررين من أغلال بلاغة فولكلورية حكائية وتماثلية. وأيضا ،أصبح عسيرا عليهم اقتحام المجال الدولي الذي أصبح منذ الآن فصاعدا سوقا لا يروج فيه غير رسم كله غربي. هذا وإن التفكير والنقاش اللذين دارا حول أبحاث هؤلاء الرسامين وفي مدة عشر سنوات، كانت الوضعية الدولية قد تغيرت كثيرا ووجد لهذا التغير صدى في المغرب، مما دفع بعجلة سنوات البداية إلى تطور وتجديد جذريين.
لنعد إذن إلى السنوات الخمسين أي إلى المرحلة التي سبقت الاستقلال ثم تلته، أي مرحلة بداية الرسم المعاصر في المغرب، فهي كما يقال مرحلة الربط المعقدة الهجينة. فلقد مرت حقبة الحماية وفتح أما الرسامين عهد جديد. ذلك أن الذين سبق لهم أن أنتجوا أعمالا في سنوات الاستعمار شاركوا في العرض رسامين شبابا ولدوا في عهد الحماية وطرقوا مجالات أخرى. فإن أعمالا تشخيصية أو فطرية عايشت أعمالا تجريدية. وكان هنا رسامون مختلفون لكل سوقه وجمهوره أو رسامون لا جمهور لهم ولا مستهلك لأعمالهم، اتخذوا كممثلين للرسم المغربي الوليد. ولأنه في دوامة الغبطة بالبحث عن الإنقاذ والشرعية حيث يتعذر وجود التصنيف، فإن المعارض ضمت بين رحابتها كل من حمل في يده فرشاة وزعم أنه رسام. وحين يقارن بين الرؤي التجارب تسترجع فقرات من تاريخ تمت معرفته بشكل سيء عبر أعمال معروضة سيئة البناء، يقدم كل ذلك على أنه من الرسم الوطني. ومن الشمال إلى الجنوب كان على الرسامين أنفسهم وعلى الجمهور بصفة أكثر، أن يجدوا فعلا في هذا الرسم وجودهم المتبادل. إن الرسم المعاصر في المغرب بحث عن روحه وعن سبب وجوده وعن وحدته المادية. أما حماسة الرسامين والجمهور فلقد كانت بمثابة تقريظ له، فماذا يعني هذا الرسم؟ إن هذه الخطوات الأولى ضرورية لفتح حوار ومحاولة الإجابة عن هذا السؤال. إن الأجيال الشابة الراهنة لا تقدر صعوبة وضعية الرسم المغربي في حقبة البدايات البعيدة. فغالبا ما ينسون ما أحدثه الاستعمار من تأثير في المهمة التي قام بها من أجل





بناء ثقافة تشكيلية وطنية. الصحافة والنقاد وغاليرات العرض والمشترون والجمهور والمجلات الثقافية والعلاقة بين المؤسسات والرسامين ومعرفة الماضي واستعادة الميراث التشكيلي الوطني، كل ذلك بدا كما لو أنه إشكالية يجب أن تحل بأي ثمن كان ولو بفراغ بنيوي كبير، لعل هذه الأجيال عرفت كم كان صعبا ودراميا معنى أن يصبح الإنسان رساما يمتلك الأدوات الضرورية، ويفتح نافذة على العالم، ويقطع الصلة مع زمن مضى. كانت الاستعدادات كثيرة، ولكن حظوظ التكوين الفني البعيد عن مجال العصامية بل حتى حظوظ الدراسة نفسها كانت جد محدودة. على أن الاحتكاك بالرسامين الأجانب الذي سهل إمكانية استعمال أدوات الرسم والتردد على ورشاتهم كان حاسما بالنسبة إلى بعض الرسامين المغاربة(بن علال واليعقوبي والأدريسي مثلا) وإذا عرف شمال المغرب مدرسة تطوان تلك التي كونت رسامين مغاربة في السنوات الأربعين، فإن بقية المغرب كما ذكر سانت - إينيان كانت قد عرفت سنة 1954، ندوات خاصة بالتدريب على التخطيط الفني وعلى الرسم استفاد منها الشبان المسلمون من الجنسين. هذه الندوات أنشأتها مصلحة الشباب والرياضة.
وبهذه المناسبة، يجب أن نشير إلى الدور الخاص الذي لعبته جاكلين بروتسكيس، تلك التى نشطت أحد معامل هذه المصلحة في الرباط حيث رعت موهبة كل من الأبيض ميلود والجزولي. ولقد قامت بعض العائلات بتضحيات كبيرة حين أرسلت أبناءها إلى الخارج للتكوين في معاهد الرسم ومن هؤلاء في هذه الحقبة من أصبح علامة بارزة ذات ذات شأن في الرسم المغربي(المليحي والشرقاوي وشبعة وكريم بناني والغرباوي) وكان أيضا أمام هؤلاء الرسامين الشباب إمكانية الاستفادة من بعض المنح للدراسة في بلاد أجنبية مختلفة. مما كان سببا في تنوع التجارب التي حصل عليها هؤلاء الرسامين المغاربة( في أسبانيا وإيطاليا وفي بلدان أوروبا الشرقية وفي فرنسا وفي الولايات المتحدة الخ) تنوع التجارب هذا ساهم في إثراء مجالات الأبحاث الفردية. لكن ن فإذا كان شباب الرسامين المغاربة اليوم يملكون في الغرب علامات مرجعية فإن الرسامين المنتمين إلى مرحلة البداية خاضوا في ميدان مجهول. لذلك، فليس سرا أن نذكر الجمهور بهذه المسائل المتعلقة بمغرب تغير اليوم جذريا، إن كل ما يدعو إلى تحريك الذاكرة لا يكون إلا مفيدا.
وأخيرا فيمكن عند مواجهة رسامي هذه الحقبة ألا ندرك اليوم إدراكا حقيقيا فائدة بعض التجارب المتعلقة بالمواد والرموز والعلامات والصور. إن الأعمال الهشة في الزمن وفي القاعدة المادية، تحدثنا عن شئ خارجي في تصورية متخيلة. أما ما يبقى من طور فني على مقاس سيرورة حية، فهو ما أقحم في هذه الرغبة. إن التجارب إن كانت في لحظة ما هادفة إلى التجديد، لمن الممكن أن تفقد جدتها الأصلية إن وقع الاقتصار فيها على لوحات قليلة. غير أنها إذا انتهجت طريق التنويع : كتعبيد طريق واكتشاف شكل وتدقيق رمز، فإن المكتسبات من خلالها تبقى راسخة في المحصول التاريخي، وبعكس ذلك فإن حكم التاريخ سيقحم عنصرا زائدا في عملية إدراك الحقبة......






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 03:57 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

نشأة الفن المعاصر المغربي (2/2).

ينبغي أن ننظر بعين التقدير الكبير إلى المجهود الضخم الذي قام به هذا الجيل الذي انطلقت به أولى بوادر التشكيل المغربي، (1955-1965) ذلك أنه عانى كثيرا من العوائق والإحباطات. تجلت العوائق في انعدام ثقافة بصرية لدى المغاربة آنذاك (إلا ما كان خاصا بالفسيفساء والزليج والقيشاني)، وفي وقوف التقاليد دينية أو عرفية في وجه كل محاولة يقصد منها إدماج البصري في التذوق الجمالي. وتجلت الإحباطات في أن مستهلك التشكيل المغربي أجنبي وليس محليا، ولذلك، كان استغلال الإمكانيات التشكيلية المحلية يكاد أن يكون ضعيفا. يضاف كل هذا إلى أن جيل الانطلاقة عانى من سلطة الآباء الواقعين تحت تأثير فكرة حرمة التصوير التي جهر بها الفقهاء وأشاعوها في الناس، فكان أن منع الآباء أبناءهم من ممارسة الرسم تعلما وتعليما وهواية واحترافا. ولم يصمد في وجه هذه الفكرة إلا الرسامون الذين ذهبت بهم الجرأة إلى أبعد مدى، أو الذين كان لهم آباء متنورون، وحتى العامة، ما كانوا يرون في الرسام سوى إنسان يشغل وقته بما لا يليق به.
في هذا المناخ المضطرب، مارس جيل الانطلاقة التشكيل الذي كان آنذاك عبارة عن اتجاهين رئيسين هما التشخيصية على اتجاهين هما الانطباعية والفطرية، بينما اشتملت اللاتشخيصية أي التجريدية على الغنائية والمفارقية والعلامية والإلصاقية والهندسية والسوريالية والتلفيقية.
ويلاحظ أن التشخيصية الفطرية قامت على العصامية، والتشخيصية الانطباعية على الدرس الأكاديمي، على حين امتازت اللا تشخيصية بكون أغلب ممثليها تخرجوا من كبريات المدارس الفنية الغربية. يستثني منهم أحمد اليعقوبي، فلقد كان عصاميا شجعه على الرسم رسامون غربيون أقاموا في طنجة في السنوات الخمسين.
التشخيصية الإنطباعية
يمثل جيل التشخيصية الانطباعية كل من محمد السرغيني وحسن الكلاوي ومريم أمزيان، ويجمع بين هؤلاء جميعا أنهم اتخذوا لرسوماتهم موضوعا خاصا بكل واحد منهم، فالمكان للسرغيني والفرس للكلاوي والمرأة لأمزيان ، كما جمع بينهم وفاؤهم للأساليب الأكاديمية ولعكس أعمالهم على مظاهر مغربية.
محمد السرغيني والمكان
لقد انفرد محمد السرغيني (1923) في تشخيصيته بدراسة المكان على أساس الحالة أو المعمار أو التاريخ، المكان باعتباره فضاء للوحة. إن الأبواب المتمركزة في بعض لوحاته لتعكس أول ما تعكس تراثا طاله الإهمال، يؤكد ذلك أن الألوان والخطوط والمسافة التي تنجز بها هذه الأبواب تكتسب تعبيريتها من إقصاء الآلي لصالح توحيش بسيط. وفي إطار المعمار تنصب كل رؤية الرسام على تحديد هيكل مزدحم لمنازل تتجاور على رأس ربوة في إطار فضاء يشكل حدود المساحة المرسومة، كما هو الشان في تلك اللوحات التي تشخص بعض أحياء تطوان هناك طراز قوطي أندلسي من حيث شكل هذه المنازل، وهناك طراز محلي تطواني يدل على بياض الجير وسطيح قرميدية حمراء هي ميراث أندلسي؟ وفي إطار التاريخ يبدو المكان المرسوم بمحتويات في لوحات الأبواب والمنازل عبارة عن شهادة مزدوجة أولها نشوء وآخرها أيلولة، ويعني هذا تسجيلا لأوضاع كانت على غير ماهي عليه حاضرا. وهذا ما يؤكد أن سيرورة التاريخ في مخيلة الرسام عكسية إذ تنطلق من الكمال وتؤول للنقصان، إنها رؤية إدانة. وعليه، فالمكان عند الرسام طبيعة ميتة حينا وحينا آخر موضوعة Le theme وحينا ثالثا تعبير لوني ذو نكهة مغربية شمالية، وحينا رابعا توحيش شفاف. أمن الخطوط والإيقاع والحيز والمسافة فلكها ذاتية لانطلاقها من هاجس مغربة التشكيل.
حسن الكلاوي والفرس
قامت تشخيصية الرسام حسن الكلاوي (1924) على مقولة الفرس في أوضاعه المختلفة، فهو كينونة وهو في نفس الوقت كائن. هو كائن من حيث أنه





موضوع خصب للتحليل التشكيلي، وهو كينونة من حيث إظهار نبله واقفا وكبريائه متأودا ونفوره مسرعا.
الكائن مادة والكينونة حركة. وهنا يمكن أن نتساءل، هل هذه الكينونة لا تتكامل إلا باجتماع صفاتها المختلفة الموزعة على لوحات، أو أنها يمكن أن تلتقط كلها في لوحة واحدة، وتكون في اللوحات الأخرى تنويعات على الأصل ؟ الجواب أن هذه الصفات موزعة على ماهو أكثر من لوحة، مما يعني أن مقولة الفرس هذه تتدرج تصاعديا من لوحة إلى أخرى. وهناك تساؤل آخر، وهو هل تشخيص كينونة الفرس بهذا الشكل تشيييء له؟ لعل الأمر لا يعدو أن يكون وسيلة لتدريب اليد على نقل ما تشاهده العين اللاقطة من تقاطيع جسده المختلفة الدقيقة.
رأى الرسام في الفرس كائنا تشريحياً وجمالياً وفروسياً. فهو كائن تشريحي من خلال بروز تقاطيع جسده في حالة وقوف أو سباق أو جموح أو استعراض، وهو كائن جمالى من خلال تناسق هذه التقاطيع، وهو كائن فروسي من خلال حركات فانطازيا مغربية. كل ذلك بتشفيف الألوان في الجسد، وتعتيمها في فضاء اللوحة حتى ليكاد الفضاء أن يصبح ظلا للمرسوم فيه. ولا تأخذ الخطوط منحى تجريديا بل منحى عاديا لأن غايتها أن تعبر بالحقيقة لا بالمجاز. وإذا كان الإيقاع في لوحات الرسام أكثر بروزا فلأنه الوسيلة الوحيدة لتصوير الواقع حرفيا، وما لمسافة إلا فضاء فيه يتحرك هذا الايقاع. إن توقف الرسام عند الفرس في أغلب أعماله، لا ينافي أن بعض أعماله الأخرى شخصت المادة كطبيعة ميتة، والإنسان كحياة وكأوضاع نفسية مختلفة. مما دل على وفرة المرجعيات التي استقى منها الرسام تأثيراته التشكيلية.
مريم أمزيان والمرأة
أوقفت الرسامة مريم أمزيان (1930) أغلب أعمالها على تحليل المظهر الخارجي للمرأة في الجنوب المغربي، لما تتيحه للنظر من تماوج ألوان في أزيائها بما





ينعكس عليها بهذه الأزياء من ظلال شمس الغروب وصفاء زرقة السماء. على أن بعضا من أعمالها الأخرى إن كانت تعكس نفس الحنين إلى المنابع المغربية الأولى، فإن انطباعيتها لم تهمل بقايا الأشياء التي يتكون منها هذا الجنوب، ذلك أنها تقتنص كل ما هو نموذجي فيه كالمعمار البدائي القائم على عنصر الطين المتمز بقصوره وقبابه. أما في خصوص المرأة الجنوبية فقد رسمت لها الرسامة صورة جانبية لوجهها (Portrait) كما لو كانت تلح على إبراز خصوصياتها في الزي وفي الزينة وفي صفاء الملامح وفي خشونة البشرة، كما رسمتها في حالة حركة جماعية وهي تؤدي رقصة أحيدوس، كما اهتمت بتصوير المظهر الخارجي للعرائس وهن يتحلين بأنواع الزهور وفي آذانهن الحلي الفضية الأمازيغية.
إن لوحاتها التي ينتقل فيها اللون الواحد بتدرج عبر ما يتناسل منه ألوان، لتعكس قدرتها على استيلاد الألوان إما بالمزج الكامل وإما بالجزئي، وعلى تبسيط التعبير من حيث المعطي الصوري وتكثيفه من حيث الدلالة اللونية، ذلك أن هذا التدرج المنجز بعناية تنتظم فيه التلوينات التي تبلور الموضوعة في أوضاع مختلفة، كما تجعل الشكل مصاحبا لهذه الأوضاع. ولعل اللون الأزرق الغامق الذي يتشكل منه نقاب النساء الجنوبيات هو ما يلفت نظر الرسامة، يجد للأزرق الغامق في النقاب نوعا من الهرمنة مع زرقة سماء الجنوب وسطوع شمسه. وهنا نتساءل: هل ما في لوحات الرسامة من محلي باعثه الانتماء والحنين إلى الانتماء، أو أنه بحث عن الغرائبى ؟ الحق أن هناك فرقا بين رؤية سياحية وأخرى تأصيلية، إذ أن شمس الجنوب وزرقة سمائه لاتسير غورهما إلا رؤية جنوبية حقيقية.
التشخيصية الفطرية
تمثل التشخيصية الفطرية اتجاهات خمسة : عجائبية مع محمد الحمرى، وطفولية مع احمد الأدريسي ، وحكائية مع أحمد الورديغي، وحدسية مع محمد بن علال، ومشهدية مع الطيب لحلو.
على أن الجامع بين هذه الاتجاهات الفطرية الأربعة، هو أنها انطلقت من محلية مغربية فضاؤها هو المدينة أو القرية الجنوبية أو بعض المناطق البحرية، كما اتفقت في توزيع ألوان لا يهيمن أحدها على الآخر، وفي تشغيل فضاء اللوحة كله، فلا فراغ فيه، وفي الاستفادة من التراب الفني التقليدي المغربي.
محمد الحمري والعجائبية
تبدو فطرية الرسام محمد الحمري (1932) عجائبية، لأنها تستمد نسغها من الوهمي حينا ومن الخارق للعادة حينا ثانيا، على أنها في كلتا الحالتين تتخذ من





اليومي موضوعا لها، تعريه من مظهره المنطقي الواقعي، وتزج به في إطار العجيب والمدهش، حتى لكأن الحقيقي وهو والعادي رتيب، مما يجعلها تقترح على المشاهد عالما جوانيا ساخرا توحيشيا تتكوم فيه المرئيات والمحسوسات. وتتوسل هذه العجائبية إلى ذلك باستعمال الألوان المضيئة المصممة تصميما دقيقا لكي تعبر عن المحلي في المدينة أو القرية الجبلية. المدينة عبارة عن قباب خضراء تشير إلى عالم الولاية والأولياء، والقرية وهدة أو منبسط من الارض ليست ذات كثافة سكانية.
ولعل ما رسمه من هذه المشاهد واقع تحت تأثير المكتسب مما تعلمه الرسام من مجتمع الأجانب في طنجة، ولذلك فاليومي عنده متحرك وموسمي، متحرك بما فيه الشخوص، وموسمي بما فيه من انبهار هذه الشخوص بالإجتماع في محيط واسع من المدينة. والحق أن شخوصه واقعية أو غير واقعية، كالعرائس التي يلح على ربطها بموضوعة اللوحة، في علاقة متخيلة بينها وبين البشري. أما طريقة الرسام في إنجاز رسوماته فمعتمدة على الألوان الفاتحة إن تعلق الأمر بالشخوص الحية أو المتخيلة، وعلى الألوان الغامقة إن تعلق الأمر بتحديد فضائية المكان. وتلعب الفرشاة دورا أساسيا في خلق نتوءات في أرضية اللوحة لتدل بذلك على أن مرحلة اللون الخام لا تزال مستمرة عند الرسام ولم تصل بعد إلى تعبيريتها النهائية.
أحمد الإدريسي والطفولية
وتقوم فطرية الرسام أحمد الإدريسي (1923-1973) على الاغتراف من عالم الطفولة الذي هو المتخيل البديل عن العالم الراهن الذي ليس سوى معاناة مريرة. وعذا ذلك، فهذا العالم المتخيل الطفولي تتقاطع فيه الأعمار، رجال برانسهم تخفي وجوهم، رجال محاطون بأشجار يابسة أشكالها غير طبيعية، رجال مصحوبون بحيوانات كالحمير والخيول، كأن الماضي الطفل هذا محدود ومقصور على هذه المخلوقات. كل ذلك في إطار فضاء محفوف بمشاهد تحددها خطوط لا تشي بما بين هذه المشاهد من تقارب، مما يبرر اغتراف الرسام من لا وعيه الذي يقوم مقام الذاكرة.
إن مضمون هذا التصور الطفولي الذي هو رسالة الرسام المبثوثة في اللوحة، توازيه رمزية لا تغيب عن ذهن الناظر المتفحص، رمزية تتدرج فيها الألوان إلى مقاماتها المختلفة، وكلما وصل اللون إلى آخر مدى من مقاماته، توصل إلى طريقة بها يسهل مهمة سطوع لون آخر عليه، إلى أن يتقلب هو الآخر في مقاماته. هذا والوشيحة التي تجعل الارتباط بين لون وآخر هي انبثاق اللونين معا من نفس الفصيلة. ولذلك تخصبت ا لرمزية التعبيرية للألوان حتى أصبح البني رمزا لتراب الأرض ورمالها، والأخضر رمزا للخصوبة المتجلية في استمرار الحياة، والأصفر رمزا لغياب الحوار وحضور العنف، والأحمر رمزا للدم السائل الذي هو نذير الموت. ومهما يكن الأمر فما عاناه الرسام من إحباط في طفولته أصبح مثار تأمل في يفاعته وشيخوخته.
أحمد الورديغي والخرافية
وتقوم فطرية الرسام أحمد الورديغي (1928-1974) على الحكي الذي يمرر الرسام من خلاله خرافات جلها مستوحى من أجواء ألف ليلة وليلة. أما مواضيع هذه الخرافات التي تتراوح أهدافها بين الأخلاقية والوعظية والتزهدية الجامعة بين الفرحة والمحكي والمشخص فمستوحاة من تقاليد شعبية مغربية (الفداوي). ومن عجيب الأمر أن فضاء اللوحة يتسع لكل هذه العناصر حتى وإن كان متوسط الحجم.(للرسام لوحات كثيرة من الحجم الكبير). إن إزدحام لوحات الرسام بكل ما يتطلبه الحكي من شخوص وحركات وتداولية زمان واختلاف مكان، جعل كثيرا من مستهلكي اعماله ينبهرون بما فيها من تزيينية تلتقي فيها قباب المساجد بنوافذ القصور المنيفة التي صمم لها الرسام معمارا خرافيا حين جعلها أفقيا وعموديا تلتقي بشكل عشوائي، ولأن الحكي يستلزم وجود شخوص فإنها هي الأخرى خزافية النموذج مبثوثة كيفما اتفق لها في فضاء اللوحة، متساكنة مع أنماط من الحيوانات التي تكاد أن تكون أسطورية، مما دل على مخيلة خصبة. ولولا حضور تقاليد شفوية واحتفالية في أعماله، لأمكن القول بأنه يستلهمها من عالم صمم هو بنفسه جغرافيته المتخيلة.
محمد بن علال والحدسية
وتقوم فطرية الرسام محمد بن علال 11924 على احتفاء كبير برؤية الحاضر الراهن في صيغة أشكال صورية تحدث ولا تعاش أي تتخيل محدوسة. وكان من المنتظر من فطري مثله أن يرتكز أساسا على الذاكرة التي تميز بين مجرد حاضر راهن وبين آخر. هو قيد الواقع. ولما لم يتحقق ذلك، صح أن يقال : إن هذه الأشكال الصورية تقيم بين هذا الواقع وبين فهمه حاجزا، فالرسام بهذه الأشكال لا يلتقط غير ظل الصورة. هكذا يبدو الواقع الراهن كما لو أنه مشاهد وهمية - وربما هلامية - حيث إنها مكدسة في لوحاته بشكل بعيد عن الانسجام. هذه هي الصيغة المحدوسة اللائقة بالعالم المثالي المنشود كما تصوره هذا الرسام. إن شخوص الرسام بشرية (الفران والمعلم والمرأة العاملة) دالة على احتفائه بالعنصر المهم في هذا الحاضر حاضره، وما اختلافها من حيث وظائفها إلا دلالة على أن الواقع ذو وجوه مختلفة لولا اختلافها لأمكن أن تكون الرتابة هي ما يعكس التشكيل. على أن هذه الشخوص تكاد تكون مستوحاة من المنمنمات الفارسية، في دقة الخطوط وتداول الألوان وازدحام الفضاء بها كل هذا لم يمنع الرسام من تأثيث بعض رسومه بطير الحباري ونبات خبازي، وذلك حين تعلق الأمر بلوحات فضاؤها هو الجنوب المغربي، مما قرب هذه اللوحات إلى تزيين جغرافي منها إلى فضاء مؤهل لاستقبال نماذج مرسومة عليه.
والذي جعل من رؤية الرسام للحاضر الراهن رؤية ساخرة هو توحيشه لبعض مظاهر الحياة اليومية توحيشيا لا يتورع عن المبالغة في استعمال اللونين الصلصالي والبنفسجي تلوينا لنموذج أو تعميرا لفضاء أو تفصيلا لمجمل في اللوحة.
الطيب لحلو والمشهدية
ارتبط الرسام الطيب لحلو (1919) برسم مشاهد من الجنوب المغربي، لكنه كان شديد التعلق بالضوء الناصع الممزوج بظل وارف واضح وهو يضع التصميم البنائي لهذه المشاهد بصيغة تركيبات أفقية منفصل بعضها عن بعض بجبال أو بربوات، تركيبات قائمة على أساس من اللون الصلصالي الذي يغشي جدران القصبات الجنوبية.
هذا ولا تقتصر مشاهده على الشكل الثابت للأبنية، بل تتجاوزه إلى رسم شخوص يتحركون في فضاء اللوحة. إنهم رجال في حالة عمل، ونساء متبرجات بخمر وبحلى ذات ألوان حية، عبر الرسام عن إيقاع حركاتهن الراقصة بالألوان الغامقة. هذه الحركية هي ما يكسر رتابة المشاهد البنائية الثابتة في مقارها، وهي ما يؤكد هيمنة التقاليد العريقة التي هي النسيج البكر لكل لوحات الرسام، ذلك أن المشهد عنده بتوازي فيه المتحرك والراكد بشكل يوحي بقيام هذا الفضاء على أساس المفارقة.
إن الميزة الأولى التي تلاحظ في أعماله محاولته إغداق الدفء على ألوان مندمجة في إيقاع محكم منشرح، حيث يهيمن الأحمر والأزرق والرمادي، وحيث تحدث هذه الألوان مجتمعة نوعا من التناغم والثراء التعبيريين يتجددان من لوحة إلى أخرى.
اللاتشخيصية واتجاهاتها
لا يمكن الجزم بأن الاتجاهات التي سنشير إليها فيما يلي هي اتجاهات غالبة على أصحابها ممن يمثلون جيل الانطلاقة، ذلك أنهم لم ينطلقوا منها منذ أول عهدهم بمغامرة الرسم، بل انتهوا إليها بعد أن قاموا بجولات في مختلف الاتجاهات التي سادت التشكيل المعاصر ابتداء من الانطباعية والوحشية والتكعيبية، وحين حطوا رحالهم على عالم التجريد الفسيح انبهروا بثرائه الذهني وقدرته على استبصار المرئيات متحركة أو جامدة، وتوغله في عالم اللا وعي المفسر لكثير من الغوامض. كان التجريد في عرفهم طريقة انتماء إلى المعاصرة، والبحث عن مناطق نفوذ عذراء بحثا عن التفرد والخصوصية. إنه تخصيب الظاهر بالباطن.
وهكذا فهناك تجريدية غنائية مع الغرباوي، وتجريبية مع بلكاهية، ومفارقية مع كريم بناني، وعلامية مع الشرقاوي، وإلصاقية مع المكي مغارة، وهندسية الأشكال مع المليحي، وهندسية المفاهيم مع شبعة، وسوريالية مع أحرضان، وتلفيقية مع اليعقوبي.
الغنائية
تبدو التجريدية الغنائية عند الرسام الجيلالي الغرباوي (1930-1971) في الضوء الذي يهب المادة حركية ونصاعة وفي اللون الواحد منسدلا على ألوان





أخرى، وفي الإيقاع الذي يموضع المرسوم في فضاء اللوحة موازيا للضوء واللون وللألوان المتصاقبة. وبالطبع، فهذه الغنائية أكثر تعبيرية من الانسجام، لأنها هي التي تجعل موقعه في اللوحة مريحا. وتلعب الخطوط المتشابكة في بؤرة اللوحة والمنفرجة في أطرافها دوراً أساسيا في هذه الغنائية. اللون في فضاء اللوحة بكر وليس خاما، لأن الخام في حاجة إلى المزج على حين أن البكر يولد جاهزا للتعبير التشكيلي.
هذا وتعرب الحركة من خلال هذه الغنائية عن وجدان الرسام الذي يتفاءل مع رسومه باعتبارها وسيلته المعربة عن كوامنه. والذين عرفوا الرسام كثيرا ما أشادوا بما بينه وبين رسوماته وحالاته النفسية. لكن هذه الحركة التي تميز أكثر أعماله لا شكلية، بسبب من أنه يشعرنها إذ يمنحها دلالة جوانية لا تعكس غير القلق والميل إلى الوحدة، فعن طريقها يعلن ولاءه إلى عالم يفهمه وينفر منه في نفس الآن.
التجريبية
إن الرسام فريد بلكاهية (1934) لم يصل إلى التجريدية التجريبية إلا بعد أن جرب أساليب عديدة لرسامين غربيين معاصرين. كانت هذه الأساليب كلها تستقي وحيها من موضوعة الإنسان. وما تخلص من ذلك حتى انصرف إلى تجريدية تجريبية كان مدفوعا إليها بسبب من تهافت زملائه في جيل الانطلاقة عليها. تتميز هذه التجريدية من حيث اللون بالميل إلى الغامق وتهميش الناصع، وهذا ما حذا بالرسام أولا إلى اللجوء إلى الأقنعة التي تخفي الوجوه وراءها، رامزا بذلك إلى ما يخالجه من الشك في صفاء السرائر لدى الإنسان الساعي إلى إخفاء هويته. ثم مر من الأقنعة إلى استغلال ما في النحاس من قابلية تشكيلية أساسها التجسيم. وكان في ذلك عالة على الصناعة التقليدية المغربية التي لم يستطع النفاذ إلى جوهرها، كما لم يستطع تطويعها إلى المعطيات التشكيلية المعاصرة، ثم انساق إلى التجريب في مادة الجلد، وبما أن هذا له محيط من نفسه، فإن الرسام لم يكن ليضع له إطارا، كأنه رسم جداري وليس لوحة. وفي كل من النحاس والجلد كانت الموتيفات تقوم مقام الشخوص، وكان النقش في الأول والوشم في الثاني هو ما فيهمها من أثر تشكيلي. وفي إطار الألوان عمد إلى استغلال صفرة الزعفران وحمرة الحناء وسواد الصمغ لرسم الأيدي المنتصبة، كل ذلك من أجل اكتساب هوية خاصة. ولعله استفاد - في إطار التجريب ايضا - من علم الفلك الإسلامي حين اصطنع في بعض رسوماته الأبراج وفضاء المزولة.
المفارقية
إن الرسام كريم بناني (1938) في بدايته وقبل أن يستقر على التجريدية المفارقية قضى وقتا يسير في رسم الوجوه البشرية ذكورا وإناثا رسما يخفي في طياته نزوعا حكائيا نفذه بألوان مكثفة، وبعد ذلك انصرف إلى الاهتمام بالخط العربي مستغلا ما فيه من إمكانيات زخرفية وهندسية، وكان ينجزه بخطوط كثيفة تشي بما في هذا الخط من رمزية أصلية، كل ذلك بأسلوب النتوء والنقش على الخشب، ثم بعد ذلك انصرف إلى الزرابي حين اكتشف زخرفيتها الخالصة. من هنا ابتدأ اهتمامه بملاحظة المفارقة في المرئيات من الأشياء ومدى ما يمكن أن تسهم به في صقل عدسة العين المجردة، وفي تزويد الحساسية بالقساوة اللازمة.
وتميزت هذه التجريدية من حيص المضمون بانعدام الموضوعة وبالبحث عن صلة الماضي بالحاضر بحثا انتهى بأن قطع الرسام صلته بالفنون التقليدية مغترفا من ينابيع تعبير تشكيلي حداثي. أما من حيث الشكل، فقد التمس الرسام بالمفارقة الجمع بين الجامد والمتحرك من أجل إعطاء الحركة بعدا آخر لا يقوم إلا على أساس خداع العين، من ذلك كان إلحاحه على تحميل اللون صورة ضده بما يفيئه عليه من تغميق بالمزج، ومن ذلك أيضا تطعيم المادة حية بما يوحي بموتها والعكس بالعكس. وكان الرسام في كل هذا المنعطف واقعا تحت تأثير كثير من الإتجاهات التجريدية التي سبقه إليها كل من الغرباوي والشرقاوي.
العلامية : ومن البداية، اتخذت تجريدية الرسام أحمد الشرقاوي (4391-7691) طريق البحث عن العلامة في الخط العربي وفي الفن التقليدي البريدي. وحين عمق بحثه فيها، أصر بشكل حاسم على عرضها في لوحاته بمهارة دلت على تمكنه من النفاذ إلى عمقها بحساسية تصل بين الماضي والحاضر. وكان أن انصرف بدافع تعلقه بالعلامة هذه إلى البحث عنها في مجال آخر هو مجال الوشم على بشرة المرأة. ولعله بذلك كان مفتونا بالبحث عن الأصول الأسطورية للوشم، تلك الأصول الراجعة إلى ماض سحيق اجتمعت فيه الجمالية بالطقوس الدينية، موائمة بين الدنيوي والديني، فأصبح لها بذلك مدلالوت متشابكة باعتبارها عنصرا تزيينيا. وسع الرسام بحثه عنها في الفخار وفي الحلي وفي الزرابي وفي الجلد وفي بشرة الإنسان، فجردها من مظهرها القار ووهب لها حركية محكمة دلت على حضورها الشامل في حياة الانسان الاجتماعية.
ولقد عرض الرسام العلامة هذه عبر وسائل تشكيلية بأسلوب شصي لم يجاره فيه أحد من الرسامين المغاربة الذين اهتموا بها. عرضها عبر بروز ألوان أعطتها بعدا جديدا انعكست عليه تأملاته وروحيته وإحكامه للخطاب التشكيلي المعاصر. ولعل نظر الفنان فيه قاده إليه ما عرفت هذه في أميريكا من تحليل على يد بيرس، قبل أن تصبح عنصرا مهما عناصر السيميولوجيا، ولذا فموقف الرسام منها أنها لغة بالإشارة أولا وبالحروف ثانيا، هي تاريخ فعلي وأسطوري، وهي تزيين فوق ذلك.
الإلصاقية
ابتدأ الرسام المكي مغارة (1932) يرسم المشاهد المختلفة التي تساعد حاسة الرؤية على دقة الالتقاط وقدرة اليد على مجاراتها، وتلت هذه المرحلة مرحلة





رسم الوجوه البشرية رسما يكاد يكون آليا، الشيء الذي دل على أنه استطاع أن يطوع العين لليد واليد للعين. ولعله كان في هذه المرحلة شديد الالتصاق بالأسلوب الأكاديمي الذي هو أول الطريق. تلت هذه مرحلة التعبير التشكيلي الذي إن دل على غنائية عامة فإنه مال إلى إقصاء الأشكال من اللوحة، والاستعاضة عنها بالموتيفات التي تحيل عليها ذاكرته، وهي موتيفات في أغلبها شبحية غير كاملة التكوين، وهذا ما جعله يستغل قماش الخيش الذي بث فيه لواعج رسام دائم الترحال. وتم له ذلك عبر الصمغ وعبر ألوان يهيمن عليها الأزرق والأحمر والأبيض المشهب، مما يعطي انعكاسا لمظهر التهابات من جهة، ولنتواءات من جهة ثانية. وكان هذا هو مفهومه للشفافية.
بعد هذه المرحلة اتخذت اللوحة عنده في الغالب فضاء مقسما إلى جزئين جزء هو الأيمن منجز بشكل عادي ، وجزء أيسر جعله في الغالب كذلك مرتعا لأطياف شخوص أو لبعض أعضاء بشرية مكبرة بشكل مسخي. وكذا هذا ما قربه من عملية الإلصاق التي أدخلت إلى اللوحة عناصر غير تشكيلية من المواد الجامدة المختلفة، كالخيوط والخرق وقطع اللدائن أو الحديد، وكان هدفه من ذلك مزدوج الغاية، فهو يريد خرق العادة بخروجه عن المألوف، وهو في نفس الوقت يؤكد أن كل ما في الكون صالح لأن يستغل تشكيليا.
هندسية (الأشكال)
ظهر الرسام محمد المليحي (1936) أول ما ظهر في الساحة التشكيلية المغربية تجريديا هندسيا واستمر على ذلك إلى الآن، فدل اختياره المبكر هذا على أنه لم يقم في المرحلة الأكاديمية إلا مدة يسيرة. ومحصل تجريديته أنه يستغل الأشكال الهندسية لا بقصد توأمتها بشكل زخرفي، بل بأشكال متنوعة هي خلاصة قراءته لقدرتها التعبيرية. هذا ولكي يبعد عنها النمط الزخرفي الرتيب فقد اختار لها أوضاع ليست لها في الغالب : قارن المثلث بالمستطيل والأفقي بالعمودي والدوائر بالخطوط المائلة، وقدم كل ذلك في إطار ألوان أبكار تعبيرها أكثر إشعاعا مما لو كانت ممتزجة. وكان أول ما اهتدى إليه الرسام أن غير سمات الخطوط الأفقية والعمودية والمائلة فجعلها متمرجة أكسبها تعبيرية هندسية متناسقة وهي منضدة أو متراكبة أو متوازية. وكان أن اتخذ من هذا التموج شعارا خاصا بأعماله أحادي اللون. شعارا أصبح فيما بعد وسيلة لانبثاق عدة نظريات مجازية تقرأ اللوحة من خلالها على أنها فقرة متراصة حركتها لا تنقطع.
هندسة (المفاهيم)
كذلك، كان الرسام محمد شبعة (1935) مثل زميله المليحي منطلقا من آخر ما توصل إليه بحثه في اللغة التشكيلية، حيث حط الرحال منذ بدئه على تجريدية





هندسية تتعيى المفاهيم دون الأشكال، وملخص هذا الاتجاه أنه يتحرى تحقيق حركية غنائية يسودها اللون الأسود والأبيض، هي طريق الرسام المعبد الرامي إلى تأسيس مفاهيم للغة التشكيلية، مفاهيم لا تهمل المكتسب الغربي، كما لا تفرط في الاثيل التقليدي، مفاهيم تحدد مجال الهوية الخاصة بالرسام جامعة بين الأصالة والمعاصرة المنبثقة من ثقافتين، وذلك عبر صفاء اللون وتوزيع الضوء توزيعا نسبيا وتحييدية المادة وهندسية أرضية اللوحة وحضور الإيقاع الذي يحدث توازنا بين الممتلىء والفارغ.
والرسام فوق ذلك يستلهم الهندسة العربية القديمة فقد قدم منها أشكالا وخطوطاً وتعاريج إلا أنه لم يسقط في فخ الزخرفية، بل كان قصد إلى استنطاقها وتحليلها لا إلى محاكاتها. لقد طوعها لمتخيله بطريقة دلت على رؤية صقليه تسعى إلى تحقيق تواصل مع الماضي انطلاقا من إعادة صياغة المادة في قالب هندسي.
لم تكن كل أعمال الرسام تصب في الاتجاه الهندسي المفاهيمي، بل إن صاحبها بين الحين والآخر جال في آفاق تجريدية أخرى جمعت بين الممكن واللا ممكن، بين الحلم اليقظ والحلم النائم، ولكنه سرعان ما يعود إلى اختياره الأول لأنه ملاذه الأول والأخير. أما ابتعاده عنه فليس إلا ظرفيا أي استجماما يفرضه على المبدع إدمانه الاتجاه الواحد.
السوريالية
يختفي الرسام المحجوبي أحرضان (1924) وراء تجريدية سوريالية ذات تعبيرية تشكيلية ملتبسة، يطغى عليها الحدسي، حتى ليجعل منها عالم حلم يحرر الرسام من سلطة هواجسه. إنه بهذه المواراة خلق عالما غاصا بالنزوات، عالما إذا كان لا يشبه عالمه المعيش الواقعي، فإنه مع ذلك ترك فيه شيئا من جوهره، جوهر الباحث عن هوية في مزدحم يعج بالهويات المختلفة.
إن السوريالية في هذه التجريدية تتكىء على مجالي الطبيعة حيث يجري الماء من اللا بداية ويركض نحو اللانهائية، وحيث الحيوانات ذات التكوينات العجيبة، والنباتات المتشابكة الأغصان كما لو أنها نباتات أدغال، وحيث الغنائية اللونية والضوئية تشير إلى لطخات فرشاتية شعثاء، وحيث الشخوص ذوو ملامح غريبة ومحاصرون لا صلة لهم بالعالم الخارجي إلى من خلال كوي ضيقة، مما تصبح معه الرؤيا الواضحة على جانب كبير من القساوة. هذه السوريالية في لوحات الرسام الأخيرة دالة على نظرته الثاقبة الذكية العميقة التي هي رؤيا شاعر أكثر مما هي لرسام. ولأن هذه السوريالية على هذا النمط، فإنها لم تستق من دالي الاعتماد على الحدس واللاداعي، وينقصها ما امتاز به هذا الإسباني الفذ من ثقافة شاملة.
التلفيقية
تعكس لوحات الرسام أحمد اليعقوبي (1932-1987) تجريدية مستوحاة من أهم اتجاهات التشكيل المعاصر الذي عرفه الغرب منذ السنوات الثلاثين فتجد لفي لوحاته ملامح انطباعية مرة وتقويرات تكعيبية مرة أخرى، وأثرا توحيشيا مرة ثالثة. ولكن ما يميز أعماله الأخيرة أنه مال إلى تجريد تلفيقي Eclectrique استفاد من كل ما ذكر، وقام على ثراء المخيلة التي تضخم الحجم الصغير وتقلص الحجم الكبير إما للتعرية وإما للمسخ، وذلك بحثا عن جمالية غير مألوفة، كما قام على الخرافي من الأحداث مستمدا إياها من الذاكرة ومن الطفولة ومن الحلم صياغة ورؤية ومعيشا. والحق أن المخيلة والخرافي والذاكرة والطفولية تعاونت على ابتكار هاجس يؤرق ذهنية الرسام، ودليل ذلك أن كل هذه العناصر حاضرة في أعماله كلها بنسبة تقل أو تكثر، يقدم الرسام كل هذه العناصر بطريقتين : طريقة الشخوص وطريقة الموتيفات : شخوصه الحيوانية أسطورية، وموتيفاته مستفادة من مشاهداته التي خصبت ملاحظاته. هاتان الطريقتان عرضتا عبر مزج لوني محكم، غير أن الرسام إذا آثر فضاء اللوحة بالعتمة وكانت ربتات الفرشاة فيه صريحة، فإنه بربتات لونية ناتئة، أفاء على الشخوص والموتيفات نصاعة كأنه جعلها المقصودة بالذات، إذ لا يهم هذا الفضاء بالقياس إلى أهمية الشخوص والموتيفات. إن هذا دليل آخر على عصامية الرسام التي لا ترى التصويرية والتشكيلية إلا على هذا المنوال.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 04:00 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفن التشكيلي الكويتي البحث عن الذات1/2

بالرغم من حداثة "الحركة التشكيلية الكويتية المعاصرة" وصغر سنها بالنسبة لمثيلاتها في الوطن العربي والأجنبي إلا أنها استطاعت أن تبرز بزمن قياسي كحركة فنية ذات شخصية مميزة استمدت هويتها من مكونات المجتمع الكويتي

الاجتماعية والثقافية وأصبحت معالم بيئتها صورة صادقة من هذه التركيبة الخاصة لهذا المجتمع الذي أخذ بكل أساليب الحضارة الحديثة· لكنه لم ينسى عاداته وتقاليده وتراثه ا لعربي ا لإسلامي.
إن إطلاله على هذه الحركة الفنية لن تمكننا من الإيفاء بشكل كامل بجوانب "الفن التشكيلي الكويتي "· ولكن تلمس أهم مقوماتها التي تشكل خط سيرها الفني سيعطي قدرتم كافتا من الإيضاح تمتهن القارئ من التعرف عليها وفهم شخصيتها بشكل عام.
الماضي الملهم والمعلم
بين البحر والصحراء عاش الإنسان الكويتي قصة كفاح طويلة· وهي قصة مليئة بمشاهد الصراع الإنساني مع الطبيعة وظروف الحياة المعيشية الصعبة التي فرضتها عوامل المناخ والموقع على أهل الكويت في الماضي· فقد كانت الكويت عبارة عن ميناء عريي صغير نسبيا يحتل مساحة من الأرض تقدر بثمانية كيلومترات مريع على رأس (جون) خاص بها يعرف بخليج الكويت- أقصى الشمال من الخليج العربي- ويحيط بهذه المدينة سور من الطين بنيئ لصد الغزاة· وكانت منافذ هذا السور (لأريعه) تفضي بالمدينة إلى صحراء قاحلة مترامية الأطراف تحيط بها من كل جانب.
لقد تكاتفت ظروف المناخ الصعبة وطبيعة الأرض الصحراوية ضد سكانها مما دفعهم ذلك إلى الاتجاه ناحية البحر للاشتغال بصيد اللؤلؤ والأسماك· والتجارة التي عمادها صناعة السفن والقوارب وقد أعطاهم ذلك خبرة ودراية بطرق التجارة البحرية فتجاوزوا بهذه الخبرة البلدان المجاورة إلى شبه القارة الهندية وسواحل أفريقيا كما أكسبتهم هذه


المهنة ثروة مهنية ومادية وثقافية· وفتحت أذهانهم للأساليب المعيشية والاجتماعية في هذه الأقطار· وهذا ما زاد تقبلهم بسرعة للأفكار الجديدة وعرس في نفوسهم الاستعداد للتطور والنمو.
ومن ناحية أخرى لم تقف ظروف الصحراء الصعبة عائقا أمام ولوجها والإبحار بها للاتصال بالدول العربية المتاخمة لحدودها والاتجار معها والاستزادة مما فيها من علم ومعرفة.
إن تاريخ الكويت "ملحمة" نسجت أجزاءها قصة حب عظيمة بين الكويتي وأرضة· وظل بتنامي هذا الحب جيلا بعد جيل ويتعمق بين الإنسان والأرض· فكانت الكويت هي "درة الخليج ".
بين رائحة اللون وطعم الماضي
لقد ظل حب الماضي والإخلاص له يسيطر على عاطفة وفكر أبناء الكويت· وظلت مشاهد الملحمة الإنسانية التي عاشها الأجداد تتراءى أمام مخيلتهم مسترشدين بحكايات كبار السن من رجالات الكويت· ورموز التراث الكويتي التي مازالت شاهده على فصول هذه الفترة· ولذلك فقد اتجهت عواطفهم وأحاسيسهم أول ما اتجهت إلى تسجيل مشاهد بيئتهم المحلية في صياغات مليئة بالحب والإخلاص للماضي.
ويعتبر الفنان القدير"أيوب حسين " أكثرهم إخلاصا وتمسكا بهذا الاتجاه فهو يسجل بعفوية وواقعية صادقة أشكال وأساليب الحياة الاجتماعية مسترشدين بذاكره واعية لكل الأنماط والممارسات اليومية للشعب الكويتي في تلك الفترة قبل أن تمتد إليها يد التغيير والتبديل بدخول تيار الحضارة الحديثة مع تدفق· فالسكيك الترابية- الحواري- والبيوت الطينية وساحل البحر تشكل نموذجا حيا للمحيط الذي يتحرك فيه سكان تلك المدينة البسيطة التي طبعت بساطها على أسلوب الحياة اليومي لهم· تتجلى في حركة النساء الرتيبة وهن يغسل الثياب على ساحل البحر بينما يهم بعضهن



بالانصراف إلى بيوتهن بعد الانتهاء من هذه المهمة· أما الصغار فيلهون بحيوية على رمال الشاطئ أو يسبحون في البحر· وفي مشاهد أخرى يبدو الرجال منصرفين إلى أعمالهم من بيع وشراء أو تعليم وتعلم أو استعداد لبدء موسم الغوص أو السفر بقصد التجارة· كما صور فرحة العودة من البحر بعد أشهر من العناء والتعب في سبيل لقمة العيش· أو ممارسة أهل الكويت لنشاطاتهم الاقتصادية والاجتماعية البسيطة الخالية من التعقيد والتكلف.
لقد عالج كثير من التشكيليين الكويتيين هذه الأنماط الحياتية أمثال المرحوم "معجب الدوسري " الذي توفى في صيف 1956 والفنان "بدر القطامي " الذي صاغ عناصره بأسلوب تأثيري شفاف· فشكلت أعماله مجموعة خاصة اعتنت بتسجيل زوايا ورموز من التراث والبيئة بحس عاطفي تداخله في بعض الأحيان نظرة فلسفية لهذه الأشكال والأشياء كما في أعماله: وثول- كباكب- البراقع- دكان قديم- العودة من البحر.
أما الفنان "محمود رضوان " فقد ركز جل اهتمامه على تسجيل الأنماط المعمارية في الكويت القديمة· وهو قد سلك هذا الاتجاه باندفاع شديد لاحتواء صورة هذه الأساليب في البناء قبل أن تعمل بها معاول الهدم لتفسح الطريق أمام الكتل الخرسانية الصماء الخالية من كل تعبير عاطفي أو حس إنساني· وقد برزت مساحاته وكتله بتعبيرية مميزة أضفت على هذه الأشكال نبضا حيا ينبعث من داخل هذه المنازل الطينية فيشعرك ذلك بحركة ساكنيها رغم سماكة الجدران المعمارية القديمة التي زال بالفعل أغلبها وهو هنا قد أكمل الخط الذي شكله باقي التشكيليين الكويتيين والذي ينتهي غالتا عند الممارسات المعيشية اليومية للإنسان الكويتي.
وعملية التفاعل العاطفي بين البيئة والفنان التشكيلي لم تقتصر على بعضهم بل هي خطوة طبيعته للتواصل بين الإنسان الكويتي وماضية المليء بقص الكفاح من أجل ترسيخ دعائم بناء هذه الدولة الفتية· (فسكيك) "مساعد فهد" بهدوئها وبساطتها الشفافة· أو حكايات " خليفة القطان " الذي شكلها ببراعة مميزة عن أيام الانتظار الطويلة التي تعيشها أم أو زوجة أو أبناء مترقبين عودة رجلهم الذاهب إلى رحلة غوص أو سفر بعيد إلى سواحل الهند أو أفريقيا· أو تلك


اللمحات الوامضة التي سجل فيها بعض من أشكال تراثنا البحري له دليل صادق على هذا الارتباط.
ويقتفي أثر هذه الخطوات كل من "علي نعمان " و "يوسف القطامي " و "خزعل القفاص " و"عبدالرضا باقر" وداوود الشميمري " و افهد حبيب " ونادر عبد الحميد" وغيرهم.
الخروج عن إطار المألوف
لاشك بأن البيئة الكويتية القديمة برموزها المعبرة وعناصرها المحببة للنفس قد هيمنت بشكل واضح على فكر وعاطفة الفنان التشكيلي الكويتي وقد كانت هي موضوعة المفضل في بداية الحركة التشكيلية الكويتية قبل أن يخرج ويحتك بالأساليب والتجارب الفنية عربتا وعالمتا عن طريق البعثات والدورات الدراسية الأكاديمية المتخصصة التي أرسلتها الحكومة الكويتية أو من خلال سعي الفنانين أنفسهم بالسفر إلى جميع أنحاء العالم لزيارة المتاحف والمعارض الفنية والاختلاط بالفنانين والتعرف على أساليبهم وثقافاتهم الفنية· وحتى بعد أن هضم كل هذه الأساليب والتجارب وعايش مختلف الثقافات العالمية بعاطفة ملتهبة وذهن متفتح لكل ما هو جديد· لم يبعده ذلك عن محيط النقطة التي بدأ منها بل زاده ذلك تعلقا بها من خلال توظيف ما شاهده وتعلمه في إيجاد صيغ جديدة لهذه الأشكال والمشاهد وتعدى بذلك إطار المشهد العاطفي- التسجيلي- إلى استخلاص مفاهيم فكرية وفلسفية أمسكت هذه المواضيع من السقوط في هوة التكرار الممل وبالتالي فقدان قيمتها العاطفية والفكرية.
لقد حاول "عبد الله القصار" إبراز الجانب الفلسفي لهذه المشاهد وهي محاولة متقدمة وناجحة لانتشالها من تقليديتها وهو بذلك ومع باقي زملائه الذين شاطروه البحث في هذا الاتجاه قد أوجدوا صياغة تجديدية لعناصر ورموز البيئة فأعماله: (وحش البحار- طريق الحصى- الهودج- السعلوه ا· أبرزت عناصر التراث المادية بنسيجها الأدبي برؤية فنية عصرية وأضافت إلى قيمتها الأدبية والمعنوية قيمة فكرية وفنية مميزة.
وأيضا من الذين تناولوا رموز التراث الأدبي الفنان المرحوم "أحمد عبد الرضا" في مجموعته: (السعلوه- الطنطل- حمارة القايله)· وهي شخصيات خرافية من التراث الأدبي للمنطقة طالما أثارت الخوف في نفوس الأطفال قديما عند سماع حكاياتها من أفواه الكبار· ومكنه اتجاهه هذا من الخروج عن مألوف المعالجة التقليدية للرموز المادية للتراث الكويتي إلى الرموز الفكرية وهي خطوة جريئة حاول بعض الفنانين ولوجها ولكن توقفوا بعد أول تجربة "كالقصار" و "عيسى صقر" بينما أثرى "الصالح" مجموعته الفنية بشخوصها المتنوعة.
وإذا كان "القصار"أو غيره من التشكيليين قد سجلوا أشكال الممارسات المعيشية لسكان الكويت في البحر الذي كان عماد حياتهم الاقتصادية وأبرزوا المعاناة والمخاطر التي كانوا يواجهونها في أعماقه المخيفة أو على سطحه المليء بالمفاجآت المأساوية· فإن "عبد الله السالم " قد اهتم بتراث الصحراء اهتماما كبيرا وركز جهده على إبرازه برؤية حديثة تبعده عن (الرؤية الكربونية) التي انجرف إليها في فترة معينة كثير من الفنانين الذين تناولوا رموز البيئة البحرية والصحراوية والتي اعتمد تناولهم لها على (شف) هذه العناصر التراثية من بعض الصور الفوتوغرافية القديمة بشكل جاف وخال من أي حس عاطفي فجاءت أعمالهم غريبة عن البيئة التي استمدت أفكارها وعناصرها منها وخرجت للجمهور وكأنها (نسخ كربونية) باهتة.



ويسير "إبراهيم إسماعيل " و" سعود الفرج " في نفس الاتجاه الذي يسير فيه "عبد الله السالم " فقد صاغا مواضيعهما ورتبا عناصرهما بطريقة خاصة أبعدت أعمالهم عن روتين التكرار الممل· مستغلين لذلك الحركة الهندسية ذات الخطوط إلحاده بشكل مميز لم يفقد الحدث حسه الإنساني والعاطفي كما أن "محمد الشيخ الفارسي " قد أوجد لهذه الرموز شخصية خاصة من خلال توظيفه لمفاهيم رسوم الأطفال في صياغة مواضيعه وهو منفذ ذكي حرر"الشيخ "به أفكاره ومواضيعه من روتينية الأداء في التشكيل الفني المعتاد· ومن أعماله كمثال: لعبة اللقصة- ألعاب شعبية- طبق حنه وطبق ماش- حبيبتي الكويت- ا لفتاه والصندوق ا لمبيت.
أما الفنان المرحوم "أمير عبد الرضا" و"محمد البحيري " و "محمد قمبر" و"صفوان الأيوبي " و"جعفر دشتي " و فاضل العبار" و"أمين الصالح " فقد اتجه كل منهم لاستغلال حركة الخطوط والمساحات اللونية في صياغة الأفكار المعالجة والوصول بعناصر العمل إلى شكلها النهائي المجرد في شخوصيتها العامة لكنها في نفس الوقت لم تفقد حس الطبيعة للبيئة الكويتية فطعم ملوحة البحر أو حرارة الصحراء أو خطوط الحركة العمرانية في المدينة الكويتية الحديثة تتوالف مع هذه المساحات اللونية لتطبعها برؤية محلية صادقة رغم صياغتها المفرطة في الحداثة.
كما يأخذ الحرف العربي والزخرفة الإسلامية مكانة خاصة في المعالجات التشكيلية الحديثة والتي تبنى صياغتها كل من الفنانة "سعاد العيسى" والفنان "قاسم ياسين " و ا فريد العلي " وأخيرا "محمد الشيخ "و"حميد خزعل ".
تظل حركة الإنسان المعاصر المعاشية هي المشهد الوحيد الغائب عن ذهن التشكيلي الكويتي ربما لأن هذا المشهد- باعتقاد الفنانين- توفرت له أكثر من فرصة تعبيرية سجلت حركته الزمنية لحظة بلحظة بدأ من آلة التصوير الضوئية إلى السينمائية والتلفزيونية وغير ذلك من وسائل الإعلام المختلفة ولذلك فالذين تناولوا هذه المواقف قلة أبرزهم هو الفنان "جاسم بو حمد" الذي صور الحد وته اليومية لحركة الإنسان المعاصر بدأ بالسوق وحركته المستمرة بين البائع والمشتري كأعماله: بائع السجائر- سوق الخضار- خواطر وأفكار عن القنص- وهي رياضه تشد أبناء الكويت كهواية



محببة إليهم لازمتهم منذ القديم وتعيدهم اليوم إلى أجواء الصحراء التي طالما جابهها الأجداد في ترحالهم بحتا عن المرعى أو التجارة أو طلب العلم· وقد أفرد لهذا الموضوع المميز مجموعة فنية من عشرة أجزاء.
ويوازي "بوحمد" في هذا الاتجاه الفنان "حسين مسيب " الذي سجل كثير من المواقف الإنسانية التي حفت عن الكثير منا برغم معايشتنا لها كل يوم· لكن المسيب احتواها بنظرة مدققة· من (الحمال) وهو يجلس على الأرض تعبا إلى (الصباغ) الذي غفت عينه بعد عناء يوم من العمل إلى (الشاب) راكب الدراجة الذي يلاحق فتاة تسير في الشارع يحاول مغازلتها بإلحاح بريء· أما "عبد العزيز آرتي " فقد خص هذه الرؤية بمجموعة لا بأس بها من أعماله الفنية مصورا فترة الخمسينات والستينات من خلال مشاهد عديدة من أهمها: أ الشارع الجديد- شارع فهد السالم سنة 54- شارع تونس- السالمية وقت المطر- هدف عرباوي· وهي فترة لم ينتبه إليها الكثير من الفنانين خاصة وأنها تعتبر فترة انتقال وتحول في الحياة العامة بين القديم والحديث.
ربما ستظل هذه الحكايات اليومية البسيطة مدار بحث وتقصي طويلين من قبل "بوحمد" و"مسيب " فالعلاقات الإنسانية مستمرة باستمرار دورة الزمن الأبدية ولذلك فالمشاهد تتكرر وتتجدد· وربما سيلتفت غيرهما من الفنانين لهذه العلاقة بين حركة الإنسان وحركة الزمن اليومية






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 04:03 AM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفن التشكيلي الكويتي البحث عن الذات2/2.

العاطفة.. البحث عن الذات والجذور.
لم يمنع ارتباط وتعلق الفنان الكويتي برموز بيئته وتراثه المحليين من التفكير والبحث فيما يدور حوله· فالبيئة هي قرين الحدث




اليومي المعاش والتراث الكويتي هو امتداد للحدث والقضية التاريخية للأمة كاملة· ولذلك فهو يسعى بدأب وإصرار للبحث عن ذاته؟ وذاته الخاصة تعني جذوره وأصالته العربية· وكل ما ينصب في وجدانه من أحاسيس ومشاعر يتسرب إلى أعماقه التي هي جزء من تاريخ طويل وعريق من الأصالة العربية· فيخرج هذا الارتباط العاطفي الكبير على شكل رؤية خاصة متعددة الأساليب فنيا تبعا لدور الحالة وتفاعلها بالنسبة له أو للمحيط الذي يتحرك ويعيش فيه.
لقد أخذت القضية الفلسطينية ومعانات الشعب الفلسطيني واللبناني حيزا كبيرا من فكر ومشاعر الفنان الكويتي المعاصر كقضايا حية تعاش يوميا لحظة بلحظة· بل أن الانطلاقة والإيمان لهذه الحركة التشكيلية بدأت من خلال هذه المشاعر العربية الصادقة الإيمان بوحدة الأمة العربية فأول معرض تشكيلي أقيم بشكل مدروس ومتكامل كان بمناسبة مؤتمر الأدباء العرب سنة 1958 وكانت جلسات ومناقشات هدا المؤتمر آنذاك مظاهرة قوية للقومية العربية والاتجاه القومي الصحيح وقد رأت معارف الكويت- وهي الراعية لهذا المؤتمر- أن تعطي لهذه المناسبة أهميتها وقررت إقامة معرض للفنون التشكيلية تحت اسم (معرض البطولة العربية) تيمنا بتلك المرحلة الزاهرة من مراحل التضامن العربي· وكفاحه ضد العهود البالية والاستعمار. لقد شاءت الأقدار أن تتزامن بداية تنظيم وبلورة شخصية الحركة التشكيلية الكويتية بالشكل العلمي المدروس مع هذه المناسبة الثقافية والتي كانت محور بحثها صحوة القومية العربية


وفي أجواء مشبعة بالتضامن العربي للنهوض والكفاح ضد الاستعمار والتخلف· فـ"سالم الخرجي " و"محمد السمحان " و"محمد الشيباني " و"عبدالله القصار و"سامي محمد" و "عبد الوهاب العوضي " قد ترجموا هذه المشاعر أعمالا فنية رسمت صدق وإخلاص حسهم القومي تجاه قضايانا المصيرية المعاصرة.
إن مجموعة "سامي محمد" النحتية (صبرا وشاتيلا) تعتبر من أبرز وأنضج التجارب الفنية التي عبرت عن تفاعل الفنان التشكيلي الكويتي مع الحدث وقد كرش في تشكيلها الفكري والفني جل اهتمامه مظهرا لحظات القهر والمعاناة المأساوية التي يمكن أن تحيط بإنسان أعزل!.
وإذا كان "سامي محمد " قد أبرز معاناة الشعب الفلسطيني واللبناني فإن "سالم الخرجي " في أعماله التي تناولت نفس اللحظة الزمنية قد عزز هذا الخط المأساوي في المعالجة ومن أبرز أعماله (الجرح والحجارة - ا لصمت).
لقد تناول (سامي والخرجي) هذه القضية من جانبها المساوي الذي ولّد في نفوسنا مشاعر الغضب والتقزز لهذه المشاهد أللا إنسانية ضد شعب أعزل يعيش في كل يوم ألوان مختلفة من صنوف الاضطهاد العنصري والقهر النفسي والجسدي من بينما أبرز "محمد الشيباني " الجانب الآخر للإنسان الفلسطيني في مقاومته للمحتل· فأعماله: (غضب- لا للاحتلال) رمزية مبسطه تسجل ثورة الحجارة تلك الأداة السحرية التي حركت مشاعر وضمير العالم· فهذا النموذج الفني المخرج بعناية وذكاء لمخاطبة العالم الغربي· وهذه المجموعة من الأعمال تشكل خطا مميزا للفكر النضالي


والانتماء القومي للفنان الكويتي من أجل تحرير الأرض· وإذا كانت القضايا العربية تمثل جزء من فكر وعاطفة التشكيلي الكويتي فأن قضيته الخاصة أصبحت جزء من اهتمام الفكر العربي والتي تمثلت في المحنة التي عاشها الشعب الكويتي تحت الاحتلال العراقي وما تبع ذلك من مآسي إنسانية غلفت قلوب كثير من الأسر الكويتية بالحزن والأسى على أبنائها الأسرى· ولم يتخلى هذا الفنان عن دوره في رصد جوانب هذه القضية الإنسانية وأفسح لها مكانا في مساحاته اللونية· كما سجل أيضا مشاهد مؤثرة لمقاومة الشعب ا لكويتي للاحتلال.
ويقف "محمد السمحان" داخل دائرة خاصة به في تعبيره الفني عن مسيرة المقاومة الكويتية والنضال الفلسطيني أو المعاناة اللبنانية ليشكل بكثير من البساطة التعبيرية الحركة الزمنية لنضال الشعب العربي كما في أعماله (قطعة قمر- القمر البعيد- خيول وحجارة منشورات ومقاومة- معتقل)· وهو قد يتجاوز في بعض الأحيان حدود الهموم العربية ليحتوي الإنسان عالميا· فالفلسفة الفكرية التي يبحث من خلالها صياغاته وإن بدأت من داخل النفس لكنها لم تغفل ارتباطه كجزء من العالم الواسع يؤثر ويتأثر بكل ما يدور فيه!· وهذه الأمثلة من الفنانين والمحاولات التعبيرية ليست هي الوحيدة فلم تخل تجربة فنية خاصة إلا وتناولت بشكل أو بآخر بالتعبير عن هذه المشاعر.
لقد بدأ الفنان التشكيلي الكويتي يتجه بفنه وفكره إلى خارج نطاق التسجيل للحدث والمشهد اليومي الملاصق له· فالارتباط الفكري بالثقافات العالمية بشكل عام· والمشاهد اليومية لما يدور خارج الحدود التي يتحرك ويعيش فيها بشكل خاص والتي بسطت سبلها شبكات الاتصال السمعية والبصرية العصرية دفعت به إلى الاتجاه لإيجاد سبل تعبيرية مميزة تمكنه من إيصال فلسفته الفكرية وصياغاته التعبيرية إلى أفراد مجتمعه أو المجتمعات الأخرى· ولا يعني هذا انسلاخه أو ابتعاده عن رموز البيئة بل ظل محافظا على تركيباتها وذاتيتها المميزة· وأعطى في نفس الوقت ذاته وشخصيته الفنية مقدارا من الحرية والحركة داخل إطار العمل الفني مقدرا بذلك أهمية إبراز فكره وفلسفته الخاصة تجاه القضايا الإنسانية والاجتماعية التي يعالجها في صياغاته الإبداعية وجاعلا من هذا الاتجاه نقطة توازن بين الأسلوب التسجيلي والأسلوب الفكري الفلسفي الذي بدأ يتنامى بسرعة توازي تنامي التبادل الفني بين الكويت بمؤسساتها المتخصصة



كالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والجمعية الكويتية للفنون التشكيلية ووزارة الإعلام والمؤسسات المشابهة لها في البلدان العربية والصديقة والذي تجلى في صور إقامة المعارض التشكيلية المتبادلة والمشاركة في النشاطات التشكيلية التي تقام في هذه البلدان.
ويبرز أكثر من فنان كويتي في تتبع وصياغة هذه الأفكار تشكيليا· ويعتبر الفنان "عبد الله القصار" أكثرهم إيمانا بهذا الاتجاه وأيضا "خليفة القطان "والتي احتوتها كل من مجموعته (البيضة- التفاحة)· وأخيرا مجموعته الجديدة التي تناولت لمحات من التراث الكويتي البحري.
أما "حميد خزعل" الذي برزت عناصره كأدوات تعبيرية عن أفكاره الخاصة· وجاءت متوافقة مع صياغاته الفنية للموضوع لتشكل في نهاية الأمر فلسفة رمزية لتلك التحرشات الذهنية التي يصطدم بها أثناء ممارساته اليومية كما في (العتمة- الخروج مبكرا- آخر المحاربين- احتمالات- تحية لأرواح شهداء لارنكا- امتزاج)· ثم النحات سامي محمد· أحمد عبد الرضا· ومحمد الشيباني الذي أهتم بتسجيل بعض القضايا الاجتماعية كما في (العانس- خرافه). وهو سلوك يكشف مدى الاهتمام الذي يوليه هذا الفنان لقضايا قد يجد البعض إحراجا في معالجتها تشكيليا وهو يبدو أكثر إصرارا على التمسك بهذا المنهج في البحث والتحليل في عمله المجسم (لحظة عابرة) عندما تناول برمزية تحتوي كثيرا من الصراحة التي لم نتعود عليها في معالجتنا التشكيلية حتى الآن لعلاقة الرجل بالمرأة!· لكن الشيباني كان أكثر شجاعة في التناول الصريح لمثل هذه القضية الحساسة.
من كل هذا نلاحظ بأن أغلب التشكيليين الكويتيين قد تناولوا في أعمالهم أكثر من أسلوب فكري ولذلك فإن أسماءهم تتكرر كلما حاولنا قراءة جانب من جوانب الصياغات الفكرية للتشكيل الكويتي وقد حاولت قدر الإمكان أن أركز بشكل أو بآخر على أكثر الاتجاهات وضوحا في مسيرة كل فنان وهم بالطبع كما أسلفنا نماذج منتقاة للمساعدة على تفهم جوانب الحركة التشكيلية بشكل عام ومركز.
النحت الكويتي هذا الطفل اليتيم.
التوفيق والمساندة التي خصت بها الحركة التشكيلية الكويتية لم تقتصر على جانب تقني واحد فقط بل شملت كافة الجوانب المختلفة ومن ضمنها (النحت)· لكنه بالرغم من ذلك يقف منزويا حزينا مترددا في الدخول للدائرة الكبيرة التي يحتلها الفن التشكيلي بوجه عام· والأسباب التي تقف وراء الانزواء والتي صاحبت النحت منذ بداية تبلور شخصية الحركة التشكيلية بشكلها المعاصر هو عزوف كثير من " المقتنين " عن اقتناء الأعمال النحتية· ووجود قلة من


المشجعين لن يغير شيئا من هذا الأمر· كما أن صعوبة الحصول على المواد الخام وارتفاع أسعارها كالرخام والخشب وأيضا ارتفاع تكلفة صب البرونز الذي يتم خارج الكويت دفع النحاتين الكويتيين إلى الإقلال من إنتاج الأعمال النحتية والاتجاه لمجالات فنية أخرى لإفراغ شحناتهم الإبداعية المميزة من خلالها.
ويقف الفنان " سامي محمد" في مقدمة النحاتين الكويتيين بغزارة وتميز إنتاجه الذي برز كأسلوب فني وفكري لفت انتباه المهتمين والنقاد ومن أبرز أعماله (صبرا وشاتيلا- المكبس- الصندوق- محاولة الخروج- إندفاعة - صرخة من الأعماق).
كما ويحتل النحات "عيسى صقر" في هذا المجال مكانة خاصة أيضا بأسلوبه المميز الذي وظف له رموز البيئة لإبراز منحوتاته وتأكيد أسلوبه الذي اعتمد الكتلة كأساس لخلق شخوصه وعناصره والتي تحركها لمسات من الخطوط البسيطة.
"خزعل القفاص " له بصمته المميزة والمهمة كنحات مبدع اختار أفكاره ومزجها بشيء من الغرابة الفلسفية رغم بساطتها الشكلية والتعبيرية متخذا هو أيضا جزيئات البيئة مجال تتحرك فيه أفكاره مثال (الهامور- تمر وقهوة).
يأتي النحات "عبد الحميد إسماعيل " أيضا كأحد أهم عناصر هذه المجموعة وهو أيضا وأن توقف فترة لعدة سنوات لكنه عاد باندفاع كبير ليضيف لمجموعته النحتية بعدا جديدا تمتزج فيه التجربة بواقعية التشكيل بتآلف إبداعي مميز كما في: (السوس- لبنان- امرأة- تكوينات).
لقد حاول بعض التشكيليين الرسامين أيضا ولوج هذا المجال بين الحين والآخر برغم وعورة الطريق كنوع من التجربة مثال (جاسم بوحمد- خليفة القطان- عبد الله القصار) وقد يكون "بوحمد" أكثر الثلاثة إهتماما لكن تجربته لم تنل حظها من النضج كمجاله في التصوير.
الفنانات التشكيليات الكويتيات.
التشكيليات الكويتيات يمكن عدهن على أصابع اليد فهن قليلات بدأن مسيرتهن جنبا إلى جنب مع زملائهم التشكيليين الكويتيين· وقد برزت مجموعة منهن بينما انسحبت أخريات بكل هدوء دون أسباب ملحوظة فالفرصة متاحة في بلد أعطى المرأة حقوقا لم تتاح لمثيلاتها في بلدان أخرى إلا في وقت متأخر وهيأ لها فرص التعليم وممارسة نشاطاتها


المختلفة بكل حرية ومساندة على المستوى الشعبي والرسمي.
ومن أبرز التشكيليات الكويتيات (موضي الحجي- سعاد العيسى- صبيحة بشارة- ثريا البقصمي- سامية السيد عمر- ليديا القطان- نسرين عبد الله).
لقد دارت أغلب الأفكار والمواضيع التي تناولتها الفنانات الكويتيات حول المرأة "فصبيحه بشاره " رسمت المرأة بعاطفة شديدة أبرزت فيها رقتها كمرآه تمارس علاقتها الإنسانية والاجتماعية ببساطة شديدة فمره نشاهدها مستلقية باسترخاء أو أخرى تتحدث لصديقة في جو من الهدوء· وحتى مجموعة أعمالها المميزة التي رسمت فيها تكوينات من مقاطع نباتية- ورود- لم تخل من إحساس أتثوي. "سعاد العيسى" و "ثريا البقصمي " تشكلان خالا واحدا وإن اختلفتا تقنيا· فالحس الزخرفي هو المسيطر على أجواء العمل عندهما وكلتاهما اتجهتا نحو مجال الطباعة في إبراز أفكارهما فنيا.
وقد استطاعت "موضي الحجي " بلورة تجربتها الفنية لتخرج بمحصله مميزة وأبرز شاهد على ذلك مجموعتها التكوينية النباتية- سعف النخل- هذا بالإضافة إلى تجاربها الأخرى· وتتميز "موضي " بغزارة إنتاجها وجديته المتواصلة في البحث والتطوير المبتكر لأفكارها وتقنياتها الفنية.
وبالرغم قلة عدد الفنانات إلا أن ذلك لم يؤثر على تواجدهن في الساحة التشكيلية وذلك يرجع للإصرار والمثابرة التي يتمتعن بها وهذه خاصية أبرزت أسماؤهن بشكل واضح في محيط الحركة التشكيلية الكويتية بشكل خاص والعربية بشكل عام كفنانات عربيات لهن أساليبهن الفنية ورؤيتهن الفكرية الخاصة.
وقد انضمت في السنوات الأخيرة لساحة التشكيل الكويتي العديد من الفنانات· والمتتبع لإنتاجهن يلاحظ جدية مسعى هذه المجموعة لبلورة أسلوب خاص بكل واحدة منهن· والنشاط الملحوظ في العمل وإثراء المعارض السنوية بإنتاجهن.










آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 04:05 AM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفن التشكيلي الإماراتي صورة المكان 1/2

الحنين إلى المكان, شكل من أشكال التعاطي الدائم مع الواقع, بمختلف مستوياته الواقعية والنفسية, والإيحائية وتختلف


سبل المحاكاة وألوانها من فنان إلى آخر لتكون الموهبة والخبرة الذاتية أدوات الاختيار أو الاختزال أو التكرار, فالفنان الذي يعي مهمته التسجيلية مثلا هو غير الفنان المحلل لدرجات الانتماء للواقعية, بل وانتقادها أحيانا وإعادة تأليفها, وقد تعامل مع هذا الواقع العديد من فناني الإمارات منذ بداية الحركة التشكيلية وحتى اليوم,
وسواء صاحب الاهتمام والتشجيع هؤلاء الفنانين أو تنحى عنهم إلا أن ترجيح ارتباطهم القوي بالمتلقي إنما يقع ضمن مفهوم الفهم المباشر لتفاصيل المنظر الطبيعي الذي يستمد الفنان منه موضوعا إنسانيا يقدم حميمية العلاقة بين العين والمكان, سواء أكان هذا المكان طبيعيا أم صناعيا من بناء الإنسان وآثاره واهتماماته.
الاعتماد على الحرفة, أو التقنية, أو المهارة, موضوع أساسي أيضا في المبادرة إلى العلاقة مع الجمهور, وتأكيد أدراجها في منطق وفلسفة المنظور الطبيعي والإنشائي المؤاتي لفهم العين للموجودات يسهل ـ دون أدنى شك ـ مهمة الاعتراف بها وتلقيها في إطار بحث الإنسان الدائب للسيطرة على الطبيعة ـ الخطاب الأزلي الذي جعل الإنسان يحقق نجاحاته في بناء تصوراته عن الطبيعة واستبطان هذه التصورات في محاولة لاعلاء الذات وإشراكها في فعل ستختلف الآراء والفلسفات حوله فيما بعد بنتيجة المراقبة والملاحظة لمعاني التمايز والاختلاف.
ْوسواء اعتبرنا التعامل مع الطبيعة أو المكان رثاء لها أو ابتهاجا باحتوائها للأدوار الإنسانية المرئية فإن الإشارة إلى أن هذا النوع من الفنون قد شكل ظاهرة في التشكيل العربي عامة والتشكيل في الإمارات خاصة هي إشارة إلى عميق الاستفادة من المحامل التشكيلية التي أبدعها الآخر في رحم فلسفات مختلفة, بل وتشكل مرجعا خالص التكامل للخيال والعقل في إبداعه لأعمال لاقت من الاهتمام ما يفوق جاذبيتها وانتمائها الحضاري للعصر, ساعد في ذلك الحنين والعشق للموضوعات التي بات يفصل المجتمع في الإمارات عنها خطوات واسعة, مما يجعل الرغبة لإعادة التصور واقعة في مقدار الانفعال الذي تولده مثل هذه الأعمال التي تفتح نوافذ من الحاضر على الماضي تذكر الناشئة بدورة



التاريخ التي تمضي باتجاه واحد حاملة معها السلوكيات والذكريات وعدم الاستقرار بسبب إحلال نظم جمالية مكان أخرى. وبسبب تبدل صورة الحاضر إلى ما يوافقه إنتاجيا وأخلاقيا واجتماعيا. إذ لا مجال للثبات, فالتغيير سنة الكون وقانون تبدله من حال إلى حال.
إلا أن عديد الفنانين لابد يشيرون بأعمالهم إلى حالة من الثبات تطال تجربتهم بالرغم مما يحاولون أن يوصوا به من تغيير في الأساليب أو الاتجاهات, ودون اكتراث ـ في اغلب الأوقات ـ بمبادئ التغير الاجتماعي والمعرفي والتقني التي تطال الحراك الإنساني في انتقاله من موقع إلى آخر. ولا تشكل هذه الإحالة أي هجوم أو صدام مع تلك التيارات, فهي أشكال سائدة في مختلف العصور والأزمان, وتتجلى في القيمة التربوية التي تشير إليها وخاصة فيما تقدمه من كشف عن خصائص ومفاهيم سابقة كادت تنتهي أو تختفي أو إنها اختفت فعلا من الحياة, وبهذا نتبادل الحوار معها يكون من منطلق الدلالات التاريخية لمحتوياتها, وهي تلعب دورا توضيحيا للتقاليد والأدوار في تحولها من حال إلى حال.
ولا عجب فيما نراه من إقبال الفنانين الأجانب على أيقاظ معرفتنا بالنعمة التي نحن فيها حين يتهافتون على رسم رموز تقترن بالدلالات الفاعلة في اهتمامات الإنسان المحلي لما تشير إليه في التراث البصري والعقلي والتاريخي, وبكل ما يحقق الذات في تحولها إلى الخلف للارتباط بالأفكار التي تنأى عن المستقبل وما يمكن أن يدفع باتجاه اكتشاف الرؤى المعاصرة ودمجها في رؤى الحداثة التي تعبر عن أشكال التغير ف بجماليات الإنسان الجديد..
ومهما كانت قيمة الإحالة السلفية لإبراز الذات التاريخية المحملة برموز التراث وعباراته البصرية.. إلا أن انقطاعا عن روح الحياة سيبدو جليا فيما تكرسه مثل هذه الرسوم التي تخاطب الواقع باعتباره جزءا من الماضي لا باعتباره نداء للنقد يتضمن مشروع التعبير عن المعاش. والقضية الأساسية في هذا الطرح هي ما يستشعره المبدع وهو يلح على البحث في الفنون البصرية للوصول إلى بدائل ترقى بفهم المجتمع لأحوال الفنون بدلا من اقتيادها إلى الخلف. في اكثر رسوم الطبيعة التي تمجد الفهم الاستهلاكي للعمل الفني لا تشارك الروح في تفجير طاقة الجمال في المتلقي, بل إن هذه الرسوم تقسم الموقف منها إلى اثنين, الأول يعتقد بغرابة إنجاز مثل هذه الأعمال, وهؤلاء يمتلكون روحا نقدية,
والثاني يرى ضرورة إنجازها لتأكيد استمرار بؤس تلقيها تحت اكثر من غطاء قد يصل بعضها إلى حدود الحديث عن الأخلاقيات الجمالية. وقد كانت مساحة التشكيل في الإمارات مساحة واسعة تمثل هذا التجاذب فيما بين الدعوة الاحلالية والدعوة التغييرية, بما حققه أبناؤها الفنانون من إنجازات حملت بمجملها اختيارات الإنسان المبدع في هذه المنطقة من



الخليج العربي. ولقد سعى اكثر من تجمع فني لاستبدال صورة السائد في الفنون منذ بداية الثمانينيات في القرن المنصرم وحتى اليوم, وهي مواجهة يشير اكثر من باحث إلى إنها تتم في إطار الصراع بين القديم والجديد,
مما يشير إلى أزمة تنويرية يعيشها المحمل التشكيلي الإماراتي يسببها الحنين إلى الماضي وما تفرزه الحياة الجديدة بمطلقها الفلسفي والمعماري والنظري والاقتصادي من دعوة للتحديث والاستمرار في إنتاج ثقافة مغايرة مواكبة لانتصارات الإنسان وانحيازه إلى خصوصيته رغم أن سرعة التحديث تؤدي أحيانا إلى إنتاج صدامات اجتماعية ومعرفية يعجز التكيف معها وقد تؤدي إلى الشعور بمجموعة من الاستلابات الفكرية التي تطال مجالات إنتاج الثقافة والمعارف. إن الانتماء لعالم متحرك يمتزج فيه الماضي بالحاضر قد يعرقل عملية الإنتاج المعرفي كونه يقدم الماضي بصورة الحاضر
وهذا انشقاق واضح في هوية وخصوصية المجتمع الذي ينشد دائما التقدم والحرية والسيادة كحقوق تعيد صياغة التوجه الفكري وتجيب عن أسئلته الراهنة.. وإذا كانت الإحالة إلى المكان لا تخرج عن الإطار الحنيني الذي أشرنا إليه في البداية فإن ذلك يدعونا للتميز بين المكان الواقعي والمكان الافتراضي في العمل الفني.. المكان الذي تدلي جمالياته برؤاها التنويرية كلما أوغل المرء في سبره والكشف عن سطوته أو ترهله أو ما يحاول بعض المبدعين تحقيقه بتزيينه على هيئة ما يكون الجوهر.
لقد سعي عبد القادر الريس باستثنائية مشهود لها أن يكون حياديا في تفكيره البصري إذ تنازعه التسجيل والتجريد, وثمة مغزى وراء ذلك يتمثل بإعلانه عن انتمائه لكل ما يبدع, ولعل إنجازاته المتفوقة تقنيا ولونيا تنضج في الأجيال اللاحقة قيمة التراث الأصيل وما خلفه الأجداد للأبناء في رحلتهم الشمولية (العمارة والحرف والمهن). حتى إن مرجع العديد من الأجيال الجديدة ينكمش في تصور أعمال هذا الفنان المجيد.
إلا أن الرحيل عبر الماضي لا يعدو التفكير المثالي به والانقطاع عن الحاضر (الواقع الحقيقي) وذلك بحصر الوطن في إطار لا يتحرك قد يستدعي الوقوف عند فترة زمنية بما يحيط بها من (نوستالجيا) تؤجج المشاعر دون أن تكون عتبة للانتقال إلى مجال ارحب كما كان يحدث في بنية القصيدة الجاهلية على سبيل المثال.



أشير إلى خصوصية تجربة الريس ليس على مستوى الإنجاز فحسب, بل ما تحققه من صدى تخيلي وإيحائي جمالي يطل الوهم الذي ينشئ التصورات الجديدة للواقع الماضي, وبكل ما يمكن أن يجعلنا نتفكر بالمجازات البصرية الواقعية التي استنبطها الفنان من الموثيفات المحلية, وهو وان صورها على نحو شديد المهارة بالمطابقة المنظورية والتشريحية والتلوينية فإن ذلك يذكر بالإحالات المباشرة التي قام بها الفنان محمد يوسف علي مبكرا حين جعل من هذه الموثيفات مادة الموضوع وشكله فاستخدم الأبواب والنوافذ والأخشاب والجبس وغير ذلك من المواد التي تشكل جزءا لا ينفصل عن الواقع الواقعي, مستفيدا من غياب استخدامها وندرته لتتحول أعماله إلى مفاهيم لا يحدها حاجز عن المتلقي الذي قد يتعامل معها في الحقيقة كنفيسة من نفائس التعلق بالماضي, وقد استفاد العديد من فناني الخليج العربي من هذه التجربة المبكرة فنوعوا عليها وعلى إشاراتها ورموزها الواقعية.
كما إن مجموعة المحدثين في الفنون الإماراتية لم يبتعدوا كثيرا عن هذا المفهوم بأعمالهم المتنوعة, معتبرين إن التحول في المفهوم لا يعني التحول الشكلي, فالفكرة هي الدافع إلى التشكيل, الفكرة باعتبارها ماضيا وحاضرا, وبمقدار ما تشكل أعمالهم انتماء للذاكرة فإنها من الناحية الذهنية اكثر ارتباطا بالواقع المباشر لموجودات المكان, بل إن انبثاق العمل, أي عمل, إنما يشكل إضافة حية إلى الذاكرة الواقعية التي تتفاعل مع لغة التعبير عن هذا الواقع,
وقد تميز اكثر من فنان في الإمارات في هذا الجانب الاكتشافي والتنبؤي للواقع فأهلهم للمرور بمراحل مختلفة, قد تختلف في أسلوب التعامل مع الواقع إلا أنها تتفق بالاتجاه والهدف لإعادة صياغة الموقف من التراث والواقع والتجديد في ظل التحديثات التي طالت المجتمع, وقد جاراهم بوعي وحذق الفنان عبد الرحيم سالم الذي استطاع أن يبقى محايدا في بحثه البصري دون أن يوغل في تيار أو جماعة, فبقي وفيا لذاتيته التي يستلهم منها الفضاء الحركي بمقدرة توازي مرئيات الواقع واحتمالات تحقيقه عبر الحركة, وهو وان كان نحاتا مجيدا فإن هذه الإمكانية ذهبت هدرا بمقابل الإيغال في تفصيلات التصوير التي لم يقف على جانب محدد فيها بل استمر عبر تجربته الطويلة نسبيا (تخرج العام 1980 من القاهرة) في تنويع المواد والخامات (الحجر والخشب والمعادن, الأدوات التراثية, الورق المعدني, الورق الشفاف, النايلون, الأحبار الصناعية, الباستيل, العرض الادائي).
وشكلت مساحة الحلم لدى المبدعة نجاة حسن مكي فضاء اللوحة عبر متابعتها للموتيفات التقليدية الأنثوية خاصة, فترجمت خامات البيئة الشعبية إلى وسائط بصرية يعيد إيقاعها التراكمي بناء المساحة بشكل يجعل الواقع يحضر متحللا من ارثه التجسيدي ليستحيل إلى تفاصيل مبهرة للعين في فيمتها الطقسية, موحية بموسيقى حفية, ليست أعلى من صوت الواقع معه. وقد نجحت نجاة مكي في إخفاء لغة شعائرية خلف هذه الموتيفات تضج بالانتماء للأنثى وكيفية أدراك عالمها الداخلي والحواسي بخبرة مستقرة أهلتها لاستكمال حوارها مع المكان, ومع السعي لاستنفاذ الحنين إليه بطريقة مغايرة.
ويمكن القول من هذا المنظور أن المحمل التشكيلي في الإمارات الذي وضع المكان كواقع متعدد المستويات في مركز اهتمامه, قد نجح في انتزاع عدد من المفاهيم من بحث المبدعين الذي يتراوح بين الرؤى المباشرة وما فوق هذه الرؤى ليستمر المخاض خارج محاكاة الواقع والوقوع في أسره, مؤكدين على انتزاع الذات من نظريات المحاكاة والبقاء في عالم الانزياح لا الاستقرار إذ لم يتعامل أي منهم مع الواقع على انه أمر علوي أو تفوقي وإنما يروح نقدية غائية استمرت مادتها من الصراع التشكيلي العربي والدولي حول الأفكار العامة التي يشكل المكان أحد محاور جدالاتها كموقع افتراضي للخصوصية إن لم نقل الهوية.
لقد أهم الفنان في الإمارات بهذه العلاقة التواصلية مع الواقع دون أن يذهب به الاعتقاد للولاء المطلق له, سواء من جهة التخيل التي لجأ إليها الريس أو لغة استنطاق الذاكرة بما تتالى عليه حسن شريف وحسين شريف ومحمد احمد إبراهيم وعبد الله السعدي ومحمد كاظم وكافة التخارجات التي سعى إليها أو ما قامت به مكي من إحلال للموثيفات مكان أصولها وما ذهب إليه محمد القصاب ومحمد العبدالله وعبدالرحيم سالم للارتقاء بإيقاع العمل البصري ليفيض على الواقع بدلا من تمثله أو محاكاته.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 04:07 AM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفن التشكيلي الإماراتي صورة المكان 2/2

الانسجام مع الذات وحرية التعبير
شكلت النهضة الاقتصادية أساساً ملحوظ المكانة لتأسيس المجتمع الحديث في دولة الامارات, ولعل التطور الاجتماعي


في مختلف اتجاهات حركة النمو الثقافي والفكري يعود لانتصار الانسان في مشروعه العقلاني وهو يلغي ويبني لتحرير الزمن من انتمائه لقوى الماضي, ويرافق هذا التوجه رغبة نقدية لبناء الافكار عبر الفعاليات واسعة الانتشار في مختلف التصورات والمشاريع التي لابد ان تنطلق أساساً من ايمانه او اعتقاد بضرورة الانسجام مع الذات التي يعلو شأنها بقدر ما يتحقق لها من حرية في التعبير والمبادرة والمجتمع الذي اقبل بكامل طاقته باتجاه الابداع والتأسيس له بعد الاستقلال والاتحاد وانتفاء الحاجة والفوز,
انما احتضن هذا الابداع عبر ايمان مطلق بضرورة احياء وسائل التقدم والتطور في الذات المبدعة, والاستجابة لخطابها الذي لم ينفصل عن الانتماء لشروط الحداثة التي اقتضت الانتماء للعصر وروحه والتعبير عن ذلك بصراحة ووضوح على قاعدة من الفهم عالي السوية لخصوصية الانسان وانتمائه بعيداً عن تقليدية التخلف وذلك بالفصل التام بين فهم معنى التراث وتمثله وبين انتاج الثقافة المعاصرة التي تؤطرها التقنية وصراعات السلطة العلمية والمتغيرات الفلسفية والاعلامية.
قد يبدو الكلام النظري اكثر دقة من الاحالات المباشرة على محمل تعبيري كالتشكيل في الامارات ـ مرمى الهدف ـ وما حققه في مجالات تمثل المتغيرات الاجتماعية والفكرية والنفسية وكل ما انجزه في هذا الاطار عن طريق العمل الفردي أو الجماعي, والتعديلات التي طرأت على جسمه بالانتقال في الزمان من مرحلة إلى أخرى.
لابد ان نتذكر منذ البداية ان غاية كل فنان, وكل مبدع تمثلت منذ البداية في الاستجابة للفرصة المتاحة للتعبير عن ذات الجماعة لاختراق المراحل وحرقها باتجاه بناء التكوينات الثقافية الأولى وقد تجلى ذلك في المسرح والفن التشكيلي والادب, بالمضي قدماً في الاستجابة لطبيعة الشعور والشخصية لاعادة انتاج الأنواع الابداعية التي تعارف عليها الانسان في تحوله الدائم, ولا نعني في هذا الخصوص بأن انسان المنطقة كان منقطعاً كلياً عن الحراك الابداعي العربي على اقل تقدير, انما ما نعنيه ان ابتعاداً عن هذا الحراك فرضته شروط مختلفة طالت المجتمع ما قبل الطفرة النفطية, وحالت بينه وبين بناء البنية الثقافية التحتية التي تؤهل المبدع ليعيش تحولات الابداع.
ولهذا فمن الطبيعي ان نشير هنا إلى ان ان العملية الابداعية كانت رهنا بالمتحولات العربية والدولية المرافقة أو المواكبة للتحولات المحلية, وقد تمكن المبدع المحلي من تمثل معاني التعبير عن الذات دون ان يتأثر مباشرة بما بدأت تحققه الثروة من تنمية عامة, وسعت مجالات الرخاء الاجتماعي ومنحت المجتمع اعترافاً بذاته, من نفسه أولاً, ومن الآخرين ثانياً..
دون ان تتحول هذه الذات إلى متحف يجمد صورة الانسان على هيئة معينة, وكما حقق المجتمع هذه المميزات فقد انعكست على المعاني العامة للمنتج الابداعي التشكيلي الذي بدأ بالتوجه إلى اكتساب المعارف البصرية المختلفة بدءاً من الجيل الأول الذي انطلق إلى مختلف العواصم والجامعات كي يتوافق والمعطيات العامة التي توصل اليها التشكيل العربي.
الشيء المهم هو ان روح المبدعين القلقة في تلك المرحلة كانت تخفق في حيرة شاملة تطال إلى جانب اكتساب الخبرات وهضمها بناء خطابها الخاص, ومشروعها الذي يميزها ببناء المؤسسات الثقافية والفنية, الجمعيات والدوائر, الصالات وقبل ذلك كله محاولة القبول الاجتماعي للأدوار التي تخرج كالشهب من جسد الثبات إلى مجالات الحياة لبناء معاني الاحتياج إلى الابداع, ولهذا يشار دائماً إلى قيمة التأسيس وارهاصات البناء وقلق المبدع في بحثه عن سبل لنشر الوعي لدى متلقي الفنون وتوحيد مبادىء ورؤى الاساليب الفنية لتتناسب مع الاندفاعة الاقتصادية, العمرانية والمدينية التي تتجاهل وظائف مجتمعية وتحل محلها وظائف اخرى تسمح بتغيير التصور والتخيل لتغير ركائزهما ومفرداتهما.
ان اعادة اكتشاف الذات, تقتضي معرفة تاريخها, بل استرجاع مفرداتها على نحو تكاملي مع وضع استراتيجيات قراءة المستقبل الجمالي لهذه الذات في ضوء الحداثة التي شكلت الرسالة الوحيدة لمنطلقات الابداع المحلي دون ان تفسح



مجالاً لنزعات تنحي شبكة الانتماء للمستقبل لاحساسها الفطري بمعاني التدمير التي تلحق بجماليات الانسان وهو يحاول ان يشد الحياة بعكس الزمان, ولعله مشهد طبيعي في حركة المتغيرات لدى مجتمعات اخرى, الا انه لم يمثل دعوة واضحة المعالم في الابداع الاماراتي الذي بشر رواده بالامكانيات الخلاقة لجوهر الخيال الشعبي الذي يمزج الرغبة بالتطور بالاجتهاد لتحقيق ذلك على شكل خاص لم يدخل في اطار الثورة أو الانقلاب, الكلمات التي تغري الباحثين برنينها والتي عزلت الكثير من المفاهيم عن الفضاء العام للمجتمعات العربية في تعبيرها عن ذاتها وعن حركاتها الابداعية الفنية.. بل وغالباً ما خففت من امكانيات تأمل هذه الذات تحت تأثير الوقع المتسارع للأحداث العامة الموازية.
توفرت للساحة الابداعية في الامارات ومنذ البداية مجموعة واسعة من المبدعين الذين انهوا تحضيراتهم الاكاديمية والابداعية وانجزوا بخبراتهم المكثفة نتاجاً يمكن ان نحدد نهوضه منذ الثمانينيات كتيار عام مع الاشارة إلى بعض المجهودات (آلات حادة لصنع الفن) ان المواجهة بين الجديد والقديم راوحت بين النضج والفجاجة, عاملها البعض بحميمية وعمق باعتبارها عافية حقيقية بالنسبة لواقع الامارات, بينما طرحها البعض كموضة وصرعة سرعان ما تزول وتتلاشى..
أهل الابداع انفسهم كانوا مثل هذه الزلزلة, بعضهم تسلح بثقافة وفكر وبعضهم ركب الموجة وذهب إلى الزبد متأثراً بالرياح التي تهب بكل صالح وطالح, بل ان بعض اهل الثقافة لم يفطن إلى الجوهري والاساسي في النهوض الجديد, فعامله بفوقية لا تليق بالابداع وحرية التعبير والتأسيس لكيان ثقافي جديد... لقد كان اختراق اللوحة التقليدية عملاً جارحاً عنيفاً وغير مقبول لانه غير مسبوق وغير متوقع.. عقد من الزمان ونيف على تجربة (المريجة) في الشارقة.
العلاقة بين الالتزام بالتغيير ومحاور النهوض المجتمعي كانت متساوقة اذن في عمق محددات الابداع, وهذه الرؤية المعبأة اساساً من طبيعة التحولات العامة التي كانت تقود معاني انسنة الصورة بنفي الوهم عنها ومنح المبدع امكانية التعبير عن المجتمع الجديد باعادة صياغة وتأليف الغاية من البحث عن الحكمة والعدالة ومنح الذاكرة ضفافاً فسيحة لاعلاء مكانة التجارب الفنية الفردية وهي تسعى إلى التميز في مواضيعها, ورغم ما يميز السبعينيات والثمانينيات في السعي إلى فروع البحث واتجاهاته للقلق الذي اعترى التجارب التي تراها الكاتبة نجوم الغانم غير مستقرة على أسلوب عندما تتعرض لتاريخ الحركة التشكيلية في دولة الامارات: (العديد من الفنانين قد حاولوا ايجاد ارضية عمل لهم منذ اواخر الستينيات وانتهاء بالتسعينيات ولحداثة التجربة الفنية في الدولة فان معظم تلك الاسماء قدمت اكثر من اسلوب,
فترى الفنان في احد معارضه على سبيل المثال يقدم اسلوباً فنياً معيناً, بينما نراه في المعرض الذي يليه يطرح اسلوباً مناقضاً, بل ان البعض وحتى يومنا هذا يقدم عدة اساليب متباينة في العمل الفني الواحد, وقد يبدأ الفنان تجربته باتجاه حداثي, وينتهي بأن يقدم اعمالاً كلاسيكية والعكس صحيح... هذا الارتباك يعود إلى قصر عمر تجربة الفنان الابداعية والمعرفية وثانياً إلى الافتقار للتراكم التاريخي في الحركة التشكيلية المحلية عموماً).
الفنان حسن شريف يصرح بشكل مباشر حين كتب (احسست ابتداء من عام 1982 ان الكثير من اللوحات التشكيلية, سواء الانطباعية أو التجريدية التعبيرية في كل مكان بدأت تفقد أهميتها لدي, اذ لم اعد احس بأي متعة بصرية عند مشاهدتها, وشعرت ان هناك فجوة بين اللوحة وبين النحت التقليدي. ويجب البحث عن العمل الفني في هذه الفجوة, ومنذ ذلك الحين بدأ لي ان العمل الفني ليس هو اللوحة ولا النحت بل هو (شيء آخر), هكذا حاولت ملء هذه الفجوة. كل تجربة قادتني إلى تجربة اخرى, واعتقد ان جميع الاعمال التي انتجتها منذ عام 1982 وحتى الان هي تجربة واحدة مستمرة.. واحياناً اعود إلى بعض الاعمال القديمة التي كنت عرضتها سابقاً واستمر في استكمالها بعد توقفي عن انتاجها لسنوات طويلة).
انها روح كلية منقسمة في مفردات كل فنان يسعى إلى الاختلاف مع الجماليات المسيطرة, متحولاً بنصوصه إلى وجود يطال الدور الاجتماعي للابداع والوعي به, اذ كلما تعمق الوعي بضرورة التغيير كلما كانت المقاربة قائمة بين الاندفاع لصياغة جدية جديدة والخروج من تقليدية العلاقة بالفنون, فالمجتمع الذي ينتقل بكليته, المكانية والفكرية والزمانية والاقتصادية, هو الذي يضفي الشرعية على التغيير الابداعي وان بدا في الظاهر ان خلافا قائماً بين النزوع إلى الحداثة أو ما بعدها وبين التصرفات التقليدية التي تعيش على حلم استعادة الماضي والتماهي به, للكشف عن صلة قيمية تسهل الاجابة التي كانت مطروحة بشكل عام عن الهوية في الفن العربي بشكل عام.
العالم الذي كان يتغير ويتقلب وتتهاوى افكاره وفلسفاته بمواجهة اقتصاد السوق كان قاسياً بانتقالاته السريعة, ولقد هزت هذه الاحداث اهتمامات المبدعين اينما كانوا ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ فما كان ظاهراً في الانتماء لتاريخ الحركات الفنية عالمياً بات محط انتقاد وتحليل للتوجه إلى مفاهيم الاختلاف بدل الالتقاء, وما كان يؤدي إلى وحدة التجربة والاسلوب لم يعد مهماً في ظل الافكار الجديدة التجارية والصناعية والتكنولوجية, وما كان يشكل دعوة لتوحيد الذات وبناء تماسكها اضحى سجين التفكيك, وكما حلت (الكوكا كولا) محل الذات في اعمال (وارهول) اندفعت الموضوعات إلى الأعمال الفنية في التسعينيات لتفرق التشكيل المحلي في لجة الصراعات الثقافية والفنية بين اجيال لم يتحقق لها الاستمرار في تلقي الاطلاع والدراسة, بل بين الجيل الوحيد الذي انتج كل الاتجاهات التي تحيا اليوم في ساحة الفعل الفني التشكيلي في الامارات منذ عقدين على أقل تقدير رغم اعتراف الجميع بضرورة التعبير عن العصر



في اطار التعبير عن الهوية الذاتية والهوية الوطنية والقومية.
وبعد ان شكل البحث والاستقصاء سلوكاً عاماً للمبدعين التشكيليين في الامارات على اختلاف اتجاهاتهم ومواقعهم فان الحدود الفاصلة بين المستويات لم تقع في اطار التقييم والحكم عليها لضرورة الاعتراف بكينونة المبدعين والتي نشأت بعيداً عن الاشكال الايديولوجية التي تعرضت لها محامل عربية موازية في اطار الطروحات الفلسفية التبريرية التي جعلتها منفصمة عن السياق الاجتماعي.. فمعظم النجاحات التي تحققت للفنانين في الامارات تعود اما إلى التكيف مع قواعد التلقي أو مناهضتها بالانفصال عن الادوار التقليدية للعمل الفني التي كان يلعبها تاريخياً.
ومنذ جماعة (اقواس) التي تشكلت وغابت منتصف الثمانينيات وحتى روح الطبيعة التي يعمل عليها اليوم الفنان محمد يوسف ومروراً بمرسم (المريجة) ومعرض السالب والموجب والمعرض الأول الذي اقيم العام 1972 في دار الاذاعة بالشارقة للفنان احمد الانصاري ومعرض عبدالقادر الريس العام 1973 في دبي ومئات المعارض المحلية والعربية والدولية.
وما تسعى اليه نجاة مكي من تحصيل اكاديمي عال إلى جانب مسعى محمد يوسف علي.. كل ذلك يؤكد اندماج شخصيته وذات المبدع الاماراتي بالسعي إلى التميز والتفوق ونزع الاعتراف من الآخر بالدور الذي يحققه الفن التشكيلي في مجتمع الامارات والاشارة إلى الفهم العميق للتحولات التقنية والمعلوماتية التي تطال الفنون الانسانية.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 04:09 AM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الدادائية.. فن الرافضين

لقد فقدنا الأمل في أن يحقق الفن غرضه في مجتمعنا وقد حز في نفوسنا كثيرا الوضع المشين الذي نعاني منه
مارسيل يانكو أحد أقطاب الحركة الدادائية

مدخل
دادا - الداداوية - الدادائية وكذلك الداديزم مسميات لحركة جريئة وخالدة وباقية بقاء الفن والأدب في حياة البشر وهي حركة شكلها وقاد فاعلياتها الشاعر الروماني تريستان تزارا ( 1896 - 1963 ) في سويسرا احتاجا علي اندلاع الحرب العالمية الأولى .




تميزت هذه الحركة عن غيرها من المدارس الفنية والأدبية التي سبقتها بمحاولة التخلص من قيود المنطق المعتادة والعلاقات السببية في التفكير والتعبير وكان من مهمتها الكبرى التخلص من كل ما يعوق الحرية ويكبح جموح التلقائية في التعبير والإبداع الفنيين .
وعند الدادئيين أن ترسم ليس المهم أن تستخدم الريشة والخطوط والأصباغ بل عليك أن ( تخربش ) كما يروق لك أو تلصق صحيفة أو أعقاب سجائر أو أحذية قديمة مع خوذات عسكرية مهشمة أو علب مواد غذائية فارغة هذه لوحة .

والسؤال !! ما هي البواعث التي أدت إلى ظهور هذه الحركة النشطة والتي استقطبت حولها مظاهر الإعجاب والتشكيك ومواقف القبول والرفض .

الدادا والحرب العالمية الأولى
تتفق جميع المصادر التشكيلية عند رصدها لهذه الحركة أنها قامت أساسا كموقف احتجاج علي اندلاع الحرب العالمية الأولي تلك الحرب التي أًهدرت فيها الطاقات البشرية وقُتل خلالها الرجال وقاسوا مصائبها وتشظي الرصاص في أجسادهم ثم ماتوا وهيل عليهم التراب أو غرزت علي بقايا عظامهم النصب حين يعثر رفاقهم علي جثث يدفنونها .
ففي أواخر عام 1914 كانت نوعية الحرب الدائرة قد تقررت واتخذت لها إطارا متميزا عن كل حرب سابقة إذ اتضح أنها لم تعد حرب نصر حاسم سريع ولا قتال بضعة أسابيع أو شهور ! كلا . لقد ظهر لكل قائد عسكري في أي هيئة أركان مشتركة في الحرب أنه يواجه حربا طويلة الأمد لا نصر فيها فالخنادق لا تتزحزح وكل هجوم مباشر عليها مكتوب له بالفشل .
وككل حرب علي نطاق واسع قذفت إلى الخطوط الخلفية بشيئين أثنين من صنف البشر . أولهما حطام من يتحملون مشاق الطريق قبل أن يموتوا . وثانيهما فئات المشوهين وذوي العاهات الذين تقعدهم عن العمل . وكان النقص في خطوط القتال والمجهود المدني في حاجة إلى تعويض وهذا التعويض تمثل في البالغين الذين يُستدعون إلى الالتحاق بالجيش طالما توفر منهم بيد أن هولاء سرعان ما نزح عددهم لان آلة الحرب كانت تلوك القتلى فتحولت الأنظار إلى الصبيان وطُلب إليهم الانخراط في الجيش مرة باسم الدفاع عن شرف الوطن ومرة أخري بدعوة ضرورة الإخلاص للملك والتاج .
وبمثل هولاء الصبية وذوي العاهات ظلت الجيوش المتحاربة يتضخم عددها بإمدادات جديدة حتى عام 1916 ثم أخذت جميعا أما في الثبوت مع تدني مستوي العمر أو الانكماش التدريجي المحتوم ¥ كما نتج عن حاجة الجبهات إلى العتد أن أقيمت مصانع الذخيرة في مختلف أنحاء أوربا .. وطبيعي أن أصحاب المال هم الذين أقاموها طمعا في ازدياد ثرواتهم فكان من مصلحتهم أن يطول أمد الحرب ويستهلك الجنود ما تشتريه حكوماتهم وبمعني آخر صار من سياسة هولاء ترويج صناعة الموت والمتاجرة بالأرواح .


اثر هذا الوضع تحول اقتصاد أوربا إلى اقتصاد عسكري وظهر إلى الوجود أنظمة توائم ذلك . فالعمال اُقنعوا بالمعروف أو اُجبروا بالتهديد بالحبس أو الوصم بالخيانة العظمي بان يتحولوا إلى آلات في المجهود الحربي وطُلب منهم أن يتناسوا مستوي حياتهم العادية في أيام السلم وأن يغفلوا تماما عن طموحاتهم .
والموظفون خضعوا لتعليمات الانضباط الرسمي ومجالس التأديب التي يعقبها قطع المرتبات إذا عاندوا والفلاحون أصبحوا مضطرين للعمل والقبول بتسعيرة الدولة . كل هذا لتزيد من أرباح الرأسماليين وتتضخم ولم تكتف الحرب العالمية الأولي بإبراز قضايا عسكرية واستراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية وإنما انتقلت إلى الميدان الاجتماعي أيضا . فقد واجهت الحكومات المتحاربة تموين عائلات الغائبين في الميدان والتعويض عن المشوهين العائدين علاوة علي تفشي الانحرافات الخلقية وشاع بين الناس التذمر الصريح بعدم الرضا وتمثل ذلك بشكل واضح في قيام الدادائية والاحتجاج علي ما يحدث بالفن المشاغب والأدب غير المألوف .

تريستان تزارا .. مرة أخري
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى تنصل ( تريستان تزارا ) من أعباء التجنيد في الجيش الروماني وفر هاربا عبر الأودية والبحيرات والأحراش إلى أن وصل إلى سويسرا البلد المحايد في تلك الحرب واستقر به المقام في مدينة زيورخ وألتف حوله لفيف من صعاليك الفن والأدب المناوئين للحرب .
وكان في زيورخ ثمة حركتان تُعدان الخطط المتوهجة لتغيير شكل هذا العالم ¥ ففي شقة رقم (12) في شارع شبيغلغاسة كان : لينين وبعض رفاقه يعدون لثورة تهدف إلى القضاء علي النظام الطبقي وإلغاء الحروب الاستعمارية .
وبمحض الصدفة وفي الشقة رقم (11) بنفس البناية والشارع يجتمع فنانون وأدباء هاربون أو منفيون من بعض بلدان أوربا المتحاربة .. اجتمعوا هولاء الصعاليك ليعبروا عن استنكارهم لهذه الحروب الطاحنة ويسفهوا الدول المتصارعة التي تدعي الحضارة والتي تأكل بعضها بعضا اجتمعوا بهدف رفض كل مظاهر الثقافة السائدة وفي مقدمتها الفن .

عند الساعة السادسة من مساء يوم : 6 . 2 . 1916 ولدت في مقهى كافيه دي لاتيراس في مدينة زيورخ كلمة : دادا - DADA ولقد صرح تريستان تزارا فيما بعد قائلا :
لقد ولدت كلمة دون أن يعرف أحد كيف كان ذلك .


تعدد معاني كلمة : دادا
في لغة الشاعر تريستان تزارا الرومانية تعني : أجل .. أجل . وفي الفرنسية إشارة إلى لعبة من لعب الأطفال علي شكل حصان خشبي هزاز وتستعمل الكلمة في الألمانية للدلالة علي السذاجة والغفلة والإيطاليون يطلقونها علي زهرة النرد وأحيانا الأم .
وفي بعض مناطق أفريقيا السوداء يسمون ذنب البقرة المقدسة : دادا . وفي الكثير من اللهجات العامية العربية تسمي المربية ومرضعة ولد غيرها : دادة .




الملتقي الأول للدادائيين

تأسس هذا الملتقي تحت اسم : كاباريه فولتير - ليسلي رواده ويقدم لهم أوجهًا من النشاطات الفنية والأدبية للسخرية من الحرب والنعرات القومية .
ويعرض تاريخ هذه الحركة أيضا إلى رجل ينتمي إلى بلد المفكرين والشعراء والموسيقيين الكبار( ألمانيا ) رجل طويل القامة بإفراط هزيل البنية اسمه : هوغوبال جاء إلى سويسرا عند نشوب الحرب العالمية الأولي مع صديقته : إيمي هينغز التي تجيد الغناء وإلقاء الشعر .
أما هوغوبال نفسه فكان فيلسوفا وروائيا وشاعرا وصحفيا وصوفيا وهو في كلمتين ( صعلوك مثقف ) وعندما لاحت لهذا الصعلوك فكرة إنشاء هذا الملتقي أتصل بشخص يدعي : أفرايم يمتلك صالة ليلية باسم : مييري ليجعل منها : ماخور ثقافي إذا جاز التعبير . فلبي : أفرايم طلبه وعلي الفور ذهب هوغوبال إلى معارف له من الشلة الدادائية وأخذ يقول للواحد منها :
هل لي بلوحة أو صورة .. قصيدة أو منحوتة بهدف إقامة أول ملتقى يجمع شتاتنا نحن الصعاليك .

ولم يكتف بذلك بل قصد بعض دور الصحافة في زيورخ لينشروا له إعلانات بالمناسبة، وفي الخامس من شهر فبراير 1916 تم تدشين كاباريه فولتير واشتمل المعرض الأول علي أعمال من بيكاسو قام بجلبها له : هانز آراب وتخلل ذلك أمسية روسية ألقيت فيها أشعار من بولنير وماكس جاكوب ورامبو وغيرهم .
وفي نفس العام صدر العدد الأول من مجلة : دادا وكان الشاعر تريستان تزارا رئيسا لتحريرها والمخرج الفني لصفحاتها وقد دعي للكتابة فيها كتاب وشعراء كبار من خارج سويسرا من أمثال أراغون - ايلوار - برايتون - سوبو .
وساهم في عروضها التشكيلية الموالية كل من بيكاسو - مودلياني - كاندنيسكي ولم تتوقف مجلة : دادا عن الصدور وكانت كعادتها تطبع بطريقة مشوهة .

في السابع من شهر مايو عام 1920 صدر العدد السابع ومن مقدمته نقتطف الفقرة التالية :
اصرفوا بأسنانكم .. اصرخوا .. اركلوني علي أسناني .. ثم ماذا !! لن أكف عن أن أنعتكم بأنصاف الموهوبين وبعد ثلاثة أشهر سوف نبيعكم أنا و أصدقائي صورا ببضعة فرنكات .

وهكذا راح الدالدئيون يواجهون العالم بكل ما يمكن أن يهزه من تخريب وافتعال الضجة والضحك علي الذقون والضحك فقط في غالب الأحيان ناهيكم عن الغطرسة والإساءات والإهانات والفضائح الفاقعة والسخرية من ذواتهم ومن الآخرين


وذات مرة أعلن الدادئيون في باريس عن بيان يتلى علي الناس في تاريخ معين وبدلا من هذا البيان قرأ : تزارا مقالا من صحيفة اختيرت بحسب الصدف بينما كان بول ايلوار و تيودور فرنكل يقرعان الأجراس .

قصيدة الصدفة
أو بالأحرى قصيدة من غير شاعر وكنموذج من هذا الشعر تناول : تزارا بضع مقالات من صحيفة يومية تافهة وقصها قصاصات صغيرة لا تزيد مساحة الواحدة منها عن معدل الحيز الذي تشغله الكلمة ثم وضع الكلمات المقطعة في كيس دقيق فارغ وخضها جيدا ثم تركتها تتناثر علي طاولة والترتيب أو اللاترتيب للكلمات سوف يؤلف برأي تزارا قصيدة من نظم الصدفة .

فوتوغرافيا دادائية
وفي مجال التصوير الفوتوغرافي كان أحد المصورين الدادئيين يقطع رحلة بين دوسلدورف وكولن في ألمانيا بان ثبت آلة التصوير في نافذة القطار وطفق يلتقط الصور كيفما أتفق كل خمس دقائق وشكل بترتيبها العشوائي فيما بعد أول معرض فوتوغرافي دادائي .
وحصل مع الموسيقي ما هو افضع من قرع العلب المعدنية الفارغة والطلقات النارية الحية مكان الإيقاع والنباح والعويل بدل الغناء .


الفولغا يصب في بحر قزوين
أما الكتابة التلقائية فأطلق لها العنان العبثي والصدفة واللاوعي وحل اللانظام محل النظام واللامنطق مكان المنطق والعفوية والبراءة سدت المنافذ في وجه التزمت والتصنع وفي الكتابة التلقائية أيضا ينبغي للمرء أن يكتب كما يقوده قلمه من غير أن يبحث عن الكلمات المناسبة أو الالتزام بقواعد النحو وتصريف الأفعال .
وتعتبر رواية : الفولغا يصب في بحر قزوين للكاتب بيليناك رواية كولاجية إذ ادخل بين أحداثها نصوص قصيرة مقتطفة من الصحف وقصاصات الأخبار وعناوين الإعلانات وتخلي بذلك عن الواقعية الموضوعية ذات الخط الواضح لقاء بحث جمالي وفن يلعب علي مستويات مختلفة . والفنان الدادائي - بيكابيا يري:
أن الجمال يمكن أن يولد من اتحاد أشياء غير متوقعة أكثر من غيرها بشرط أن تكون اليد التي تجمعها يد فنان .

البيان الدادئي الأخير



في منتصف شهر مارس عام 1922 وبحضور أقطاب الدادائية القي تريستان تزارا كلمة البيان الأخير لهذه الحركة نورد منها أهم الفقرات المثيرة للتأمل :
إن دادا تشق طريقها وهي ماضية لا في التوسع بل من أجل تخريب ذاتها وهي لا تبغي أن تتوصل إلى نتيجة أو تكسب مجدا أو فائدة عبر جميع إرهاصاتها المقرفة فقد كفت نهائيا عن الكفاح لأنها تدرك أن ذلك لا يخدم غرضا ما .

توقف تزارا برهة وابتلع ريقه .. جال ببصره علي وجوه رفاقه من شراذم الثقافة المحبطة تنهد وواصل تلاوة البيان :
إن دادا كانت حالتنا الذهنية الساخرة وكانت للرافضين من أمثالنا نقطة الارتكاز التي تلتقي عند نعم وعند لا وتحتوي كل المتناقضات السائدة ولان دادا كانت لا تؤمن بشيء فقد انتهت وانتهت لأنها لم تؤمن حتى بمبادئها .

في أثناء هذا البيان كان : دونزيرغ يذرف ابتسامة ساخرة وهانز آراب يعبث بلسانه في شاربه الدقيق وكان هانز ريختر يتقيأ آهاته وجعا بين وقت وآخر .
والدادائية التي حملت مشعل : بروميثيوس لتشعل الحرائق في كل مكان كانت من أكثر الحركات الفنية انتقائية وكانت تكره أن تلبس ثوبا واحدا وتكره أن تلبس الثوب أكثر من يوم واحد .. كانت ضد كل حالة كانتها وتكونها وضد الفن ثم ضد الفن المضاد وضد الصدفة وضد الصدفة المضادة ومن بين أنقاض وركام الصرح الدادائي المنهار انبثقت حركة أخري تولي زعامتها الشاعر الدادائي السابق : أندريه برايتون ليصبح وحده أكبر داعية للتجافي عن العقلانيات والمنطق والتنظيم مستجيبا لكل ما هو من الحلم واللاوعي والأشباح والطلاسم والرموز وأطلق علي حركته الجديدة اسم السريالية أو ما يعرف في لغتنا العربية بـ : ( السمو واقعية ) ليجعل منها وقفا علي المثقفين ولكن أي مثقفين .. انهم المثقفون الذين تلاعبوا في مجريات حركة المد والجزر وتصرفوا في عدد نبضات القلب و ألوان قوس قزح وما يستقر في مكنون العقل الباطن وسراديب الأحلام.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 03-13-2008, 04:11 AM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ~*~فنون عربية وعالمية~*~

الفن التشكيلي الليبي


إذا أردنا أن نتتبع مسيرة حركة الفنون التشكيلية في ليبيا، فلا بد أن نتوقف لإلقاء نظرة ولو موجزة عن الأحداث

التاريخية التي مرت بهذا البلد، ولنبدأ بمطلع القرن الحالي حيث كانت ليبيا ضمن المطامع الاستعمارية التي تقاسمت العالم، وكانت إيطاليا قد وضعت عينها على هذا البلد حتى يكون شاطئا رابعا لها، خصوصا بعد تهالك الدولة العثمانية تلك الدولة التي أكلت الأخضر واليابس ولم تترك من بصماتها إلا الفقر والجهل والمرض. وهكذا أصبحت ليبيا فريسة لغزو إيطالي وحشي لا يرحم ودفع الشعب الليبي الأعزل اكثر من نصف سكانه وسجل بطولات نادرة شهد بها الأعداء وجابت القوات الايطالية البلاد شرقا وغربا وجنوبا لتدمير ما تبقى. وما كادت الحرب الإيطالية تضع أوزارها حتى بدأت الحرب العالمية الثانية، وكانت الأرض الليبية مسرحا لكر وفر القوات المتناحرة التي تتصارع على اقتسام العالم كالوحش على فريستها، ولم يكن لأهل البلد في هذه الحرب ناقة ولا جمل.
في هذه الأحداث المأساوية الداكنة، كانت الحياة فوق هذه الأرض شبه مستحيلة، القتل والتشريد، الهجرة، المطاردة بالإضافة إلى قسوة الطبيعة حيث أن اغلب مساحة البلاد صحراء بحار من الرمال، بلا ماء بلا عشب، فلا استقرار ولا عيش كريم.
ومن المعلوم أن الحياة التشكيلية لا توجد إلا في كنف الاستقرار ولا تزدهر إلا في ظل العيش الهني ، لهذا فان إنسان تلك الفترة لم يقم بأي نشاط ثقافي يذكر، وأنى له ذلك ومن نجا منهم فهو يعيش من اجل البقاء أن كان قادرا على التنفس.
تلك فترة من الزمن مرت بكل بشاعتها وقسوتها ثم هدأت، أصوات المدافع والبنادق وتلاشت رائحة البارود، ثم يفاجأ الليبيون مرة أخرى بأنهم تحت سيطرة أخرى، قواعد أمريكية وبريطانية، وجالية إيطالية وعالق الليبيون سنوات الرماد بعد سنوات الجمر. انشأ الإيطاليون أثناء بقائهم بعض المباني الإدارية والسكنية. كان تأثير المعمار الليبي واضحًا فيها. "فندق عين الفرس " بواحة غدامس " دار قولبي " بطرابلس المتحف الإسلامي حاليا.



شيد الإيطاليون الكنائس ورسموا عليها بعض الأعمال كما في كنيسة القديس فرنسيس. وكان بعض الرسامين الإيطاليين يقومون برسم الدعاية التجارية والسياسية وأغلفة المجلات، وظهرت في الميادين بعض الأعمال الفنية منها " نافورة الخيول " بميدان الشهداء بطرابلس " نافورة الغزالة " ومشا هد ا استعمارية " الذئبة وأبناؤها " وهذه أزيلت ووضع مكانها تمثال لفارس من ليبيا. ونقل تمثال " سبتيموس سيفروس " إلي مدينة لبدة الأثرية مسقط رأس الإمبراطور.
طبعت بعض الصور البريدية لمشاهد من المدن والقرى والأرياف مرسومة بالألوان المائية.
سيطر الإيطاليون على مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية وهيمنوا على إنتاجها وخصوصا الإنتاج الخزفي وسخروه لخدمة أغراضهم ا لاستعمارية.
رغم كل العواصف العاتية وسنوات الرماد الكئيبة استطاع الشعب الليبي أن يصمد ويضمد جراحه ويبدع فحافظ على أصالته في المدن والقرى والأرياف والواحات وتحت الخيام في مجاهل الصحراء، كانت الفنون التقليدية كالزخرفة والتطريز وصناعة البسط والكلم والمرقوم وملابس الرجال والنساء والأحذية، صناعة ا لسروج والحصر والأدوات التقليدية المستعملة من سعف الخيل وغيرها من المواد، تفننوا في زخارف ا لبيوت والأدوات المنزلية، حافظت العمارة على جمالها وبساطتها في المباني والبيوت والمساجد والخلوات الصوفية حتى امتدت يد المعماري الفنان إلى أن تتقن حتى في مصادر المياه لتبدع شكل انسيابية بهندستها وجمالها وبساطها.
في تلك الفترة تأثر بعض الفنانين التشكيليين من تلك الأشكال والمعطيات والأساليب وكان من الذين تأثر بذلك المرحوم/ المهدي الشريف ا والمرحوم محمد الارناؤوطي، وابولقاسم فروج ثم خرج جيل آخر وخصوصا بعد فتح المدارس الثانوية العربية .
ثم توالت المواهب فكان في طرابلس الفنان محمد البارود والفنان عبد المنعم بن ناجي والفنان الهاشمي دافيز والفنان على القلالي. كان الفنان محمد الباروني عصاميا ومحترفا للرسم إلى اليوم وكان له مرسم خلال الستينات والسبعينات على شاطئ جنزور ثم استقر به المقام رساما في بيته أما الآخرون فقد تم حصولهم على بعثات دراسية إلي الخارج في مجال الفنون وانهوا دراستهم وعادوا ليساهموا في إثراء الحركة التشكيلية كل حسب تخصصه واختياره.
كذلك، التحق الفنان على سعيد قانة ببعثة دراسية في فن النحت والرسم. الزيتي فبجداري والتحق الفنان مصطفى الخمسي، والتحق الفنان الطاهر الأمين المغربي، والفنان محمد عبد الحميد الصيد والفنان احمد الشريف والفنان المرحوم احمد الحاراتي والفنان عبد السلام المرابط. الفنان محمد عزو والفنان على ارميص والفنان يوسف كافو



والفنان على مصطفى رمضان والفنان محمود الشريف والفنان محمد شعبان.
وبعدما انهوا دراستهم الاكاديمية بدأوا يعودون تباعا منهم من تحصل على درجات متفوقة عادوا ليا خد كل منهم مكانه بين صفوف مجتمعهم سواء بالتدريس بالجامعات والكليات والمعاهد أو التحقوا بالدوائر التي تهتم بهذا المجال.
تأسس نادي الرسامين سنة 1960على يد مجموعة من الهواة ومحبي هذا الفن وكان مقره مغمورا بإحدى الفرق المسرحية سرعان ما تركوه لمجموعة من الشباب من-الجيل الجديد الذين تألقوا في المعارض المدرسية والمهرجانات الشبابية، منهم على العباني أحمد المرابط، محمد الحاراتي خليفة التونسي، محمد الساعدي يوسف القنصل، فتحي الخراز والصيد الفيتوري كانوا أعضاء في إدارة النادي وكان يتردد على النادي مجموعة من الهواة منهم احمد ابوصوة مفتاح أبو طلاق، احمد التركي، عبد القادر المغربي، على عامر، عمر سويدان بالإضافة إلى مجموعة من الشباب محبي هذا الفن وقد قاموا جميعا رغم الإمكانيات المتواضعة لعدة نشاطات جماعية ومعارض بجناح خاص بمعرض طرابلس الدولى سنويا وأقاموا معرضا بنادي الهلال بمدينة بنغازي. أقام الفنان الطاهر المغربي قبل أن يوفد للدراسة مع الفنان محمد عزو والفنان الأمين المرغني أقاموا بمدينة طرابلس المعرض الليبي الأول.
أسس الفنان على سعيد قانة قسم الفنون التشكيلية بالجامعة بمدينة طرابلس واسهم في تخريج العديد من الفنانين سواء بقسم الفنون أو العمارة وكانت له إسهامات جادة بنادي الرسامين .
عاد الفنان الطاهر المغربي بعد منتصف الستينات وكان له إسهام طيب بنادي الرسامين وترأس إدارته إلى أن قام هو ومجموعة من الفنانين منهم- على العباني على أرميص خليفة التونسي ا المرحوم على بركة قاموا بتأسيس دائرة الفنون الجميلة بوزارة الثقافة تلك الدائرة التي كانت امتدادا طبيعيا لنادي الرسامين التي انتهت مهمته في تلك الفترة. أقامت دائرة الفنون هذه عدة معارض جماعية ومسابقات فنية ورصدت عدة جوائز في مجال الفنون التشكيلية والخط والزخرفة، ووضعت للفنون التشكيلية المفهوم الصحيح، واستضافت معرض السنتين العربي بمدينة طرابلس سنة 1960
تم إصدار كتاب " تأملات وأضواء " على مصطفى رمضان الطاهر المغربي- على العباني -
تم إصدار " تأملات في المعمار الإسلامي في ليبيا على مصطفى رمضان-
بعد قيام الثورة المجيدة في صباح الفاتح من الشهر التاسع سنة 1969 وتسلم الشعب زمام أموره لم تمر سنة



حتى تم طرد القوات الأمريكية والبريطانية وطرد الجالية الإيطالية التي كانت جاثمة كالكابوس على صدر الشعب.
تم توالت البعثات الدراسية التحق الفنان بشير حمودة ، ثم على العباني يوسف القنصل، والمرحوم مسعود الباروني التيجاني احمد زكي ، فتحي الخراز ثم عمر الغرياني ، سالم التميمي / محمد الشريف، ، فوزي الصويعي ، عياد هاشم.
من الفنانين الذين كان لهم نشاط بارز في مدينة بنغازي حسن بن دردف عمل رئيسا لدائرة الفنون التشكيلية ا بنغازي- والفنان ا احمد أبو ذراعه رئيسا لقسم الفنون بالجامعة الفنان محمد استيته مدرسا بجامعة بنغازي - اسمهان الفرجاني خريجة كلية الفنون القاهرة الفنان محمد سويسي رئيس قسم الفنون بمدينة درنة وغيرهم من الشباب الواعد الذين لا يتسع المجال لذكرهم.
كان الفنان عبد السلام النطاح والفنان المرحوم مسعود لباروني يمثلون ثنائيا منسجما يحترفون الرسم إلى جانب تدريسهم لهذه المادة وكان ثالثهم الفنان حسين الجواشي الذي كان تدريسه للرسم يأخذ كل وقته وجهده.
أما مجموعة مدينة الزاوية فهناك الفنان عمران بشنة والفنان عبد الصمد والفنان ا محمد الاصقع وعيرهم من الشباب. كان محور الإنتاج الفني منذ بدايته محاكاة للواقع.
افتتن الفنانون بالريف الجميل البكر، والحياة الشعبية الوديعة، والحنان العائلي الرائع الذي ضم الأسر بعد سنوات البعد والتشرد رد، وكان دفء المعاملات الحميمة بين الناس في المدن والقرى والضواحي، في الأسواق والشوارع في الحارات والأزقة كانت الصحراء بواحاتها ونجوعها- بخيلها بفرسانها وبجمالها وكانت الأرض الطيبة بضوئها وظلها بشمسها الساطعة وليلها المتوج بالقمر والمرصع بالنجوم ببحرها الغضوب شتاء والرقراق في كل صيف بسحبها الحبلى بالخير والعطاء بنخلها وزيتونها برمانها وريحانها، وبتراثها وانتمائها بميراثها الحضاري وأصالتها.
كان ذلك كله هو النبع الذي ارتشف منه الفنان رحيق إبداعه ليحيله إلى لوحات تجسد ارتباطه بأرضه وقيمه ولاقت هذه الأعمال استحسانا داخل البلد وخارجه بالمعارض الجماعية و لفر دية.
وكان هناك جانب آخر للحركة التشكيلية وهو جانب الفن الساخر " الكاريكاتير" وهو جانب مهم جدا كان له التأثير القوى في الحياة الاجتماعية والثقافية في ليبيا.
وقد مر الفن الساخر بنفس الظروف المذكورة كانت أيضا هناك مجموعة من الفنانين تناضل من اجل أن تعبر عما يجيش في أعماق الناس ولان الرسم الساخر اكثر تأثيرًا في الظروف السياسية وخصوصًا في المجال الصحفي
فقد انفردت ثلة من ممارسي هذا الفن من الأوائل منهم الأستاذ فؤاد الكعبازي/ الفنان محمد شرف الدين والأستاذ محمد أمين شقليله والفنان عبد المجيد الجليدي، صالح بن دردف وتأكد مفهوم هذا الفن في نفوس الناس حينما بدأت ريشة الفنان محمد الزواوي تشهر نفسها مع مطلع الستينات كان الفنان المبدع محمد يسلط الضوء على السلبيات السياسية والاجتماعية كان الفنان محمد الزواوي عصاميا شق طريقه بكل قوة ومع مرور الأيام أسس مدرسة قائمة بذاتها تؤكد عالميتها في هذا المجال والفنان محمد الزواوي يحن إلى الرسم الواقعي في كثير من الأحيان . وقد أبدع بعدة أعمال فنية رائعة لها خصوصيها وهو يستمد أعماله من واقع الحياة الشعبية الليبية.



وظهرت مجموعة أخرى من الشباب أجادت الرسم الساخر وقد تم نشر مجموعة من الأعمال على صفحات المجلات والجرائد كان منهم من تأثر بمدرسة الفنان محمد الزواوي ومنهم من كانت له شخصيته المستقلة، ومن الفنانين الذين أبدعوا في هذا الفن ا محمد عبية ا محمد الشريف ا الفنان المهدي الشريف سبق ذكره في أول المقال . د ا عياد هاشم التيجاني احمد زكري - وهؤلاء يجيدون الرسم الواقعي وأقاموا عدة معارض فردية ومشتركة والفنان محمد نجيب واحمد ابوقريفة ، عوض القماطي وعبد الرحمن بحيري- وغيرهم.
زادت دائرة الفنانين التشكيليين اتساعا وأدت الكليات والمعاهد دورها في أقسام الفنون التشكيلية وتخرج الكثيرون من الجيل الجديد وضاقت أقسام الكلية بالراغبين للالتحاق لدراسة هذه الفنون الأمر الذي عجل قبل نهاية
الثمانينات بانشاء كلية الفنون الجميلة والإعلام وهو حلم راود الكثير ، ومع مرور ا لسنوات بدأت دفعات من الجيل الواعد تتخرج تباعا من كل فروع وأقسام الكليات والمعاهد الأخرى ذكورا وإناثا سيذكرهم المستقبل كل حسب نجاحه.
أدت وحدات الفنون التشكيلية فيمدن الجماهيرية بدور كل منها حسب إمكانياتها المتاحة.
وقدمت وحدة الفنون التشكيلية بطرابلس معرضها السنوي سنة 1989- 1995 الذي ضم مجموعة طيبة من الأعمال الفنية للفنانين العاملين بالوحدة في تلك السنة وهم- الطاهر المغربي- احمد المرابط و على العباني و عبد الفتاح إسماعيل و التيجاني زكري وعمر الغرياني و فوزي الصويعي و سالم التميمي ومرعي التليسي.
أنشئت الدار الليبية ولها قاعة عرض جميلة بمجمع ذات العماد كانت جهود الفنان ا على مصطفى رمضان في إنشائها واضحة وطيبة.
أنشئت دار الفنون بشارع السابع من نوفمبر بطرابلس وكانت أيضًا لها قاعة جميلة وكانت جهود الفنان على مصطفى رمضان والفنان فوزي الصويعي مع ثلة من محبي هذا الفنان واضحة وقد تم بالدارين المذكورتين عدة معارض جماعية وفردية ذات مستوى رفيع .
أنشئت عدة قاعات خاصة بمختلف المدن الليبية.
تطور العمل الفني واصبح اكثر رصانة وأجود تقنية وافضل إبداعا وأوسع وعيا، لم تمر مناسبة وطنية أو قومية إلا وكان للفنانين إسهامات جادة بها، أقيمت المعارض المتنوعة الفردية والجماعية ساهم الكثير منهم بتصميم العديد من الأوسمة والأنواط والشعارات، رسمت الملصقات والتصاميم اقتنيت الكثير من الأعمال الأصيلة ثم استنساخ العديد منها.
دخلت اللوحة الفنية إلى الفنادق والأروقة والدوائر والبيوت، ثم إنجاز الكثير من الأعمال الجدارية. ارتفعت قيمة العمل الفني بعدما كان يباع للسائحين برخص التراب.
كل ذلك لم يكن عملا سهلا بل على العكس تماما فقد ناضل الرواد ومن تبعهم بجهد لا ينقطع وصبر لا ينفذ وعزيمة لا تلين.
هذه ومضة مختصرة وشريط عابر عن مسيرة الفنون التشكيلية في ليبيا، قد أكون نسيت الذين لم تسعفني الذاكرة على تذكرهم فأرجو المعذرة من الذين لم أتتذكر، وكل ما يهمني في هذا السرد لحركة الفنون التشكيلية التي كان في الماضي اسمها مغمورا وطلسما لدى الكثير أصبحت اليوم تبشر بمستقبل زاهر. وهذا أيضًا طموح كل المحبين لهذا الفن الرفيع في هذا البلد الجميل.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:33 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator