العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04-30-2011, 03:10 AM رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

محمد بن أبي عامر، ونواة الدولة العامرية

كان محمد بن أبي عامر يملك طموحات ضخمة وآمال أطمعته في أن يكون واليا على هذه البلاد، ولتحقيق هذا الحلم قام بعدة مكائد غاية في الظلم والقسوة، فعمل على الآتي

أولا فكر في التخلص من الوصيين اللّذَيْن كانا معه على هشام بن الحكم، فدبر مكيدة سجن فيها الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي ثم قتله بعد ذلك،

ثم نظر إلى أمر أم هشام بن الحكم فوجد أن موقفها ضعيف جدا بالنسبة له كقائد شرطة فتركها في قصرها، ثم تقلّد هو الأمور وحده، وبدأ يحكم بلاد الأندلس باسم الخليفة الصغير هشام بن الحكم.

ثانيا أراد محمد بن أبي عامر بعد ذلك أن يقوّي جانبه أكثر مما كان عليه، فتزوج من ابنة أمير الجيش غالب بن عبد الرحمن، وهو بذلك يكون قد حيّد جانب أمير الجيش، وضمن ولاء الجيش الأندلسي له، وحين انتبه غالب بن عبد الرحمن أمير الجيش ووالد زوجته له وعلم نواياه وخطته وأفصح له عن ذلك، دبر محمد بن أبي عامر له مكيدة أيضا ثم قتله.

ثالثا لم يكتف محمد بن أبي عامر بذلك، فقد قام باستدعاء جعفر بن علي بن حمدون قائد الجيش الأندلسي في المغرب، كانت المغرب قد ضمت إلى بلاد الأندلس في عهد الحكم بن عبد الرحمن الناصر كما ذكرنا استدعاه إليه وقربه منه، واستفاد كثيرا من قوته، ثم دبّر له مكيدة أيضا فقتله، وكان كلما قتل شخصا عيّن آخرا مكانه يعمل برأيه وبوصاية منه، وبذلك يكون قد تملك من كل الأمور في الأندلس.

رابعا وبنظرة طويلة إلى الأمام بدأ محمد بن أبي عامر يقنع الخليفة هشام بن الحكم بالاختفاء في قصره بعيدا عن العيون؛ وذلك - وكما يدعي له - خوفاً عليه من المؤامرات، وأن على الخلفاء أن يتفرغوا للعبادة ويتركوا أمور الناس لرئاسة الوزراء أو لقوة الشرطة أو غيرهما، وهكذا أقنعه، وقام هو بإدارة دفة البلاد، ورُبّي ونشأ هشام بن الحكم الطفل الصغير على هذا الفهم.

بروز نجم محمد بن أبي عامر الحاجب المنصور

مرت السنوات ومحمد بن أبي عامر يتولى كل شيء في بلاد الأندلس، وهشام بن الحكم يكبر في السن لكنه لم يكن يعرف شيئا عن الحكم وتحمل المسئولية، وفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وبعد حوالي خمس سنوات من تولي هشام بن الحكم الأمور ووصاية محمد بن أبي عامر عليه، كان قد استتب لمحمد بن أبي عامر الأمر ولقب نفسه بالحاجب المنصور.

كان من عادة الخلفاء قبل ذلك أن يطلقوا على أنفسهم ألقابا تميزهم ويُعرفون بها وعليها كانوا يؤملون، وذلك مثل الناصر بالله، الحاكم بأمر الله، المؤيد بالله، لكن هذه هي أول مرة يقوم فيها الوصي أو رئيس الوزراء أو الحاجب بأخذ لقب لنفسه وهو المنصور، الأمر الذي تطور كثيرا حتى أصبح يدعى له على المنابر مع الخليفة هشام بن الحكم، ثم نقش اسمه على النقود وعلى الكتب والرسائل.

وإتماما لذلك وكما أنشأ عبد الرحمن الناصر رحمه الله مدينة الزهراء في الشمال الغربي من مدينة قرطبة لتكون مركزا لخلافته، قام محمد بن أبي عامر بإنشاء مدينة جديدة في شرق قرطبة سمّاها مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية.

وإلى مدينة الزاهرة بدأ محمد بن أبي عامر ينقل الوزارات ودواوين الحكم، وأنشأ له قصرا كبيرا هناك، وبدأ يجمل فيها كثيرا، حتى أصبحت مدينة الزاهرة أو مدينة العامرية هي المدينة الأساسية في الأندلس وبها قصر الحكم.

الدولة العامرية

بعد التمهيدات السابقة وفي الطريق نحو فترة جديدة وعهد جديد من تاريخ الأندلس قام محمد بن أبي عامر بعمل الآتي

أولا في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة من الهجرة قام بأمر لم يعهد من قبل في تاريخ الأندلس، بل في تاريخ المسلمين، حيث عهد بالحجابة من بعده لابنه عبد الملك بن المنصور، وكان المشهور والمتعارف عليه أن الخليفة وحده هو الذي يعهد بالخلافة من بعده.

ثانيا وتمهيدا لإقامة ملك على أنقاض بني أمية، قام في سنة ست وثمانين وثلاثمائة من الهجرة بتلقيب نفسه بلقب الملك الكريم، كل هذا وهشام بن الحكم الخليفة يكبر في السن، لكن ليس له من الأمر شيء.

ثالثا قام محمد بن أبي عامر بعد ذلك بعمل خطير أدى - فيما بعد وعلى ما سنرى - إلى انقسامات كثيرة في بلاد الأندلس، فقد كان محمد بن أبي عامر يمنيا، واليمنيون في الأندلس ليسوا بكثرة، ولخشيته من الاستعانه بالقبائل المضرية وقبائل بني أمية معه في الجيش وبقية الأمور فكر أن يستعين بعنصر آخر وهم البربر، فبدأ يعظم من أمرهم ويرفع من شأنهم؛ حتى يضمن ولاءهم.

بدأ العامريون يكثرون في أماكن الحكم في بلاد الأندلس، وبدأ التاريخ يسجل لهم عهدا جديدا سماه الدولة العامرية، وقد بدأت فترة هذه الدولة فعليا منذ سنة ست وستين وثلاثمائة من الهجرة، ومنذ أن تولى محمد بن أبي عامر أمر الوصاية على هشام بن الحكم، وظلت حتى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، أي أنها استمرت ثلاثا وثلاثين سنة متصلة، لكنها تعتبر داخلة في فترة الخلافة الأموية؛ لأن هشام بن الحكم الأموي لا زال هو الخليفة حتى وإن كان رمزا أو بعيدا عن مجريات الأمور.
محمد بن أبي عامر، وجوانب مضيئة

كما رأينا فقد تولى محمد بن أبي عامر الحكم منذ سنة ست وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وحتى وفاته رحمه الله في سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، بادئا عهده بمكائد ومؤامرات، وقتلٍ - على الأقل - لثلاثة أنفس حتى وصل إلى تولي كافة الأمور في الأندلس.

وإن من العجيب حقا أنه وبالرغم من أفعال محمد بن أبي عامر هذه، إلا أنه كانت له محامد وجوانب مضيئة في حياته، جعلت جميع المؤرخين يتعجبون جدا من سيرته ويقفون في حيرة من أمره، وكان من هذه الجوانب الوضاءة ما يلي

أولا كان مجاهدا من الطراز الأول

كان غريبا حقا أن يغزو محمد بن أبي عامر في حياته أربعا وخمسين غزوة لم يهزم أبدا في واحدة منها، بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل الحاجب المنصور أو محمد بن أبي عامر في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحد من قبل، بل لم يصل إليها الفاتحون الأوائل مثل موسى بن نصير وطارق بن زياد، فقد وصل الحاجب المنصور إلى منطقة الصخرة، تلك المنطقة التي لم تُفتح من قِبَل المسلمين من قبل، واستطاع رحمه الله أن يغزو النصارى في عقر دارهم، وها هو قد وصل إلى خليج بسكاي والمحيط الأطلسي في الشمال.

كان متعارف قبل ذلك أن الجهاد في الصوائف فقط، إلا إن الحاجب المنصور كان له في كل عام مرتان يخرج فيهما للجهاد في سبيل الله، عُرفتا هاتان المرتان باسم الصوائف والشواتي


وهذه صور من حياته الجهادية

يُسيّر جيشا جرارا لإنقاذ نسوة ثلاث

جاء عن الحاجب المنصور في سيرة حروبه أنه سيّر جيشا كاملا لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كن أسيرات لدى مملكة نافار، ذلك أنه كان بينه وبين مملكة نافار عهد، وكانوا يدفعون له الجزية، وكان من شروط هذا العهد ألا يأسروا أحدا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم، فحدث ذات مرة أنه ذهب رسول من رسل الحاجب المنصور إلى مملكة نافار، وهناك وبعد أن أدّى الرسالة إلى ملك نافار أقاموا له جولة، وفي أثناء هذه الجولة وجد ثلاثا من نساء المسلمين في إحدى كنائسهم فتعجب لوجودهن، وحين سألهن عن ذلك قلن له إنهن أسيرات في ذلك المكان.

وهنا غضب رسول المنصور غضبا شديدا وعاد إلى الحاجب المنصور وأبلغه الأمر، فما كان من المنصور إلا أن سيّر جيشا جرارا لإنقاذ هؤلاء النسوة، وحين وصل الجيش إلى بلاد نافار دُهش جدا ملك نافار وقال نحن لا نعلم لماذا جئتم، وقد كانت بيننا وبينكم معاهدة على ألا نتقاتل، ونحن ندفع لكم الجزية. وبعزة نفس في غير كبر ردوا عليه بأنكم خالفتم عهدكم، واحتجزتم عندكم أسيرات مسلمات، فقالوا لا نعلم بهن، فذهب الرسول إلى الكنيسة وأخرج النسوة الثلاث، فقال ملك نافار إن هؤلاء النسوة لا نعرف بهن؛ فقد أسرهن جندي من الجنود وقد تم عقاب هذا الجندي، ثم أرسل برسالة إلى الحاجب المنصور يعتذر فيها اعتذارا كبيرا، فعاد الحاجب المنصور إلى بلده ومعه الثلاث نساء.

يقطع النصارى عليه الطريق، فيُملي هو شروطه







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:11 AM رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

يُذكر عن الحاجب المنصور أيضا أنه رحمه الله وهو في جهاده لفتح بلاد النصارى كان قد عبر مضيقا في الشمال بين جبلين، ونكاية فيه فقد نصب له النصارى كمينا كبيرا، فتركوه حتى عبر بكل جيشه وحين همّ بالرجوع وجد طريق العودة قد قطع عليه، ووجد المضيق وقد أغلق تماما بالجنود.

ما كان من أمر الحاجب المنصور إلا أن عاد مرة أخرى إلى الشمال واحتل مدينة من مدن النصارى هناك، ثم أخرج أهلها منها وعسكر هو فيها، ووزّع ديارها على جنده، وتحصّن وعاش فيها فترة، ثم اتخذها مركزا له يقود منه سير العمليات العسكرية، فأخذ يرسل منها السرايا إلى أطراف ممالك النصارى، ويأخذ الغنائم ويقتل المقاتلين من الرجال، ثم يأتي بهؤلاء المقاتلين ويرمي بجثثهم على المضيق الذي احتلّه النصارى ومنعوه من العودة منه.

وهنا ضج النصارى وذهبوا مغاضبين إلى قوادهم يعرضون عليهم أن يفتحوا له الباب حتى يعود إلى بلده مرة أخرى أو يجدوا حلا لهم في هذا الرجل، فاستجابوا لهم وعرضوا على الحاجب المنصور أن يخلوا بينه وبين طريق العودة ويعود من حيث أتى، ما كان من المنصور إلا أن رفض هذا العرض، ورد عليهم متهكما أنه كان يأتي إليهم كل عام مرتين، صيفا وشتاءا، وأنه يريد هذه المرة أن يمكث بقية العام حتى يأتي موعد المرة الثانية، فيقوم بالصوائف والشواتي من مركزه في هذه البلاد بدلا من الذهاب إلى قرطبة ثم العودة منها ثانية.

لم يكن مفر أمام النصارى سوى أن يطلبوا منه الرجوع إلى بلده وله ما يريد، فاشترط عليهم الحاجب المنصور في سبيل موافقته على عرضهم ما يلي

أولا أن تفتحوا المضيق ولا تبقوا فيه نصرانيا واحدا، فوافقوه على ذلك.

ثانيا أن ترفعوا جثثكم التي ألقيناها من أمام المضيق، فبدأوا يرفعون جثث الجنود الذين قتلوا أمام المضيق وأبعدوها عنه.

ثالثا أن تحملوا لي جميع الغنائم من هنا إلى مقري في قرطبة، وبالفعل أجابوا إلى ذلك، وحملوا الغنائم التي حصّلها من بلادهم من ليون في الشمال حتى أوصلوها إلى قرطبة في الجنوب.

يجمع ما علق على ثيابه من غبار ليدفن معه في قبره

مقتديا بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لَا يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ. رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح. فكان من عادة الحاجب المنصور رحمه الله في جهاده وبعد كل معركة أن ينفض ثوبه ويأخذ ما يخرج منه من غبار ويضعه في قارورة، ثم أمر في نهاية حياته أن تدفن معه هذه القارورة؛ وذلك حتى تشهد له يوم القيامة بجهاده ضد النصارى.
إلا أنه ومع كل هذه الحروب ومع كل هذا الجهاد، ورغم أنه غزا أربعا وخمسين غزوة ولم يهزم في واحدة منها قط، فلم يكن سمت حروب الحاجب المنصور سمتا إسلاميا مثل التي كانت في زمن عبد الرحمن الناصر أو الحكم بن عبد الرحمن الناصر، فقد كان الحاجب المنصور يخترق بلاد النصارى ويصل إلى عمقها، ويقتل منهم ثم يعود فقط محملا بالغنائم، ولم يكن من همه أبدا أن يضم هذه البلاد إلى بلاد المسلمين، أو أن يُعلّم أهلها الإسلام، أو أن ينشر الدعوة في هذه البلاد، فبقي الحال كما هو عليه، بل إن النصارى زادت في قلوبهم الحمية لدينهم والحقد على المسلمين


ثانيا اهتمامه بالجوانب الحضارية في البلاد

كان أيضا من الجوانب الوضاءة في حياة محمد بن أبي عامر أو الحاجب المنصور بعد كونه مجاهدا من الطراز الأول اهتمامه الكبير بالجانب المادي والحضاري في البلاد، فقد أسس مدينة الزاهرة على أحسن ما يكون - كما ذكرنا - وزاد كثيرا في مساحة مسجد قرطبة، حتى أضاف إليه ضعف مساحته الأصلية، وكان يشتري هذه المساحات ممن يقطنون حول المسجد وذلك بالمبلغ الذي يرضونه.

وقد ذكر في ذلك أنه كانت هناك سيدة وحيدة تسكن في بيت فيه نخلة بجوار المسجد، وقد أبت هذه السيدة أن تبيع بيتها هذا إلا إذا أتى لها الحاجب المنصور بمنزل فيه نخلة كالذي تملكه، فأمر الحاجب المنصور بشراء بيت لها فيه نخله كما أرادت حتى ولو أتى ذلك على بيت المال، ثم أضاف بيتها إلى حدود المسجد.

زاد الحاجب المنصور كثيرا في المسجد بعد ذلك، حتى أصبح ولفترة طويلة من الزمان أكبر من أي مسجد أو كنيسة في العالم، وهو لا يزال إلى الآن موجودا في إسبانيا، ولكنه - وللأسف - قد حُوّل إلى كنيسة بعد سقوط الأندلس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وكذلك كانت العلوم والتجارة والصناعة وغيرها من الأمور قد ازدهرت كثيرا في حياة الحاجب المنصور، وقد عم الرخاء وامتلأت خزانة الدولة بالمال، ولم يعد هناك فقراء تماما كما كان الحال أيام الحكم بن عبد الرحمن الناصر أو أيام عبد الرحمن الناصر نفسه.
ثالثا عدم وجود ثورات أو خروج عليه طيلة عهده

كان الأمر اللافت للنظر أيضا في حياة الحاجب المنصور أنه ورغم طول فترة حكمه التي امتدت من سنة ست وستين وثلاثمائة وحتى سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة لم توجد أي ثورات مطلقا، فلم تقم أي ثورة أو تمرد في عهده على طول البلاد واتساعها واختلاف أمزجتها.

فقد كان الحاجب المنصور رجلا قويا، محكِما للأمن والأمان في البلاد، كما كان عادلا جدا مع الرعية، ومما جاء في ذلك ما ترويه بعض الروايات من أنه جاءه يوما رجل بسيط من عامة الشعب، يبغي مظلمة عنده، وقال له إن لي مظلمة وإن القاضي لم ينصفني فيها، وحين سمع منه مظلمته أتى بالقاضي مستوضحا منه الأمر، وكيف أنه لم ينصف الرجل في مظلمته، فقال له القاضي إن مظلمته ليست عندي وإنما هي عند الوسيط بمكانة نائب رئيس الوزراء في زمننا، فأحضر الحاجب المنصور الوسيطَ وقال له اخلع ما عليك من الثياب يقصد ثياب التميز والحكم واخلع سيفك ثم اجلس هكذا كالرجل البسيط أمام القاضي، ثم قال للقاضي الآن انظر في أمرهما، فنظر القاضي في أمرهما وقال إن الحق مع هذا الرجل البسيط، وإن العقاب الذي أقضيه هو كذا وكذا على الوسيط، فما كان من الحاجب المنصور إلا أن قام بإنفاذ مظلمة الرجل، ثم قام إلى الوسيط فأقام عليه أضعاف الحد الذي كان قد أوقعه عليه القاضي، فتعجب القاضي وقال للمنصور يا سيدي، إنني لم آمر بكل هذه العقوبة، فقال الحاجب المنصور إنه ما فعل هذا إلا تقربا منا، ولذلك زدنا عليه الحد؛ ليعلم أن قربه منا لن يمكّنه من ظلم الرعيّة.
الدولة العامرية بعد الحاجب المنصور

من خلف ستار الخلافة الأموية ظل الحاجب المنصور يحكم الأندلس ابتداءا من سنة ست وستين وثلاثمائة وحتى وفاته سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، وقد استخلف على الحجابة من بعده ابنه عبد الملك بن المنصور، فتولى الحجابة من حين وفاة والده وحتى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة من الهجرة، أي سبع سنوات متصلة، سار فيها على نهج أبيه في تولي حكم البلاد، فكان يجاهد في بلاد النصارى كل عام مرة أو مرتين، كل هذا وهو أيضا تحت غطاء الخلافة الأموية.

في هذه الأثناء وعند بداية ولاية عبد الملك بن المنصور أمر الحجابة كان الخليفة هشام بن الحكم قد بلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما، ومع ذلك فلم يطلب الحكم ولم يحاول قط أن يُعمل نفوذه وسلطانه في بلاد الأندلس، فكان فقط قد تعود على حياة الدعة واستماع الأوامر من الحاجب المنصور ومن تلاه من أولاده.
تولي عبد الرحمن بن المنصور، وانتهاء الدولة العامرية.

في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة من الهجرة وفي إحدى الحملات في الشمال يتوفي عبد الملك بن المنصور، ثم يتولى أمر الحجابة من بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور؛ حيث كان أولاد بني عامر يتملكون زمام الأمور في البلاد، وأخذ أيضا يدير الأمور من وراء الستار، لكنه كان مختلفا عن أبيه وأخيه، فبالإضافة إلى أن أمه كانت بنت ملك نافار وكانت نصرانية، فقد كان عبد الرحمن بن المنصور شابا ماجنا فاسقا شَرّابا للخمر فعالا للزنا كثير المنكرات، فكان الشعب يكرهه بدرجة كبيرة، ذلك الشعب الذي كان غالبيته من المسلمين كان يكره أن يتولى أمره من جاء من أم نصرانية.

وفوق ذلك فقد قام عبد الرحمن بن المنصور بعمل لم يُعهد من قبل عند العامريين، وهو أنه أقنع الخليفة هشام بن الحكم في أن يجعله وليا للعهد من بعده، وبذلك لن يصبح الأمر من خلف ستار الخلافة الأموية كما كان العهد حال تولي والده محمد بن أبي عامر أو أخيه عبد الملك بن المنصور، فكان أن ضجّ بنو أميّة لهذا الأمر، وغضبوا وغضب الناس أجمعون، لكن لم تكن لهم قدرة على القيام بأي رد فعل؛ خاصة وأن عبد الرحمن بن المنصور قد جعل جميع الولايات في أيدي العامريين وفي يد البربر الذين هم أتباع العامريين منذ أيام الحاجب المنصور.

ومع كل هذا الفسق وهذا المجون الذي كان يعيشه عبد الرحمن بن المنصور إلا أن الشعب كان قد تعود حياة الجهاد، والخروج كل عام إلى بلاد النصارى، وفي إحدى المرات خرج عبد الرحمن بن المنصور على رأس جيش من الجيوش إلى الشمال، فانتهز الناس الفرصة وأرادوا أن يغيروا من الأمر، فذهبوا إلى هشام بن الحكم في قصره وخلعوه بالقوة وعينوا مكانه رجلا من بني أميّة اسمه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر من أحفاد عبد الرحمن الناصر، ثم دبروا مكيدة لعبد الرحمن بن المنصور وقتلوه، وانتهى بذلك عهد ما يسمى في التاريخ بعهد الدولة العامريه







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:12 AM رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

سقوط الخلافة الأموية وانتهاء الدولة العامرية

كأن مقتل عبد الرحمن بن المنصور واشتعال الفتن والثورات في الأندلس كانا بميعاد، فمنذ أن قتل عبد الرحمن بن المنصور العامري انفرط العقد تماما في البلاد، وبدأت الثورات تكثر والمكائد تتوالى، وبدأت البلاد تُقسّم.

كان رأي بعض الباحثين أن سبب سقوط الدولة العامرية ومن ثم سقوط الخلافة الأموية هو تولي عبد الرحمن بن المنصور الحكم، ذلك الرجل الفاسق الماجن الذي أسقط بني أميّة وأحدث كل هذه الاضطرابات الكثيرة في بلاد الأندلس.

وحقيقة الأمر أنه ليس من سنن الله سبحانه وتعالى أن تهلك الأمم لمجرد ولاية رجل فاسق لشهور معدودات، فلم يمكث عبد الرحمن بن المنصور في الحكم إلا أقل من عام واحد، ومهما بلغ أمره من الفحش والمجون فلا يمكن بحال أن يؤدي إلى مثل هذا الفشل الذريع والسقوط المدوي للبلاد، فلا بد إذن أن يكون هناك أسباب وجذور أخرى كانت قد نمت من قبل وتزايدت مع مرور الزمن حتى وصلت أوجها في فترة عبد الرحمن بن المنصور؛ ومن ثم كان هذا التفتت وذلك الانهيار.

وكما رأينا سابقا في تحليلنا لأسباب ضعف الإمارة الأموية وكيف كان لهذا الضعف أسباب وجذور تمتد إلى عهد قوة الإمارة الأموية ذاتها، فإن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لسقوط الدولة الأموية ومن ثم الدولة العامرية نذكرها فيما يلي



السبب الأول يرجع إلى زمن عبد الرحمن الناصر ذاته، ذلك الرجل الذي عقمت الدنيا أن تلد مثله، وهو البذخ والترف الشديد، وكثرة إنفاق الأموال في زخرفة الدنيا، ومن ثم انشغال الناس بتوافه الأمور، وكانت الدنيا هي المهلكة، وليس أدل على ذلك من شأن قصر الزهراء، ذلك الذي أنشأه عبد الرحمن الناصر وكان آية في الروعة والجمال وأعجوبة من أعاجيب الزمان في ذلك الوقت؛ فقد كان على اتساعه وكبر حجمه مبطنا من الداخل بالذهب، بل كان سقفه أيضا مبطنا بخليط من الذهب والفضة، بأشكال تخطف الأبصار وتبهر العقول، ومع أن عبد الرحمن الناصر لم يكن مُقَصرا في الإنفاق في أي ناحية من النواحي مثل الإنفاق على التعليم أو الجيش أو غيره، إلا أن فعله هذا ليعد نوعا من البذخ والترف المبالغ فيه، أدى في النهاية إلى أن تتعلق القلوب بهذه الدنيا وزخرفها.

ومما جاء في ذلك أن القاضي المنذر بن سعيد رحمه الله دخل على عبد الرحمن الناصر في قصره وكان على هذا الوصف السابق، فقال له عبد الرحمن الناصر ما تقول في هذا يا منذر يريد الافتخار؟ فأجابه المنذر ودموعه تقطر على لحيته قائلا ما ظننت أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ على ما آتاك الله من النعمة وفضلك على كثير من عباده تفضيلا حتى ينزلك منازل الكافرين.

فقال عبد الرحمن الناصر انظر ما تقول، كيف أنزلني الشيطان منازل الكافرين؟! فرد عليه المنذر أليس الله تعالى يقول في كتابه الكريم

[وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ] {الزُّخرف33} .

فقد ذكر الله سبحانه وتعالى السُّقُف التي من فضة في هذه الآية على سبيل التعجيز، يعني لولا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه لهوان الدنيا عند الله عز وجل، لكنّا لم نجعله، إلا أن عبد الرحمن الناصر فعله وجعل لقصره سقفا من فضة.

وهنا وجم عبد الرحمن الناصر بعدما سقطت عليه تلك الكلمات كالصخر، ثم بدأت دموعه رحمه الله تنساب على وجهه، وقام على الفور ونقض ذلك السقف وأزال ما به من الذهب والفضة، وبناه كما كانت تبنى السُّقُف في ذلك الزمن، إلا أنه ولكثرة الأموال ومع مرور الوقت، كان مظهر الترف يعود ويبرز من جديد حتى أصبح الإنفاق في لا شيء، وقد قال الله سبحانه وتعالى [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] {الإسراء16} .
السبب الثاني توسيد الأمر لغير أهله

إضافة إلى الترف والإسراف فقد كان توسيد الأمر لغير أهله من أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة العامرية والخلافة الأموية، ولقد تجسد هذا العامل واضحا جليا حين ولّى الحكم بن عبد الرحمن الناصر ابنه أمور الحكم في البلاد وهو ما زال طفلا لم يتجاوز الثانية عشرة سنة بعد، فتحكم فيه الأوصياء وحدثت المكائد والمؤامرات، رغم ما كان من حياة الحَكَم الحافلة بالجهاد ونشر العلم والدين في البلاد.

وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك حين أجاب السائلَ عن أمارات الساعة بقوله أماراتها، أَنْ تُضَيَّعَ الْأَمَانَةُ، فقال السائل وكيف إضاعتها فقال صلى الله عليه وسلم إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ لِغَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ.

وهكذا إذا تولى من لا يستحق منصب من المناصب، فلا بد وأن تحدث الهزة في البلاد ويحدث الانهيار، فما البال وما الخطب إذا كان هذا المنصب هو منصب الخليفة أعلى مناصب الدولة؟ فقد ضيعت الأمانة ووسد الأمر لغير أهله، فكان لا بد أن تقع الأندلس والخلافة الأموية والدولة العامرية.
السبب الثالث انتفاء روح الجهاد الحقيقية ليصبح مجردا للمادة وجمع الغنائم

كان أيضا من أهم أسباب سقوط الدولة العامرية الملحقة بالخلافة الأموية أن الدولة العامرية اعتمدت في جهادها على الناحية المادية من جند وعدد وعدة ومال ومعمار، ولم تصرف نواياها إلى رب العالمين سبحانه وتعالى ولم يجددوا تربية الشعب على الجهاد في سبيل الله طلبا للجنة أو الموت في سبيل الله، فافتقد الشعب روح الجهاد الحقيقي ومعناه، وأصبح جل همه جمع المال وعدّ الغنائم







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:14 AM رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

المهدي وبداية الفتنة وعهد ملوك الطوائف

من قريب كنا نتحدث عن الجهاد والفتوحات وعصر القوة والنفوذ، وها هو التاريخ يدير لنا ظهره ويبدأ دورة جديدة من دوراته في الأندلس، اتُّفق على تسميتها بعهد ملوك الطوائف، فكان من سنن الله عز وجل في كونه ألا تقوم أمة إلا ويكون لها سقوط كما كان لها قيام، يطول عهدها أو يقصر بحسب قربها أو بعدها من منهج من يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

بعد خلع هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر وولاية محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر الذي تلقب بالمهدي انفرط العقد تماما في الأندلس، فلم يكن يملك المهدي من لقبه إلا رسمه، فكان فتى لا يحسن قيادة الأمور وليس له من فن الإدارة شيء، فكان من أول أعماله في الحكم ما يلي

أولا ألقى القبض على كثير من العامريين ثم قتلهم، وثانيا بدأ ينتقم من البربر الذين كانوا العون الرئيس لمحمد بن أبي عامر الرجل الأول في الدولة العامرية ولمن خلفه في الحكم من أولاده، فبدأ يقتّل أيضا فيهم ويقيم عليهم الأحكام حبسا وتشريدا.

أثار هذا الفعل غير الحصيف من قبل المهدي غضبا عارما لدى البربر والعامريين، بل وعند الأمويين أنفسهم الذين لم يعجبهم هذا القتل وذاك التشريد، وهذه الرعونة في التصرف، فبدأ يحدث سخط كبير من جميع الطوائف على المهدي.

لم يكن ليقف الأمر عند هذا الحد، فقد تجمع البربر وانطلقوا إلى الشمال وهناك أتوا بسليمان بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وهو أخو هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر الخليفة المخلوع منذ شهور قليلة، فنصّبوه عليهم ولقبوه بخليفة المؤمنين، وبدأ يحدث صراع بين سليمان بن الحكم هذا ومن ورائه البربر وبين المهدي في قرطبة

بين المهدي وسليمان بن الحكم وحدث غريب

وجد سليمان بن الحكم ومن معه من البربر أن قوتهم ضعيفة ولن تقوى على مجابهة قوات المهدي، فقاموا بعمل لم يُعهد من قبل في بلاد الأندلس، فاستعانوا بملك قشتالة.

كانت مملكة قشتالة هذه هي أحد جزئي مملكة ليون في الشمال الغربي بعد أن كان قد نشب فيها مملكة ليون حرب داخلية وانقسمت على نفسها في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة من الهجرة إلى قسمين، فكان منها قسم غربي وهو مملكة ليون نفسها، وقسم شرقي وهي مملكة قشتالة، وكلمة قشتالة تحريف لكلمة كاستولّة، أو castle وتعني قلعة باللغة الإسبانية، فحرفت في العربية إلى قشتالة، وكانت قد بدأت تكبر نسبيا في أول عهد ملوك الطوائف فاستعان بها سليمان بن الحكم والبربر على حرب المهدي.

وبين المهدي من ناحية وسليمان بن الحكم والبربر وملك قشتالة من ناحية أخرى دارت موقعة كبيرة، هُزم فيها المهدي أو محمد بن هشام بن عبد الجبار، وتولى سليمان بن الحكم مقاليد الحكم في بلاد الأندلس، وبالطبع كانت فرصة من السماء لملك قشتالة لضرب الأندلسيين بعضهم ببعض ووضع قاعدة لجيشه وجنده في أرض الأندلس، تلك البلاد التي لطالما دفعت الجزية كثيرا لملسلمين من قبل.

وفي فترة مدتها اثنتان وعشرون سنة يتولى حكم المسلمين في الأندلس ثلاثة عشر خليفة متتاليين، بدأت هذه الفترة بهشام بن الحكم في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ثم المهدي، ثم سليمان بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر الذي تولى الحكم ولقب نفسه بالمستعين بالله وكان قد استعان بملك قشتالة وذلك في سنة أربعمائة من الهجرة.
بين المهدي وسليمان بن الحكم وحدث أغرب

وتدور الأحداث بعد ذلك، حيث يفر المهدي الذي انهزم أمام سليمان بن الحكم أو المستعين بالله إلى الشمال حيث طرطوشة، وفي طرطوشة وحتى يرجع إلى الحُكم الذي انتزعه منه سليمان بن الحكم والذي لم يبق فيه غير شهور قليلية فكر المهدي في أن يتعاون مع أحد أولاد بني عامر، ذلكم الذين كان منذ قليل يذبّح فيهم جميعا.

كان المهدي قد قابل في طرطوشة رجلا من قبيلة بني عامر يدعى الفتى واضح، والذي أقنع المهدي بأنه سيتعاون معه ليعيده إلى الملك من جديد ويبقى هو على الوزارة كما كان عهد الدولة العامرية من قبل، الأمر الذي وافق قبولا لدى المهدي، فقبل عرض الفتى واضح وبدأ يتعاونان سويا لتنفيذ مخططهما ذلك.

في بداية الأمر وجد الفتى واضح والمهدي أنهما لن يستطيعا أن يصمدا أمام قوة كبيرة مثل التي يملكها سليمان بن الحكم والبربر ومعهما ملك قشتالة، فهداهما تفكيرهما في الاستعانه بأمير برشلونة، وبرشلونة هذه كانت ضمن مملكة أراجون التي تقع في الشمال الشرقي للأندلس، والتي كان يدفع حاكمها الجزية لعبد الرحمن الناصر ولابنه وأيضا للحاجب المنصور، فلما حدثت هذه الهزة في بلاد المسلمين انخلعت من هذه العباءة، وقامت من جديد، فكان أن استعان بجيشها المهدي والفتى واضح في حرب سليمان وملك قشتالة.

وافق أمير برشلونة على أن يساعدهم لكن على شروط هي

أولا مائة دينار ذهبية له عن كل يوم في القتال.

ثانيا دينار ذهبي لكل جندي عن كل يوم في القتال، وقد تطوع الكثير لحرب المسلمين، فكان عدد الجيش كبيرا.

ثالثا أخذ كل الغنائم من السلاح إن انتصر جيش برشلونة مع المهدي والفتى واضح.

رابعا أخذ مدينة سالم، وكانت مدينة سالم قد حررها قديما عبد الرحمن الناصر في عهد الخلافة الأمويّة، وهي بلا شك شروط قبيحة ومخزية، ولا ندري كيف يوافق مسلم على مثلها؟!
لكن الذي حدث هو أنهم وافقوا على هذه الشروط، وبدأت بالفعل موقعة كبيرة جدا في شمال قرطبة بين المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار ومعه الفتى واضح العامري ومعهم أمير برشلونة من جهة، وسليمان بن الحكم الخليفة الملقب بالمستعين بالله ومعه البربر من جهة أخرى، انتصر فيها المهدي ومن معه، وانهزم سليمان بن الحكم وفر ومن بقي معه من البربر، وسلمت مدينة سالم لأمير برشلونة، ومثلها الغنائم، وتولى المهدي الحكم من جديد في قرطبة.
الفتى واضح وعودة هشام بن الحكم الخليفة المخلوع

ولأنه زمن فتنة، فما فتئ المهدي يصل إلى الحكم في قرطبة حتى انقلب عليه الفتى واضح ثم قتله، وبدأ هو في تولى الأمور.

كان الفتى واضح أذكى من عبد الرحمن بن المنصور، هذا الذي طلب ولاية العهد من هشام بن الحكم قبل ذلك، فقد رفض أن يكون هو الخليفة؛ حيث اعتاد الناس أن يكون الخليفة أموي وليس عامري، ومن ثم فإذا فعل ذلك فسيضمن ألا تحدث انقلابات عليه، وأيضا يكون محل قبول لدى جميع الطوائف.

ومن هنا فقد رأى الفتى واضح أن يُنصّب خليفة أموي ويحكم هو من ورائه، وبالفعل وجد أن أفضل من يقوم بهذا الدور ويكون أفضل صورة لخليفة أموي هو هشام بن الحكم الخليفة المخلوع من قبل، هذا الذي ظل ألعوبة طيلة ثلاث وثلاثين سنة في يد محمد بن أبي عامر ثم في يد عبد الملك بن المنصور، ثم في يد عبد الرحمن بن المنصور على التوالي.

ذهب الفتى واضح إلى هشام بن الحكم وعرض عليه أمر الخلافة من جديد، وأنه سيكون رجله الأول في هذه البلاد، وعلى الفور وافق هشام بن الحكم الذي كان ملقبا بالمؤيد بالله، وعاد من جديد إلى الحكم، لكن زمام الأمور كانت في يد الفتى واضح.
سليمان بن الحكم وأعمال يتأفف من ذكرها التاريخ

كان سليمان بن الحكم لم يُقتل بعد وما زال في البلاد يدبر المكائد؛ يريد أن يعود إلى الحكم من جديد، لم يجد أمامه إلا أن يعود مرة أخرى إلى ملك قشتالة المرة الأولى كان قد ساعده على هزيمة المهدي والوصول إلى الحكم ويعرض عليه من جديد أن يكون معه ضد الفتى واضح وهشام بن الحكم حتى يصل إلى الحكم.

ولأن ملك قشتالة ذلك الخبيث كان يطمع فيما هو أكثر مما عند سليمان بن الحكم، فقد رد عليه بأن يمهله عدة أيام حتى يعطيه الجواب، وخلال هذه الأيام كان قد ذهب ملك قشتالة إلى هشام بن الحكم الحاكم في ذلك الوقت وأخبره بما كان من أمر سليمان بن الحكم منتظرا الجواب والمقابل في عدم مساعدته له لسليمان في حربه إياه، وهنا كان العجب العجاب، فما كان من هشام بن الحكم إلا أن خيّر ملك قشتالة بين عدة أمور، كان من بينها إعطائه كل الحصون الشمالية التي كانت للمسلمين في بلاد الأندلس، ذلك الخيار الذي قبله ملك قشتالة؛ فتوسعت قشتالة جدا حتى أصبحت حدودها أكبر من حدود مملكة ليون، بالرغم من أنها كانت جزءا صغيرا منفصلا عن مملكة ليون، وتوحشت بذلك البلاد النصرانية في الشمال.

وإنها لكارثة كبيرة جدا قد حلت بديار الإسلام، فقد حدثت كل هذه الأحداث من القتل والمكائد والصراعات والاستعانة بالنصارى ثم دخولهم بلاد المسلمين، كل ذلك في ثلاث سنوات فقط.

وفي سنة ثلاث وأربعمائة من الهجرة حيث هشام بن الحَكم على الحُكم، قام سليمان بن الحكم ومن معه من البربر بعمل لم يحدث في تاريخ المسلمين من قبل وحتى هذه اللحظة، فقد هجموا على قرطبة وعاثوا فيها، فسادا، وقتلا، واغتصابا للنساء، ثم من جديد يتولى سليمان بن الحكم المستعين بالله الحكم في بلاد الأندلس، وطرد هشام بن الحكم من البلاد، ثم قتل بعد ذلك، وكان مقر الحكم آنذاك هو قرطبة، لكن البلاد كانت مفككة تماما، وقد فر العامريون إلى شرق الأندلس في منطقة بلنسية وما حولها.

المفاجأة الكبيرة والمثيرة حقا أن كل هذه الأحداث السابقة والمليئة بالمكائد والمؤامرات، والتي حملت الأسى والألم لكل المسلمين، كانت بين أخوين لأب واحد هو القائد المظفر الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وكان خطأه والذي يدركه الجميع الآن هو أنه وسد الأمر لغير أهله، واستخلف على الحُكم من لا يملك مؤهلات الحُكم، وهو هشام بن الحَكم.
البربر والانقلاب على سليمان بن الحكم وتأجج الصراعات

من سنة ثلاث وأربعمائة من الهجرة ظل سليمان بن الحكم يتولى الحكم، وكان غالبية جيشه من البربر، وفي سنة سبع وأربعمائة من الهجرة وبعد مرور أربع سنوات على حكمه، وفي هذا الزمن المثخن بالصراعات والفتن فكر البربر لماذا لا نتملك نحن الأمور؟

وعلى الفور أسرعوا وكونوا قوة أساسية كبيرة، واستعانوا بالبربر من بلاد المغرب، ثم هجموا على سليمان بن الحكم وأخرجوه من الحكم، بل وقتلوه، وتولى الحكم في بلاد الأندلس علي بن حمود الذي كان من البربر، وتسمى بالناصر بالله.

استقر الأمر لعلي بن حمود في قرطبة وقام بتعيين أخاه القاسم بن حمود على أشبيلية في سنة سبع وأربعمائة من الهجرة، وأصبح البربر هم الخلفاء والذين يتملكون الأمور في قرطبة وما حولها.

لم يرتض بهذا الوضع العامريون الذين فروا إلى شرق الأندلس، فما كان منهم إلا أن بحثوا عن أموي آخر وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، أحد أحفاد عبد الرحمن الناصر، ثم بايعوه على الخلافة، وقد تلقب بالمرتضي بالله.

جاء العامريون ومعهم المرتضي بالله إلى قرطبة لحرب علي بن حمود البربري، وبالفعل دارت حرب كبيرة بين العامريين وخليفتهم المرتضي بالله، والبربر وعلى رأسهم علي بن حمود، كان من أعجب ما نتج عن هذه الموقعة أن قُتل الخليفتان علي بن حمود والمرتضي بالله، لكن البربر تمكنوا من الانتصار في نهاية المعركة، وتولى حكم الأندلس منهم القاسم بن حمود الذي كان حاكما لأشبيلية من قِبَل أخيه الذي قُتل.

أحضر العامريون أمويا آخر من بني أمية، وقامت بعد ذلك صراعات كثيرة، واستمر الوضع على هذا الحال حتى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة من الهجرة.
انتهاء عهد الخلفاء والأمراء وتولي مجلس شورى للحكم

في محاولة لحل هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، وفي محاولة لوقف هذه الموجة من الصراعات العارمة، اجتمع العلماء وعلية القوم من أهل الأندلس، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة من الهجرة، ووجدوا أنه لم يعد هناك من بني أمية من يصلح لإدارة الأمور؛ فلم يعد من يأتي منهم على شاكلة من سبقوهم، فاتفقوا على عزل بني أمية تماما عن الحكم، وإقامة مجلس شورى لإدارة البلاد.

وبالفعل كونوا مجلس شورى في هذه السنة، وولوا عليه أبا الحزم بن جهور لإدارة البلاد، وكان أبو الحزم هذا من علماء القوم، كما كان يشتهر بالتقوى والورع ورجاحة العقل، وظل الحال على هذا الوضع ما يقرب من ثلاث سنوات.

لكن حقيقة الأمر أن أبا الحزم بن جهور لم يكن يسيطر هو ومجلس الشورى الذي معه إلا على قرطبة فقط من بلاد الأندلس، أما بقية البلاد والأقاليم الأخرى فقد ضاعت السيطرة عليها تماما، وبدأت الأندلس بالفعل تُقسّم بحسب العنصر إلى دويلات مختلفة ليبدأ ما يسمى بعهد دويلات الطوائف، أو عهد ملوك الطوائف.
عهد ملوك الطوائف

وهو ذلك العهد الذي قسمت فيه بلاد الأندلس إلى سبع مناطق رئيسة هي كما يلي

أولا بنو عباد

وهم من أهل الأندلس الأصليين الذين كان يطلق عليهم اسم المولدين، وقد أخذوا منطقة أشبيلية.

ثانيا بنو زيري

وهم من البربر، وقد أخذوا منطقة غرناطة، وكانت أشبيلية وغرناطة في جنوب الأندلس.

ثالثا بنو جهور

وهم الذين كان منهم أبو الحزم بن جهور زعيم مجلس الشورى، وقد أخذوا منطقة قرطبة.

رابعا بنو الأفطس

وكانوا أيضا من البربر، وقد استوطنوا غرب الأندلس، وأسسوا هناك إمارة بطليوس.

خامسا بنو ذي النون

كانوا أيضا من البربر، واستوطنوا المنطقة الشمالية والتي فيها طليطلة وما فوقها.

سادسا بنو عامر

وهم أولاد بني عامر الذي يعود أصلهم إلى اليمن، فاستوطنوا شرق الأندلس، وكانت عاصمتهم بلنسية.

سابعا بنو هود

وهؤلاء أخذوا منطقة سرقسطة، تلك التي تقع في الشمال الشرقي.
وهكذا قسمت بلاد الأندلس إلى سبعة أقسام شبه متساوية، كل قسم يضم إما عنصرا من العناصر، أو قبيلة من البربر، أو قبيلة من العرب، أو أهل الأندلس الأصليين، بل إن كل قسم أو منطقة من هذه المناطق كانت مقسمة إلى تقسيمات أخرى داخلية، حتى وصل تعداد الدويلات الإسلامية داخل أراضي الأندلس عامة إلى اثنتين وعشرين دويلة، وذلك رغم وجود ما يقرب من خمس وعشرين بالمائة من مساحة الأندلس في المناطق الشمالية في أيدي النصارى.

وقد ذكرنا سابقا أن مساحة الأندلس كانت ستون ألف كيلو متر مربع، فإذا طرحنا منها ما أخذه النصارى في الشمال؛ فإن النتيجة هي أربعمائة وخمسون ألف كيلو متر مربع أقل من نصف مساحة مصر مقسمة إلى اثنتين وعشرين دولة، كل منها بكل مقومات الدولة المتكاملة من رئيس، وجيش، ووزارات، وعملة، وسفراء، فتفتت المسلمون في الأندلس تفتتا لم يُعهد من قبل في تاريخهم، وفقدوا بذلك عنصرا مهما جدا من عناصر قوتهم وهو الوحدة، فكان الهبوط على أشد ما يكون، ولا حول ولاقوة إلا بالله.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:16 AM رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

عهد ملوك الطوائف


عهد ملوك الطوائفقيام وسقوط الدول والحضارات.. وقفة متأنية


بعد الوصول إلى هذه المرحلة من هذا الضعف وذاك التفتت والهوان، فهناك تعليق عام، وتحليل، واستراحة على طول طريق الأندلس منذ الفتح وحتى هذه المرحلة، نستجلي فيه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في كونه بصفة عامة، وفي الأمة الإسلامية بصفة خاصة، وهي سنة قيام وسقوط الأمم، وسنة الارتفاع والهبوط، تلك التي لوحظت بشكل لافت في الدولة الإسلامية خاصة.

وحقيقة الأمر أنه منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، بل حتى قيام الساعة، اقتضت سنة الله في الأمم والحضارات بصفة عامة أن تقوم ثم تسقط وتزدهر ثم تندثر، فمن سنن الله أن كانت هناك قوانين اجتماعية وإنسانية عامة تتصل مباشرة بضبط مسيرة الحياة الإنسانية ومسيرة الأمم والشعوب، فإذا ما التزمت الأمم والحضارات بهذه القواعد دامت وكانت في خير وسعادة، وإذا حادت عنها لقيت من السقوط والاندثار ما هي أهل له، قال تعالى [وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ] {آل عمران140} .

وليست الأمة الإسلامية بمنأى عن هذه السنن الكونية، فمنذ نزول الرسالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدولة الإسلامية تأخذ بأسباب القيام فتقوم، ثم تحيد عنها فيحدث ضعف فسقوط



وأسباب قيام الدولة الإسلامية كثيرة على نحو ما ذكرنا فيما مضى، والتي كان من أهمها
أولا الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بنصرته وقدرته.

ثانيا الأُخوة، والوحدة، والتجمع ونبذ الفرقة.

ثالثا العدل بين الحاكم والمحكوم.

رابعا العلم، ونشر الدين بين الشعوب.

خامسا العدة، والأخذ بالأسباب [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] {الأنفال60} .

فإذا أخذ المسلمون بهذه الأسباب فإنهم سرعان ما يقومون، وغالب الأمر يكون القيام بطيئا ومتدرجا، وفيه كثير من الصبر والتضحية والثبات، ثم بعد ذلك يكون القيام باهرا، ثم يحدث انتشار للدولة الإسلامية بصورة ملموسة، حتى تفتح الدنيا على المسلمين، وهنا يصبر القليل ويقع في الفتنة الكثير.
إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ.

ومن جديد يحدث الضعف فالسقوط، وعلى قدر الفتنة بالمادة والمدنية يكون الارتفاع والانحدار، والسقوط والانهيار.

وأمر الفتنة هذه هو الذي فقهه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة سبع عشرة من الهجرة، حين أمر بوقف الفتوحات في بلاد فارس، في عمل لم يتكرر كثيرا في تاريخ المسلمين إلا لدى قليل ممن هم على شاكلته، وذلك حين فتحت الدنيا على المسلمين وكثرت الغنائم في أيديهم.
خاف عمر رضي الله عنه أن تتملك الدنيا من قلوب المسلمين، وخشي أن يحوذوا الدنيا ويخسروا الآخرة فيخسروا دولتهم، وكان همه أن يُدخل شعبه الجنة لا أن يُدخله بلاد فارس، فإذا كان دخول فارس على حساب دخول الجنة فلتقف الفتوح، ووددت لو أن بيني وبين فارس جبل من نار، لا أقربهم ولا يقربوني. ولم يعد رضي الله عنه إلا بعد أن هجم الفرس على المسلمين وخاف على المسلمين الهزيمة والضياع.

ودون بقية الأمم فإن الأمة الإسلامية تنفرد بأنها أمة لا تموت ودائما في قيام، فإذا سقطت أتبع السقوط قيام، وإذا سقطت أتبع السقوط قيام وهكذا، أما ألا يتبع السقوط قيام فهذا ليس من سنن الله مع المسلمين، ولا يحدث إلا مع أمم الأرض الأخرى غير الإسلامية، تلك الأمم التي يغلب عليها سقوط واندثار لا يتبعه رجعة، حتى وإن طال أجل القيام والازدهار.

وحضارة الفراعنة، واليونان، وامبراطوريتي فارس والروم، وامبراطورية إنجلترا التي لا تغرب عنها الشمس، كل ذلك خير دليل ومعين، وهذه السُّنة الكونية يمثلها قوله تعالى

[
كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة21} .

[
وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {النور55} .

ومما يُثبت سنة الله هذه في الدولة الإسلامية ذلك الحديث الذي رواه أبو داود في سننه وصححه الحاكم ورواه في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا. فمعنى هذا أنه سيحدث سقوط، ومن بعد السقوط ارتفاع وعلو، وهذا الارتفاع سيكون على يد مجدد أو مجموعة مجددين، وهكذا إلى قيام الساعة.
والتاريخ الإسلامي مليء بمثل هذه الفترات، ففيه الكثير من أحداث الارتفاع والهبوط ثم الارتفاع والهبوط، ولم يكن هذا خاصا بتاريخ الأندلس فقط؛ بل إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدوا ذلك بأعينهم، فبعد وفاته صلى الله عليه وسلم مباشرة حدث سقوط ذريع وانهيار مروع، وردّة في كل أطراف جزيرة العرب التي لم يبق منها على الإسلام سوى مكة والمدينة وقرية صغيرة تسمى هجر (هي الآن في البحرين).

ومن بعد ذلك السقوط يحدث قيام عظيم وفتوحات وانتصارات، كان قد جدد أمرها وغرس بذرتها أبو بكر رضي الله عنه بعد أن أجهض على الردة، ثم فتحت الدنيا على المسلمين في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه فحدثت الفتنة والانكسارات في الأمة الإسلامية، أدت إلى مقتله رضي الله عنه وظلت طيلة خلافة سيدنا علي رضي الله عنه.

ومن جديد يستتب الأمر وتقوم الدولة الأموية وتستكمل الفتوح، ثم فترة من الزمان ويحدث سقوط آخر حين يفسد أمر بني أمية، وعلى إثره يقوم بني العباس فيعيدون من جديد المجد والعز للإسلام، وكالعادة يحدث الضعف ثم السقوط، وعلى هذا الأمر كانت كل الدول الإسلامية الأخرى التي جاءت من بعدها، مرورا بالدولة الأيوبية وانتهاءا بالخلافة العثمانية الراشدة التي فتحت كل شرق أوروبا، وكانت أكبر قوة في زمنها.

فهي إذن سنة من سنن الله تعالى ولا يجب أن تفُتّ في عضض المسلمين، ولا بد للمسلمين من قيام بعد سقوط كما كان لهم سقوط بعد قيام، وكما ذكرنا سابقا فإنه ليس بين الله سبحانه وتعالى وبين أحد من البشر نسبا.

يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.

فإن ضل المسلمون الطريق وخالفوا نهج نبيهم؛ فستكون الهزيمة لا محالة، وسيكون الانهيار المروع الذي شاهدناه في الأندلس، والذي نشهده في كل عهود المسلمين.

المرحلة التي يعيشها المسلمون الآن وتصنيفها قد يتساءل المرء ما هو تصنيفنا كمسلمين في هذا العصر وفقا للمراحل السابقة ما بين الارتفاع والهبوط أو القيام والسقوط؟وواقع الأمر وكما هو واضح للعيان أن الأمة الإسلامية تمر الآن بمرحلة من مراحل السقوط، سقوط كبير وضعف وفرقة للمسلمين، سقوط مباشر لسقوط الخلافة العثمانية في عشرينات القرن الماضي، وهو أمر طبيعي ودورة عادية من دورات التاريخ الإسلامي، وسنة من سنن الله كما رأينا.

إلا أن مرحلة السقوط الأخيرة هذه قد شابها أمران لم تعهدهما الدولة الإسلامية ولم يتكررا من قبل في مراحل سقوطها المختلفة، الأمر الأول وهوغياب الخلافة، إذ إنه ولأول مرة في التاريخ يصبح المسلمون بلا دولة واحدة تجمعهم، فرغم ما كان وما يكون من السقوط والانهيار على مدى فترات الضعف التي مرت بها الأمة الإسلامية، إلا أنه لم تكن لتغيب صورة الخلافة عن الأذهان بحال من الأحوال، منذ الدولة الأموية في القرن الأول الهجري وحتى سقوط الخلافة العثمانية في القرن الرابع عشر الهجري؛ حيث كان الإسلام سياسيا (دين ودولة) طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان


الأمر الثاني وهو غياب الشرع الإسلامي، فلم يكن أيضا في أي من عصور السقوط السابقة للدول الإسلامية، مع مايصل المسلمون إليه من تدنٍ وانحدار لم يكن أبدا يُلغى الشرع أو يغيب، نعم قد يُتجاوز أحيانا في تطبيق بعض أجزائه، لكن لم يظهر على الإطلاق دعوة تنادي بتنحية الشرع جانبا، وتطبيق غيره من قوانين البشر مما هو أنسب وأكثر مرونة على حسب رؤيتهم.

وإن مثل هذين العاملين ليجعلان من مهمة الإصلاح والتغيير أمرا من الصعوبة بمكان، ورغم ذلك فإنه وكما وضحنا ليس بمستحيل؛ لأن المستحيل هنا هو التعارض مع سنن الله سبحانه وتعالى التي تقول بأن دولة الإسلام في قيام حتى قيام الساعة.

وهناك من المبشرات نحو قيام الدولة الإسلامية الآن الكثير والكثير، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية سنة أربع وعشرين وتسعمائة وألف كان قد حدث انحدار كبير ولا شك في معظم أقطار العالم الإسلامي إن لم يكن كله (بعد سقوط الخلافة العثمانية أقيمت الدول العربية عدا السعودية على أساس علماني شبيه بالدول الغربية)، وظل هذا الوضع حتى أوائل السبعينيات، ثم كانت الهزة والصحوة في كل أطراف الأمة الإسلامية في منتصف السبعينيات وإلى يومنا هذا.

ونظرة واحدة إلى أعداد المصلين في المساجد خاصة الشباب، وأعداد المحجبات في الشوارع في كل أطراف العالم الإسلامي، وانتشار المراكز الإسلامية في كل بلاد أوروبا وفي أمريكا، والصحوة الجهادية في البلاد المحتلة مثل فلسطين والعراق والشيشان وغيرها، وحال الإسلام في جمهوريات روسيا السابقة بعد احتلال نصراني وشيوعي دام لأكثر من ثلاثمائة عام نظرة واحدة إلى مثل هذه الأمور وغيرها الكثير يبشر بالقيام.

وهو ولا شك قيام ينحو الخطى البطيئة المتدرجة لكنه لا ينفي العلو والانتشار المرجو منه، وهذه أخرى سنة من سنن الله عز وجل فلا يجب أن يُستعجل التمكين، ولنا فيما مضى من تاريخ الأندلس، وفي التاريخ الإسلامي بصفة عامة، ومنذ أن أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقل من عشر سنين الدولة الإسلامية التي ناطحت أكبر قوتين في زمنهما، وكان قد أوذي وطرد وهو وأصحابه من بلدهم، منذ ذلك التاريخ وحتى سقوط الخلافة العثمانية لنا خير دليل ومعين

[
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا] {فاطر43} .












آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:17 AM رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

اثنتين وعشرين دويلة ونظرة عامة إلى واقع الفُرقة
اثنتين وعشرين دويلة ونظرة عامة إلى واقع الفُرقة

ذكرنا سابقا أنه بعد موت عبد الرحمن بن المنصور العامري، الحاجب الذي كان يتولى الحجابة على هشام بن الحكم الخليفة الصورة، حدث انهيار مروع وانفرط العقد تماما في أرض الأندلس، وقسمت البلاد إلى اثنتين وعشرين دويلة، رغم تآكل مساحة الأندلس عليهم من قِبل النصارى في الشمال.

وإذا نظرنا إلى واقع هذه الدويلات وواقع هذا التفتت وتلك الفرقة نجد الملامح التالية

أولا تلقب كل حاكم ممن حكموا هذه الدويلات بلقب أمير المؤمنين، ليس فقط أمير مدينة ولكنه أمير المؤمنين، وكأنه يستحق أن يكون أمير المؤمنين في الأرض.

فكان الرجل في هذا الوقت يسير مسيرة اليوم والليلة فيمر على ثلاثة من أمراء المؤمنين؛ لأن كل دويلة من هده الدويلات كانت مساحتها صغيرة جدا لا تتجاوز مساحة محافظة من المحافظات في أي دولة الآن، وكان لكل دويلة أمير وجيش خاص بها، وسياج من حولها وسفراء وأعلام، وهي لا تملك من مقومات الدولة شيء.
وليت بعد هذه المأساة وهذا التفتت أن يظل كل (أمير) في منطقته ولا يطمع في أرض أخيه المجاورة له، إلا أنه ورغم هذا فقد بدأ كل منهم بافتعال الصراعات بسبب الحدود، وأصبحت المدن الإسلامية وحواضر الإسلام في الأندلس وللأسف تحارب بعضها بعضا، فهذه قرطبة تتصارع مع أشبيلية، وهذه بلنسية تتصارع وسراقسطة، وعلى هذا الوضع ظل الصراع بين المالك الإسلامية في هذه الفترة.

وإنه لأمر يدعو إلى الدهشة ويجعل المرء ليتساءل إذا كان هذا الأمير الذي يحارب أخاه شريرا، ورجلا خارجا عن القانون، وبعيدا عن تعليم الشرع، ويحارب من أجل الدنيا، فأين شعب هذا الأمير؟! أين الجيش الذي هو من عامة الشعب؟! وكيف زُيّن للشعوب أن يحاربوا إخوانهم؟!

وفي محاولة لتحليل ذلك الوضع نقول قد كان هناك أمور مخجلة في المجتمع الأندلسي في ذلك الوقت، فهاك الإعلام السائد في هذه الفترة وهو الشعر الذي يمجد فيه الشعراءُ القادة أو الأمراء، ويصورونهم وكأنهم أنصاف آلهة، فهم أهل الحكمة والتشريع، وأهل العظمة والبأس، وأهل النخوة والنجدة، وهم (الأمراء) أهل الإنجازات الضخمة والأموال العظيمة، فيفتن الناس والشعوب بمثل هذه الصفات وهذا العلو في الأرض فيتبعونهم فيما يقولون [فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ] {الزُّخرف54} .


وهناك أيضا تحكُّم وضغط شديدين من قِبل الجيوش التي تتبع الحكام على الشعوب، فكانوا يحكمونهم بالحديد والنار؛ فلا يستطيعون أن ينبثوا بمخالفة أو اعتراض أمام الطواغيت.

وبالإضافة إلى هذا فقد ظهر أيضا في هذه الفترة الفتاوى الخاصة والتي تصرح لهؤلاء الأمراء بفعل ما يحلو لهم، ففتوى تصرح لقرطبة غزو أشبيلية، وأخرى تصرح لأشبيلية غزو بطليوس، وثالثة تصرح لبطليوس غزو ما حولها.

ثانيا كان هناك أيضا كارثة محققة وجريمة كبرى اقترفها أمراء بعض هذه الدويلات، وظلت ملمحا رئيسيا في هذه الفترة، وهي استجداء النصارى والاستقواء بهم، فقد كانت كل دويلة ذات جيش لكنه جيش ضعيف البنية قليل السلاح، ومن ثم فلا بد لهم من معين يستقوون به في حربهم ضد إخوانهم، فتزلفوا إلى النصارى في شمال الأندلس يتخذونهم أولياء ونصراء على إخوانهم، فمنهم من توجه إلى أمير قشتالة، ومنهم من توجه إلى أمير أراجون، وأيضا إلى أمير ليون.

هذه الممالك النصرانية التي لم تكن لتكوّن أكثر من خمس وعشرين بالمائة فقط من أرض الأندلس، وهي التي كانت تدفع الجزية إلى عبد الرحمن الناصر والحكم بن عبد الرحمن الناصر ومن بعده الحاجب المنصور.

ثالثا وأشد وأنكى مما سبق فقد بدأ أمراء المؤمنين في هذه الفترة يدفعون الجزية للنصارى، فكانوا يدفعون الجزية لألفونسو السادس حاكم إمارة قشتالة، تلك التي توسعت على حساب المسلمين في هذا العهد (عهد ملوك الطوائف) وضمت إليها أيضا مملكة ليون، فأصبحت قشتالة وليون مملكة واحدة تحت زعامة ألفونسو السادس أكبر الحكام النصارى في ذلك الوقت.

فكان أمراء المؤمنين يدفعون الجزية حتى يحفظ لهم ألفونسو السادس أماكنهم وبقاءهم على الحكم في بلادهم، كانوا يدفعون له الجزية وهو يسبهم في وجوههم فما يزيدون على قول ما نحن إلا جباة أموال لك في بلادنا على أن تحافظ لنا على مكاننا في هذه البلاد حاكمين.


وكأن قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ] {المائدة51 ،52}. كأنه قد نزل في أهل الأندلس في ذلك الوقت؛ حيث يتعللون ويتأولون في مودة وموالاة النصارى بالخوف من دائرة تدور عليهم من قبل إخوانهم.

وهنا يعلق سبحانه وتعالى بقوله [فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ] {المائدة52} .

وهو بعينه ذلك الذي سيحدث في نهاية هذا العهد كما سنرى حين يكون النصر فيُسرّ هؤلاء في أنفسهم ما كان منهم من موالاة النصارى في الظاهر والباطن، ويندمون حين يفضحهم الله ويظهر أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين، وذلك بعد أن كانوا مستورين لا يدرى كيف حالهم.
وإنها لعبرة وعظة يصورها القرآن الكريم منهج ودستور الأمة في كل زمان ومكان [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {المائدة57} .
صور عابرة من أوضاع الطوائف والدويلات
أولا أنفة وعزة في زمن عز أن تشم رائحتهما


كما رأينا حال وواقع كل الممالك وأمراء المؤمنين في هذه الفترة، وكل يدفع الجزية إلى ألفونسو السادس ومن معه، إلا أنه كان هناك رجلا واحدا كان يملك عزة وأنفا، ولم يرضَ بدفع الجزية، وهو المتوكل بن الأفطس أمير مملكة بطليوس.

فرغم ذلك الجو المفعم بالذل والخزي، ورغم أن مملكته كانت صغيرة جدا، إلا إن المتوكل بن الأفطس لم يكن يدفع الجزية للنصارى، وبالطبع فقد كان النصارى يعلمون أن هذا الرجل مارق وخارج عن الشرعية، تلك التي كانت تحكم البلاد في ذلك الوقت؛ حيث خرج عن المألوف واعتز بإسلامه ولم يقبل الذل كغيره من أبناء جلدته.

وهنا أرسل له ألفونسو السادس رسالة شديدة اللهجة يطلب فيها منه أن يدفع الجزية كما كان يدفعها إخوانه من المسلمين في الممالك الإسلامية المجاورة، فكان من نبأ المتوكل بن الأفطس أنه أرسل له ردا عجيبا، أرسل إليه برسالة حفظها التاريخ ليعلم قارئيه أن المؤمن وهو في أشد عصور الانحدار والانهيار إذا أراد أن تكون له عزة فلا محالة هي كائنة، يقول المتوكل بن الأفطس في رسالته

وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدعٍ في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ثم يفرق، ويهدد بجنوده المتوافرة وأحواله المتظاهرة، ولو علم أن لله جنودا أعز بهم الإسلام وأظهر بهم دين نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون، بالتقوى يُعرفون وبالتوبة يتضرعون، ولإن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين، وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين.

أما تعييرك للمسلمين فيما وهى من أحوالهم فبالذنوب المركومة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك لعلمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تتجرعه، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك لما أجبر أجدادك على دفع الجزية حتى أهدى بناته إليه. وكان ملك نافار جد ألفونسو السادس قد أرسل ابنته هديه إلى المنصور حتى يأمن جانبه، وهي أم عبد الرحمن بن المنصور الذي انتهت بحكمه الدولة العامرية كما ذكرنا.

ويضيف المتوكل بن الأفطس قائلا أما نحن إن قلّت أعدادنا وعدم من المخلوقين استمدادنا، فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه، ليس بيننا وبينك إلا السيوف، تشهد بحدها رقاب قومك، وجلاد تبصره في نهارك وليلك، وبالله تعالى وملائكته المسومين نتقوى عليك ونستعين، ليس لنا سوى الله مطلب، ولا لنا إلى غيره مهرب، وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنيين، نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة، أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة، وفي الله العوض مما به هددت، وفرج يفرج بما نددت ويقطع بما أعددت.

ما كان من ألفونسو السادس إلا أن وجم ولم يفكر ولم يستطع أن يرسل له جيشا، فقد غزا كل بلاد المسلمين في الأندلس خلا بطليوس، لم يتجرأ على أن يغزوها، فكان يعلم أن هؤلاء الرجال لا يقدر أهل الأرض جميعهم على مقاومتهم، فأعز الإسلامُ ورفع من شأن المتوكل بن الأفطس ومن معه من الجنود القليلين حين رجعوا إليه، وبمجرد أن لوحوا بجهاد لا يرضون فيه إلا بإحدى الحسنيين، نصر أو شهادة.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:19 AM رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

ثانيا ضعف وخور وذل وهوان
لم يكن عموم الوضع في أرض الأندلس على شاكلة الصورة السابقة في موقف المتوكل بن الأفطس من ألفونسو السادس، ونحن لسنا في معرض الخوض في تفاصيل باقي الدويلات الاثنتين والعشرين؛ إذ هي موجودة في كتب التاريخ، ولكن نعرض لبعض الصور من باقي هذه الدويلات، تكفي لتصور الوضع في هذه الفترة، ومدى التدني الذي وصل إليه المسلمون في الأندلس آنذاك.

والصورة الأولى من الشمال الشرقي للأندلس وبالقرب من فرنسا، وبالتحديد في سرقسطة التي كان يحكمها كما ذكرنا بنو هود، فحين وافت حاكم سرقسطة المنية أراد أن يستخلف من بعده، وكان له ولدان، الكبير، وكان الأولى لكبره كما هي العادة في توارث الحكم، والصغير، وهو الأنجب والأفضل من الكبير، ولئلا يظلم أيا منهما كما خُيّل له فقد قام الأب الحاكم بعمل غريب لم يتكرر في التاريخ؛ حيث قسم الدويلة، الأرض والشعب والجيش، كل شيء إلى نصفين لكل منهما النصف.

يموت الأب وتمر الأيام ويختلف الأخوان على الحدود فيما بينهما، فيقوم أحدهما بالهجوم على أخيه لتحرير حقه وأرضه المسلوبة، ولأنه لم يكن له طاقة بالهجوم لأن الجيش مقسم والكيان ضعيف، فما كان من هذا الأخ إلا أنه استعان بملك نصراني ليحرر له أرضه من أخيه المسلم.


لم يستمع هذا الأخ ما قيل له من أن هذا الملك النصراني سيأخذ هذه الأرض ويضمها إلى أملاكه، فكان اعتقاده أن ملك برشلونة (مملكة أراجون) رئيس دولة صديقة، ويستطيع أن يأخذ له حقه من أخيه، وكان كل همه أن يظل ملكا على دويلته، وملكه لا بد وأن يعود إلى حوزته.
مأساة بربشتر
جاء لنصارى بالفعل ودخلوا البلاد، وفي مملكة سرقسطة أحدثوا من المآسي ما يند له الجبين، ومن أشهر أفعالهم فيها ما عرف في التاريخ بمأساة بربشتر.


دخل النصارى على بربشتر البلد المسلم ليحرروه ويعطوه للأخ المسلم الذي ادعى أن أخاه قد اغتصبه منه، بدأ الأمر بالحصار وذلك في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وأربعمائة من الهجرة، وظل مداه طيلة أربعين يوما كاملة، والمسلمون في الداخل يستغيثون بكل أمراء المؤمنين في كل أرض الأندلس، ولكن لا حراك، فالقلوب تمتلئ رهبة من النصارى، وأمراء المسلمين يعتقدون بأنهم ليس لهم طاقة بحربهم أو الدفاع عن إخوانهم ضدهم، وفكروا بأن يستعينوا بدولة أخرى غير تلك الدولة الصديقة المعتدية، وظلوا الأربعين يوما يتفاوضون ويتناقشون حتى فتح النصارى بربشتر.

ما إن دخل النصارى بربشتر، وفي اليوم الأول من دخولهم قتلوا من المسلمين أربعين ألفا، (من رواية ياقوت الحموي، وهناك رواية أخرى تزيدهم إلى مائة ألف) وسبوا سبعة آلاف فتاة بكر منتخبة (أجمل سبعة آلاف فتاة بكر في المدينة) وأعطين هدية لملك القسطنطينية، وأحدثوا من المآسي ما تقشعر منه الأبدان وتنخلع منه القلوب؛ إذ كانوا يعتدون على البكر أمام أبيها وعلى الثيًب أمام زوجها، والمسلمون في غمرة ساهون.

ومثل هذه الصورة لا نعدمها عبر التاريخ في حقل الصراع بين المسلمين والنصارى حتى عصرنا الشاهد، وليس ببعيد عنا ما قام به النصارى وإخوانهم اليهود في البوسنة والهرسك، حيث اغتصاب لخمسين ألف فتاة وقتل لمائتي وخمسين ألف مسلم، غير ما حدث في كشمير وكوسوفا، وما يقومون به اليوم في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين الممتحنة.

مأساة بلنسيه
ومثلها أيضا كانت مأساة بلنسيه في سنة ست وخمسين وأربعمائة من الهجرة، حيث قتل ستون ألف مسلم في هجوم للنصارى عليها. ولا أحد يتحرك من المسلمين.


ثالثا غنى فاحش وأموال في غير مكانها
رغم ما كان من صور الضعف والمآسي السابقة وأمثالها الكثير والكثير إلا إن أمراء المسلمين كانوا لاهين غير عابئين بما يدور حولهم، فقد كانوا يملكون من المال الكثير، والذي شغلهم بدنياهم عن دينهم، ومما جاء في ذلك أن زوجة حاكم أشبيلية المعتمد على الله بن عباد كانت تقف ذات مرة في شرفة قصرها فشاهدت الجواري وهن يلعبن في الطين خارج القصر، فاشتهت نفسها أن تفعل مثلهن وتلعب في الطين.


ما كان من حاكم أشبيلية (المعتمد على الله) إلا أن صنع لها طينا خاصا لها، فاشترى كميات كبيرة من المسك والعنبر وماء الورد، وخلطها وجعلها طينا خاصا بالملوك، حتى وإن كان من أموال المسلمين، لعبت زوجة الملك بهذا الطين ثم سأمت منه، ومرت الأيام وضاع ملك المعتمد على الله، وحدث شجار مع زوجته تلك في أحد الأيام فقالت له كعادة من يكفرن العشير ما رأيت منك من خير قط، فرد عليها واثقا ولا يوم الطين؟! فسكتت واستحيت خجلا من الأموال (أموال المسلمين) التي أنفقت عليها في لُعبة كانت قد اشتهتها.

ورغم ذلك فقد كان هناك الشعر الذي يصف المعتمد على الله بن عباد بكل صفات العزة والكرامة والعظمة والمجد والبأس، وغيرها مما هو مخالف للواقع، وبما يعكس صورة الإعلام المقلوبة في ذلك الوقت.
رابعا مصلحون ولكن
كسنة من سنن الله أيضا في المسلمين فإن أعمال الخير والدعوات الإصلاحية لم تعدم ولن تعدم إلى قيام الساعة برغم ما يحدث مما هو في عكس طريقها؛ فقد كانت هناك محاولات إصلاحية في هذا العهد، وأخرى تبدي عدم موافقتها لهذا الوضع المزري في البلاد، لكنها كانت دعوات مكبوتة، لم تستطع أن ترى النور، يقول أحد الشعراء واصفا هذه الفترة


مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ ، أَلْقَابُ مُعْتَضِدٍ فِيهَا وَمُعْتَمِدِ

أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ، كَالهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخًا صَُورَةَ الْأَسَدِ

فقد كان في كل بلد من بلاد الأندلس قادر بالله ومعتمد على الله ومعتضد بالله ومعتصم بالله ومستكفٍ بالله ومؤيد بالله، وكلهم يدفعون الجزية لألفونسو السادس بما فيهم حاكم أشبيلية (المعتمد على الله) والتي تقع في أقصى الجنوب الغربي من بلاد الأندلس، والتي تبعد كثيرا جدا عن مملكة قشتالة.

كان من المصلحين في هذا العهد الفقيه الإسلامي المشهور ابن حزم، وأيضا ابن عبد البر، وكذلك ابن حيان، وأبو الوليد الباجي، وغيرهم الكثير من أبناء الأندلس نفسها، والحق أنهم حاولوا قدر استطاعتهم أن يُخرجوا الشعوب من هذا الموقف الحرج، ويجمّعوا الناس ويوحدوا الصفوف، لكن كان من المستحيل جمع وتوحيد المسلمين من اثنتين وعشرين دولة في دولة واحدة بمجهودهم فقط.

فمن الممكن الاتفاق على مبدأ الوحدة والتجمع، لكن العقبة عند الأمراء كانت تكمن فيمن سيكون الرئيس الأوحد، هل هو حاكم قرطبة أم هو حاكم أشبيلية، أم هو كل من يرى نفسه الأولى والأجدر؟!

فإن كان الظاهر هو الاتفاق لكن الباطن أو الأصل وهو الغالب رفض الوحدة والاتفاق، حتى في وجود مثل هؤلاء الأفاضل من علماء المسلمين؛ ففرطوا في واحدة من أعظم نعم الله تعالى على المسلمين، يقول تعالى [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] {آل عمران103} .


تلك النعمة التي حذر من التهاون فيها سبحانه وتعالى فقال [وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] {الأنفال46} وقال أيضا [وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {آل عمران105} .

وإنها لأسئلة يوجهها لسان الحال إلى هؤلاء الأمراء المنقسمين على أنفسهم أما سمعتم عن عزة الإسلام والمسلمين زمن عبد الرحمن الناصر في الدولة الإسلامية الموحدة، وكيف كانت؟! لماذا تفرطون في مثل هذه العزة في الدنيا وذاك الثواب العظيم في الآخرة؟! أمن أجل أيام معدودات على مدينة من مدن المسلمين تحكمونها؟! أم من أجل الاستكبار وعدم الرغبة في أن تكونوا تحت إمرة رجل واحد من المسلمين؟! أم من أجل التزلف والاستعباد لملك من ملوك النصارى؟!


سقوط طليطلة.. والبقية تأتي

ما زلنا في عهد ملوك الطوائف وقد تصاعدت المأساة كثيرا في بلاد الأندلس، ففي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة تسقط طليطلة، يسقط الثغر الإسلامي الأعلى في بلاد الأندلس، المدينة التي كانت عاصمة للقوط قبل دخول المسلمين في عهد موسى بن نصير وطارق بن زياد رحمهما الله، طليطلة التي فتحها طارق بن زياد بستة آلاف، فتحها بالرعب قبل مسيرة شهر منها، طليطلة الثغر الذي كان يستقبل فيه عبد الرحمن الناصر الجزية من بلاد النصارى، ومنه كان ينطلق هو ومن تبعه من الحكام الأتقياء لفتح بلادهم في الشمال، طليطلة المدينة العظيمة الحصينة التي تحوطها الجبال من كل النواحي عدا الناحية الجنوبية.


وكان قد سبق سقوط طليطلة استقبالٌ لملك من ملوك النصارى مدة تسعة أشهر كاملة، حيث كان قد فر هاربا من جراء خلاف حدث معه في بلاد النصارى، ومن ثم فقد لجأ إلى (صديقه) المقتدر بالله حاكم طليطلة، والذي قام بدوره (حاكم طليطلة) في ضيافته على أكمل وجه، فأخذ يتجول به في كل أنحاء البلد، في كل الحصون وكل المداخل، وعلى الأنهار الداخلة لمدينة طليطلة.

وحين عاد الرجل النصراني إلى بلاده حاكما كان أول خطوة خطاها هي الهجوم على طليطله، فقام بفتحها وضمها إلى بلاده، وقد كان معاونا وصديقا قبل ذلك، فكان كما أخبر سبحانه وتعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ] {الممتحنة1} .

فضَلّ المقتدر بالله سواء السبيل، وأسرّ لملك النصارى بأسرارها، فسقطت طليطلة.

وبسقوط طليطلة اهتز العالم الإسلامي في الشرق والغرب، وحدث إحباط شديد في كل بلاد الأندلس، وفي تصوير بارع لهذا الإحباط نرى ابن عسال أحد الشعراء المعاصرين لهذا السقوط يقول
شُدُّوا رَوَاحِلَكُمْ يَا أَهْلَ أَنْدَلُسِ ، فَمَا الْمَقَامُ فِيهَا إِلَّا مِنَ الْغَلَطِ

الثَّوْبُ يَنْسَلُّ مِنْ أَطْرَافِهِ ، وَأَرَى ثَوْبَ الْجَزِيرَةِ مَنْسُولًا مِنَ الْوَسَطِ

مَنْ جَاوَرَ الشَّرَّ لَا يَأْمَنْ بَوَائِقَهُ ، كَيْفَ الْحَيَاةُ مَعَ الْحَيَّاتِ فِي سَفَطٍ

وهي صورة عجيبة ينقلها ذلك الشاعر (إعلام ذلك الوقت) المحبط، حتى لكأنه يدعو أهل الأندلس جميعا بكل طوائفه ودويلاته إلى الهجرة والرحيل إلى بلاد أخرى غير الأندلس؛ لأن الأصل الآن هو الرحيل، أما الدفاع أو مجرد المكوث فهو ضرب من الباطل أو هو (الغلط) بعينه، ولقد سانده وعضد موقفه هذا أن من الطبيعي إذا ما انسلت حبة من العقد مثلا فإن الباقي لا محالة مفروط، فما البال وما الخطب إذا كان ما انسل هو الأوسط وهي طليطلة أوسط بلاد الأندلس، فذاك أمر ليس بالهزل، بل وكيف يعيشون بجوار هؤلاء (الحيات) إن هم رضوا لهم بالبقاء؟! فما من طريق إلا الفرار وشد الرحال.

حصار أشبيلية.

مع هذا الحدث السابق المؤسف تزامن حصار أشبيلية، وإن تعجب فعجب لماذا تُحاصر أشبيلية وحاكمها يدفع الجزية لألفونسو السادس، وهي أيضا بعيدة كل البعد عن مملكة قشتالة، حيث تقع في الجنوب الغربي من الأندلس؟!


وإن العجب ليكمن خلف قصة هذا الحصار، حيث أرسل ألفونسو السادس حاكم قشتالة وزيرا يهوديا على رأس وفد إلى أشبيلية لأخذ الجزية كالمعتاد، فذهب الوفد إلى المعتمد على الله بن عباد وحين أخرج له الجزية كما كل مرة وجد الوزير اليهودي يقول له متبجحا إن لي طلبا آخر غير الجزية، فتساءل (المعتمد على الله) عن هذا الطلب، وفي صلف وغرور وإساءة أدب أجابه الوزير اليهودي بقوله إن زوجة ألفونسو السادس ستضع قريبا، وألفونسو السادس يريد منك أن تجعل زوجته تلد في مسجد قرطبة.

تعجب المعتمد على الله وسأله عن هذا الطلب الغريب الذي لم يتعوده، فقال له الوزير اليهودي في رد يمثل قمة في التحدي ولا يقل إساءة وتبجحا عن سابقه لقد قال قساوسة قشتالة لألفونسو السادس إنه لو ولد لك ولد في أكبر مساجد المسلمين دانت لك السيطرة عليهم.

وكعادة النفوس التي قد بقي بها شيء من عوالق الفطرة السوية أخذت الغيرة المعتمد على الله، فرفض هذا الطلب المزري ووافق على دفع الجزية فقط، وبطبيعته فما كان من الوزير اليهودي إلا أن أساء الأدب وسبه في حضرة وزرائه.

وبنخوة كانت مفقودة قام المعتمد على الله وأمسك بالوزير اليهودي وقطع رأسه، ثم اعتقل بقية الوفد، ثم أرسل رسالة إلى ألفونسو السادس مفادها أنه لن يدفع الجزية ولن يحدث أن تلد زوجتك في مسجد قرطبة.

جن جنون ألفونسو السادس، وعلى الفور جمع جيشه وأتى بحده وحديده، فأحرق كل القرى حول حصن أشبيلية الكبير، وحاصر البلاد، وطال الحصار فأرسل إلى المعتمد على الله إن لم تفتح سأستأصل خبركم.

طاول المعتمد على الله في التحصن خوفا من نتيجة فك هذا الحصار، وفي محاولة لبث الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين والفت في عضدهم أرسل ألفونسو السادس رسالة قبيحة أخرى إلى المعتمد على الله بن عباد يقول فيها إن الذباب قد آذاني حول مدينتك، فإن أردت أن ترسل لي مروحة أروح بها عن نفسي فافعل.

يريد وبكل كبرياء وغرور أن أكثر ما يضايقه في هذا الحصار هو الذباب أو البعوض، أما أنت وجيشك وأمتك وحصونك فهي أهون عندي منه.

وبنخوة أخرى وفي رد فعل طبيعي أخذ المعتمد على الله بن عباد الرسالة وقلبها وكتب على ظهرها ردا وأرسله إلى ألفونسو السادس، لم يكن هذا الرد طويلا، إنما هو لا يكاد يتعدى السطر الواحد فقط، وما إن قرأه ألفونسو السادس حتى أخذ جيشه، وعاد من حيث أتى.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:19 AM رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

في بداية لعهد جديد في الأندلس ودورة أخرى من دورات التاريخ بعد هذا الضعف وذاك السقوط، كانت رسالة المعتمد على الله إلى ألفونسو السادس - والذي بمجرد قراءتها أخذ جيشه وعاد إلى قشتالة - هي مهد ذلك العهد وبداية لتلك الدورة الجديدة.
فحين أرسل ألفونسو السادس رسالته المهينة إلى المعتمد على الله بن عباد يطلب منه متهكما مروحة يروّح بها عن نفسه، أخذها المعتمد على الله وقلبها ثم كتب على ظهرها والله لئن لم ترجع لأروحنّ لك بمروحة من المرابطين.

لم يكن أمام المعتمد على الله غير أسلوب التهديد هذا، فقط لوح بالاستعانة بالمرابطين، وقد كان ألفونسو السادس يعلم جيدا من هم المرابطون، فهو مطّلع على أحوال العالم الخارجي، فما كان منه إلا أن أخذ جيشه وانصرف.
فتُرى من هم المرابطون الذين كان لمجرد ذكرهم كل هذا الأثر؟ إنهم أبطال مجاهدون، لا يهابون الموت، أقاموا دولة إسلامية تملكت كل مقومات القوة، تربعت على المغرب العربي وما تحته، وقبل أن نتحدث عن دولتهم تلك نتعرف أولا على أحوال بلاد الأندلس بعد حصار أشبيلية؛ حتى نعي الوضع جيدا قبل بداية عهدهم






آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:20 AM رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

الأندلس بعد حصار أشبيلية
في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة - كما ذكرنا - كانت قد سقطت طليطلة، وللملاحظة فمنذ سقوطها في ذلك التاريخ لم تعد للمسلمين حتى الآن، ثم حوصرت أشبيلية مع أنها تقع في الجنوب الغربي للأندلس وبعيدة جدا عن مملكة قشتالة النصرانية التي تقع في الشمال، وكاد المعتمد على الله بن عباد أن يحدث معه مثلما حدث مع بربشتر أو بلنسية لولا أن مَنّ الله عليه بفكرة الاستعانة أو التلويح بالاستعانة بالمرابطين.
وحيال ذلك فكر أمراء المؤمنين في الأندلس في تلك الكارثة التي حلت بدارهم، وكانوا يعلمون أنه إن عاجلا أو آجلا ستسقط بقية المدن، فإذا كانت طليطلة واسطة العقد قد سقطت فمن المؤكد أن تسقط قرطبة وبطليوس وغرناطة وأشبيلية والكثير من حواضر الإسلام في الأندلس، فاتفقوا على عقد مؤتمر القمة الأندلسي الأول، وكان أول مؤتمر يجتمعون فيه للاتفاق على رأي موحد تجاه هذا الوضع.

كان أول قرارات ذلك المؤتمر هو التنديد بشدة بالاحتلال القشتالي لطليطلة، فقشتالة دولة صديقة كيف تقدم على هذا الفعل غير العادي، لا بد أن تُشتكى قشتالة لدولة محايدة من دول المنطقة، حتى لا نكون محاربين لدولة صديقة.
ولأن الخير لا يُعدم أبدا في كل مكان وزمان، فقد اجتمع الأمراء ومعهم العلماء، وكان العلماء يفهمون حقيقة الموقف ويعرفون الحل الأمثل له فأشاروا بالجهاد، وهم يعلمون أن في التاريخ ما يثبت أن المسلمين إذا ما ارتبطوا بربهم وجاهدوا في سبيله كان النصر حتما لهم حتى وإن كانوا قلة،قوبل هذا الرأي بالرفض تماما، ورُدّ عليه بأنهم يريدون وقف نزيف الدماء، أهم ما في الأمر أن نوقف الحرب ونحاول حل الموقف بشيء من السلام مع قشتالة، نجلس مع ألفونسو السادس على مائدة المفاوضات، فلربما تكون في نيته فرصة في أن يترك طليطلة، أو حتى يأخذ جزءا منها ويترك الباقي، ثم نعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمان، وهذه كانت إشارات مترجمة لحال الأمراء والرافضين لحل العلماء السابق.

رأى العلماء استحالة الجهاد، حيث الذل والهوان قد استبد بالناس فألفوه، وظلوا لأكثر من سبعين سنة يدفعون الجزية ولا يتحرجون، فمن الصعب أن يدَعوا الدنيا ويحملوا السلاح ويجاهدوا في سبيل الله، فأشاروا (العلماء) عليهم برأي آخر يستبعد الجهاد وهو أرسلوا إلى دولة المرابطين، اطلبوا منها أن تأتي وتقاوم النصارى وتهاجمهم في موقعة فاصلة تبعدهم بها عن أرضنا.
ورغم عقلانية هذا الرأي إلا أن الأمراء لم يقبلوا به أيضا؛ خوفا من أن تسيطر دولة المرابطين القوية على أرض الأندلس بعد أن تهزم النصارى، وبعد جدال طويل فيما بينهم أنعم الله سبحانه وتعالى على رجل منهم وهو المعتمد على الله بن عباد، والذي منذ قليل كان قد لوح باسم المرابطين ففك ألفونسو السادس الحصار عنه، فلم يجد مانعا يمنعه - إذن - من الاستعانة بهم بالفعل، فقام وخطب في الحضور خطبة لم تكن على هوى غالب الحضور، جاء في نهايتها، ولا أحب أن أُلعن على منابر المسلمين، ولأن أرعى الإبل في صحراء المغرب (مركز المرابطين) خير لي من أن أرعى الخنازير في أوروبا.

زلزل هذا الخطاب قلوب البعض وحرك فيهم مكامن النخوة، فقام المتوكل بن الأفطس، وهو الرجل الوحيد الذي لم يدفع الجزية طيلة حياته - كما ذكرنا ورأينا رسالته في ذلك - قام ووافق المعتمد على الله على هذا الأمر، ومن بعده قام عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة ووافقه أيضا، فأصبحت غرناطة وأشبيلية وبطليوس الثلاث حواضر الإسلامية الضخمة متفقة على الاستعانة بالمرابطين، على حين رفض الباقون.

وفور موافقتهم جعلوا منهم وفدا عظيما مهيبا، يضم العلماء والوزراء، ليذهب إلى بلاد المغرب العربي، ويطلب العون من زعيم المرابطين لينقذهم من النصارى المتربصين. وهنا وقفة مع المرابطين








آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 04-30-2011, 03:20 AM رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات في تاريخ الاندلس من الفتح حتي السقوط

كان التاريخ هو سنة ثمان وسبعين وأربعمائة من الهجرة، حيث سقطت طليطلة، وحوصرت أشبيلية، وعقد مؤتمر القمة، ومن هذا التاريخ نعود إلى الوراء ثمانية وثلاثين عاما، وبالتحديد في سنة أربعين وأربعمائة من الهجرة، حيث أحداث بربشتر وبلنسية السابقة، لنكون مع بداية تاريخ المرابطين.

وكما غوّرنا في أعماق التاريخ، نعود ونغور في أعماق صحراء موريتانيا البلد الإسلامي الكبير، وبالتحديد في الجنوب القاحل، حيث الصحراء الممتدة، والجدب المقفر، والحر والقيظ الشديد، وحيث أناس لا يتقنون الزراعة ويعيشون على البداوة.

في هذه المناطق كانت تعيش قبائل البربر، ومن قبائل البربر الكبيرة كانت قبيلة صنهاجة، وكانت قبيلتي جدالة ولمتونة أكبر فرعين في صنهاجة،

كانت جدالة تقطن جنوب موريتانيا، وكانت قد دخلت في الإسلام منذ قرون، وكان على رأس جدالة رئيسهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، وكان لهذا الرجل فطرة سوية وأخلاق حسنة.

نظر يحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورا عجيبة (كان ذلك متزامنا مع مأساة بربشتر وبلنسية)، فقد وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، وألفوا الزنى، حتى إن الرجل ليزاني حليلة جاره ولا يعترض جاره، تماما كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ] {العنكبوت29}

ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره؟!

فقد فشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن، وكثر الزواج من أكثر من أربعة، والناس ما زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم منكر، السلب والنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكل الضعيفة، والوضع شديد الشبه بما يحدث في دويلات الطوائف، بل هو أشد وأخزى.

لقد كانت هذه الأوضاع سواء في بلاد الأندلس أو في موريتانيا أشد وطأة مما نحن عليه الآن، فلننظر كيف يكون القيام، ولنتدبر تلك الخطوات الممنهجة وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تغيير هذا المنكر والعمل نحو الإصلاح.

يحيى بن إبراهيم وهمّ المسلمين
كان يحيى بن إبراهيم الجدالي صاحب الفطرة النقية يعلم أن كل ما يفعله قومه هذا من المنكرات، لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛ فالشعب كله في ضلال وعمى، وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغير الناس.

وبعد حيرة وتفكر هداه ربه لأن يذهب إلى الحج، ثم وهو في طريق عودته يُعرّج على حاضرة الإسلام في المنطقة وهي مدينة القيروان (في تونس الآن)، فيكلم علماءها المشهورين بالعلم علّ واحدا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام.

وبالفعل ذهب إلى الحج وفي طريق عودته ذهب إلى القيروان، وقابل هناك أبا عمران الفاسي، وهو شيخ المالكية في مدينة القيروان (كان المذهب المالكي هو المنتشر في كل بلاد الشمال الإفريقي وإلى عصرنا الحاضر، كما كان هو المذهب السائد في بلاد الأندلس)، فحكى له قصته وسأله عن الدواء، فما كان من أبي عمران الفاسي إلا أن أرسل معه شيخا جليلا يعلّم الناس أمور دينهم.

كان الشيخ عبد الله بن ياسين من شيوخ المالكية الكبار، له طلاب علم كثيرون في أرض المغرب والجزائر وتونس، كانوا يأتون إليه ويستمعوه منه، وكان يعيش في حاضرة من حواضر الإسلام على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وها هو الذي قبِل القيام بهذه المهمة الكبيرة، وفضّل أن يُغوّر في الصحراء ويترك كل ما هو فيه ليعلم الناس الإسلام، ويقوم بمهمة الرسل، وهي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

عبد الله بن ياسين ومهمة الأنبياء
اتجه الشيخ عبد الله بن ياسين صوب الصحراء الكبرى، مخترقا جنوب الجزائر وشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها، حيث قبيلة جدالة، وحيث الأرض المجدبة والحر الشديد، وفي أناة شديدة، وبعد ما هاله أمر الناس في ارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض ولا ينكر عليهم منكر، بدأ يعلم الناس، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.

ولكن - وللأسف - فقد ثار عليه أصحاب المصالح والشعب وجميع الفصائل، فالكل يريد أن يعيش شهواته وملذاته ودون قيد أو حجْر، وأصحاب المصالح هم أكبر مستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدونه عما يفعل، ولم يستطع يحيى بن إبراهيم الجدالي زعيم القبيلة أن يحميه، وذلك لأن الشعب كان لا يعرف الفضيلة، وفي ذات الوقت كان رافضا للتغيير، ولو كان أصر يحيى بن إبراهيم الجدالي على موقفه هذا لخلعه الشعب ولخلعته القبيلة.

لم يقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرة تلو المرة، فبدأ الناس يهددونه بالضرب، وحين استمر على موقفه من تعليمهم الخير وهدايتهم إلى طريق رب العالمين، قاموا بضربه ثم هددوه بالطرد من البلاد أو القتل.

لم يزدد موقفه إلا صلابة، ومرت الأيام وهو يدعو ويدعو حتى قاموا بالفعل بطرده من البلاد، ولسان حالهم دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومك فعلمهم بدلا منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس هذا من شأنك، وكأنا نراه رأي العين وهو يقف خارج القبيلة، تنحدر دموعه على خده، ويقول بحسرة تقطع قلبه [يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون] {يس26}.

يريد أن يغيّر ولا يستطيع، أنفس تتفلت منه إلى طريق الغواية والحيدة عن النهج القويم ولا سبيل إلى تقويمها، حزّ في نفسه أن يولد الناس في هذه البلاد فلا يجدون من يعلمهم ويرشدهم، فأراد أن يبقى ولكن كيف يبقى؟ أيدخل جدالة من جديد؟ لكنه سيموت، ولو كان الموت مصلحا فأهلا بالموت، لكن هيهات ثم هيهات.

عبد الله بن ياسين ونواة دولة المرابطين
جلس رحمه الله يفكر ويفكر ثم هداه ربه سبحانه وتعالى، فما كان منه إلا أن تعمّق في الصحراء ناحية الجنوب، وبعيدا عن الحواضر والمدنية، حتى وصل إلى شمال السنغال (لا نعرف عن السنغال سوى فريقها القومي، رغم كونها بلدا إسلاميا كبيرا، حيث أكثر من تسعين بالمائة من سكانه من المسلمين).

وهناك وفي شمال السنغال وعلى مصب نهر من الأنهار في غابات أفريقيا يصنع خيمة بسيطة له ويجلس فيها وحده، ثم يبعث برسالة إلى أهل جدالة في جنوب موريتانيا، تلك التي أخرجه أهلها منها يخبرهم فيها بمكانه، فمن يريد أن يتعلم العلم فليأتني في هذا المكان.

كان من الطبيعي أن يكون في جدالة بعض الناس خاصة من الشباب الذين تحركت قلوبهم للفطرة السوية ولهذا الدين، لكن أصحاب المصالح ومراكز القوى في البلاد كانوا يمنعونهم من ذلك، فحين علموا أنهم سيكونون بعيدين عن قومهم، ومن ثم يكونون في مأمن مع شيخهم في أدغال السنغال، تاقت قلوبهم إلى لقياه، فنزلوا من جنوب موريتانيا إلى شمال السنغال، وجلسوا مع الشيخ عبد الله بن ياسين ولم يتجاوز عددهم في بادئ الأمر الخمسة نفر واحدا بعد الآخر.

وفي خيمته وبصبر شديد أخذ الشيخ عبد الله بن ياسين يعلمهم الإسلام كما أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وكيف أن الإسلام نظام شامل متكامل ينتظم كل أمور الحياة، وبدأ يعلمهم العقيدة الصحيحة، والجهاد في سبيل الله، وكيف يركبون الخيل ويحملون السيوف، وكيف يعتمدون على أنفسهم في مطعمهم ومشربهم، وكيف ينزلون إلى الغابات فيصطادون الصيد ويأتون به إلى الخيمة يطبخونه ويأكلونه ولا يستجدون طعامهم ممن حولهم من الناس.

ذاق الرجال معه حلاوة الدين، ثم شعروا أن من واجبهم أن يأتوا بمعارفهم وأقربائهم وذويهم، لينهلوا من هذا المعين، ويتذوقوا حلاوة ما تذوقوه، فذهبوا إلى جدالة - وكانوا خمسة رجال - وقد رجع كل منهم برجل فأصبحوا عشرة، ثم زادوا إلى عشرين، وحين ضاقت عليهم الخيمة أقاموا خيمة ثانية فثالثة فرابعة، وبدأ العدد في ازدياد مستمر.

هذا ولم يمل الشيخ عبد الله بن ياسين تعليمهم الإسلام من كل جوانبه، وكان يكثر من تعليمهم أنه إذا ما تعارض شيء مع القرآن أو السنة فلا ينظر إليه، وأنه لا بد من المحافظة على هذه الأصول كي تبني ما تريد وتصل إلى ما تبغي.







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:24 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator