ليلى والعصفور الأحدب
في يوم من أيّام الرّبيع صحبت ليلى والدتها " أمّ الخير" إلى منجم الطين لجمـــــــــــــع ما
تيسّر من هذه المادّة واستخدامها في صنع الجرار . وفي الطريق إلى البيــــــــــــــت لمحـــــــت
ليلى عصفورا صغيرا يحبو ، عصفورا جميلا ومتعبا يبدو وكأنّه أحدب. وبسهولـــــــــــــــة
حنت عليه وأمسكت به . وعند الوصول إلى المنزل ناولته ماءً وحبّات من القمح الليّـــــــن ثمّ
اختارت له ركنا قصيّا بغرفتها ، واعتنت به أيّاما حتّى تماثل للشّفاء . وصار يزقزق بفــــرح
ومرح ويهبّ إلى الطيران وليلى تلاحقه في فضاء غرفتها لتمسك به من حين لآخر وتحفظه
بغرفتها كخير أنيس .
أوصت ليلى والدها بشراء قفص فكان لها ما أرادت . جاء والدها ذات مساء حامـــــــلا معه
قفصا حديديّا لمّاعا ومذهّبا يكاد لونه يضيء. أخذته ليلى وشكرت والدها قائلـــــــــــــة : إنّه
قفص جميل جدّا يا أبت ." ، تبسّم والدها قائلا : ما من قفص جميــل يا ابنتي ، ها أنا قد
لبّيت رغبتك على كلّ حال ."
ومن الغد أودعت ليلى العصفور في القفص ، وهي تطعمه وترعاه كلّ يوم حتّـــــــى اشتدّ
ولعها بصيد العصافير وتربيتها . فأصبحت تقصد الحقول المجاورة كلّ صباح أحدٍ رفقــــــة
أخيها " باسم " وبعض الأصدقاء . وكانوا يصطادون العصافير ثمّ يبيعونها إلى العـــــــــمّ
" أبي القاسم " ولا يعرفون من بعد مصيرها لكنّهم كانوا جميعا يظنّون بأنّـــــــــه يذبحــــها
ويستهلك لحمها .
كان العمّ " أبي القاسم " رجلا وديعا وكريما ومتواضعا ولطالما قصدته ليلـــــــــــى ليعيرها
بعض الكتب فتقرأها ثمّ ترجعها إليه في الموعد .
ذات مرّة أخبرت ليلى ّ "أبا القاسم" بقصّة العصفور الأحدب وكيف اقتنت لـــــــــه قفصا
وكيف قلـّت زقزقته منذ أن أودعته في القفص الجميل . فشكرها على العناية به ثمّ اقتــــــــرح
عليها أن تبيعه العصفور والقفص معا .
تردّدت ليلى بادئ الأمر ثمّ قالت : " حسنا عمّي سأهبك العصفور لكــــــــــــن أرجوك أن
لا تفرّط فيه وأن تقوم بتربيته وحمايته على أحسن ما يرام .
وفي اليوم الموالي أخذت ليلى القفص والعصفـــــــــــــور وقصدت بيت " أبي القاسم "
فطمأنها بأن يفعل كلّ ما في وسعه حتّى يؤمّن سلامته .
مضت أيّام قليلة وكان الشّوق والحنين يراودان ليلى لرؤية عصفورهــــــــــــــــــا حتّى
زارهم العمّ " أبي القاسم " ذات ليلة بمنزل والدها . ربّت على كتفيـــــــــــــــــها وقال:
لقد وفّيت بوعدي يا ليلى تجاه أمانتك ، فسألته مرتبكة متعثّرة في كلامها ومتلعثمـــــة :
ماذا تعني يا عمّي ؟
فقال" أبو القاسم" : اسمعي يا ابنتي ليلى لقد كنت أشتري كلّ العصافيــــــــــــــر التي
تصطادونها ، ومن بعد أطلق سراحها. وهذا ما فعلته مع عصفــــــــــــــــــورك الأحدب.
لكن لا تحزني يا ابنتي فلقد جئتك بهديّة أجمـــــل . خذي هذه القصيدة البديعـــــــــــــــــــ ــة
وتأمّلي معانيها .
تناولت ليلى الورقة وشرعت تقرأ بصوت عال :
خلقت طليقا كطيف النّسيم ، وحرّا كنور الضّحى في سمــــــــــــــاه
تغرّد كالطير أين اندفعت ، وتشدو بما شاء وحـــــــــــــي الإلـــــه
وتمرح بين ورود الصّباح ، وتنعم بالنّور ،أنّى تــــــــــــــــــــــــ راه
وتمشي - كما شئت – بين المروج ، وتقطف ورد الرّبى في رباه
كذا صاغك الله يا ابن الوجود وألقتك في الكون هذي الحيــــــــــاه
فما لك ترضى بذلّ القيود ، وتحني لمن كبّلـــــوك الجبــــــــــــــــــاه
وتسكت في النّفس صوت الحياة القويّ َ إذا ما تغنّى صـــــــــــــداه
إلى أن قرأت :
ألا أنهض وسر في سبيل الحياة ، فمن نام لم تنتظره الحيــــــــــاه
.................................................. ........................
.................................................. ........................
إلى النّور ! فالنّور عذب جميل ، إلى النّور! فالنّور ظلّ الالــــــه.
عندها أدركت ليلى سرّ العمّ أبي القاسم وقصّته مع العصافير وحاجة الكائنــــــــــات
جميعا إلى الحريّة بعيدا عن كلّ الأقفاص حتّى وان كانت أقفاصا جميلة وذهبيّة .