السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهمية مصر عبر العصور
قدّر الله - عز وجل - لمِصرِنا الحبيبة أن تكون في مرتبة عُليا، ومكانة رفيعة، قدَّر الله لها أن تظهر فيها؛ مما جعَل مصر دائمًا محطَّ الأنظار، ومطمَع الأعداء، وقائدة النهضة في كل مكان، وقدَّر الله لها أن تحمل مشعَل العلم والحضارة على مرِّ العصور، كما أنها أرض العِلم والعلماء بما حباها الله به مِن المؤسَّسات العلمية العامِرة بالعلم والإيمان، وعلى رأسِها الأزهر الشريف.
والناظر إلى دينِنا الإسلامي يجد أن الله - عزَّ وجل - قد فضَّل مصر من خلال الآيات التي تحدَّثت عن مصر، ومِن خلال وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن الكريم تحدَّث عن مصر في ثمانية وعشرين موضعًا، منها ما هو صريح؛ كما في قوله تعالى: ﴿ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ﴾ [البقرة: 61]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [يوسف: 21]، ومنها ما جاء بشكل غير مُباشر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، وخزائن الأرض هنا وزارة مالية مصر، والتي تعد خزائن الأرض كما ذكر ربُّنا، فقيمة مصر في ذلك الوقت تُعادِل الكوكب الأرضي بأسرِه.
كما تحدَّث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مصر؛ فقد روى الإمام مسلم مِن حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم سَتفتحون أرضًا يُذكَر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذِمَّةً ورَحمًا))[1]، وعن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى عند وفاته، فقال: ((الله الله في قبْط مصر؛ فإنكم ستَظهرون عليهم، ويَكونون لكم عدَّةً وأعوانًا في سبيل الله))[2]، وذكَر ابن عساكر في مقدِّمة تاريخه عن أبي بصرة الغِفاري أنه قال: "مصر خزائن الأرض كلها، وسُلطانها سلطان الأرض كلها، ألا ترى إلى قول يوسف: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ﴾ [يوسف: 55]، ففعَل فأُغيثَ بمصر وخزائنها يومئذٍ كلُّ حاضِر وبادٍ مِن جميع الأرض.
وكانت مصر - وما زالت - مطمعًا للأعداء، يُريدون أن يَنهبوا ثرواتها، ويُضعِفوا شَعبَها، ويجعلوها موقعًا لمُؤامراتهم وفِتَنهم؛ نظرًا لما حباها الله به مِن كنوز وثروات، وأفضل هذه الثروات هم رجالها وعُلماؤها الذين عمَّروا العالم بفِكرهم وعِلمهم، ولا يَخفى علينا ما تصدَّت به مصر لأعداء العُروبة والإسلام، وجِهادها الطويل ضدَّ الأعداء من وقت أن فُتحتْ مصر وأصبحت قلعة الإسلام الأولى لصدِّ أيِّ عُدوان على العالم الإسلامي، وكيف لا، وقد أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك؟ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا فتح الله عليكم مصر، فاتَّخذوا فيها جندًا كثيرًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض))، فقال له أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: ((لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة))[3]، فانظر إلى فُتوح إفريقيَّة، وجهادهم ضدَّ الصليبين، واسترداد بيت المَقدِس مع جُندِ صلاح الدِّين في موقعة حطِّين، و جِهادهم التتار وكفاحهم مع قطز، وجهادهم ضدَّ المُستعمِرين الجُدُد، وجهادهم ضد اليهود وانتصارهم عليها في حرب 1973م.
فإذا كان كل هذا الخير حازتْه مصر، فليس بعيد عليها أن تكون لها هذه الثورة العظيمة التي غيَّرت وجْه التاريخ.
لذلك نسأل المولى - عزَّ وجل - أن يحفظ بلدنا وأهلنا من كل سوء، اللهم اجعل بلدَنا آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، واسبغ علينا نعمة الأمن والأمان، اللهم آمين.