العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 05-12-2011, 06:26 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ايمان محمد

الصورة الرمزية ايمان محمد

إحصائية العضو







ايمان محمد غير متواجد حالياً

 

افتراضي العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي






العلامة الدكتور درويش الفار
الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي



عبد السلام البسيوني


29-11-2010 00:35




لو قلتَ إنه جيولوجي حاذق متمرس، جاب سيناء، فسبرها، وخبر طرقها، وفك مغاليقها وأسرارها، وقطع مسالكها ودروبها ومغاورها وأغوارها، واكتشف فيها ما لم يُسبق إليه، لقلت إنك صادق فيما ذهبت إليه، وأقل دليل على هذا تكريم الرئيس عبد الناصر له كجيولوجي بارز في الستينيات؛ لأنه اكتشف مناجم الفحم في سيناء في (وادي الصفة) بجبل المغارة في يوليو سنة 1964م، ونال على كشفه هذا جائزة الدولة التشجيعية في العام ذاته، ثم وسام الجمهورية من يد ناصر شخصيًّا عام 65، كما أنه كتب عشرات المقالات المدهشة عن سيناء، وطور سيناء، وبدو سيناء، وطبائعهم وعوائدهم وأخلاقهم في (مطالعات ثقافية)! هذا بجانب رئاسته للجيولوجيين بالمساحة المصرية، وعمله مديرًا للمتحف الجيولوجي بالقاهرة، وعضويته في عشرات النقابات والمجامع والبعثات الجيولوجية المصرية والعربية والدولية، وتأسيسه متحف قطر الوطن وإدارته، ومقالاته في الأمة والدوحة ودنيا العلوم والدعوة والأهرام ومنار الإسلام، وغيرها الكثير!




ولو قلتِ إنه بدوي عاشق للصحراء، يعرف البدو وطباعهم، وطرائق عيشهم، وأعرافهم، وقضاءهم، ولغاتهم، وقبائلهم ببطونها، وعشائرها، وأفخاذها، وإن لهجته - رغم مرور نحو أربعين سنة عليه في قطر - لم تتغير حتى إنك لتظن أنه لم يبرح العريش حتى ساعتنا هذه، يظهر ذلك في لهجته، وتفاعله، وفلتات لسانه، ولحن قوله، بل في لهجة أبنائه!
لو ظننت ذلك ما لمتك، فالرجل هو هو، لم يتغير خلقه ولا لسانه؛ رغم تقلبه في بيئات تغير النفوس، فكم قابل من الرؤساء الكبار، والملوك المشاهير، والشخصيات الأكاديمية التي يتخافت الناس بأسمائها إكبارًا ومهابة!



ولو قلتَ إنه لغوي أديب لوافقتك مباشرة، فهو - رغم دراسته العلمية - من الجيل القديم الذي عشق العربية، وانطبع بها - ذوقًا، ونطقًا، وتعبيرًا، وجمعًا، وحفظًا - قبل أن يقع تبغيض العربية إلى الناس، فكنت ترى الرجل - أيام العز - طبيبًا فصيحًا، وكيماويًّا فصيحًا، وصيدلانيًّا فصيحًا، وجيولوجيًّا وفصيحًا، في حين أننا نرى أساتذة جامعيين متخصصين في العربية عجم الألسنة، مدمنين للحن، مقطوعي الصلة بالبلاغة، وحلاوة المنطق؛ تحس بذلك مباشرة من أول سطر تقرؤه من مقال أو كتاب، وكذا حين تعرف أن له ديوانًا شعريًّا أسماه ديوان الصحراء، وجمع فيه أشعاره الفصحى والنبطية!
ولكم أدهشني مدخله، في إحدى مقالاته في مجلة الدوحة أوائل الثمانينيات - قبل أن أدخل قطر أو أراه وأجالسه - حين كتب عن كراتشكوفسكي المستشرق الذواقة للعربية الذي كان عائدًا إلى الإمبراطورية الروسية ذات سفر، فوصلته مخطوطة كان يسعى لاقتنائها، مبدوءة ببيتين من بائية سلامة بن جندل التي مطلعها:

ولي الشباب حميدًا ذو التعاجيب ..... أودى وذلك شأو غير مطلوب

ولى حثـيثًا وهذا الشيب يتبعه ..... لو كان يدركه ركض اليعـاقيب

فطرب عمنا أغناطيوس بن يوليانوفيتش كراتشكوفسكي، وألغى سفره ليعكف على دراسة المخطوطة وتحقيقها؛ بعد أن أطربه من المطلع (لو كان يدركه ركضُ اليعـاقيب!).




ولو قلت إنه موسوعي النظرة شامل القراءة لكنت محقًّا، فالرجل يقرأ في الكيمياء والجيولوجيا، كما يقرأ في التاريخ والأدب والدين والطب والصحافة، كما يقرأ في الاقتصاد والسياسة، وله آراؤه ونظراته المطربة المعجبة، وسأدلل على ذلك آخر المقالة!
ولو زعمت أنه صحفي لصدقَتْك في ذلك مئاتُ المقالات الرشيقة البليغة الحافلة، التي كتبها في الصحف، معالجًا شؤون الساعة، على مستوى الدين والدنيا، الفرد والمجتمع، الأصدقاء والأعداء، الأقربين والبعداء، باختصار وإعراب وإطراب!
ولو وقع في روعك أنه - رغم بداوته - ظريفُ المحضر، لطيف المعشر لما عدوت الحقيقة؛ فسيبادئك بالتحية، ويبادهك بالطرفة، ويرحب بك ترحيب العربي الأصيل الذي لم تزيفه الحضارة، فلا يعدو الكرم عنده أن يكون جودًا لفظيًّا واستعراضًا للكرم وهميًّا!
ومن لطيف جوده أنني كنت أزوره في مكتبه أيام كان مديرًا لمتحف قطر الوطني، فكان لا يرضى أن أخرج قبل أن ينفحني زجاجة عطر من العطور التي كان يصنعها بنفسه، من تلكم الأزهار الحضرية المعروفة، أو الأعشاب البرية السيناوية، التي يحفظ خصائصها ومزاياها كالربل والجعد، والشيح والقيصوم، والعرفج والشكران، والعرعر والبعيثران، والشومر وعنبة الحية!



ولو ارتأيت أنه أكاديمي صارم، ومنهجي صليبة لما جاوزت الصواب؛ فقد شاكس المعجميين، وناضل المتفيهقين، حتى إنه كتب في إحدى (محطاته) عن الخزامى والنقير والقطمير، مصححًا خطأً علميًّا سقط فيه المؤلفون (العلميون) عن ترجمة لفظة اللافندر – وهو مجيد للإنجليزية كاتب بها ومترجم لها - وكان مما كتب:
(... النظرة الأولى السطحية تؤدي عند عدم التروي إلى الظن بأن اللافندر Lavender هي الخزامى، وكفى الله المؤمنين مشقة التعرف العلمي على كل من هاتين الزهرتين، وعائلة كل منهما في مضمار عالم تصنيف النبات وإرجاعه إلى عائلات، وعشائر، وأجناس، وأنواع؛ ليجد الباحث المدقق أن كلاًّ منهما ينتسب في علم النبات إلى عائلة مختلفة، لا صلة لها علميًّا بالأخرى.
وحين نقارن هذه السطحية التي نعايشها في أيامنا العربية العجفاء، بمقدار الدقة العلمية التي كان عليها أجدادنا أيام ارتفعت راياتنا خفاقة فيما بين الأندلس غربًا وخراسان شرقا نجد عجبًا: توصل أسلافنا أيام العز والمجد إلى قدر من الدقة والإتقان لم يسبقهم إليه أحد من الأمم الأخرى، وترى ذلك على سبيل المثال لا الحصر في تلك الأسماء الفصحى التي أطلقوها عن بحث وروية على شيء صغير، وذلك هو نواة البلح أو التمر!
فالنواة، تلك الخشبة الصغيرة، فيها النقير والقطمير والفتيل، ولكل من هذه الأسماء ميزة من ميزات النواة، وعندما يقارن المرء هذه الدقة الفاحصة التي كانت لدى الأجداد، والتي أهلتهم لحمل راية حضارتهم زهاء ثمانية قرون - يعلِّمون، ويحضِّرون، ويمدنون الناس - رغم اختلاف اللغات والألسنة والجذور والأصول العرقية.



أقول عند مقارنة هؤلاء بمن جرتهم السطحية الفجة إلى ترجمة اللافندر إلى الخزامى، يدرك السبب الذي أدى بنا إلى ما نحن فيه من هوان، حتى على رعاة البقر والخنازير!
ولو قلت إن له من اسمه نصيبًا لكنت مصيبًا، فهو درويش بحق، فيه هذه النزعة الصوفية التي استصحبها من طفولته، وبيئته المتدينة، ربما بشيء من المبالغة التي تزعج أحيانًا من لا يعرفه، فإذا اقتربت منها وجدته ذلك اليقظ النبيه المدقق الحصيف، الحدب على الشريعة وثوابتها، المقتنع بمنهجيتها وعقلانيتها، الرافض للبلاهة والادعاء! ولست في حاجة إلى أن أقول إنه دَيِّنٌ عابد - ولا أزكيه على الله تعالى - فهو معظِّم للدين والشعائر، محارب للبدع والخرافات، والدجل والشعوذة باسم الدين، عارف بالقرآن والأحكام، محب للعلم والمشايخ، على صلة بهم، ولم ينقطع عنهم نسبيًّا إلا بعد أن تمادى به السن قليلاً، وضعف سمعه، متع الله بها





درويش الفار مصري رجل من النوادر، لا يعرفه المصريون، ولم يسمعوا به – خصوصًا أجيال الشباب الذين لا (ينكشون) عن أهل العلم، ولا يفتشون عن أولئك الذين يتركون بصمات بناءة، مما ينفع الناس ويمكث في الأرض!
وهو في زعمي أحد جيولوجيين مصريين ثلاثة كبار ضخام، ربما كان أسنُّهم: والآخران هما العالمي فاروق الباز، والعلامة زغلول النجار حفظهم الله أجمعين ومتع بهم، وإن كان الآخران أشهر ذكرًا، وأكثر حضورًا بسبب الإعلام، والزمان، والمكان!




وله وجهات نظرٍ واضحة في السياسة وإنقاذ الأمة، وقد حاورته مفكرة الإسلام فتكلم مصرحًا، لا مكنيًا ولا ملمحًا:
... إن الولاية على الناس لا تكون إلا بطريقتين: الاقتدار أو الاختيار، وإن الولاية على شعوبنا المسلمة لا تزال بالاقتدار، الذي يجُمَّل ليشتبه في كونه جاء بالاختيار، من خلال الاستفتاءات والانتخابات التي يحيط بها الشك، وإن غياب الشورى صاحَبه مبدأ آخر وهو غياب العدل بين الناس، على الرغم من الحديث الشريف الذي بشر الحاكم العادل بأنه من بين السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة....!
وإن أنظمة الحكم في الدول الإسلامية تتسم بكونها تعتمد على الشللية والعائلية، ورجالها من أهل الثقة وليس أهل الخبرة، الأمر الذي يفسر تأخر محاولات الاندماج والوحدة بين الدول العربية على الأقل، كبداية ونموذج للتوحد بين بقية الدول الإسلامية، حيث ينقص الدول العربية التخلص من نغمة الشوفينية [التعصب] وهو الأمر الذي لا نجده بين الدول الأوروبية، التي استطاعت توحيد أوروبا، واستخدام عملة واحدة؛ على الرغم من مذاهبهم الدينية المختلفة، وأصولهم المختلفة العرق ،،





ويواصل رصده للمشكلات الداخلية للأمة الإسلامية، ومنها ضعف الاهتمام بالبحث العلمي الذي يعد ركيزة التطور الحقيقي في العصر الراهن والعصور المقبلة، وذلك مقابل الاهتمام الكبير بالبحث العلمي من جانب أعداء الأمة والمتربصين بها، حيث أصبحت الدول الإسلامية سوقًا رائجة للاختراعات العلمية وتطبيقاتها من جانب الغرب بصفة خاصة، ويصاحب ذلك أن يستقطب العقول المبشرة بالأمل من أبناء المسلمين ليستفيدوا من توظيفها لصالحهم، وذلك بعد أن أصبح البحث العلمي في البلاد الإسلامية وسيلة للارتزاق والحصول على فرصة عمل أفضل أو الترقي في وظيفة!




أما التحدي الأكبر الذي يواجه الأمة الإسلامية في قلبها العربي، فهي إسرائيل التي زرعها حلفاؤها في الغرب، في خصر الأمة العربية للقضاء على أية محاولة للاتحاد العربي، وإنهاك الشعوب العربية في حروب مستمرة مع عدوها الذي يحتل أرضها، ولا تزال كل المعطيات - والكلام للدكتور الفار - تشير إلى تفوق الخطة الصهيونية العالمية في تحقيق أهدافها.
وإذا كانت التحديات السابقة تتحدث في جانب منها عن صراع فكري بين المسلمين وأصحاب الحضارات الأخرى، فإن الباحثين الإستراتيجيين يشيرون إلى أن مشكلة كبيرة تنتظر الأمة العربية - قلب الأمة الإسلامية - خلال العقد القادم، وهي الصراع على نقطة المياه، بعد أن أثبتت الدراسات الجيولوجية تناقص مصادر المياه تدريجيًّا بالشرق الأوسط، وهو تحدٍّ كبير وجب التفكير في طرق مواجهته والاستعداد له منذ الآن،،




وقد نقل عنه مولانا الشيخ محمد الغزالي في كتابه عن مستقبل الإسلام خارج أرضه تحت عنوان "الكيمياء والسياسة":
في الثاني من نوفمبر يطل علينا العام السابع والستون منذ أن صاغ آرثر جيمس بلفور (1838-1930) وزير خارجية بريطانيا العظمى، وعده الغني عن التعريف، وقدمه هدية باسم السياسة، إلى علم الكيمياء، في شخص اليهودي الروسي الصهيوني حاييم بن عيزر وايزمان 1874-1952. الذي كان يعمل أستاذًا للكيمياء العضوية في جامعة مانشستر بإنجلترا، مكافأة وتقديرًا لعبقريته في اختراع طريقة، سنة 1916، لصناعة سائل الأسيتون من دقيق الذرة "بضم الذال المعجمة وفتح الراء"، فأنقذ المجهود الحربي للحلفاء الذين كانوا حينذاك في حاجة ماسة لكميات كبيرة من ذلك السائل العجيب، الذي يستخدمونه في إذابة النتروجلسرين، وقطن البارود؛ لصناعة مادة الكوردايت، المفرقعة الدافعة، التي يحشون بها الرصاص وقنابل
المدافع.




أبى وايزمان أن يقبل مكافأة مادية ليشتري له ضيعة أو يبني فيلا، ينقرشها بأنواع الفسيفساء و الديكور، لأن إيمانه بباطل قومه، كان عنده بمثابة العقيدة التي يلتزم العالم الحق بالتضحية بكل الماديات في سبيل العمل لها، وأصر على أن تكون مكافأته "مجرد" وعد، من حكومة بريطانيا العظمى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، دون "مساس" بحقوق السكان الأصليين من غير اليهود - مجرد وعد - لأنه كان يعرف من إلمامه بأصول علم الكيمياء، أن التفاعل بين المجموعات البشرية خلال التاريخ، تحكمه قوانين ومعادلات وضوابط دقيقة كتلك التي تحكم تفاعلات الذرات والجزيئات في علم الكيمياء،

وكان يدرك أن قوانين التفاعلات الكيماوية لا مجال فيها "للفهلوة" والارتجال والعنتريات والكذب وخداع النفس، وأن الزمان الذي كان الكيماويون فيه يضيعون الوقت والمال والجد والسياسة للحصول على الإكسير الذي يحول الفلزات الحقيرة إلى ذهب، زمن قد ولى وانقضى إلى غير رجعة! فكان مجرد الحصول على "وعد" بمثابة تفاعل كيماوي مدروس يمكن البدء منه، وارتياده كافة المظان والسبل والأساليب، والحيل والدسائس؛ للوصول به إلى النتيجة المطلوبة، والمخطط لها أصلاً، بعلم وإصرار!




ولم تكن الحرب العالمية الأولى قد وضعت أوزارها بعد، عندما طلب وايزمان ذلك الوعد من بريطانيا العظمى في شخص وزير خارجيتها بلفور، ولم يك انتصار الحلفاء مقطوعًا به مائة بالمائة، ولذلك كان أمثال آخرون لوايزمان، يسعون نفس المسعى لدى الألمان وحلفائهم، دون أن يصطرع الفريقان من اليهود أو يقتتلا!
وكان علم السياسة في دماغ الداهية بلفور قد ارتقى أيضا إلى مستوى قدرة الكيماوي العالم بأسرار التفاعلات، فوافق شن طبقة، كما يقول المثل عندنا - وما أكثر الأمثال عندنا والحكم - فوجد في الموافقة خيرًا كثيرًا لصناعة السياسة البريطانية، فأصدر ذلك الوعد وهو متأكد من كيفيات مسيرة الأحداث به لقرن من الزمان! فهذا الوعد، وعد بلفور، الذي يعيش الوطن العربي والإسلامي، اليوم آثاره وذيوله وشجونه، من نسج عالم كيماوي خبير عرف معنى السياسة، وكيف تؤكل الكتف، وداهية سياسي شيطان، ارتقى تفكيره إلى مستوى فهم المعادلات والقوانين البالغة التعقيد والعمق.. إلخ هذا العالم اليهودي خدم ملته وعشيرته بما رأيت! لقد ذكر قومه ولم يذكر نفسه، وخدم عقيدته ولم يخدم شهوته، وتوسل بعبقريته العلمية ليجمع شتات أمته!




وأختم هنا بشيء يكشف عن موسوعية درويش الفار وإمكاناته التعبيرية والعلمية في هذه المقالة عن سيناء وأصل الأبجديات، في مجلة الأمة القطرية 46ع شوال 1404 هـ.. يقول:........وقصة ذلك طويلة في فصول الحضارة الإنسانية، فقد كان المصريون القدماء أهل علم ومعرفة بأصول صناعة التعدين، وعلوم استخراج الخامات من مئات القرون، وكانوا لا يفتؤون يسبرون أغوار صحاريهم المحيطة بالنهر الخالد - النيل - بحثًا عن مكان الذهب والنحاس والفيروز والجُمشَت واللازورد والمغر، وظلوا يستخرجون الفيروز والنحاس من سيناء ووادي عربة قرونًا طويلة، حتى بلغوا الشأو عندما نقرأ في بعض أوراق البردي على لسان الفرعون رمسيس الثالث - 1198-1167 ق.م - ما معناه:
"لقد أرسلتُ الضباط والرؤساء إلى بلاد أمي العزيزة هاتور [حت - حور] سيدة الفيروز، وأحضروا لي أعاجيب من ذلك الحجر الأزرق في حقائب عديدة، لن يحظى بمثلها ملك بعدي!"





وبلغ أمر التعدين في سيناء أهميته القصوى في الدولة المصرية القديمة؛ ما حدا بها إلى إنشاء معبد وثني خاص بالتعدين في منطقة "سرابيط الخادم" تقام فيه الطقوس لوثنيْن: أولهما حتحور إله التعدين، وثانيهما صو - بدو إله الصحراء الذي كان يقدسه بدو سيناء الوثنيون.

وكان الفرعون الملك لا يتوج ولا يمسك بصولجان الملْك في مصر - على سعتها - إلا بعد أن يحجّ إلى ذلك المعبد، ويقدم الهدايا، وينحر القرابين تحت أقدام حتحور وصو بدو، وما كان أحدهم قط ليخرج إلى الحرب، مطمئنًا إلى نصر عسكري، إلا بعد أن يرسل هداياه إلى معبد سرابيط الخادم« إلى الشرق من قرية »أبي زنيمة« الواقعة قرب الساحل الشرقي لخليج السويس، فإذا عاد من الحرب ذهب بنفسه ليشكر كلاً من صو بدو وحتحور على نعمة النصر!





ودار الزمان دوراته بخيره وشره، وعسره ويسره، وأصبحت ذرا سيناء الجنوبية ووديانها ملجأ ومهربًا من كل جبار عنيد، خاصة في عهد الرومان الذين ساموا المصريين سوء العذاب، قبل أن ينقذ الله مصر وأهلها بالفتح الإسلامي.
وكانت الإمبراطورة القديسة هيلانة [سانت هيلين 248-328م] قد انفصلت بالطلاق لأسباب سياسية عن الإمبراطور البيزنطي الأول قسطنطينوس، الذي تزوج بدلاً منها تيودورا الفاتنة ربيبة الإمبراطور الروماني مكسيميان. وعندما أصبح قسطنطين الأكبر ابن هيلانة إمبراطورًا سنة 306م تلقبت هيلانة بلقب الإمبراطورة الأم، واعتنقت النصرانية. ثم حدث لهيلانة ما لم يكن في الحسبان إذ ادّعت »فاوستا« زوجة ابنها الثاني أن »كرسبوس قيصر« حفيد هيلانة قد راودها عن نفسها، فلم يكن هناك مفر من إعدامه شنقاً على رؤوس الأشهاد سنة 326م، ولم تطق هيلانة صبرًا على ما جرى لحفيدها، فدبرت لتيودورا مكيدة، وقادتها إلى حبل المشنقة، ظنًّا منها أن ذلك سوف يشفي غليلها! ولكن هيلانة الإمبراطورية الأم أصيب بعد تلك الأحداث بحزن عميق، أدى بها إلى التصوف و»الدروشة« فأصبحت من المجاذيب، ونصحها الناصحون بالتوجه إلى الأرض المقدسة - فلسطين - للسلوى والنسيان، بالبحث في آثار التوراة والإنجيل، ولقيها هنالك من الأحبار والرهبان من قرأ عليها خبرًا من كتابات المؤرخ »ديودور الصقلي« [سنة 10 ق.م] نقله عن »أرتميدوروس« [سنة 110 ق.م] وعن »أغاثارشيدس« [سنة 160 ق.م] يفيد بأن هنالك نقوشًا وكتابات على الصخور قرب »الطور« غير معروفة الأصل.
فظنت الإمبراطورة تحت تأثير الانجذاب الذي يغمرها أن تلك النقوش المجهولة لا بد وأن تكون نقوش أصحاب موسى عليه السلام أثناء التيه، فشدت الرحال إلى ربوع وادي »المكَتَّب« - على وزن المقطّم - ومنذ تلك الرحلة التي قامت بها الإمبراطورة المجذوبة شاعت فكرة نسبة تلك النقوش السينائية إلى تيه أصحاب موسى بن عمران عليه السلام، وهذا ما ثبت خطؤه فيما بعد من القرون!
وبعد ذلك قامت الحاجة »أثيريا« الإسبانية سنة 400م برحلة لزيارة تلك المظانّ تأسيًا بالإمبراطورة الأم،

وبلغ الطين بلّته في هذا الاعتقاد الخاطئ بعد أن ألّف »كوزماس« كتابه (الطبوغرافيا الإنجيلية) فيما بين سنة 525م وسنة 547م، وكان قد قام برحلة بصحبة بعض اليهود إلى وادي المكتّب وما حوله سنة 518م، وكان كوزماس ذلك نصرانيّاً نسطوريًّا من أبناء مدينة الإسكندرية في مصر، وكانت أصل حرفته التجارة، وأصبح ملاحًا خبيرًا بالبحر وأصول علم الجغرافيا واللاهوت، ووصل إلى الهند،وأقام هنالك علاقات تجارية وتنصيرية، حتى اشتهِر باسم التارج الهندي، ثم تهافت الباحثون على مواقع تلك النقوش زرافات ووحداناً،



فكتب عنها »كيرشر« سنة 1636م كلاماً كثيراً لا سند له من علم، ونقل »نينبرج« سنة 1721م رسومها، ووصفها »بوكوك« سنة 1738م، ورصد القسيس الإيرلندي البيشوب »كلايتون« سنة 1753م جائزةً سخية لمن يفك رموزها، وتناولها كل من »نيبوهر« و»مونتاجو« كلٌّ على حدة سنة 1766م، وذكرها الجيولوجي الفرنسي »روزيير« سنة 1799م، وأشار إليها »كونل« سنة 1800م إشارة عابرة لا تشفي غليلاً في مقالته »ثمانية وعشرون يوماً في سيناء« التي وردت في كتاب الحملة الفرنسية الشهير »وصف مصر«.
وتلا ذلك كلٌّ من »زيتسن« سنة 1807م، و»يوركهارث« سنة 1812م، و»روبل« سنة 1817م، و»هينكر« سنة 1820م، وهي السنة نفسها التي نشر فيها »جراي« مقالته عن نقوش سيناء في مجلة الجمعية الملكية البريطانية. وتكلم عن نقوش سيناء كلاماً غير مــفصل أيضاً، »لابورد« سنة 1828م،واللورد »برودهو« والميجر »فليكس« سنة 1836م.




وفي سنة 1840م أفتى »دي بير« في لايتبسيج بألمانيا بعد أن ميّز مائة حرف، كما زعم أن تلك النقوش لهجة عربية، أو أنها ذكريات الحجاج النصارى إلى دير »سانت كاترين«؛ وبعد أن تناولها »لبسيوس« سنة 1845م بالذكر قال »توخ« سنة 1849م برأي مواطنه »دي بير« ولكنه أشار أن أن زمن نقشها أقدم مما اعتقده »دي بير«.




ثم تكلم في أمر نقوش سيناء كل من »لافال« سنة 1850م، و»فوستر« 1851م و»فريزر« سنة 1855م و»بالمر« (الشيخ عبد الله) سنة 1866م. وعندما درسها »دي روجيه« سنة 1874م قال: إن مصر من خلال نقوش سيناء هي مصدر الحروف الإغريقية، فكان ذلك طرف خيط الحقيقة.
ونقل »بنديت فيجاريين« سنة 1898 م حوالي ألفي حرف من تلك النقوش، ونشر رأيه عنها في باريس سنة 1902م، وأفتى أنها من عمل الأنباط في القرنين الثاني والثالث (بعد الميلاد)، فجانبه التوفيق.
وبدأ القول العلمي الفصل في أمر نقوش سيناء على يد الباحث المحقق السير »وليام فلندرز بيتري« سنة 1906م في كتابه »أبحاث في سيناء« حيث أثبت أن هذه النقوش لا علاقة لها بالتيه ولا بخرافات بني إسرائيل، وأنها ترجع إلى حوالي سنة 1500ق.م.




ومنذ أن تكلم العلامة بيتري عن النقوش السينائية دخل أمرها في حقبة جديدة بين أيدي العلماء، فقال »ألان جاردنر« سنة 1916م بأن حروف سيناء هي أصل الحروف الكنعانية (الفينيقية) وذلك في مقال شهير نشره في صحيفة »الأركيولوجيا المصرية« [العدد الثالث]، وجانب التوفيق الباحث »هانزباور« سنة 1918م حين أراد أن يرجع تلك الحروف السينائية إلى أصل سامي بحت، ولا ننسى أن جاردنر كان أول من وفق في قراءة ونطق كلمات الحروف السينائية حين لاحظ بدقة اسم حت - حور التي كان لها اسم آخر هو »بعلات« أو »بعلت« فكان من هذا اللفظ مفتاح الأمر، ليبني اعتقاده على أن حروف سيناء كانت المرحلة التي عبرت عليها الهيروغليفية لتكون أصل الأبجديات السامية العالمية كلها.
ولقد تحاور العلماء كثيرًا - ولا يزالون - في كنه الناس الذين كانوا يعملون في المناجم المصرية في سيناء، والذين تنسب إليهم نقوش الحروف السينائية، فمنهم من يجنح إلى أنهم وافدون من بلاد ساعير، كما زعم »سبرنجلنج« سنة 1931م، كان المصريون يستخدمونهم في التعدين، ويبدو، حتى الآن، أن »و. ف. أولبرايت« كان سنة 1969م أكثر العلماء إفاضة في أمر نقوش سيناء!
ولقد ناقش الدكتور »رمزي البعلبكي« سنة 1981م في كتابه الجامع الذي عنوانه »الكتابة العربية والسامية« جوانب هامة من هذا الموضوع بطريقة يشكر عليها حقاً،
والأمل معقود أن يتصدى بعض الباحثين لإصدار دراسة شاملة لا تترك شاردة ولا واردة عن أبجدية سيناء باللغة العربية، بحيث تحتوي تلك الدراسة على صور تلك النقوش في وادي المكتّب، ومعبد سرابيط الخادم، وما بينهما وما حولها، وعلى خرائط تفصيلية تبين تلك المواقع، ولا جدال في أن مثل هذه الدراسة سوف تكون عملاً علمياً نفخر به ونعتز، لا سيما وأن كل الدراسات التي تعمدنا الإفاضة في ذكرها لا تنسَب إلينا!



فهل آن الأوان لكي تنسب إلى باحثين عرب أكمل دراسة عن تلك النقوش التي لا تزال تحير العلماء والباحثين؟

هذا هو العلامة الموسوعي الشامل الدكتور مصطفى درويش الفار.. متع الله به، ونفع.


م / ن









آخر مواضيعي 0 سلطات متنوعة
0 الشيكولاته تؤخر علامات الشيخوخة
0 مد الجسور
0 ديكورات وجلسات رمضانية
0 الأرملة السوداء
رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 01:41 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
طارق سرور

الصورة الرمزية طارق سرور

إحصائية العضو







طارق سرور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

طرح رائع عن شخصية فذة ومحترمة

شكرى وتقديرى اختى إيمان







آخر مواضيعي 0 خوف
0 اسرار
0 اللهم اجعلنا من المحسنين
0 اعرف مين هى مصر
0 البقلة
رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 04:39 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

طرح رائع


ايمى


تسلمى

حبيبتى







آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 05:04 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ايمان محمد

الصورة الرمزية ايمان محمد

إحصائية العضو







ايمان محمد غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق سرور مشاهدة المشاركة
طرح رائع عن شخصية فذة ومحترمة

شكرى وتقديرى اختى إيمان


الشكر والتقدير لك أخى على مرورك الرائع
تحيـــــتى







آخر مواضيعي 0 سلطات متنوعة
0 الشيكولاته تؤخر علامات الشيخوخة
0 مد الجسور
0 ديكورات وجلسات رمضانية
0 الأرملة السوداء
رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 05:06 AM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ايمان محمد

الصورة الرمزية ايمان محمد

إحصائية العضو







ايمان محمد غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة marmer مشاهدة المشاركة
طرح رائع


ايمى


تسلمى

حبيبتى


أهلاً بكِ مرمر
تسلمى حبيبتى على مرورك الجميل






آخر مواضيعي 0 سلطات متنوعة
0 الشيكولاته تؤخر علامات الشيخوخة
0 مد الجسور
0 ديكورات وجلسات رمضانية
0 الأرملة السوداء
رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 02:43 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

معلومات قيمة ايمان
دمت رائعة بكل اطروحاتك







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 05-13-2011, 11:25 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

يعطيك العافيه حبيبتي على الطرح
جزاك الله كل الخير وجعله الله في ميزان حسناتك

تسلم الأيادي وبارك الله فيك واسعد الله قلبك
دمت بحفظ الرحمن







آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-14-2011, 11:57 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ايمان محمد

الصورة الرمزية ايمان محمد

إحصائية العضو







ايمان محمد غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور مشاهدة المشاركة
معلومات قيمة ايمان
دمت رائعة بكل اطروحاتك


اشكرك نور

أسعدنى مرورك الغالى

تحيــــتى






آخر مواضيعي 0 سلطات متنوعة
0 الشيكولاته تؤخر علامات الشيخوخة
0 مد الجسور
0 ديكورات وجلسات رمضانية
0 الأرملة السوداء
رد مع اقتباس
قديم 05-14-2011, 11:59 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ايمان محمد

الصورة الرمزية ايمان محمد

إحصائية العضو







ايمان محمد غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: العلامة الدكتور درويش الفار الجيولوجي الأديب المؤرخ الصحفي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملكة بإحساسي مشاهدة المشاركة
يعطيك العافيه حبيبتي على الطرح

جزاك الله كل الخير وجعله الله في ميزان حسناتك
تسلم الأيادي وبارك الله فيك واسعد الله قلبك
دمت بحفظ الرحمن

تسلمى لى أمل

أشكرك حبيبتى على دعواتك الطيبة

جزاكِ الله كل خير ,







آخر مواضيعي 0 سلطات متنوعة
0 الشيكولاته تؤخر علامات الشيخوخة
0 مد الجسور
0 ديكورات وجلسات رمضانية
0 الأرملة السوداء
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator