كنتُ واثقًا دومًا أن العمل ( الدؤوب القليل المستمِرّ ) أوقع أثرًا و أجدى نفعًا من ( العمل المُركَّز المنقَطِع ) ..
و كنتُ أجدُ في القرآن و السُنَّة الكثير و الكثير مما يدل على ذلك ..
و لكن كان ينقصني شيءٌ أن أراه ؛ كي يطمئنَّ قلبي !!..
و مكثتُ طويلاً أفتِّشُ في ذاكرتي ..
لعلِّي أكون قد رأيت هذا ( الدليل ) قديمًا و أنا لا أدري ..
لابد من ذلك فإن سُننَ الله تَتْرَى ؛ عَلِمَها من عَلِمَها ، و جَهِلَهَا من جَهِلَهَا ؟؟!!..
***
حتى ذكرتُ فجأة ذلك المشهد ..
إنه مشهدٌ خلَّد الله تعالى فيه عملاً من أشرف الأعمال التي جَرَت على وجهِ الأرضِ ..
( بناء الكعبة ) ..
ذلك المشهد الآسر : مشهدُ مقامِ إبراهيم ..
***
كيف تحفر أقدام ( اللحم الضعيف ) أثرها الباقي في ( الصخر القاسي ) ؟؟!!..
إنها متلازمةُ ( المُداومة ) و ( التكرار ) و ( الصبر بلا كلل ) و ( انتفاء الملل ) ..
بهذا كله – مع إيمانه الكامل - حفر إبراهيمُ عليه السلام ( أثر قدميه ) في ( الصخر الصلد ) ..
فقد كان يحمل في كل مرة حجرًا واحدًا و يصعد على ( مَقَامِهِ ) فيثبِّته في مكانه بإحكام ..
أو يبقى راسخًا على ( مَقَامِهِ ) و يناوله ولدُه إسماعيل الحجر – عليهما و على ولدهما محمد خاتم الرسل الصلاة و السلام - ..
بهذا ( العمل الدؤوب الصبور ) خلَّد الله آثارهما أبد الآباد ..
***
إن الله قادرٌ على أن يُنزِّل من السماء كعبةً أحجارها الذهب و الفضة و الياقوت ..
و قادرٌ على أن يبعث الملائكة فتبنيها في غمضة عين كما لم يُبن على ظهر الأرض بُنيَة ..
فلِمَ تَعبَّد ربُّنا عزَّ و جلَّ هذين النبيَّيْنِ الكريمين بذلك ؛ و جعل عليهما فيه ( الدَّأبَ ) و ( الصَّبرَ ) ..
إنها سُنَّته عزَّ و جلَّ في ( البناء و التشييد ) يعلمنا إياها في ذلك الدرس العظيم ..
فَهَلُمَّ إخوتي على درب الأنبياء و لا يَغُرَّنَّكم انتهاز المُؤَقَّت عند ( استعجال الفرج ) ..
و لا يهزمنكم ( ضيق الصدور ) عند طول الأمد ..
و السلامُ على من كان ( الحَرْثَ ) نعته ، و ( الدَّأب ) عنوانه ..
منقوول