قصة الزيت لمحمد بن سيرين
أراد الله تعالى أن يبتلي صدق ابن سيرين وصبره فابتلاه بمحنة.
وهذه المحنة كانت عجيبة وهو سببها وهي:
اشترى مرة زيتا بأربعين ألف درهم يدفعها مؤخرة في السنة ولما فتح وعاء من جلد كان فيه الزيت وجد فيه فأرا متفسخا ميتا والزيت تأثر به.
ففكر ابن سيرين وقال إن هذا الزيت كله كان في إناء واحد قبل أن يوضع في أوعية والفأر وقع فيه قبل أن يقسم ومعنى هذا أن الزيت قد تنجس كله بهذه الفأرة.
وهذا كله من خلال تفكيره وتحليله وقد تكون الفأرة قد سقطت في هذا الوعاء فقط.
ثم قال في نفسه إن رددت هذا الزيت للبائع فقد يبيعه لغيري والزيت متنجّس فيضر الناس وأنا لا أستطيع أن أبيعه فأخذ الزيت كله ورماه في مجرى المياه.
هنا خسر ابن سيرين الزيت وأصبح عليه دين ووقع في خسارة جسيمة جدا وحل عليه دين كبير.
طالب صاحب الدين بماله عندما حلّ الأجل فلم يستطع ابن سيرين أن يدفع فرفع الرجل أمره على الوالي وأمره الوالي أن يدفع فقال له ما أستطيع لأنني لا أملك المال الكافي فأمر أن يحبس حتى يسدد ما عليه.
ولما طال مكوثه في السجن أشفق عليه السجان لما رأى من عبادته وقال له يا شيخ إذا أمسى المساء فاذهب إلى أهلك وإذا أصبح الصباح فارجع إلى السجن حتى يفرج عنك.
فقال ابن سيرين لا والله لا أفعل حتى لا أعاونك على خيانة ولي الأمر وهذا أمر لا يسمح به ولي الأمر.
حضرت الوفاة أنس بن مالك رضي الله عنه وأوصى أن يغسله محمد بن سيرين ويصلي عليه وابن سيرين كان ما زال في سجنه ولما توفي جاء الناس إلى الوالي وأخبروه بوصية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه وطلبوا منه أن يخلي سبيل ابن سيرين حتى ينفذ وصية أنس رضي الله عنه.
فوافق الوالي وسمح له بالخروج فرفض ابن سيرين وقال لهم لا أخرج حتى تستأذنوا من صاحب الدين لأنني حبست لما له من الحق.
فخرج من سجنه وغسّل أنسا وصلى عليه ثم رجع إلى السجن ولم يذهب إلى أهله
وكانت له المواقف الشهيرة من النصيحة للولاة والحكام والصدق الكامل.
ومن ذلك أن عمر بن هبيرة الفزاري العالم الجليل والوزير لبني أمية الذي كان واليا على العراق آنذاك دعا محمد بن سيرين لزيارته ومعه ابن أخيه ولما قدما عليه رحّب بهما الوالي وأكرمهما ثم بدأ يسأل ابن سيرين عن كثير من أمور الدنيا والدين لأنه عالم من علماء الدين ورجل مال من كبار التجار ثم قال:
كيف تركت أهل مصرك يا أبا بكر وكان عمر بن هبيرة في الكوفة وابن سيرين في البصرة..؟
فقال تركتهم والظلم فيهم فاشٍ وأنت عنهم لاه.
فوكزه ابن أخيه حتى لا يتكلم فقال له ابن سيرين إنك لم تسأل وإنما أنا الذي أسأل وإنها لشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.
هذا هو العمل الحق إذا سئل أحدهم عن مسألة من قبل مسؤول فلا يتكلم إلا بالحق لأنها شهادة وسوف يسأل عنها عند الله تعالى.
ولما انفض المجلس ودعه ابن هبيرة بمثل ما استقبله به وأرسل له بكيس فيه ثلاثة آلاف درهم فرفض أن يأخذها فقال له ابن أخيه لماذا ترفض هبة أمير المؤمنين.
فقال ابن سيرين لماذا أعطاني لقد أعطاني لأنه ظن فيّ الخير فإن كنت من أهل الخير فلا يجوز لي أن آخذه لأن هذا المال من أموال العامة وليست للخاصة وإن كنت من غير أهل الخير فلا يجوز لي أن آخذه لأنني على خلاف ظنه.
من المواقف الغريبة في ورعة أن رجلا اشترى منه شيئا وادعى أنه أعطاه درهمين فقال ابن سيرين:
ما أعطيتني شيئا فقال الرجل بلى لقد أعطيتك فقال ابن سيرين ما أعطيتني قال الرجل أتحلف أنك لم تعطني فقال والله العظيم إنك لم تعطني شيئا.
فاستغرب الناس والتجار من حلفه لأجل درهمين وقالوا يا أبا بكر أتحلف من أجل درهمين وأنت بالأمس تركت أربعين ألف درهم من أجل شبهة.
فقال نعم أحلف على درهمين لأنني إذا لم أحلف أخذها وإذا أخذها فسيأخذ حراما وأنا لا أريده أن يأكل حراما.
انظروا كيف كان حريصا على غيره ليس على نفسه.
و هذه نبذه مختصرة عن
التابعى الجليل
من كتاب سير اعلام النبلاء
للحافظ الذهبى
بتصرف بسيط منى
ولد محمد بن سيرين رضي الله عنه في لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وابوه سيرين مولى انس بن مالك رضي الله عنه ، وامه صفية مولاة ابو بكر الصديق رضي الله عنه والتي كانت تحتل من نفسه منزلة الولد من ابيه...
فنشأ محمد بن سيرين في بيت يملؤه الورع والتقى، وقد بدأ في تحصيله للعلم منذ الصغر وذلك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ايدي اكابر الصحابة امثال زيد بن ثابت وعبدالله بن عمر وابو هريرة رضي الله عنهم اجمعين....
ثم انتقلت اسرته الى البصرة وقد كانت يومئذ صورة للمجتمع الاسلامي الجاد، وقد عاش حياته الجديدة في البصرة بين علم وعبادة وتجارة... فكان في الفجر يذهب الى مسجد البصرة يعلم ويتعلم حتى اذا انتصف النهار ذهب الى السوق يشتري ويبيع فاذا جاء الليل وقف يتعبد ويصلي...
وقد كانت شخصيته مميزة وروحه مرحة وكان صاحب الامام المعروف حسن البصري رحمه الله تعالى...
كما ان له مواقف معروفة صدع فيها بكلمة الحق مع اولياء الامور...فكان شديدا في الحق آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر...
وانا اعتبر ان من مناقبه رحمه الله ان انس بن مالك رضي الله عنه لما احتضر اوصى بان يغسله محمد بن سيرين وكان وقتها سجينا فاخذ اذنا وخرج من السجن قغسله وكفنه وصلى عليه ثم رجع الى السجن دون ان يذهب لرؤية اهله...
وقد عاش حتى بلغ السابعة والسبعين رحمه الله رحمة واسعة..
ملاحظة
كتاب تفسير الاحلام والموجود بكثرة في السوق و في البيوت ليس من تأليفه،لقد عرف بتفسير الرؤى لكنه لم يؤلف في ذلك كتابا وقد كان عنده فراسة يفسر على اساسها الرؤى فكل شخص له تفسير يختلف عن الاخر حتى ولو اشتركا في نفس الرؤيا...
رحم الله امامنا بن سيرين
لا تنسونا من صالح دعائكم
يعرب
07-31-2009, 06:19 AM
ورع التابعى الجليل بن سرين
