السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يوم من أيام النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الله تعالى:[لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً](الأحزاب:21)، وقال تعالى:[ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ](آل عمران:31).
قال ابن القيم رحمه الله: (نعْلَمُ اضْطِرَارَ الْعِبَادِ فَوْقَ كُلّ ضَرُورَةٍ إلَى مَعْرِفَةِ الرّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، فَإِنّهُ لَا سَبِيلَ إلَى السّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ لَا فِي الدّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ إلّا في طاعته واتباع أمره ونهيه، فسَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الدّارَيْنِ مُعَلّقَةً بِهَدْيِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فَيَجِبُ عَلَى كُلّ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ وَأَحَبّ نَجَاتَهَا وَسَعَادَتَهَا أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْجَاهِلِينَ بِهِ وَيَدْخُلُ بِهِ فِي عِدَادِ أَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَحِزْبِهِ، وَالنّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاَللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ (حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ: النّسَاءُ وَالطّيبُ وَجُعِلَتْ قُرّةُ عَيْنِي فِي الصّلَاةِ) وَكَانَ النّسَاءُ وَالطّيبُ أَحَبّ شَيْءٍ إلَيْهِ، وَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَانَ قَدْ أُعْطِيَ قُوّةَ ثَلَاثِينَ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَأَبَاحَ اللّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبِحْهُ لِأَحَدٍ مِنْ أُمّتِهِ.
وَكَانَ يُقَسّمُ بَيْنَهُنّ فِي الْمَبِيتِ وَالْإِيوَاءِ وَالنّفَقَةِ، وَأَمّا الْمَحَبّةُ فَكَانَ يَقُولُ اللّهُمّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ. فَقِيلَ هُوَ الْحُبّ وَالْجِمَاعُ وَلَا تَجِبُ التّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ لِأَنّهُ مِمّا لَا يَمْلِكُ.
وَكَانَتْ سِيرَتُهُ مَعَ أَزْوَاجِهِ حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ، وَحُسْنَ الْخُلُقِ.
وَكَانَ يُسَرّبُ إلَى عَائِشَة َ بَنَاتَ الْأَنْصَارِ يَلْعَبْنَ مَعَهَا. وَكَانَ إذَا هَوِيَتْ شَيْئًا لَا مَحْذُورَ فِيهِ تَابَعَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَتْ إذَا شَرِبَتْ مِنْ الْإِنَاءِ أَخَذَهُ فَوَضَعَ فَمَهُ فِي مَوْضِعِ فَمِهَا وَشَرِبَ، وَكَانَ إذَا تَعَرّقَتْ عَرْقًا ــ وَهُوَ الْعَظْمُ الّذِي عَلَيْهِ لَحْمٌ ــ أَخَذَهُ فَوَضَعَ فَمَهُ مَوْضِعَ فَمِهَا وَكَانَ يَتّكِئُ فِي حِجْرِهَا وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِهَا وَرُبّمَا كَانَتْ حَائِضًا وَكَانَ يَأْمُرُهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَتَتّزِرُ ثُمّ يُبَاشِرُهَا وَكَانَ يُقَبّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ مِنْ لُطْفِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ مَعَ أَهْلِهِ أَنّهُ يُمَكّنُهَا مِنْ اللّعِبِ وَيُرِيهَا الْحَبَشَةَ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي مَسْجِدِهِ وَهِيَ مُتّكِئَةٌ عَلَى مَنْكِبَيْهِ تَنْظُرُ وَسَابَقَهَا فِي السّفَرِ عَلَى الْأَقْدَامِ مَرّتَيْنِ وَتَدَافَعَا فِي خُرُوجِهِمَا مِنْ الْمَنْزِلِ مَرّةً .
وَكَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَلَمْ يَقْضِ لِلْبَوَاقِي شَيْئًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَكَانَ يَقُولُ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) وَرُبّمَا مَدّ يَدَهُ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فِي حَضْرَةِ بَاقِيهِنّ.
وَكَانَ إذَا صَلّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فَدَنَا مِنْهُنّ وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُنّ، فَإِذَا جَاءَ اللّيْلُ انْقَلَبَ إلَى بَيْتِ صَاحِبَةِ النّوْبَةِ فَخَصّهَا بِاللّيْلِ).
عباد الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ تَارَةً، وَعَلَى النّطْعِ تَارَةً، وَعَلَى الْحَصِيرِ تَارَةً وَعَلَى الْأَرْضِ تَارَةً، وَعَلَى السّرِيرِ، تَارَةً بَيْنَ رِمَالِهِ، وَتَارَةً عَلَى كِسَاءٍ أَسْوَدَ، وَكَانَ فِرَاشُهُ أُدُمًا حَشْوُهُ لِيفٌ.
وَكَانَ لَهُ مِسْحٌ يَنَامُ عَلَيْهِ يُثَنّى بِثَنْيَتَيْنِ، وَثُنِيَ لَهُ يَوْمًا أَرْبَعُ ثَنَيَاتٍ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ رُدّوهُ إلَى حَالِهِ الْأَوّلِ فَإِنّهُ مَنَعَنِي صَلَاتِي اللّيْلَةَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنّهُ نَامَ عَلَى الْفِرَاشِ وَتَغَطّى بِاللّحَافِ وَقَالَ لِنِسَائِه: مَا أَتَانِي جِبْرِيلُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنّ غَيْرَ عَائِشَةَ وَكَانَتْ وِسَادَتُهُ أُدُمًا حَشْوُهَا لِيفٌ.
وَكَانَ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ لِلنّوْمِ قَالَ (بِاسْمِكَ اللّهُمّ أَحْيَا وَأَمُوتُ)، وَكَانَ يَجْمَعُ كَفّيْهِ ثُمّ يَنْفُثُ فِيهِمَا وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا:"قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ" "قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ" "قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ" ثُمّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ، وَكَانَ يَنَامُ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدّهِ الْأَيْمَنِ ثُمّ يَقُول: (اللّهُمّ قِنِي عَذَابَك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ) وَكَانَ يَقُولُ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِه: (الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ) ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ .
وكان نبيكم إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ يَقُولُ (اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبّ وَالنّوَى مُنْزِلَ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الْأَوّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنّا الدّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) وَكَانَ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ فِي اللّيْلِ قَالَ (لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ اللّهُمّ إنّي أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَك اللّهُمّ زِدْنِي عِلْمًا وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إذْ هَدَيْتنِي وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ).
وَكَانَ إذَا انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِه قَال: (الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النّشُورُ) ثُمّ يَتَسَوّكُ وَرُبّمَا قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ مِنْ قَوْلِهِ [إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] إلَى آخِرِهَا (آلِ عِمْرَانَ)، وَقَالَ (اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيّمُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقّ وَوَعْدُكَ الْحَقّ وَلِقَاؤُكَ حَقّ وَالْجَنّةُ حَقّ وَالنّارُ حَقّ وَالنّبِيّونَ حَقّ وَمُحَمّدٌ حَقّ وَالسّاعَةُ حَقّ اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْت وَعَلَيْكَ تَوَكّلْت وَإِلَيْكَ أَنَبْت وَبِكَ خَاصَمْت وَإِلَيْكَ حَاكَمْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدّمْت وَمَا أَخّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ).
وَكَانَ يَنَامُ أَوّلَ اللّيْلِ وَيَقُومُ آخِرَهُ، وَرُبّمَا سَهِرَ أَوّلَ اللّيْلِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَانَ إذَا نَامَ لَمْ يُوقِظُوهُ حَتّى يَكُونَ هُوَ الّذِي يَسْتَيْقِظُ.
وَكَانَ إذَا عَرّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ وَإِذَا عَرّسَ قُبَيْلَ الصّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفّهِ. هَكَذَا قَالَ التّرْمِذِيّ. وَقَالَ: كَانَ إذَا عَرّسَ بِاللّيْلِ تَوَسّدَ يَمِينَهُ.
وَكَانَ نَوْمُهُ أَعْدَلَ النّوْمِ وَهُوَ أَنْفَعُ مَا يَكُونُ مِنْ النّوْمِ وَالْأَطِبّاءُ يَقُولُونَ هُوَ ثُلُثُ اللّيْلِ وَالنّهَارِ ثَمَانُ سَاعَاتٍ. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ](يونس)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
وَكَانَ يُشِيرُ وَيَسْتَشِيرُ، وَكَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ، وَيُجِيبُ الدّعْوَةَ، وَيَمْشِي مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالضّعِيفِ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَسَمِعَ مَدِيحَ الشّعْرِ وَأَثَابَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الْمَدِيحِ فَهُوَ جُزْءٌ يَسِيرٌ جِدّا مِنْ مَحَامِدِهِ، وَأَثَابَ عَلَى الْحَقّ.
وَخَصَفَ نَعْلَهُ، وَرَقّعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ، وَرَقّعَ دَلْوهُ، وَحَلَبَ شَاتَهُ، وَفَلّى ثَوْبَهُ، وَخَدَمَ أَهْلَهُ وَنَفْسَهُ، وَحَمَلَ مَعَهُمْ اللّبِنَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَرَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنْ الْجُوعِ تَارَةً، وَشَبِعَ تَارَةً، وَأَضَافَ وَأُضِيفَ، وَاحْتَجَمَ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ، وَعَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَاحْتَجَمَ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَتَدَاوَى وَكَوَى، وَلَمْ يَكْتَوِ، وَرَقَى وَلَمْ يَسْتَرْقِ، وَحَمَى الْمَرِيضَ مِمّا يُؤْذِيهِ.
وكَانَ أَحْسَنَ النّاسِ مُعَامَلَةً، وَكَانَ إذَا اسْتَسْلَفَ سَلَفًا قَضَى خَيْرًا مِنْهُ.
عباد الله: وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ سَلَفًا قَضَاهُ إيّاهُ وَدَعَا لَهُ فَقَالَ: (بَارَكَ اللّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِك إنّمَا جَزَاءُ السّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ)، وَاسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ أَرْبَعِينَ صَاعًا فَاحْتَاجَ الْأَنْصَارِيّ فَأَتَاهُ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (مَا جَاءَنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) فَقَالَ الرّجُلُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَكَلّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: (لَا تَقُلْ إلّا خَيْرًا فَأَنَا خَيْرُ مَنْ تَسَلّفَ) فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ فَضْلًا وَأَرْبَعِينَ سُلْفَةً فَأَعْطَاهُ ثَمَانِينَ. ذَكَرَهُ الْبَزّارُ .
وكَانَ إذَا مَشَى تَكَفّأَ تَكَفّؤًا، وَكَانَ أَسْرَعَ النّاسِ مِشْيَةً وَأَحْسَنَهَا وَأَسْكَنَهَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّ الشّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، وَإِنّا لَنُجْهِدَ أَنْفُسَنَا وَإِنّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ.
وكَانَ يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ وَقَالَتْ قَيْلَةُ بِنْتُ مَخْرَمَةَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ قَالَتْ فَلَمّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَالْمُتَخَشّعِ فِي الْجِلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنْ الْفَرَقِ.
وَكَذَلِكَ كَانَ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسِيرَتُهُ فِي الطّعَامِ لَا يَرُدّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلّفُ مَفْقُودًا فَمَا قُرّبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطّيّبَاتِ إلّا أَكَلَهُ إلّا أَنْ تَعَافَهُ نَفْسُهُ فَيَتْرُكَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَمَا عَابَ طَعَامًا قَطّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلّا تَرَكَه ُ
.
وَلَمْ يَكُنْ يَرُدّ طَيّبًا وَلَا يَتَكَلّفُهُ بَلْ كَانَ هَدْيُهُ أَكْلُ مَا تَيَسّرَ فَإِنْ أَعْوَزَهُ صَبَرَ حَتّى إنّهُ لَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنْ الْجُوعِ وَيُرَى الْهِلَالُ وَالْهِلَالُ وَالْهِلَالُ وَلَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ.
وَكَانَ مُعْظَمُ مَطْعَمِهِ يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ فِي السّفْرَةِ، وَهِيَ كَانَتْ مَائِدَتَهُ، وَكَانَ يَأْكُلُ بِأَصَابِعِهِ الثّلَاثِ وَيَلْعَقُهَا إذَا فَرَغَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ مُتّكِئًا، وَكَانَ يُسَمّي اللّهَ تَعَالَى عَلَى أَوّلِ طَعَامِهِ وَيَحْمَدُهُ فِي آخِرِهِ، وَكَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ لَعِقَ أَصَابِعَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنَادِيلُ يَمْسَحُونَ بِهَا أَيْدِيَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ غَسْلَ أَيْدِيهِمْ كُلّمَا أَكَلُوا.
وَكَانَ أَكْثَرُ شُرْبِهِ قَاعِدًا بَلْ زَجَرَ عَنْ الشّرْبِ قَائِمًا وَشَرِبَ مَرّةً قَائِمًا، وَالصّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ النّهْيُ عَنْ الشّرْبِ قَائِمًا وَجَوَازُهُ لِعُذْرٍ يَمْنَعُ مِنْ الْقُعُودِ، وَكَانَ إذَا شَرِبَ نَاوَلَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ أَكْبَرَ مِنْهُ) وللحديث بقية إن شاء الله عن يوم من أيام حياته صلى الله عليه وسلم.. نسأل الله الكريم أن يمنّ علينا بالإقتداء به، والعمل بسنته، وأن يرزقنا محبته، وأن يحشرنا في زمرته إنه ولي ذلك والقادر عليه. هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب).