العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-03-2009, 11:35 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

الرئيس جمال عبد الناصر



السيرة الذاتية
ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية .

http://nasser.bibalex.org/images/nasser_house.jpg
منزل جمال عبد الناصر بحى باكوس بالإسكندرية

كان جمال عبد الناصر الابن الأكبر لعبد الناصر حسين الذي ولد في عام ١٨٨٨ في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، ولكنه حصل على قدر من التعليم سمح له بأن يلتحق بوظيفة في مصلحة البريد بالإسكندرية، وكان مرتبه يكفى بصعوبة لسداد ضرورات الحياة .

جمال عبد الناصر فى المرحلة الابتدائية:
التحق جمال عبد الناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه في عامي ١٩٢٣ ، ١٩٢٤ .

وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداى تايمز" – ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين ".

وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف ١٩٢٨ عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية .

جمال عبد الناصر فى المرحلة الثانوية:
التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك .

وفى تلك المدرسة تكون وجدان جمال عبد الناصر القومي؛ ففي عام ١٩٣٠ استصدرت وزارة إسماعيل صدقي مرسوماً ملكياً بإلغاء دستور ١٩٢٣ فثارت مظاهرات الطلبة تهتف بسقوط الاستعمار وبعودة الدستور.

ويحكى جمال عبد الناصر عن أول مظاهرة اشترك فيها: "كنت أعبر ميدان المنشية في الإسكندرية حين وجدت اشتباكاً بين مظاهرة لبعض التلاميذ وبين قوات من البوليس، ولم أتردد في تقرير موقفي؛ فلقد انضممت على الفور إلى المتظاهرين، دون أن أعرف أي شئ عن السبب الذي كانوا يتظاهرون من أجله، ولقد شعرت أنني في غير حاجة إلى سؤال؛ لقد رأيت أفراداً من الجماهير في صدام مع السلطة، واتخذت موقفي دون تردد في الجانب المعادى للسلطة.

ومرت لحظات سيطرت فيها المظاهرة على الموقف، لكن سرعان ما جاءت إلى المكان الإمدادات؛ حمولة لوريين من رجال البوليس لتعزيز القوة، وهجمت علينا جماعتهم، وإني لأذكر أنى – في محاولة يائسة – ألقيت حجراً، لكنهم أدركونا في لمح البصر، وحاولت أن أهرب، لكنى حين التفت هوت على رأسي عصا من عصى البوليس، تلتها ضربة ثانية حين سقطت، ثم شحنت إلى الحجز والدم يسيل من رأسي مع عدد من الطلبة الذين لم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية.

ولما كنت في قسم البوليس، وأخذوا يعالجون جراح رأسي؛ سألت عن سبب المظاهرة، فعرفت أنها مظاهرة نظمتها جماعة مصر الفتاة في ذلك الوقت للاحتجاج على سياسة الحكومة.
وقد دخلت السجن تلميذاً متحمساً، وخرجت منه مشحوناً بطاقة من الغضب".

ويعود جمال عبد الناصر إلى هذه الفترة من حياته في خطاب له بميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦/١٠/١٩٥٤ ليصف أحاسيسه في تلك المظاهرة وما تركته من آثار في نفسه: "حينما بدأت في الكلام اليوم في ميدان المنشية. سرح بي الخاطر إلى الماضي البعيد . وتذكرت كفاح الإسكندرية وأنا شاب صغير وتذكرت في هذا الوقت وأنا اشترك مع أبناء الإسكندرية، وأنا أهتف لأول مرة في حياتي باسم الحرية وباسم الكرامة، وباسم مصر. أطلقت علينا طلقات الاستعمار وأعوان الاستعمار فمات من مات وجرح من جرح، ولكن خرج من بين هؤلاء الناس شاب صغير شعر بالحرية وأحس بطعم الحرية، وآلي على نفسه أن يجاهد وأن يكافح وأن يقاتل في سبيل الحرية التي كان يهتف بها ولا يعلم معناها؛ لأنه كان يشعر بها في نفسه، وكان يشعر بها في روحه وكان يشعر بها في دمه". لقد كانت تلك الفترة بالإسكندرية مرحلة تحول في حياة الطالب جمال من متظاهر إلى ثائر تأثر بحالة الغليان التي كانت تعانى منها مصر بسبب

تحكم الاستعمار وإلغاء الدستور. وقد ضاق المسئولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة.

وقد التحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٣٣ بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر في نشاطه السياسي فأصبح رئيس اتحاد مدارس النهضة الثانوية.

وفى تلك الفترة ظهر شغفه بالقراءة في التاريخ والموضوعات الوطنية فقرأ عن الثورة الفرنسية وعن "روسو" و"فولتير" وكتب مقالة بعنوان "فولتير رجل الحرية" نشرها بمجلة المدرسة. كما قرأ عن "نابليون" و"الإسكندر" و"يوليوس قيصر" و"غاندى" وقرأ رواية البؤساء لـ "فيكتور هيوجو" وقصة مدينتين لـ "شارلز ديكنز".(الكتب التي كان يقرأها عبد الناصر في المرحلة الثانوية).


الكتب التي كان يقرأها جمال عبد الناصر

أولاُ: في المرحلة الثانوية


م اســــــــــم الـــكــــتــــاباســــــ ـــــم الـــمــــؤلــــف
١ الـذئـب الأسـمــر (مصـطـفـى كـمــال)أرمـــــســـــتــ ـــرونــــــج
٢ غــــــــوردون والــخـــرطـــومجــــــــ ـــون بـــــوكــــــان
٣ بـونــابــرت حــاكـــم مـــصـــرشـــــــــــــــ ــــــــارل رو
٤ مـــطـــلــــع حـــيـــاتــــىونـــســـت ــــن تـــشـــرشــــل
٥الإســـكـــنـــدر الأكـــــبـــــرآرثــــــ ـــــر ويـــــجــــــال
٦ بـــــــســـــــمــــــــ اركهـــــيـــــدلام مـــــورلــــــى
٧ فـــــوش - بــطـــل أورلـــيـــانلـــــيـــــ ـدل هـــــــــــارت
٨غـاريـبـالـدى - الــرجــل والأمـــــةبــــــــــول فــريــشـــوويـــر
٩ هـنـدنـبـورج والــثــورة الألـمـانـيــةإمـــــيـــ ـــل لـــودفــــيــــج
١٠ لــــورانــــس والــــعـــــربب. جـــــــريـــــــفـــــــ ـس
١١ مـــــارلــــــبــــــورو ة ك.ت.إتـــــكــــــنــــــس ــــــون
١٢ الــــرجــــال والأعــــمـــــالجـــــــ ــــون بـــــوكــــــان
١٣ نـــــابـــــلــــــيــــ ــونإمـــــيــــــل لـــودفــــيــــج
١٤ الـجـنــود والـسـاســة (جـــــزءان)روبـــــــرتــ ـــــســــــــون
١٥ ت. لـورانـس فــى الجـزيـرة العـربـيـةلـــــيــــــدل هـــــــــــارت
١٦ الجغـرافـيـة العسـكـريـة الإمبـراطـوريـةكـــــــــ ــــــــــــــــول
١٧ بحر من (رحلة فـى البحـر الأبيـض المتوسـط)ج. مـــــارتـــــيــــــلـــ ـــى
١٨ داخـــــــــل أوروبــــــــــاجــــــــ ـــون جـــونــــتــــر
١٩ أمـــس والــيــوم فــــى سـيـنــاءجـــــــارفـــــ ـــيــــــــس
٢٠ حـــمـــلـــة فــلــســطــيــنويـــــــ ـــــفـــــــــــــل
٢١ الأزمـــــــــة الـعــالــمــيــةو. تـــــــشـــــــرشـــــــ ـل
٢٢ غــــالــــيــــبــــولــ ـــىجــــــــــون مــاســفــيــلـــد
٢٣ مـــوقـــعـــة الـــــمـــــارنلـــــويـ ـــــل تــــيــــنــــج
٢٤ الاستراتيجيـة الألمانيـة فـى الحـرب العظمـىنـــــــــــــيـــ ــــــــــم
٢٥ تاريخ الحرب العالمية من سنـة (١٩١٤- ١٩١٨)لـــــيــــــدل هـــــــــــارت
٢٦ استراتيجية موقعة مصر وفلسطين (١٩١٧-١٩١٨)كــــــــــــيــــــــ ـــرس
٢٧ غــــــــوردون والــــســــودانب.م. ألـــــــــــيـــــــــــ ن
٢٨ نـابـلـيـون وواتــرلــو (جـــــزءان)بـــــــــــــ يـــــــــــــك
٢٩ حــــــــــرب الـــنـــهــــرونـــســـت ــــن تـــشـــرشــــل
٣٠ تــاريــخ فـلـسـطـيـن وســوريـــةأولــــــمــــ ــســــــنــــــد
٣١ مغامـرة بونـابـرت فــى مـصـر الـجـود
٣٢ الاسـتـراتـيـجـيــة الإنـجـلـيــزيــةســــيــ ـــر ف. مـــــوريـــــس
٣٣ كـتــاب عـــن الأعـمــال المـجـيـدةكـــنــــيــــو ن ويـــــــــــن
٣٤ رحلـتـى الأولـــى لـبـحـار الـجـنـوبكـــيـــنــــجــ ــســــتــــون
٣٥ الـتــدريــب عــلـــى الــســـلاحالـمـراجــع البـريـطـانـيـة الـرسـمـيــة
٣٦ تـاريــخ الـثــورة الـمـصـريـة ٣،٢،١عــبـــد الــرحــمــن الــرافــعــى





المجلات


٣٧ الـتـايـمــس الأسـبـوعـيــةلـنــدن نــيــوز الـمـصــورة
٣٨ مجلة الجيش (التى تصدر كل ٣ أشهر)
٣٩ جريدة هيئة الجيش الملكيـة المتحـدةالـــقـــوات الـمــحــاربــة
٤٠ مــجــلــة الـجـغـرافـيــا
٤١ جـريـدة "اجبشـيـان غـازيــت"صـحــيــفــة يــومــيـــة





ثانياً: في الكلية الحربية


م اســــــــم الــكـــتـــاب اســــــــمالـــــــــمــ ــــــــؤلــــــــــف
١ الـيــابــان تــحـــارب فـــــى آســيـــةجــــــونـــــــ ى جــــــويـــــــت
٢ لــمـــاذا كــانـــت الـيــابــان قــويـــة؟جـــــــــــــو ن بــــاتـــــريـــــك
٣ جــــــرانــــــت ولـــــــــــــىمـــاجـــ ـور جــــنــــرال فــــولــــر
٤ كـــــيـــــتــــــشـــــ ـنــــــربـــــــــــــــ ـــــــــــــــولارد
٥ تـــألــــق نـــجــــم بــونـــابـــرتويـــــلــ ـــكــــــنــــــســــــو ن
٦ سـتـونـوال جـاكـسـون (جـــزءان) كـولـونـيـلج. هـــــــــنـــــــــدرســ ـــــــن
٧ الــعــالـــم تـــحــــت الــــســــلاحإرنــــــسـ ـــــت دوبـــــــــــــوى
٨ دائـــرة الـمـعـارف البريطـانـيـة (٢٤ جــــزءاً)إرنــــــســـــ ت دوبـــــــــــــوى
٩ الــــبــــحــــر الــــخــــطـــــرجــــــ ــــــورج ســـلـــوكـــومـــب
١٠ إنجلتـرا فـى البحـر الأبيـض المتـوسـط (جــزءان)كـــــــــوربــــ ــــــيــــــــــت
١١ جغرافـيـة منطـقـة البـحـر الأبـيـض المـتـوسـطلــــــــــمـــ ـــــــبـــــــــــل
١٢ البـحـر الأبـيـض المـتـوسـط فـــى السـيـاسـةإلـــيـــزابـــ يـــث مـــــــــــــورو
١٣ مـشـكـلات الـبـحـر الأبــيــض الـمـتـوسـطجــــــــــــو ردون إيــــــســـــــت
١٤ الـــســــويــــس وبــــنــــامــــاأنـــــ ـدريــــــه ســيــجـــفـــريـــد
١٥ أربــعــون يــومــاً فــــى عـــــام١٩١٤ف. مـــــــــــــوريــــــــ ــــــس
١٦ حملة بلاد ما بيـن النهريـن (٤ أجـزاء) (١٩١٤-١٩١٨)(الــمــصــادر الـبـريـطـانـيـة الـرسـمــيــة)
١٧ العمليات الحربيـة: مصـر وفلسطيـن (جـزءان وخـرط)(الــمــصــادر الـبـريـطـانـيـة الـرسـمــيــة)
١٨ العمليـات الحربية:فرنـسـا وبلجيكـا(جـزءان وخــرط)(الــمــصــادر الـبـريـطـانـيـة الـرسـمــيــة)
١٩ الـــــحــــــرب الــحــقــيــقــيــةلــــ ــيـــــــدل هــــــــــــــارت
٢٠ الـحـرب فــى الـجــو (٣ أجـــزاء وخـــرط)وولــــــتــــــر وجــــــونـــــــس
٢١ مـــعـــارك الــجــيــش الإنـجـلــيــزىبـــــــــ لــــــــــوكــــــــــوو د
٢٢ الحمـلـة عـلـى مـصـر عـــام ١٨٨٢ (خـــرط)(الــمــصــادر الـبـريـطـانـيـة الـرسـمــيــة)
٢٣ الــحــروب الـحـاسـمـة فــــى الـتـاريــخلــــــيــــــ ـدل هــــــــــــــارت
٢٤ الــــســـــودان الـــمـــصـــرى ١٩٠٨ألــــــفــــــورد وســـــــــــــوورد
٢٥ مـــعـــارك الــجــيــش الإنـجـلــيــزىر.م. بـــــــــــــلاكــــــــ ـــــوود
٢٦ دراســـــة اسـتـراتـيـجـيـة و"تـاكـتــيــك"كـــــــــي ــــــــــرســــــــــى
٢٧ الـتــنــظــيــم والإدارة الـعــســكــريــةلـــــــ يـــــــنـــــــدســـــــ ـل
٢٨ مـــن جـبــل طـــارق إلــــى الـسـويــسلــــــــــــور د ســتــرابــولـــجـــى
٢٩ تنـمـيـة الــشــرق الأوســــط الاقـتـصـاديـةبــــــــــ ـــــــــــــــــــــون
٣٠ الـحـرب فـــى سـبـيـل السـلـطـة العالـمـيـةســـتـــراتـــ ـيــــجــــيــــكــــوس
٣١ الـلــنــبــى فــــــــى مــــصــــرويــــــــــــ ـــفـــــــــــــــل
٣٢ مـــصـــر والــجــيـــش الـــجــــود
٣٣ مـصــر مـنــذ عـهــد كـرومــر (جـــزءان)لــــــــــــــو رد لـــــــويـــــــد
٣٤ قــــــنــــــاة الــــســــويـــــسأرنـــ ـــولــــــد ويــــلــــســـــون
٣٥ الــمــشـــكـــلات الــمـــصـــريـــةفـــالـ ــنـــتــــان شــــــيـــــــرول
٣٦ إنـــشــــاء مـــصــــر الـحــديــثــةكـــــــولـ ــــــفـــــــيــــــــن
٣٧ مـــصـــر الـحـديــثــة (جـــــــزءان)كـــــــــــ ـــرومـــــــــــــــر
٣٨ عـــبــــور مـــصــــر الــــجــــود
٣٩ مــــــرشــــــد الــــضــــبــــاط(مـصـدر رسمـى-الـولايـات المـتـحـدة الأمريـكـيـة)
٤٠ كيـف تكتـسـب الأصـدقـاء وتـؤثـر فــى الـنـاسديـــــــــــــل كــــارنـــــجـــــى
٤١ الـحــرب وشـــروط الـسـلـم السيكـولـوجـيـةولــــــيـ ــــــم بــــــــــــــراون
٤٢ الـــحــــرب بــغــيـــر مـــدافــــعولــــــيــــ ـــم بــــــــــــــراون
٤٣ صـانــعــو الاسـتـراتـيـجـيـة الـحـديــثــةإدوارد مــــــــــــيـــــــــــ ــد آرل
٤٤ عــــــن الـــحـــرب (٣ أجـــــــزاء)فـــــــــــ ون كـــلاوســـويـــتــــز
٤٥ مــــــبــــــادئ الــــــحــــــربفـــــــ ـــــون كـــلاوســـويـــتــــز
٤٦ حـــــــــــــرب الــــــغـــــــدســـتـــ يـــفـــن بــــوســــونـــــى
٤٧ كوماندو (الفدائيون) يوميات جندى من البوير عن حرب البويردنـيــس ريـتـز=(قـدم لـــه جـنــرال سـمـاتـس)
٤٨ اسـتــراتــيــجــيــة الــــــجــــــوكــابــتـ ــن نـــورمــــان مــاكــمـــولان
٤٩ لــــــغــــــز الــــــرايـــــــخو. ولـــــــــيـــــــــمـــ ـــــــس
٥٠ قــــــصــــــة الــــغــــواصــــةج. جـــــــــاكـــــــــســـ ــــــون
٥١ الــتـــربـــيـــة والــــجــــيــــشكـولــو نــيــل لـــــــورد جــــوريــــل
٥٢ الـــــثــــــورة الــفــرنــســـيـــةهــــ لــــيـــــر بــــيـــــلـــــوك
٥٣ أطـــلـــس أكــســفــورد الــحــربـــى
٥٤ الــــــحــــــرب الآلــــــــــــية مــــــاجـــــــور فــــــولـــــــر
٥٥ امتـحـان الـقـبـول لكـلـيـة أركـــان الـحــرب
٥٦ التاريخ العسكرى لامتحان القبـول بكليـة أركـان الحـربالــمــصــادر الـمـصــريــة الـرســمــيــة
٥٧ بيان موجز عـن تقـدم الحملـة المصريـة(١٩١٤-١٩١٨)الــــمــــصــــادر الـــرســـمـــيـــة
٥٨ أهــــــــــــل الــــكــــهـــــفتــــوف ــــيـــــق الـــحـــكـــيــــم
٥٩ موجـز عــن حمـلـة بــلاد مــا بـيـن النهـريـنإيـــــــــفــــ ــــــانــــــــــس
٦٠ الـسـنــة الـثـالـثـة لـلـحــرب بـالــصــور
٦١ هــتــلـــر - ســـيــــرة حــيــاتـــهكــــــونــــ ـــارد هــــــايـــــــدن
٦٢ الأعمـال المجيـدة فـى البـحـر الأبـيـض المتـوسـطريــــتــــشــــ ارد مـــاكـــمـــيـــلان




كذلك اهتم بالإنتاج الأدبي العربي فكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وقرأ عن سيرة النبي محمد وعن أبطال الإسلام وكذلك عن مصطفى كامل، كما قرأ مسرحيات وروايات توفيق الحكيم خصوصاً رواية عودة الروح التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال في سبيل الحرية والبعث الوطني.

وفى ١٩٣٥ في حفل مدرسة النهضة الثانوية لعب الطالب جمال عبد الناصر دور "يوليوس قيصر" بطل تحرير الجماهير في مسرحية "شكسبير" في حضور وزير المعارف في ذلك الوقت.

وقد شهد عام ١٩٣٥ نشاطاً كبيراً للحركة الوطنية المصرية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، ويكشف خطاب من جمال عبد الناصر إلى صديقه حسن النشار في ٤ سبتمبر ١٩٣٥ مكنون نفسه في هذه الفترة، فيقول: "لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأساً على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم. أين من يخلق خلفاً جديداً لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكناً صابراً على اهتضام حقه ساهياً عن التلاعب بوطنه يقظاً عالي الصوت عظيم الرجاء رافعاً رأسه يجاهد بشجاعة وجرأه في طلب الاستقلال والحرية. قال مصطفى كامل ' لو نقل قلبي من اليسار إلى اليمين أو تحرك الأهرام من مكانه المكين أو تغير مجرى [النيل] فلن أتغير عن المبدأ ' . كل ذلك مقدمة طويلة لعمل أطول وأعظم فقد تكلمنا مرات عده في عمل يوقظ الأمة من غفوتها ويضرب على الأوتار الحساسة من القلوب ويستثير ما كمن في الصدور. ولكن كل ذلك لم يدخل في حيز العمل إلى الآن".(خطاب عبد الناصر لحسن النشار. ٤/٩/١٩٣٥).

ووبعد ذلك بشهرين وفور صدور تصريح "صمويل هور" – وزير الخارجية البريطانية – في ٩ نوفمبر١٩٣٥ معلناً رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستورية في مصر، اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد جمال عبد الناصر في ١٣ نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهتها قوة من البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه سببته رصاصة مزقت الجلد ولكنها لم تنفذ إلى الرأس، وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد التي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى. (مجلة الجهاد ١٩٣٥).

وعن آثار أحداث تلك الفترة في نفسية جمال عبد الناصر قال في كلمة له في جامعة القاهرة في ١٥ نوفمبر ١٩٥٢: "وقد تركت إصابتي أثراً عزيزاً لا يزال يعلو وجهي فيذكرني كل يوم بالواجب الوطني الملقى على كاهلي كفرد من أبناء هذا الوطن العزيز. وفى هذا اليوم وقع صريع الظلم والاحتلال المرحوم عبد المجيد مرسى فأنساني ما أنا مصاب به، ورسخ في نفسي أن على واجباً أفنى في سبيله أو أكون أحد العاملين في تحقيقه حتى يتحقق؛ وهذا الواجب هو تحرير الوطن من الاستعمار، وتحقيق سيادة الشعب. وتوالى بعد ذلك سقوط الشهداء صرعى؛ فازداد إيماني بالعمل على تحقيق حرية مصر".

وتحت الضغط الشعبي وخاصة من جانب الطلبة والعمال صدر مرسوم ملكي في ١٢ ديسمبر ١٩٣٥ بعودة دستور ١٩٢٣.

وقد انضم جمال عبد الناصر في هذا الوقت إلى وفود الطلبة التي كانت تسعى إلى بيوت الزعماء تطلب منهم أن يتحدوا من أجل مصر، وقد تألفت الجبهة الوطنية سنة ١٩٣٦ بالفعل على أثر هذه الجهود.

وقد كتب جمال في فترة الفوران هذه خطاباً إلى حسن النشار في ٢ سبتمبر ١٩٣٥ قال فيه: "يقول الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، فأين تلك القوة التي نستعد بها لهم؛ إن الموقف اليوم دقيق ومصر في موقف أدق.".

ووصف جمال عبد الناصر شعوره في كتاب "فلسفة الثورة" فقال: "وفى تلك الأيام قدت مظاهرة في مدرسة النهضة، وصرخت من أعماقي بطلب الاستقلال التام، وصرخ ورائي كثيرون، ولكن صراخنا ضاع هباء وبددته الرياح أصداء واهية لا تحرك الجبال ولا تحطم الصخور".

إلا أن اتحاد الزعماء السياسيين على كلمة واحدة كان فجيعة لإيمان جمال عبد الناصر، على حد تعبيره في كتاب "فلسفة الثورة"، فإن الكلمة الواحدة التي اجتمعوا عليها كانت معاهدة ١٩٣٦ التي قننت الاحتلال، فنصت على أن تبقى في مصر قواعد عسكرية لحماية وادي النيل وقناة السويس من أي اعتداء، وفى حال وقوع حرب تكون الأراضي المصرية بموانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها تحت تصرف بريطانيا، كما نصت المعاهدة على بقاء الحكم الثنائي في السودان.

وكان من نتيجة النشاط السياسي المكثف لجمال عبد الناصر في هذه الفترة الذي رصدته تقارير البوليس أن قررت مدرسة النهضة فصله بتهمة تحريضه الطلبة على الثورة، إلا أن زملائه ثاروا وأعلنوا الإضراب العام وهددوا بحرق المدرسة فتراجع ناظر المدرسة في قراره.

ومنذ المظاهرة الأولى التي اشترك فيها جمال عبد الناصر بالإسكندرية شغلت السياسة كل وقته، وتجول بين التيارات السياسية التي كانت موجودة في هذا الوقت فانضم إلى مصر الفتاة لمدى عامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئاً، كما كانت له اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أياً منها ،"فلم يكن هناك حزب مثالي يضم جميع العناصر لتحقيق الأهداف الوطنية".

كذلك فإنه وهو طالب في المرحلة الثانوية بدأ الوعي العربي يتسلل إلى تفكيره، فكان يخرج مع زملائه كل عام في الثاني من شهر نوفمبر احتجاجاً على وعد "بلفور" الذي منحت به بريطانيا لليهود وطناً في فلسطين على حساب أصحابه الشرعيين.

جمال عبد الناصر ضابطاً:
لما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية وحصل على البكالوريا في القسم الأدبي قرر الالتحاق بالجيش، ولقد أيقن بعد التجربة التي مر بها في العمل السياسي واتصالاته برجال السياسة والأحزاب التي أثارت اشمئزازه منهم أن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني.

تقدم جمال عبد الناصر إلى الكلية الحربية فنجح في الكشف الطبي ولكنه سقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح من بني مر وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً، ولأنه اشترك في مظاهرات ١٩٣٥، ولأنه لا يملك واسطة.

ولما رفضت الكلية الحربية قبول جمال، تقدم في أكتوبر ١٩٣٦ إلى كلية الحقوق في جامعة القاهرة ومكث فيها ستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة ١٩٣٦ واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري من الشباب بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، فقبلت الكلية الحربية دفعة في خريف ١٩٣٦ وأعلنت وزارة الحربية عن حاجتها لدفعة ثانية، فتقدم جمال مرة ثانية للكلية الحربية ولكنه توصل إلى مقابلة وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطاً فوافق على دخوله في الدورة التالية؛ أي في مارس ١٩٣٧.

لقد وضع جمال عبد الناصر أمامه هدفاً واضحاً في الكلية الحربية وهو "أن يصبح ضابطاً ذا كفاية وأن يكتسب المعرفة والصفات التي تسمح له بأن يصبح قائداً"، وفعلاً أصبح "رئيس فريق"، وأسندت إليه منذ أوائل ١٩٣٨ مهمة تأهيل الطلبة المستجدين الذين كان من بينهم عبد الحكيم عامر. وطوال فترة الكلية لم يوقع على جمال أي جزاء، كما رقى إلى رتبة أومباشى طالب.

تخرج جمال عبد الناصر من الكلية الحربية بعد مرور ١٧ شهراً، أي في يوليه ١٩٣٨، فقد جرى استعجال تخريج دفعات الضباط في ذلك الوقت لتوفير عدد كافي من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.

وقد كانت مكتبة الكلية الحربية غنية بالكتب القيمة، فمن لائحة الاستعارة تبين أن جمال قرأ عن سير عظماء التاريخ مثل "بونابرت" و"الإسكندر" و"جاليباردى" و"بسمارك" و"مصطفى كمال أتاتورك" و"هندنبرج" و"تشرشل" و"فوش". كما قرأ الكتب التي تعالج شئون الشرق الأوسط والسودان ومشكلات الدول التي على البحر المتوسط والتاريخ العسكري. وكذلك قرأ عن الحرب العالمية الأولى وعن حملة فلسطين، وعن تاريخ ثورة ١٩١٩.(الكتب التى كان يقرأها عبد الناصر فى الكلية الحربية).

التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم. وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيى الدين وأنور السادات.

وفى عام ١٩٣٩ طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان، فخدم في الخرطوم وفى جبل الأولياء، وهناك قابل زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر. وفى مايو ١٩٤٠ رقى إلى رتبة الملازم أول.

لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشاً غير مقاتل، وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوه على هذا الوضع، ولكن بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا ينظرون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد أكبر لتحرير شعبهم. وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا، ولكنه ورفقائه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معظم الضباط "عديمي الكفاءة وفاسدين"، ومن هنا اتجه تفكيره إلى إصلاح الجيش وتطهيره من الفساد. وقد كتب لصديقه حسن النشار في ١٩٤١ من جبل الأولياء بالسودان: "على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين واللا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دغرى لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح بالأذيال.

شخص هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن. الرؤساء. الرؤساء يا حسن يسوءهم ذلك الذي لا يسبح بحمدهم. يسوءهم ذلك الذي لا يتملق إليهم. فهذه كبرياء وهم شبوا على الذلة في كنف الاستعمار. يقولون. كما كنا يجب أن يكونوا. كما رأينا يجب أن يروا. والويل كل الويل لذلك. الذي تأبى نفسه السير على منوالهم. ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم متملقاً. ويحزنني يا حسن أن أقول أننا نسير إلى الهاوية – الرياء – النفاق الملق - تفشى في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار. أما أنا فقد صمدت ولازلت، ولذلك تجدني في عداء مستحكم مستمر مع هؤلاء الكبار." (خطاب عبد الناصر لحسن النشار.١٩٤١ . ينشر لأول مرة)

وفى نهاية عام ١٩٤١ بينما كان "روميل" يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.

ويذكر جمال عبد الناصر: "في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخاً تاماً، أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال بحاجة إلى دراسة، وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك، وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين أشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن؛ فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة".

وأثناء وجوده في العلمين جرت أحداث ٤ فبراير ١٩٤٢ حينما توجه السفير البريطاني – "السير مايلز لامسبون" – ليقابل الملك فاروق بسراي عابدين في القاهرة بعد أن حاصر القصر بالدبابات البريطانية، وسلم الملك إنذاراً يخيره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفى النحاس مع إعطائه الحق في تشكيل مجلس وزراء متعاون مع بريطانيا وبين الخلع، وقد سلم الملك بلا قيد ولا شرط.

ويذكر جمال عبد الناصر أنه منذ ذلك التاريخ لم يعد شئ كما كان أبداً، فكتب إلى صديقه حسن النشار في ١٦ فبراير ١٩٤٢ يقول: "وصلني جوابك، والحقيقة أن ما به جعلني أغلى غلياناً مراً، وكنت على وشك الانفجار من الغيظ، ولكن ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خائفين. والحقيقة أنى أعتقد أن الإنجليز كانوا يلعبون بورقة واحده في يدهم بغرض التهديد فقط، ولكن لو كانوا أحسوا أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم ويقابلوا القوة بالقوة لانسحبوا كأي امرأة من العاهرات.

أما نحن. أما الجيش فقد كان لهذا الحادث تأثير جديد على الوضع والإحساس فيه، فبعد أن كنت ترى الضباط لا يتكلمون إلا عن النساء واللهو، أصبحوا يتكلمون عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس في سبيل الكرامة.

وأصبحت تراهم وكلهم ندم لأنهم لم يتدخلوا – مع ضعفهم الظاهر – ويردوا للبلاد كرامتها ويغسلوها بالدماء. ولكن إن غداً لقريب. حاول البعض بعد الحادث أن يعملوا شئ بغرض الانتقام، لكن كان الوقت قد فات أما القلوب فكلها نار وأسى. عموماً فإن هذه الحركة أو هذه الطعنة ردت الروح إلى بعض الأجساد وعرفتهم أن هناك كرامة يجب أن يستعدوا للدفاع عنها، وكان هذا درساً ولكنه كان درساً قاسياً". (خطاب عبد الناصر لحسن النشار.١٦/٢/١٩٤٢).


يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:36 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

ررقى جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في ٩ سبتمبر ١٩٤٢. وفى ٧ فبراير ١٩٤٣ عين مدرساً بالكلية الحربية. ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال "ليدل هارت" و"كلاوزفيتز"، كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل "كرومويل" و"تشرشل". وفى هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب.

وفى ٢٩ يونيه ١٩٤٤ تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم. لعبت تحية دوراً هاماً في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة - هدى ومنى - عندما كان في حرب فلسطين، كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في ١٩٥١، ١٩٥٢.

تنظيم الضباط الأحرار:
شهد عام ١٩٤٥ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، ويقول جمال عبد الناصر في حديثة إلى "دافيد مورجان": "وقد ركزت حتى ١٩٤٨ على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم. وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفى خطة مشتركة".

وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٧ عقد الضباط الأحرار اجتماعاً واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.

وفى اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئاً يقيم في مصر الجديدة فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها. وقد أجابه المفتى بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية. وبعد بضعة أيام رفض العرض فتقدم بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسمياً بالاشتراك في الحرب. فسافر جمال إلى فلسطين في ١٦ مايو ١٩٤٨، بعد أن كان قد رقى إلى رتبة صاغ (رائد) في أوائل عام ١٩٤٨.

لقد كان لتجربة حرب فلسطين آثاراً بعيدة على جمال عبد الناصر فعلى حد قولة: "فلم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفى أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه للاستجمام في غزه للملك فاروق.

وقد بدا أن القيادة العليا كانت مهمتها شيئاً واحداً هو احتلال أوسع رقعة ممكنة من الأرض بغض النظر عن قيمتها الإستراتيجية، وبغض النظر عما إذا كانت تضعف مركزنا العام في القدرة على إلحاق الهزيمة بالعدو خلال المعركة أم لا.
وقد كنت شديد الاستياء من ضباط الفوتيلات أو محاربي المكاتب الذين لم تكن لديهم أية فكرة عن ميادين القتال أو عن آلام المقاتلين.

وجاءت القطرة الأخيرة التي طفح بعدها الكيل حين صدرت الأوامر إلىّ بأن أقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، وقبل أن أبدأ في التحرك نشرت تحركاتنا كاملة في صحف القاهرة. ثم كان حصار الفالوجا الذي عشت معاركه؛ حيث ظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيراً من ناحية العدد حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة " في ٢٤ فبراير ١٩٤٩.

وقد جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى. ونظراً للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فإنه منح نيشان "النجمة العسكرية" في عام ١٩٤٩.

وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقاً أن المعركة الحقيقية هي في مصر، فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش.

وقد أصبح مقتنعاً أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية ١٩٤٨ وحتى ١٩٥٢.
ووقد كان في نية جمال عبد الناصر القيام بالثورة في ١٩٥٥، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير.

وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرساً في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في ١٢ مايو ١٩٤٨. وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، وتضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيى الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيى الدين وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام ١٩٥٠، ١٩٥١.

وفى ٨ مايو ١٩٥١ رقى جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشى (مقدم) وفى نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سراً في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية ١٩٥٢، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.

وإزاء تطورات الحوادث العنيفة المتوالية في بداية عام ١٩٥٢ اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد. وفعلاً بدئوا باللواء حسين سرى عامر - أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر – إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها جمال عبد الناصر، فقد وافقه الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي.

ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سراً. والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلاً من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين. وفى تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد.

ثم حدث حريق القاهرة في ٢٦ يناير ١٩٥٢ بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجاً على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها ٤٦ شرطياً وجرح ٧٢. لقد أشعلت الحرائق في القاهرة ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنى، وتركت ١٢ ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر ٢٢ مليون جنيهاً.

وفى ذلك الوقت كان يجرى صراعاً سافراً بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش. حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرياسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصياً، إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبد الناصر – رئيس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار – تقديم موعد الثورة التي كان محدداً لها قبل ذلك عام ١٩٥٥، وتحرك الجيش ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار بعد أن تسرب خبر عنها .

وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة - وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢ عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.

بيان الثورة:
وفى صباح يوم ٢٣ يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة التالي:
"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفى خُلقهم وفى وطنيتهم، ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.

أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب، وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف؛ لأن هذا ليس في صالح مصر، وإن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس، وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم، والله ولى التوفيق".

وبعد نجاح الثورة بثلاثة أيام – أي في ٢٦ يوليه – أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد. وفى اليوم التالي أعيد انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار.

وفى ١٨ يونيه ١٩٥٣ صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ ٧ سبتمبر ١٩٥٢، أما جمال عبد الناصر فقد تولى أول منصباً عاماً كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية. وفى الشهر التالي ترك جمال عبد الناصر منصب وزير الداخلية – الذي تولاه زكريا محيى الدين – واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.(قرار المجلس بإلغاء الملكية) .

تعيين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة:
وفى فبراير ١٩٥٤ استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء. وفيما يلي البيان الذي أذاعه المجلس بأسباب ذلك الخلاف في ٢٥ فبراير ١٩٥٤:

"أيها المواطنون
"لم يكن هدف الثورة التي حمل لواءها الجيش يوم ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢ أن يصل فرد أو أفراد إلى حكم أو سلطان أو أن يحصل كائن من كان على مغنم أو جاه، بل يشهد الله أن هذه الثورة ما قامت إلا لتمكين المُثل العليا في البلاد بعد أن افتقدتها طويلاً نتيجة لعهود الفساد والانحلال.

لقد قامت في وجه الثورة منذ اللحظة الأولى عقبات قاسية عولجت بحزم دون نظر إلى مصلحة خاصة لفرد أو جماعة، وبهذا توطدت أركانها واطرد تقدمها في سبيل بلوغ غاياتها.

ولا شك أنكم تقدرون خطورة ما أقيم في وجه الثورة من صعاب، خاصة والبلاد ترزح تحت احتلال المستعمر الغاصب لجزء من أراضيها، وكانت مهمة مجلس قيادة الثورة في خلال هذه الفترة غاية في القسوة والخطورة، حمل أفراد المجلس تلك التبعة الملقاة على عاتقهم ورائدهم الوصول بأمتنا العزيزة إلى بر الأمان مهما كلفهم هذا من جهد وبذل.

ومما زاد منذ اللحظة الأولى في قسوة وخطورة هذه التبعة الملقاة على أعضاء مجلس قيادة الثورة أنهم كانوا قد قرروا وقت تدبيرهم وتحضيرهم للثورة في الخفاء قبل قيامهم أن يقدموا للشعب قائداً للثورة من غير أعضاء مجلس قيادتهم وكلهم من الشبان، واختاروا فعلاً فيما بينهم اللواء أركان حرب محمد نجيب ليقدم قائداً للثورة، وكان بعيداً عن صفوفهم، وهذا أمر طبيعي للتفاوت الكبير بين رتبته ورتبهم، وسنه وسنهم، وكان رائدهم في هذا الاختيار سمعته الحسنة الطيبة وعدم تلوثه بفساد قادة ذلك العهد.

وقد أخطر سيادته بأمر ذلك الاختيار قبل قيام الثورة بشهرين اثنين ووافق على ذلك.
وما أن علم سيادته بقيام الثورة عن طريق مكالمة تليفونية بين وزير الحربية فى ذلك الوقت السيد مرتضى المراغى وبينه وفى منزله حتى قام إلى مبنى قيادة الثورة واجتمع برجالها فور تسلمهم لزمام الأمور.

ومنذ تلك اللحظة أصبح الموقف دقيقاً؛ إذ أن أعمال ومناقشات مجلس قيادة الثورة استمرت أكثر من شهر بعيدة عن أن يشترك فيها اللواء محمد نجيب إذ أنه حتى ذلك الوقت وعلى وجه التحديد يوم ٢٥ أغسطس سنة ١٩٥٢ لم يكن سيادته قد ضم إلى أعضاء مجلس الثورة.

وقد صدر قرار المجلس فى ذلك اليوم بضمه لعضويته كما صدر قرار بأن تسند إليه رئاسة المجلس بعد أن تنازل له عنها البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر الذى جدد انتخابه بواسطة المجلس قبل قيام الثورة كرئيس للمجلس لمدة عام ينتهى فى أخر أكتوبر سنة ١٩٥٢.

نتيجة لذلك الموقف الشاذ ظل اللواء محمد نجيب يعانى أزمة نفسية عانينا منها الكثير رغم قيامنا جميعاً بإظهاره للعالم أجمع بمظهر الرئيس الفعلى والقائد الحقيقى للثورة ومجلسها مع المحافظة على كافة مظاهر تلك القيادة.

وبعد أقل من ستة شهور بدأ سيادته يطلب بين وقت وآخر من المجلس منحه سلطات تفوق سلطة العضو العادى بالمجلس، ولم يقبل المجلس مطلقاً أن يحيد عن لائحته التى وضعت قبل الثورة بسنين طويلة إذ تقضى بمساواة كافة الأعضاء بما فيهم الرئيس فى السلطة، فقط إذا تساوت الأصوات عند أخذها بين فريقين فى المجلس فترجح الكفة التى يقف الرئيس بجانبها.

ورغم تعيين سيادته رئيساً للجمهورية مع احتفاظه برئاسة مجلس الوزراء ورئاسته للمؤتمر المشترك إلا أنه لم ينفك يصر ويطلب بين وقت وأخر أن تكون له اختصاصات تفوق اختصاصات المجلس، وكان إصرارنا على الرفض الكلى لكى نكفل أقصى الضمانات لتوزيع سلطة السيادة فى الدولة على أعضاء المجلس مجتمعين.

وأخيراً تقدم سيادته بطلبات محددة وهى:
أن تكون له سلطة حق الاعتراض على أى قرار يجمع عليه أعضاء المجلس، علماً بأن لائحة المجلس توجب إصدار أى قرار يوافق عليه أغلبية الأعضاء.
كما طلب أن يباشر سلطة تعيين الوزراء وعزلهم وكذا سلطة الموافقة على ترقية وعزل الضباط وحتى تنقلاتهم؛ أى أنه طالب إجمالاً بسلطة فردية مطلقة.

ولقد حاولنا بكافة الطرق الممكنة طوال الشهور العشرة الماضية أن نقنعه بالرجوع عن طلباته هذه التى تعود بالبلاد إلى حكم الفرد المطلق، وهو ما لا يمكن نرضاه لثورتنا، ولكننا عجزنا عن إقناعه عجزاً تاماً وتوالت اعتكافاته بين وقت وأخر حتى يجبرنا على الموافقة على طلباته هذه، إلى أن وضعنا منذ أيام ثلاثة أمام أمر واقع مقدماً استقالته وهو يعلم أن أى شقاق يحدث فى المجلس فى مثل هذه الظروف لا تؤمن عواقبه.

أيها المواطنون
لقد احتمل أعضاء المجلس هذا الضغط المستمر فى وقت يجابهون فيه المشاكل القاسية التى تواجه البلاد والتى ورثتها عن العهود البائدة.

يحدث كل ذلك والبلاد تكافح كفاح المستميت ضد مغتصب فى مصر والسودان وضد عدو غادر يرابط على حدودها مع خوضها معركة اقتصادية مريرة وإصلاحاً لأداة الحكم وزيادة الإنتاج إلى أخر تلك المعارك التى خاضتها الثورة ووطدت أقدامها بقوة فى أكثر من ميدان من ميادينها.

واليوم قرر مجلس قيادة الثورة بالإجماع ما يلى:
أولاً: قبول الاستقالة المقدمة من اللواء أركان حرب محمد نجيب من جميع الوظائف التى يشغلها. \
ثانياً: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر فى تولى كافة سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن أرض الوطن.
ثالثاً: تعيين البكباشى أركان حرب جمال عبد الناصر رئيساً لمجلس الوزراء.
ونعود فنكرر أن تلك الثورة ستستمر حريصة على مُثلها العليا مهما أحاطت بها من عقبات وصعاب، والله كفيل برعايتها إنه نعم المولى ونعم النصير، والله ولى التوفيق".
وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف فقبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في ٢٧ فبراير ١٩٥٤.
ثم بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً مسبقاً بحلها في ١٤ يناير ١٩٥٤، (قرار المجلس بحل جماعة الإخوان المسلمين) وقد تورط أيضاً بعض عناصر النظام القديم في هذه الأحداث.
ووقد تجلى الصراع داخل مجلس قيادة الثورة في هذه الفترة في القرارات التي صدرت عنه وفيها تراجعاً عن المضى في الثورة، فأولاً ألغيت الفترة الانتقالية التي حددت بثلاث سنوات، وتقرر في ٥ مارس ١٩٥٤ اتخاذ الإجراءات فوراً لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بالاقتراع العام المباشر على أن تجتمع في يوليه ١٩٥٤ وتقوم بمناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد وفقاً لأحكام الدستور الذي ستقره الجمعية التأسيسية. وفى نفس الوقت تقرر إلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحافة والنشر.
وثانياً: قرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيساً للمجلس ورئيساً لمجلس الوزراء بعد أن تنحى جمال عبد الناصر عن رئاسة الوزارة وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.
وأخيراً قرر مجلس قيادة الثورة في ٢٥ مارس ١٩٥٤ السماح بقيام الأحزاب وحل مجلس قيادة الثورة يوم ٢٤ يوليه ١٩٥٤ أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية. (قرار المجلس بالسماح بقيام أحزاب).

وبالرغم من إلغاء مجلس قيادة الثورة لتلك القرارات في ٢٩ مارس ١٩٥٤ (قرار المجلس بإرجاء تنفيذ قرارات ٢٥ مارس ١٩٥٤) إلا أن الأزمة التي حدثت في مجلس قيادة الثورة أحدثت انقساماً داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيى الدين وبين جمال عبد الناصر وباقي الأعضاء.

وقد انعكس هذا الصراع على الجيش، كما حاول السياسيون استغلاله وخاصة الإخوان المسلمين وأنصار الأحزاب القديمة الذين كانوا فى صف نجيب وعلى اتصال به.

وفى ١٧ أبريل ١٩٥٤ تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزماً تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم. وهنا قرر مجلس قيادة الثورة في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ إعفاء محمد نجيب من جميع مناصبه على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولى كافة سلطاته بقيادة جمال عبد الناصر.

وفى ٢٤ يونيه ١٩٥٦ انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور ١٦ يناير ١٩٥٦ ـ أول دستور للثورة.
وفى ٢٢ فبراير ١٩٥٨ أصبح جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وذلك حتى مؤامرة الانفصال التي قام بها أفراد من الجيش السوري في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١.
وظل جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠.



خطب جمال عبد الناصر
تحتوى هذه المجموعة على١,٣٥٩ خطبة مقروءة ومسموعة ومرئية للرئيس جمال عبد الناصر في الفترة ما بين عام ١٩٥٢ وعام ١٩٧٠م من أبرزها خطاب الرئيس في تقديم الميثاق الوطني وبيان ٣٠ مارس وخطاب تأميم قناة السويس. يمكنك قراءة الخطبة و الاستماع إليها بالصوت الحي للزعيم جمال عبد الناصر كما يمكنك مشاهدة الخطبة. ويمكنك استعراض هذه المجموعة اعتمادا على العام الذي أُلقِيت فيه الخطبة. كما يمكنك البحث في هذه المجموعة باستخدام عنوان الخطبة أو محتواها.

خطب مرئية

أرشيف صور الرئيس جمال عبد الناصر
تحتوى هذه المجموعة على٥١,٥١٢ صورة تغطي ٦,٤١١ حدث من الأحداث الرسمية و الاستقبالات و الزيارات و اللقاءات و أيضا أحداث شخصية و عائلية و غير ذلك في الفترة ما بين عام ١٩٣٠ و عام ١٩٨٠م ، بينما تحتوي مجموعة البورتريهات علي ١,١٢٤ صورة بورتريه للزعيم جمال عبد الناصر. يمكنك استعراض هذه المجموعة اعتمادا على الحدث. كما يمكنك البحث في هذه المجموعة باستخدام عنوان الحدث أو الفترة الزمنية.

أفلام تسجيلية
تحتوى هذه المجموعة على ١,٢٠٩ فيلم تسجيلي في الفترة ما بين عام ١٩٤٨ وعام ١٩٧٠م تتضمن أفلاماً عن حرب فلسطين وفترة حكم الملك فاروق وثورة ٢٣ يوليو وحكم الرئيس جمال عبد الناصر. يمكنك استعراض هذه المجموعة اعتمادا على العام الذي تم فيه تسجيل الفيلم. كما يمكنك البحث في هذه المجموعة باستخدام عنوان الفيلم التسجيلي.

وثائق
تحتوي على مجموعة من الوثائق المصرية التي تتضمن أيام عبد الناصر، أوراق بخط يد الرئيس ، جلسات اللجنة المركزية للإتحاد الاشتراكي، قرارات مجلس قيادة الثورة، كروت متبادلة بين أفراد الأسرة، محاضر جلسات مجلس الوزراء، ومنشورات. كما تتضمن مجموعة كاملة من الوثائق الخاصة بالمكاتبات والمراسلات الرسمية بين مصر و كل من بريطانيا و أمريكا.

مقالات بصراحة
على مدى العقود الخمسة من الخمسينات إلى التسعينات اختلفت على الأمة العربية تطورات هامة وأحداث جسام أثرت في تاريخ العرب الحديث وعلى مدى هذه العقود تابع العالم العربي بشغف شاهداً من شهود هذه الأحداث أتاحت له الأقدار أن يكون على مقربة من كثير من تلك الوقائع، وهو الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل ، وقد أتاح له الحس الصحفي والرؤية المتعمقة إمكانية استقراءها وتفنيدها وعرضها على القارئ العربي بلغة سهلة وأسلوب مشوق وتداع للأفكار قل أن يجود العمل الصحفي بمثله. بدأ هيكل يكتب مقاله "بصراحة" منذ عام ١٩٥٧م وانتظم ظهور المقال كل أسبوع من عام ١٩٦٠ إلى ١٩٩٦م في جريدة الأهرام وأخبار اليوم وآخر ساعة وبعض الصحف العربية الأخرى. ونحن نقدم لكم هذه المقالات مصحوبة بإمكانية البحث المفصل في عنوان ومحتوى هذه المقالات

عبد الناصر والثقافة
تحتوي هذه المجموعة على بعض أعمال الفن التشكيلي كالتصوير والنحت وفن الكاريكاتير، وبعض أعمال الفنون التطبيقية مثل العملات والطوابع. كما تحتوي على مجموعة من القصائد الشعرية وأغاني الثورة، وكتب بقلم الرئيس جمال عبد الناصر.

المصدر:
موقع الرئيس جمال عبد الناصر






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:36 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود
(1293-1373هـ، 1876-1953م).

http://www.mawsoah.net/gae/getimage...6_100075_01.jpg

عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى ابن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي. وينتهي نسبه إلى بكر ابن وائل من بني أسد بن ربيعة.

نشأته ومعالم شخصيته.
ولد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في مدينة الرياض ونشأ تحت رعاية والده، ولما اشتد عوده تعلم مبادئ القراءة والكتابة على يد الشيخ القاضي عبدالله الخرجي من علماء الرياض، حيث عهد إليه الإمام عبد الرحمن بن فيصل بتعليم ابنه؛ فحفظ عبد العزيز بعضًا من سور القرآن المجيد، ثم قرأه كله على يد الشيخ محمد بن مصيبيح، كما درس جانبًا من أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبد اللطيف آل الشيخ الذي أعد لعبد العزيز كراسًا دينيًا جمع فيه بعض مسائل الفقه والتوحيد بالإضافة إلى المعارف الثقافية الأخرى التي اكتسبها بالخبرة والاحتكاك بالآخرين، خصوصًا ببعض العلوم العصرية التي استقاها من خلال المتابعة والمذاكرة والمناقشات.

ولع الملك عبد العزيز بالفروسية وركوب الخيل منذ صباه وعُرف عنه حركته الكثيرة وتنقله السريع، وكان حازمًا، ذكيًا متفوقًا على أترابه، شجاعًا جريئًا مقدامًا، يجمع في طبيعته روح الحرب وروح السلم، يعالج الأمور بحكمة وحنكة ودراية، ويتحلّى ببراعة سياسية لا يرقى الشك إليها، وكان يتمتع بخلق قويم وإرادة نافذة، بعيد المطامح، طويل الروّية. وظل يعتقد أن الاستعداد للأمر ودراسته هما الوسيلتان المثليان للنجاح؛ فهو جندي ظافر، تقي ورع، جواد سخي، مهذب لطيف المعشر ورقيق المعاملة في المجالات الاجتماعية.

مما لا شك فيه أن حياة التنقل مع والده بين مضارب البادية ـ بعد رحيلهما عن الرياض ـ قد أثّرت إلى حد بعيد في شخصيته، خاصة في مجال الحروب فقد تعوّد حياة البادية بما فيها من قساوة وشجاعة وأخلاق وتحمّل للمسؤولية، كما استفاد من إقامته في الكويت التي استقرت فيها الأسرة السعودية بعض الوقت عقب الجلاء عن الرياض على أثر سيطرة آل الرشيد على كل البلاد النجدية.

انظر:
الدولة السعودية الثالثة
( 1 )
( 2 ) ( 3 ) ( 4 ) ( 5 )

(آل سعود في الكويت).
فكانت حياة عبد العزيز خليطًا من لوعة النزوح والتنقل وصرامة الحياة وقسوتها في ظل الهجرة والبعد عن الوطن الأم من جهة، وتجربة فقدان المُلْك والسيادة من جهة أخرى. ومرّ الملك عبد العزيز خلال إقامته في الكويت بتجربة سياسية كبيرة من خلال مجالسة الشيوخ والأمراء والحكام ورجال الدولة، وقد ظهر أثر ذلك في فكره السياسي ومقدرته السياسية وأدائه السياسي فيما بعد، وكان يحب سماع قصص البطولات والمعارك، والتعرُّف على سير الأبطال، وتاريخ أسرته خاصة تاريخ جده فيصل ابن تركي الذي عُرف بتدينه وفكره السياسي الرصين وشجاعته وحنكته السياسية وتجربته الكبيرة في مجال السياسة والحكم والإدارة. وهو يُعد من أقوى أئمة الدولة السعودية الثانية وأشهرهم، وهكذا نلاحظ أنه أخذ يهيئ نفسه لعمل كبير جدًا ألا وهو استعادة ملك أجداده المسلوب.

استرداد ملك الآباء والأجداد.
يأتي مشروع توحيد البلاد العربية السعودية في مقدمة أعمال الملك عبد العزيز ومنجزاته؛ فقد حاول دخول الرياض عام 1318هـ، 1901م في الوقت الذي كان فيه الشيخ مبارك الصباح شيخ الكويت ومعه الإمام عبد الرحمن بن فيصل يحاربان ابن الرشيد في وقعة الصريف في 26 من ذي القعدة عام 1318هـ، 17 مارس 1901م. وقد انهزمت القوات الكويتية في تلك الوقعة وترتب على ذلك عدم تحقيق هدف الملك عبد العزيز آل سعود في استرداد الرياض من آل الرشيد عاصمة آبائه وأجداده.

حاول عبد العزيز استرداد الرياض مرة أخرى وذلك في عام 1319هـ، 1902م، وكانت هذه المحاولة أكثر رسوخًا وأدق تخطيطًا. وقد نجح الملك عبد العزيز هذه المرة واسترد الرياض من عجلان أمير آل الرشيد بعد قتله واستسلام الحامية الرشيدية في 5 شوال 1319هـ، 15 يناير 1902م، ونودي بأن الملك لله ثم لعبد العزيز آل سعود. وبهذا الحدث التاريخي بدأ ظهور الدولة السعودية الحديثة وقيامها وريثة شرعية للدولتين السعوديتين الأولى والثانية ومن ثم بدأ تاريخ الملك عبدالعزيز آل سعود كمؤسس أول وحقيقي لتلك الدولة.

المبايعة وتوحيد البلاد.
تسلم الملك عبد العزيز مقاليد الحكم والإمامة بعد تنازل والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل له عن الحكم والإمامة في اجتماع كبير عقد بالمسجد الكبير بالرياض بعد صلاة الجمعة عام 1320هـ، 1902م. وظل الأب يشرف على أعمال ابنه طوال حياته، وظل الابن يجل والده ويقدر آراءه ويحترمها.

شرع عبد العزيز يوحد مناطق نجد تدريجيًا فبدأ بتوحيد المناطق الواقعة جنوب الرياض بعد انتصاره على ابن الرشيد في بلدة الدلم القريبة من الخرج، فدانت له كل بلدان الجنوب؛ الخرج والحريق والحوطة والأفلاج وبلدان وادي الدواسر.

ثم توجه إلى منطقة الوشم وحارب ابن الرشيد وانتصر عليه، ودخل بلدة شقراء، ثم واصل زحفه صوب بلدة ثادق فدخلها أيضًا ثم توجه إلى منطقة سدير ودخل بلدة المجمعة. وبهذا الجهد العسكري تمكن الملك عبد العزيز من توحيد مناطق الوشم والمحمل وسدير وضمها إلى بوتقة الدولة السعودية الحديثة.

تابع الملك عبد العزيز مشروعه لتوحيد البلاد، فتمكن من توحيد منطقة القصيم وضمها إلى الدولة السعودية الناشئة بعد أن خاض مجموعة من الوقعات الحربية ضد ابن الرشيد وأنصاره العثمانيين؛ منها واقعة الفيضة في 18 ذي الحجة 1321هـ، 10مارس 1904م، والبكيرية في 1 ربيع الثاني 1322هـ، 1904م، والشنانة في 18 رجب 1322هـ، 1904م؛ وهي من المواقع الفاصلة في تاريخ البلاد، ووقعة روضة مهنا التي قتل فيها الأمير عبد العزيز آل الرشيد في 18 صفر من عام 1324هـ، 14 أبريل 1906م. ومثلت القصيم منطقة حيوية واستراتيجية للملك عبد العزيز آل سعود، خصوصًا في صراعه ضد ابن الرشيد بعد توقيع صلح بينه وبين متعب بن عبد العزيز آل الرشيد في أعقاب وقعة روضة مهنا، حيث اعترف الملك عبد العزيز لمتعب بن الرشيد بالإمارة على حائل ومنطقة جبل شمر. انظر: الدولة السعودية الثالثة.

استعاد الملك عبد العزيز آل سعود منطقة الأحساء بكاملها عام 1331هـ، 1913م قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، ورحّل الحاميات العثمانية التي كانت موجودة فيها إلى البصرة، وأقر العثمانيون بالأمر الواقع، وفاوضوا الملك عبد العزيز واعترفوا رسميًا به واليًا على نجد، ومتصرفًا على الأحساء، وأهدوه النيشان العثماني الأول ورتبة الوزارة في أواخر عام 1332هـ (أوائل عام 1914م)، ولقبوه بصاحب الدولة. إلا أن هذا الاتفاق وهذا التقارب العثماني تجاه الملك عبد العزيز لم يخرجا إلى حيّز التنفيذ بل ظلا مجرد حبر على ورق.

أفاد الملك عبد العزيز كثيرًا من عودة منطقة الأحساء إلى دولته؛ لأنه قد وسّع بذلك حدود دولته لتشمل جزءًا مهمًا من الجزيرة العربية يطل على ساحل الخليج العربي، وله أهميته السياسية والاقتصادية والتجارية. وغدا لدولته الناشئة منفذ بحري ممتاز أخرجها من عزلتها وانغلاقها داخل الأراضي النجدية، وأصبح الملك عبد العزيز وثيق الاتصال بالدول الكبرى، خصوصًا بريطانيا ذات السلطة والشأن في منطقة الخليج. ورغبت بريطانيا في دفع الملك عبد العزيز إلى الدخول في حرب ضد الدولة العثمانية بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، لكنه حاول قدر استطاعته أن يظل على الحياد برغم موقفه المعادي للأتراك بسبب مساعدتهم وتشجيعهم لآل الرشيد، وبسبب الموقف العثماني العام المعادي للدولة السعودية في جميع أدوارها ومراحل حكمها.

جرت اتصالات رسمية بين الملك عبد العزيز وبعض المسؤولين البريطانيين في الخليج أمثال الكابتن شكسبير القنصل البريطاني في الخليج، والسير برسي كوكس؛ الذي وقع مع الملك عبد العزيز معاهدة في دارين بالقطيف عرفت بمعاهدة دارين عام 1334هـ، 1915م وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى وقد ألغيت فيما بعد. وزار الملك عبد العزيز بعدها البصرة بدعوة من السير برسي كوكس فكانت أول زيارة يقوم بها الملك عبد العزيز خارج بلاده عام 1334هـ، 1915م، وقدم الملك عبد العزيز أثناءها تعازيه لشيخ الكويت جابر بن مبارك الصباح في وفاة أبيه الشيخ مبارك الصباح، وشارك في مؤتمر عقدته بريطانيا في الكويت في 23 محرم 1335هـ، 20 نوفمبر 1916م للتباحث في شأن الموقف العام للحرب العالمية الأولى. وفي أعقاب ذلك عقد مؤتمر في الرياض عام 1339هـ، 1920م حضره الأمراء والعلماء ورجال الدولة وشيوخ العشائر وغيرهم وقرروا فيه بالإجماع أن يكون لقب عبد العزيز الرسمي هو سلطان نجد وملحقاته.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى تمكّن سلطان نجد من استرجاع منطقة جبل شمّر بعد عدة مناوشات ووقعات خاضتها القوات السعودية ضد القوات الرشيدية، استسلمت بعدها مدينة حائل عاصمة الجبل في صفر من عام 1340هـ، 1921م، وعامل ابن سعود آل الرشيد معاملة كريمة تليق بمقامهم. كما تمكن السلطان عبد العزيز من ضم منطقة عسير إلى أجزاء دولته بعد حروب طويلة مع آل عائض حكام منطقة عسير، وكان ذلك عام 1338هـ، 1920م، وعامل عبد العزيز آل عائض ومن وقف معهم من الأهالي في عسير معاملة طيبة كعادته في معاملة خصومه بعد انكسارهم واستسلامهم، وتمكّن من توحيد إمارة الأدارسة وضمها إلى بوتقة دولته، وأصبحت جزءًا من الدولة السعودية الحديثة عام 1351هـ، 1932م. كما وحّد عبد العزيز منطقة الحجاز مع باقي مناطق الدولة السعودية الحديثة بعد معارك خاضتها القوات السعودية ضد قوات الأشراف ويأتي في مقدمة تلك المعارك معركة تُرُبة التي انكسرت فيها قوات الشريف حسين بن علي أمام القوات السعودية في ليلة 25 شعبان عام 1337هـ، 1919م. وتُعد بلدة تربة مفتاح الطريق إلى باقي المدن الحجازية. وقد تهلهل وضع قوات الشريف كثيرًا في أعقاب تلك الوقعة، ويسَّر ذلك عملية ضم مدينة الطائف ـ المدينة الحجازية الاستراتيجية ـ إلى الدولة السعودية عام 1343هـ، 1924م. بعد ذلك واصلت القوات السعودية زحفها نحو الهَدا واشتبكت هناك مع قوات الشريف في وقعة فاصلة، هي وقعة الهدا في 27 صفر عام 1343هـ، 1924م، وكانت نتائج تلك الوقعة وخيمة على قوات الشريف إذ أصبح الطريق إلى مكة المكرمة بعدها مفتوحًا أمام القوات السعودية، وتنازل بعدها الشريف حسين بن علي لابنه الشريف علي في 4 ربيع الأول 1343هـ، 1924م. واصل السعوديون زحفهم باتجاه مكة المكرمة فدخلوها سلمًا منكسي أسلحتهم وهم مُحْرِمون يتقدمهم عبد العزيز بملابس إحرامه وذلك في 17 ربيع الأول عام 1343هـ، 1924م، ثم توجهت القوات السعودية صوب ما تبقى من مدن الحجاز وموانئه، كميناء رابغ والقنفذة وينبع وغيرها، وقد استسلمت حامية المدينة المنورة في 19 جمادى الأولى عام 1344هـ، 1925م. وبضم هذه المدن في منطقة الحجاز، تمكّن السعوديون من تضييق الخناق على جدة مما اضطر معه الشريف علي بن الحسين إلى الاستسلام وطلب الصلح لمغادرة البلاد في الأول من جمادى الآخرة عام 1344هـ، 17 ديسمبر 1925م، وانتهى بذلك حكم الأشراف في الحجاز. انظر: الدولة السعودية الثالثة (تأسيس الدولة السعودية الثالثة).

التنظيمات والتعليمات الأساسية.
اختارت الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز شكل شعار الدولة وعلمها الحاليين، وقام دستور الدولة على القرآن ويقوم الحكم فيها على تطبيق أحكام الشرع الإسلامي المستمد من القرآن والسنة النبوية الشريفة وما أثر عن الصحابة وتابعيهم بإحسان، وما عليه الأئمة الأربعة وصالح سلف الأمة. وتطبق الدولة في المعاملات والأحوال الشخصية المشهور من مذهب الحنابلة.

أمر الملك عبد العزيز آل سعود بوضع التعليمات الأساس للمملكة الحجازية بعد ضم الحجاز وتوحيدها في بوتقة الدولة السعودية الحديثة وهي تعريف بالدولة وشكلها وترتيباتها الإدارية، وقد نشرت تلك التعليمات الأساس في الجريدة الرسمية في 21 صفر عام 1345هـ، 31 أغسطس 1926م. وبعد صدورها بثلاثة أشهر لُقّب الملك عبد العزيز آل سعود بلقب ملك الحجاز ونجد ومحلقاته، ثم بُدّل هذا اللقب بلقب أعم وأشمل هو ملك المملكة العربية السعودية في 21 من جمادي الأولى 1351هـ، 22 من سبتمبر 1932م عند إعلان توحيد جميع أجزاء المملكة في دولة واحدة، وهو اليوم الوطني للمملكة. ونظم الملك عبد العزيز دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطور المعاصر، فوزع المسؤوليات في الدولة، وأسس حكومة منظمة في الحجاز بعد ضمها، وأنشأ منصب النائب العام في الحجاز وأسند مهماته إلى ابنه الأمير فيصل وكان ذلك عام 1344هـ، 1926م. وأنشأ مجلس الشورى السعودي عام 1345هـ، 1927م، وأسند رئاسته أيضًا إلى الأمير فيصل. وفي 19 شعبان 1350هـ، 30 ديسمبر 1931م صدر نظام خاص بتأليف مجلس الوكلاء وأسندت رئاسته إلى الأمير فيصل بن عبد العزيز. وأنشأ الملك عبد العزيز عددًا من الوزارات في الدولة السعودية كتنظيم إداري متقدم خرج به عن نسق النظام الإداري التقليدي المتوارث من الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، فأقامت الدولة الحديثة آنذاك علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي المتعارف عليه رسميًا، وعيَّنت السفراء والقناصل والمفوضين والوزراء لهذه الغاية. كما اهتم كثيرًا بدعم الحركات التحررية العربية والإسلامية ودعم القضية الفلسطينية وجامعة الدول العربية ومؤسساتها، وناصر جميع قضايا العالمين العربي والإسلامي بالدعم والمشورة والتأييد في المحافل الدولية والإقليمية. وانخرط في منظومة الدول العالمية بانضمام دولته إلى هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها.

أهم أعماله ومنجزاته.
قام الملك عبد العزيز بأول مشروع من نوعه لتوطين البدو، ليس في الجزيرة العربية فحسب، بل في العالم العربي كله، فأسكنهم في هِجَر زراعية مستقرة وأطلق عليهم اسم الإخوان من اسم الجماعة الأولى التي اعتنقت الإسلام على يد الرسول ³ وكونت مجتمعًا إسلاميًا في المدينة المنورة، وترابطت في الله وتعاونت دينيًا ودنيويًا بروابط التآخي، فتعلّم البدو أمور دينهم وعلّمهم أساليب الزراعة والعمل فيها، وشكّل منهم جيشًا متطوعًا يكون تحت يده عند الحاجة وإعلان النفير العام. وعمل على تحسين وضع دولته الاجتماعي والاقتصادي، وجعل البدوي مطيعًا للدولة مما قوى دعائم الأمن الداخلي.

وجّه الملك عبد العزيز عنايته واهتمامه بالتعليم، ففتح المدارس النظامية والمعاهد، ووزّع الكتب الدراسية، ووزّع مساعدات مالية على الطلاب تشجيعًا لهم على مواصلة تعليمهم، واستقدم المدرسين من خارج البلاد، وأرسل البعثات إلى الخارج وأسس المكتبات العامة، وشجّع طباعة الكتب وبخاصة الكتب الدينية والكتب التي تفيد في تدريس اللغة العربية وفهمها، ووزّع كل ذلك دون مقابل، واهتم بالدعوة الإسلامية ومحاربة البدع والخرافات وكان ذلك هو الخط المتواصل الذي نهجته الدولتان السعوديتان الأولى والثانية. وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزوّدها بالإمكانات والصلاحيّات، وأمر بتوسعة الحرم المدني، فشرع في ذلك قبيل وفاته، ووفّر الماء والخدمات الطبية والوقائية لراحة الحجاج.

مَنّ الله على البلاد السعودية بغزارة النفط وكثرة المعادن وتنوعها فاستخرج النفط بكميات تجارية عام 1357هـ، 1938م في المنطقة الشرقية، مما ساعد على ازدياد الثروة النقدية التي أسهمت في تطوير البلاد السعودية وتقدمها وازدهارها، وبدأت العملة السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين عملات الدول الأخرى، وأنشئت لهذا الغرض مؤسسة النقد العربي السعودي، وضربت العملة السعودية (الريال) واشترت الدولة الآلات الزراعية ووزعتها على الفلاحين للنهوض بالزراعة. وأنشأت الدولة الطرق البرية المعبدة، ومُدّ خط حديدي يربط الرياض بالدمام في المنطقة الشرقية، وربطت البلاد بشبكة من المواصلات السلكية واللاسلكية واستوردت أهم سبل المواصلات العصرية ووضعت نواة الطيران المدني، ومُدّ خط أنابيب النفط من الخليج إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط (التابلاين) وافتتحت الإذاعة السعودية، ووضع نظام للجوازات السعودية وغيرها من المرافق العامة ذات الصلة بالمجتمع.

وفاته
توفي الملك عبد العزيز آل سعود في مدينة الطائف ونقل جثمانه إلى الرياض حيث دفن في مقبرة العود مع أسلافه من آل سعود.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:37 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

الشيْخ الجَليل المجاهد :

عُـمَــر الـمُـخـتــار

نشأته ، وأعماله، واستشهاده

د. علي محمد الصلابي

نشأته وأعماله

اولاً: مولده ونسبه ونشأته وشيوخه

ولد الشيخ الجليل عمر المختار من أبوين صالحين عام 1862م وقيل 1858م، وكان والده مختار بن عمر من قبيلة المنفة من بيت فرحات وكان مولده بالبطنان في الجبل الأخضر، ونشأ وترعرع في بيت عز وكرم، تحيط به شهامة المسلمين وأخلاقهم الرفيعة، وصفاتهم الحميدة التي استمدوها من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على كتاب الله وسنة رسوله e .

توفي والده في رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، فعهد وهو في حالة المرض إلى رفيقه السيد أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور الواقعة شرق طبرق) بأن يبلغ شقيقه بأنه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد، وتولى الشيخ حسين الغرياني رعايتهما محققاً رغبة والدهما، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم الحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الأخوان والقبائل الأخرى

لقد ذاق عمر المختار - رحمه الله - مرارة اليتم في صغره، فكان هذا من الخير الذي أصاب قلبه الملئ بالإيمان وحب الله ورسوله e حيث التجأ إلى الله القوي العزيز في أموره كلها، وظهر منه نبوغ منذ صباه مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد الجغبوب الذي كان منارة للعلم، وملتقى للعلماء، والفقهاء والأدباء والمربين الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدوهم لحمل رسالة الإسلام الخالدة، ثم يرسلوهم بعد سنين عديدة من العلم والتلقي والتربية إلى مواطن القبائل في ليبيا وافريقيا لتعليم الناس وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه الرفيعة ومكث في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه، والحديث والتفسير ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم، السيد الزروالي المغربي، والسيد الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبدالله الظاهري المدني وغيرهم كثير، وشهدوا له بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عملية أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالاً مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم وكان مخلصاً في عمله متفانياً في أداء ماعليه ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجل عمل يومه إلى غده وهكذا اشتهر بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفتت شمائله أنظار أساتذته وزملائه وهو لم يزل يافعاً، وكان الأساتذة يبلغون الإمام محمد المهدي أخبار الطلبة وأخلاق كل واحد منهم، فأكبر السيد محمد المهدي في عمر المختار صفاته وما يتحلى به من خلال، وأصبح على إلمام واسع بشئون البيئة التي تحيط به وعلى جانب كبير في الإدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية وتاريخ وقائعها وتوسع في معرفة الأنساب والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، وتعلم من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية ومايتطلبه الموقف من آراء ونظريات، كما أنه أصبح خبير بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها على مختلف أنواعها في برقة، وكان على دراية بالأدواء التي تصيب الماشية ببرقة ومعرفة بطرق علاجها نتيجة للتجارب المتوارثة عند البدو وهي اختبارات مكتسبة عن طريق التجربة الطويلة، والملاحظة الدقيقة، وكان يعرف سمة كل قبيلة، وهي السمات التي توضع على الإبل والأغنام والأبقار لوضوح ملكيتها لأصحابها، فهذه المعلومات تدل على ذكاء عمر المختار وفطنته منذ شبابه.


وصف عمر المختار

كان عمر المختار متوسط القامة يميل إلى الطول قليلاً، ولم يكن بالبدين الممتلئ أو النحيف الفارغ، أجش الصوت بدوي اللهجة، رصين المنطق، صريح العبارة، لايمل حديثه، متزن في كلامه، تفتر ثناياه أثناء الحديث عن ابتسامة بريئة، أو ضحكة هادئة إذا ما اقتضاها الموقف، كثيف اللحية وقد أرسلها منذ صغره، تبدو عليه صفات الوقار والجدية في العمل، والتعقل في الكلام والثبات عند المبدأ وقد أخذت هذه الصفات تتقدم معه بتقدم السن.


تلاوته للقرآن الكريم وعبادته

كان عمر المختار شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها وكان يقرأ القرآن يومياً، فيختم المصحف الشريف كل سبعة أيام منذ أن قال له الامام محمد المهدي السنوسي ياعمر (وردك القرآن) وقصة ذلك كما ذكرها محمد الطيب الأشهب، أنه استأذن في الدخول على الامام محمد المهدي من حاجبه محمد حسن البسكري في موقع بئر السارة الواقع في الطريق الصحراوي بين الكفرة والسودان وعندما دخل على المهدي تناول مصحفاً كان بجانبه وناوله للمختار وقال : هل لك شيء آخر تريده فقلت له ياسيدي أن الكثيرين من الأخوان يقرأون أوراداً معينة من الأدعية والتضرعات أجزتوهم قراءتها وأنا لا أقرأ إلا الأوراد الخفيفة عقب الصلوات فأطلب منكم اجازتي بما ترون فأجابني t بقوله: ( ياعمر وردك القرآن ) فقبلت يده وخرجت أحمل هذه الهدية العظيمة (المصحف) ولم أزل بفضل الله احتفظ بها في حلي وترحالي ولم يفارقني مصحف سيدي منذ ذلك اليوم وصرت مداوماً على القراءة فيه يومياً لأختم السلكة كل سبعة ايام ، وسمعت من شيخنا سيدي احمد الريفي أن بعض كبار الأولياء يداوم على طريقة قراءة القرآن مبتدئاً (بالفاتحة) الى (سورة المائدة) ثم الى (سورة يونس) ، ثم الى (سورة الاسراء) ثم الى (سورة الشعراء) ، ثم الى (سورة الصافات) ثم الى (سورة ق) ثم الى آخر السلكة ومنذ ذلك الحين وأنا أقرأ القرآن من المصحف الشريف بهذا الترتيب.

إن المحافظة على تلاوة القرآن والتعبد به تدل على قوة الايمان، وتعمقه في النفس، وبسبب الايمان العظيم الذي تحلى به عمر المختار انبثق عنه صفات جميلة، كالامانة والشجاعة، والصدق، ومحاربة الظلم، والقهر، والخنوع وقد تحلى هذا الايمان في حرصه على أداء الصلوات في أوقاتها قال تعالى: { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا } وكان يتعبد المولى عز وجل بتنفيذ أوامره ويسارع في تنفيذها وكان كثير التنفل في أوقات الفراغ، وكان قد ألزم نفسه بسنة الضحى وكان محافظاً على الوضوء حتى في غير أوقات الصلاة، ومما يروى عنه أنه قال: لا أعرف إنني قابلت أحداً من السادة السنوسية وأنا على غير وضوء منذ شرفني الله بالانتساب إليهم.

لقد كان هذا العبد الصالح يهتم بزاده الروحي اليومي بتلاوة القرآن الكريم، وقيام الليل واستمر معه هذا الحال حتى استشهاده.
فهذا المجاهد محمود الجهمي الذي حارب تحت قيادة عمر المختار وصاحبه كثيراً، يذكر في مذكراته أنه كان يأكل معه وينام معه في مكان واحد ويقول: ( لم أشهد قط أنه نام لغاية الصباح، فكان ينام ساعتين او ثلاثاً على أكثر تقدير، ويبقى صاحياً يتلو القرآن الكريم، وغالباً مايتناول الابريق ويسبغ الوضوء بعد منتصف الليل ويعود الى تلاوة القرآن ، لقد كان على خلق عظيم يتميز بميزات التقوى والورع، ويتحلى بصفات المجاهدين الأبرار ).

وأما الاستاذ محمد الطيب الاشهب فقد قال : ( وقد عرفته معرفة طيبة وقد مكنتني هذه المصاحبة من الاحتكاك به مباشرة، فكنت أنام بخيمته والى جانبه وأهم ماكنت امقته منه رحمه الله وأنا وقت ذاك حديث السن هو أنه لايتركنا أن ننام إذ يقضي كل ليلة يتلو القرآن ويقوم مبكراً فيأمرنا بالوضوء بالرغم عما نلاقيه من شدة البرد ومتاعب السفر ).

وكأني أراه من خلف السنين وهو قائم يصلي لله رب العالمين في وديان وجبال وكهوف الجبل الأخضر وقد التف بجرده الابيض في ظلمة الليل البهيم وهو يتلو كتاب الله بصوت حزين، وتنحدر الدموع على خدوده من خشية العزيز الرحيم.

قال تعالى: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور } (سورة فاطر ، الآية).

لقد وصى رسول الله ابا ذر بذلك فقال: ( عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء ) وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال: ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبْ ).

قال الشاعر:




قم في الدجى واتـل الكتـابولا تنم إلا كنومة حائر ولهان
فلربمـا تأتـي المنيـة بغتـةفتساق من فرش الى الاكفـان
ياحبذا عينان في غسق الدجىمن خشية الرحمـن باكيتـان
اعرض عن الدنيا الدنيئة زاهداًفالزهد عند أولى النهى زهدان
زهد عن الدنيا وزهد في الثناءطوبى لمن أمسى له الزهـدان




إن من اسباب الثبات التي تميز به عمر المختار حتى اللحظات الأخيرة من حياته إدمانه على تلاوة القرآن الكريم والتعبد به وتنفيذ أحكامه، لأن القرآن الكريم مصدر تثبيت وهداية وذلك لما فيه من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، ولما فيه من ذكر مآل الصالحين، ومصير الكافرين والجاحدين وأوليائه بأساليب متعددة.

لقد كان عمر المختار يتلوا القرآن الكريم بتدبر وإيمان عظيم فرزقه الله الثبات وهداه طريق الرشاد ولقد صاحبه حاله في التلاوة حتى النفس الأخير، وهو يساق الى حبل المشنقة وهو يتلو قوله تعالى :
{ يا أيتها النفس المطمئة ارجعي الى ربك راضية مرضية } (سورة الفجر).


شجاعته وكرمه

إن هذه الصفة الجميلة تظهر في سيرة عمر المختار منذ شبابه الباكر ففي عام 1311هـ (1894م) تقرر سفر عمر المختار على رأس وفد الى السودان يضم كل من السيد خالد بن موسى، والسيد محمد المسالوسي ، وقرجيله المجبري وخليفة الدبار الزوي احد اعضاء زاوية واو بفزان (وهو الذي روى القصة) وفي الكفرة وجد الوفد قافلة من التجار من قبيلتي الزوية والمجابرة ، وتجار آخرين من طرابلس وبنغازي تتأهب للسفر الى السودان، فانضم الوفد الى هؤلاء التجار الذين تعودوا السير في الطرق الصحراوية ، ولهم خبرة جيدة بدروبها وعندما وصل المسافرون الى قلب الصحراء بالقرب من السودان قال بعض التجار الذين تعودوا المرور من هذا الطريق إننا سنمر بعد وقت قصير بطريق وعر لا مسلك لنا غيره ومن العادة - إلا في القليل النادر- يوجد فيه أسد ينتظر فريسته من القوافل التي تمر من هناك، وتعودت القوافل أن تترك له بعيراً كما يترك الانسان قطعة اللحم الى الكلاب أو القطط، وتمر القوافل بسلام واقترح المتحدث أن يشترك الجميع في ثمن بعير هزيل ويتركونه للاسد عند خروجه، فرفض عمر المختار بشدة قائلاً: ( إن الاتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أبطلت فكيف يصح لنا أن نعيد اعطاءها للحيوان إنها علامة الهوان والمذلة. إننا سندفع الاسد بسلاحنا اذا ما اعترض طريقنا ) وقد حاول بعض المسافرين أن يثنيه عن عزمه، فرد عليهم قائلاً: أنني أخجل عندما أعود وأقول أنني تركت بعيراً الى حيوان اعترض طريقي وأنا على استعداد لحماية ما معي وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته إنها عادة سيئة يجب أن نبطلها ، وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الاسد من مكانه الذي اتخذه على احدى شرفات الممر فقال أحد التجار وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك: أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا مشاكسة الأسد، فانبرى عمر المختار ببندقيته وكانت من النوع اليوناني ورمى الاسد بالرصاصة الاولى فأصابته ولكن في غير مقتل واندفع الاسد يتهادى نحو القافلة فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل فكان له ما أراد.

إن هذه الحادثة تدلنا على شجاعة عمر المختار وقد تناولتها المجالس يومذاك بمنتهى الاعجاب وقد سأل الاستاذ محمد الطيب الاشهب عمر المختار نفسه عن هذه الحادثة في معسكر المغاربة بخيمة السيد محمد الفائدي عن هذه الواقعة فأجاب بقوله: تريدني ياولدي أن أفتخر بقتل صيد قال لي ما قاله قديماً أحد الأعراب لمنافسه وقد قتل أسداً ( أتفتخر عليّ بانك قتلت حشرة ) وامتنع عمر المختار بقول الله تعالى :
{ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } (سورة الانفال).

إن جواب عمر المختار بهذه الآية الكريمة يدل على تأثره العميق بالقرآن الكريم، لأنه تعلم أن أهل الايمان والتوحيد في نظرتهم العميقة لحقيقة الوجود، وتطلعهم الى الآخرة ينسبون الفضل الى العزيز الوهاب سبحانه وتعالى، ويتخلصون من حظوظ نفوسهم، فهو الذي مرّ كثيراً على دعاء نبي الله يوسف عليه السلام:
{ رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والارض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً والحقني بالصالحين } (سورة يوسف: الآية 101).

وهو الذي تعلم من سيرة ذي القرنين هذا المعنى الرفيع والذي لابد من وجوده في الشخصية القيادية الربانية في قوله تعالى:
{ هذا رحمة من ربي. } (سورة الكهف، الآية 98)، فعندما بنى السد ، ورفع الظلم ، واعان المستضعفين نسب الفضل الى ربه سبحانه وتعالى.

إن عمر المختاركان صاحب قلب موصول بالله تعالى، فلم تسكره نشوة النصر، وحلاة الغلبة بعد ما تخلص من الاسد الاسطورة وازاح الظلم وقهر التعدي بل نسب الفضل الى خالقه ولذلك أجاب سائله بقوله تعالى:
{ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } (سورة الانفال، الآية 17) .

إن صفة الشجاعة ظهرت في شخصية عمر المختار المتميزة في جهاده في تشاد ضد فرنسا، وفي ليبيا ضد ايطاليا ويحفظ لنا التاريخ هذه الرسالة التي ارسلها عمر المختار رداً على رسالة من الشارف الغرياني الذي أكرهته ايطاليا ليتوسط لها في الصلح مع عمر المختار وايقاف الحرب.

( قال بعد البسملة والتصلية على رسول الله القائل أن الجنة تحت ظلال السيوف.

الى أخينا سيدي الشارف بن أحمد الغرياني حفظه الله وهداه، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ومغفرته ومرضاته. نعلمكم أن إيطاليا إذا أرادت أن تبحث معنا في أي موضوع تعتقد أنه يهمها ويهمنا فما عليها إلا أن تتصل بصاحب الأمر ومولاه سيدي السيد محمد إدريس ابن السيد محمد المهدي ابن السيد محمد السنوسي رضي الله عنهم جميعاً، فهو الذي يستطيع قبول البحث معهم أو رفضه، وأنتم لا تجهلون هذا بل وتعرفون إذا شئتم أكثر من هذا ومكان سيدي إدريس في مصر معروف عندكم وأما أنا وبقية الاخوان المجاهدين لا نزيد عن كوننا جند من جنوده لانعصي له أمراً ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن لايقدر علينا مخالفته فنقع فيما لانريد الوقوع فيه حفظنا الله وإياكم من الزلل نحن لا حاجة عندنا إلا مقاتلة أعداء الله والوطن وأعدائنا وليس لنا من الامر شيء إذا ما أمرنا سيدنا وولى نعمتنا رضي الله عنه ونفعنا به بوقف القتال نوقفه وإذا لم يأمرنا بذلك فنحن واقفون عند ما أمرنا به ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس المكسرين ( هؤلاء الآخرين هم المجندون من بعض الليبيين ) ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار وبخوا به الزروع النابتة في الأرض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون ونحن لا نريد لكم مايدفعكم إليه النصارى وظننا بكم خير والله يوفقنا ويهدينا وإياكم الى سبل الرشاد وإلى خدمة المسلمين ورضاء سيدنا رضي الله عنه وسلام الاسلام على من تبع الاسلام.

13 ربيع الثاني 1344هـ
نائب المنطقة الجبلية عمر المختار

ومحل الشاهد من هذه الرسالة قوله: ( ولا نخاف طيارات العدو ومدافعه ودباباته وجنوده من الطليان والحبش والسبايس ، ولا نخاف حتى من السم الذي وضعوه في الآبار ووضعوه على الزروع النابتة في الأرض نحن من جنود الله وجنوده هم الغالبون ).

إن صفة الشجاعة ملازمة لصفة الكرم، كما أن الجبن والبخل لا يفترقان ولقد حفظ لنا التاريخ عبارة جميلة كان يرددها عمر المختار بين ضيوفه : ( اننا لا نبخل بالموجود ولا نأسف لمفقود ).

لقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة بمدح الكرم والانفاق وذم البخل والامساك، قال تعالى :
{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } (سورة السجدة، آية 16).

لم تكن همة عمر المختار منصرفة الى جمع المال والثروة والغنى وإن كان قد ورث عن والده بعض الماشية إلا أنه تركها في رعاية بعض أقاربه في القبيلة وترك أرضه وموطنه منذ أن كان عمره 16 عاماً، وكان طيلة فترة إقامته في معهد الجغبوب تتكفل إدارة المعهد بمصروفاته وبعد أن تزوج وكوّن أسرة أصبح مورد رزقه مايتحصل عليه من نتاج الحيوانات القليلة ولم يكن يوماً من الأيام متفرغاً لجمع المال، وإنما عاش للعلم والدعوة والجهاد، وانشغل عن جمع الاموال والثروات وقضى حياته فقيراً مقتنعاً بما رزقه الله من القناعة والرضى بالكفاف وكان يبذل مافي وسعة لضيوفه وجنوده وينفق على أفراد جيشه ما لايخشى الفقر، ويقدم إخوانه على نفسه وأصبح شعاره ( إننا لا نبخل بالموجود ولا نأسف لمفقود ).


الدعوة والجهاد قبل الاحتلال الايطالي

تفوق عمر المختار على اقرانه بصفات عدة منها، متانة الخلق، ورجاحة العقل، وحب الدعوة، ووصل أمره الى الزعيم الثاني للحركة السنوسية محمد المهدي السنوسي فقدمه على غيره واصطحبه معه في رحلته الشهيرة من الجغبوب الى الكفرة عام 1895م وفي عام 1897م أصدر محمد المهدي قراراً بتعيين عمر المختار شيخاً لزاوية القصور بالجبل الأخضر قرب المرج، وقام عمر المختار بأعباء المهمة خير قيام، فعلمّ الناس أمور دينهم، وساهم في فض النزعات بين القبائل وعمل على جمع كلمتهم وسعى في مصالحهم ، وسار في الناس سيرة حميدة، فظهر في شخصيته أخلاق الدعاة من حلم وتأني، وصبر، ورفق، وعلم ، وزهد.

ومما تجدر الاشارة إليه أن وقوع الاختيار عليه للقيام بأمور هذه الزاوية كان مقصوداً من قبل قيادة الحركة السنوسية حيث أن هذه الزاوية كانت في ارض قبيلة العبيد التي عرفت بقوة الشكيمة، وشدة المراس، فوفقه الله في سياسة هذه القبيلة ، ونجح في قيادتها بفضل الله وبما أودع الله فيه من صفات قيادية من حكمة وعلم وحلم وصبر واخلاص.

إن الفترة التي قضاها في زاوية القصور تدلنا وتشهد لنا على أعماله الجليلة ؛ كداعية رباني يدعو الى الاسلام ونشره بالفكرة والاقناع والارشاد التوجيه، فهو قمة شامخة في هذا المجال، فهو لم يدخل مجال الدعوة والارشاد إلا بعد أن تعلم من أمور دينه الكثير، فشق طريق الدعوة بزاد علمي، وثقافة متميزة، وتفوق روحي، ورجاحة عقل، وقوة حجة ورحابة صدر، وسماحة نفس لقد كان حريصاً على تعلم العلم والعمل به وتعليمه وعندما زحف الاستعمار الفرنسي على مراكز الحركة السنوسية في تشاد، نظمت الحركة السنوسية نفسها وأعدت للجهاد عدتها، واختارت من القادة من هم أولى بهذا العمل الجليل، فكان عمر المختار من ضمنهم فقارع الاستعمار الفرنسي مع كتائب الحركة السنوسية المجاهدة في تشاد وبذل مافي وسعه حتى لفت الانظار الى حزمه وعزمه وفراسته وبعد نظره وحسن قيادته فقال عنه محمد المهدي السنوسي: ( لو كان لدينا عشرة مثل المختار لاكتفينا ).

وبقي عمر المختار في تشاد يعمل على نشر الاسلام ودعوة الناس وتربيتهم الى جانب جهاده ضد فرنسا، فحمل الكتاب الذي يهدي بيد والسيف الذي يحمي باليد الاخرى، وظهرت منه شجاعة وبطولة وبسالة نادرة في الدفاع عن ديار المسلمين، وكانت المناطق التي يتولى أمرها أمنع من عرين الاسد، ولا يخفى مافي ذلك من ادراك القيادي المسلم لواجبه تجاه دينه وعقيدته وأمته.

وعندما أصيبت الأبل التي كانت تحمل الاثقال للمجاهدين بمرض الجرب، وكان عددها لا يقل عن أربعة آلاف بعير وكانت تلك الابل هي قوام الحياة بالنسبة للمجاهدين واهتم السيد المهدي السنوسي بشأن علاجها ووقع اختياره على عمر المختار ليكون المسؤول عن هذه المهمة التي شغلت بال المجاهدين، فأمره بأن يذهب بالابل الى موقع (عين كلك) نظراً لوفرة مائه ولصلاحيته، وكان على عمر المختار مهمة اخرى وهي الاحتياط والحرص الشديد واتخاذ التدابير اللازمة للدفاع، واختار عمر المختار من المجاهدين مجموعة خيرة، وذهب لتنفيذ أمر القيادة وكان توفيق الله له عظيماً في مهمته العسيرة فنال أعجاب السيد المهدي.

وفي عام 1906م رجع عمر المختار بأمر من القيادة السنوسية الى الجبل الاخضر ليستأنف عمله في زاوية القصور، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، فقد بدأت المعارك الضارية بين الحركة السنوسية والبريطانيين في منطقة البردى ومساعد والسلوم على الحدود الليبية المصرية. ولقد شهد عام 1908م أشد المعارك ضراوة وانتهت بضم السلوم الى الأراضي المصرية تحت ضغوط بريطانيا على الدولة العثمانية، وعاد الشيخ عمر المختار الى زاوية القصور وبرزت شخصيته بين زملائه مشايخ الزوايا، وبين شيوخ وأعيان القبائل، ولدى الدوائر الحكومية العثمانية، وظهرت مقدرته في مهمته الجديدة بصورة تلفت النظر، وأصبح متميزاً في حزمه في ادارة الزاوية وفي تعاونه مع زملائه الآخرين وفي معالجته للمشاكل القبلية، وفي ميدان الاصلاح العام مضرباً للامثال.

وكانت تربطه صلات شخصية مع عدد كبير من زعماء، وأعيان القبائل في برقة، وكذلك زعماء المدن، وكان زعماء البراعصة يحبون عمر المختار حباً نابعاً من قلوبهم في حين أنهم لم يكونوا من القبائل التابعة لزاويته ، وارتبطت علاقاته الاخوية مع شيوخ الزوايا كالسادة السنوسي الأشهب شيخ زاوية مسوس، وعمران السكوري شيخ زاوية المرج، وعبد ربه بوشناف الشيخي، والحسن الغماري شيخ زاوية دريانه.


الشيخ عمر المختار في معاركه الأولى ضد إيطاليا

عندما اندلعت الحرب الليبية الايطالية عام 1911م كان عمر المختار وقتها بواحة (جالو) خفّ مسرعاً الى زاوية (القصور) وامر بتجنيد كل من كان صالحا ًللجهاد من قبيلة العبيد التابعة لزواية (القصور) ، فاستجابوا نداءه، واحضروا لوازمهم، وحضر أكثر من ألف مقاتل، وكان عيد الاضحى من نفس السنة الهجرية على الأبواب أي لم يبق عنه إلا ثلاثة أيام فقط، ولم ينتظر السيد عمر المختار عند أهله حتى يشاركهم فرحة العيد، فتحرك بجنوده وقضوا يوم العيد في الطريق وكانت الذبائح التي اكل المجاهدين من لحومها يوم العيد من السيد عمر المختار شخصياً، ووصل المجاهدون وعلى راسهم عمر المختار وبرفقته احمد العيساوي الى موقع بنينه حيث معسكر المجاهدين الذي فرح بقدوم نجدة عمر المختار ورفقائه ثم شرعوا يهاجمون العدو ليلاً ونهاراً وكانت غنائمهم من العدو تفوق الحصر وقد بينت دور الزوايا في جهادها ضد ايطاليا في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية والذي سميته سيرة الزعمين محمد المهدي السنوسي ، وأحمد الشريف.

ويذكر الشيخ محمد الأخضر العيساوي بأنه كان قريباً من عمر المختار في معركة السلاوي عام 1911م فوصف لنا بعض احداث تلك المعركة فقال: (..وقد فاجأنا العدو فقابله من المجاهدين الخيالة، بينما كان العدو يضربنا بمدافعه الرشاشة واضطررنا للنزول في مكان منخفض مزروعاً بالشعير وكانت السنابل تتطاير بفعل الرصاص المنهمر، فكأنها تحصد بالمناجل، وبينما نحن كذلك إذ رأينا مكاناً منخفضاً أكثر من المكان الذي نحن فيه، وأردنا أن يأوى إليه السيد عمر المختار بسبب خوفنا عليه فرفض بشدة حتى جاءه احد أتباعه يدعى السيد الأمين ودفعه بقوة الى المكان الذي اخترناه لايوائه وحاول الخروج منه فمنعناه بصورة جماعية ).

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:37 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

وأشار الشيخ محمد الأخضر الى إعجاب الضباط الأتراك به وبشجاعته وبالآراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية عسكرية، وكان قدومه الى معسكرات المجاهدين مشجعاً وباعثاً للروح المعنوية في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطاليا، وكان عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي، وبعد هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد ادريس وقام بواجباته خير قيام وبعد هجرة الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الاخضر، وأخذ في تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبدأ جولاته في أنحاء المنطقة للاتصال بالاهالي وزعمائهم، بل وبالأفراد كخطوة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس الوقت، وقام بفتح باب التطوع للجهاد، فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة وتلهف على مجابهة العدو الغادر، وكانت ترافقه لجنة مكونة من أعيان وشيوخ قبائل المنطقة (البراغيث، والحرابي، والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم وكان من بينهم ؛ بوشديق بومازق حدوث، الصيفاط بوفروة، محمد بولقاسم جلغاف، حمد الصغير حدوث، دلاف بوعبدالله، محمد العلواني، سويكر عبدالجليل، موسى بوغيضان، الغرياني عبدربه بوشناف، عبدالله الخرساني، عوض العبيدي، رجب بوسيحة، رواق بودرمان، كريم بوراقي ، قطيط الحاسي، وغير هؤلاء من علية القوم، فزار أغلب منطق الجبل والبطنان، وكان سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م) وما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذه ويطمئن للنتائج حتى قرر الالتحاق بسمو الامير في مصر ليعرض عليه نتيجة عمله ويتلقى منه التوجيهات اللازمة

كما أشار الشيخ محمد الأخضر الى إعجاب الضباط الأتراك به وبشجاعته وبالآراء السديدة التي تصدر عنه فكأنما هي تصدر من قائد ممتاز تخرج عن كلية عسكرية، وكان قدومه الى معسكرات المجاهدين مشجعاً وباعثاً للروح المعنوية في قوة خارقة وقد تحدثت في سيرة احمد الشريف في الجزء الثاني عن الحركة السنوسية عن حركة الجهاد في أيامها الأولى ضد ايطاليا، وكان عمر المختار من المقربين للشيخ احمد الشريف السنوسي، وبعد هجرته لازم عمر المختار الأمير محمد ادريس وقام بواجباته خير قيام وبعد هجرة الأمير الى مصر تولى أمر القيادة العسكرية بالجبل الاخضر، وأخذ في تهيئة النفوس لمجابهة العدو وبدأ جولاته في أنحاء المنطقة للاتصال بالاهالي وزعمائهم، بل وبالأفراد كخطوة اولى للعمل الجديد الشاق في نفس الوقت، وقام بفتح باب التطوع للجهاد، فأقبل الليبيين من ابناء قبائل الجبل بوجوه مستبشرة وقلوب مطمئنة وتلهف على مجابهة العدو الغادر، وكانت ترافقه لجنة مكونة من أعيان وشيوخ قبائل المنطقة (البراغيث، والحرابي، والمرابطين) لمساعدته في عمله العظيم وكان من بينهم ؛ بوشديق بومازق حدوث، الصيفاط بوفروة، محمد بولقاسم جلغاف، حمد الصغير حدوث، دلاف بوعبدالله، محمد العلواني، سويكر عبدالجليل، موسى بوغيضان، الغرياني عبدربه بوشناف، عبدالله الخرساني، عوض العبيدي، رجب بوسيحة، رواق بودرمان، كريم بوراقي ، قطيط الحاسي، وغير هؤلاء من علية القوم، فزار أغلب منطق الجبل والبطنان، وكان سمو الأمير قد وصل الى مصر (يناير 1923م) وما كاد السيد عمر ينتهي من جولته هذه ويطمئن للنتائج حتى قرر الالتحاق بسمو الامير في مصر ليعرض عليه نتيجة عمله ويتلقى منه التوجيهات اللازمة.


سفره الى مصر

سافر في شهر مارس 1923م الى مصر بصحبة علي باشا العبيدي وترك رفقائه عند بئر الغبي حتى يعود إليهم، واستطاع اجتياز الحدود المصرية وتمكن من مقابلة السيد ادريس بمصر الجديدة ، وكان عمر المختار عظيم الولاء للسنوسية وزعمائها وشيوخها وظهر ذلك الولاء في إقامته بمصر عندما حاول جماعة من قبيلة المنفة وهي قبيلة السيد عمر المختار، وكانوا قد اقاموا بمصر، أن يقابلوا السيد عمر للترحيب به، فاستفسر المختار قبل ان يأذن لهم بذلك عما أذا كانوا قد سعوا لمقابلة الأمير عند حضوره الى مصر، فلما أجاب هؤلاء بالنفي معتذرين بأن أسباباً عائلية قهرية منعتهم من تأدية هذا الواجب رفض المختار مقابلتهم قائلاً: (وكيف تظهرون لي العناية وتحضرون لمقابلتي وأنتم الذين تركتم شيخي الذي هو ولي نعمتي وسبب خيري. أما وقد فعلتم ذلك فإني لا أسمح لكم بمقابلتي ولا علاقة من الآن بيني وبينكم).

فما إن بلغ السيد ادريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من أبناء قبيلته حتى أصدر امره بمقابلتهم فامتثل المختار لامره.

حاولت ايطاليا بواسطة عملائها بمصر الاتصال بالسيد عمر المختار وعرضت عليه بأنها سوف تقدم له مساعدة إذا ماتعهد باتخاذ سكنه في مدينة بنغازي أو المرج، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف ايطاليا، وأن حكومة روما مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الاولى في ليبيا كلها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتع بمكانتها عند ايطاليا في طرابلس وبنغازي، وإذا ما اراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئاً ويقطع علاقته بادريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهد حكومة روما بان توفر له راتباً ضخماً يمكنهّ من حياة رغدة، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتم كل شيء بدون ضجيج تطميناً لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الاهالي بالاقلاع عن فكرة القيام في وجه ايطاليا، وقد أكد عمر المختار هذا الاتصال وهو في مصر لما سئل عن ذلك وقال: ثقوا أنني لم أكن لقمة طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغير من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإن الله سيخيبه، ومن (طياح سعد) إيطاليا ورسلها هو جهلها بالحقيقة. وأنا لم اكن من الجاهلين والموتورين فادعي أنني أقدر أعمل شيئاً في برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤسهم ويدعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، انني أعيذ نفسي من أن أكون في يوم من الايام مطية للعدو وأذنابه فأدعوا الأهالي بعدم الحرب ضد الطليان، وإذا لاسمح الله قدّر عليّ بأن أكون موتوراً فإن اهل برقة لايطيعون لي امراً يتعلق بإلقاء السلاح إنني أعرف أن قيمتي في بلادي إذا ماكانت لي قيمة أنا وأمثالي فأنها مستمدة من السنوسية.

لقد استمرت عروض الايطاليين على عمر المختار حتى بعد رجوعه للبلاد وحاولوا استمالته بالمال الطائل، والمناصب الرفيعة ، والجاه العريض في ظل حياة رغيدة ناعمة ولكنهم لم يفلحوا ، لقد كان عمر المختار رجل عقيدة، وصاحب دعوة ومؤمناً بفكرة استمدت اصولها وتصوراتها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ، ويفهم جيداً معنى قول الله تعالى:
{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً} (الاسراء ، الآية ).

وحين خرج السيد عمر المختار من مصر قاصداً برقة لمواصلة الجهاد اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنه قد بلغ من الكبر عتيا وان الراحة والهدوء ألزم له من أي شيء آخر وأن باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعم حركة الجهاد في برقة، فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً فاصلاً فقال لمحدثيه: (إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي لأن ما أسير فيه إنما هو طريق خير ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكها، وكل من يحاول ذلك فهو عدو لي).

كان عمر المختار يعتقد اعتقاداً راسخاً أن ماكان يقوم به من الجهاد إنما هو فرض يؤديه وواجب ديني لامناص منه ولا محيد عنه ولذلك أخلص في عمله وسكناته واحواله وأقواله لقضية الجهاد في ليبيا وكان يكثر من الدعاء لله تعالى بأن يجعل موته في سبيل هذه القضية المباركة، فكان يقول: (اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة) ، وأصر على البقاء في أرض الوطن الحبيب وقال: (لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي والموت أقرب الى من كل شيء فإني أترقبه بالدقيقة).

وعندما عرض عليه أن يترك ساحة الجهاد، ويسافر الى الحج قال : (لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي وان ثواب الحج لايفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة).

وقال: (كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه، وليس لغرض اشخاص وإنما هو لله وحده).

إن هذه الكلمات التي كتبت بماء الذهب على صفحات تاريخنا المجيد نابعة من فهم عمر المختار لقوله تعالى:
{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لايستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين`الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم`خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم} (سورة التوبة، الآيات 29، 20،21).

ومن فهمه لأحاديث رسول الله : (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

ولقوله : (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد).

إن هذه الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، كانت المنهج العقدي والفكري الذي تربت عليها كتائب المجاهدين وقادتها الكرام الذين تربوا في احضان الحركة السنوسية.

تم الاتفاق بين الأمير ادريس وعمر المختار على تفاصيل الخطة التي يجب أن يتبعها المجاهدون في جهادهم ضد العدو الغاشم المعتدي على اساس تشكيل المعسكرات، واختيار القيادة الصالحة لهذه الادوار، وأن تظل القيادة العليا من نصيب عمر المختار نفسه وزوده الأمير بكتاب الى السيد الرضا بهذا المعنى وتم الاتفاق على بقاء الامير في مصر ليقود العمل السياسي، ويهتم بأمر المهاجرين ويضغط على الحكومة المصرية والانكليزية بالسماح للمجاهدين بالالتجاء الى مصر، ويشرف على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر، ويرسل الارشادات والتعليمات اللازمة الى عمر المختار في الجبل واتفق على أن يكون الحاج التواتي البرعصي حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد، وبعد ذلك الاتفاق غادر عمر المختار القاهرة، وعند وصوله الى السلوم وجد بعض رفقائه في انتظاره، فأخذ الجميع حاجتهم من المؤن الكافية لرحلتهم الى الجبل الأخضر وغادروا السلوم الى برقة.

وحدث في أثناء وجود عمر المختار أن اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركتين كبيرتين في بير بلال والبريقة في ذي القعدة 1341هـ/ 1923م ، فأنتصر المجاهدون على الطليان في معركة بير بلال بقيادة المجاهد قجة عبدالله السوداني واستشهد كل من المهدي الحرنة، والشيخ نصر الأعمى وغيرهم، وقد ساهم في هذه المعركة صالح الاطيوش، والفضيل المهشهش وكانت نفقات المجاهدين في هذه المعركة على حساب الفضيل المهشهش ووقعة معركة البريقة بعد بير بلال بأربعة أيام واستشهد فيها من أبطال الجهاد ابراهيم الفيل.

ومع هذه الانتصارات إلا أن الطليان استطاعوا احتلال اماكن للمجاهدين في برقة، وزحفوا على معسكر العواقير بموقع البدين وبعد معركة شديدة كبدت الطرفين خسائر فادحة انسحب المعسكر الى اجدابية واستمر الزحف الايطالي يلاحق المجاهدين حتى اشتبك مع طلائع معسكر المغاربة في الزويتينه؛ ولم يطل الدفاع عنها حتى احتلها الطليان وواصلوا زحفهم الى اجدابية حيث احتلوها في (ابريل 1923م).


معركة بئر الغبي

كانت عيون ايطاليا تترصد حركة عمر المختار في عودته الى برقة ولكنها فشلت في اللقاء به قبل أن يصل الى رفاقه وما كاد يصل الى بئر الغبي حتى فؤجئ بعدد من المصفحات الايطالية وإليك أحداث المعركة كما رواها عمر المختار بنفسه: (كنا لانتجاوز الخمسين شخصاً من المشايخ والعساكر وبينما تجمع هؤلاء حولنا لسؤالنا عن صحة سمو الامير، وكنا صائمين رمضان وإذا بسبعة سيارات ايطالية قادمة صوبنا فشعرنا بالقلق لأن مجيئها كان محل استغرابنا ومفاجأة لم نتوقعها، وكنا لم نسمع عن هجوم الطليان على المعسكرات السنوسية، واحتلالهم اجدابية، فأخذنا نستعد في هدوء والسيارات تدنوا منا في سير بطيء فأراد علي باشا العبيدي أن يطلق الرصاص من بندقيته ولكنني منعته قائلاً: لابد أن نتحقق قبلاً من الغرض ونعرف شيئاً عن مجيء هذه السيارات كي لانكون البادئين بمثل هذه الحوادث وبينما نحن في أخذ ورد وإذا بالسيارات تفترق في خطة منظمة المراد منها تطويقنا، وشاهدنا المدافع الرشاشة مصوبة نحونا فلم يبق هنا أي شك فيما يراد بنا فأمطرناهم وابلاً من رصاص بنادقنا، وإذا بالسيارات قد ولت الادبار الى منتجع قريب منا وعادت بسرعة تحمل صوفا، ولما دنت منا توزعت توزيعاً محكماً وأخذ الجنود ينزلون ويضعون الأصواف (الخام) أمامهم ليتحصنوا بها من رصاصنا وبادرنا بطلق الأعيرة فأخذ علي باشا يولع سيجارة وقلت له رمضان ياعلي باشا منبهاً إياه للصوم فأجابني قائلاً: (مو يوم صيام المنشرزام).

وفي أسرع مدة انجلت المعركة عن خسارة الطليان وأخذت النار تلتهم السيارات إلا واحدة فرت راجعة، وغنمنا جميع ماكان معهم من الأسلحة).

واستمر المجاهدون في سيرهم حتى بلغوا الجبل الاخضر ووصلوا الى زاوية القطوفية (مكان معسكر المغاربة) وقابلهم صالح الاطيوش والفضيل المهشهش، ووقف عمر المختار على تفاصيل معركة البريقة وحال المجاهدين ثم واصل سيره الى جالو مقر السيد محمد الرضا ليبلغ التعليمات التي أخذها من سمو الامير.

وبعد اللقاء بين عمر المختار والسيد الرضا اتفقا على تنظيم حركة الجهاد وإنشاء المعسكرات في الجبل الاخضر واقترح عمر المختار على الرضا أن يرسل ابنه الصديق الى معسكر المغاربة عند صالح الاطيوش ومعسكر العواقير بقيادة قجة عبدالله السوداني، وهي معسكرات قريبة من بعضها ثم غادر عمر جالو الى الجبل الاخضر وشرع في تشكيل المعسكرات للمجاهدين ، وأنشئت معسكرات البراعصة والعبيد والحاسة، فاختار الرضا حسين الجويفي البرعصي لقيادة البراعصة، ويوسف بورحيل المسماري لمعسكر البراغيث والفضيل بوعمر لمعسكر الحاسة وأصبح عمر المختار القائد الأعلى لتلك المعسكرات.

وبدأ الجهاد الشاق والطويل واستمر متصلاً ومن غير هوداة حوالي ثمانية اعوام.

وكانت عامي 1924م، 1925م قد شاهدت مناوشات عدة ومعارك دامية، ووسع المجاهدون نشاطهم العسكري في الجبل الاخضر ولمع اسم عمر المختار نجمه كقائد بارع يتقن اساليب الكر والفر ويتمتع بنفوذ عظيم بين القبائل وأخذ العرب من أبناء القبائل ينضمون الى صفوف المجاهدين وبادرت القبائل بإمداد المجاهدين بما يحتاجون من مؤن وعتاد وأسلحة، وكان لقبائل العبيد، والبراعصة، والحاسة والدرسة والعواقير وأولاد الشيخ والعوامة، والشهيبات والمنفا والمسامير أكبر نصيب في حركة الجهاد.

كان معسكر البراغيث هو مركز الرياسة العامة ومقر القائد العام عمر المختار: وهو النواة الاولى وحجر الاساس لمعسكرات الجبل الاخضر الثلاثة وكان عمر المختار يلقب بنائب الوكيل العام، وكان السيد يوسف بورحيل يعرف بوكيل النائب وهكذا فقد تنظم الجهاز الحكومي في هذه المنطقة الواسعة بتشكيل المحاكم الشرعية والصلحية وإدارة المالية (المحاسبة، والارزاق وجباية الزكاة الشرعية والخمس من الغنائم) واستمر التعاون بين هذه المعسكرات الثلاثة وفروعها في السراء والضراء وأخذت تقوم بحركات عظيمة ضد العدو وشن الغرة عليه في معاقله؛ كما كانت تتصدى لزحفه عليها، فتهجم حيناً ، وتنسحب حيناً آخر حسب ظروف الحرب.

أصبح تفكير إيطاليا محصوراً في برقة التي لم يتمكن الطليان منذ زحفهم على اجدابية سنة 1923م من احتلال مواقع تذكر عدا مدينة اجدابية ولذلك اهتمت ايطاليا ببرقة وانحصرت مجهوداتها في الفترة الواقعة بين سنة 1923م وبين 1927م على معسكرات عمر المختار الذي لم يخرج يوماً من معركة إلا ليدخل في معركة أخرى.

وفي 1927م وقع الوكيل العام السيد رضا المهدي السنوسي في الأسر بطريق الخديعة والخيانة والغدر وسقطت مناطق برقة الحمراء والبيضاء تدريجياً.

كانت قيادة الجيش الايطالي في برقة قد بدلت وتولى أمرها لتنفيذ الخطة الجديدة التي تستهدف ضرب الحصار على حركة الجهاد في الجبل الاخضر (ميزتي) كما استبدل والي بنغازي الايطالي (مومبيلي) بخلفه الجنرال (تيروتس) وهو من زعماء الحزب الفاشيستين وزود الجنرال ميزتي بعدد كبير من الجنرالات وكبار الضباط وأركان الحرب لمساعدته وفي نفس السنة تقدمت القوات الايطالية من طرابلس بقيادة الجنرال غرسياني فاحتلت واحة الجفرة والقسم الاكبر من فزان واشتبكت قبائل المغاربة بزعامة صالح الاطيوش وقبائل اولاد سليمان بزعامة عبدالجليل سيف النصر، ودور حمد بك سيف النصر، وبعض اللاجئين الى تلك الجهات من قبائل العواقير بزعامتي عبدالسلام باشا الكزة، والشيخ سليمان رقرق، ودخلت هذه القبائل في معارك بجهات الخشة وكان الغلبة فيها للجيش الايطالي الزاحف فالتجأ المجاهدون الى منطقة الهاروج من الصحراء ومن ثم اشتركوا مع العدو في معارك عنيفة منها معركة الهاروج، ومعركة جبل السوداء، ومعركة قارة عافية وكان من بين من حضروا هذه المعركة الاخيرة السيد محمود بوقويطين أمير اللواء وقائد عام قوة دفاع برقة في زمن المملكة الليبية المتحدة، والسيد السنوسي الاشهب.

كانت القيادة الايطالية حريصة على الاستيلاء على فزان فخرجت في اواخر يناير 1928م قوتان .. احدهما من غدامس والاخرى من الجبل الاخضر، وكان الجيش بقيادة غراسياني والتحم المجاهدون مع ذلك الجيش في معركة دامية استمرت خمسة أيام بتمامها، انهزم فيها الطليان شر هزيمة فتقهقروا تاركين مالديهم من مؤن وذخائر ثم مالبث أن خرجت قوة اخرى قصدت فزان مباشرة، فعلم المجاهدون بامرها بعد خروجها بثلاث أيام وانسحبوا الى الداخل، حتى اذا وصل هذا الجيش الجديد الى مكان يقع بين جبلين يعرفان بالجبال السود انقض المجاهدون على الطليان وأرغموهم على التقهقر، فعمل قواد الحملة الى الفرار بسياراتهم تاركين وراءهم الجيش ، الذي وقع أكثره في قبضة المجاهدين، فأستأصلوهم عن آخرهم، وعندئذ لم يجد الطليان مناصا من أن يجددوا محاولتهم ، فخرجت هذه المرة قوات عظيمة من جهات متعددة غير أن الطليان ما لبثوا ان انهزموا في هذه المعارك وتركوا وراءهم غنائم وأسلابا كثيرة ، وجدد الطليان المسعى وخرجوا من الجفرة في 30 فبراير 1928م بجيش كبير وزحفوا على زله واحتلتها في 22 فبراير وواصلت القوات الايطالية سيرها واحتلت آبار تقرفت في 25 فبراير واستمرت العمليات وانتهت باحتلال مراده، واصبحت زلة وجالو، واوجله ومراده تحت سيطرتهم، ومما ساعد الطليان على احتلالهم لتلك الواحات سقوط الجغبوب قبل ذلك في ايديهم، وسياستهم الرامية لتفتيت الصف بواسطة بعض عملائهم وكان الطليان يبذلون الأموال والوعود لزعماء القبائل، لوقف القتال وقد نجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً.

كان احتلال الجغبوب ، جالو، اوجلو، وفزان وغيرها من الواحات قد جعل عمر المختار في عزلة تامة في الجبل الاخضر ومع هذا ظل عمر المختار يشن الغارات على درنة وماحولها حتى أرغم الطليان على الخروج بجيوشهم لمقابلته ، فاشتبك معهم في معركة شديدة استمرت يومين كان النصر فيها حليفه وفرّ الطليان تاركين عدداً من السيارات والمدافع الجبلية وصناديق الذخيرة والجمال، ودواب النقل.

وكانت القبائل تتعاون مع قائد حركة الجهاد تمده بالرجال، والمؤن والمعلومات وعلى سبيل المثال كان حامد عبدالقادر المبروك من شيوخ قبيلة المسامير يمد المختار بالمعلومات المهمة دون تأخر، ويشارك في عمليات الجهاد مع أبناء قبيلته بدون علم الطليان ويرجع من كتبت له الحياة إلى موطنه ويستشهد من يستشهد وكان زعماء القبائل التابعة للحركة السنوسية يجمعون الاعشار والزكاة ويمدون بها حركة الجهاد بالرغم من وجود الكثير منهم تحت السلطات الإيطالية، وخصوصاً من كان في المدن كبنغازي، والمرج، ودرنة، وطبرق وغيرها، وكانت وسائل مد المجاهدين بأموال الزكاة والأعشار تتم في غاية السرية وعجزت المخابرات الإيطالية عن اكتشاف اللجان الخاصة بالدعم المالي للمجاهدين، ومن وقع في أيدي السلطات الإيطالية كانت عقوبة الإعدام وكانت الغنائم تمثل مصدراً مهماً لتمويل حركة الجهاد في فترة عمر المختار، ومعظم الغنائم تم الحصول عليها في المعارك التي تمكن فيها المجاهدون من هزيمة الإيطاليين مثل معركة الرحيبة في مارس 1927م وقد وصف حافظ إبراهيم هذا المصدر في أبياته الشعرية فقال:




حاتـم الطليـان قـد قلدتـنـامنـة نذكرهـا عامـاً فعامـا
أنـت أهديـت إلينـا عــدةولباسـاً وشرابـاً وطعـامـاً
وسلاحـاً كـان فـي أيديكـمذا ملال فغدا يفـري العظامـا
أكثروا النزهـة فـي أحيائنـاوربانا إنهـا تشفـى السقامـا
لست أدري بت ترعـى أمـةمن بني الطليان أم ترعى سواما
وقال الأستاذ أحمد كاشف ذو الفقار:
يـآل رومـة تطلبـون أمانيـاًختالـة أم تطلبـون منـونـا
جئتم تجرون الحديـد ورحتـمبحديدكم فـي اليـم مغلولينـا
ورقصتم فيه سكارى فارقصوافي الليلة السـوداء مذبوحينـا
لكن استفزكم صليـل سيوفكـمفلقـد تبـدل زفـرة وأنيـنـا
إلــــــى أن قــــــال:
هاتوا الذئاب إلى الليوث فخمسةمنهم أبـادوا منكـم خمسينـا
واستجمعوا حيتانكم ونسوركـمفالصائدون هنـاك مرتقبـون
واستكثروا الزاد الشهي فإنكـموسلاحكـم والـزاد مأخوذينـا
لم يبق منهم معسر أو أعـزلبعد الذي غنمـوه منتصرينـا
واستكملوا المدد الكبيـر بفتيـةسيقوا إلـى الهيجـاء هيابينـا
أحسبتم بطحـاء برقـة حانـةلكم وغزو القيـروان مجونـا




وكانت كل عائلة قد أخذت على عاتقها تزويد مجاهديها بما يلزم من شؤون وملابس، ترسله شهرياً إلى الدور (المعسكر).

وكان الأمير ادريس يتحين الفرص لتزويد المجاهدين فقد ذكر الأشهب بأن قافلة وصلت للمجاهدين قادمة من مصر وكان فيها سليمان العميري (من قبيلة أولاد علي) وبو منيقر المنفى (من رفاق عمر المختار) يحملان رسائل من سمو الأمير وكانت القافلة محملة بالأرز والدقيق والسكر والشاي وبعض الملابس، وكان الطيب الأشهب موجوداً في معسكر المجاهدين وقت وصول القافلة وقد ذكر صاحب كتاب حياة عمر المختار بأن قافلة استطاعت أن تخرج من السلوم محملة بمختلف العتاد والمؤن قاصدة معسكر المجاهدين في الجبل الأخضر، فعلم الطليان بذلك وأرسلوا سياراتهم المسلحة لتعقبها، ولكن المجاهدين صمدوا لهم، وأطلقوا رصاص بنادقهم على العجلات فتعطلت السيارات، وعندئذ انقض المجاهدون على القوة الإيطالية فأبادوها عن آخرها وكان ذلك في عام 1928م. وكان المجاهدون يستفيدون من تلك المصادر ويقومون بشراء حاجيات المجاهدين من الأسواق في المدن والقرى، ويشترون مايلزمهم من المؤن، والأسلحة ويجمعون المعلومات عن تحركات العدو العسكرية، كل هذه الأعمال يقوم بها أتباع عمر المختار وبمساعدة سكان المدن والقرى الذين يخفون المجاهدين في بيوتهم ومخيماتهم، وكان المتطوعون يتدفقون على معسكرات الجهاد، وكانوا يعتمدون على أنفسهم في توفير السلاح ووسيلة الركوب والتموين، وكان نظام الأدوار (المعسكرات) يتميز بالآتي:

1- يلتزم كل دور بتوفير التموين اللازم لأفراده، فهم بالإضافة إلى اشتراكهم في عمل واحد هم أبناء عشيرة واحدة مترابطة، ويوجد بالدور أشخاص، مكلفون بجباية الزكاة وجمع الأعشار، وهؤلاء يقومون بعملهم بناء على تكليف كتابي من عمر المختار وهم بدورهم يجرون اتصالات (كوشان) بقيمة المبالغ والأشياء التي استلموها.

وعين لكل دور رئيس إدارة يشرف على تموين الدور من حيث التوزيع والتخزين والتدبير وتسلم الأموال والتبرعات التي تصل لقيادة الدور، فقد عين عمران راشد القطعاني رئيساً لإدارة دور البراعصة والدرسة وعين التواتي العرابي رئيساً لإدارة دور العبيدات والحاسة، وعين الصديق بو هزاوي مأموراً للأعشار ويتبع عمر المختار مباشرة وعين داود الفسي رئيساً لإدارة دور العواقير.

2- يقوم كل دور بتعويض الشهداء من المقاتلين بآخرين من قبائلهم وهكذا لايتأثر الدور كثيراً لفقد الشهداء، فبعد كل معركة يتم حصر الشهداء وإلى أي القبائل ينتمون ثم يرسل إلى كل قبيلة العدد الذي يجب أن تعوضه عن شهدائها، وإذا لم تجد العدد المطلوب تدفع لقيادة الجهاد 1000 فرنك عن كل شهيد لكي يجند بها العدد اللازم.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:37 AM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

3- تتبارى مجموعات القبائل في تقديم البطولات والتضحيات حتى لاتكون موضع سخرية واستهزاء أمام بقية القبائل، وكان المجاهد الليبي يغضب غضباً شديداً ويحزن إذا فاته الإشتراك في إحدى المعارك أو تخلف عنها لسبب من الأسباب، وابراهيم الفيل العريبي نموذج لهؤلاء فقد فاته أن يشارك في معركة بلال فحزن حزناً شديداً، إلا أن قادة الجهاد طمأنوه وقالوا له: إن أيام الجهاد كثيرة، وفي اليوم التالي جرت معركة البريقة فاشترك فيها وهجم بفرسه على سيارات الأعداء وصار يقاتل حتى أكرمه الله بالشهادة.

4- يسهل على كل دور توفير الحماية اللازمة لذويه عن طريق الدوريات، والرباطات التي تراقب تحركات القوات الإيطالية أو أية تحركات غير عادية لمعرفتهم بمسالك المنطقة ودروبها وأماكن المياه بها، فعندما يحل الدور بمنطقة ما يضع دورية في كل اتجاه لتراقب وضع القوات الإيطالية في تلك المنطقة وتغطى أخبار تحركاتها للمجاهدين أولاً بأول حتى يكونوا على علم باتجاه وتحركات العدو، وحين يلتقي أفراد الدورية بالأعداء يطلقون ثلاث اطلاقات وعند سماع تلك الإطلاقات يستعد الجميع لملاقاة الأعداء في الجهة التي سمع منها اطلاق الرصاص
وتقوم دوريات أخرى تعرف باسم (الرباط) بمراقبة الإيطاليين في مراكزهم التي يحتلونها للحصول على معلومات عن تحركاتهم عن طريق الأهالي الموجودين داخل تلك المدن، وكثيراً مايتعرض بعض هؤلاء الأهالي بسبب تعاونهم مع المجاهدين لعقوبة الإعدام، كما حدث مع سليمان بن سعيد العرفي الذي أدانته المحاكم الإيطالية بالتعاون مع المجاهدين وحكمت عليه بالإعدام، فأعدم شنقاً.

كان نظام الأدوار يقوم على أساس قبلي ويعتبر الدور وحدة عسكرية وإدارية، واجتماعية يرأسها قائمقام، وتتمثل فيه السلطة الإدارية والعسكرية يساعده قوماندان (قائد) أو أكثر حسب حجم الدور والقبائل المنضوية تحته.
وقد استخدم عمر المختار النظام العسكري العثماني، فبالإضافة إلى القائمقام والقوماندان هناك الرتب الآتية:- بكباشي - يوزباشي - ملازم أول - ملازم ثاني - كوجك ضابط (ضابط صغير) باش شاوش - شاوش - أمباشي.
وكانت الترقيات تتم على أسس ميدانية بناء على مايقدمه الشخص من أعمال وبطولات في ميادين المعارك والمواقف الدقيقة، إذ يرفع إلى عمر المختار تقرير من الرئيس المباشر بشرح الحالة التي استحق عليها المعني الترقية، ويصدر بذلك أمر كتابي من عمر المختار على بقية المجاهدين.

معركة أم الشافتير (عقيرة الدم)

استمر المجاهدون في الجبل الأخضر يشنون الهجمات على القوات الإيطالية وحققوا انتصارات رائعة من أشهرها موقعة يوم الرحيبة بتاريخ 28 مارس 1927م جنوب شرقي المرج قرب جردس العبيد ووقعت بعد معركة الرحيبة معارك ضارية في بئر الزيتون 10 محرم 1335هـ، 10 يوليو 1927م، وراس الجلاز 13 محرم 1335هـ، 13 أكتوبر 1927م.

أراد الإيطاليون أن ينتقمون لقتلاهم في معركة الرحيبة، فشرعت تعد العدة للانتقام لقتلاها الضباط الستة وأعوانهم المرتزقة البالغ عددهم (312) في محاولة لإعادة معنوياتهم المنهارة نتيجة لتلك الهزيمة الساحقة تمّ اعداد الجيوش الجرارة، لتتخذ من الجبل الأخضر قاعدة لها على النحو التالي:

1- الجنرال مازيتي القائد العام للقوات الإيطالية قائداً لإحدى الفرق فوق الجبل الأخضر 8 يوليو من مراوة:

أربع فرق أرترية - فرقة ليبية - أربع فرق - خيالة - بطارية ارترية.

2- الكورنيل اسبيرا إنذائي: 8 يوليو من الجراري (جردس الجراري) أوجردس البراعصة أربع فرق أرترية - فرقة ليبية - بطارية ليبية - فرقة غيرنظامية.

3- الكورنيل منتاري: 8 يوليو من خولان - فرقة أرتريا- فرقة غير نظامية.

4- الماجور بولي: 9 يوليو غوط الجمل - فرقة مهما ريستا - فرقة سيارات مصفحة - نصف فرقة ليبلير - فصيلين قناصة على الدبابات.

ويضاف الى الاستعدادت سلاح الطيران الذي انطلق من قواعده بالمرج ومراوه وسلنطة.
كانت قوات الايطاليين ضخمة مما تدلنا على خوفهم ورهبتهم من قوات المجاهدين.
و المجاهدين مابين 1500 الى 2000 مجاهداً منهم حوالي 25% من سلاح الفرسان ويرفقهم حوالي 12 ألف جمل ومايثقل تحركاتهم من النساء والاطفال والشيوخ والأثاث علمت ايطاليا بواسطة جواسيسها بموقع المجاهدين في عقيرة ام الشفاتير فارادت أن تحكم الطوق على المجاهدين فزحفت القوات الايطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت يومين كاملين واستطاعت أن تضرب حصاراً حول المجاهدين من ثلاث جهات، وبقوات جرارة تكونت من حوالي (2000) بغل و5000 جندي، 1000 جمل بالاضافة الى السيارات المصفحة والناقلة.

علم المجاهدون بذلك وأخذوا يعدون العدة لملاقاة العدو فأعدوا خطة حربية وقاموا بحفر الخنادق حول أطراف المنخفض ليستتر بها المجاهدون وخنادق اخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ، وتم ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة التقي الزاهد الورع الشيخ حسين الجويفي البرعصي وكان عمر المختار من ضمن الموجودين في تلك المعركة.

كان الشيخ حسين الجويفي ممن تجرد للجهاد في سبيل الله وطلب رحمة الله تعالى وكان يقول: (أنا لا أريد قيادة ولا منصباً بل أريد جهاداً رغبة في ثواب الله تعالى).

كان ذلك الصنديد محل تقدير من قبل إخوانه قال في حقه قائده الأعلى عمر المختار عقب استشهاده: أتذكر حسين الجويفي عند اللقاء مع العدو أو عند قراءة القرآن الكريم وقت الورد.
وعرف عنه انه لم يبرح فرسه يوماً أثناء المعركة لينال من اسلاب العدو، بل يتركها للمجاهدين لعفته وقناعته بما يملك من أموال ومواشي.
وأسندت إليه قيادة المعركة لمعرفته بشعاب ودروب المنطقة التي كان يسكنها مع كونه احد قادة الجهاد، وأحد المستشارين لعمر المختار، وقائمقام البراعصة والدرسة في فترة سابقة، فكان في تلك المعركة فوق جواده يجوب الميمنة والميسرة والقلب وهو عاري الرأس لايخشى الموت يوزع صناديق الذخيرة على المقاتلين تارة ويطلق عبارات التشجيع مرة أخرى، ويقوم بتحريك جبهات القتال، وتنظيم هجومات المجاهدين، وترتيب صفوفهم.

سقط الشهداء واشتدت المعركة ، وارتفعت درجة حرارة البنادق بسبب استمرار اطلاق العيارات النارية واستعمل المجاهدون الخرق البالية لتقيهم حرارة مواسير البنادق التي لا تطيقها يد المجاهد. وكان بعض المجاهدين يملك بندقيتين يستعمل الواحد مدة ثم يتركها حتى تبرد ويتناول الاخرى، .

وخصص القائد حسين فرقة من المجاهدين للتصدي للمصفحات المهاجمة من الجنوب وعددها ثلاثون مصفحة ولعب كومندار طابور المعية المجاهد سعد العبد السوداني دوراً بارزاً وأظهر شجاعة نادرة بأن قاد تلك الفرقة المواجهة للمصفحات الايطالية وتمكن من تدمير أغلبها مع رجاله وانتزع المجاهد رمضان العبيدي العلم الايطالي من على أحد المصفحات ، وبدأ الجيش الايطالي في التقهقر ودخل الرعب نفوس ضباطه وجنوده الذين وجدوا فرصة الحياة في الهروب وبالرغم من قصف الطائرات إلا أن الايمان القوي ، واحتساب الأجر عند الله كان دافعاً مهماً لدى المجاهدين.

فخسر المجاهدين في الارواح 200 شهيد من بينهم القائمقام محمد بونجوى المسماري الذي استشهد في اليوم الثالث أثر اصابته بجرح مميت، وكانت له مكانة عظيمة في نفوس المجاهدين ووالد زوجة عمر المختار الذي بكاءه بكاءً حاراً وقال بعد أن سمع باسشهاده (راحو الكل ياعين الجيران وأصحاب الغلا).

واستشهد كل من جبريل العوامي، وستة من قبيلة العوامة، ومحمد بو معير الدرسي والشلحي الدرسي، ومحمد الصغير البرعصي وفقد المجاهدون في تلك المعركة عدداً كبيراً من الابل والمواشي وتم حرق بعض الخيام من جراء الغارات الجوية.

ومكث المجاهدون طيلة الليل يدفنون الشهداء وينقلون الجرحى، وقبل بزوغ الفجر رحلوا عن ذلك الموقع، بهدف الاعداد والاستعداد للقاء العدو في موقع جديد من مواقع القتال واصبحت القوات الإيطالية كما يقول تيروتسي : (أصبحت الآن منهوكة القوى تخور إعياء من شدة المعارك المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف ).

وكانت نتائج تلك المعركة فيما يلي:

1.كانت معركة ام الشفاتير بداية نقطة فاصلة في اتباع استراتيجية جديدة عند عمر المختار، وهي ضرورة إعادة تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة، تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يقلل في عدد الشهداء أثناء المعارك ويلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات (اهجم في الوقت المناسب وانسحب عند الضرروة).

2.لمح عمر المختار بنظره الثاقب ملامح السياسة الفاشستية الجديدة وهي الابادة والتدمير (للمصالح والرجال)، فاتخذ اجراءات ترحيل النساء والاطفال والشيوخ الى السلوم لحمايتهم من الغارات الجوية الايطالية ، وتيسيراً لسهولة تحرك المجاهدين وفق مايتطلبه الموقف الجديد.

3.كما سُمَحَ لأحد الاخوين بالهجرة للمحافظة على وريث لهما فيما بعد حتى يكون دائماً هناك من يطالب بحقوقه ويزعج المستعمرين الطليان، وللتعريف بالقضية الليبية بتلك البلدان ونتج عنه فيما بعد تشكيل الجاليات الليبية في الخارج.

4.أيقن الايطاليون أنه لاجدوى من الاستمرار في العمليات العسكرية ضد المجاهدين، مما كان سبباً في توقفها طلية 1928م. لقد تحققت لموسليني ماقله من قبل : ( اننا لانحارب ذئاباً كما يقول غراتسياني بل نحارب أسوداً يدافعون بشجاعة عن بلادهم .إن أمد الحرب سيكون طويلاً).

استشهاد حسين الجويفي والمختار بن محمد في معركة ابيار الزوزات 13/8/1927م :

استشهد الشيخ حسين الجويفي رئيس دور البراعصة، وكان صاحب مكانة عظيمة عند المختار، كان حسين الجويفي سباقاً للخيرات، حريصاً على الشهادة في سبيل الله، وكان يحرص على الخروج للمعارك مع مرضه حتى أن عمر المختار في احدى المعارك طلب منه أن يبقي حفاظاً على صحته وقال له (الجايات اكثر من الفايتات) والطليان لايبطلوا لمحاربتنا ونحن لانبطل الهجوم عليهم وستشبع من القتال فأيامه كثيرة.

تأثر عمر المختار لاستشهاد القائد العظيم الجويفي ووقف عند قبره وقال:

شهير لَسَم وَافِ الدين .. تمَّا غفير في فاهق خلا

فقد عمر المختار عدداً كبيراً من رفاقه الابطال الذين وقعوا شهداء في ساحة الوغى وكان من بينهم المختار ابن شقيقه محمد فشق عليه فقده رغم انه لا يزيد مكانة عند عمه السيد عمر المختار أكثر من إخوانه المجاهدين، لقد كان ابن أخيه عائلاً له يهتم بشؤون أسرة عمر المختار ويشرف على شؤونه الخاصة وخدمته الشخصية وكان بمثابة الابن حيث لم يكن لعمر ابن يتولى شؤون العائلة لأن ابنه الوحيد محمد صالح كان لايزال طفلاً، ثم إن السيد عمر المختار تعود مصاحبة الفقيد منذ سنة 1916م والى جانب كل ذلك فإنه من أبطال الجهاد ومن الابناء البررة. لقد احتسب المختار وأظهر التجلد وصبر صبراً جميلاً وكان يقول لكل من جاء لتعزيته:

إن كل فرد من رفاقي المجاهدين هو عندي بمنزلة المختار. إنني فقدت مختاراً واحداً ، ولكنني أعيش بين عدداً من المختارين كل منهم يملأ مكان ابن اخي وردد قول الشاعر الشعبي:

الدنيا أمفيت الله من واليها .. وين الصحابا قبلنا أو نبيها

ويــــن بــــون يـــــادم .. وين الشيوخ اللي كبار مقاوم

اللّي يندهوا للعبد هو والخادم .. وَنْ جاهم الطالب حاجتا يقضيها

ومعنى الابيات:

أن الله سبحانه وتعالى ولي الدنيا ووارثها وكل مافي هذه الدنيا مصيره الفناء، فأين رسول الله وصحابته وهم أكرم خلق الله عليه، وأين السادة الكبار الذين سبقونا وكان من شمائلهم المناداة للخدم من أجل خدمة الضيف وكل من جاء يطلب حاجة تقضي له، ومما قاله عمر المختار من الشعر:

ياعين كفى راه يومك قادم .. صيور البنا دم حفرتا ماليها

ومعنى البيت أنه يخاطب نفسه بأن تكفى عن البكاء لأن أجله في طريقه إليه ومصير بني آدم هو تلك الحفرة (القبر) التي يملؤها رفاته بعد الموت.


استمرار العمليات والدخول في المفاوضة

سبتمبر عام 1927م غزت جموع الزوية الجخرة ومرسى بريقة وجالو وأوجلة، وأنزلوا بالطليان خسائر فادحة، واشتدت مقاومة المجاهدين في الجبل الأخضر على الرغم من احتلال الطليان للواحات ومراكز السنوسية الهامة، فلم يعد هناك مناصا من أن يعيد الطليان النظر في خططهم، مما أدى إلى وقوع أزمة كبيرة في روما، وبدأت الحكومة تبحث بصورة جدية وسائل إخماد المقاومة وترسم الخطط السياسية الجديدة التي ترأى ضرورة التقيد بها في كل من برقة وطرابلس، وقد اضطر فيدرزوني وزير المستعمرات، وديبونو والي طرابلس وتيروتزي والي برقة للاستقالة في ديسمبر 1928م، فعين ديبونو وزيراً للمستعمرات وأعلن موسوليني توحيد الإدارة في القطرين الليبيين، وعين الماريشال بادوليو حاكماً على طرابلس وبرقة.

كان مجئ بادوليو إلى ليبيا بداية مرحلة الجهاد الحاسمة بالنسبة للمجاهدين وكان تاريخ تعيينه في شهر يناير من عام 1929م وكان برنامجه الجديد يتلخص في تخفيض الجيش إلى القدر الذي يكفي للقيام (بحرب العصابات) والمحافظة على على هيبة الحكومة مع انفاق الأموال المتوفرة في مد الطرق في الجبل الأخضر مما يسهل عليه التنقلات العسكرية، فإذا ما أتم له ذلك قام بهجوم شامل كاسح على المجاهدين يقضي على المقاومة نهائياً، ومن أجل ذلك سعت إيطاليا إلى مفاوضة السيد عمر المختار لتهدئة الأحوال، فكان برنامج بادوليو مبنياً على كسب الوقت أولاً ثم العمل رويداً رويداً من أجل تقوية المراكز المحتلة.

واهتم بادوليو بكسب الرأي العام وتخويفه، فأعلن العفو عن الأفراد الذين يسلمون أنفسهم وسلاحهم مختارين للحكومة، ويتوعد كل معاند بالعقوبة الصارمة وقد اسقطت الطائرات هذا المنشور من الجو على البلدان والقرى والنواجع في أنحاء ليبيا جميعها وكان لهذا المنشور آثار مباشرة، فظن بعض زعماء ليبيا بمدينة طرابلس الضعف ووهن العزيمة في الحكومة وقام أحمد سيف النصر ومحمد بن الحاج حسن (من قبيلة المشاشة) بالزحف على منطقة القبلة لجمع البدو المحاربين وإرسالهم إلى الجبل الأخضر حتى يعززوا قوات المجاهدين في الجبل ويرغموا الحكومة على اتخاذ لهجة متواضعة عند بدء المفاوضات مع عمر المختار وصحبه، وشرع صالح الأطيوش ينظم في جبل الهروج جماعات من المحاربين للاشتباك مع الطليان في برقة أو في طرابلس وفي منتصف فبراير 1929م نزلت قوات المجاهدين من الهروج الأسود للانقضاض على النوفلية من جانب وعلى إجدابية من جانب آخر، فاجتمعت من الجيفة ثم انقسمت ثلاث فرق التحمت إحداها مع الطليان في معركة عند قارة سويد في 5 مارس، واشتبكت الثانية معهم في معركة كبيرة عن النوفلية في 14 مارس واتجهت الثالثة بقيادة عبدالقادر الأطيوش من الجيفة صوب منطقة العقيلة في 23 مارس، ثم استقر المجاهدون في جبل سلطان واضطر المجاهدون إلى الانسحاب أمام قوات العدو العظيمة صوب وادي الفارغ.

كان لتلك الأعمال أكبر الأثر في إقناع بادوليو بضرورة العمل فوراً من أجل استمالة المجاهدين إلى المفاوضة إذا أراد أن يضع برنامجه الواسع موضع التنفيذ فبدأ من ثم متصرف المرج الكولونيل باريلا من أوائل مارس 1929م يطلب الاجتماع بالسيد عمر المختار للمفاوضة في شروط الصلح، وحدد باريلا موعداً للاجتماع غير أن باريلا لم ينتظر جواب المختار وأراد أن ينتهز فرصة اطمئنان المجاهدين لقرب بداية المفاوضات وانشغالهم بعيد الفطر المبارك، فانقض الطليان على المجاهدين وهم يقومون بصلاة العيد (1347هـ) وردهم المجاهدون على أعقابهم، ولكن مناوشات صالح الأطيوش وجماعته ونشوب المعارك المستمرة اضطرت بادوليو إلى تحديد المسعى، فكلف متصرف درنة دودياشي لتمهيد المفاوضة مع عمر المختار وصحبه، فاتصل بالمجاهدين واقترح على السيد عمر أن يكون الاجتماع يوم 2 مارس في منزل علي باشا العبيدي للبحث في موضوع الصلح وأصر عمر المختار على أن تظهر الحكومة الإيطالية حسن نواياها ويكون ذلك بإطلاق السيد محمد الرضا وإعادته إلى برقة واضطرت الحكومة الإيطالية للرضوخ واحضرت السيد محمد الرضا من جزيرة أوستيكا إلى بنغازي واجتمع بعد ذلك عمر المختار مع مندوب الحكومة دودياشي في منزل على العبيدي في 20 مارس، وحضر الاجتماع عدد كبير من مشايخ البلاد وأعيانها ثم أجلت المفاوضة إلى أسبوع وانعقد اجتماع آخر في سانية القبقب ولم يستطيع المتفاوضون الوصول إلى نتيجة مجدية، واجتمع المختار مع باريلا في الشليوني في الجبل الأخضر في يوم 6 إبريل ولم يصل المتفاوضون إلى نتيجة وفي 20 إبريل عادت المباحثات في بئر المغارة (في وادي القصور)، وقد حضر هذا الإجتماع محمد الرضا والشارف الغرياني، وخالد الحمري، وعبدالله فركاش ورويفع فركاش وعلي باشا العبيدي وعبدالله بلعون مدير المرج، وحضر كل هؤلاء اجتماع المختار بالسيد رضا، ثم خير مندوب الحكومة عمر بين ثلاثة أمور:

الذهاب إلى الحجاز، أو إلى مصر، أو البقاء في برقة، فإذا رضي بالبقاء في برقة أجرت عليه الحكومة مرتباً ضخماً وعاملته بكل احترام ولكن المختار رفض هذه الشروط وكان السيد رضا يخضع لرقابة صارمة منعته من تبادل الرأي مع عمر المختار.

واستؤنفت المفاوضات في هذه المرة في مكان يسمى قندولة بالقرب من سيدي رويفع وحضر اجتماع قندولة باريلا، وكمباني وعدد من الضباط والأعيان وكان سيشلياني قد بيت النية على الإيقاع بالمختار وأسره، ولكن عمر المختار احتاط للأمر ولم يسفر هذا الإجتماع عن شيء.

وفي 26 مايو بدأت المفاوضات من جديد، فحضر المختار إلى مكان قريب من القبقب. وفي هذا الإجتماع دارت المباحثات على أساس ماجاء في منشور بادوليو فعرض دودياشي شروط الحكومة وهي

1 - عودة السيد إدريس، وأحمد الشريف والسيد صفي الدين وسائر أعضاء الأسرة السنوسية إلى البلاد على أن يكونوا تحت إشراف الحكومة وأن يتم رجوعهم بترخيص من الحكومة بوصفهم مهاجرين يبغون العودة إلى أوطانهم وتعهدت الحكومة بعاملتهم المعاملة اللائقة بهم على غرار ماتفعله مع السيد الرضا.

2 - احترام الزوايا وأوقافها ودفع المرتبات لشيوخها.

3 - إرجاع أملاك الأسرة السنوسية.

4 - إعفاء الزوايا وأملاك السنوسية من الضرائب.

5 - تسليم المجاهدين نصف مامعهم من أسلحة لقاء ألف ليرة إيطالية تدفع ثمناً لكل بندقية يسلمونها، وعلى أن ينضم بقية المجاهدين المسلحين إلى المنظمات التي تنشئها الحكومة تحت إشرافها وإدارتها وذلك لمدة معينة تحددها الحكومة فيما بعد في نظير أن تعد أماكن لإقامتهم يسهل على الحكومة إمدادهم فيها بالمؤن فضلا عن إحكام الرقابة عليهم.

سادساً: إبعاد كل الإخوان السنوسيين من الأدوار وتتعهد الحكومة بإعطائهم المرتبات التي تناسب مراكزهم، فاعترض المختار على تسليم الأسلحة وحل الأدوار، وأصر على بقاء الأدوار تحت قيادة السيد حسن الرضا على أن يكون للحكومة نوع من الإشراف العام فحسب وأيد رأي المختار عبدالحميد العبار، ورفض دودياشي عروض المختار وانفض الإجتماع على أن يعرض دودياشي هذا الحل - كما طلب المختار من نائب الوالي في برقة حتى يفصل فيه سيشلياني بنفسه.

وبعد أربعة أيام فقط طلب دودياشي مقابلة المختار في قندولة (30مايو) فجاء المختار إلى نجع علي العبيدي شيخ العبيدات بالقرب من القبقب، وحضر معه السيد حسن الرضا والفضيل بو عمر وعبدالحميد العبار وحامد القماص وآخرون ومعهم حرس يتألف من مائة وخمسين فارساً وجاء من طرف الحكومة دودياشي وباريلا كما حضر هذا الاجتماع علي العبيدي وخالد الحمري ورويفع فركاش، وأظهر فيها المختار استعداده للتفاهم طالما أنه يؤدي إلى المحافظة على كرامة السنوسية. وفضلاً عن ذلك فقد أصر المختار على عدم حدوث أي اتفاق بينه وبين الحكومة الإيطالية إلا إذا حضر مندوب عن الحكومة المصرية وآخر عن الحكومة السنوسية كدليل على رغبة الطرفين الصادقة في الاتفاق بصورة قاطعة ولكن دودياشي اعترض على هذا الطلب، وقال بأن الطليان معروفين بوفائهم للعهود وحفظهم للمواثيق، فرد عليه عمر المختار وذكر مافعله الجنرال متزتي بقبيلة العبيدات، وهي من القبائل التي سالمت الطليان، عندما اغتصب هؤلاء كل ماتمتلكه هذه القبيلة حتى انهم نزعوا حلي النساء من آذانهن، وذكر مافعله لويللو مع أسرة إبراهيم من قبيلة العواقير، وقد سالم هؤلاء الطليان كذلك، فأخذ لويللو منهم أربعين رجلاً قتلهم رمياً بالرصاص ثم جعل السيارات تمر على جثثهم (فما زالت السيارات تدهسهم ذهاباً وإياباً حتى اختلطوا بالتراب وتدخل بعض الحاضرون لتهدئة الموقف وتمسك المختار بحقوق الحركة السنوسية وزعامتها وأصر على أن يكون للقطر البرقاوي الطرابلسي نفس الامتيازات التي تتمتع بها جاراته مصر وتونس وكان عمر المختار وحده هو الذي يتحدث، وأما سائر المجاهدين فقد صمتوا ثم قرر الذهاب إلى معسكره وقال إذا أراد المتصرف دودياشي الحديث فإن موعد ذلك جلسة أخرى، وبعد أيام اتصل علي العبيدي بالسيد عمر، وقبل عمر المختار استئناف المفاوضة، فعقد اجتماع آخر في يوم 7 يونيه حضره دودياشي وباريلا ثم سيشلياني الذي جاء الاجتماع موفد من قبل الماريشال بادوليو بغية الوصول إلى اتفاق حاسم مع العرب، وجدد الطليان عروضهم القديمة وتمسك المختار بمطالبه، وأصر على حضور مندوبين من قبل الحكومتين المصرية والتونسية ووعد سيشلياني بأن يحمل مطالب المختار إلى بادوليو. وفي 13 يونيه اجتمع نائب الوالي سيشلياني بالسيد عمر في قلعة شليوتي، وأظهر المختار رغبته الصادقة في الاتفاق إذا أقرت الحكومة الإيطالية مطالبه، وهي نفس المطالب السابقة وتأجل الاجتماع إلى يوم آخر حتى يتم الاتفاق النهائي بحضور والي طرابلس وبرقة نفسه وفي يوم 19 يونيه حصل الاجتماع سيدي رحومه المشهور بحضور بادوليو وسيشلياني وعدد من الطليان والأعيان كالشارف الغرياني، وعلي باشا العبيدي، وظل عمر المختار متمسكاً بضرورة حضور مندوبين عن الحكومتين المصرية والتونسية وعرض شروطه النهائية بحضور والي ليبيا، فقرأ الفضيل بو عمر هذه الشروط ووافق الطليان عليها، ثم تسلمها بادوليو ووعد بأن يعمل على حضور مندوبي الحكومتين المصرية والتونسية في اجتماع يحدد فيما بعد قريباً، واتفق الفريقان على عقد هدنة لمدة شهرين حتى يتسنى لكل منهما مراسلة مرجعه. وقال بادوليو إنه على استعداد تام لقبول عودة أمير البلاد السيد محمد إدريس إلى برقة مادام المختار والمجاهدون يصرون على ذلك.

وكانت الشروط التي عرضها المختار تكفل المحافظة على هوية الشعب وعقيدته ودينه ولغته، وتحفظ أوقاف الزوايا وتعطي عمر المختار الحق في أخذ الزكاة الشرعية من القبائل ومن أهم هذه الشروط:

1- أن لاتتدخل الحكومة في أمور ديننا، وأن تكون اللغة العربية لغة رسمية معترفاً بها في دواوين الحكومة الإيطالية.

2- أن تفتح مدارس خاصة يدرس فيها التوحيد، والتفسير، والحديث، والفقه، وسائر العلوم.

3- وأن يلغى القانون الذي وضعته إيطاليا والذي ينص على عدم المساواة في الحقوق بين الوطني والإيطالي إلا إذا تجنس الأول بالجنسية الإيطالية كما كانت شروط المجاهدين تنص على إرجاع جميع الممتلكات التي اغتصبتها الحكومة من الأهالي وإعطائهم مطلق الحرية في حمل السلاح وجلبه من الخارج إذا امتنعت الحكومة عن بيع السلاح لهم، كما نصت هذه الشروط على أن يكون للأمة رئيس منها تختاره بنفسها ويكون لهذا الرئيس مجلس من كبار الأمة له حق الإشراف على مصالحها، كما يكون للقاضي الإسلامي وحده الفصل بين المسلمين وطالب عمر المختار بإعلان العفو الشامل عن جميع من عدتهم إيطاليا مجرمين سياسيين سواء كانوا داخل ليبيا أم خارجها، وإطلاق سراح المسجونين، وسحب كل المراكز التي استحدثها الطليان في أثناء الحرب بما في ذلك مراكزهم في الجغبوب وجالو كما اشترط بأن لزعماء المسلمين الحق في تأديب من يخرج عن الدين أو يهزأ بتعاليمه أو يتهاون في القيام بواجباته. إن حرص عمر المختار على رفض الخضوع لأي إرادة أو سلطة غير سلطة الله واضح في حياته، ويظهر ذلك جلياً في شروطه، فقد كان دائماً مصراً على شرط تطبيق الشريعة الإسلامية بين المسلمين ورفض كل ماعداه من قوانين وضعية في مفاوضاته. أظهر بادوليو قبول الشروط ولكنه نكث بوعوده وأخذ يستعد للقضاء على المجاهدين، وشرع الطليان يبذرون بذور الشقاق في صفوف المجاهدين على أمل أن يضعفوا من قوتهم، وفي اجتماع سيدي رويفع ادعى سيشلياني أنه لايمكن إبرام الاتفاق النهائي إلا في بنغازي.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:38 AM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

أراد المجاهدون أن يقطعوا حجة الطليان فاتفقوا على أن يحضر اجتماع بنغازي السيد الحسن رضا السنوسي، وكان عمر المختار مقتنعاً بعدم جدوى الاجتماع ولكنه اضطر مكرهاً، وعاد الحسن يحمل شروطاً إيطالية مجحفة فرفضها عمر المختار والمجاهدون، وكتب المختار إلى نائب الوالي يخبره برفض الشروط الإيطالية جملة وتفصيلاً، ويلفت في هذه الرسالة نظر الحكومة الإيطالية إلى الشروط السابقة التي تسلمها المارشال بادوليو من السيد عمر نفسه وقطع على نفسه عهداً بالإجابة عنها بعد دراستها إذ لايوجد سبيل لحل المشكلة بدونها، وطلب عمر في نفس الرسالة تحديد موعد لمقابلة الجنرال سيشلياني نائب الوالي، وفي حالة الرفض أو عدم الإجابة يكون السيد عمر المختار في حل مما قيدته به آداب المجاملة في انتظار نتيجة المفاوضات وسوف تعود الأمور لما كانت عليه، وكان جواب إيطاليا هو أنها على استعداد ولاداعي للإنذار بإعادة الحرب.

لما ذهب الحسن بن الرضا إلى بنغازي تأثر ببعض أقوال الليبيين التابعين للحكومة الإيطالية وقبل أن يوقع على شروط الصلح التي خالفت ماطلبه المجاهدون، فلما رفض عمر المختار تلك الشروط عز على الحسن أن ينقض المختار كلمته وانفصل بجماعته من البراعصة والدرسة، وكانوا يبلغون حوالي الثلاثمائة واتخذ مكانه في غوط الجبل وهو مكان قريب من مراكز الطليان في مراوة.

كان عمر المختار بجانب إيمانه الراسخ واسع الأفق عالماً بواقعه مدركاً لما يجري حوله متابعاً له وقد كان ذلك أكبر عون له بعد الله على صحة مواقفه وقوتها التي فرضت الاحترام على اعدائه قبل أصدقائه، وما أعظم أن يجتمع الإيمان والفقه بالواقع، وما أقبح أن يتفرقا، ولئن كان هذا واضحاً جلياً في كل المواقف التي خاضها عمر المختار رحمه الله وآرائه التي قالها إلا إنه يتجلى كأوضح مايكون في إدراكه لعدم جدوى المفاوضات السياسية.


النداء الأخير

خاطب السيد عمر المختار المجاهدين وأبناء شعبه قائلا: فليعلم إذاً كل مجاهد أن غرض الحكومة الإيطالية إنما بث الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، ولكن بحمد الله لم توفق إلى شيء من ذلك. وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطالية شريفة، وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية وإن مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قومية تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه . فهيهات أن يصل الطليان إلى غرضهم مادامت لنا قلوب تعرف أن في سبيل الحرية يجب بذل كل مرتخص وغال، ثم ختم المختار هذا النداء بقوله: (لهذا نحن غير مسؤولين عن بقاء هذه الحالة الحاضرة على ماهي عليه حتى يتوب أولئك الأفراد النزاعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم ويسلكوا السبيل القويم ويستعملوا معنا الصراحة بعد المداهنة والخداع. وقد نشرت بعض الصحف المصرية هذا النداء في 2 يناير 1929م. من كان عبداً لله يستحيل أن يرضى بأن يكون عبداً لحكومة ظالمة كافرة أو لدنيا أو مال أو لهوى، فأكثر الناس أحراراً وتحقيقاً للحرية على مفهومها الصحيح ذلك العبد الذي رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد e نبياً ورسولاً.

غدر وخيانة

لقد نقضت الحكومة عهودها وغدرت بالمجاهدين وكان السيد حسن الرضا أول من ذاق مرارة غدرهم، فقد غادر المعسكر في غوط الجبل جماعة من عائلة عريف وانتهز الطليان هذه الفرصة فطلبوا من الحسن أن يتقدم بالدور إلى ناحية مراوة وأجاب الحسن رغبتهم وعندئذ سيرت الحكومة قوة كبيرة على الدور لجمع الأسلحة من أتباعه بدعوى أن رجاله قد (غزوا) بعض الأهلين في مراوة. وأبدى الحسن ورجاله معارضة شديدة، ولكن معارضتهم هذه سرعان ما أكدت للطليان - على حد قول هؤلاء - أن الدور كان مركزاً لدعاية سنوسية خطيرة، وأن حل الدور قد بات لذلك أمراً لامناص منه ولامحيد عنه، وكان مما جعل الطليان ينقلبون على الحسن أن امتنع في المدة الأخيرة عن إجابة رغبتهم عندما طلبوا منه الانتقال إلى بنغازي، وعلى ذلك فقد اشتبكت القوات الإيطالية مع الدور في قتال عنيف ذهب ضحيته كثير من المجاهدين ووقع الباقون في أسر هذه القوات وفي 10 يناير 1930م قبض الطليان على الحسن نفسه وساقوه أسيراً إلى بنغازي ثم مالبثوا حتى نفوه إلى جزيرة اوستيكا ثم إلى فلورنسه بعد ذلك. وقد بقى الحسن منفياً بهذه المدينة الأخيرة حتى وفاته في عام 1936، وبعد ذلك اندلعت المعارك بين المجاهدين والطليان في الجبل الأخضر وكانت الطائرات الإيطالية تلقي قذائفها على معسكرات المجاهدين ونشطت عمليات الطليان العسكرية بعد أن غدروا بالحسن وهاجموا دور المجاهدين في وادي مهجة (28 يناير 1930) وألقت الطائرات قذائفها على العرب، وانتشرت المعارك في منطقة الجبل حتى أقفلت جميع الطرق.


تعيين الجنرال غراسياني حاكماً لبرقة ونائباً للمرشال بادوليو الحاكم العام

كان الجنرال غراسياني عند قومه معظماً ومقدماً وقد قام بأعمال عسكرية في فزان شنيعة للغاية واستطاع أن يقضي على حركة الجهاد في فزان بدخوله غات في 25 فبراير 1930م وكان نصرانياً حقوداً على الإسلام والمسلمين لم يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة.

بعد بقائه في ليبيا لمدة تسع سنوات متتالية وبعد احتلاله الغاشم لفزان، دعى إلى إيطاليا لتشريفه وتكليفه.

ذكر في مذكراته وداعه لطرابلس فقال: (وداعاً طرابلس أرض آلامي وعذابي، غير انه تبقى في روحي، وداخل نفسي ذكريات كل حجر مرتفع في جبالك، وفي صحرائك الواسعة، ولكن لن ينطفئ أبداً ألمي وعذابي من أجل افريقيا وأنت ياطرابلس.

وفي روما كانت تنتظرني الاحتفالات التي يطمع كل جندي مخلص أمين يحظى برضا وتصفيق الزعيم الدوتشي (موسليني) .. وقد نلت هذا وصفق الزعيم ومجلس الأمة الإيطالي لي في جلسة بتاريخ 21/3/1930م، هذا الاحتفاء وهذا الرضا، كان أعظم مكافأة في حياتي، فلقد جددت في نفسي حب العمل والتضحية في سبيل الواجب الكبير الذي ينتظرني في ليبيا بجسم متعب في الأعمال التي تحملها في الماضي، ولكن بالروح والقلب الحريص والحاضر للعمل.. وبعد أن استلمت التعليمات العليا سافرت على السفينة إلى برقة .. ويوم 27/3/1930م وصلت بنغازي التي غادرتها سنة 1914م خلال الحرب العالمية الأولى وكانت رتبتي ملازم أول في الجيش الإيطالي.

إن التعليمات التي صدرت عن رغبة الزعيم الدوتشي، وقسمت ونظمت من قبل صاحب السيادة دي بونو (والفريق) الماريشال بادوليو، بيتوا فيها تصميم الحكومة الفاشستية القضاء المبرم على الحركة الوطنية (الثورة) مهما كلف ذلك وبكل الطرق والوسائل لأنها القضية البرقاوية.

والتعليمات هي:

1- تصفية حقيقية لكل العلاقات بين الخاضعين وغير الخاضعين من الثوار سواء في قاعدة العلاقات الشخصية أو الأعمال والحركات التجارية.

2- إعطاء الخاضعين أمناً وحماية ولكن مراقبة لكل نشاطاتهم.

3- عزل الخاضعين عن أي تأثير سنوسي ومنع أي كائن منعاً باتاً من قبض أي مبالغ من الأعشار والزكاة.

4- مراقبة مستمرة ودقيقة في الأسواق وقفل الحدود المصرية بكل صرامة بحيث تمنع أي محاولة تموين لقوافل العدو (أي المجاهدين).

5- تنقية الأوساط المحلية التي توجد بها عناصر تدعي الوطنية ابتداءً بالمدن الكبيرة وخاصة بنغازي.

6- تعيين عناصر غير نظامية من الطرابلسيين لكي يكونوا قوة مضادة للمجاهدين وتعني بتطهير الأقليم من كل تمرد أو ثورة.

7- حركة دقيقة وخفية لكل قواتنا (الطليان) المسلحة في المنطقة لخلق جو مذبذب ضد كل (الأدوار)، والمعسكرات، والضغط عليها حتى تتكبد الخسائر وتشعر بأن قواتنا موجودة دائماً وفي كل مكان مستعدة للهجوم.

8- الاتجاه السريع للاحتلال الكامل لكل أراضي مستعمرة الكفرة.

هذا هو جزار ليبيا غرسياني الذي جاء محملاً لتنفيذ الأوامر السالفة الذكر من أسياده في روما الكاثوليكية الفاشستية الميكيافلية.

ومنذ عودة غراسياني إلى بنغازي، بدأ نائب الوالي الجديد يضع هذا البرنامج موضع التنفيذ من غير إبطاء معلناً إنه سوف : (يتبع بكل إخلاص تعاليم الدولة الفاشستية ويسير على مبادئها، لأنه وإن كان قائد من قواد الجيش وأحد الرجال العسكريين إلا أنه يدين بمبادئ فاشستية محضة ويعلن هذه الحقيقة بكل وضوح وصراحة تامة).

كان الجنرال غراسياني معروفاً بالعجرفة والطيش وبالجبروت الوهمي، وكان أول عمل قام به في الدوائر المدنية بعد وصوله هو إستبدال غالب الموظفين الإيطاليين بآخرين ممن يتمتعون بثقته عندما كان يعمل في طرابلس، كما جاء بقائد جديد للكربنير (الضابطية) هو الكولونيل كاستريوتا، وبالجنرال نازي ليكون مساعده الأول في القيادة العسكرية، واستعان بعصابة من المدنيين قد أخذوا ينفذون أهدافه الشريرة وأفكاره الشاذة بكل الوسائل ومن هذه العصابة الكمندتور موريتي (السكرتير العام) الكمندتور أجيدي متصرف لواء بنغازي، ثم بدأ زيارته للمناطق الخاضعة لنفوذ إيطاليا وكانت السلطات تجمع لاستقباله جميع الأهالي بما في ذلك النساء والأطفال والعجزة، فيخطب فيهم متوعداً ومهدداً، وكان يستفتح خطاباته الطائشة بقوله (صموا أفواهكم وافتحوا آذانكم) ليلقى الرعب في نفوس المستضعفين الذين استسلموا وخضعوا لإيطاليا وكان قد ألقى كلمة تهديدية في جموع حشدتها السلطات في موقع (البريقة) إستهلها بقوله (ما أنتم إلا مثل سيجارة موقودة من الجانبين تلتهمها النار من هنا ومن هناك حتى تصبح رماداً وهاهو ذا أنا أولع السيجارة من جانبي ويوقدها عمر المختار من جانبه حتى يؤتى عليكم).

وقال في خطاب ألقاه من شرفة قصره في بنغازي (تحت يدي وتصرفي باخرة تقف في الميناء وبأقل إشارة مني تنقل كل من أرى من الصواب نقله إلى إيطاليا وهذا أخف مانعاقب به) وفي خطاب تهديدي آخر قال: ( عندي لكم ثلاثة حالات، الباخرة الموجودة في الميناء، وأربعة أمتار فوق الأرض - مشيراً إلى أعمدة المشنقة - ورصاص بنادق جندنا - مشيراً إلى القتل رمياً بالرصاص) ، لقد قام غرسياني وحكومته بحشد المجهودات الضخمة للقضاء على عمر المختار بالصورة التي كلفت الخزانة الإيطالية في سنة واحدة مالا يقل عن النفقات التي تتكبدها دولة عظيمة لمجابهة دولة تماثلها في عدة سنوات.

فقد قال السنيور فيتيتي وكيل وزارة الخارجية في حديث له مع سماحة مفتي فلسطين الأكبر الأستاذ محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين، وقد أورد سماحته هذا الحديث في مذكراته التي أخذت تنشرها جريدة أخبار اليوم، قال وكيل وزارة الخارجية المذكور: حقاً أن ماوقع في ليبيا سبب لنا متاعب كثيرة فعندما كانت السياسة الايطالية تتأثر في الماضي كثيراً بالسياسة البريطانية قبل عهد الفاشيست خدعتنا انكلترا وفرنسا فاستولت على أغنى وأغلى أقطار أفريقيا، وأغرتنا باقتحام ليبيا عام 1911م، فلم نجد فيها رغم الجهود المضنية والخسائر الفادحة في الأنفس والأموال غير الرصاص والرمال، ولم نجن من ذلك إلا بغض العرب ومقت المسلمين لنا.


المحكمة الطائرة

لم يمض على وصول غراسياني سوى ايام قلائل حتى أنشاء ماعرف في تاريخ الاستعمار الايطالي الاسود باسم المحكمة الطائرة (ابريل 1930م) ، كانت تلك المحكمة تقطع البلاد على متون الطيارات وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشست وكانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة وتصدر احكامها وتنفذ في دقائق وبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أن تغادر الموقع الذي انعقدت فيه لتنعقد في نفس اليوم بموقع آخر، وفتحت أبواب السجون في كل مدينة وقرية ببرقة وانتزعت الأموال من المسلمين بدون مبرر، ونصبت أعواد المشانق في كل من العقيلة، وجدابية، وبنغازي، وسلوق، والمرج، وشحات ودرنة، وعين الغزالة، وطبرق، ولأتفه شبهة وأقل فرية يصدر حكم الاعدام وينفذ في حينه شنقاً أو رمياً بالرصاص، وكان مما قتل شنقاً او رمياً بالرصاص في مدة لا تزيد عن شهرين من استلام غرسياني مقاليد الحكم في برقة؛ المشايخ بحيح الصبحي، على بويس العربي وابنه عبدربه بوموصاخ، خيرالله هليل، محمد يونس بوقادم، علي حميد ابوضفيرة، إثنان من قبيلة سعيد أشقاء حمد الرقيق، وهؤلاء من منطقة جدابية، ثم محمد الحداد وابنه بنغازي، وعبدالسلام محبوب من الاخوان السنوسين، سليمان سعيد العرفي (المرج) ، وخمسة عشر شخص بينهم الشيخ سعيد الرفادي (عين الغزالة وغيرهم كثير).


عزل المجاهدين ووضع القبائل في معسكرات الاعتقال الجماعية:

بدأ غراسياني ينفذ سياسة عزل الاهالي الخاضعين عن المجاهدين ، وشرع في جمع الاخوان السنوسيين من شيوخ الزوايا وأئمة المساجد ومعلمي القرآن بها مع ذويهم جميعاً، وكل من تربطه بأحد هؤلاء أية صلة، وكذلك بمشايخ وأعيان القبائل، وبكل من يربطه أي نوع من أنواع الصلات بأحد المجاهدين او المهاجرين، جيء بهذه المجموعات يساقون الى مراكز التعذيب ثم الى السجون ولم يشفع في أحدهم سن الشيخوخة الطاعنة، او الطفولة البريئة أو المرض المقعد، او الضرر الملازم، وانشئت معتقلات جديدة في بنينه والرجمة، وبرج توبليك وخصص غراسياني مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء، والمقرون وسلوق في أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال والنفي والتشريد والتعذيب لجميع سكان منطقتي الجبل الاخضر والبطنان بصورة جماعية، وبغير سكان هذين المنطقتين ممن تحوم حولهم أية شبهة، او تلفق ضدهم اقل فرية، وأمر بنقل قبائل هاتين المنطقتين المذكورتين الى هذه المعتقلات الخاصة بهم ثمانين ألفاً، وماهي في الحقيقة إلا مقابر يدفن فيها الاحياء وأداً ، فخصص معتقل العقيلة والبريقة لقبائل العبيدات والمنفا، والقطعان ، والشواعر، والمسامير،... ولبعض عائلات الاخوان السنوسيين بما في ذلك سكان الجغبوب، ولبعض من سكان مدينتي بنغازي ودرنه، واسند حكم هذين المعتقلين لممثلي الظلم والجبروت والوحشية الفظيعة لكل من كسوني، باريلا (غير باريلا متصرف المرج).

وخصص معتقلاً المقرون وسلوق لكل من قبائل البراعصة والدرسا والعرفا والعبيد وأتباعهم وشطر كبير من عائلات الاخوان السنوسييين الذين سبق أن أبعد غرسياني رجالاتهم الى ايطاليا أو فرقهم بين السجون المختلفة، جيء بهذه القبائل التي بلغ تعدادها الثمانين ألف نسمة يساقون زمراً الى المعتقلات المذكورة، فمنهم من جاءها عن طريق البحر حيث حشروا بالمراكب حشراً ومنهم من جاءها عن طريق البر بعد أن أتت إيطاليا على جميع المنقولات حرقاً بالنار، كما أحرقت الزراعة ومحصولاتها، وأهلكت الحيوانات فيما عدا ما استعملته للنقل، وأحيط القسم المساق عن طريق البر بجنود من الصوماليين والاريتريين ليتعقبوا كل من يتخلف عن المساقين الى حتفهم، ويرمى المتخلف بالرصاص ، وكان الرامي غير مسؤول عن عمله هذا، وأصبحت جميع مناطق الجبل والبطنان هلاكاً تلعب فيه الرياح.

لقد اراد غراسياني الانتقام من القبائل التي اثبتت الايام انها نعم العون للمجاهدين بعد الله، فجمع النواجع المنتشرة في منطقة الجبل الاخضر في أماكن احاطها بالاسلاك وحدث في تلك المعتقلات الجماعية مالم يصدقه بشر ولا خطر على بال انسان يعقل، لقد اشتدت المحنة واعتدى الايطاليون على الابدان والاموال والاعراض في تلك المعتقلات ولقد قام الباحث يوسف سالم البرغثي بدراسة متميزة سماها المعتقلات والاضرار الناجمة عن الغزو الايطالي وذكر فيها تفصيلاً محزناً، ووثائق تاريخية من أفواه من عاش تلك المرحلة العصيبة التي مربها شعبنا المظلوم.

لقد وصف مراسل جريدة ألمانية زار معسكرات الموت التي جمع فيها غراسياني أكثر من 80 ألف نسمة فقال: إن الانتقادات التي يوجهها الآن الفرنسيين والانكليز الى خطة الفاشيست في برقة، موجهة في الدرجة الاولى الى التدابير التي اتخذها الجنرال غراسياني لإجلاء 80 ألف بدوي عن اراضيهم ، دون أن يرعوا حالة هؤلاء البدو الروحية، أو يلاحظوا تأثير مثل هذا القيد والحصار فيهم، ولا يجوز لأحد أن يخرج من نطاق الحصار إلا في النهار، بشرط أن يرجع الى مكانه قبل أن يخيم الظلام وكل واحد من رؤساء القبائل مسؤول عن اتباعه فرداً فرداً.

يجب أن نقول أن الحالة السيئة للغاية تفوق كل تصور ، فان معدل الاموات من الأطفال يبلغ 90% وأمراض العيون التي ينتهي اكثرها بالعمى كثيرة جداً ومنتشرة ويكاد لا ينجو احد من الامراض، أما غذاء هؤلاء المساكين، فالأحسن أن لا نتكلم عنه بالمرة، ومن الطبيعي أن نرى هؤلاء يتألمون أشد الألم، وفي الدرجة الاولى من هذه الاسلاك الشائكة ، رمز الاسر، ورغم تلاصق الخيام ، وشدة تقاربها ببعضها، فإن حصرها ضمن اسلاك شائكة ، يجب ان نعتبره من المتناقضات الغريبة التي لايتصورها العقل.

إن ماارتكب في العقيلة والبريقة وغيرها من المعتقلات من جرائم جعل المناضلين في العالم يصرخون وينددون بالاستعمار الفاشيستي في ليبيا فقال عبدالرحمن عزام يصف حالة المعتقلين ويلفت الأنظار إليهم: (يبحثون عن اخبار الاندلس وكيف اجرى الاسبانيون بالمسلمين هناك ومالهم والاندلس والامور جرت في القرون الوسطى فأمام أعينهم طرابلس الغرب فليذهبوا ويشاهدوا باعينهم في هذه الايام فضائح لاتقل عما جرى بالاندلس).

وعبرّ غراسياني نفسه عن المأساة التي كانت اكبر من قلبه القاس فقال: (لقد نتج عن هذا كله ان اكثر الناس هاجرت ونزحت الى مصر وتونس والسودان تاركة وراءها اهلها وذويها...فاني حاسبت نفسي وضميري.. الامر الذي جعلني لم أنم هادئاً اكثر الليالي) ويقول مبرراً جرائمه البشعة لانستطيع انشاء حاضر جديد اذا لم نقض على الماضي القديم).

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:38 AM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

عمر المختار يغير استراتيجية الحرب

كانت معسكرات المجاهدين قريبة من نواجع الاهالي حتى يسهل على المختار وصحبه أخذ العشور والحصول على الذخائر والأسلحة والمؤن ولكن بعد حشر القبائل في المعتقلات الجماعية تغيرت خطة عمر المختار وطور اساليبه القتالية لما يتماشى مع المرحلة واعتمد على عنصر المباغتة وركن الى مفاجأة القوات الايطالية بعد كشفها والاستطلاع عليها في اماكن متفرقة.

يقول غراسياني: (بالرغم من ابعاد النواجع والسكان الخاضعين لحكمنا يستمر عمر المختار في المقاومة بشدة ويلاحق قواتنا في كل مكان).

وقال عنه ايضاً: (عمر المختار قبل كل شيء لن يسلم أبداً لان طريقته في القتال ليست كالقادة الاخرين فهو بطل في إفساد الخطط وسرعة التنقل بحيث لايمكن تحديد موقعه لتسديد الضربات له ولجنوده، أما غيره من الرؤساء ... فإنهم أسرع من البرق عند الخطر، فيهربون الى القطر المصري تاركين جنودهم على كفة القدر معرضين لخطر الفناء، عمر المختار عكس هذا فهو يكافح الى أبعد حد لدرجة العجز ثم يغير خطته ويسعى دائماً للحصول على أي تقدم مهما كان ضئيلاً بحيث يتمكن من رفع الروح العسكرية مادياً ومعنوياً حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً وهنا يسلم امره لله كمسلم مخلص لدينه).

كان عمر المختار قطب تدور عليه رحى الاعمال، والتف المجاهدون حوله التفاف السوار بالمعصم واستمر العمل بقيادته ومساعدة معاونيه كيوسف بورحيل، والفضيل بوعمر، وعصمان الشامي، عوض العبيدي، وعيسى الوكواك العرفي، عبدالله بوسلوم، وعبدالحميد العبار وكانت مواقف عمر المختار تدل على شخصيته القيادية البارعة في أحلك الظروف واثناء المحن، ففي احد الايام وعقب انتقام الايطاليين من احد المنتجعات التي كانت تقدم مساعدات للمجاهدين تقدم بعض زعماء القبائل باحتجاج الى عمر المختار وطلبوا منه اما ان يسلم الى الايطاليين او أن يرحل عن مواطنهم أو انهم سوف يحاربونه لكي يتجنبوا انتقام الايطاليين، وعلى اثر تسلم هذا الانذار دعا عمر المختار الى عقد اجتماع في منطقة قصر المجاهير وقد ساد هذا اللقاء حالة من التوتر وشدة في النقاش في محاولة لتجنب حرب اهلية بين المجاهدين والليبيين الواقعين في المناطق الخاضعة للاحتلال ، فرأى بعض المجاهدين تجنباً لهذا الوضع الحرج أن يهاجروا الى مصر لكي لا يتعرض الأهالي الى الانتقام وبعد حوار طويل، اظهر المختار مصحفه واقسم عليه بأنه لن يتوقف عن مجاهدة الايطاليين، وانه لن يترك الجبل الاخضر حتى يتحقق النصر او الشهادة، وفي نفس الوقت أعلن للمجاهدين انه من يريد الهجرة الى مصر فله مطلق الحرية في السفر او التسليم للايطاليين وعندما رأى المجاهدون موقف قائدهم عدلوا عن رأيهم واطاعوه وانفض الاجتماع على وحدة صف المجاهدين.

استمر غرسياني في تدابيره العسكرية، فلم يأت يوم 14 يونيو حتى كان الطليان قد استولوا على منطقة الفايدية، بأجمعها واحتلوها ونزعوا من الاهالي الخاضعين لهم 3175 بندقية ، 60.000 خرطوش.

نقل عمر المختار دائرة عملياته الى الناحية الشرقية في الدفنا نظراً لقربها من الحدود المصرية وذلك حتى يتمكن من إرسال المواشي التي يأتيه بها الأهالي الى الاسواق المصرية في نظير أخذ حاجته من هذه الاسواق ، مما جعل غراسياني يقرر إقامة الاسلاك الشائكة على طول الحدود الشرقية. قال: أن أطمأن على خطوط تمونيه البعيدة أصدر أمره الى قواته الموزعة في كل مكان ألا تزعج بعد الآن الليبيين الخاضعين لسلطاتنا حتى لايكونوا سلاحاً آخر ضده وألا يغضبوا من حركته، وهكذا يصبح أمام ضميره بأنه مسلم حقيقي، ونظيف أن مد الاسلاك الشائكة المكهربة على حدود مصر كادت أن تنتهي وستضيق الخناق عليه تدريجياً حتى يقع في الفخ الذي سننصبه له إن مصر هي المأوى الآمين لعدد كبير من الآلاف المؤلفة من البرقاويين الذين ينتمون الى القبائل العمامة والتي لها امكانياتها البشرية والمادية، وكذلك لها التأثير الكبير على كثير من النفوس التي يسهل تجنيدها وتوجيهها نحو القتال مقتنعين بأنهم يدافعون عن الدين الاسلامي وعن كيانهم معتبرين أننا مغتصبين ومعتدين على حقوقهم . هؤلاء الخارجين عن القانون ومن بينهم اعداؤنا يكونون المخازن الثانية لتمويل الثورة بالاسلحة والمؤن والرجال لكل الادوار رغم كل الاحتياطات التي اتخذتها سلطاتنا الحاكمة، زد على ذلك الاموال التي تجمع من لجان التبرعات من الاقطار العربية لمساعدة الثوار القائمين بالحرب المقدسة فوق الجبل الاخضر في برقة وحتى أن اتخذنا كل الاحتياطات ضد الخاضعين لسلطاتنا وابعادهم فالثوار لايزالون اقوياء يهاجموننا في كل مكان.

عزم غراسياني على مد الاسلاك الشائكة في الحدود الليبية المصرية المصطنعة من قبل الاستعمار مايزيد على 300كم من البحر المتوسط الى مابعد الجغبوب وقد كلف الدولة الايطالية عشرين مليوناً فرنكاً ايطالياً. وقد حقق لهم ذلك العمل أمور عدة ذكرها غراسياني في كتابه منها:

1- قضى على الثوار.

2- قضى على التهريب وأصبح دخل الدولة الايطالية في ازدياد من ناحية الضرائب الجمركية.

3- قضى على حركة الامدادات التي كانت تأتي للثوار المجاهدين من مصر عن طريق المهاجرين.

استشهاد الفضيل بوعمر

استمرت المعارك بين الايطاليين والمجاهدين ومن اشهر تلك المعارك (كرسة) التي وقعت في يوم 20 ديسمبر وقد استشهد في هذه المعركة الساعد الايمن لعمر المختار الشيخ الجليل والمجاهد الفذ الفضيل بوعمر الذي شارك في مسيرة الجهاد منذ دخول الغزو الايطالي في 1911م وشهد له بالشجاعة والاخلاص في جهاده وقد ذكر عمر المختار تفاصيل هذه المعركة في رسالة له جاء فيها ان العدو هاجم المعسكر، وكان رئيسه السيد فضيل بوعمر وقد استشهد في هذه المعركة الى جانب الفضيل اربعون شهيداً وقد وجدنا في ميدان القتال مايزيد عن 500 من العدو وبينهم ماجور وثلاثة ضباط، وشدد الطليان عملياتهم العسكرية في منطقة الجبل الاخضر بعد هذه الواقعة، واستمرت جموعهم تناوش المجاهدين مدة اسبوعين، ولكن دون الوصول الى نتيجة.

وفي اكتوبر 1930م تمكن الطليان من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثر الطليان عقب انتهائها على (نظارات) السيد المختار، كما عثروا على جواده المعروف مجندلا في ميدان المعركة؛ فثبت لهم أن المختار مازال على قيد الحياة، وأصدر غراسياني منشوراً ضمنه هذا الحادث حاول فيه أن يقضي على (اسطورة المختار الذي لايقهر أبداً) وقال متوعداً : (لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغداً نأتي برأسه).

ومع شدة قبضة الاستعمار الايطالي على المدن إلا أن ذلك لم يمنع الاهالي من القيام بواجبهم المقدس ، واستطاعت المخابرات الايطالية ان تقبض على عدد من الليبيين الذين يزودون حركة الجهاد بالمؤن والمعلومات وتم اعدامهم وقد ذكر غراسياني بعض الاشخاص في كتابه فقال: وهنا اعرض بعض الاحوال الهامة لبعض الاشخاص الليبيين الذين نفذت فيهم المحكمة الخاصة حكم الاعدام في 14 يونيو 1930م عقدت المحكمة الخاصة في شحات لمحاكمة المواطن حمد بوعبد ربه الدرسي في الميدان العام، باعتباره خائناً للدولة الايطالية، لأنه كان شيخاً لبيت من بيوت قبيلته الدرسة، وكان محترماً من سلطاتنا ولكن اتضح لدى قسم المخابرات إنه يتعاون مع الثوار في امدادهم بالمؤن والسلاح، وكانت مخياماته تعتبر شبه استراحة لجنود الثوار (المجاهدين) وعدد هذه الخيام يزيد عن عشرين خيمة بمنطقة (قصر بن قدين) المكان الذي يتزود منه الثوار بالمؤن والسلاح، وقد حكم عليه بالاعدام رمياً بالرصاص في الميدان بشحات وأمام الجماهير ، وبعد اسبوع من هذا الحادث حصلت حركة انتقامية من الثوار (المجاهدين). هجموا على نفس الميدان ، وفي وضح النهار قتل فيه عدد كبير من جنودنا... وكذلك تاجر من تجار المنطقة.

وفي شهر سبتمبر 1930م اكتشفت قوة الامن بمنطقة البركة ببنغازي أن المواطن محمد الحداد احد اعيان بنغازي ومن تجارها يتعاون مع الثوار وعن طريقه تتم حركة الامدادات من المؤن والاسلحة وكان يستضيف في بيته الثوار ويمدهم بما يلزمهم وفي الوقت والحين حضرت المحكمة الخاصة وحكمت على الأب والابن بالاعدام شنقاً أمام الجماهير التي ارادت السلطات الايطالية إحضارهم خصيصاً لمشاهدة تنفيذ الحكم، وهذا مثال آخر سليمان سيد شيخ قبيلة الطرش، كان عضواً في مجلس النواب، حاملاً لوسام النجمة الايطالية للمستعمرات برتبة ضابط، وكان يرتدي برنوس الشرف الخاص بالنواب الليبيين كنا نعتمد على آرائه ولم نفكر في يوم من الايام أن يكون ضدنا حكمت عليه المحكمة بالاعدام ، لأنه كان يستغل نفوذه ويتعاون مع الثوار...ومن هذا النوع الكثير من المشاهد التي لايمكن حصرها وقد نفذ مع مجيء المحكمة الطائرة 250 حكماً بالاعدام، ونفذ فيهم الحكم في مدة وجيزة ورغم ذلك لازال الشعب الليبي يتعاون مع الثوار الى درجة الضياع التام.

إن هذه الحقائق والمواقف التاريخية تشير الى فاعلية أهل المدن في جمع المعلومات والأموال والمؤن والأسلحة، وتهريبها الى قادة حركة الجهاد المبارك، وحرصهم على استمرارية جذوة الجهاد.

لقد وجد الايطاليون أنفسهم في حرب مع شعب دفع بكافة طاقاته نحو ساحات الوغى والفداء، وشارك معظم ابنائه بكافة مايملكون في حركة الجهاد المقدس.

احتلال الكفرة:

بعد ان استطاعت القوات الايطالية أن تعتقل قبائل برقة في معسكرات واسعة، واخذ غراسياني في مد الاسلاك الشائكة على طول الطريق على البحر المتوسط الى مابعد الجغبوب ليفصل برقة عن مصر وكان قد شرع في جمع قواته الضخمة من مختلف وحدات الجيش الايطالي والجيوش الملونة من المرتزقة ومن المعدات الحربية لإحتلال الكفرة.

كانت نقاط الاحتشاد هي العقيلة، ومرادة وجدابية وجالوا، وحشدت ايطاليا عدداً كبيراً من الابل استعداداً لنقل المؤن الى جانب سيارات النقل الكثيرة، هذا ماكان عن استعداد القيادة الايطالية ببرقة، أما عن القيادة الايطالية بطرابلس فقد جهزت هي الاخرى حملةمماثلة بقيادة الكونيل قالينا وكانت نقطة ارتكاز هذه الحملة واحة زلة وكانت القيادة العامة للحملة الموحدة تتمثل في شخص الجنرال رونكيتي تحت اشراف الجنرال غرسياني مباشرة وتحركت الجيوش الايطالية من طرابلس وبرقة في وقت واحد وبنظام موحد تسلك طريق الصحراء الى الكفرة، وتجمعت يوم 29 شعبان سنة 1349هـ بموقع الهواري، وهناك اشتبكت قواتهم مع المجاهدين في اولى المعارك وكانت معركة غير متكافئة، وقد اشترك قسم من الطائرات الايطالية مكون من عشرين طائرة، واستمرت المعركة ثلاثة ساعات قتل اثناؤها العدد الكثير من الايطاليين ومن المدافعين الذين ماكانوا يفكرون في صد العدوان طويلاً ولكنهم يحاولون إيقافه بعض الوقت ريثما يتمكن من يستطيع الفرار ليأخذ طريقه الى السودان أو مصر، لقد قاتل المجاهدون جميعاً بشجاعة وبسالة نادرة ، فلم يكفوا عن القتال، واستشهد العشرات ووقع في أسر الطليان ثلاثة عشر فقط، وغنم الطليان مائة بندقية، واحتلوا الكفرة، وهتكوا الاعراضن وفعلوا مالم يفعله انسان.

لقد كتب غراسياني عن اهتمامه بإحتلال الكفرة، وعن الاستعدادات التي اتخذتها الحكومة الايطالية اكثر من خمسة واربعين صفحة، لقد اعترف غراسياني بقوة وشجاعة المجاهدين الذين تعرضوا لقتال الايطاليين عبر الصحراء الكبرى. قال غراسياني : لقد حملتنا خسائر فادحة وكنا حريصين على تحقيق النصر بأي ثمن لكون قوات المجاهدين غير متكافئة، رغم هذا كله كانوا اشداء اقوياء صامدين ، صابرين لايتقهقرون ابداً حتى ولو ادى ذلك لفنائهم جميعاً مؤمنين بأنهم اصحاب حق وشجاعة.

لقد اعترف العدو بهم كان زادهم التمر والشعير ومع ذلك دوخوا ايطاليا، وكان من بين القادة الذين اثخنوا في الاعداء عبدالحميد بومطاري الذي تزعم قيادة الزوية والمغاربة في تلك المرحلة في جهادها ضد ايطاليا، وصالح الاطيوش وسيف النصر الذي قال فيهم غراسياني: (لقد وصل سيف النصر، وصالح الاطيوش الى المنطقة وبصحبتهم الذين هاجروا من القطر الطرابلسي فأصبح الموضوع دقيقاً وبالاخص صالح الاطيوش فهو مكابر وشديد المراس

إن المجاهد صالح الاطيوش من المجاهدين العظام الذين ساهموا في الذود عن حياض المسلمين لقد شهد له عدوه غراسياني بشدة مراسه، فله منا الدعاء بالمغفرة والرحمة والرضوان وله ولجميع اخوانه الذين سطروا لنا صفحات من البطولة والرجولة للذود عن ديننا العظيم.

إن عائلة آل الاطيوش تعرضت لبلاء عظيم ، ولقد اعطى السنوسي الاطيوش صورة حية عن ذلك البلاء الذي كابده الفارون من جحيم الكفرة في ذلك الوقت.

إن اسرة عائلة الاطيوش أسرة مشيخة أصيلة في قبيلة المغاربة، تعد نموذجاً لما قاسته مختلف العائلات الليبية البارزة عبر فترة الكفاح الطويل ضد الايطاليين، فمن المعلوم أن الكيلاني الأطيوش، الذي عينه الوالي التركي في منصب القائمقام الكفرة سنة 1910م ، توفي في العام التالي مباشرة وهو في طريقه الى جالوا للالتحاق بقوات المقاومة التركية ضد الغزو الايطالي، وأخوه سعيد قضى نحبه خلف اسوار معتقل ايطالي في العقيلة ومن بني أخيه واحد شنقه الطليان في سرت، وعبدالله استشهد في معركة النوفلية، كما قتل في البريقة اثنان آخران هما علي واحمد عبد عبدالقادر الذي قتل في سرت سنة 1918م والآخر استشهد في معركة سرت بالقرب من اجدابية، وكذلك فقدت هذه العائلة مالايقل عن اربعة آخرين ماتوا في أثناء محاولة النجاة بأرواحهم من الكفرة.

فعندما هاجم الايطاليون الكفرة رحل صالح باشا الاطيوش بأهل بيته، وكان من بينهم السنوسي ابن أخيه، وبضعة اشخاص آخرين ، في قافلة من الابل اتجهوا بها أولاً صوب العوينات على حدود السودان، فبلغوها بعد ستة ايام، وهناك ملأو قربهم بالماء وانقسموا الى فريقين، توجه أحدهما الى الشمال نحو وادي النيل، بينما عمد الفريق الآخر الى مرقة وهي واحة صغير غير مأهولة تقع في ناحية الجنوب الشرقي بالسودان. ويبلغ طول هاتين المسافتين 500 ميل و 300 ميل على التوالي، أي مسيرة 25 يوماً و15 يوماً بمعدل سير الابل العادي، ولم يكن ثمة أي أثر يمكن للمسافر اقتفاؤه ولا مورد ماء في الطريق، ولا احد يستطيع ان يتصور مدى خطورة رحلة كهذه مالم يكن قد جرب اجتياز تلك الصحارى على ظهر جمل وقد حكى السنوسي الاطيوش قصة تلك الرحلة فقال: (بعد مسيرة عدة أيام اخفقنا في الوصول الى مرقة وعرفنا أننا تائهون في الصحراء ، فرجعنا ادراجنا نقصد العوينات. لما كنا استنفذنا مؤنتنا من المياه، أصبحنا مضطرين الى نحر ناقة أو جمل كل يوم لشرب الماء المخزون في بطون الابل، وكان كل منا يحمل في مخلاته بعض لحم الذبيحة ويأكل اثناء السير ومع ان المسافة التي قطعناها منذ خروجنا من العوينات كانت قد استغرقت منا ثمانية ايام كاملة، فقد بلغت بنا شدة المحنة اننا في طريق العودة قطعنا نفس المسافة خلال أربعة ايام فقط، راكبين او ماشين ليل ونهار وفي العوينات ملأنا قرب الماء من جديد، وبعد استراحة قصيرة واصلنا السفر عامدين نهر النيل رأساً، باقتفاء آثار الفريق الآخر من جماعتنا، وعثرنا في الطرق على جثث البعض، ومن بينهم امي وأختي واثنين من اخوتي قصفتهم طائرات الطليان، او ماتوا عطشا. وكنا نغذ السير ليل نهار حتى وصلنا آبار كريم بعد تسعة ايام ونحن اقرب الى الموت منا الى الحياة، وهناك اسعفنا الحظ بلقاء بعثة استكشافية كان قد نظمها الامير عمر طوسون بقيادة ضابط بريطاني ، فحملتنا معها الى واحة الخارجة ثم الى الداخلة. ومنها انتقلنا الى المنيا حيث استقر بنا المقام مع ناس من قبيلة الجوازي التي تربطنا بها صلة القرابة. ومكثنا هناك حتى عام 1940م وعندها التحقنا بالقوات الليبية تلبية لنداء الامير).

إن هذه القصة الحزينة تعطينا صورة واضحة عن ماكابده الليبيون الذين استطاعوا الهروب من هجمة غراسياني الوحشية على الكفرة، وتلك الغارة الهمجية، ولقد تأثر العالم الاسلامي من الأخبار التي سمعوها من العوائل الليبية التي كتب الله لها النجاة، وقد قام الامير شكيب ارسلان بدور مشكور في توضيح تلك الاعمال، وكتب مقالات صادقة أصبحت وثائق مهمة للمؤرخ لتلك المحنة العظيمة التي مرّ بها الشعب الليبي المسلم فقد قال: (....إنهم لما احتلوا واحة الكفرة في 13 يناير من سنة 1931م استباحوا قراها ثلاث أيام فقتلوا ماصادفوه من الأهالي وكان من جملة القتلى بعض الشيوخ الاجلاء مثل محمد عمر الفضيل، والسيد حميد الفضيل، والشيخ فضيل الديفار وغيرهم ممن قتلوه صبراً غير داخل في ذلك من قتلوا من المعركة التي جرت بين الاهالي وجيش الحملة الطليانية وهم 200 شخص ثم ان الطليان انتشروا في القرى والبساتين ونهبوا كل ماوقع في ايديهم ولم يرحموا الشيوخ ولا الاطفال ولا النساء وصادفوا الشيخ مختار الغدامسي وهو شيخ فان بلغ ثلاثاً وتسعين سنة، ومن جلة علماء السنوسية فحملوه مقيداً بالحبال على جمل ونفوه من الكفرة فمات في الطريق. ثم اغتصبوا النساء في اعراضهن وقتلوا منهن كثيراً ممن دافعن الى الآخر عن اعراضهن. وكان نحو من 200 امرأة من نساء الاشراف قد فررن الى الصحراء قبل وصول الجيش الايطالي، فأرسلوا قوة في أثرهن حتى قبضوا عليهن وسحبوهن الى الكفرة حين خلا بهن ضباط الجيش الطلياني واغتصبوهن وهكذا نزلوا المعرات بسبعين اسرة شريفة من أشراف الكفرة الذين كانت الشمس تقريباً لاترى وجههن من الصون، والعفاف، وقد أشارت الصحف الطليانية الى هذه الحادثة وصرحت في باب الافتخار قائلة: (إن الجيش قبض على 200 امرأة من نساء الزعماء) وقرأنا ذلك باعيننا ولحضنا ان مقصود البلاغ العسكري الايطالي التبجح بكون حلائل زعماء الكفرة صرن الى الضباط إلا اننا انتظرنا جلاء الاخبار من الجهة الثانية حتى نعلم ماذا جرى بعد التثبت ، فمضى شهر حتى وردت الاخبار من المهاجرين الذين دخلوا حدود مصر بأن هؤلاء السيدات المقصورات الناشئات في اكرم بيوت الطهارة والصون قد قبضوا عليهن في الصحراء وصرن الى أولئك الفجرة الذين لايعرفون لصيانة العرض معنى ولايقيمون للشرف وزنا. وعلمنا أن بعض شيوخ الكفرة الذين احتجوا على هتك اعراض السيدات المذكورات قد أمر القائد بقتلهم ثم لما هج هائج العالم الاسلامي من جراء هذا الخبر واشباهه اذاعت الحكومة الايطالية تمويهاً ظاهراً زعمت فيه أن الجيش تأثر للنسوة المائتين المذكورات شفقة عليهن ولأجل أن يرجعن الى بيوتهن آمنات وغير ذلك من الاقاويل التي قصدت ايطاليا بها تخدير اعصاب المسلمين الذين بلغهم ماكان جرى بالكفرة من هذه الفضائع من هتك اعراض مخدرات المسلمين ومن استباحة الزاوية السنوسية المسماة (التاج) وأراقة الخمور فيها، ودوس المصاحف الشريفة بالاقدام هذا منظماً الى ماكن بلغهم من قبل من اجلاء 80 ألفاً من عرب الجبل الاخضر عن اوطانهم واماتتهم بالجوع والعطش، واخذ اطفالهم قهراً الى ايطاليا لأجل تنصيرهم الى ماكان بلغهم من فظائع كثيرة مثل حمل الشيخ سعد شيخ قبيلة (الفوائد) وخمسة عشر شيخاً من رفاقه بالطائرات وقذفهم بهم من الجو على مشهد من أهلهم حتى إذا وصل احدهم الى الارض وتقطع ارباً صفق الطليان طرباً ونادوا العرب قائلين (ليأت محمد هذا نبيكم البدوي الذي أمركم بالجهاد وينقذكم من أيدينا) هذه حادثة وغيره من الأمور في هذا الشأن كثيرة جرحت قلوب المسلمين، فجرت مظاهرات بالشام، وحلب ، وطرابلس الشام، وبيروت، وفلسطين ، وانعقدت اجتماعات في كل مكان للاحتجاج على أعمال إيطاليا، وأبرق المسلمون بالاحتجاجات الشديدة الى جمعية الامم بجنيف والى نفس موسيلني بالعبارات القاسية وقامت قيامة الجرائد العربية وحملت على توحش الفاشيت من كل جانب وامتلأت جرائد مصر بالاحتجاج والطعن في ايطاليا الى أن عطلتها الحكومة المصرية اجابة لطلب الحكومة الايطالية ووصل الصريخ الى الهند والجاوى وأضج المسلمون لهذه الاخبار وانعقد في الجاوى اجتماع كبير حضره ألوف مؤلفة من المسلمين وخطبوا خطباً شديدة ودعوا الى مقاطعة البضائع الايطالية ، وتدخلت الحكومة الهندية في الأمر وانتصرت لايطاليا بمقتضى قاعدة التكامل الاوروبي بوجه المسلمين ، وقاعدة التكافل الاستعماري بوجه الامم المقهورة واشاع قناصل ايطاليا ان كل هذه الاخبار عمّا حل بمسلمي طرابلس ملفقة لا أصل لها وبلغت بهم الوقاحة أنهم كانوا يخاطرون الناس مخاطرة على أن يذهبوا الى طرابلس بأنفسهم ليشهدوا كذب هذه الاقاويل وبلغ بهم البهتان أنهم اشاعوا ايضاً أن ايطاليا اقترحت على جمعية الامم ان ترسل الى طرابلس لجنة من عندهم للتحقيق عما ينسب الى رجالها من الأعمال الشنيعة التي هم أبرياء منها، وكل هذا اختلاق محض قصدت به ايطاليا التمويه وتخدير الاعصاب وصرف المسلمين عن مقاطعة بضائعها، وقد سكن كثير من المسلمين الى هذه التكذيبات وهدأ بالهم والحق خلاف ذلك، وكل ماشاع من الاخبار عن اعمال الطليان لاسيما بعد مجيء دول الفاشيست هو دون الواقع، ولو تأمل المسلمون فيما يأتيه الفاشيست في نفس ايطاليا من الموبقات ومن اغتيال اعدائهم السياسيين ، ومن حجر كل حرية ومن منع تأليف كل حزب يخالف حزبهم وأمام هذا الانتقام الرهيب من المسلمين في قتلهم وتغريبهم عن ديارهم، فلا تسأل ، فقد أصبحت في حكم المتواتر الذي لايصح فيه المراء بالاتفاق عشرات الالوف من الاهلين على روايته فقد نزح عن طرابلس وبرقة نحو من مائتي ألف نسمة وقيل من 300 الف نسمة منهم 20 ألف دخلوا تونس والجزائر، ومنهم 60 الفاً دخلوا مصر، ومنهم من شردوا الى السودان، ومنهم من تفرقوا في الصحارى وقد اطبقوا بأجمعهم على صحة هذه الاخبار ومشاهدتهم تلك الافعال بالعيان، وانه ليستحيل اتفاق الألوف المؤلفة على الكذب هذا فضلاً كون هذه المظالم حقيقة راهنة ماكان هذا العدد الكبير من الاهالي يترك وطنه ويهيم على وجهه في البراري او يلتمس الرزق عاملاً في أرض غيره بعد ان كان سيداً في أرضه، ومن أغرب المتناقضات والتناقض من عادة كل كاذب، أنه بينما ممثلوا ايطاليا في بلاد الاسلام يذيعون أن من شاء أن يذهب الى طرابلس بنفسه ليتحقق من كذب تلك الاخبار عن فظائع الطليان فيها فإن ابواب طرابلس مفتوحة لمن شاء الذهاب الى هناك وبينما قنصلهم في بيروت يشيع ذلك في بيروت، وبينما الحكومة الايطالية تقول هذا القول لشوكت علي الزعيم المسلم الهندي أذا بقيت ايطاليا مدة طويلة بعد احتلال الكفرة وحوادثها المؤلمة تمنع كل دخول وخروج بين الحدود المصرية والحدود البرقاوية لئلا يقف اهل مصر على الحقائق والاخبار فيزدادوا هياجاً. ولكن الحقائق لابد أن تظهر ولايمكن ايطاليا اخفاء كل ماتأتيه من الاعمال الوحشية في طرابلس وليس المسلمون وحدهم هم الذين شاهدوا أعمال الطليان وضجوا منها بل ثمة كثير من الافرنج شاهدوها وأنكروها.

لقد قام الامير شكيب ارسلان بدور مشكور في الدفاع عن الليبيين واظهار وحشية الايطاليين ، ولقد كتب في صحف ذلك الزمان مقالات حزينة، بيّن فيها الاعمال الوحشية التي قام بها الايطاليون ضد الشعب الليبي المظلوم وهذه وثيقة اخرى تاريخية لمقال كتبه الامير شكيب في مجلة الدولة العربية ولقد انتشر هذا المقال شرقاً وغرباً ونص هذا المقال:

دور الصحافة الاسلامية:

التعذيب الايطالي في طرابلس

تحرير الامير شكيب ارسلان

كانت الحركة الاسلامية تائهة عن كل مايحدث في طرابلس من تعذيب وهمجية من البرابرة الايطاليين الذين ماأتوا الى هذه الأرض إلا ليؤخروها عن التقدم والمدنية، بعكس ماكانوا يقولون ويكتبون .. نعم ان الناس علمت بأن الحكومة ايطاليا الفاشيستية نقلت مايزيد عن 80 ألف عربي من الجبل الاخضر ووضعتهم في الصحراء (سرت) ... نزعت منهم اراضيهم بحجة التعمير وان المعمرمين الايطاليين هم احق من أي أحد آخر، لانهم يتقنون هذا العمل أكثر وأحسن من العرب.

إن العالم علم بأن الجيش الايطالي احتل الكفرة وواحاتها بعد قتل السكان العزل والثوار الذين دافعوا عن وطنهم الى النهاية، وان الصحافة الايطالية تتبجح وتنشر بأن جيشها اسر مائة امرأة وهن زوجات الشيوخ هناك.

وفي مجلتنا (الدولة العربية) وجهنا سؤالنا الى الايطاليين الفاشستيين عن معنى هذا التبجح باسر مائة امرأة.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:39 AM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

مع العلم بان التقاليد والعادات العالمية وبالأخص البيئة العربية التي تنفي اضطهاد المرأة أو النساء خصوصاً أثناء قيام الحرب. ولكن ماكنا نعتقد أن دولة تعتبر نفسها من دول البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارة الأوروبية أن تصل إلى هذه الدرجة من الانحراف والخروج عن جادة التمدن والرقي. لم يسبق في تاريخ البشرية بل في تاريخ البربرية ، أن معاملة الجيش الايطالي الفاشستي للنساء هي معاملة وحشية بدرجة تتقزز منها النفوس، فهي معاملة سيئة سواء في طرابلس أو في برقة.

أن هذه الأخبار لم تكن نسيجاً من خيال وفكرة طارئة وإنما هي حقائق يرويها من أسعده الحظ بالنجاة من المذابح التي قام بها الجيش الايطالي الفاشستي.
شرحوا لنا مايلي:

1- عندما اتجهت القوات الايطالية لاحتلال الكفرة كانت معززة بالطائرات التي تلقي قنابلها على السكان العزل من شيوخ ونساء وأطفال وخلاف هذا سمحوا لجنودهم أن يعبثوا بالسكان لمدة ثلاثة أيام مطلقي الأيادي في البيوت والأسواق والمساجد وفي كل النواحي تصرفات وحشية لم تخطر على بال احد نهبوا وقتلوا واحرقوا كل مامروا به ولم يتركوا أي جريمة تخطر ببالهم إلا وارتكبوها، قتلوا العلماء والشائخ، هتكوا حرمات البيوت وبقروا بطون النساء وان عدد العائلات التي قضي عليها عند احتلال الكفرة يزيد عن 70 عائلة من علية القوم، وعلاوة على هذا فقد اتخذوا زاوية السنوسي (التاج) كحانة شربوا فيها الخمر حتى ثمالة الجنون وشربوا نخب القضاء على المسلمين واحتلال طرابلس وبرقة .. ألقوا بالمصاحف القرآنية في الإسطبلات تحت سنابك الخيل وبالكتب العلمية أوقدوا بها النار تحت قدورهم لطهي طعامهم. وقد استشهد من الثوار في احتلال الكفرة مايزيد عن (200) شهيد من بينهم المشايخ الآتية أسماؤهم:

الشيخ صالح العبادية، الحاج سليمان بومطاوي، الشيخ غيث بوقنديل ، الشيخ سليمان الشريف، الشيخ محمد يونس، الشيخ احمد بو اشناك وحفيده الشيخ عمر، الشيخ حمد الحامي ، الشيخ عبد السلام بوسريويل، الشيخ محمد المسحوق وحفيده على بن حسين ، الشيخ محمد العربي، الشيخ محمد بوسجادة الشيخ محمد الفايدي الجلولي ، الشيخ خليفة الدلال. أما الرواية الثانية هي كيف تم احتلال الكفرة من أولئك الغاشمين المتوحشين من مشاهدين حقيقيين لتلك الأحداث، قبل دخول الايطاليين إلى الكفرة قامت طائراتهم بقصف واحات الكفرة بقنابلهم الفتاكة فوق السكان العزل حيث قتل عدد كبير من النساء والشيوخ والأطفال ، وبعد أن دخلوا الكفرة أطلقوا أيدي جنودهم لمدة ثلاثة أيام للعبث والتخريب في الكفرة فقد أطلقوا بغالهم وخيولهم حيث دوت كل المزروعات فاستولوا على كل المواد الغذائية وقطعان الأغنام والبقر لتموين جنودهم المحتلين دون مقابل وعلاوة على هذا نهبوا أثاث السكان وقسموها على إدارات الجيش الزاحف كذلك ملابس النساء وحليها، هذا قليل من كثير زد على ذلك اعتداءاتهم على حرمات الناس العزل دون وازع من ضمير، وعندما اتجه بعض المشايخ إلى قائد الحملة راجين منه إصدار أمره إلى الجنود بالكف عن هذه الاعتداءات على الناس كان مصيرهم القتل رمياً بالرصاص باعتبارهم خونة، وبالاختصار أن الايطاليين عندما احتلوا الكفرة قاموا بأعمال وحشية لم يسبق أن حدثت في التاريخ حتى في القرون الوسطى عهد الهمجية.

أن قضية الـ 80.000 عربي الذين نقلتهم القوات الغاشمة من أراضيهم الخصبة في الجبل الأخضر إلى مناطق جدبه صحراوية لا ماء فيها ولا كلأ، هي منطقة (سرت) كي تموت المواشي جوعاً، وعطشاً . أما البقية فقد استولى عليها الجنود الايطاليون وأصبحوا فقراء تدفع لهم الحكومة الايطالية فرنكين عن كل يوم لكل شخص مهما كان عدد عائلته. إما بالنسبة لحلي النساء وملابسها فقد نهبها الجنود الايطاليون، وأصبحت العائلات في هوة الفقر سواسية. وفي أثناء مرافقة هذا العدد الضخم من رجال ونساء وأطفال، كان الجنود يسومونهم سوء العذاب وكل من يعجز عن المسير مصيره الموت فيقتلونه ويتركونه يتخبط في دمه.

إن الرجال والشبان الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 40 سنة اجبروا على الانخراط في قوات الجيش. وأما الصغار الذين تتراوح أعمارهم من 14 سنة فقد اخذوا بالقوة من أهليهم وأرسلوا إلى ايطاليا بحجة تعليمهم، ولكن في الحقيقة من اجل تنصيرهم.

وهذا ماكان يتحدث به سكان (روما) وهو تنصير الليبيين بصورة عامة والطرابلسيين بصورة خاصة. ورغبة الايطاليين الفاشستيين هي القضاء المبرم على العنصر الإسلامي في ليبيا، فإذا ليبيا تصير ايطالية وبجوارها مصر، سوف تتعرض إلى أكبر خطر. وان مصر لن تسكت عن هذا الإجراء لان الايطاليين في اعتقادهم المريض إن مصر ليست دولة عربية، وإنما هي خليط من عدة أجناس.. الأمر الذي يجعل ايطاليا تحكم بأن تغزو مصر وتتمكن من ارضها وشعبها كما تمكنت من طرابلس . أن الوعود المعسولة التي كانت تصرح بها السلطات الايطالية. وتمنياتها الطيبة التي كانت تعرضها على الشعب الليبي وإنها -يعني ايطاليا- ما أتت إلا لتخلص الشعب الليبي من الاستبداد التركي. ولأجل أن تذر الرماد في أعين الناس، أتت بإدريس وقلدته لقب الإمارة ووعدته بالحكم الذاتي، ولكن كانت دائماً وعوداً فقط. وهاهي ايطاليا تلغي كل شيء وتبدأ في سفك الدماء وتطرد السكان من أراضيهم وأموالهم وأخذت أولادهم وبناتهم إلى ايطاليا من أجل تعليمهم، وفي الواقع من أجل تنصيرهم.. إني اقل على المسلمين أن يتذكروا هذه كله وان يتفهموه..فان هناك من يتفلسف ويتشدق بالقول بأن في أوروبا تسود العدالة والحرية، وان الدول الأوروبية لا تتعرض للقضايا الدينية، وان السبب في سقوط المسلمين هو التعصب الأعمى: أن هذه الألفاظ وهذه المغالطات تنذر المسلمين جميعاً بأنهم إذا لم يتحدوا ويذودوا عن حياضهم سوف يتعرضون إلى القضاء ويفقدون قواتهم المسلحة وحرياتهم السياسية، سوف يحدث لهم كما حدث لطرابلس إذا لم يحافظوا على حريتهم واستقلالهم أن موقف ايطاليا من حضارة القرن العشرين موقف غير مشرف فقد رجعت إلى معاملات القرون الوسطى.

أن الايطاليين المتوحشين لم يتحرجوا لا كبيراً ولا صغيراً فقد اعتدوا على الحريات اغتصبوا النساء وهتكوا الأعراض. كل هذه الأعمال من أجل اضطهاد المسلمين وروحهم الانتقامية.

لقد زجّ الايطاليون في السجون الكثير من الأهالي ومشايخ القبائل وقد عارضهم وندد بأعمالهم الشيخ سعد الفايدي شيخ قبيلة الفوايد فما كان منهم إلا أن قتلوه ومعه 15 من أبناء قبيلته البعض منهم ألقي من الطائرة من علو 400 متر وكلما كانت الطائرة تلقي بواحد منهم هناك كان الهتاف يعلو وصياح الجنود يزداد.

إن الصحفي الدانمركي الشهير (كنود هولمبوي) الذي اعتنق الإسلام وقام بجولة سياحية أثناء هذه الفترة في ليبيا، قد شاهد بنفسه وعينيه كل التعذيب والاضطهاد الذي يقوم به الجنود الايطاليون الفاشيست يقول:

شاهدت 20 عربياً مسلسلين .. شنقهم الجنود بأمر من ضابطهم دون محاكمة ولم تكن هناك محكمة.. هذا المنظر البشع أثر في نفسي ولم يكن في اعتقاده أن دول مثل ايطاليا الفاشستية وهي إحدى دول البحر الأبيض المتوسط تقوم بمثل هذه القسوة وهذه الوحشية. إنها جرائم سيسجلها التاريخ في صفحة سوداء ، وسيبقى وصمة عار في جبين الدولة الايطالية على مدى الدهر والأزمان.

إن ايطاليا أرادت أن تحذو حذو فرنسا في تنصير المسلمين إبان حكمها في المغرب فقد عملت ووزعت المبشرين في طول البلاد وعرضها وبنت العديد من المعابد والكنائس في كل المدن والقرى لتقضي على الدين الإسلامي وهكذا عملت ايطاليا فقد بنت المعابد في طرابلس وبنغازي وكل القرى وأمرت المبشرين بأن يسعوا بكل الوسائل لتنصير العرب مهما كان الثمن. وقد فاقت على فرنسا بطريقة أخرى فأخذت الأطفال من حجور أمهاتهم وبعثت بهم إلى ايطاليا إلى تلك المعاهد المسيحية لتعليم هؤلاء الأطفال الدين المسيحي.. وعزلهم عزلاً كلياً عن وطنهم وبيئتهم ..بحيث يشبون ويترعرعون في الجو الفاشستي والكنيسة المسيحية.

إن سياسة ايطاليا الفاشستية هي القضاء على الدين والعقيدة وإبعاد المسلمين عن معابدهم ومساجدهم وكم من مرة صرح موسوليني رئيس الحكومة والحزب الفاشستي في خطاباته بعد احتلال (الكفرة) بأنه عازم على تثبيت ثلاثة ملايين من السكان الايطاليين في الأراضي الليبية الخصبة. وقد أيد هذا الرأي الكثير من السياسيين وأبرزها الكثير من الصحفيين على صفحات جرائدهم ومجلاتهم.

منذ أيام قرأت بالجريدة الرسمية المرسوم الملكي القاضي بمصادرة أملاك المواطنين وأوقاف المسلمين والزوايا السنوسية وأوقافها. وبهذه الطريقة الجهنمية عملت ايطاليا الفاشستية على تملك الايطاليين كل الممتلكات الليبية وبالتدريج وإبعاد الليبيين من كل المجالات حتى تصبح ليبيا خالية من كل العناصر ولا يبقى بها إلا الايطالي المسيحي الكاثوليكي.

إذ الكلام الصادر من الجنرال أو المارشال لم يكن إلا ذوداً وبهتاناً وتضليلاً لتهدئة المسلمين ؟ حتى تستطيع السلطات الايطالية الفاشستية تنفيذ أغراضها الاستعمارية. وهي إن استحوذت على الملايين من هكتارات الأراضي الزراعية وغيرها (من أين لها هذه الأراضي) فالجواب معروف. استحوذت عليها بطرد أهلها الحقيقيين ونقلهم إلى المناطق الهلاك هم ومواشيهم على السواء أمام أعين العالم المتمدن.

وأمام عصبة الأمم. وبالاختصار تبجح الايطاليون بقولهم ان طرابلس وبرقة كانتا رومانيتين .. فلابد أن ترجعا رومانيتين كما كانتا - هذا هو هدف الفاشيست بدون تردد.

إننا لانصدق مايقولون لقد خالفوا القواعد الدولية والإنسانية، ولم ينفذوا حرفاً واحداً من تعهداتهم إلى الطرابلسيين والبرقاويين، حتى التعهدات الكتابية والاتفاقات المبرمة بينهم وبين إدريس السنوسي، فكانت عبارة عن أكاذيب وكسب للوقت. نحن مقتنعون بأن كل ماكتبناه وأعلناه على الملأ أجمع ستكذبه السلطات الفاشستية، وستوجد لنا مضابط لكي تدحض أقوالنا ولكن كل ماكتبناه ثابت وصحيح ومصدره من جهة عاصرت الأحداث وهي هيئة التحرير الليبية في دمشق فقد أثبتت الحوادث والاعتداءات بالوثائق الرسمية، وبالأخص في احتلال الكفرة فقد ارتكب الجنود الايطاليون الفاشيست أبشع الجرائم باعتداءاتهم على النساء وقتلهم الشيوخ والأطفال. واعتدوا على حرمات المساجد والمقدسات. وقد ادعت ايطاليا بأن كل الأعمال العسكرية التي قامت بها ماهي إلا تأديب لأناس أعلنوا العصيان على دولتهم، وهذه حجة واهية لايقبلها العقل ولا تقوم بها دولة متمدنة كما تدعيه ايطاليا الفاشستية. وان الثوار في العرف الدولي لم يكونوا من العصاة على الدولة وإنما هم أصحاب حق يدافعون عنه ، اغتصبه عدو دخيل.

بقي علي أن اختتم مقالي هذا الذي كتبته لا أريد منه تحريض المسلمين على أن ينتقموا من الايطاليين الذين يعيشون معهم حاشا لله نحن لسنا من الانتقاميين ولا في الجهل مثل الايطاليين الفاشيست وليس من شيم أخلاقنا أن نستعمل القوة على من هو أضعف منا.

وان المسلمين لن يغيروا أبداً تراثهم الخلقي الذي ورثوه أباً عن جد. ولكني أقترح ماهو آت:

1- جمعية الشبان المسلمين في كل بلد عليها أن تحتج على كل أساليب الاعتداء والإجرام التي ارتكبتها ايطاليا الفاشستية في ليبيا. وان ترسل برقية احتجاج شديدة اللهجة إلى عصبة الأمم وتنشر على الصحف العالمية.

2- كل المدن والمقاطعات الإسلامية التي تتقد حماساً والدم الساخن الذي يجري في عروقهم، عليهم أن يقدموا احتجاجاتهم إلى عصبة الأمم برقياً مستعجلاً ونشرها جميعاً على صفحات مجلاتهم وجرائدهم المحلية .

3- إن مجموعة الدول الشرقية بالقاهرة هي كذلك عليها أن تحتج وتندد بأعمال القمع والعنف التي تقوم بها ايطاليا الفاشستية وتقدمه إلى عصبة الأمم مثل الهيئات الأخرى.

4- كل الهيئات الإسلامية والعربية والشرقية بالقاهرة وسوريا والعراق والعربية السعودية والهند وجاوا وغيرها لابد وان يقوموا بواجبهم نحو القضية الليبية.

5- عقد اجتماعات شعبية في المدن الإسلامية وإلقاء الخطب الحماسية لشرح ظلم واستبداد السلطات الايطالية الفاشستية وهتافات بسقوط العدو الغاصب.

6- يجب على كل المسلمين أن يقاطعوا كل البضائع الايطالية والسفن وكل الوسائل والأعمال وكل شيء يحمل اسم ايطاليا، وقطع كل العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكذلك تكوين لجان شعبية خاصة بمراقبة البضائع الايطالية.

7- طبع المنشورات وكتيبات تبين فيها تصرفات ايطاليا الفاشستية واضطهادها للشعب الليبي، ويكون طبعها كذلك باللغة الانكليزية والفرنسية والألمانية والايطالية ويكون توزيعها بالآلاف في أوروبا وفي كل العالم ومن واجب كل مسلم أن يقوم بإلصاق هذه المنشورات في كل الشوارع والميادين، وتوزيع الكتيبات في كل مكان من العالم. كذلك على كل مسلم أن يعلق في بيته بعضاً من هذه المنشورات حتى لاينسى مايعانيه الشعب الليبي من اضطهاد وتعذيب.

أيها المسلمون:
لا تقولوا بأن هذا الحديث في طرابلس وليبيا فقط وإنما الليبيون الشرفاء طعنوا في شرفهم.. في دمائهم.. في دينهم وفي أموالهم وممتلكاتهم وكذلك سيحدث لكم أنتم مثل هذه المأساة وسيحل بكم العذاب كما حل بالليبيين الشرفاء إذا لم تدافعوا عن أنفسكم ، إذا لم تبينوا أنفسكم أنكم أحياء.

أيها المسلمون:
في الوقت الحالي لن تستطيعوا الدفاع عن أنفسكم وبسلاحكم فقط بل سخروا أقلامكم وكذلك باجتهادكم وبصبركم على المكائد، لتدافعوا عن كيانكم وعن أرضكم وعن مقدساتكم وتثبتوا للعالم بأنكم شعب يعرف كيف يقاوم .

لوزان 12 ذو القعدة ، 7 ابريل 1931م
شكيب ارسلان


رسالة من عمر المختار إلى شكيب أرسلان

قال شكيب ارسلان ولما حررت المقالة التي نشرتها عن فجائع طرابلس وبرقة سنة 1931م على أثر دخول الطليان الى الكفرة وارتجف لها العالم الاسلامي غضباً وعلا الصراخ من كل جهة جاءني من الشيهد الاكبر بطل الجبل الاخضر السيد عمر المختار الكتاب الآتي:

كانت تلك الجهود التي قام بها الأمير شكيب أرسلان وصلت أخبارها للمجاهدين، فأرسل قائد حركة الجهاد رسالة شكر واحترام وتقدير لتلك الأعمال وهذا نص الرسالة (إنه من خادم المسلمين عمر المختار إلى المجاهد الأمير الخطير أخينا في الله وزميلنا في سبيل الله الأمير شكيب أرسلان حفظه الله بعد السلام الأتم والرضوان الشامل الأعم ورحمة الله وبركاته قد قرأنا مادبجه قلمكم السيال عن فظائع الطليان وما اقترفته الأيدي الأثيمة من الظلم والعدوان بهذه الديار فإني وعموم إخواني المجاهدين نقدم لسامي مقامكم خالص الشكر، وعظيم الممنونية. كل ماذكرتموه عما اقترفته أيدي الإيطاليين هو قليل من كثير وقد اقتصدتم واحتطتم كثيراً ولو يذكر للعالم كل مايقع من الإيطاليين لاتوجد اذن تصغي لما يروى من استحالة وقوعه، والحقيقة والله وملائكته شهود أنه صحيح وأننا في الدفاع عن ديننا ووطننا صامدون، وعلى الله في نصرنا متوكلون وقد قال الله تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته في 20 ذي الحجة 1349هـ).

وقد علق شكيب أرسلان على تلك الرسالة فقال: ومالاحظه الشهيد المشار إليه هو عين الحقيقة فإن الناس يصعب عليهم أن يصدقوا الشناعات والدناءات والنذالات التي أقدم عليها الطليان في طرابلس ولاسيما الفاشيست منهم.

إن رسالة عمر المختار للأمير شكيب أرسلان نستخلص منها فوائد جمّة، ففي قوله من خادم المسلمين دليل على تواضعه وافتخاره بكونه من خدّام المسلمين وهذا المعنى له مدلول عند الشيخ عمر المختار، فهو يتقرب إلى الله تعالى بخدمة المسلمين وهي من أعظم القربات عند الله تعالى، وفي قوله إلى المجاهد الأمير الخطير: وصف الأمير شكيب بالمجاهد وهو بالفعل جاهد مع الليبيين بجانب جنود الأتراك ضد الطليان، وفيه دلالة على اهتمام عمر المختار بالمصطلحات الشرعية فلم يقل مناضل، أو مكافح، أو ثائر .. وإنما تقيد بوصفه مجاهد لدلالة هذه الكلمة وعمقها في أوساط المسلمين، ووصفه بالخطير كيف لا وقد كانت مقالاته أنفذ من الرصاص في قلوب الإيطاليين، وساهمت في تشكيل تعاطف إسلامي وعربي كبير مع القضية الليبية العادلة، وفي قوله أخينا في الله فيه دلالة رابطة العقيدة التي جعلت المسلمين أخوة، فهي فوق كل الروابط الأرضية، وفي قوله بعد السلام الأتم والرضوان الشامل الأعم: فيها قوة العبارة، وبلاغة الأسلوب، وروعة المدخل، وفي قوله: قد قرأنا مادبجه قلمكم السيال عن فظائع الطليان، دليل على متابعة المجاهدين لما يجري خارج البلاد وله علاقة بقضية شعبنا، وأما بقية الرسالة ففيها تأكيد للأمير شكيب عن المعلومات التي وصلت إليه وقام بنشرها، وفيها إصرار قوي على مواصلة الجهاد والدفاع عن الدين والوطن، وفيها توكل على الله عظيم هذا وقد قامت جمعية الشبان المسلمين بمصر بنشر بيان عن سياسة الإبادة والاستئصال التي تبعتها ايطاليا في طرابلس الغرب وألقي ذلك البيان في اجتماع عظيم في نادي جمعية الشبان المسلمين ووقع عليه أهل الرأي، والمكانة في مصر ليرسل إلى جمعية الأمم، ويذاع في العالم الإسلامي وجاء في ذلك البيان الحديث عن:

سياسة التهجير
لقد شهدت مصر مشهداً لاتستطيع الإنسانية أن تعرض عنه متجاهلة ما انطوى عليه من الآلام وذلك أن مئات من بني الإنسان بين رجال ونساء وأطفال وشيوخ اضطروا تحت ضغط الجور إلى أن يتركوا أوطانهم تخلصاً من الظلم، وأن يهيموا على وجوههم في القفار، ولولا مروءة مأجور الواحات المصري الذي خرج هو ورجاله للبحث عنهم حتى لقيهم وأنقذهم لهلكوا عطشاً وجوعاً أولئك هم فريق من إخواننا الطرابلسيين الذين خرجوا من قسوة الحكم الإيطالي الذي لايطاق.

سياسة القتل والرمي في البحر
ولم تكد أعيننا تكفكف الدموع على هذا المشهد الذي شهدته على اليابسة حتى حملت إلينا أمواج البحر في السلوم مشهداً آخر أفظع من هذا وأشنع، فرمى البحر إلى هذا الساحل المصري أربع عشرة جثة من جثث هؤلاء الطرابلسيين مغلولة في سلسلة واحدة.

عمل الإيطاليين في الكفرة
ثم توالت الأخبار بأن زاوية الكفرة المنقطع أهلها للعبادة قد أمطرتها طائرات الإيطاليين بالقنابل وفتكت بأهلها فتكاً ذريعاً، وبعد ذلك هاجمها الجيش، وكاد يأتي على البقية من أهلها ولم يتعفف عن هتك الأعراض وسلب الأموال وبقر بطون الحوامل.

قتلهم لأهل العلم
وقد قتل من أهل الكفرة في هذه النازلة كثيرون منهم الشيخ أبو شنة، وابن أخيه الشيخ عمر والشيخ حامد الهامة، والشيخ عبدالسلام أبو سريويل، والشيخ محمد المنشوف، وابن أخيه على بن حسين، والشيخ محمد العربي، والشيخ محمد أبو سجادة، والشيخ أحمد الفاندي الجلولي، والشيخ خليفة الدلاية.

قتلهم لكبار شيوخ الكفرة
ولما ذهب كبار شيوخ زاوية الكفرة إلى القائد الكبير يرجونه وضع حد لهذه المذابح أمر بذبحهم فذبحوا أمامه كما تذبح الشياه.

قتل الأبرياء برميهم من الطائرات
ومن الفظائع التي ارتكبها الإيطاليون في برقة، ونقلها الرواة الصادقون أنهم وضعوا أحد مشايخ عائلة الفوائد المدعو الشيخ سعد وخمسة عشر شخصاً من العرب في الطائرات وارتفعوا بهم عن سطح الأرض ثم جعلوا يلقونهم واحد بعد الآخر ليموتوا موتة لم يسبق لها مثيل.

انتزاع الأراضي من أهاليها وتجويعهم
ومن الفظائع التي ارتكبوها في الجبل الأخضر إخراج أهله منه وهم لايقل عددهم عن ثمانين ألف عربي إلى بادية سرت القاحلة، ثم أذاعوا بواسطة قنصليتهم في بلاد الأرجنتين أن حكومة طرابلس و برقة تعطي الأراضي الخصبة فيها لكل إيطالي يريد النقلة إليها، وبلغت مساحة الأراضي التي أخذت غصباً نحو من مائتي ألف هكتار ولاتزال الحكومة الإيطالية تحث الإيطاليين على استعمار هذه الأراضي وقبل انتزاع أراضي الجبل الأخضر من أهله في هذه السنة انتزعت في سنة 1924م ما مساحته 420 ألف هكتار بدون مقابل، وفي بعض الأحيان كان المقابل عن المائة ألف هكتار ستة آلاف فرنك إيطالي - أي خمسين جنيها تقريباً، وقد خرج أهالي الجبل الأخضر عند انجلائهم منه وهم لايملكون مايقتاتون به فرتبوا لكل عائلة فرنكين في اليوم وهم الآن يعيشون بهذا المرتب عيشة بؤس تفتت الأكباد، وفي أثناء نقلهم إلى صحراء سرت كان كلما عجز واحد منهم عن مواصلة المشي يرمى بالرصاص.

ترحيل الأطفال إلى إيطاليا لتنصيرهم
وفضلاً عن كل ذلك فقد جمع الإيطاليون الأطفال الوطنيين من 3 إلى 14 وأخذوهم من أهلهم وأرسلوهم إلى إيطاليا بزعم تعليمهم فيها، وجمعوا الشبان من سن 15 إلى 40 وألحقوهم بالجيش واستخدموهم في محاربة أهلهم وبلادهم.

أرساليات التبشير بين الأهالي
وبلغ الاستهتار بالشعور الإسلامي مبلغاً عظيماً بين إرساليات التبشير المنبثة الآن بين الأهالي، ومن صدور الأوامر المشددة على الخطباء في الجوامع بالدعاء لملك إيطاليا على المنابر.

خداعها للأهالي
وقد حدث مراراً أن الحكومة تعلن عن العفو والأمان، فإذا وقع العفو عنهم وغدو في قبضتهم غدرت بهم، وممن ذهبوا ضحية هذا الغدر من رؤساء القبائل خليفة بن عسكر، والشيخ عبيدة الصرماني، وأحمد الباشا، وابراهيم بن عباد، والهادي كعبار وابنه محمد كعبار، والشيخ أحمد أحمد الحجاوي، والشيخ علي الشويخ، والشيخ عبدالسلام بن عامر، والشيخ محمد التريكي، والشيخ شرف الدين العمامي، والشيخ أحمد بن حسن بن المنتصر، والشيخ عمر العوراني، والشيخ محمد عبدالعال، ومن الضحايا لايعرف لهم ذنب، الشيخ صالح العوامي وهو شيخ يبلغ التسعين عاماً من أهل العلم والصلاح قبضت عليه إيطاليا سنة 1923 وزجته في سجن بنغازي إلى أن مات فدفن بمحل مجهول، فأرواح هؤلاء الضحايا تصيح بالإنسانية جميعها، وبجمعية الأمم بنوع خاص أن هلمي إلى انقاذ البقية الباقية من أبناء الإنسانية المعذبة في هذه الربوع من سياسة الفتك والاستئصال والإبادة التي تتبعها إيطاليا في طرابلس المنكودة وأن العالم الإسلامي يعتبر ماوقع ويقع في طرابلس الغرب عدواناً مباشراً على كل مسلم مهما كانت جنسيته ووطنه، وسيبقى عار هذه الأعمال لاصقاً لإجراء تحقيق دولي حر دقيق في نفس بلاد برقة وطرابلس عن كل ماجرى فيها وإعلان نتيجته كما تقتضيه العدالة والحق، والموقعون على هذا يطلبون من جمعية الأمم اجراء هذا التحقيق تنزيهاً للإنسانية عن لحوق هذا العار بها إلى الأبد ويرجون بالحاح أن يكون لهم مندوب يختارونه مع لجنة التحقيق، وهم ينتظرون ماتقرره العصبة في هذا الشأن بفارغ الصبر.

التوقيعات:

1- محمد الشرقاوي.

2- خليل الخالدي رئيس الاستئناف الشرعي بفلسطين.

3- محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار الإسلامية.

4- محمد عبداللطيف دراز من العلماء وعضو مجلس إدارة.

5- جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة.

6- محمد عبدالرحمن قراعة من العلماء ومدرس بالأزهر الشريف.

7- عبدالوهاب النجار، وكيل جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة.

8- محمد كامل القصاب.

9- محمد تقي الدين الهلالي، الأستاذ الأول للآداب العربية بندوة العلماء بالهند.

10- علي سرور الزنكلوني، المدرس بقسم التخصص بالأزهر.

لقد عبث الجنود الإيطاليين بالمكتبة السنوسية، التي كانت ثروة علمية ضخمة فأخذت أيدي الجنود تبددها ذات اليمين وذات الشمال وتقد بها النيران للطعام، وأخيراً صدرت الأوامر بجمع ماتبقى منها ونقله إلى بنغازي فنقلته أربعون سيارة شحن كبيرة وعدد كبير من الإبل، ولم تنج هذه المكتبة بعد وصولها إلى بنغازي من العبث فقد تسرب الكثير منها إلى أيدي الأفراد، ونقل قسم كبير منه إلى إيطاليا، وهكذا وصلت يد الفساد الإيطالية إلى كل شيء في ليبيا.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:39 AM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

عندما تم اعتقال جميع أهالي برقة وحصرهم، وتم احتلال واحة الكفرة لم يعد إذن أمام سفاح برقة إلا شيء واحد هو إتمام وضعية مد الأسلاك الشائكة التي ستفصل بين برقة ومصر فصلاً نهائياً، فأخذ في سرعة تتميمها مجنداً لذلك كل ما لديه من إمكانيات، وكان قد استدعى شركات المقاولات الخاصة من إيطاليا، فتعهدت كل شركة منها بإتمام الجزء المخصص لها تحت إشراف القيادة العسكرية التي وضعت مهندسيها تحت تصرف هذه الشركات، وقد استوردت الحكومة الإيطالية معدات خاصة من ألمانيا فضلا عما جاءت به من إيطاليا لهذا الغرض المطلوب، ووضعت تحت تصرف هذه الشركات عشرات الآلاف من العمال الذين جندتهم من المعتقلات تلهب ظهورهم السياط، وهكذا امتد خط الأسلاك الشائكة من البحر المتوسط إلى ما بعد الجغبوب فكان طوله حوالي ثلاثمائة كيلومتر، ثم وضع غرسياني نقاط عسكرية مزودة بجميع المعدات الحربية، وربط بعضها ببعض من حيث الاتصال فيما إذا احتاجت نقطة لمساعدة الأخرى تهب بسرعة، ومن هذه النقاط: مساعد، والشقة وبئر الغبي، وقبر صالح، وسيدي عمر، وبئر حكيم، ثم زوّد غرسياني هذا السياج المحكم بمولدات كهربائية لمده بالنور حتى لا يستطاع الإفلات منه مهما تكن الأحوال، وإذا ما قدر لأي إنسان أن يصل إليه فسيواجه معركتين عسيرتين لا سبيل لإفلاته من إحداهما إذا ما تيسر له الإفلات من الأخرى، وتتمثل المعركتان في محاولة تقطيع الأسلاك، وفي الدفاع عن النفس، وتقطيع الأسلاك يحتاج إلى معدات فنية وإلى وقت من الزمن فكيف إذن لمن يتمكن من الوصول إلى هذا السياج إجراء عملية التقطيع وعملية الدفاع في آن واحد.

كان المجاهدون مستمرين في جهادهم والقوات الإيطالية تشتبك معهم وهي مجهزة بالمصفحات والطائرات والمدفعية وكان القتال لا يتوقف وقد أورد الجنرال غرسياني في كتابه أنه التقى مع عمر المختار في مائتين وستين معركة خلال الثمانية عشر شهراً ابتداء من حكمه في برقة إلى أن وقع عمر المختار أسيراً وقد ثبت المجاهدون في حالتي الدفاع والهجوم.
كان المجاهدون يقضون معظم أوقاتهم في حالة استعداد قصوى ويوجهون الضربات المحكمة للطليان وحار سفاح برقة في أمر المجاهدين، ورغم الإجراءات التي اتخذها والتي كان يثق في فائدتها إلا أنه أصيب بالقنوط واليأس وأصبح كل أمله في موت عمر المختار الطبيعي قائلاً لكبار مرؤوسيه في أكثر من مناسبة: إن عمر المختار شيخ كبير ولابد من موته عاجلاً أو آجلاً فعلينا أن ننتظر تلك الساعة ولعلها لا تكون بعيدة، وفكر غرسياني ذات مرة تفكيراً غريباً وإن كان لا يستغرب على تفكيره أي شيء، فكر في إحراق جميع غابات الجبل الأخضر، ودرس هذا الموضوع جدياً مع مستشاريه السياسيين والعسكريين. إلا أن السيد صالح بك المهدوي أحد زعماء بنغازي استطاع أن يثني غرسياني عن هدفه بعد أن اجتمع به وشرع غرسياني يتكلم عن عمر المختار محملاً مسؤولية ذلك إلى جميع أهل البلاد، وقال عنهم لو أنهم صدقوا معنا لما استمر عمر المختار في موقفه اليائس يقاتل جنودنا، ثم انتقل فجأة ليتحدث عن موضع حرق غابات الجبل الأخضر وقال: إن الحكومة الإيطالية يهمها أن تنهض بهذه البلاد، وإن عمر المختار وقف عقبة في سبيل النهوض، وحاولت الحكومة أكثر من مرة أن تنصحه للإقلاع عن محاربتنا ولكنه رفض الانصياع إلى نصائح الحكومة معتمداً على اختفائه في مغارات الجبل وغاباته، ولقد صممت أن أزيل هذه الغابة التي يحتمي وراءها ساخراً بقوة الحكومة، وسكت الجنرال قليلاً، ثم طلب من صالح بك المهدوي أن يشاركه البحث في هذا الموضوع فأجابه بقول:إن عمر المختار سينتهي بلا شك فقاطعني عند كلمتي هذه بقوله (أكو أكو . كويستا لفيريتا . يانوتا يانوتا . سينتا . سينتا . ديري . ديري . أو أنتي . أو أنتي .) ومعنى هذه الكلمات الإيطالية هو: هكذا . هكذا . هذه هي الحقيقة ( أسمع يايانوتا (الترجمان) أسمع . أسمع . قل . قل . استمر . استمر) إنكم يادولة الوالي اتخذتم بحزم جميع الاحتياطات التي من شأنها القضاء عليه، والمسألة مسألة وقت لا أقل ولا أكثر وهنا تحمس الجنرال لكلماتي هذه كأنها صادفت هوى في نفسه، أو كأنني قلت له شيئاً كان يريد أن يسمعه.

وقلت له مواصلاً الحديث: إن الدولة الإيطالية في حاجة لاستثمار كل شجرة في هذه البلاد، وسوف يكون فضل هذا الاستثمار المنتظر على أيديكم فإذا ما أقدمتم على حرق الغابات والكلمة الأخيرة لدولتكم فسوف يمر زمن طويل وطويل جداً دون إعادتها من جديد لما كانت عليه، هذا إذا لم يكن إعادتها مستحيلاً، وإليكم يادولة الوالي نذكر مسألة لها وجه الشبه برأيكم هذا. في عهد الدولة العثمانية قامت قبيلة البراعصة بعصيان ضد الحكومة وتعذر على الحكومة إنهاء العصيان، واعتبرت أن غابات الجبل الأخضر كانت أكبر مشجع للقبائل على العصيان فتتخذ منه مخابئ لا يقوى الجنود العثمانيون على اكتشافها فأرادت الحكومة أن تقوم بحرق جميع الغابات وسمع السلطان بذلك فاعترض على هذه الفكرة قائلاً: إذا كان الموجب لعصيان الأهالي هو تمنعهم عن دفع العشور والعوائد الحكومية فإنني أدفعها عنهم من جيبي الخاص حماية للغابات في الجبل الأخضر، ولا أوافق على حرقها. وعندما انتهيت من الحديث معه ودعني شاكراً).

لقد حرص صالح بك المهدوي على حماية الجبل الأخضر من عبث غرسياني الذي كانت في يده إمكانات إيطاليا للقضاء على حركة الجهاد ولذلك جادل وناقش وحاول أن يقنع غرسياني بالإقلاع عن تلك الفكرة الجهنمية لقد قال صالح بك عندما سئل عن صحة ما إذا كانت الحكومة العثمانية فكرت في إحراق غابات الجبل الأخضر، فأجاب بقوله: إن المسألة التي ضربت بها المثل للجنرال غرسياني كانت لها أثر في عهد قديم والحديث عنها يطول، والطليان لا يريدون ذكرها من وجهة سياسية محضة وعلى كل حال كنت أرمي بذكرها للجنرال غرسياني إلى حماية جبلنا من عبث هذا المجنون الذي وضعوا في يده سيفاً حاداً.

كان غرسياني يملك القوات الضخمة في البر والبحر والجو، والسلطة الغاشمة المستبدة في برقة، والخزائن المرصوفة بالأموال، والسجون والمعتقلات والمشانق، ومع هذا يضعف ويسيطر عليه العجز أمام المجاهدين وقائدهم العظيم حتى دفعه تفكيره إلى حرق الغابات بعد أن تمكن من حرق الأكباد، والأفئدة والأجسام لقد وقع تحت تأثير عصبي حاد من جراء ما أصابه من الفشل الذريع وكان في طريقه إلى الاستقالة أو الإقالة لولا تقدير الله بوقوع عمر المختار في الأسر.


الأيام الأخيرة من حياة المختار . ووقوعه في الأسر ثم إعدامه

أولاً: أحمد الشريف يحترق على بلاده ويرسل محمد أسد لمعرفة أخبار المجاهدين:

كان محمد أسد صاحب كتاب الطريق إلى الإسلام قد تعرف على أحمد الشريف أثناء إقامته في الحجاز وقد تأثر به غاية التأثر، وأحبه حباً عظيماً، يقول محمد أسد: (ليس في الجزيرة العربية كلها شخص أحببته كما أحببت السيد أحمد، ذلك أنه مامن رجل ضحى بنفسه تضحية كاملة مجردة عن كل غاية في سبيل مثل أعلى، كما فعل هو. لقد وقف حياته كلها، عالماً ومحارباً، على بعث المجتمع الإسلامي بعثاً روحياً، وعلى نضاله في سبيل الاستقلال السياسي ذلك أنه كان يعرف جيداً أن الواحد لايمكن أن يتحقق من دون الآخر).

لقد تعرف محمد أسد على أحمد الشريف بواسطة المجاهد الأندونيسي حاجي آغوس سالم الذي كان يمثل مركز القيادة في جهاد اندونيسيا ضد أعدائها، وكان قد جاء معه بقصد الحج وعندما عرف السيد أحمد الشريف أن محمد أسد حديث عهد بالإسلام، مد إليه يده وقال: (مرحباً بك بين إخوانك، يا أخي الشاب ..). لقد أحب محمد أسد أحمد الشريف وتفاعل مع قضية ليبيا وكان يمضي معه وبصحبة السيد محمد الزوي الساعات الطوال للبحث في وضع المجاهدين في ليبيا واستمرت الإجتماعات في مساء كل يوم طيلة أسبوع تقريباً لبحث ماكان بالإمكان صنعه، وقد رأى الشيخ محمد الزوي أن إمداد المجاهدين بين الفينة والأخرى لم يكن من شأنه أن يحل المشكلة، فقد كان يعتقد أن واحة الكفرة، في الجنوب من صحراء ليبيا يجب أن تكون ثاني محور لكل العمليات الحربية في المستقبل وكان يظن أن الكفرة كانت ماتزال بعيدة عن تناول الجيوش الإيطالية، وفوق ذلك فقد كانت تقع على طريق القوافل (ولو كان طويلاً وشاقاً) إلى واحتي بحرية وفرفرة المصريتين، ولذا كان يمكن تموينها بصورة جادة أكثر من أي موقع آخر في ليبيا، كما كان يمكن أن يتحول كثير من المهاجرين إلى مصر إليها لتكون مستودعاً دائماً لإمداد عمر المختار في الشمال، وكان أحمد الشريف مستعداً للذهاب بنفسه، لو أمكن إعادة تنظيم القتال على تلك الصورة، للإشراف على العمليات الجهادية بنفسه.

لقد تحدث محمد أسد عن سبب اهتمامه بالقضية السنوسية فقال: لم يكن اهتمامي البالغ بمصير السنوسيين ناشئاً عن إعجابي ببطولتهم المتناهية في قضية عادلة مقسطة فحسب، بل ان ماكان يهمني أكثر من ذلك هو ماكان يمكن أن يحدثه انتصار السنوسيين من تأثير على العالم العربي بأكمله إذ أنني لم استطع أن أرى في العالم الإسلامي كله إلا حركة واحدة كانت تسعى صادقة إلى تحقيق المجتمع الإسلامي المثالي: الحركة السنوسية، التي كانت تحارب الآن معركتها الأخيرة في سبيل الحياة وبسبب أن السيد أحمد كان يعرف مبلغ عطفي الشديد على القضية السنوسية، فقد التفت إلي وسدد نظره إلى عيني وسألني قائلاً: (هل تذهب، يامحمد إلى برقة بالنيابة عنا، فتقف على مايمكن صنعه للمجاهدين؟ لعلك تستطيع أن ترى الأمور بأجلى مما يراها بنو قومي .).

وبعد أن وافق محمد أسد على تلك المهمة الصعبة تناول أحمد الشريف من على أحد الرفوف نسخة من القرآن الكريم ملفوفة بغلاف من الحرير، وبعد أن وضعها على ركبتيه أمسك بيدي اليمنى بين يديه ووضعها على الكتاب:

(أقسم يامحمد، بالله الذي يعلم مافي القلوب، على أنك ستبقى أميناً للمجاهدين ).

قال محمد أسد: فأقسمت ولم أشعر في حياتي يوماً أنني كنت أكثر وثوقاً بوعدي مما كنت في تلك اللحظة.

قام أحمد الشريف بترتيب أمور هذه الرحلة واتصل باتباع الحركة في مصر ووصل الخبر إلى عمر المختار واستعد محمد أسد لهذه الرحلة المثيرة مع رفيقه زيد من قبيلة شمّر، وشرع في تنفيذ خطواته وكان رجال الحركة السنوسية يقودونه بمهارة بارعة حتى وجد نفسه أمام عمر المختار في الجبل الأخضر وقد فصل الأستاذ محمد أسد تلك الرحلة في كتابه المشهور.

لقاءه بعمر المختار :

بعد دخول محمد أسد إلى الجبل الأخضر من جهة الصحراء الغربية المصرية بواسطة المجاهدين الذين أرسلهم عمر المختار لاستقباله وجد محمد أسد نفسه أمام قائد حركة الجهاد ويصف لنا محمد أسد ذلك اللقاء فيقول: كان يحيط به رجلان من كل جانب، ويتبعه كذلك عدد آخر، وعندما وصل إلى الصخور التي كنا ننتظر عندها، ساعده أحد رجاله على النزول، ورأيت انه كان يمشي بصعوبة (عرفت بعدئذ أنه قد جرح إبان إحدى المناوشات قبل ذلك بعشرة أيام) وعلى ضوء القمر المشرق استطعت الآن أن أراه بوضوح: كان رجلاً معتدل القامة قوي البنية ذا لحية قصيرة بيضاء كالثلج تحيط بوجهه الكئيب ذي الخطوط العميقة. وكانت عيناه عميقتين، ومن الغضون المحيطة بهما كان باستطاعة المرء أن يعرف انهما كانتا ضاحكتين براقتين في غير هذه الظروف، إلا انهما لم يكن فيهما الآن شيء غير الظلمة والألم والشجاعة.

واقتربت منه لأحييه، وشعرت بالقوة التي ضغطت بها يده على يدي (مرحباًبك، يا ابني) قال ذلك وأخذ يجيل عينيه في متفحصاً: لقد كانت عيني رجل كان الخطر خبزه اليومي.

وفرش أحد رجاله حراماً على الأرض فجلس سيدي عمر عليه متثاقلاً. وانحنى عبدالرحمن ليقبل يده ثم شرع بعد استئذانه، يوقد ناراً خفيفة تحت الصخرة التي كنا محتمين بها وعلى ضوء النار الخافت، قرأ سيدي عمر الكتاب الذي حملنيه السيد أحمد إليه. لقد قرأه باهتمام وعناية، ثم طواه ووضعه لحظة فوق رأسه - وهي إمارة الإحترام والحب لايكاد المرء يراها في جزيرة العرب ولكنه كثيراً مايراها في شمالي افريقيا - ثم التفت إلي مبتسماًوقال: (لقد أطراك السيد أحمد، أطال الله عمره، في كتابه. أنت على استعداد لمساعدتنا، ولكنني لا أعلم من أين يمكن أن تأتينا النجدة، إلا من الله العلي الكريم. إننا حقاً على وشك أن نبلغ نهاية أجلنا ..).

فقلت: (ولكن .. هذه الخطة التي وضعها السيد أحمد، ألا يمكن أن تكون بداية جديدة؟ وإذا أمكن تدبير الحصول على المؤن والذخائر من الكفرة بصورة ثابتة، أفلا يمكن صد الإيطاليين؟ ).

لم أرى في حياتي ابتسامة تدل على ذلك القدر من المرارة واليأس كتلك الابتسامة التي رافقت جواب سيدي عمر: (الكفرة .؟ لقد خسرنا الكفرة، فالإيطاليون قد احتلوها منذ أسبوعين تقريباً ).

وأذهلني الخبر، ذلك إنني والسيد أحمد، طوال تلك الأشهر الماضية، كنا نبني خططنا على افتراض أن الكفرة يمكن أن تكون نقطة تجمع لتقوية المقاومة، أما وقد ضاعت كفرة فإنه لم يبق للسنوسيين سوى نجد الجبل الأخضر لاشيء سوى كماشة الإيطاليين التي كانوا يضيقونها بثبات واستمرار .. وخسارة نقطة بعد نقطة .. واختناق بطئ).

- وكيف سقطت الكفرة؟

فأومأ سيدي عمر إيماءة متعبة إلى أحد رجاله أن يقترب: (دع هذا الرجل يقص عليك الخبر .. إنه واحد من أولئك القلائل الذين هربوا من الكفرة، ولم يصل عندي إلا بالأمس).

وجلس الكفري على ردفيه أمامي وجذب برنسه البالي حوله وتكلم ببطء دون أن يبدو في صوته أي أثر للانفعال، ولكن وجهه الناحل كان يعكس جميع الأهوال التي شهدها.

- (لقد خرجوا علينا في ثلاث فرق من ثلاث جهات، وكان معهم سيارات مصفحة ومدافع ثقيلة كثيرة. أما طائراتهم فقد حلقت على علو منخفض ورمت بالقنابل البيوت والمساجد وغياض النخيل. لم يكن لدينا سوى بضع مئات من الرجال يستطيعون حمل السلاح، أما الباقون فقد كانوا نساء وأطفالاً وشيوخاً. لقد دافعنا عن أنفسنا بيتاً بيتاً، ولكنهم كانوا أقوى كثيراً منا، وفي النهاية لم يبق إلا قرية الهواري. لم تنفع بنادقنا في سياراتهم المصفحة فطغوا علينا، وتمكن عدد قليل جداً من الهرب. أما أنا فقد اختبأت في حدائق النخيل، مترقباً الفرصة لشق طريقي خلال الخطوط الإيطالية، وكنت طوال الليل أسمع ولولة النساء اللواتي كان الجنود الإيطاليون والعساكر الاريتريون يغتصبونهن وفي اليوم التالي احضرت لي امرأة عجوز بعض الماء والخبز، واخبرتني أن الجنرال الإيطالي قد حشد كل ماتبقى على قيد الحياة أمام قبر السيد محمد المهدي وأمام أعينهم مزق نسخة من القرآن الكريم ثم رماها الى الارض وداس عليها بحذائه صائحاً: (دعوا نبيكم البدوي يساعدكم الآن، اذا استطاع!) ثم أمر بقطع اشجار النخيل في الواحة وهدم آبارها، واحرق كل ماكان في مكتبة السيد احمد البدوي من كتب وفي اليوم التالي اصدر امره بوضع بعض شيوخنا وعلمائنا في طائرة حلقت بهم ورمتهم من علو شاهق، وطوال الليلة التالية كنت اسمع من مخبئي صرخات النساء وضحكات الجنود وطلقات بنادقهم ... واخيراً زحفت الى الصحراء في ظلام الليل فوجدت جملاً شارداً امتطيته ووليت فراراً.).

وعندما انهى الرجل قصته المروعة قربني سيدي عمر إليه بلطف وكرر قوله: (انك تستطيع ان ترى، يابني، اننا قد اقتربنا فعلاً من نهاية أجلنا) ثم اضاف: (اننا نقاتل لأن علينا ان نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة او نموت نحن وليس لنا ان نختار غير ذلك. إنا لله وإنا إليه راجعون - لقد ارسلنا نساءنا واولادنا الى مصر كيما نطمئن على سلامتهم متى شاء الله لنا أن نموت).

قلت: (ولكن ياسيدي عمر، اليس من الافضل لك وللمجاهدين ان تنسحبوا الى مصر بينما لايزال هناك طريق مفتوح امامكم؟ فلقد يكون من الممكن في مصر جمع المهاجرين الكثيرين من برقة وتنظيم قوة اكثر فعالية وجدوى. ان القتال هناك يجب ان يوقف بعض الوقت حتى يستعد الرجال شيئاً من قوتهم ... انا اعرف ان البريطانيين في مصر لاينظرون بعين الرضى الى وجود قوات ايطالية راسخة الاقدام على خاصرتهم، فقد يغضون الطرف، والله اعلم، عن استعداداتكم فيما اذا اقنعتموهم بانكم لا تعتبرونهم اعداء.).

فأجاب : (كلا ياابني، لم يعد هذا يجدي الآن. ان ماتقوله كان ممكناً منذ خمس عشرة او ست عشرة سنة، قبل ان يقوم السيد احمد، اطال الله عمره، بمهاجمة البريطانيين كي يساعد الاتراك - الذين لم يساعدونا . أما الآن فلم يعد في الامر مايجدي.. ان البريطانيين لن يحركوا اصبعاً لكي يسهلوا علينا امرنا، والايطاليون مصممون على ان يقاتلونا حتى النهاية، وعلى سحق كل إمكانية للمقاومة في المستقبل، فاذا ذهبت واتباعي الآن الى مصر، فاننا لن نتمكن مطلقاً من العودة ثانية، وكيف نستطيع ان نتخلى عن قومنا ونتركهم ولا زعيم لهم، لاعداء الله يفترسونهم؟).

- وما قول السيد ادريس؟ هل يشاركك الرأي ياسيد عمر ؟

- (إن السيد ادريس رجل طيب. انه ولد طيب لوالد عظيم، ولكن الله لم يعطه قلباً يمكنه من تحمل مثل هذا الصراع.).

كان زيد الشمّري رفيق محمد اسد في رحلته بصحبة خليل احد المجاهدين لأحضار قرب الماء، وبعدما رجع وقع بصر خليل على سيدي عمر هجم لتقبيل يده، وبعد ذلك قدم محمد اسد زيداً الى عمر المختار فوضع المختار يده على كتفه وقال:

- (مرحباً بك، ياأخي، من أرض اجدادي. من أي العرب انت؟" وعندما اخبره زيد انه من قبيلة شمر، أومأ عمر برأسه مبتسماً : (آه ، اذن انت من قبيلة حاتم الطائي، اكرم الناس يداً.).

وقدم لهم رجال المختار بعض التمر ودعاهم المختار الى ذلك الطعام البسيط فأكلوا، ونهض قائد المجاهدين وقال: (آن لنا أن نتحرك من هنا. اننا على مقرب من المركز الايطالي في بوصفية، ولذا لا نستطيع ان نتأخر حتى الفجر).

وتحرك محمد اسد مع قائد حركة الجهاد ووصل الى معسكر المجاهدين ووقعت عيناه على امرأتين احدهما مسنة والاخرى شابة - في المعسكر كانتا جالستين بالقرب من احد النيران، مستغرقتين في اصلاح سرج ممزق بمخرز غليظ.

وعندما لحظ الشيخ عمر المختار دهشة محمد اسد قال: (إن اختينا هاتين تذهبان معنا حيثما نذهب. لقد رفضتا ان تسعيا الى امن مصر مع سائر نسائنا واولادنا. انهما ام وابنتها، وقد فقدتا جميع رجالهما في الحرب.).

اتفق عمر المختار مع محمد اسد على طريقة امداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح عن طريق الطريق التي جاء منها محمد اسد، مع انشاء مستودعات سرية في واحات بحرية وفرفرة وسيوه ، وكان عمر المختار يشك في امكانية الافلات من مراقبة الايطاليين بهذه الطريقة مدة طويلة.

وقد تبين بعد ذلك ان ظنونه ومخاوفه كانت في محلها، ذلك انه بعد بضعة اشهر تمكنت قافلة تحمل المؤمن والذخائر من الوصول فعلاً الى المجاهدين ، إلا ان الايطاليين اكتشفوها بينما كانت تجتاز الفجوة بين الجغبوب وجالو، وسريعاً ما انشأوا بعد ذلك مركزاً محصناً في بير طرفاوي على نصف المسافة تقريباً بين الواحتين، مما جعل، بالاضافة الى الدوريات الجوية المستمرة، كل مسعى آخر من هذا النوع خطراً الى أبعد الحدود.

وكان قد تقرر رجوع محمد اسد وزيد الشمرّي الى الحجاز ورجوع من حيث أتوا بواسطة المجاهدين البواسل الذي رتبوا الامور، وأخذوا بالاسباب، وحافظوا على ضيوفهم الكرام.

يقول محمد اسد: وودعت وزيد عمر المختار، ولم نره بعد ذلك اطلاقاً، ذلك انه بعد ثمانية أشهر، قبض عليه الايطاليون واعدموه.

وقد وصف لنا محمد اسد آخر لقاء مع السيد احمد الشريف فقال: ومرة اخرى وقفت امام إمام السنوسية ونظرت الى وجه ذلك المحارب القديم المرهق ، ومرة اخرى قبلت اليد التي حملت السيف طويلاً جداً حتى انها لم تعد تستطيع بعد ان تحمله.

- (بارك الله فيك، يابني.. لقد مضت سنة منذ ان التقينا اول مرة، وهذه السنة قد شهدت نهاية آمالنا ولكن الحمدلله على كل حال ).

والحق انها كانت سنة مفعمة بالهموم والاكدار بالنسبة الى احمد: لقد اصبحت الاخاديد حول فمه اكثر عمقاً، واصبح صوته اكثر انخفاضاً من أي وقت مضى.

لقد هوى النسر. انه يجلس منكمشاً على السجادة، وقد لف نفسه ببرنسه الابيض كأنما يطلب الدفء، ويحدق بصمت في الفراغ وهمس: (لو اننا استطعنا فقط ان ننقذ عمر المختار. لو اننا تمكنا من اقناعه بالهرب الى مصر بينما كان هناك متسع من الوقت ).

فقلت له : (لم يكن باستطاعة احد ان ينقذ سيدي عمر. انه لم يرد ان ينقذ. لقد فضل ان يموت اذا لم يستطع ان ينتصر. لقد عرفت ذلك عندما فارقته ياسيدي احمد ).

إن احمد الشريف اهتم ببلاده بمجرد هجرته منها وكان على إتصال بالمجاهدين وقد حدثني السيد عبدالقادر بن علي أن احمد الشريف قام بكتابة رسائل الى قبائل برقة يحثهم فيها على السمع والطاعة للشيخ عمر المختار رحمهم الله.

ثانياً: الاسد يقع اسيراً:

ظل المختار في الجبل الاخضر يقاوم الطليان على الرغم من هذه الصعوبات الجسيمة التي كانت تحيط به وبرجاله وكانت من عادة عمر المختار الانتقال في كل سنة من مركز اقامته الى المراكز الاخرى التي يقيم فيها إخوانه المجاهدون لتفقد احوالهم، وكان إذا ذهب لهذا الغرض يستعد للطوارئ ، ويأخذ معه قوة كافية تحرسه من العدو الذي يتربص به الدوائر في كل زمان ومكان، ولما أراد الله أن يختم له بالشهادة ذهب في هذه السنة كعادته في نفر قليل يقدر بمائة فارس، ولكنه عاد فرد من هذا العدد ستين فارساً وذهب في اربعين فقط. ويوجد في الجبل الأخضر واد عظيم معترض بين المجاهدين اسمه وادي الجريب (بالتصغير) وهو صعب المسالك كثير الغابات، كان لابد من اجتيازه ، فمر به عمر المختار ومن معه ، وباتوا فيه ليلتين ، وعلمت بهذا ايطاليا بواسطة جواسيسها في كل مكان ، فأمرت بتطويق الوادي على عجل من جميع الجهات بعد أن جمعت كل ماعندها من قوة قريبة وبعيدة، فما شعر عمر المختار ومن معه إلا وهم وسط العدو؛ وقرر منازلة الاعداء وجهاً لوجه فأما أن يشق طريقاً يمكنه من النجاة أو يلقى ربه شهيداً في الميدان الذي ألف فيه مصارعة الأعداء، والتحمت المعركة داخل الوادي، وحصد رصاص المجاهدين عدداً كبيراً من الأعداء، وسقط الشهداء، وأصيب عمر المختار بجراح في يده، وأصيب فرسه بضربة قاتلة، وحصلت يده السليمة تحت الفرس فلم يتمكن من سحبها ، ولم تسعفه يده الجريحة وأصبح لسان حاله يقول:




أسرت وماصحبي بعزل لـدى الوغـىوكم من صدى صوتي ليوث الشرى فروا
وما أحد في الحـرب يجهـل سطوتـيولا فرسـي مهـر ولا ربــه غـمـر
ولكن إذا حـم القضـاء علـى أمـرئيكـون ولا يغنـي مـن القـدر الحـذر
ومـن رام مـن أمـر الالـه وقـايـهفليـس لـه بــر يقـيـه ولا بـحـر



والتفت المجاهد بن قويرش فرأى الموقف المحزن وصاح في إخوانه الذين شقوا الطريق للخروج من الحصار قائلاً: (الحاجة التي تنفع عقبت أي تخلفت) ، فعادوا لتخليص قائدهم ولكن رصاص الطليان حصد أغلبهم، وكان ابن قويرش اول من قتل وهو يحاول انقاذ الشيخ الجليل ، وهجم جنود الطليان على الاسد الجريح دون ان يعرفوا شخصيته في البداية، وتم القبض عليه وتعرف عليه احد الخونة، وجاء الكمندتور داود باتشي متصرف درنة ليتعرف على الاسير وبمثل سرعة البرق نقل عمر المختار الى ميناء سوسة محاطاً بعدد كبير من الضباط والجنود الايطاليين، وأخذت كافة الاحتياطات لحراسة جميع الطرق والمواقع القريبة لتأمين وصول المجاهد العظيم الى سوسة ومن ثم نقل فوراً الى بنغازي عن طريق البحر.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:24 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator