العودة   شبكة صدفة > المنتديات الادبية > الشعر العربى القديم والحديث

الشعر العربى القديم والحديث شعر شعبي ، شعر فصيح ، قصة ، رواية ، مقال ، نقد،يحتوي على أقسام متخصصة بالأدب والشعر والخواطر وكذلك القصص والروايات.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 08-25-2012, 06:00 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

Icon24 محمود درويش

'عائد الى الجليل؟'

صبحي حديدي


كأنّ إرادة تراجيدية غاشمة، أشبه بعاصفة عاتية عمياء، أخذت في الآونة الأخيرة تقوده عنوة إلى قَدَرَيْن لا ثالث لهما: إمّا أن يسير إلى الموت بقدميه، ساعياً إلى ملكوته، طامعاً في هزيمته للمرّة الثالثة (بعد موتَيْن سريريين، سنة 1984 وسنة 1998)؛ أو أن ينتظر ـ مكتوف اليدين، متعب القلب، واهن الشرايين ـ مجيء الموت إليه، ساعة تشاء الإرادة الغاشمة. كانت هذه حال محمود درويش وهو يقلّب الأمرين، والأمرّين، مع نفسه أوّلاً، ثمّ مع أطبائه ثانياً، ولكن مع أصدقائه أيضاً، حتى مَن كان بينهم لا يميّز بين البطين الأيسر والشريان الأبهر. أمّا قلب الشاعر، العاكف على أكثر من مخطوط شعري قيد الإنجاز، فقد كان يتقلّب على نار غير هادئة أبداً.
فريق أوّل من الأطباء اعتبر أنّ درويش، بعد أن توسّع قطر الأبهر عنده إلى أكثر من 6،،5، صار مثل رجل يحمل في قلبه لغماً قابلاً للإنفجار في أية لحظة، في أيّ يوم أو أسبوع أو شهر، ولا مناص بالتالي من جراحة دقيقة لتبديل الأجزاء من الشريان. فريق آخر، على رأسه ذلك الجرّاح الفرنسي العجوز المعلّم الذي كان وراء المآل السعيد لمحنة 1998، كان شديد التحذير من مخاطر العمل الجراحي، وكان يتوجس خيفة من المضاعفات الخطيرة التي قد تطرأ دون حسبان، ودونما قدرة كافية على ضبطها، حتى بعد نجاح العملية. والحال أنّ درويش استقرّ على الخيار الأوّل، وبعد ظهيرة 6 آب (أغسطس) الجاري كان قلبه قد أنجز نصف انتصار بعد نجاح الجراحة، وتوجّب أن يكتمل الإنتصار ـ الثالث، على امتداد ربع قرن ـ عندما يغادر الشاعر غرفة العناية الفائقة، بشريان أبهر متجدد. تبادلنا زفّ البشرى، نحن حفنة أصدقائه ممّن تحتّم علينا أن نقبض على جمرة السرّ في ما جرى ويجري في مشفى 'ميموريال هيرمان' في هيوستون، تكساس، فكانت الدقائق تحرقنا قبل أن نحرقها. ثمّ تعاقبت الأنباء الصاعقة، جلطة خلف أخرى، وانهياراً بعد آخر، واضمحلالاً لفسحة الأمل الضئيلة مقابل تضخّم السؤال القاتل: هل غادرنا، حقاً، مرّة وإلى الأبد؟ وهل انقطعت، نهائياً، مشروعاته الشعرية التي تضاعفت في السنوات القليلة الماضية، وتزاحمت: غزيرة في الكمّ، دائبة التجديد في الكيف، تأسيسية بقدر ما هي تراكمية، تنشقّ عمّا قبلها دون أن تقطع معه أو تنقطع عنه، مدهشة في استفزازنا بقدر مصالحتنا؟ وهل كانت تلك الأخيرة، قبل أن يطير صباحاً إلى هيوستون، ختام لياليه الباريسية حقاً؟ آخر عشاء، وآخر نبيذ، وآخر فنجان قهوة، وآخر نكتة، وآخر مخطوطة، وآخر مصافحة؟ بعد أن تأكد نبأ رحيله، خرجت أسير على غير هدى كحاطب ليل، أصارع إغواء استرجاع تفاصيل تلك البرهة من خريف 1976، حين تعرّفت عليه للمرّة الأولى، في بيت متواضع لصديق مشترك كان يسكن مخيّم اليرموك بدمشق. هل تلاشت التفاصيل لأني أستثقل اليوم ما كنت قد وجدت كلّ السراح في قوله آنذاك: أنّ مشروع محمود درويش الشعري ينبغي أن يكون أعلى، لأنه أرفع وأغنى وأكثر وعداً، من أن يؤسر في تسمية واحدة، ملتبسة، هي 'شعر المقاومة'؟ كان ذلك الطرح أقرب إلى الهرطقة آنذاك، وكان في الحدّ الأدنى استفزازياً لشاعر المقاومة الأجمل، النجم اللامع المدلل النزق السابح في الأضواء.
وكنت أحسب الرأي ذاك فاتحة خصومة أبدية، حتى العام 1988 حين التقيت بالراحل في باريس، فأدركت أنّ العكس كان هو الصحيح: لم يجد الإستفزاز وقعاً حسناً في نفسه فحسب، بل لقد استطابه لأنه أصلاً كان محور تفكيره في تلك السنوات التي كانت حبلى بأكثر من محمود درويش واحد: قلق في موضوعاته وأشكاله وأدواته، عارم التوق إلى التحديث، عازف أكثر فأكثر عن ذلك 'الحبّ القاسي' الذي ناشدنا أن نقلع عنه في تثمين شعره خاصة، و'شعر المقاومة عامة. كذلك أدركت، وبرهنت السنوات المتعاقبة، أنّ ذلك اللقاء الأوّل كان عتبة صداقة كبرى، في ما يخصّني على الأقلّ، سوف تتجاوز بكثير صلة الناقد بالمبدع، بل لعلّ هذه الأخيرة كانت في نهاية المطاف آخر مشاغلنا. وهكذا فإنني، في فقده اليوم، لا أخسر فقط شاعراً كبيراً كنت وأظلّ أعتبره أعلى ذروة بلغها الشعر العربي في العقود الثلاثة الأخيرة، وأحد أكبر شعراء الإنسانية المعاصرة، بل أخسر كذلك صديقاً كبيراً، وأخاً قريباً لم تلده أمّي. وإذا كانت واقعة مخيّم اليرموك قد راوغت ذاكرتي، فإني في المقابل لم أفشل في استرجاع تفاصيل تلك البرهة الباريسية الأخيرة، حين كنت أودّعه على باب فندق الـ 'ماديسون' في حيّ الـ 'سان جيرمان'، صحبة أكرم هنية، رئيس تحرير صحيفة 'الأيام' الفلسطينية ورفيقه في الرحلة إلى هيوستون. ذكّرته بأمر يجب أن يستكمله عند مروره في باريس عائداً إلى عمّان، فأجابني بابتسامة غامضة: 'هذا إذا رجعنا'! وأعترف، هنا، أنني تعاملت مع إجابته بخفّة المطمئن، لأني كنت على ثقة مطلقة بأنه عائد، أكثر عافية وحيوية؛ وكان حرياً بي أن أتلمّس ما انطوت عليه نبرته من نيّة في اعتماد الخيار القدري الأوّل: أن يسير إلى الموت بقدميه، مردّداً تلك الفاتحة الشهيرة من إحدى أجمل قصائده: 'نحبّ الحياة/ إذا ما استطعنا إليها سبيلا'.
وبين استفاقة من تخدير ودخول في غيبوبة، خلال تلك الساعات المتثاقلة التي أعقبت نجاح العملية وانهيار جسده وظيفة بعد أخرى، هل أسعفه اللسان لكي يوصي، مجدداً وبحزم، أن يكون الجليل مثواه الأخير والوحيد؟ وهل امتلك من اليقظة ما يكفي لكي يتلو ذلك المقطع الختامي من قصيدة 'جدارية'، مطوّلته العبقرية التي كانت ثمرة محاورة الموت سنة 1998: 'أمّا أنا ـ وقد امتلأتُ بكلّ أسباب الرحيل ـ فلستُ لي أنا لست لي أنا لست لي...'.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:00 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

محمود درويش: التعاقد الشاقّ

صبحي حديدي



يحتلّ محمود درويش موقعاً فريداً قلما حظي به شاعر في الثقافة العربية الحديثة، ولا يقارن نفوذه الأدبي إلا بالنفوذ الخاص الذي تمتّع به كبار الشعراء العرب في أطوار ازدهار الشعر، حين كان الشاعر أشبه بنبيّ الأمّة، والناطق المعبّر عن كيانها، وعرّافها الذي يستبصر أقدارها الماضية والحاضرة، وتلك الكامنة في مجهول لا يرى معلومه سواه، في السموّ والانتصار كما في الانكسار والهزيمة. وفي ثقافات الأمم تكررت على الدوام تلك البرهة الاستثنائية التي تُلقى فيها على عاتق شاعر مهمة كبرى مثل التقاط الوجدان الجَمْعي للأمّة، وتحويل الشعر إلى قوّة وطنية وثقافية، روحية ومادية، جمالية ومعرفية. ولقد توفّرت للشاعر أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لبلوغ هذا الموقع، وحدث أحياناً أن كان التفاعل بين هذين النوعين من الأسباب في صالح مشروع درويش الشعري في حصيلته، كما حدث في أحيان أخرى أنّ ضغط الشروط الموضوعية ألزم الشاعر بدفع برنامجه الجمالي إلى الصفّ الثاني والسماح للمهمة الوطنية باحتلال الصفّ الأول. ولكنه في الحالتين أثبت حساسية فائقة تجاه تطوير لغته وأدواته وموضوعاته، خصوصاً في العقدين الأخيرين من مسيرته الشعرية حين استقرّت كثيراً معادلة العلاقة التبادلية الوثيقة بين تطوير جمالياته الشعرية وتطوّر نفوذه الأخلاقي والثقافي في الوجدان العربي.
وفي طليعة الأسباب الموضوعية يأتي انتماء الشاعر إلى تلك الحركة الشعرية الغنية التي كانت تتطوّر في فلسطين المحتلة منذ مطلع الستينات على يد شعراء مثل توفيق زياد وسميح القاسم وسالم جبران ودرويش نفسه، ثم اكتشفها العالم العربي في أوج هزيمة 1967، فأطلق عليها اسم اشعر المقاومةب في غمرة الحاجة الماسة إلى بدائل خَلاصية تخفف وطأة الاندحار وتعيد الأمل إلى روح تعرّضت لجرح عميق. ورغم أن هذه الحركة الشعرية لم تكن منفصلة عن التيارات العامة في الشعر العربي آنذاك، فإنها مع ذلك حملت نكهة خاصة مختلفة، نابعة جوهرياً من موضوعات ذات حساسية وجدانية (الأمل، المقاومة، الأرض، الهوية الوطنية)، وكذلك من أشكال في التعبير لم تكن مألوفة في الشعر العربي آنذاك.
وبين مجموعة شعرية وأخرى أخذت سلطة درويش الأدبية تتعاظم وتترسخ، فأدرك أن موقع الشاعر الناطق باسم الوجدان الجمعي للأمة يقتضي قبل أي شيء آخر تطوير الموضوعات والأدوات والأساليب التي تضمن للشعر أن يواصل الحياة تحت اسم وحيد هو الشعر، وأن لا ينقلب إلى تعاقد سكوني شبه إيديولوجي بين الشاعر الذي ارتقى إلى مصاف النبيّ، وبين الوجدان الجمعي الذي أسلم للشاعر قسطاً كبيراً من الحق في تكييف الميول وردود الأفعال. ومنذ هذا الطور واصل درويش وفاءه لتعاقد ثنائي ـ شاقّ وخلاّق ـ مع موقعه كشاعر: تعاقد مع مشروع شعري لا بدّ له من أن يتطور ويتكامل وفق دينامية متصاعدة، وتعاقد مع قارىء عنيد عريض يتشبث بالطور الراهن من خطاب شاعره النبي لأنه يجد فيه الملاذ.
والمراقب للمشهد الشعري العربي المعاصر لا يجد صعوبة كبيرة في ملاحظة السلطة الأدبية الكبيرة التي يحظى بها شعر درويش، في مسألة الشكل والتجريب بصفة خاصة. فالشعراء الذين يقلدونه لا يجدون حرجاً في وضوح هذا التقليد وصراحته، والذين يزعمون الاستقلال عن منجزاته لا ينجحون غالباً في إخفاء الضغوطات الداخلية التي يمارسها شعره على خياراتهم الأسلوبية واللغوية والمجازية، مثلما على تجاربهم الشكلية. والواقع أنّ مشروع درويش الشعري يمارس، في الحالتين، تأثيرات إيجابية تصبّ في صالح تطوير تيارات الشعر العربي المعاصر.
''' في 13 آذار (مارس) 1941 ولد محمود درويش في قرية االبروةب التي تقع مسافة 9 كيلومترات شرق عكا، وكان الابن الثاني في أسرة فلاّحية تتكون من ثمانية أفراد، خمسة أولاد وثلاث بنات. ولقد عاش طفولة بريئة في أحضان هذه القرية الوادعة الواقعة على هضبة خضراء ينبسط أمامها سهل عكا. في سنّ السابعة اتوقفت ألعاب الطفولةب كما يعبّر في وصف ليلة النزوح من االبروة'، تحت ضغط العمليات العسكرية التي شنتها العصابات الصهيونية بهدف تفريغ قرى الجليل من الفلسطينيين. وفي هذا يقول درويش: إني أذكر كيف حدث ذلك... أذكر ذلك تماماً: في إحدى ليالي الصيف، التي اعتاد فيها القرويون أن يناموا على سطوح المنازل، أيقظتني أمّي من نومي فجأة، فوجدت نفسي مع مئات من سكان القرية أعدو في الغابة. كان الرصاص يتطاير من على رؤوسنا، ولم أفهم شيئاً مما يجري. بعد ليلة من التشرّد والهروب وصلت مع أقاربي الضائعين في كلّ الجهات، إلى قرية غريبة ذات أطفال آخرين. تساءلت بسذاجة: أين أنا؟ وسمعت للمرّة الأولى كلمة البنانب.
يخيلّ إليّ أنّ تلك الليلة وضعت حدّاً لطفولتي بمنتهى العنف.
فالطفولة الخالية من المتاعب انتهت. وأحسست فجأة أنني أنتمي إلى الكبار. توقفت مطالبي وفُرضت عليّ المتاعب. منذ تلك الأيّام التي عشت فيها في لبنان لم أنس، ولن أنسى إلى الأبد، تعرّفي على كلمة الوطن. فلأوّل مرّة، وبدون استعداد سابق، كنت أقف في طابور طويل لأحصل على الغذاء الذي توزعه وكالة الغوث. كانت الوجبة الرئيسية هي الجبنة الصفراء. وهنا استمعت، لأوّل مرّة، إلى كلمات جديدة فتحت أمامي نافذة إلى عالم جديد: الوطن، الحرب، الأخبار، اللاجئون، الجيش، الحدود... وبواسطة هذه الكلمات بدأت أدرس وأفهم وأتعرّف على عالم جديد، على وضع جديد حرمني طفولتيب.
بعد سنة تسلّل درويش، برفقة عمّه والدليل الذي يعرف مجاهل الدروب في الجبال والوديان، عائداً إلى فلسطين ليستقرّ في قرية ادير الأسد'، لأنّ قريته الأصلية االبروةب كانت قد هُدمت تماماً وأقيمت بدلاً عنها مستوطنة إسرائيلية. ولم يطل الوقت حتى فهم الفتى أنه فقد أرض الأحلام الأولى نهائياً: 'كلّ ما في الأمر هو أنّ اللاجىء قد استبدل عنوانه بعنوان جديد. كنتُ لاجئاً في لبنان، وأنا الآن لاجىء في بلادي (...) وإذا أجرينا مقارنة بين أن تكون لاجئاً في المنفى، وأن تكون لاجئاً في الوطن، وقد خبرت النوعين من اللجوء، فإننا نجد أن اللجوء في الوطن أكثر وحشية. العذاب في المنفى، والأشواق وانتظار يوم العودة الموعود، شيء له ما يبرره.. شيء طبيعي. ولكن أن تكون لاجئاً في وطنك، فلا مبرر لذلك، ولا منطق فيهب.
وفي مدرسة القرية كان المدير والأساتذة يحبّون هذا الفتى المتفوّق في الدراسة والرسم، والذي كان يحاول كتابة الشعر الموزون على غرار قصائد الشعر العربي القديم، وكانوا يخبئونه كلما كانت الشرطة الإسرائيلية تأتي إلى القرية لأنه يُعتبر في حكم االمتسلل'، وكانوا يحذّرونه من الاعتراف بأنه كان في لبنان، ويعلّمونه أن يقول إنه كان مع إحدى القبائل البدوية في الشمال.
وكان اللجوء إلى الشعر هو أحد أشكال بحث محمود درويش عن اوطن لغويب يخفّف من حدّة النفي داخل الوطن الحاضر والغائب معاً. وفي وصف ذلك يقول درويش: بدأت علاقتي بالشعر عن طريق علاقتي مع المغنّين الفلاحين، المنفيين من قبل الشرطة. كانوا يقولون أشياء غريبة على درجة من الجمال بحيث أنني لم أكن أفهمها، ولكني كنت أشعر بها (...) وهكذا وجدت نفسي قريباً من أصوات الشعراء الجوّالين المغنّين، وفيما بعد أخذت أستمع إلى الشعر العربي الكلاسيكي الذي يروي مغامرات عنترة وسواه من الفرسان، فاجتذبني هذا العالم وصرت أقلّد تلك الأصوات، وأخترع لنفسي خيولاً وفتيات، وأحلم في سنّ مبكرة أن أتحوّل إلى شاعر (...) وقد مررت بتجربة مبكرة علمّتني أنّ ما أفعله، وما ألعبه، هو أخطر بكثير مما أتصوّر. ذات يوم دُعيت لإلقاء قصيدة في المدرسة، ومن الغرابة أنّ المناسبة كانت ذكرى استقلال إسرائيل. وكنت وقتها في الثانية عشرة من عمري، وكتبت شيئاً سمّوه قصيدة، تحدثت فيها عن عذاب الطفل الذي كان فيّ، والذي شُرّد وعاد ليجد االآخرب يقيم في بيته، ويحرث حقل أبيه. قلت ذلك كلّه ببراءة شديدة. وفي اليوم التالي استدعاني الحاكم العسكري، وهدّدني بشيء خطير جداً. ليس بسجني، بل بمنع أبي من العمل. وإذا مُنع أبي من العمل، فإنني لن أتمكن من شراء الأقلام والأوراق لكي أكتب. ساعتها فهمت أنّ الشعر حكاية أكثر جدّية مما كنت أعتقد، وكان عليّ أن أختار بين أن أواصل هذه اللعبة الأكثر جدّية مما أتصوّر، أو أن أتوقف عنها. وهكذا علّمني الاضطهاد بأنّ الشعر قد يكون سلاحاً'.
ولقد واصل محمود درويش اللعبة! وبين عام 1961 و1967 سُجن خمس مرّات. كانت الأسرة قد انتقلت من ادير العدسب إلى قرية ثانية هي االجديدة'، وأمّا محمود فقد استقرّ في مدينة حيفا، وانتسب إلى الحزب الشيوعي، وعمل في صحيفتي االاتحادب واالجديدب اللتين كانتا المنفذ الإعلامي الشرعي الوحيد للعرب الفلسطينيين. وفي عام 1971 قطع درويش دورة دراسية في موسكو وظهر فجأة في القاهرة، فأثار خروجه ضجة كبرى واستُقبل في العالم العربي بترحاب كبير. بعد إقامة في القاهرة استغرقت سنتين، انتقل درويش إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وعمل رئيساً لتحرير فصلية اشؤون فلسطينية'، ثمّ أسّس الفصلية الثقافية االكرملب التي ستصبح أهمّ دورية ثقافية عربية. وفي عام 1982، إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، غادر درويش إلى تونس ثمّ إلى باريس التي بقي فيها حتى عام 1995 حين عاد إلى رام الله، فلسطين، واستأنف إصدار االكرملب من هناك.
''' ويمكن تقسيم تطوّر تجربة محمود درويش الشعرية إلى المراحل التالية: 1 ـ مرحلة االطفولة الشعريةب وتمثّلها مجموعة اعصافير بلا أجنحةب (1960) التي سيتخلّى عنها درويش سريعاً لأنها، بالفعل، كانت تمثّل محاولات مبكّرة لا تعكس صوته الخاصّ بقدر ما تردّد أصداء تأثّره بالشعر العربي الكلاسيكي والحديث الرومانتيكي.
2 ـ االمرحلة الثوريةب وتمثّلها مجموعته اأوراق الزيتونب (1964)، حين انتقل درويش من الهمّ الذاتي إلى الهواجس الجماعية، والحلم الثوري، والتغنّي بالوطن، وتثبيت الهويّة (كما في قصيدته الشهيرة ابطاقة هوية'، التي ستشتهر باسم آخر هو السطر الاستهلالي فيها: اسجّل أنا عربيب والتي تحوّلت إلى أيقونة لأفكار المقاومة والصمود والإعلان عن الهويّة، في الشارع العربي العريض أكثر بكثير من الشارع الفلسطيني نفسه)، وحسّ الالتزام الثوري، والتضامن الإنساني والأممي (كما في قصائده اعن إنسان'، واعن الأمنياتب والوركاب).
3 ـ االمرحلة الثورية ـ الوطنية'، وتمثلها مجموعاته اعاشق من فلسطينب (1966)، واآخر الليلب (1967) واالعصافير تموت في الجليلب (1969) واحبيبتي تنهض من نومهاب (1970). وفي هذه المرحلة كان شعر درويش قد أصبح جزءاً أساسياً من الحركة التي عُرفت في العالم العربي باسم اشعر المقاومة'، وضمّت شعراء من أمثال توفيق زياد وسميح القاسم. وكان شعره يتطوّر ضمن المنطق ذاته والموضوعات ذاتها، ولكنه امتاز عن أقرانه في خصائص عديدة بينها غزارة إنتاجه، والأفق الإنساني الأعرض لموضوعات قصائده، وحسن توظيفه للأسطورة والرموز الحضارية الشرق أوسطية والهيللينية، وبراعته في أسطَرة الحدث اليومي والارتقاء به إلى مستوى ملحمي في الآن ذاته، ورهافة ترميزه للمرأة بالأرض، ومزجه بين الرومانتيكية الغنائية والتبشير الثوري، وسلاسة خياراته الموسيقية والإيقاعية، وحرارة قاموسه اللغوي، وميله إجمالاً إلى الصورة الحسية بدل الذهنية.
4 ـ امرحلة البحث الجمالي'، وهي التي تبدأ مع خروج درويش إلى العالم العربي وانتقاله من القاهرة إلى بيروت. لقد أراد البرهنة على أنّه شاعر صاحب مشروع جمالي منذ البداية وقبل أيّ 'تصنيفب آخر، وأنّ اقتران تجربته بـ اشعر المقاومةب لا يعني أنه لم يكن يسعى إلى تطوير موضوعاته وأدواته ولغته الشعرية على نحو يتفاعل مباشرة مع حركة الحداثة الشعرية العربية ويغني تيّاراتها. في عبارة أخرى هذه هي مرحلة اصراعب محمود درويش مع قارئه العربي الذي أحبّه وأراد أن يسجنه في صورة اشاعر المقاومةب فقط، في حين أنّ درويش كان يعاند في البرهنة على أنّ شاعر المقاومة ينبغي أن يكون شاعراً حقيقياً أوّلاً، وشاعراً جيّداً ثانياً وأساساً.
ومنذ سنة 1972، حين صدرت مجموعته اأحبّك أو لا أحبّك'، وهي الأولى له خارج فلسطين، واصل محمود درويش تطوير مشروعه الشعري على نحو منتظم وعنيد، بحيث كانت كلّ مجموعةجديدة تشكّل نقلة أسلوبية عن المجموعة التي سبقتها: امحاولة رقم 7ب (1973) تضمنت مزجاً بين الموضوع الغنائي والاستعادة التاريخية ـ الأسطورية للمكان الفلسطيني ـ الكنعاني (كما في قصائد االنزول من الكرملب واالخروج من ساحل المتوسطب واطريق دمشقب)؛ ومجموعة اتلك صورتها وهذا انتحار العاشقب (1975) مثّلت نقلة أكثر وضوحاً نحو القصيدة الطويلة التي تمزج بين التأمّل الغنائي والسرد الملحمي؛ ومجموعة اأعراسب التي تعود إلى الموضوع الوطني ولكن ضمن صياغات إنسانية ـ ملحمية أوسع، وأخرى تسجيلية ذات ارتباط بوقائع محدّدة في الزمان الفلسطيني (كما في قصائد اكان ما سوف يكونب واأحمد الزعترب واقصيدة الأرضب).
5 ـ االمرحلة الملحمية'، وهي التي تعقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982 وخروج الفلسطينيين من لبنان إلى بحر جديد وتيه جديد. وفي هذه المرحلة كتب درويش قصيدته الطويلة الشهيرة امديح الظلّ العاليب (1983) التي صنّفها في ما بعد تحت تسمية اقصيدة تسجيليةب لأنها تصف أجواء مقاومة الاجتياح، ومعنى مدينة بيروت، ومجزرة صبرا وشاتيلا، وأسئلة الوجود الفلسطيني بعد الخروج إلى أوديسة جديدة. وإلى هذه المرحلة تنتمي أيضاً مجموعة احصار لمدائح البحرب (1984) التي احتوت على اقصيدة بيروتب بوصفها العمل الشعري الطويل الثاني الذي يكمل ملحمة الخروج الفلسطيني من لبنان.
6 ـ االمرحلة الغنائية'، وهي تشمل القصائد التي كتبها درويش في باريس، وظهرت بعدئذ في مجموعتَيه اهي أغنية، هي أغنيةب (1986)، واوردٌ أقلّ' (1986). وفي هذه القصائد استمرّ البحث الجمالي الذي بدأ في بيروت وانقطع فجأة مع الاجتياح الإسرائيلي وخروج الفلسطينيين من لبنان، وبدا أنّ درويش يتفرّغ أكثر من ذي قبل لهواجس الذات والتأمّل الميتافيزيقي، والمحاورة الغنائية بين الشاعر والعالم. وهي أيضاً مرحلة استكشاف مسائل الشكل والبنية الموسيقية للقصيدة، إذْ كتب درويش الرباعيات، وحاول محاكاة إيقاع العزف المنفرد في الموسيقى، وكتب القصيدة القصيرة المعتمدة على االفقرةب الشعرية المتصلة بدل السطور، أو القصيدة الطويلة المعتمدة على قصائد قصيرة من عشرة سطور (كما في مجموعته اورد أقلّ'). ولعلّ هذه الفترة هي أكثر مراحل تجربة درويش قلقاً وتجريباً وتطويراً وخصوبة.
7 ـ االمرحلة الملحمية ـ الغنائية'، وتمثلها قصائد مجموعتَيه اأرى ما أريدب (1990) واأحد عشر كوكباً' (1992). وهذه هي المرحلة التي شهدت عودة درويش إلى القصائد الطويلة والمشهد الملحمي العريض الذي لا يقهر النبرة الغنائية حتى وهو يستعيد الموضوع التاريخي، والذي ينفتح على تجارب إنسانية تراجيدية كبرى (المغول، الهنود الحمر، الأندلس، طروادة) ويبحث للفلسطيني عن موقع فيها، للفلسطيني ذاته أوّلاً ثمّ للإنسانية بعدئذ. وفي هذه المرحلة كان درويش يستكمل الفصل الأنضج من تجربته في مصالحة الموضوع الملحمي مع الموضوع الغنائي، وكان يقدّم صياغة فذّة لمراوحة الفلسطيني بين صورة البطل الملحمي الملتَقط على هيئة ضحية، وصورة الفلسطيني العادي الواقف أمام منعطف السلام واستحقاقات اتفاقية أوسلو. وكان درويش يرسم صورة شعرية رفيعة لآلام وآمال هذه المراوحة.
8 ـ امرحلة الموضوعات المستقلّة'، وتشمل مجموعتَي الماذا تركتَ الحصان وحيداً' (1995) التي تدور حول موضوعة السيرة الذاتية للشاعر منذ الطفولة وحتى الآن، كما تدوّن سيرة المكان حين تحتويه الجغرافيا وينبسط فيه التاريخ، وسيرة دلالات المكان حين تنقلب إلى محطات للجسد وعلامات للروح؛ ومجموعة اسرير الغريبةب (1999) التي تدور حول موضوعة قصيدة الحبّ إجمالاً، وااغتراب الرجل في المرأة والمرأة في الرجل ودمجهما معاً' كما يقول درويش. هذه هي مرحلة التفات درويش إلى شؤون نفسه كشاعر وإنسان، وإلى شؤون الفلسطيني بعد أن غادر مرحلة االبطولةب وانتقل إلى مرحلة اليوميّ والعاديّ.
وضمن مرحلة الموضوعات المستقلة هذه يمكن احتساب مجموعتين صدرتا ضمن سياقات خاصة، شخصية ذاتية تخصّ الشاعر، وأخرى وطنية عامة تخصّ الأوضاع في فلسطين. وهكذا صدرت اجداريةب (2000)، وهي قصيدة طويلة تقارب الـ 1000 سطر، لكي تسجّل سلسلة تأملات ملحمية كثيفة في موضوعة الموت على خلفية رمزية وأسطورية وتاريخية محتاشة بتوتر الوجود ومقاومة العدم وموقع الشعر والفنون في هذا الخضمّ كلّه، وذلك من وحي تجربة شخصية عاشها الشاعر حين خضع لعملية جراحية دقيقة في القلب سنة 1998. كما صدرت احالة حصارب (2000) لتدوّن يوميات الفلسطيني في سنوات استشراس آلة الاحتلال العسكرية والأمنية الإسرائيلية قبل وبعد مجزرة جنين وأعمال النسف والتصفيات الجسدية وبناء الجدار العنصري العازل. ولكنّ اليوميات لم تكن تسجيلاً حزيناً أو محزناً لعذابات الفلسطيني، بل أرادت أساساً القول إنه باق على قيد الحياة، يقاوم في صيغة آدمي من لحم ودمّ وليس في صيغة أسطورة ملحمية ورمز بطولي. 9 ـ المرحلة الراهنة في شعر درويش تستأنف برنامج البحث الجمالي والفنّي الذي بدأه الشاعر في بيروت مطلع السبعينيات وفي باريس مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن في نطاق محدد أكثر هذه المرّة، هو تطوير شكل القصيدة العربية المعاصرة وجَسْر الهوّة بين الشكلين الرئيسيين السائدين في الكتابة الشعرية الراهنة، أي قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. ولأنّ درويش يؤمن بثراء البنية الإيقاعية للشعر العربي، وأنها ما تزال غنية وخصبة وقابلة للكثير من التطوير والتجريب، فإنّ هاجسه في المجموعات اللاحقة انصبّ على التطوير المرن والحيوي للتفعيلة عبر تطويعها ضمن تشكيلات موسيقية سلسة الوقع وخافتة الصوت تكفل تقريب المسافة بين الوزن والنثر. هذه هي السمة الكبرى في مجموعتَي الا تعتذر عمّا فعلتب (2004)، وبكزهر اللوز أو أبعدب (2005)، وكانت النماذج المبكرة لهذا البحث الجمالي والفنّي قد تبدّت كذلك في اسرير الغريبةب (1999)، لكنها لا ريب تبلغ ذروة دراماتيكية في كتاب درويش الأخير افي حضرة الغيابب (2006) الذي شاء الشاعر أن يطلق عليه صفة انصّ' لأنه في الواقع يستكشف أرحب آفاق شعرية النثر، وينجز صيغة فريدة وفذّة من امتزاج الشعر والنثر في قول ينفكّ عنهما معاً ويشكّل جنساً مستقلاً جبّار الإيحاء وعبقريّ التأثير. وأمّا عمله الشعري الأخير اأثر الفراشة'، 2008، الذي يجمع بين التفعيلة والنصوص النثرية، فقد كان أكثر أعمال درويش اقتراباً من قصيدة النثر، خصوصاً وأنّ الشاعر تعمّد إنصاف الوزن حين أعاد إنتاج تشكيلات إيقاعية عالية تذكّر بتقنيات قصيدته في أواسط السبعينيات، كما أنصف النثر حين تلمّس شعريته على نحو جمالي ولغوي غير مسبوق في نتاجه. وإلى جانب الأعمال الشعرية (وهي 23 حتى الآن) كان درويش قد اعتاد كتابة المقال السياسي والثقافي منذ أيّام عمله في صحيفتَي االاتحاد واالجديدب في الداخل، وخلال رئاسته لتحرير الشهرية الثقافية اشؤون فلسطينيةب في بيروت خلال السبعينيات، وتأسيسيه لمجلة االكرمل'، الفصلية الثقافية الأشهر في العالم العربي، التي صدرت في بيروت، ثم انتقلت بعدئذ إلى نيقوسيا، وعادت مؤخراً إلى رام الله. ومقالات درويش جُمعت في الكتب التالية: ااشيء عن الوطن'، 'وداعاً أيتها الحرب، وداعاً أيها السلام'، 'يوميات الحزن العادي'، 'في وصف حالتنا'، 'عابرون في كلام عابر'، مجموعة االرسائلب المتبادلة مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، وبحيرة العائدب الذي ضمّ منتخبات من مقالاته على امتداد عقدين.
غير أنّ كتابه النثري الأشهر يظلّ 'ذاكرة للنسيان'، وهو عمل شبه روائي يصوّر فيه درويش تفاصيل العيش اليومي تحت الحصار الإسرائيلي لبيروت سنة 1982 على نحو مذهل في بساطته وعمقه وشاعريته العالية. وقد اشتهر كثيراً ذلك المقطع الذي يصف فيه درويش نضاله من أجل الانتقال تحت القصف من صالون البيت إلى المطبخ لصنع فنجان قهوة، وكيف تحوّل غلي القهوة إلى طقس إنساني فريد واستثنائي.
''' وإذا كان مشروع محمود درويش الشعري هو مشروع تراجيدي في الجوهر، لأنّ 'وعي الفلسطيني بالتراجيديا عالٍ بدرجة تكفي لكي يتماهى مع أي تراجيديا منذ الإغريق وحتى الآنب حسب تعبيره، فإن الملحمية الغنائية هي السمة المركزية في هذا المشروع. لقد حاول اإطلاق اللغة الشعرية في أفق ملحمي يكون فيه التاريخ مسرحاً لمناطق شعرية فسيحة تتسع لتجوال غير محدود للشعوب والحضارات والثقافات، ولبحث عن عناصر الهوية الذاتية ضمن اختلاط وتصادم وتعايش الهويات'، كما يقول الشاعر عن نفسه.(1) 'ناقد من سورية يقيم في باريس (1) نُشر هذا النصّ، بالفرنسية أولاً، في مختارات درويش الشعرية La terre nous est 'troite، التي صدرت سنة 2000 عن دار النشر الفرنسية غاليمار، في سلسلتها الشعرية الشهيرة، باختيار الشاعر وترجمة الياس صنبر. وقد تمّ تحديث النصّ بما يتيح الإشارة إلى أعمال درويش الجديدة.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:01 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

توني موريسون ومحمود درويش: فعل القراءة وتأزّم التمثيل

ستيفن هيث




أزمة موضوع الدراسات الأدبية، وفكرة الأدب ومقاربته كما تطرحها النظرية الأدبية الحديثة، هي أزمة مفارقة تناقضية في إمكاناتها ومؤثراتها (1). الأدب يُزاح ويُجزّأ ويُنتزع من أيّ جوهر هوية منفصل (فتَزيغُ الحدود هنا بين الخطابَيْن الأدبي وغير الأدبي)، ويجري إغراق الأدب أكثر فأكثر في النَصّية (اما من هويّة بذاتها لأية كتابةب كما يجزم جاك دريدا)، ويُردّ الأدب داخل تلك النَصّية ذاتها الى جنون الكلمات (االمرء أبعد ما يكون عن القراءة حين يمسك بالنص في موضع معيّن، في استخراج أطروحة ما، معنى ما أو حقيقة'، دريدا أيضاً). وذلك الاستبدال، وتلك العودة إلى النصّانية والقراءات البلاغية، توجد جميعها في ترابط وثيق مع ضغوطات كبرى على الموضوع وعلى الأدب: ضغوطات من وسائل الإعلام والشبكات الإخبارية؛ ومن التمييع الثقافي للمعنى؛ ومن الفروقات المثارة حول أية هويّة، وحول الهوية الوطنية أساساً. (...) ومسألة تمثيل Representation الأدب تعيدنا إلى ذلك التمثيل الذي يجمع المشكلات معاً، بنهاياتها الفضفاضة وفروقاتها وكسورها ومآزقها. وإذا كان ثمة ما نطلق عليه اليوم اسم االأدب'، بمعنى أغراضه، فهو كتابة وقراءة الصراع من أجل التمثيل، وفهم ذلك على أنه استكشاف للاختلاف والتشابه، وللتعبير عن الهويّات الاجتماعية ـ التاريخية وتناقضاتها، وهو تدقيق ونقد وصياغة تعابير التمثيل ذاته: لغته، نظامه، علاماته. والأدب بذلك، وفي هذا الإدراك لواقعه، هو حالة إفراط. إفراط لجهة الهويّة على سبيل المثال، مثلما لمساءَلة الهوية، للّغة في موضعها مثلما للّغة في اشتغالها، وللعمل مثلما للنص.
حالة من هذا النوع أشارت إليها توني موريسون (2) في عرضها لوضعية الكاتبة السوداء وعلاقتها مع تراث الرواية كجنس حكائي، والشكل الذي ينفتح في سيرورة انكشاف تفكيكي ـ حواري Deconstructive-Dialogic لطُرُز الهويّة والشكل، تلك التي تتأكد في الوقت ذاته ضمن عمليات التصريح بالهوية والمطالبة بها. أو هي أيضاً، وبصورة مختلفة، حالة قصيدة اعابرون في كلام عابرب للشاعر الفلسطيني محمود درويش، التي تنطق بمطمح إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة فلسطين المستقلة، وتعبّر بقوّة عن أحاسيس وتجارب أمّة ووطن، وتفعل ذلك في القصيدة بوصفها قصيدة أوّلاً. بدورها اكلمات عابرةب تنقل وتحوّل التمثيل المُعطى، متحركة ضمن حالة تبادل من الـ انحنب والـ اأنتم'، وتترك الأشياء على قلق. إنها تكتب تاريخاً مختلفاً في الحقيقة، ولكنها تكتب ذلك على وجه التحديد: تكتب تاريخاً للحاضر.
وقصيدة درويش تذكرة دراماتيكية بحقيقة الفعل الرمزي بوصفه فعلاً، كما تذكّر بحقيقة الأدب داخل العالم. في ذروة الانتفاضة، 'ثورة الحجارة'، تصبح القصيدة موضوع نقاش في الكنيست، وتستفزّ حالة واسعة من فعل القراءة وتأزّم التمثيل. إنها تذكرة دراماتيكية، وحقيقة عامة: النضال في سبيل التمثيل مسألة أدبية وسياسية معاً، وهذا لا يعني دمج الإثنين في مكوِّن واحد لـ ااختزالب الأدب إلى سياسة كما يُقال، بقدر ما يعني تأكيد التمثيل على وجه الدقة. المسألة بالتالي تتصل بالأدب فعلياً، بقوّة النتاج ليس ضمن أُطُر الحدود القديمة أو الجديدة ـ القديمة للنصّ أو النصّانية، وليس ضمن أيّ مجال تخصّصي منفصل أو معرفة شاملة كاملة باللغة، التي هي في واقع الأمر نظرية قصوى.
امقاومة النظرية هي... مقاومة القراءة'، هكذا يعلّق بول دي مان وهو يسعى إلى توصيف النظرية كحالة خاصة لصيقة بالمعرفة الأدبية والنصية. اإن من واجب الناقد أن يؤمّن أشكال المقاومة للنظرية'، هكذا يردّ إدوارد سعيد وهو يسعى لتوصيف النظرية كشكل تجريدي من خصوصية السيرورة التاريخية. الأدب ينتج نوع الأفعال والعلائق التي يحتاج الانتباه التمثيلي إلى التركيز عليها الآن، وحيث يجري إدراك مسائل الإيديولوجيا والقيمة، والصراع من أجل التمثيل في عملية الكتابة ـ القراءة التي هي جوهر الأدب. والصراع اليوم، في ميدان تقييم الأدب، ملزَم سياسياً باجتراح أشكال جديدة تنطوي على الانخراط بدل الإنابة، وتعتمد على تآلفات إنسانية ذات مغزى أكثر من اعتمادها على أغلبيات مسجلة.
ترجمة: ص. ح.
هوامش: (1) ستيفن هيث Heath أستاذ الأدب الحديث في جامعة كامبرج (بريطانيا)، والنصّ فقرات من المحاضرة الاستهلالية لمنهاج االنظرية الأدبية الحديثةب الذي افتُتح للمرّة الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) 1988. وقد نُشر النصّ الكامل للمحاضرة في العدد الثاني (صيف 1989) من فصلية Critical Quarterly.
(2) الروائية الأمريكية الحائزة على جائزة نوبل للآداب، 1993.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:01 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

محمود درويش في رحلته الأخيرة إلى فلسطين: صفّوا على نعشي سبع سنابل خضراء ... أدونيس: أحب أن أبكي

(أدونيس)
بين ضوء الكلام، وظُلمة الزمن، عاش محمود درويش.
الأول أسنده إليه الفلسطينيون والعرب لكي يُطفئ الجحيم بماء الفراديس. جعلوا منه مَطْهَراً يتجاوزون به خيبة العدل والسياسة، ورمزاً يلجأون إليه لكي يحنّوا ويتذكروا حيناً، ولكي يستشرفوا ويأملوا، حيناً آخر.
وهو عبء احتضنه، وإن كان طاغياً عليه، وهذّبه وارتقى به، وقرَنَ فيه بين الألم المرير والمتعة العالية، وبين الفجيعة والجمال. وفي ذلك صارع العبءَ الآخرَ، عبء الزمن، وآخاه واحتضنه كذلك.
كتب شعره كمثل كيمياء تحوّل الموت الى حركة حية، وتخترع الشطآن حتى للقوارب المحطّمة. وحيثما اغتربَ، أقام عاصمة للأمل، جاعلاً من الشعر أرضاً أخرى، وسماء أخرى.
لكن ماذا تقول لك الكتابة حين تنهار فوق صدرك ذروةٌ من ذرواتها؟ خصوصاً ان محمود درويش لم يكن، بالنسبة إليّ، مجرّد صديق. كان أخاً قريباً، وشريكاً حميماً في الحياة التي جمعتنا في بيروت، قبل الحصار، وفي أثنائه، وبعده في باريس. كنّا في هذه المدينة الفريدة نبني جسور الشعر ونربط الأفق بالأفق.
وكنا في بيروت نفتح لغاتنا على الرياح الأربع. وفي بهاء الصداقة كنا نحتفل – في بيتنا، كل سنة، باليوم الذي ولد فيه مع نينار التي ولدت في اليوم نفسه: 13 آذار.
كان يأخذها بين ذراعيه، فتقول له بطفولتها الشاعرة: «أنت كبير، وأنا صغيرة. شو استفدنا؟».
مع ذلك، فيما بعد، في غلواء الصداقة، والتباس علاقاتها، باعَدَت بيننا الحياة. غير ان الخيط الذي يصل الضوء بالضوء لم ينقطع بيننا ابداً.
الآن، أحب أن أبكي.
محمود درويش "في حضرة الغياب"
محمود درويش في صورة من عام 2007 في بيروت. جمانة حداديعود الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش الى وكر النسور في الجليل، لينضمّ الى الأرض التي جعلها أرضاً ليس للبطولة فحسب ولكن خصوصاً لكل شعر حقيقي عظيم.
قبل ساعات قليلة كان محمود لا يزال في قلب المحنة الخطيرة، يواجه وضعا صحياً بالغ الحرج، ويخضع للتنفس الاصطناعي في أحد مستشفيات هيوستن، تكساس، بعدما أخضع في 6 آب الجاري لعملية جراحية معقدة في القلب تولاها الجراح العراقي حازم صافي، وتضمنت اصلاح ما يقارب 26 سنتيمترا من الشريان الابهر الذي تعرّض أخيراً لتوسع شديد وخطر.
وقد سبق ان اجريت وهي التي كتب على أثرها "جداريته" الشهيرة. لكن القلب الذي ظل وفياً للشاعر، على رغم عطبه الجليل، حاملاً معه أعباء الشعر والأرض والتاريخ، لم يستطع أن يكمل المسيرة، فدخل في عطب الغيبوبة العظيمة، تاركاً الشاعر وحيداً "في حضرة الغياب".
ها قلبكَ، يا محمود، كان، قبل قليل، يرفرف فوق الحافة المهيبة من جديد، وكنا نسأل أن لا تأخذه الحافة الى الأبعد منها.
فقد علّمنا قلبكَ، يا محمود، أنه لم يكن غريباً على أطوار الحافة وأمزجتها. فهي، كالأقدار، كالأرض، كالشعر، كانت ملعبه الأثير. حفظ قلبكَ فخاخها وفجواتها ومطباتها، غيباً، وعن ظهر قلب، كما تُحفَظ القصائد، وكما تُحفَظ الأرض، فلم يخطئ حدودها يوماً، ولم تدوّخه يوماً سكرة هوتها العظيمة. وقد ظل قلبك يتلاعب بالحافة، وتتلاعب به الحافة، الى أن أخذته، أمس، اليها.
قبل قليل، كنا نقول إن القلب إذا كان مثل قلبكَ، لا بدّ يعرفها، هذه الحافة، جيداً. وكنا نقول، ودائماً قبل قليل، إن القلب الذي مثل قلبكَ، يعرف جيداً، أنها الحافة الصعبة، الحرون، الكاسرة، المغوية، والتي ليس من حافات بعدها. وكنا نقول، إن قلبكَ، شأنكَ، شأن شعركَ، وشعبكَ، مرصودٌ لمثل هذه المناطق المحفوفة التي تشبه طعم المستحيل. لكنكَ، كالنسور المحلّقات، كالقصائد المحلّقة، كالفينيق، كنتَ، حتى قبل قليل، إذا نزلتَ في وادٍ، فشأنكَ أن لا تتحطم، أو تحترق، أو تسقط في عدم. وكنا نقول، شأنكَ فقط أن تعرف طريق الرجوع. وكنا نقول، أنتَ لا بدّ راجعٌ الى شعركَ، على طريق الراجعين. وكنا نقول سترجع. لا مفرّ.
كنا نقول إن القلب، قلبكَ، يعرف هذا كلّه. ويعرف قَدَره جيداً. وكان قَدَره يقول له أن يكمل الطريق، لا أن يخون.
لكن القلب الذي اختبرك طويلاً أيها الشاعر الكبير، عاد لا يستطيع أن يظل يختبر. كنتَ، أيها الشاعر، حتى قبل القليل القليل من الوقت، لا تبخل على القلب بالاختبار. كنتَ تداويه بما يليق بكَ وبه، ليعود اليكَ والى شعركَ وشعبك. وكنتَ تنده هذا القلب، بأسراره بألغازه بكلماته، فيعرف حدوده معك، ويصعد دائماً من هاوية الى حيث تقيم النسور. وقبل قليل كنا نسألك أن تنادي قلبكَ هذا على الفور. وقبل قليل كنا نلحّ عليكَ أن تناديه الآن، وأن لا ترجئ الى غد. وأن تزجره، وأن تزلزله، وأن تهزّه من تعب، وأن تبلسمه بشعرك، ليعرف القلب حينئذ ماذا ينبغي له أن يفعل. وكنا نقول: هو لا بدّ فاعلٌ. وكنا نقول: سيفعل.
لبنان منذ ساعات قليلة كان كلّه يناديكَ، يا محمود، لا أنا وحدي. شعراؤه، كتّابه، أهله، كانوا يسألونكَ أن تخاطب القلب الجريح باللغة التي يفهمها هذا القلب الجريح. وكنا نقول حتى قبل قليل، إن الوقت هو الآن وقت اللغة، أيها الشاعر، لا وقت الأطباء فقط. وكنا نسألك أن تنادي قلبكَ باللهجة التي لا يتقنها سوى الشعر. ومَن مثلكَ، كان يعرف ما به هذا القلب. وكيف يعود ليخفق في صدركَ، في شعركَ، مثلما يخفق ضمير الأرض في شعب فلسطين.
شعراء لبنان، كتّابه، وأهله، كانوا حتى قبل القليل القليل من الوقت، يسألون قلبكَ الشفاء، وكنا نسألك أن ترسل الى قلبكَ نداءنا اليه، مشفوعاً بالرجاء، بل بالحب الكبير.
لكننا، مثلك الآن، نفهم ماذا يعني أن يخرج القلب على الحافة ولا يعود يعرف الطريق اليك.
لا بدّ أن القلب طار، كما العصافير، كما النسور، لينضمّ الى وكر النسور في أرض الجليل.









آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:02 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

الرجل الذي ضيع في الأحلام .. عمره

عبد الحليم قنديل

بدا الخبر ذابلا منهكا كأنك سمعته مرارا من قبل، رسالة على الهاتف المحمول تقول: مات المهندس إبراهيم شكري بعد صراع طويل مع المرض، مات الشيخ الذي عاش 92 سنة في وضع 'الشهيد الحي'. مات إبراهيم شكري غريبا غربة الإسلام في آخر الزمن، وكأن البلد الذي أحبه، والأمة التي عاش لأجلها، كأنه لابلد ولا أمة، ولا وفاء لمن ضحىّ، مات الرجل على سريره، وهو الذي خاض ألف معركة، ونجا من ألف جرح، مات وهو في العزلة، ويعاني الإحباط والإنكار والاستبعاد من السياسة المصرية، وهو الذي صنع أسطورة حياة يندر مثيلها .
ولد إبراهيم شكري في زمن الحرب العالمية الأولى، ولم يكن يحتاج للعمل بالسياسة، بل ربما لم يتوقع له أحد أن يفعلها، فقد ولد وفي يده ملعقة من ذهب، ولد كأبن باشا، آلاف الفدادين من الأراضي الزراعية الخصبة بحوزة الأسرة، وحياة كلها في الرغد وتمام النعيم، لكن روح الشاب 'التولستوي' كانت متمردة، فقد كان واحدا من اثنين وصلا لعضوية مجلس النواب قبل الثورة، وبنفوذ الأسر الإقطاعية الكبرى كغيرهم، لكنهما كانا نائبين من طراز مختلف، فقد قدما أول قانون للإصلاح الزراعي في تاريخ مصر، ولم يقبل المشروع بالطبع في مجلس يسيطر عليه كبار الملاك الزراعيين، لكن إبراهيم شكري تعامل مع نفسه وأملاكه، وكأن القانون صدر بالفعل، وراح يوزع قطعا من أرضه التي ورثها على صغار الفلاحين، ووضع أمواله في خدمة جماعات السياسة الشابة المتمردة، كان رفيقا لأحمد حسين خطيب الغضب الجامح، وكان ممولا وحيدا ـ ربما ـ لحركة مصر الفتاه في الثلاثينيات، وللحزب الإشتراكي الذي أعقبها في الأربعينيات، وكان قريبا جدا من فتحي رضوان المحامي وأول وزير الثقافة في عهد عبد الناصر فيما بعد، كان رضوان وحسين وإبراهيم شكري رموزا على تمرد بميول وطنية وإسلامية واجتماعية، وفي مشهد سياسة كان محجوزا لإخوان حسن البنا في الظل، ولكبار الملاك الزراعيين وعملاء الإنجليز والقصر الملكي في مشاهد التأليف والانفضاض الوزاري .
وطوال سبعين سنة، كان إبراهيم شكري القاسم المشترك الأعظم في السياسة المصرية، أصيب برصاص الإنكليز في انتفاضات الطلاب أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، كان الطلاب يدعون الأحزاب لجبهة موحدة معادية للاحتلال البريطاني، وينادون بالعودة إلى دستور 1923، وتفجرت المواجهات دامية، وسقط عشرات الطلاب في المظاهرات، وكان أولهم الشهيد عبد الحكم الجراحي رفيق إبراهيم شكري (وقد أوصى أن يدفن إلى جواره على طريق صلاح سالم بالقاهرة)، فيما ظل شكري على قيد الحياة بعد شفائه من جروح الرصاص، وبعد أن راح في غيبوبة طويلة، ونقل إلى المشرحة تمهيدا لدفنه، ومن وقتها عرف باسم 'الشهيد الحي'.
والتحق ـ فيما بعد ـ مع رفاقه المتمردين بقافلة تأييد ثورة الضباط الأحرار، وشغل منصب المحافظ أكثر من مرة، ثم دارت دورة الزمان ضد الأحلام، وارتد السادات على الثورة، وحاول استمالة شكري وعينه وزيرا للزراعة، إلا أن الرجل كان يخفي في نفسه حس المعارضة لكل ما يجري، كان يدرك أن الأوضاع تعود تدريجيا إلى أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 1952، ويسعى للعودة إلى المعارضة التي انتسب إليها قبل الثورة، وفي ظروف جديدة، وهيئ للسادات ـ بغباوة مفرطة ـ أن شكري يصلح لدور المعارضة المستأنسة، وساعد السادات في إنشاء حزب العمل الاشتراكي أواخر السبعينيات، ولم تمض غير شهور حتى انقلب شكري إلى سيرته الأولى، وتحول حزب العمل ـ برئاسة شكري ـ إلى خصم لدود لكامب ديفيد ولنظامها، وإلى موئل لجماعات من الوطنيين والناصريين كانت ممنوعة من العمل بالسياسة، وإلى محطة حنين لرجال 'مصر الفتاة' القدامى، وتكون خليط سياسي ـ بزعامة إبراهيم شكري ـ أقرب لأحزاب يسار الوسط، وفيما بدا إبراهيم شكري في صورة الراعي الطيب، فقد أفرزت الظاهرة رجالا ونساء من المعارضين المؤثرين بشدة في الرأي العام، كان أولهم ـ بالطبع ـ فتحي رضوان الذي سجن في العهد الملكي وفي أواخر العهد الساداتي، وحلمي مراد الذي تساءل ـ في الوقت المبكر ـ عن بدعة السيدة الأولى، وعن نفوذ جيهان السادات ومن بعدها سوزان مبارك، ثم عادل حسين الذي التحق بالحزب في أواسط الثمانينيات، وكان له الدور البارز في إعادة صياغة هوية حزب العمل، كان عادل حسين يؤمن ـ كما قال لي مرارا ـ بما يسميه 'الناصرية آخر موديل'، وكان يسعى لتحويل حزب العمل إلى مزيج من التيارين القومي والإسلامي، وكان تركيزه هائلا على الاستفادة من الحجم الكبير لجماعة الإخوان، وهكذا نشأ ما سمي 'التحالف الإسلامي'، والذي آلت إليه زعامة المعارضة الرسمية في برلمان 1987، بدا أن عود حزب العمل يشتد، وبدا الهجوم الرسمي مركزا على شخص عادل حسين الذي حظي بدعم ورعاية وتأييد إبراهيم شكري، فقد ظل الرجل مخلصا لآل حسين، ودعم خط عادل حسين وفاء بحق شقيقه الأكبر أحمد حسين، فقد كان شكري من طراز رومانسي فريد، وظلت جريدة 'الشعب' ـ الناطقة بلسان حزب العمل ـ تؤثر بشدة في الرأي العام طوال التسعينيات، ولم يكد يطوي القرن أوراقه وحوادثه، حتى وقعت الواقعة، وانقلب نظام مبارك ـ وريث السادات ـ على إبراهيم شكري وحزبه بالجملة، وتقرر حل الحزب وإغلاق الجريدة في سنة 2000، كان إبراهيم شكري قد وصل وقتها إلى عامه الرابع والثمانين، وظن النظام أن الرجل ـ مع تقدم السن ووهن الصحة ـ ربما يميل إلى المساومة، لكن الرجل صمم على أن يحتفظ بصفحته بيضاء وبسيرته ناصعة، ولجأ إلى القضاء الذي انتصف له مرارا وتكرارا، وأصدر عشرات الأحكام بعودة جريدة حزب العمل للصدور، لكن النظام الذي يحتقر القانون ويدهس القضاء صمم على رفض التنفيذ، وهكذا بدا ان شكري قد أحيط به، حاصره الإحباط المستعجل، وذهب إلى العزلة والمرض، ولم تعد تسمع عنه أو تقرأ له، وإلى حد تصورت معه أجيال أن إبراهيم شكري قد مات، وغادر الدنيا من زمن، بينما كان الرجل وحيدا مع أمراض الشيخوخة في بيته المعزول، و يشكو إلى الله ما لحق به من عنت الظالمين .
ذهب شكري إلى العزلة بغير اختيار، وإلى خيمة الصمت المطبق، وهو الذي كان ملء السمع والبصر، فقد جرحته الإهانه، وهو الذي جعل حياته سيرة شرف، انتهى وحيدا إلى اجترار الأحزان، وربما تأمل ما يجري حوله، وأحس أن الزمن لم يعد زمنه، فقد بدت حياته كلها ـ في المحصلة ـ كأنها قبض ريح، عاش يحلم بمصر أفضل، وقد رآها تتدهور من سئ إلى الأسوأ، وتنحدر إلى هاوية بلا قرار، عاش حياته مناضلا من أجل حقوق العمال والفلاحين، وانتهت القصة إلى دهس آدمية المصريين بغالبيتهم الساحقة، ناصر ثورة يوليو، ورأى انجازاتها تمحى من الوجود واحدا بعد الآخر، كانت فلسطين قضية عمره كما كانت قضيـــــة كل المصريين، وكان بيته هو المنزل المفضل لاستضافة أبــــــو عمار رمز الثورة الفلسطينية، وانتهى الأمر إلى ما عرف ونعرف، أعلام السفارة الإسرائيلية على حافة النــــــيل، وهدايا الغاز والبترول المصري لإسرائيل، ومهانة استضافة الإسرائيليين في بيت الرئيس، كان شكري ـ السياسي الرومانسي ـ أشبه بالوتر الحساس، والكل يذكر ماذا فعل شكري في جنازة الشهيد سليمان خاطر، كان الشهيد قد مات غيلة في السجن الحربي، وبعد ان اتهم بقتل إسرائيليين في سيناء، وبكى شكري الفتى سليمان كأنه ابنه، ولم يكن يدري أنه ـ هو الآخر ـ سيموت وحيدا، فهو الرجل الذي ضيع في الأحلام عمره . كاتب من مصر







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:02 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

محمـود درويـش: آن لـي أن أعـود!

هاتف الوداع:
سأهزم الموت بالموت!
قال محمود درويش: لم اشأ ان اغادر من دون ان أودعك... لقد حسمت أمري وقررت ان أواجه الموت، مرة اخرى...
نضح القلق في صوتي وأنا احاول فتح باب النقاش مجدداً: ولكن الأطباء في بيروت قد نصحوك
ـ أعرف، وكذلك الأطباء في فرنسا... لكنها معركتي!
قلت: هذه معركة غير متكافئة.
ـ أعرف، وأعرف أيضا أنه لا بد منها. لم أعد أطيق مواصلة هذا التحدي. لقد سئمت ان أعيش في قلب موتي. أتعرف، من الممتع أن تنازل الموت، ولكنك في لحظة ما ستكتشف ان لعبتك مفضوحة. ان تعرف انه يعرف انك تعرف النتيجة، وأنك تعابثه.
ـ ولكنك يا محمود لست فرداً لتقرر وحيداً ما يشترك معك الناس فيه...
قاطعني: اعرف ما سوف تقوله، لست ملك نفسك، وليس لك ان تقرر. تصور: أنا ملكية عامة! في كل تصرفاتي عليّ الا اكون أنا.
انتبه! يجب الا تقبل وردة من تلك الحسناء. انتبه! أنت تمثل القضية فلا يجوز ان تضحك بصوت عال! ويجب ان يكون كلامك مدروساً. لقد بلغ الامر ببعض الناس ان استنكروا ذهابي الى مدينتي، بحجة انها صارت تحت الحكم الاسرائيلي! ونسوا انني حتى حينما اكون في رام الله فأنا تحت الحكم الاسرائيلي! لن اتحدث عن الدول الاخرى... ثم انني عشت نصف عمري تحت هذا الاحتلال، وأنا اكثر من يعرفه بينكم جميعا، حتى لا اقول انني احد القلائل الذين يعرفونه حقا.
ـ بل أردت أن أحدثك عنك بوصفك ملكية خاصة لمحمود درويش... لقد حذرك الأطباء من ان اي جراحة قد تحرك الوحش الكامن في شرايينك!
قاطعني ضاحكا: حتى الكولسترول عند محمود درويش مختلف
ـ انه مثلك، جبار! ألست جباراً علينا جميعا
ـ ولكنه جبار عليّ فقط! انه يفرض عليّ التحدي بين ان اعيش أسيره ما تبقى من عمري وبين ان أهزمه ولو بالموت.
ـ كأنك تتحدث عن الانتصارات العربية التي يقدم فيها هدايا مجانية الى اسرائيل.
وختم محمود درويش مكالمته الوداعية بأن قال انه لن يبتعد عن مكانه لانه منذ زمن طويل بات يعيش خارج المكان والزمان لان شعره صاره...
(ذكريات شخصية من زمن محمود درويش)
طلال سلمان


ودّع أصدقاءه ولم يعتذر
شاعر الأوذيسّة الفلسطينية
هذه المرة لن يكتب محمود درويش جدارية أخرى. لن يخدع الموت الذي طالما خرج منه ناجياً من عاشق مثله في الوقت الضائع وما بعد الحياة، يدرك ان الموت خصه كما خصته الحياة. لم يخطفه. ضرب له موعداً عرفه وسار إليه بقدميه. لم تكن تجربة درويش مع الموت سوى صورة موازية للصراع. إذا كان شعر درويش هو شعر الخيار الوحيد فإن الموت على سن هذا الخيار. لطـالما غنى درويش شهداء القضايا الخاسرة، والأرجح انه كــان يعــرف ان في سيره إلى موته ذروة في هذا الغناء، انها القصــيدة غير المكتوبة التي أتمها بجسده. ســيكون جســده عندها موازياً للمكان، سيــكون موته لحظة في هــذا الوعــي الشقي.. حيــن حانت الساعة، ســار درويش إلى موعـده أنيـقاً ومستـويا. ودع أصــدقاءه ولم يعـتذر.
لم يكن غناء درويش في ما بعد بطولياً انتصارياً جريئاً. لقد تحرر من القصيدة الوطنية داخـل القصــيدة الوطنية، وصارع الجمهور داخل الجمــهور. انــها سلطــة على الجمهور طمح معها درويش إلى إعــادة تربيــته وتأهــيله: لكنها موهبة كبيرة جعـلت درويش في آن واحـد شاعراً شعبياً وطليعياً، نجماً ونخبوياً. درويش كـان يتــحرر ويحرر في آن معـاً. لقـد تخلص في العـلن من رواسب، وكان يمكن لتجربة علنية كـهذه ان تمتد وأن تغدو مثلاً. ليســت المسألة في الشـكل فـقط، انها مسألة رؤيا. فالــشاعر الفلسطيني وجـد نفـسه مغنـي الأوذيســة الفلســطينية وشــهداء القضية الخاسرة. لقــد تحــول إلى شــاعر مرات، وغــدا شــعره مع الوقـت مرثية كبرى.
امتلك محمود درويش غير الشعر ذكاء نادراً وعقلاً تحليلياً وفكاهة. لم يهتم لكتابة الشعر فحسب، بل بصورة الشاعر أيضاً. لم يطور شعره فحسب، لكنه بنى استقلاله ووعيه النقدي. ومع الوقت كان يزداد نضجاً وإصغاء. لقد انقصف في ربيعه. دعك من العمر. انقصف في ربيعه وهو الآن أفتى منه في بعض شبابه.
عباس بيضون



إلى أين تأخذني يا أبي
كتب محمود درويش:
... آية الكرسي، والمفتاح لي. والباب والحراس والأجراس لي.
... لي ما كان لي. وقصاصة الورق التي انتزعت من الإنجيل لي، والملح من أثر الدموع على جدار البيت لي..
واسمي، إن أخطأت لفظ اسمي، بخمسة أحرف أفقية التكوين لي:
ميم / المتيم والميتم والمُتَمم ما مضى
حاء / الحديقة والحبيبة، حيرتان وحسرتان
ميم / المغامر والمعد المستعد لموته
الموعود منفيا، مريض المشتهى
واو / الوداع، الوردة الوسطى
ولاء الولادة أينما وجدت، ووعد الوالدين
دال / الدليل، الدرب، دمعة، دارة درست، ودوري يدللني ويدميني
وهذا الإسم لي... ولأصدقائي، أينما كانوا،
ولي جسدي المؤقت حاضراً أم غائباً...
متران من هذا التراب سيكفيان الآن... لي متر و٧٥ سنتيمتراً... والباقي لزهر فوضوي اللون، يشربني على مهل.
ولي ما كان لي: أمسي، وما سيكون لي، غدي البعيد، وعودة الروح الشريد كأن شيئا لم يكن...
... أما أنا وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل ـ فلست لي. أنا لست لي أنا لست لي... (جدارية ١٩٩٩)
[[[
سطراً سطراً أنثرك أمامي بكفاءة لم أُوتها إلا في المطالع
وكما أوصيتني، أقف الآن باسمك كي أشكر مشيعيك إلى هذا السفر الأخير، وأدعوهم إلى اختصار الوداع...
ولنذهبن معاً أنا وأنت في مسارين: أنت إلى حياة ثانية وعدتك بها اللغة، في قارئ، قد ينجو من سقوط نيزك على الأرض.
وأنا إلى موعد أرجأته أكثر من مرة، مع موت وعدته بكأس نبيذ أحمر في إحدى القصائد...
فلأذهب إلى موعدي، فور عثوري على قبر لا ينازعني عليه أحد من غير أسلافي، بشاهدة من رخام لا يعنيني إن سقط عنها حرف من حروف أسمي، كما سقط حرف الياء من اسم جدي سهواً. (جدارية)
... يقول على حافة الموت: لم يبق بي موطئ للخسارة، حر أنا قرب حريتي وغدي في يدي... سوف أدخل، عما قليل، حياتي، وأولد حراً بلا أبوين، وأختار لإسمي حروفاً من اللازورد. (حالة حصار)







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:02 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

غنــاء الخســارة
عباس بيضون


هذه المرة لن يكتب محمود درويش جدارية اخرى. هذه المرة لن يخدع الموت الذي خرج منه ناجياً من قبل. من عاش مثله في الوقت الضائع وما بعد الحياة يدرك ان الموت خصه كما خصته الحياة. لم يخطفه وحده. عرف ساعته وصار إليها بقدمه.
لم يكن محمود درويش يعتبر الموت عرساً كما اعتبره جلال الدين الرومي لكنه لم يكن بالنسبة له مجرد فراغ. لقد حمله في قلبه وأحشائه وتحول الى طرف في معادلته الشعرية والحياتية. اضيف الى الكلام وإلى السلوك كملح للحقيقة وعمق غير منظور. كان النزوح والموت شراعا محمود درويش والحق انه استدخلهما وجعل منهما واقعاً خاصاً. صنع منهما تلك الأوديسة الفلسطينية التي راحت مع الزمن الى اسطورة خاصة وعقدة انطولوجية. هنا المكان وهنا الزمان ومحمود درويش يبحر بين الاثنين ولا يرسو هنا او هناك.
لا بد انها عملية ترميز وتأويل استقطبت كل حياة درويش وكل مشروعه، التوسط بين الجسد والمكان، بين الرحيل والمقام وبين المملكة المفقودة والزمن الحاضر. هذه العملية هي جدل شعر محمود درويش ومدار حياته، جعل درويش من الرمز الفلسطيني ميتافيزياءه الخاصة وكما هي غالبا مهمة الشاعر، عَقْدُ الحوار بين السماء والارض، غدت السماء ارضا شخصية، انعقد الحوار بين الجسم والمكان وتم للمكان ان يغدو جسما. لنقل ان الموت الذي خرج منه الشاعر خرج منه بجسد تلتقي عنده السماء بالأرض. ربما من مخاض الموت الذي لم يكن سوى صورة موهلة مجسمة للنزوح والفقدان خرج جزء كبير من »حقيقة الشعر الدرويشي«. اذا كان درويش ضرب للموت موعداً فلأنه كان يعلم انه كان دائما قريبا ولان ما بينهما لم يعد سرقة وغصبا.
ضرب للموت موعدا لانه مذ حل في كلامه ووجد عبارة وصورة صار في الخارطة الشخصية للشاعر. اذا كان شعر محمود درويش غالبا شعر الخيار الوحيد الذي يغدو مع الوقت ميزة وأفقاً. اذا كانت مرثية الهزيمة التي تتحول الى قيمة اخلاقية، اذا كان تعريفه الضمني للشعر هو الرثاء وهو غناء المغلوبين فإن البقاء على سن الهزيمة والخيار الاجباري هو ايضا المقياس التراجيدي للحرية والنبل. والارجح ان تجربة درويش مع الموت هي الصورة البؤرية لهذا الصراع. حين حانت الساعة كان الموت على سن الرمح ولم يكن هناك خيار آخر ولا اقل فداحة وكعادته لم يعتذر محمود درويش. سار الى موعده انيقا ومستويا. ودع اصدقاءه بوجه مرفوع ومضى الى حيث يقيس ايضا نفسه.
كان محمود درويش في عز مجده حينما تأكد ان هذا المجد بحجم الالتباس الذي يولده، شاعر فلسطيني وشاعر الثورة وشاعر القضية. لم يكن الشاعر غير دار بأن فلسطين هي موضوعه الغالب. ولم يكن ليتنصل من التزام واع بقضيته، لكن ما فهمه درويش هو ان الليل يمكن ان لا يكون اسود والموضوع والمناسبة ليسا واحداً لدى جميع الشعراء او الكتّاب فهم يتمايزون فيهما ويختلفون.
لم يكن غناء درويش فيما بعد غناء حربيا بطوليا انتصارياً كما وسم الغناء الوطني، ولم يحب درويش ان يحشر في هذا الغناء العربي الحماسي، في سبيل ذلك كان الشاعر العربي الاول الذي يصارع جمهوره ويصارع موضوعه ويصارع اسمه وشهرته. يذكر الجميع عقدة »سجّل أنا عربي«. لم يخسر محمود درويش جمهوره.
كان قادراً على ان يضع في الشعر اكبر نسبة ممكنة من ذاته، ان يرد الشاعر الى طراوة وبساطة فاتنتين، على ان يقول الشخصي بلغة العام، على ان يكون نفاذا وقريبا في آن معا، على ان يبدأ من بداهة ليغربها ويخصصها ويستدخلها فيما بعد، على ان يزوّج الغناء للفكرة. على ان يقول النثر بصيغة الشعر، كل هذه ملكات تصدر عن قوة الموهبة. وحدها تقدر على ان تستدخل كل الحافظة الشعرية وحدها قادرة على لم عناصر متفارقة اساسا وادماجها في تركيبة واحدة.
قوة الموهبة جعلت من درويش يتحرر من القصيدة الوطنية داخل القصيدة الوطنية، ومن الجمهور داخل الجمهور. بل هي التي جعلت من محمود درويش في الان نفسه شاعرا شعبيا ومجددا، وان يكون نجماً ونخبوياً وأن يكتب بحرية من دون ان يخشى العزلة، وأن يورط عامة ادبية بأعمال شخصية وتأملية، وأن يحول قصيدة عن تجربة موت الى أثر رائج، الارجح ان محمود درويش امتلك من سلطته على الجمهور قدرة ان يكون حراً وأن يطمح الى تركيبة الجمهور وتأهيله، مع ذلك فإن المسألة ليست في سلطة درويش وحدها، انها في عملية ان يتحرر ويحرر في آن معا.
لقد تخلص في العلن وفي تجربة مكشوفة من رواسب لم تكن لتفسده فحسب بل وتفسد جمهوره معه. ليس النفس الحربي الانتصاري البطولي مطابقا بالضرورة لجمهور مغلوب ومرضوض ومغدور بحسب رأيه، والارجح ان ماعافه محمود درويش هو بالضبط هذا النفس الانتصاري الذي يحول الادب تقريبا الى تزوير، لم تكن هذه مسألة شكل فحسب كانت اكثر من ذلك مسألة رؤيا.
محمود درويش ليس شاعر حماسة. انه باختصار شاعر مرارة ويمكننا بسهولة ان ندرج شعره تحت عنوان الرثاء. الارجح ان موضوع درويش الاساسي كان الخسارة والفقدان وبكلمة واحدة فإن موضوعه الاساس هو الهزيمة. انها رؤيا تولدت لدى محمود درويش بالتدريج. لم ينكر درويش الصراع بالطبع لكنه قرر غالبا انه ايضا في الاسم والذاكرة والبقاء وليست الخسائر فيه سوى تراث اضافي ومخاض للمستقبل. غنى محمود درويش من سماهم وولت ويتمان شهداء القضية الخاسرة وغنى الخاسرين والمغلوبين بنبل الخسارة وتحليق التراجيديا.
لم يكن حظ درويش من الحياة واحداً. لقد وصل بسرعة وسهولة الى نجاح مطلق، وبات نجما في بلاد العرب ونجما في غير بلاد العرب. وكرس حياته كلها للشعر بدون اي تطلب اخر. لعل درويش من »النجوم« القليلة التي ليست زائفة.
صارع محمود حظه وما جاءه بسهولة اعاد ابتكاره بنفسه. لكن محمود درويش كان يملك »حضورا« يوازي شعره بذكاء لماح وعقل تحليلي وفكاهة وفتنة. لم لا محمود درويش فاتن والارجح ان طلته وصوته واداءه فتنت جمهوره ايضا، بالتأكيد كان درويش النجم يملك ذلك الوعي الشفاف الذي يجعله يفرز الثقافة من المواصفات الاجتماعية، لم يكن الشعر غايته فحسب بل وجه الشاعر وصورته وشخصيته. في ذكائه لم يكن يكره شيئا كالبلادة والسخف وهما في الغالب مصير النجوم. لقد اعاد ابتكار نفسه وسط الجمهور.
لم يطور شعره فحسب ولكن بنى استقلاله وفرديته ورؤيته الخاصة. ومع الوقت كان محمود درويش يزداد وعياً لشخصه ولشعره. مع الوقت كان يزداد نضجا ونقديه... وإصغاء وتواضعا. زالت عناصر استفزاز في شخصيته. تخلص من حدة وصعوبة وظهرت فيه ليونة وسلاسة ما كانتا اساسا في طبعه، كان يغدو اكثر فأكثر فردا ومستقلا وشاعرا، انها اللحظة المناسبة ليمكر الحظ وليسترد هداياه. لا اعرف كم ترك وراءه من قصائد اعرف ان الشاعر الذي فيه كان لا يزال عامراً. لقد انقصف في ربيعه. دعك من العمر.
انقصف محمود درويش في ربيعه. هو حينها افتى منه في شبابه. لقد تصالح مع الخسارة، خسارته الخاصة وخسارة شعبه. لم يعد متشنجا ولكن هادئاً وحكيماً. لقد وجد شعبه يوم وجد نفسه ايضا. كان قادراً على ان يكون مع الاضعف وان يدين، ولو بهدوء، الذين يحولون الضعف الى حماقة وإهدار. جازف بأن لا يكون لكل الفلسطينيين ولكل العرب. لم يعد للاجماع حين وجد »جــمهوره« يقتتل في الساحات. انها المرارة حين لا تكون الخسارة نبيلة وحين تتحول الى ضغينة عائلية مرثيه غدت اكثر تركيبا وتعدداً. انها مرثية من يخسرون خسارتهم او يبيعونها بخسارة اضافية. محمود درويش الذي كان قادراً على ان يقول اكثر نفسه شعراً، وربما اكثر واقعه، قال كثيراً وكثيراً جداً لكن الواقع مثقوب وبلا قاع ولا نهاية لنزيفه.
عباس بيضون






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:03 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

الشعراء لا يموتون

مرسيل خليقة

»وأعشق عمري
لأني
اذا مت
أخجل من دمع أمي«
ربما هي المرة الوحيدة التي خجل فيها محمود درويش لأنه رحل قبل رحيل أمه، ترك لها الدمع لكي تبكيه ولم يترك لها شعراً لترثيه. أنا الذي حملت شعره وسافرت به بعيداً، أنا الذي حمل ترابه وحنينه الى أمه و»ريتاه« وزيتونه وكرمله، هل تصدقونني إن قلت لكم إن الشعراء لا يموتون لكنهم يتظاهرون بالموت؟


كأن كل شيء قد انتهى

شوقي بغدادي

يخيل لي الآن ان كل شيء قد انتهى، وان كل مساعي القادة والزعماء العرب خطابة وعملاً لن تستطيع ان توقف موجة اليأس الطامية حين تمر الاعوام ولا نسمع شعراً جديداً لمحمود درويش.
في السنوات الاخيرة وقد اتسع هذا المستنقع من الدم والوحل الذي تتخبط فيه الآن الأخوة الأعداء في فلسطين، بدأت أفقد الأمل بقدرة »فتح« او »حماس« او »منظمة التحرير« بأكملها على ان تصون للذبالة للواهية لشعلة الأمل الباقي. كان محمود درويش وحده يصنع المعجزة: أن يحافظ في وجدان قرائه على الشعلة الذابلة هذه حين نقول لأنفسنا بعد قراءته: كيف يمكن لقضية تبدع شاعراً بهذا المستوى ان تكون باطلة. مهددة بالضياع؟ لقد استطاع شعر محمود درويش ان يعوضني عن »أبو عمار« و»أبو جهاد« والشهداء الكثر الآخرين. وأن يعيد لي بعض الثقة بأن خلفاءهم الأحياء سيصنعون المفاجأة المرتقبة منذ اكثر من ستين عاماً ما دام هناك شاعر كبير مثل محمود درويش حليفاً لهم اذ استطاع ان يقنع العالم اجمع ان الجمال الشعري قادر ان يحقق معجزة الأمل على الأقل ان لم نحقق معجزة الانجاز الوطني الأكبر.
الآن سوف تتزاحم القصائد والخطب والمقالات في رثاء الفقيد، ولكنهم حين يصمتون أخيراً ـ وسوف يصمتون بالتأكيد ـ سيتأكد الجميع ان غياب شاعر بهذا المستوى الرفيع لن يعوض، تماماً كما لم يعوض المتنبي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وأن الشعر بعد محمود درويش لن ينقذه أحد من التفتت والركاكة والتكلف إلا بقدر ما تتلبس للشاعر الجديد روح محمود وعبقريته. ان الخلوة الآن مع شعر محمود درويش صارت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، وهي وحدها التي سوف تحمينا من تسونامي العصر وهي تجرف كل التقاليد الحلوة والخصوصيات الحميمة والقيم الرفيعة كي تروج للفيديو كليب الخاوي الا من الهيجان والتهافت والانصياع العصبي.
بمن استشهد الآن وأن أحاول إقناع أحد المتشككين بالقضية الأم بعد رحيلك يا محمود؟ لن تستطيع كل خطب الزعماء السياسيين ومقالات المفكرين العتاة أن تمدني بالعون الذي كان يمدني به شعر محمود درويش الجميل والمتجدد وجماله باستمرار!
ما أبأسنا بعدك يا محمود!

نفعل ما يفعله الصاعدون إلى الله

روجيه عساف

إلى محمود درويش ـ العنوان: فلسطين
شاعر الحصار الذي يقلـّص الوقت
ونذير المطر الذي لا يصدّه الجدار
لسان حال الشهيد الذي يرتسم على الأرض
ومنشد اليقين المقبل الذي لا ريب فيه.

رحيلك يولـّد في أنفسنا قلقاً عميقاً، جزعاً لا يكبح
من سيخطّ تجاعيدنا على جبين العالم؟
من سيحوّل تفجّعنا إلى قصيدة تتحدّى الانحلال؟
من سيقلب الأحرف بين الألم والأمل وبين الرعش والشعر؟

رحلــت وانتــصرت على الموت، كما قلت
أمّا نحن الأحياء،
فنعاني من الحصار، ويحدّ بصرنا الجدار، ولا نسمع صوت الشهيد، ولا خبر اليقين.

غير أنّه لن يبقى واحدٌ منـّا وحيداً
مع قصائدك
» في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها
ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت،
لا وَقْتَ للوقت.
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:
ننسى الأَلمْ«.

روجيه عسّاف ـ العنوان: فلسطين






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:03 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

يا لاعب النرد.. انهض!

احمد الطيبي

إنهض... إنهض...
فلسطين كلها والعرب
تحمل قلوبها إليك... لتنهض...
حاصر حصارك... إقهر مرضك
وانهض...
قم من نومك المؤقت...
إنتفض... وانهض
لا تغادرنا قبل أن ترتوي
بقهوة أمك... وقبل أن
تعود أبداً لحيفا...
الجبل ينتظر... والزيتون
الوديان تصبو... والسنديان
»وعندما أغلقوا باب قلبي عليّ
وأقاموا الحواجز فيّ
ومنع التجول... صار قلبي حارة
وضلوعي حجارة...
وأطل القرنفل... وأطل القرنفل«
إذ جاءك الموت قل له:
ليس موعدنا اليوم... فلتبتعد
وتعال غداً أو بعد غدٍ...
يا لاعب النرد تسألنا: من أنا؟
أنت نحن... كلنا
أنت سرمدية الأسطورة
وجمال فلسطين وعبق العروبة
أنت اللانهاية...أنت نور النفق

يا لاعب النرد...
تسألني طفلتي الصغيرة:
من سيلقي عليّ الوردة الحمراء
بعد اليوم؟
إنهض... إنهض محمود
فالحاكورة وشجراتها... زيتونها
وسنديانها تسأل...
اين رفيق الدرب..؟
قلت: ما أقساها الحروب.
يموت الجنود ولا يعرفون من انتصر!
فمن سيكتب قصيدة النصر غيرك؟
ما اقساك أيها المرض.
تغفو ولا تعرف حجم الدموع
تغيب فجأة ولا تعرف كم هو الحب لك!
أو أنك تعرف...
وكأنك قد مُتُّ قبل الآن...
تعرف هذه الرؤيا، وتعرف أنك
تمضي الى ما لست تعرف، ربما
ما زلت حيّا في مكان ما، وتعرف
ما تريد...
ستصير يوما ما تريد«.

إنهض واصرخ في وجهنا:
غبت قليلاً كي أعود... وأعيش
ولتحيا فلسطين...
فألقي عليكم وردتي الحمراء...







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2012, 06:04 PM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

جيش كامل
فاروق شوشة

لدينا كثيرون في فلسطــين وفي سائر أرجاء العالم العربي، كثيرون بالمئات وبالألوف يصــلحون أن يكونوا سـاسة ومــسؤولين ووزراء وحاملي حقائب وأصحاب مهام، لكن الشاعر الشاعر أو الشــاعر الضمير عملة نادرة، ومحمود درويش رحمه الله كان واحدا من هذه العملة النادرة، كان حضوره يعادل جيشا بكامله، وصوته الممتلئ بالوعي واليقين والإنسانية كان أغلى وأنفس من ألوف الحناجر الجوفاء التي تمتلئ بالصخب وتكاد تنفجر من جلجلة الألفاظ وتقول كلاما لا يبقى بعد جفاف الحبر الذي كتب به وازدحام الورق الذي تساقط عليه، لكن صوت محمود درويش سيظل ملء القلوب والعقول، صوت فلسطين وضميره إلى العالم وقصيدتها التي لن تموت.

محمود صورتنا الأخيرة
هيثم حقي

قالها يوماً عن البحر. أليس محمود درويش بحر الشعر العميق الغور؟! أليس محمود درويش صورتنا، صورة جيلنا الذي ولد مع النكبة وشب مع الهزيمة ورفض الاستسلام لواقع مرير وبحث عن العدالة في الماركسية والديموقراطية الاجتماعية، وحاول صوغ مشروع جديد لنهضة تبدو مستحيلة. أليس محمود درويش صورتنا بجانبها المبهر. بشعره الذي وضعه في مصاف كبار شعراء الدنيا. فهو بكل المقاييس من كبار الكبار، بل إنه بعد رحيل نيرودا الأكبر في الشعر توهجاً وعمقاً وتجديداً.
بدأت علاقتي بشعر محمود درويش منذ أربعين عاماً، قبل أن ألتقيه شخصياً وتنشأ بيننا مودة وصداقة عمّقها ذلك الألق الذي لم يتوقف في شعره. فأحببته إنساناً وأكبرته شاعراً مجيدأ من الذين يجود الزمان بمثلهم مرة كل مئة عام.
كنت طالباً في موسكو عندما قرأت قصائده الأولى التي صنفها جيلنا المهزوم بعنوان شعر المقاومة الفلسطينية. ولأنني كنت أدعى إلى حفلات الطلبة العرب لقراءة الشعر، فقد تخصصت بقراءة شعر درويش في كل هذه الأمسيات العربية. وكانت الحماسة على أشدها لشعر جديد بموسيقاه ودلالاته. وحين أخرجت مسلسل »ردم الأساطير«، الذي استقيت عنوانه من قصيدة كنت أقرأها دائماً في حفلات موسكو، ألا وهي رائعته المبكرة »يوميات جرح فلسطيني«، اتصلت يومها بمحمود طالباً تسجيلها بصوته الذي يتغلغل إلى أماكن في القلب قل أن تزورها الحروف والصور. استغرب أنني أذكر تلك القصيدة، فلم يكن يعلم بعمق العلاقة بيني وبين شعره إلا يومها. سجّل لي محمود المقطع الذي جعلته مقدمة لمسلسلي. وعدت إلى صوته من جديد في »ذكريات الزمن القادم« ليعلن »مديح الظل العالي«.
لم تنقطع يوماً هذه العلاقة الوشيجة بيني وبين محمود الإنسان والشاعر حتى اللحظة الأخيرة، حين أخبرني الصديق رياض الريس بحرج وضعه الصحي. يومها أحسست بأن الأرض تميد بي حقاً. فعالم ليس فيه محمود درويش عالم شديد الرمادية، اللون الذي كرهه محمود كثيراً.
بعد أمسية حيفا وقصيدته التي وصف فيها عودته. بدا وحيداً عميقاً. تواصلنا عبر الهاتف، أبلغته وهالا إعجابنا وخوفنا عليه من وحدته، وكفكفنا دموعنا خجلاً من أن يحس بها، فالتقطها واعترف بأنه أصبح شديد التأثر وأصبحت دمعته سخية مثلي. قالت له هالا مازحة لتكسر ألم الابتعاد: ألم ترنا بين الحضور في حيفا؟ أجاب: بلى، فقد كنتم في الصف الثاني، رأيتكم وقرأت الشعر لكم.
وتباعدت بيننا المسافات إلى أن قرأت قصيدته الأخيرة »لاعب النرد«. كان قد غادر للعلاج في هيوستن. ولم أعبر له عن عمق محبتي وإعجابي.
محمود درويش صورتنا الأخيرة. أجل صورة جيلنا من لحظة النكبة إلى لحظة الوداع. فمن سيكمل التعبير عن مصائبنا وأمانينا بعد الآن؟!







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator