العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-03-2009, 11:40 AM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

يقول غراسياني في مذكراته: في صباح يوم 11 سبتمبر 1931م وصل الخبر برقياً إلى الحكومة من متصرفية الجبل هذا نصها: (بالقرب من (سلطنة) فرقة الفرسان (الصواري) قبضت على وطني وقع من على جواده أثناء المعركة وقد تعرف عليه عساكرنا بأنه عمر المختار ونظراً للخبر المهم ومن اجل التأكد والتحقق أمرت الحكومة متصرف الجبل الحكومندتور (الوجيه داود ياتشي) فجهزت طائرة خاصة لنقله إلى (سلطنة) على الفور للتعرف على شخصية الأسير وتثبت هويته إن كان هو زعيم المجاهدين عمر المختار وتأكد متصرف الجبل من انه عمر المختار وسرى الخبر سريان البرق وصدرت الأوامر بنقله إلى سلطنة ومنها إلى سوسة تحت حراسة شديدة حيث وصلها عند السابعة عشر من مساء نفس اليوم سبتمر 1931م دون أي عائق ، أو حادث أثناء الطريق من سلطنة إلى سوسة
مكث هناك في انتظار الطراد الحربي (اورسيني) الذي تحرك من بنغازي خصيصاً ليعود بالأسير إلى بنغازي وفي إثناء الرحلة تحدث معه بعض السياسيين التابعين لإدارتنا ووجهوا إليه الأسئلة، فكان يجيب بكل هدوء وبصوت ثابت وقوي دون أي تأثر بالموقف الذي هو فيه وفي يوم 12 سبتمر 1931م عند الساعة السابعة عشر وصل الطراد اورسيني إلى ميناء بنغازي حاملاً معه الأسير عمر المختار.) وقال أيضاً هذا الرجل أسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية (الإسلامية) في برقة وكذلك كان المنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرا في أيدينا.

وهذا الاعتراف من غراسياني الخسيس في كتابه بأن عمر المختار قاد المعارك سنين طويلة واعترف بأنه محترم من أتباعه إلى مكانة عالية جداً ثم بأنه الرأس المفكر والقلب النابض للجهاد الإسلامي المقدس في برقة ثم الصبر والمهارة التي لا مثيل لها فهذا اعتراف من الجنرال غراسياني خريج الكليات الحربية والأكاديمية العسكرية وله تجارب طويلة في حرب الاحتلال إلى حرب العالمية الأولى وحروبه الصحراوية حتى لقبه بنو قومه بلقب أسد الصحراء والفضل ما شهدت به الأعداء.

ويقول الجنرال غراسياني عن عمر المختار أيضا: (كان عمر المختار كرئيس عربي مؤمن بقضية وطنه وله تأثير كبير على أتباعه مثل الرؤساء الطرابلسيين يحاربون بكل صدق واخلاص اقول ذلك عن تجارب مرت بي أثناء الحروب الليبية وكان عمر المختار من المجاهدين الكبار لما له من مكانة مقدسة بين أتباعه ومحبيه، إن عمر المختار يختلف عن الآخرين فهو شيخ متدين بدون شك، قاسي وشديد التعصب للدين ورحيم عند المقدرة ذنبه الوحيد يكرهنا كثيراً وفي بعض الأوقات يسلط علينا لسانه ويعاملنا بغلظة ، مثل الجبليين كان دائماً مضاداً لنا ولسياستنا في كل الأحوال لا يلين أبدا ولا يهادن إلا إذا كان الموضوع في صالح الوطن العربي الليبي، ولم يخن أبدا مبادئه فهو دائماً موضع الاحترام رغم التصرفات التي تحدث منه في غير صالحنا ان خيانة موقعة (قصر بنقدين) ضيعت على عمر المختار كل الفرص التي يمكن للدولة الايطالية ان ترحمه فيها.

وقال غراسياني في مذكراته: (أما وصف عمر المختار فهو معتدل الجسم عريض المنكبين شعر رأسه ولحيته وشواربه بيضاء ناصعة، يتمتع بذكاء حاضر وحاد، كان مثقفاً ثقافة علمية دينية له طبع حاد ومندفع يتمتع بنزاهة خارقة لم يحسب للمادة أي حساب متصلب ومتعصب لدينه، واخيراً كان فقيراً لا يملك شيئاً من حطام الدنيا إلا حبه لدينه ووطنه رغم انه وصل إلى أعلى الدرجات حتى أصبح ممثلاً كبيراً للسنوسية كلها) وهذا وصف دقيق يدل بوضوح على عظمة المختار وإمكانياته الذاتية التي وهبه الله إياها فتقلد بسببها اكبر المناصب وخاض أكثر المعارك وصفه عدوه بصفات الورع والتدين ومثقف ثقافة دينية وعلمية وصفه بشدة المراس والصبر على الشدائد وهكذا ياأخي المسلم الكريم يصنع الإسلام من أتباعه.ثالثاً: دخول المختار في سجن بنغازي:

وعندما وصل الأسير إلى بنغازي لم يسمح لأي مراسل جريدة أو مجلة بنشر أخبار أو مقابلات وكان على الرصيف مئات من المشاهدين عند نزوله في الميناء ولم يتمكن أي شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المحاط بالجنود المدججين بالسلاح ونقل فوق سيارة السجن تصحبه قوة مسلحة بالمدافع الرشاشة حيث أودع في زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافة السجناء السياسيين وتحت حراسة شديدة وجديدة ويقول مترجم كتاب برقة الهادئة الأستاذ إبراهيم سالم عامر كنت من الذين أسعدهم الحظ على أن يتكلموا مع بطل الجهاد عمر المختار أثناء قيامه في السجن فقد أوقفوا كل الأهالي المعتبرين في مراكز الأمن والسجون وكان نصيبي في سجن بنغازي المركزي وعندما أتى بعمر المختار غيروا الحراس المحليين بحراس أريتريين والموظفين بالايطاليين من الحزب الفاشيستي وبعد أن أودعوه في الزنزانة كان هناك سرير من خشب وقماش وعلى الأرض قطعة من السجاد البالي لأجل وقع الرجلين عليه فسحبها الشهيد بقرب الجدران وجلس عليها واستند على الجدران ومد رجليه إلى الأمام وعندما كان مدير السجن يتجول على زنزانات السجناء رأى الشهيد جالساً على الأرض ولم يستطيع أن يسأله لماذا هو جالس على الأرض. ولأن المدير لايعرف العربية فناداني من بين السجناء السياسيين وطلب مني أن أترجم سؤاله فسألت الشهيد، فأجاب بصوت هادر كالأسد الهصور: قل له أنا اعرف أين اجلس لا يحمل هماً فهذا ليس من شأنه فترجمت الكلام فانصعق المدير واصفر وجهه وقال هيا ارجع إلى مكانك بلهجة الأمر غير أن قلبي كاد يطير من صدري فرحاً عندما سمعت هذه الإجابة القاطعة رحم الله عمر المختار كم كان عظيماً وهو قائم وأعظم وهو أسير.ويقول غراسياني الجنرال الايطالي السفاك الجلاد: (وأثناء الرحلة من سوسة إلى بنغازي أعطى لنا معلومات هامة عن كيفية سقوطه في الأسر والقبض عليه قائلاً عندما ضرب جواده وسقط على الأرض فجرحت يده اليمنى مما سببت له بعض التشقق في عظام ذراعه ورغم هذا الألم حاول جر نفسه ليبتعد ويختفي في احد الشجرات التي في الغابة ولكن فرقة الفرسان حالت بينه وبين غرضه وقد تعرف عليه احد الصواري من فرقة الفرسان وسرعان ما أحاطت به قوتنا وقد تأسف كثيراً أثناء حديثه بأن رفاقه حاولوا إنقاذه بكل وسيلة وقد ضاع منهم بعض الرفاق ولكن الكثرة حالت دون بغيتهم كذلك قلة الذخيرة لها عاملها الأصلي في عدم إنقاذي واثبت كذلك أن وقوعه في الأسر لا يعني توقف الثورة والجهاد بل هناك أربعة من القادة يحلون محلي وهم الشيخ حمد بوموسى، عثمان الشامي وعبد الحميد العبار ويوسف بورحيل المسماري وهذا الأخير هو أقربهم إليه لأنه كان دائماً بجانبه ، ولقد بالغ كثيراً بالنسبة لعدد الجنود فقد قال أن دوره يتكون من 500 مقاتل عادي، 400 فارس. واستطرد قائلاً شارحاً إن وقوعه في الأسر لا يؤثر ولا يغير سير القتال آو وضع الدور بل سيزداد قساوة ثم أضاف إني أحارب الايطاليين الفاشيستيين لا لأني اكره الشعب الايطالي ولكن ديني أمرني بالجهاد فيكم لأنكم أعداء الوطن.

قلت ما أعلم احد من المسلمين الصادقين يجد في نفسه وداً للنصارى على العموم فكيف بالذين يقولون الله ثالث ثلاثة ويقولون عيسى ابن الله، لكن قول غراسياني أن عمر المختار لا يبغض الشعب الايطالي فهذا ادعاء منه وأما قول عمر المختار ديني أمرني بقتالكم فهذا الذي يليق بحاله وبغض المسلم للنصارى الكفرة يدينون بها خالقهم ورازقهم ، ومالكهم ومتولي أمورهم سبحانه وتعالى عما يقولون الظالمون علواً كبيراً.

قال تعالى:
{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا اله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ` أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم }.
(سورة المائدة ، الآيات:72،73،74).

وقال تعالى :
{ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعو للرحمن ولداً } ( سورة مريم: الآيات 88 الى 91).

فالآيات السابقة الواضحة البينة تمنع العالم الرباني والشيخ الجليل ان يقول بأنه لا يبغض أعداء الله حمات الصليب.

واستطرد غراسياني في كتابه برقة الهادئة قال :
( لقد قال عمر المختار كلمات تاريخية : إن وقوعي في الأسر تأكيد بأمر الله وسابق في علمه سبحانه وتعالى والآن أنا بين يدي الحكومة الايطالية الفاشيستية وأصبحت أسيراً عندها والله يفعل بي ما يشاء. أخذتموني أسيراً ولكم القدرة أن تفعلوا بي ماتشاؤون والذي أريد أن أقوله بكل تأكيد لم أفكر في يوم من الأيام أن أسلم نفسي لكم مهما كان الضغط شديداً ولكن مشيئة الله إرادت هذا فلا راد لقضاء الله).

وهذه بعينها عقيدة القضاء والقدر وهي من أركان الإيمان التي جاء بها الإسلام وقد تجسدت في حياة عمر المختار فهذه الآيات الكريمة تبين ما وقع للإنسان قد كتب فعليه ألاّ يحزن ولا ييأس لان الأمور بقضائه وقدره قال تعالى:
{ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لاتأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور }
( سورة الحديد، آية 22).


وقد تربى المختار رحمه الله تعالى على الآيات القرآنية وأحاديث المصطفى e فعن ابن عباس عن رسول الله e : واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.

وهذه العقيدة الصحيحة كانت مستقرة في قلب الشيخ الجليل رحمه الله وتحولت إلى عمل في حياته جسدته مواقف عقدية ومشاهد بطولية ولا نكون مخطئين إن قلنا كانت مواقفه وسيرته العطرة تدل على أنه رجل عقيدة.

رابعاً: من مواقف العزة داخل السجن:

أراد الكمندتور رينسي (السكرتير العام لحكومة برقة) في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أن يقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار وهو في السجن وابلغ الشارف الغرياني بأن المختار طلب مقابلتك والحكومة الايطالية لا ترى مانعاً من تلبية طلبه، وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة الشيخ الجليل وعندما التقيا خيم السكوت الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني هذا المثل الشعبي مخاطباً به السيد عمر (الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل) وما كاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدة إلى الشارف الغرياني وقال له: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه وسكت هنيئة ثم أردف قائلاً: رب هب لي من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا، أنني لم أكن في حاجة الى وعظ أو تلقين، أنني أومن بالقضاء والقدر، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله ، أنني متعب من الجلوس هنا فقل لي ماذا تريد، وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرّر به فزاد تأثره وقال للمختار: ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك... فقال الشيخ الجليل، والجبل الشامخ أنا لم أطلبك ولن أطلب أحداً ولا حاجة لي عند أحد، ووقف دون أن ينتظر جواباً من الشارف الغرياني، وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته، ولما سئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه هو البيتان الآتيان مستشهداً بهما:

عليه ثياب لو تقاس جميعها .. بفلسٍ لكان الفلس منهن اكثرا

وفيهن نفس لو تقاس ببعضها .. نفوس الورى كانت أجل وأكبرا

خامساً: عمر المختار أمام غراسياني السفاح:

أراد المولى عز وجل لحكمة يريدها أن يقف البطل الأشم والطود الشامخ الذي حير ايطاليا الكافرة النصرانية الكاثوليكية وأشاع الرعب في قلوب جيوشها، أمام الرجل التافه الحقير المدعو غراسياني هذا حقير النفسية ، وضيع الأخلاق ، من أولئك الذين يرتفعون في كل عهد، ويأكلون على كل مائدة وكان من قادة الجيش الايطالي فلما جاء موسوليني ذلك الطبل الأجوف، وادعّى الزعامة على ايطاليا وحشر نفسه حشراً في صفوف الزعامات العالمية، كان غراسياني أول من صفق وقرع الطبول للزعامة الجديدة، وصار فاشيستياً أكثر من الفاشيستيين أنفسهم، أمام هذا الرجل الحقير الذليل الخسيس التافه وقف البطل الأشم والطود المنيف شيخنا عمر المختار رحمه الله وتستطيع أن تفكر في هذا الموقف وتطيل التفكير، فإن النفوس الحقيرة الوضيعة ، لا تعرف الشرف، ولا الرجولة ولا الكرامة ولا الأخلاق إذا خاصمت، فما يكاد عدوها يقع في يدها حتى تفعل به الأفاعيل ، وتصب عليه أصنافاً وألوناً من العذاب!! يدفعها إلى ذلك ، شدة إحساسها بحقدها وعظمة عدوها، وشدة شعورها بنقصها وكمال أسيرها.

من اجل ذلك دفعت الشماتة هذا الرجل الحقير أن يقطع رحلته إلى باريس وان يعود فوراً إلى بنغازي، وأن يدعوا المحكمة الطائرة إلى الانعقاد ودفعت غريزة الشماته غراسياني أن يستدعي البطل في صبيحة اليوم نفسه، وقبل المحاكمة بقليل.

يقول غراسياني في مذكراته : (وعندما حضر أمام مدخل مكتبي تهيأ لي أني أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية، يداه مكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة وجهه مضغوطاً لأنه كان مغطياً رأسه (بالجرد) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال منظره وهيبته رغم إنه يشعر بمرارة الأسر. هاهو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ، وواضح وكان ترجماني المخلص النقيب (كابتن) خليفة خالد الغرياني الذي أحضرته معي خصيصاً من طرابلس ووجهت له أول سؤال : لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية؟

ج- لأن ديني يأمرني بذلك.

س- هل كنت تأمل في يوم من الأيام أن تطردنا من برقة بإمكانياتك الضئيلة وعددك القليل.

ج- لا هذا كان مستحيلاً.

س- إذاً ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟

ج- لا شيء إلا طردكم من بلادي لأنكم مغتصبون ، أما الحرب فهو فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.

س- لكن كتابك يقول:
{ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }
بمعنى لا تجلبوا الضرر لأنفسكم ولا لغيركم من الناس، القرآن يقول هذا.

ج- نعم.

س- إذاً لماذا تحارب؟

ج- كما قلت من أجل وطني وديني.

قال غراسياني : فما كان مني إلا أن قلت له أنت تحارب من أجل السنوسية تلك المنظمة التي كانت السبب في تدمير الشعب والبلاد على السواء وفي الوقت نفسه كانت المنظمة تستغل أموال الناس بدون حق هذا هو الحافز الذي جعلك تحاربنا لا الدين والوطن كما قلت .

عمر المختار: نظر إلي نظرة حادة كالوحش المفترس: لست على حق فيما تقول ولك أن تظن ما ظننت ولكن الحقيقة الساطعة التي لا غبار عليها أنني أحاربكم من أجل ديني ووطني لا كما قلت بان عليّ وجهه بعد أن زال الجرد من على رأسه واستطردت في توجيه الأسئلة إليه:

س- لماذا قطعت المهادنة السارية وأمرت بالهجوم على (قصر بن قدين) .

ج- لأنه منذ شهر أرسلت إلى المارشال (بادوليو) ولم يجيبني عنها وبقيت بدون رد حتى الآن.

يقول الجنرال لا أنت أردت قطع المهادنة لحاجة في نفسك وهاك الدليل وقرأت له البيان الذي نشره فوق الجرائد المصرية بتوقيعه؟ولم يرد في بادئ الأمر وحنى رأسه مفكراً ثم قال:

عمر المختار - نعم نشرت البيان في مصر بتوقيعي ولكن ليس هذا هو الدليل وإنما هو عدم تجاوبكم معنا في تنفيذ شروط الهدنة، ولم يزد شيئاً بل حنى رأسه إعياء.

س- هل أمرت بقتل الطيارين هوبر وبياتي.

ج- نعم: كل الأخطاء والتهم في الواقع هي مسؤولية الرئيس والحرب هي الحرب.

الجنرال : قلت له هذا صحيح لو كان حرباً حقيقية لا قتل وسلب مثل حروبك.

عمر المختار: هذا رأي، فيه إعادة نظر وأنت الذي تقول هذا الكلام ولازلت أكرر لك الحرب هي الحرب.

الجنرال: بموقفك في موقعة (قصربن قدين) ضيعت كل أمل وكل حق في الحصول على رحمة وعفو الحكومة الايطالية الفاشيستية.

عمر المختار: مكتوب (كلمة لتفسير معنى القضاء والقدر في العقيدة الإسلامية) وعلى كل عندما وقع جوادي وألقي القبض عليّ كانت معي ست طلقات وكان في استطاعتي أن أدافع عن نفسي وأقتل كل من يقترب مني حتى الذي قبض عليّ وهو أحد الجنود من فرقة الصواري المتطوعين معكم وكان في إمكاني كذلك أن أقتل نفسي.

الجنرال: ولماذا لم تفعل؟

عمر المختار: لأنه كان مقدراً أن يكون.

الجنرال: ولكن قد تحقق فيما بعد إلقاء القبض عليه كانت بندقيته فوق ظهره وبسقوطه على الأرض لم يستطيع نزعها وبالتالي لم يتمكن من استعمالها بسرعة وكذلك من أثر الجروح والكسر الذي بيده اليمنى وهذا في الحقيقة جدير بالاعتبار والتقدير.

وهذا اعتراف من السفاح إبان تجبره وطغيانه ونشوة انتصاره يعترف بقوة عمر المختار ويقدر فيه بطولته وجهاده التي لم يرى لها مثيل وقال شوقي رحمه الله في رثاء عمر المختار ما يجسد هذا الموقف:

جرح يصيح على المدى وضحيه .. تلتمس الحرية الحمراء

عمر المختار: كما ترى أنا طاعن في السن على الأقل اتركني بأن أجلس .

الجنرال: أشرت له فجلس على كرسيه أمام مكتبي وفي هذه الأثناء ظهر لي وجهه بوضوح وقد زالت رهبة الموقف وقد تأملته جانبياً فرأيت بعض الاحمرار في وجهه وبدأت أفكر كيف كان يحكم ويقود المعارك. وبينما هو يتكلم كانت نظراته ثابتة الى الأمام وصوته نابع من أعماقه ويخرج من بين شفتيه بكلمات ثابتة وبكل هدوء وفكرت ثانية هذا هو القديس، لان كلامه عن الدين والجهاد يدل بكل تأكيد أنه مؤمن صادق يتكلم عن الدين بكل حماس وتأثر . ثم قلت له فجأة: بمالك من نفوذ وجاه كم يوم يمكنك أن تأمر العصاة (يعني المجاهدين) بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتنا وينهوا الحرب.

عمر المختار: مجيباً أبداً كأسير لا يمكنني أن أعمل أي شيء واستطرد قائلاً: وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر ولانسلّم أو نلقى السلاح وأنا هنا لم يسبق لي أن استسلمت هنا على ما أظن حقيقي وثابت عندكم.

الجنرال: قلت له وأنا متماسك يمكن ذلك لو تم تعارفنا في وقت سابق والخبرة طويلة التي أخذتها عليكم لكان علينا ان نصل إلى أحسن حال في سبيل تهدئة البلاد وازدهارها.

(عمر المختار) : رفع حاجبيه بكل عمق وبصوت جهوري، وثابت قال: ولم لا يكن اليوم هو ذلك اليوم الذي تقول عنه.

الجنرال: فأجبته: لقد فات الأوان.

وعند هذا الحد رأيت أن نوقف المحادثة فيما بيننا ربما عمر المختار فكر في تلك اللحظة أن الحكومة الايطالية ستبعثه إلى الجبل من أجل أن يسلّم أتباعه السلاح ويخضعوا إلى سلطتنا ولكن لا : لقد قالها منذ لحظات بأنهم يموتون جميعاً ولن يستسلموا وعليه لقد فات الأوان وقلتها بنفسك لا فائدة من المحاولة إن الأمل الذي لاح منذ قليل قد انهار ولم يعد . ثم قلت له: هل تعرف هذه وعرضت عليه نظاراته في إطارها الفضي.

عمر المختار: نعم إنها لي وقد وقعت مني أثناء إحدى المعارك وهي معركة (وادي السانية).

(الجنرال) فأجبته: منذ ذلك اليوم اقتنعت بأنك ستقع أسيراً بين يدي.

عمر المختار: مكتوب : هل ترجعها لي لأني لم أعد أبصر جيداً بدونها.

واستطرد يقول ولكن ما الفائدة منها الآن هي وصاحبها بين يديك.

(الجنرال) قلت له: مرة أخرى أنت تعتبر نفسك محمياً من الله تحارب من أجل قضية مقدسة وعادلة؟

(عمر المختار) نعم وليس هناك أي شك في ذلك. قال الله تعالى:
{ قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا } صدق الله العظيم.

إذاً استمع إلى ما أقوله لك. أمام قواتي المسلحة من نالوت إلى الجبل الأخضر في برقة كل مشايخ ورؤساء العصاة (يعني رؤساء المجاهدين) منهم من هرب ومنهم من قتل في ميدان القتال ولم يقع منهم أي احد حياً في يدي أليس من العجيب أن يقع أسيراً بين يدي حياً من كان يعتبر أسطورة الزمن الذي لم يغلب أبدا المحمي من الله دون سواه؟؟

(عمر المختار) تلك مشيئة الله .. قالها بصوت يدل على قوة وعزم.

(الجنرال) قلت له: الحياة وتجاربها تجعلني أعتقد وأؤمن بأنك كنت دائماً قوياً ولهذا فإني أتمنى أن تكون كذلك مهما يحدث لك ومهما تكن الظروف.

(عمر المختار) عندما وقف ليتهيأ للانصراف ، كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض المعارك والحروب العالمية ، والصحراوية ، ولقبت بأسد الصحراء، ورغم هذا فقط كانت شفتاي ترتعشان ولم استطع أن أنبس بحرف واحد فأنتهت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمحاكمة في المساء وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد.

لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير.

يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:40 AM رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

محاكمة عمر المختار رحمه الله

في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931م جرت تلك المحاكمة التي أعد لها الطليان مكان بناء (برلمان برقة) القديم وكانت محاكمة صورية شكلاً وموضوعاً.

ودليل ذلك أن الطليان قبحهم الله كانوا قبل بدء المحاكمة بيوم واحد قد أعدوا (المشنقة) وانتهوا من ترتيبات الإعدام وتنفيذ الحكم قبل صدوره، وإنك لتلمس ذلك في نهاية الحديث الذي دار بين البطل وبين غراسياني حيث قال له (إني لأرجو أن تظل شجاعاً مهما حدث لك أو نزل بك).

وإنها لكلمات تفوح بالخبث والدناءة والشماتة، ومعناها إنك يامختار سوف تعدم شنقاً، فلا تجبن أمام المشنقة ولاشك عندي لو كان غراسياني في موقف شيخنا لمات من الجبن قبل أن يساق للمشنقة ولكن شيخنا الجليل وأستاذنا الكريم وقائد الجهاد يزداد سمواً بعد سمو ثم يقول (إن شاء الله).

ويصف الدكتور العنيزي ذلك فيقول (جاء الطليان بالسيد عمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلاً بالحديد، وحوله الحرس من كل جانب .. وكان مكاني في القاعة بجوار السيد عمر وأحضر الطليان أحد التراجمة الرسميين واسمه نصرت هرمس (فلما افتتحت الجلسة وبدأ استجواب السيد، بلغ التأثر بالترجمان، حداً جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة بإستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد اليهود، وهو لمبروزو، من بين الحاضرين في الجلسة (وقام لمبروزو بدور المترجم، وكان السيد عمر رحمه الله جريئاً صريحاً، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصاً حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي.

وبعد استجواب السيد ومناقشته وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على السيد بالإعدام.

(وعندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن السيد عمر وكان ضابطاً إيطالياً يدعى الكابتن لونتانو، وقف وقال: (كجندي لا أتردد البته إذا وقعت عيناي على عمر المختار في ميدان القتال، في إطلاق الرصاص عليه وقتله وافعل ذلك كإيطالي أمقته وأكرهه، ولكنني وقد كلفت الدفاع عنه فإني اطلب حكماً، هو في نظري أشد هولاً من الإعدام نفسه، وأقصد بذلك الحكم عليه بالسجن مدى الحياة نظراً لكبر سنه وشيخوخته).

وعندئذ تدخل المدعي العمومي، وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستنداً في طلبه هذا إلى أن الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة، أمر القاضي المحامي بأن لايخرج عن الموضوع ويتكلم بإيجاز، وهنا تكلم المحامي بحدة وقال: إن عمر المختار الذي هو أمامكم وليد هذه الأرض قبل وجودكم فيها ويعتبر كل من احتلها عنوة عدو له ومن حقه أن يقاومه بكل مايملك من قوة حتى يخرجه منها أو يهلك دونها هذا حق أعطته له الطبيعة والإنسانية، وهنا كثر الصياح من الحاضرين بإخراج المحامي وإصدار الحكم على المتهم الذي طالب به المدعي العام. ولكن المحامي استمر قائلاً العدالة الحقة لاتخضع لأي سلطان ولا لأية غوغاء وإنما يجب أن تنبع من ضميرنا وإنسانيتنا وهنا قامت الفوضى خارج المحكمة، وقام المدعي العام محتجاً على المحامي، ولكن المحامي استمر في دفاعه غير مبال بكل هذا بل حذر القاضي أن يحكم ضميره قائلاً: إن هذا المتهم عمر المختار الذي انتدبت من سوء حظي أن أدافع عنه شيخ هرم حنت كاهله السنون وماذا بقي له من العمر بعد ما أتم السبعين سنة وإني أطلب من عدالة المحكمة أن تكون رحيمة من (تحقيق) العقوبة عنه لأنه صاحب حق ولايضر العدالة إذا انصفته بحكم أخف وإنني أحذر عدالة محكمتكم حكم التاريخ لأنه لايرحم فهو عجلة تدور وتسجل كل مايحدث في هذا العالم المضطرب وهنا كثر الضجيج في الخارج ضد المحامي ودفاعه.

ولكن المحامي استمر في دفاعه قائلاً: سيدي القاضي حضرات المستشارين لقد حذرت المحكمة من مغبة العالم الإنساني والتاريخ وليس لدي ما أضيفه إلاّ طلب تخفيف الحكم على هذا الرجل صاحب الحق من الذود عن أرضه ودينه وشكراً).

وعندما قام النائب العام لمواصلة احتجاجه قاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقاً حتى الموت وعندما ترجم الحكم إلى عمر المختار قهقه بكل شجاعة قائلاً الحكم حكم الله لاحكمكم المزيف - إنا لله وإنا إليه راجعون.

وأراد رئيس المحكمة أن يعرف ماقاله السيد عمر .. فسأل الترجمان أن ينقل إليه عبارته، ففعل، وعندئذ، بدا التأثير العميق على وجوه الإيطاليين أنفسهم الذين حضروا هذه المحكمة الصورية وأظهروا إعجابهم لشجاعة شيخ المجاهدين بليبيا الحبيبة وبسالته في آن واحد.

وأما المحكمة، فقد استغرقت من بدئها إلى نهايتها ساعة واحدة وخمس عشرة دقيقة فحسب، من الساعة الخامسة مساء إلى الساعة السادسة والربع وكذلك قضت إرادة الله تعالى أن يتحكم الطليان في مصير البطل، لتتم الإرادة الإلهية وتمضي الحكمة الربانية.

{ وربك يخلق مايشاء ويختار ماكان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا يشركون } (سورة القصص، آية 68).

{ ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم } (سورة التغابن: آية 110).


إعدام شيخ الجهاد في بلادنا الحبيبة

وفي يوم 16 سبتمبر من صباح يوم الأربعاء من سنة 1931 عند الساعة التاسعة صباحاً نفذ الطليان في (سلوق) جنوب مدينة بنغازي حكم الاعدام شنقاً في شيخ الجهاد وأسد الجبل الاخضر بعد جهاد طويل ومرير .

ودفعت الخسة بالايطاليين أن يفعلوا عجباً في تاريخ الشعوب ، وذلك انهم حرصوا على ان يجمعوا حشداً عظيماً لمشاهدة التنفيذ فأرغموا أعيان بنغازي، وعدداً كبيراً من الاهالي من مختلف الجهات على حضور عملية التنفيذ فحضر مالا يقل عن عشرين الف نسمة . على حد قول غراسياني في كتاب برقة الهادئة.

ويقول الدكتور العنيزي ( لقد ارغم الطليان الاهالي والاعيان المعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت احد اولئك الذين ارغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر ابناء جلدتي، لم اكن استطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشئوم، الا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور .

ويالها من ساعة رهيبة تلك التي سار المختار فيها بقدم ثابتة وشجاعة نادرة وهو ينطق بالشهادتين الى حبل المشنقة ، وقد ضل المختار يردد الشهادتين أشهد ان لااله الا الله ، وأشهد ان محمد رسول الله.

لقد كان الشيخ الجليل يتهلهل وجه استبشاراً بالشهادة وارتياحاً لقضاء الله وقدره، وبمجرد وصوله الى موقع المشنقة اخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الاعدام على إنخفاض، وبصوت مدوي لمنع الاهالي من الاستماع الى عمر المختار اذا ربما يتحدث اليهم او يقول كلاماً يسمعونه وصعد حبل المشنقة في ثبات وهدوء .

وهناك اعمل فيه الجلاد حبل المظالم فصعدت روحه الطاهرة الى ربها راضية مرضية ، هذا وكان الجميع من اولئك الذين جاءوا يساقون الى هذا المشهد الرهيب ينظرون الىالسيد عمر وهو يسير الى المشنقة بخطى ثابتة، وكانت يداه مكبلتين بالحديد وعلى ثغره ابتسامة راضية، تلك الابتسامة التي كانت بمثابة التحية الأخيرة لأبناء وطنه، وقد سمعه بعض المقربين منه ومنهم ليبيون أنه صعد سلالم المشنقة وهو يؤذن بصوت هادئ آذان الصلاة وكان أحد الموظفين الليبيين من أقرب الحاضرين إليه، فسمعه عندما وضع الجلاد حبل المشنقة في عنقه يقول:
{ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية }
(سورة الفجر: آية 27،28).

لقد استجاب الله دعاء الشيخ الجليل وجعل موته في سبيل عقيدته ودينه ووطنه لقد كان يقول اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة).

ويقول شاعر القطرين خليل مطران:




أبيت والسيف يعلو الرأس تسليمـاًوجدت بالروح جود الحر أن ضيما
لله ياعمـر المخـتـار حكمـتـهفي ان تلاقي مالاقيـت مظلومـا
ان يقتلوك فما ان عجلـوا أجـلاقد كان مذ كنت مقدوراً ومحتومـا




ولقد رثاه الشعراء وتكلم في تأبينه الادباء والكتاب ولو تتبعنا ذلك لوجدناها أكثر من مجلد.

ونختم استشهاد عمر المختار رحمه الله بقول الله تعالى :
{ وماكان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا ومن يريد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤتها منها وسنجزي الشاكرين وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وماضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين }
(سورة آل عمران : آية 145).


ومن سيرة عمر المختار العطرة نستخلص دروساً وعبراً تفيدنا كثيراً في حياتنا المعاصرة ليس عمر المختار رحمه الله أول من جاهد ولا أول من استشهد ولكن كان حاله كما قال تعالى :
{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } (سورة آل عمران : آية172).

ومفتاح شخصيته الفذة إنه آمن بالله واستقرت معانيه في قلبه فأصبح لايخشى إلا الله وهذا الصنف من المسلمين هو اقوى ماعرفته البشرية وهو الانسان الحر في أعلى معاني الحرية.

جرد قلبه من الاوهام ومن الشركيات والضلال ومن الشبهات والشهوات وخلص قلبه من كل ظلمة تحيل بينه وبين دخول التوحيد الصحيح إليه، كان كثير المراقبة لله، ومن هنا كان شديد الخوف من الله يعلم إنه شديد العقاب وخوفه من الله جعله اهلاً لتوفيق الله ولذلك كان راسخاً كالجبل الاشم.

فالفريد في سيرته ، إنه أحيا شيئاً كاد يندثر ، أحيا معاني الايمان التي كان الناس قد بدأوا ينصرفون عنها إنه بنيان اسس على التقوى فعاش مباركاً في حياته وفي مماته.

والعبرة الثانية ، إنه كان داعيا الى الله بإذنه ، تربى على ايدي دعاة السنوسية فلما اكتمل وترعرع ، ادى الرسالة وبلغ الامانة وأنذر وبشر، وخيركم من تعلم القرآن وعلمه.

والعبرة الاخرى، إنه كان على فهم صحيح لدينه، يأخذ كلاً لايتجزأ، فلا هو بالتدين المنحرف، ولا هو بالتدين البعيد عن جوهر الدين ، وإنما هو رجل مؤمن، يعلم ان الاسلام لايصح أن يؤخذ بعضه ويترك بعضه، وإنما عليه أن يعمل به كله.

وكان في حرارة الشباب وحيويتهم رغم شيخوخته وتلك طبيعية المقاتلين في سبيل الله، الذين يخشون الله ولايخشون أحداً غيره والعبرة الاخرى، انه لم يسع للشهرة ، لان المخلصين لايبحثون عن الشهرة وإنما يبحثون عن رضى الله سبحانه وتعالى.

ولذلك جعل الله له ذكراً في الدنيا ونسأل الله أن يتغمده برحمته في الآخرة إن اعداءه الاوروبيين اعجبتهم سيرته البطولية والكفاحية والجهادية فهذه صحيفة التايمز البريطانية في مقال نشرته في 17 سبتمبر سنة 1931م تحت عنوان نصر إيطالي: (حقق الايطاليون انتصاراً خطيراً ونجاحاً حاسماً في حملتهم على المتمردين السنوسيين في برقة، فلقد أسروا وأعدموا الرجل الرهيب عمر المختار شيخ القبيلة العنيف الضاري...) ثم تستمر الصحيفة حتى تقول: (ومن المحتمل جداً أن مصيره سيشل مقاومة بقية الثوار، والمختار الذي لم يقبل أي منحة مالية من ايطاليا، وأنفق كل ماعنده في سبيل الجهاد وعاش على ماكان يقدمه له اتباعه، واعتبر الاتفاقيات مع الكفار مجرد قصاصات ورق ، كان محل اعجاب لحماسته واخلاصه الديني ، انه كان مرموقاً لشجاعته.

وقد وصفه أحد الإيطاليين قائلاً (كان عمر المختار مخلصاً وذكياً، وكان عقل الثورة وقلبها ببرقة).

وقال آخر: كان انجازه رائعاً، فقد حارب إيطاليا الفاشستية تسع سنوات من حرب فدائية لم تكن ضعيفة في ذاتها وكان التحدي والتضحية والاستشهاد بالنفس عند عمر المختار واتباعه شيئاً نبيلاً.

ونحن نقول:

ومليحة شهدت لها ضراتها .. والفضل ماشهدت به الأعداء

لقد كانت حياة عمر المختار شيخ المجاهدين في الجبل الأخضر بليبيا مكرسة كلها للعلم والدعوة وتربية الناس على الإسلام والجهاد في سبيل الله وكان من رواد الحركة السنوسية فقضى حياته حين نادى منادي الجهاد معتلياً صهوة جواده ممسكاً سلاحه، لم يهادن ولم يستسلم بل قارع أعداء دينه مقارعة الند للند رغم قلة الإمكانات ورغم عدم التكافؤ في العدد والعدة ولكنه استعلاء الإيمان وقوة اليقين، الذي ازداد صلابة وعمقاً في ميادين الجهاد وساحات المعارك، إن جهاد عمر المختار رحمه الله سيظل معلماً بارزاً في تاريخ ليبيا خاصة وتاريخ الأمة الإسلامية عامة وسيظل دليلاً على أن الإسلام صنع ولايزال نماذج عظيمة من البطولات على مر العصور وعلى أن العطاء الحقيقي إنما هو عطاء الإيمان.

إن الشيخ الجليل عمر المختار رحمه الله مدرسة تستحق الدراسة والبحث في جوانب متعددة في شخصيته العلمية والدعوية والتربوية والجهادية ويعلم الله ما أعطيت الشيخ حقه ولا حتى بعض حقه وأحس إحساساً عميقاً صادقاً في قرارة نفسي إنه أعظم مما كتبت وأجل مما توهمت وأفضل من عايشت من سيرة أبطال الجهاد في ليبيا الحبيبة فعليه من الله الرحمة والمغفرة والرضوان وعلى إخوانه الميامين الكرام ونفعنا الله بسيرته الزكية العطرة النقية.

وهكذا يا أخي الكريم يصنع الإسلام من اتباعه في ميادين النزال وساحات القتال وكذلك عند الوقوف أمام الطغاة والجلاودة الظلمة، لأن العقيدة تحركه ورعاية الله تحفه وإن هذه الوقفات الخالدة من سيرة شيخ الجهاد في ليبيا لحري بنا أن نكتبها بحروف من ذهب ونعلمها للأجيال ونربي عليها الأشبال لغد مشرق مجيد قد بدأت بوادره تلوح في عنان السماء ومظاهرها متجسدة في رجوع شعوب المسلمين لدينها مع مايحف هذا الرجوع من مخاطر عديدة من قبل اليهود والنصارى والملاحدة والحكام الظلمة وأنى لهم أن يطفؤا نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون.

فما علينا إلا أن نستعين بالله في تحقيق وتطبيق دينه على نفوسنا وأسرنا ومن حولنا ثم على الناس أجمعين.

قال تعالى:
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لايشركون بي شيئا } (سورة النور: آية55).

{ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } (سورة الحج، آية40).

{ من كان يريد العزة فالله العزة جميعا ً} (سورة فاطر، آية10).

آخر وثيقة من أحمد الشريف وصلت للمجاهدين في ليبيا:

وكانت آخر وثيقة أرسلها أحمد الشريف رداً على رسالة المجاهد الكبير يوسف بورحيل الذي تولى الأمر مؤقتاً بعد استشهاد عمر المختار رحمه الله تعالى وقد أعلم في رسالته أحمد الشريف باستشهاد عمر المختار وطلب منه أن يعين من يقوم بهذا الدور العظيم.

نص الرسالة التي بعث بها أحمد الشريف رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

من عبد ربه سبحانه، خادم الإسلام، أحمد الشريف السنوسي،

إلى حضرة الفاضل المحترم، والجليل المفخم، المجاهد الصادق، واللبيب الحاذق، قائم مقام دور العواقير ولدنا الشيخ عبدالحميد العبار، وكافة أولادنا العواقير حفظهم الله ورعاهم وحرسهم وحماهم آمين آمين.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ومغفرته ومرضاته وتحياته ورضوانه وعميم فضله وإحسانه، وبعد، فالمرجو من الله تعالى أن تكونوا جميعاً على أيسر الأحوال محفوظين بالله ومنصورين به وإننا لن نغفل عنكم وقت من الأوقات من الدعاء لكم عند بيت الله الحرام وفي حضرة مولانا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى الله القبول، إنه أكرم مسؤول، وخير مأمول هذا وقد بلغنا ما أزعجنا وكدرنا غاية الكدر، وهو استشهاد حضرة النائب العام سيدي عمر المختار رحمه الله ورضي الله عنه وجعل جنة الفردوس مسكنه ومحله، وجزاه الله عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، فإنه كان عاملاً صادقاً ناصحاً، وأننا لم نتكدر على نيله للشهادة بل نحمد الله على ذلك ولانقول أنه مات، بل إنه حي لقول الله :{ ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا، بل أحياء }
وإنما كدرنا فقدانه من بينكم وغيابه عنكم، ولكن هذا أمر الله الذي يفعل مايشاء ويحكم مايريد، فلا يمكننا إلا تسليمنا لله ورجوعنا إليه، ولانقول إلا مايقول الصابرون، إنا لله وإنا إليه راجعون، نعم استشهد سيدي عمر المختار ولكنه أبقى العمل الطيب والذكر الحسن إلى يوم القيامة فهذا ليس بميت ولن يموت أبداً، مادامت الدنيا أنه شهيد، والشهيد ليس بميت لقوله تعالى:
{ ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله ... الخ الآية}
فالله يا أولادي في التمسك وإياكم واليأس إياكم والقنوط، إياكم وأقاويل الناس الفاسدة فجدوا واجتهدوا كما كنتم، واجعلوا أعمالكم لله لأنه لنا ولالغيرنا لأن من قاتل الله، فالله حي باقي، ومن قاتل لغير الله فعمله لايفيده شيئاً، واعلموا أن الله معكم، ولن يتركم أعمالكم، فاصبروا وصابروا واعلموا أن العاقبة للمتقين، وأن الله مخزي الكافرين، وماترونه من الأهوال، فإنه والله ثم والله زائل عن قريب وسترون مايسركم دنيا وأخرى، ففي الدنيا سترون بحول الله العز والنصر والفتح الذي لايخطر لكم على بال، وفي الآخرة رضاء الله ورسوله والنعيم المقيم، فأنتم في الخير أحياء وأمواتاً، وها نحن نوبنا عنا عليكم حضرة أخيكم المجاهد الغيور الصادق، ولدنا الشيخ يوسف بورحيل، فإنكم ستلقونه بعون الله وقوته، مثل السيد عمر وأكثر، ونحن ماقدمناه إلا بتقديم سيدي عمر له في حياته، وامتثلوا أمره واسمعوا كلامه، وكونوا له عوناً معيناً، ومن خالفه منكم فلا يلومن إلا نفسه، ومن تبعه وامتثل أمره، فهو الذي منا وعلينا، وولدنا الشيخ يوسف المذكور هو النائب عنا عموماً، فلا تروه إلاّ بالعين التي تروننا بها، وبذلك يتم بالله أمركم، وتجتمع كلمتكم وتقهرون عدوكم، وإياكم ثم إياكم والمخالفة والنزاع، قال الله تعالى:
{ ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين }
واعلموا يا أولادي أن العدو خيبه الله ساعي بكل جهده في القضاء عليكم في هذه المدة القريبة، لابلغه الله مناه، لأنه بعد مدة قليلة يقوم معه حرب عظيم يشغله عنكم وهو مع الفرنسيين، والدول الأخرى، فعند ذلك لايقدر على دوام القتال معكم، والحرب قريب النشوب، فجدوا في عملكم، واصبروا وأبشروا بالنصر والفتح ولاتيأسوا من روح الله، انه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال تعالى:
{ حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ... الخ الآية }
ولانشك يا أولادي أن الله منجز وعده لأن الله لايخلف الميعاد، وإني والله ثم والله مايمنعني من الوصول إليكم إلا عدم الطريق، ولكن بحول الله، لازلت مجتهداً بكل جهدي في وصولي إليكم وعن قريب يتم ذلك بحول الله وقوته، هذا وسلموا منا على عموم أولادنا المجاهدين والبارئ يحفظكم وينصركم ويجمعنا بكم عن قريب.

16 جمادى الثاني سنة 1350هـ







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:41 AM رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

ايطاليا تحاول ان تستفيد بعد مقتل عمر المختار

يقول غراسياني عن عمر المختار في كتابه برقة الهادئة: إن خبر القبض على عمر المختار واعدامه سرى في كل مكان وفي الاوساط المحلية بين الأهالي والخاضعين لسلطاتنا وبين الثوار الخارجين عن طاعتنا والمهاجرين في مصر وفي كل البلدان من المشرق الى المغرب. كلها تأثرت من هذا الحادث الجلل، واعدام عمر المختار ولكي ننتهز هذه الفرصة في هذا الظرف الدقيق من أجل أثارة الفوضى بين القادة الذين خلفوا عمر المختار في القيادة رأينا ان ننشر بياناً الى كافة او البقية من العصاة نعلن لهم فيه ان الحكومة الايطالية الفاشيستية مستعدة أن تقبل استسلامهم وتسليم السلاح وتضمن لهم الحياة وفي 17 سبتمبر 1931م نشرت التعليمات الآتية من أجل توزيعها وهي :

1- أن نعطي للثوار الاحساس بسخاء الدولة الايطالية الفاشيستية وكذلك للسكان المحليين.

2- افراد الحالة أمام العالم الاسلامي وغير الاسلامي بكل دقة وان تصرفاتنا لا لبس فيها فهي من اختصاصنا وكذلك من مسؤولياتنا في كل العمليات الحربية التي أجريت في برقة ولهذا فقد قامت طائرتنا بقذف المنشورات على المناطق الجبلية وعلى المدن والقرى وبها البيان الآتي:

الى ادوار عمر المختار

إن الرئيس العظيم رئيس الثوار عمر المختار يحارب منذ عشرين سنة كان يقودكم فيها الى الخراب والدمار والتأخر والانحطاط قبضت عليه قواتنا المظفرة قوات ايطاليا الفاشيستية وقد حكمت عليه المحكمة الخاصة بالاعدام وهذا انتقام من الله من اجل المساكين الذين بسببه تركوا اراضيهم ومسقط رأسهم.

قال مترجم كتاب برقة الهادئة ابراهيم بن عامر عن هذا المنشور سبحان الله ياجنرال من الذي شرد الناس من أراضيهم؟ ومن الذي أفنى ثمانين ألف من المواطنين في المعتقلات ألم تكن أنت الذي قضى على الناس وأموالهم؟ وفي نفس الصفحة تعترف بأن عمر المختار منذ عشرين سنة يحارب من أجل من ؟ من أجل أن يطردك ويطرد قوات إيطاليا الغاصبة.

واستمر غراسياني في المنشور: ياأهل الدور إن الحكومة الايطالية الفاشيستية القوية والسخية تحذركم مرة اخرى إنه بعد وفاة واختفاء عمر المختار أنها مستعدة بأن تعفو عن كل الذين يخضعون لحكمنا ويسلمون اسلحتهم ومن غير هذا فالحكومة كما قضت على عمر المختار ستقضي على كل الذين يواصلون العصيان أما عاجلاً أو آجلاً. اسمعوا كلامي وسلموا أنفسكم وفي نفس الوقت أصدرت الأوامر الى قوات الجيش بعد أن قذفت الطائرات المنشورات بالاستمرار في القتال دون توقف بل بذل أكثر من الجهد دون تردد حتى نجعل أمام العصاة (يعني الثوار) الطريق الوحيد هو الاستسلام دون قيد او شرط وخلاف القاء البيان بالطائرات مايزيد عن 35.000 منشور وأكثر منها وزعت من الدوريات الكشافة على كل بئر وفي كل حقل ومرعى وكل هذه الاماكن التي يمر بها العصاة (يعني المجاهدون) أما (المريشال بادوليو) من جانبه وجه الى قوات الجيش البرقية التالية:

أوجه الى قوات الجيش الشجاعة ببرقة أعظم الثناء وأحر تهنئتي على كل ماقاموا به من عمل مجيد وانتصار باهر في هذه الحروب والنتيجة المرضية التي كنا نتمناها أن نهاية عمر المختار يجب أن لاتؤثر على السير فوق الطريق التي رسمناها وهي مطاردة العصاة أينما وجدوا واقتفاء أثرهم وضربهم بكل شدة ودون هوادة أو رحمة الى آخر واحد منهم وليكن شعارنا.

لاتوقف ولا ارتخاء واصلوا الزحف بكل حماس متجرد ولسوف نقضي على العصاة نهائياً

انظروا اخواني الى هذا الحقد والبغض والكيد والمكر الذي ظهر من أفواهم وماتخفي صدورهم أكبر وصدق الله حيث قال: { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا....} (سورة البقرة، آية217).

تعيين يوسف بورحيل قائد للحركة الجهادية:

وبعد سقوط عمر المختار رحمه الله في الاسر تجمع المجاهدون بين يوم وليلة واجمعوا على تنصيب الشيخ المجاهد (يوسف بورحيل) قائداً للجهاد الاسلامي ووكيلاً عاماً للجهاد وعلى أثر هذا التنصيب كلف الشيخ عبدالحميد العبار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل العقيدة الاسلامية والدين.

واستقبل المجاهدون خبر استشهاد قائدهم العظيم بالعزيمة في الاستمرار ومواصلة للسير أما الشهادة أو النصر على النصارى الحاقدين.

وواصلت الحكومة الايطالية حملات الانتقام ضد أولئك الابطال وبرز في تلك المرحلة الحاسمة والتي ندر فيها وجود الرجال الشيوخ الفرسان والقادة الأبطال والميامين الكرام اجدادنا البواسل كل من عبدالحميد العبار ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحشدت ايطاليا قواتها وواصلت شن حملاتها بشراسة منقطعة النظير. وبعد قتال عنيف عند الحدود المصرية قرب الاسلاك الشائكة فاجتاز الاسلاك بعض المجاهدين ببطولة منقطعة النظير وفروسية عالية القياس وقتل من قتل واسر من اسر وبقي الزعماء الأربعة يقاومون فقتل حمد بوخيرا لله احد الزعماء وقتل يوسف بورحيل وجرح عصمان الشامي فأخذ أسيراً وأما الفارس المغوار عبدالحميد العبار فاستطاع ان يجتاز الاسلاك الشائكة بجواده رغم مطاردة القوات الايطالية له

وبهذه النهاية المؤلمة الحزينة انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم واخمدت حركة الجهاد وذهب الاجداد تاركين خلفهم تاريخاً بطولياً كفاحياً جهادياً رائعاً من اجل العقيدة والدين والشرف والكرامة فعلى طريق الاسلام نحن سائرون ومن اجل اعزاز دين الله عاملون ورفع راية التوحيد مجاهدون ونسأل الله المغفرة والرحمة والرضوان للاجداد والابطال الكرام من أمثال رمضان السويحلي وسليمان الباروني والفضيل بوعمر واحمد الشريف السنوسي وصالح الاطيوش وابراهيم الفيل واحمد سيف النصر وسعدون وعبدالحميد العبار وغيرهم كثير.

إن عبدالحميد العبار قد امد الله في عمره وقد شاهدته مرات عديدة وأنا طفل لم اتجاوز الرابعة عشر وكنت أراه كل يوم بعد صلاة الفجر امام بيته في الحي الذي كنت أسكن فيه بمدينة بنغازي والذي يسمى مدينة الحدائق بقرب مسجد السيد بالقاسم احمد الشريف السنوسي المعروف بمسجد الأنصار وكان منظره وهو يتلو كتاب الله وقد تقدمت به السن مؤثراً في نفسي وبلادنا في تلك الفترة عمّها الفساد وماكنا نرى ونحن اطفالاً من يحافظ على تلاوة القرآن الكريم بالكيفية المذكورة وأخبرت والدي عن ذلك الذي اسر قلبي بتلاوته القرآن الكريم فقال لي يابني ذاك الشيخ عبدالحميد العبار من كبار المجاهدين وبدأت جدتي وهي من قبائل برقة من قبيلة الدرسة وقد كانت ضمن المعتقلين بمعتقل المقرون تسرد لي أموراً عجيبة عن جهاده وفروسيته وشجاعته ونجدته ولازالت صورته في ذهني الى وقت كتابتي هذه وعندما توفى رحمه الله كانت لوفاته مأتم مشهود وحضرت جموع غفيرة من شرق البلاد وغربها واستمر المأتم اياماً عديدة فرحمة الله على أولئك الأبطال.

الثاني عشر: اضطهاد الشعب:

وباستشهاد عمر المختار ويوسف بورحيل واسر عصمان الشامي بعد جرحه وهجرة عبدالحميد العبار الى مصر وقتل كثير من المجاهدين إنتهت حركة الجهاد الفعلية ومع وجود معظم السكان في معسكرات الاعتقال حكم الايطاليون البلد من الحصون المحاطة بالاسلاك الشائكة والدرويات والمصفحات والسيارات المسلحة والرشاشات والانوار الكاشفة والطائرات وفي يناير 1932م أعلن بادوليو حاكم ليبيا العسكري الايطالي أن الثورة قد انتهت كلية وتماماً واصرت ايطاليا على جعل ليبيا الشاطئ الرابع لإيطاليا. وأعلن موسليني ذلك الطبل الاجوف سنة 1934م بأن الحضارة الحقيقية هي ماتخلقها ايطاليا على الشاطئ الرابع لبحرنا، الحضارة الغربية بصفة عامة، والحضارة الفاشيستية بصفة خاصة) وأخذ الرأسماليون الايطاليون يقسمون ممتلكات الشعب المسلم على بعضهم البعض ويرحّلون الاسر الايطالية لاستيطان الكامل في ليبيا المسلمة وأصبح الليبيون عمال مستأجرين وخدام للعائلات الايطالية في مزارعهم التي نزعت من ايديهم وسلمت للايطاليين وأصدرت وسنت القوانين التي تخدم مصالح الحكومة الايطالية في مصادرة الاملاك والاستيلاء عليها ونزعها من المواطنين بمبالغ زهيدة باسم المصلحة العامة واهتمت ايطاليا بليبيا اهتماماً بالغاً من اجل جعلها قطعة ايطالية لها دورها في توسيع مستعمراتها نحو الجزائر ومالطا وجبل طارق وشجعت ايطاليا هجرة الالوف من العائلات الايطالية ضمن شروط لابد من توفرها في الراغبين بالاستيطان في ليبيا المسلمة ومن هذه الشروط: كثرة عدد افراد الاسرة بحيث تكون اكثر من سبعة ، وايضاً الصحة، والقراءة والكتابة وان تكون هذه الاسرة من اعضاء الحزب الفشيستي، او ذات الوعي السياسي، وكان معظم القادمين هم من المناطق الفقيرة في شمال ايطاليا وخرجوا من ايطاليا وسط دعاية عالمية. واستقبلوا في طرابلس وبنغازي استقبال الابطال ونقلوا في سيارات الجيش الى القرى التي كانت جاهزة لهم وكان بالبو يرافقهم من نابولي حتى القرى التي اغتصبوها من الشعب المسلم المسكين وأعطيت كل اسرة منزلاً ومزرعة جاهزة للعمل وكانت الحقول قد زرعت وفي كل اسطبل كان يوجد بقرة وبغل ، وادوات وحبوب وعلف وكذلك عربات وخشب للوقود وفي كل بيت كان هناك طعام يكفي لاسبوع، حتى الكبريت والشمع كان موجوداً جاهزاً وسخر الشعب الليبي المسلم لخدمة النصارى واستعبد النصارى الحاقدون المسلمين في حربهم لليبيا واهتموا بطرابلس ولبده وصبراته وشحات لجعلها دعاية للحكومة الايطالية ودعوة انحلالية للخمور والدعارة في حوض البحر المتوسط على مستوى عالمي وكانت اهداف الامبراطورية الفاشيستية حسب تعبير الطبل الاجوف موسليني (تغييراً اقليمياً حربياً تجارياً فحسب بل تغييراً روحياً واخلاقياً ايضاً) وعمل على إنسلاخ المسلمين من اخلاقهم ودينهم ورضوا بأن يحصر دين المسلمين في الشعائر التعبدية. وقد أعلن بالبو مرة إنه (لن يكون في ليبيا حكام ومحكومون، وبدلاً من ذلك سيكون فيها ايطاليون كاثوليك، وايطاليون مسلمون، متحدين من جماعة مشتركة كعناصر بناءة في تنظيم جبار للامبراطورية الفاشيستية) وحرموا الشعب الليبي المسلم من كل حقوقه الطبيعية فلا فرصة في التعلم والتعليم والثقافة والتثقيف ولم يكن الفاشيستيون يرون نهاية لوجودهم في بلادنا العزيزة وكانت الطبقة المثقفة الصغيرة اما في المنفى ، او لاصوت لها. وقد أخمدت كل معارضة بقسوة بالغة وأضعف البناء القبلي التقليدي بتعيين زعيم لكل عدد من القبائل والفاشيستيون يأمرون والشعب المستضعف ينفذ بدون سؤال او تعليل وكان التعليل الكافي الذي ربى عليه الشعب (يجب عليك لأنه يجب عليك أن تفعل كذا وكذا) وكانت السياسة التعليمية الايطالية رسمت من اجل تخريج عدد كبير من التلاميذ الليبيين الذين يتكلمون الايطالية ويخلصون الولاء لإيطاليا

وعملوا على القضاء على الاخلاق الاسلامية وبث روح الكثلكة في المدارس بين الاطفال ، والقضاء على مصارف اهل البلاد والتعليم الديني واغلقوا الكتاتيب ودور العلم الوطنية وأكثروا من إقامة دور الفحش ومنعوا الليبيين من اداء فريضة الحج وازداد امتهانهم للدين الاسلامي بدرجة شنيعة فكان من اسوء فعالهم، إن القى قائد طبرق الايطالي بالمصحف الشريف الى الارض، ثم اخذ يطأ عليه بقدمه على مشهد من جماعة من المسلمين (إنكم معشر المسلمين لايمكن أن تصيروا بشراً مادام هذا الكتاب بين ايديكم).

وسخروا المسلمين واستعبدوهم في بناء الطرق والقلاع والمزارع والقرى ونشط المبشرون الطليان في دعوتهم، وعمدت الحكومة الى تشجيعهم وارغمت النساء على التنصير والزواج من الطليان.

وزاحموا أهالي البلاد في الصناعة والتجارة وسيطروا عليها سيطرة كاملة ومنعوا الناس من التظلم ، وقيدوا حرياتهم، فمنعوهم من محادثة بعضهم بعضاً، ومن قراءة الصحف والمجلات والكتب، ومن مراسلة اقاربهم في الخارج، حتى صاروا في سجن داخل بلادهم محرومين من كل صلة تربطهم بالعالم العربي والاسلامي.

لقد كان من احلام الفاشيست اعادة الامبراطورية الرومانية الغابرة فقرروا لذلك امتلاك البلدان الاسلامية القائمة على شواطئ البحر الابيض المتوسط، ثم ابادة أهل هذه البلاد وافنائهم وتحويلها الى رقعة لاتينية ، وانها لوقاحة منقطعة النظير ان يعمل شعب على ابادة شعوب ليحل محلها بالقوة ولكن هذا هو منطق الصليبيين الحاقدين وبلغ استهتارهم، أنهم ألزموا خطباء الجمعة بالدعاء على المنابر لملك ايطاليا، عم نويل الثالث، وعندئذ امتنع المسلمون عن صلاة الجمعة فلما هاج الرأي العام الاسلامي على هذا الفعل، استكتبوا الأئمة تكذيباً بتوقيعاتهم، جاء فيه ان الدعاء كان بمحض ارادتهم، ومن تلقاء أنفسهم ، ومن غير تدخل من جانب الحكومة الفاشيستية!!

فهل رأيت وقاحة ابلغ من هذه؟

وفي عهد بادوليو صاروا يمنعون الناس من اداء الحج ويضعون العراقيل في سبيلهم، حتى يجبروا على تركه.

كان اقبح مافعل المارشال بادوليو إنه امر بأن ترصف (الصالة) في قصره بالبلاط المنقوش عليه (محمد) e وبعد انتهاء مرحلة الحرب المسلحة كما علمنا نفذ الشطر الثاني من برنامج إبادة الليبيين وإفنائهم، ونعني ذلك ما أغتصبه الطليان من الاراضي والمزارع وإعطائها للعائلات الفاشيستية بالقوة، وترك اصحاب الارض الحقيقين وابناء البلاد يتضورون جوعاً ويخدمون هؤلاء الحاقدين كخدماً وعبيداً.

واراد الله ان ينتقم للمجاهدين من الطليان بقدرته وجبروته وعزته وحكمته النافذة التي لا يعلمها كثير من عباده وبعد أن اطمأن النصارى الكاثوليك في ليبيا جاءت الحرب العالمية الثانية قدراً من الله وتسليطاً من الله من ظالم على ظالم:
{ وكذلك نولى بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون } (سورة الانعام، آية129).

وبعد أن اطمأنت الامبراطورية الايطالية الى سلطانها، ودانت لها الاقطار الليبية من اقصاها الى أقصاها من بعد استشهاد المختار عام 1931م حتى عام 1942م.

احد عشر عاماً من اليأس المطلق الذي لايبشر بشيء من الامل، أهل الحل والعقد الليبيين بعيدين عن البلاد.

نصف الشعب او يزيد اهلكوا، او اخرجوا من ديارهم ظلماً وعدواناً البقية الباقية مستضعفة في بلادها لا حول ولا قوة بها.

غراسياني ينفخ اوداجه، ويختال على ارض المسلمين يمنة ويسرة حيث شاء.

ثم جاء من ورائه بادوليو الماريشال العجوز ليتم قصة ابادة الشعب الليبي ويسلم الاراضي الى رعاع الطليان.

ليل هنا وليل هناك وظلام دامس وظلم مخيم ويأس مرير وذلة اصابت المسلمين وعزة زائفة سيطرت على النصارى الحاقدين وكانت قصة خروج الطليان من بلادنا غريبة جداً ينبغي أن يتدبر فيها ليعلم الناس وليطمئنوا الى عدل الله المنتقم الجبار ولو بعد حين وكانت قصة هزيمة ايطاليا في ليبيا بدأت في الحرب الثانية في سبتمبر وحرصت ايطاليا أول الامر على عدم دخولها حتى اذا رأت فرنسا تنهار على أثر الزحف الالماني الخاطف عليها أعلنت ايطاليا الحرب على انكلترا وفرنسا في 10 يوليو 1940م وبدأ الجبل الاخضر يضيق حول عنق الامبراطورية الجوفاء العرجاء ودخلت ايطاليا الحرب بقيادة زعيمها موسوليني الطبل الاجوف طمعاً في الغنائم ، وكانت توقن ان الارض قد دانت لحليفتها ألمانيا فأخلف الله ظنها وافضى الامر الى زوالها نهائياً من الوجود كامبراطورية صاحبة مستعمرات واندحرت ايطاليا باندحار المانيا في شمال افريقيا، ولم تغرب شمس يوم 7 ابريل عام 1943م حتى كانت جيوش المانيا وايطاليا بقيادة رومل المنهزمة قد اخلت القطر الطرابلسي بأجمعه.

وكانت فرحة عظيمة شاملة عمت قلوب الناس وعبر عنها الملك السابق بقوله: (إني احمد الله الذي جعلني أشهد خروج هؤلاء الطليان الظالمين من بلادنا) وتدفق الليبيون الى بلادهم التي ترعوعوا فيها وأُخرجوا منها ظلماً وزوراً وهكذا استدار الزمان وسلط الله الانكليز على الطليان ونزل العار بهم .

لقد ارادت إيطاليا إبادة المسلمين في ليبيا فبادوا هم وبقي المسلمون في ليبيا واراد غرسياني إعدام المختار فهلك وبقي المختار علماً وقدوة لأجيال المسلمين.
مع تحيّات عادل محمّد


المصدر :


Copyright © 2000-2006, Universal Studies Academy
All Rights Reserved







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:41 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية



روليهلالا 'نيلسون' مانديلا (ولد 18 يوليو 1918)


هو الرئيس الأسبق لجمهورية جنوب إفريقيا وأحد أبرز المناضلين و المقاومين لسياسة التمييز العنصري التي كانت متبعة في جنوب إفريقيا.

طفولته وصباه
ولد نيلسون روليلالا مانديلا في منطقة ترانسكاي في أفريقيا الجنوبية ( 18 تموز - يوليو 1918). وكان والده رئيس قبيلة، وقد توفي و نيلسون لا يزال صغيرا، إلا انه انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب. تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة داخلية عام 1930، ثم بدأ الإعداد لنيل البكالوريوس من جامعة فورت هار. ولكنه فصل من الجامعة، مع رفيقه اوليفر تامبو، عام 1940 بتهمة الاشتراك في إضراب طلابي.و من المعروف إن مانديلا عاش فترة دراسية مضطربة و تنقل بين العديد من الجامعات و لقد تابع مانديلا الدراسة بالمراسلة من مدينة جوهانسبورغ، وحصل على الإجازة ثم التحق بجامعة ويتواتر ساند لدراسة الحقوق. كانت جنوب أفريقيا في تلك الفترة خاضعة لحكم يقوم على التمييز العنصري الشامل، إذ لم يكن يحق للسود الانتخاب ولا المشاركة في الحياة السياسية أو إدارة شؤون البلاد. بل أكثر من ذلك كان يحق لحكومة الأقلية البيضاء أن تجردهم من ممتلكاتهم أو أن تنقلهم من مقاطعة إلى أخرى، مع كل ما يعني ذلك لشعب (معظمه قبلي) من انتهاك للمقدسات وحرمان من حق العيش على ارض الآباء والأجداد والى جانب الأهل وأبناء النسب الواحد.gano

النشاط السياسي
بدأ مانديلا في المعارضة السياسية لنظام الحكم في جنوب إفريقيا الذي كان بيد الأقلية البيضاء، ذلك أن الحكم كان ينكر الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية للأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا. في 1942 إنضم مانديلا إلى == المجلس == الإفريقي القومي، الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا.
وفي عام 1948، أنتصر الحزب القومي في الإنتخابات العامة، وكان لهذا الحزب ،الذي يحكم من قبل البيض في جنوب إفريقيا، خطط وسياسات عنصرية، منها سياسات الفصل العنصري ،وإدخال تشريعات عنصرية في مؤسسات الدولة. وفي تلك الفترة أصبح مانديلا قائدا لحملات المعارضة والمقاومة. و كان في البداية يدعو للمقاومة الغير مسلحة ضد سياسات التمييز العنصري. لكن بعد إطلاق النار على متظاهرين عزل في عام 1960، وإقرار قوانين تحضر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء المجلس الإفريقي القومي فتح باب المقاومة المسلحة.

إعتقاله وسجنه
في عام 1961 أصبح مانديلا رئيسا للجناح العسكري للمجلس الإفريقي القومي. وفي اغسطس 1962 أعتقل مانديلا وحكم عليه لمدة 5 سنوات بتهمة السفر الغير قانوني، والتدبير للإضراب. وفي عام 1964 حكم عليه مرة أخرى بتهمة التخطيط لعمل مسلح، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
خلال سنوات سجنه السبعة وعشرين، أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزا لرفض سياسة التمييز العنصري. وفي 10 يونيو 1980 تم نشر رسالة إستطاع مانديلا إرسالها للمجلس الإفريقي القومي قال فيها: "إتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري"
في عام 1985 عرض على مانديلا إطلاق السراح مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة،الا أنه رفض العرض . و بقي في السجن لغاية 11 فبراير 1990 عندما أثمرت مثابرة المجلس الإفريقي القومي، والضغوطات الدولة عن إطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية فريدريك دكلارك الذي أعلن أيقاف الحظر الذي كان مفروضا على المجلس الإفريقي . وقد حصل نيلسون مانديلا مع الرئيس فريدريك دكلارك في عام 1993 على جائزة نوبل للسلام.

رئاسة المجلس الإفريقي ورئاسة جنوب إفريقيا
شغل مانديلا منصب رئاسة المجلس الإفريقي (من يونيو 1991- إلى ديسمبر 1997)، وأصبح أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا (من مايو 1994- إلى يونيو 1999). وخلال فترة حكمه شهدت جنوب إفريقيا إنتقالا كبيرا من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية. و لكن ذلك لم يمنع البعض من انتقاد فترة حكمه لعدم اتخاذ سياسات صارمة لمكافحة الـايدز من جانب ، و لعلاقاته المتينة من جانب آخر بزعماء دول منتقدين في الغرب مثل معمر القذافي و فيدل كاسترو.

تقاعده
بعد تقاعده في 1999 تابع مانديلا تحركه مع الجمعيات والحركات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم. وتلقى عددا كبيرا من الميداليات والتكريمات من رؤساء وزعماء دول العالم. و كان له كذلك عدد من الأراء المثيرة للجدل في الغرب مثل أراءه في القضية الفلسطينية ومعارضته للسياسات الخارجية للرئيس الأمريكي جورج بوش، وغيرها.
في يونيو 2004 قرر نيلسون مانديلا ذو الـ 85 عاما التقاعد و ترك الحياة العامة، ذلك أن صحته أصبحت لا تسمح بالتحرك والإنتقال، كما أنه فضل أن يقضي ما تبقى من عمرة بين عائلته.
في 2005 اختارته الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة.

كتاب :
نيلسون منديلا :
مسيرة طويلة نحو طريق الحرية

محمد بن حامد الأحمدي

منذ فترة قصيرة جاء موظف عربي مهاجر ليعمل في شركة طيران أمريكية كبيرة ، وعند وصوله تعرَّف عليه المسلمون في الشركة ودعوه للغداء الأسبوعي ، حيث يجتمعون في قاعة من قاعات الشركة ويتناولون الغداء ويصلُّون الظهر ويستمعون لدرس في العلوم الإسلامية أو علاقاﺗﻬم بغيرهم . ولما صلُّوا استغرب العقل العربي المهاجر للعمل هذه الحرية ، ثم جلسوا لبدء الدرس فهمس في أذن الأخ الذي عن يمينه : هل هذا العمل قانوني ؟ ! قال له الذي بجواره : نعم ، ولنا سنوات نفعله . ولم يطمئن ، ولم يكد يصدق ، فهمس في أذن الأخ الذي عن يساره : هل أنت متأكد أن هذا العمل مشروع وقانوني ؟ !
فاستنكر المسؤول خوف الرجل وسؤاله لأنه أقدم عهدًا وهذا حق مكفول لكل مجموعة تريد ذلك .
لقد كان هذا المسلم الذي وفد من بلد مشرقي عربي ينعم ببعض بصيص الحر ية النسبية مقارنة ببلاد عربية أخرى مستغربًا جدًا أن تسمح الشركة بل الحكومة الأمريكية لعشرين شخصًا أن يصلوا ويتدارسوا الإسلام - بل أي قضية - في حجرﺗﻬم تلك ! الأمريكيون المسلمون تعجبوا لمستوى الكبت في بلاد المسلمين وتدهور عقل الإنسان وقيمته في بلاد المسلمين التي أحبوا دينها فاعتنقوه ، وأنكروا فيها هوان الإنسان وتردِّي قيمته ، وهذا حاجز كبير يمنع دخول الناس في دين الله ، فما إن تتحدث عن هذه الأمور حتى تقدم اعتذارًا مما يحدث ، وإثبات أن الإسلام ليس هو الذي تشاهدونه في بلاد المسلمين .
وعربي آخر قال لهم : إنكم أيها الأمريكيون لا تعرفون ظلمات الواقع العربي ، وتحول الهمس ليكون موضوع اللقاء فزاد خوف الأخ وتوجسه . ولا لوم عليه ولا تثريب فقد جاء من بلاد الرعب المتبادل ،فالشعب يخاف حاكمه ، والحاكم يرهب شعبه ، والثقة والأمن أعز مطلوب ، فالاجتماعات في بلده محرمة ، فكيف بالدينية ؟ ! ويحسب كل اجتماع ديني خاص بأن وراءه مؤامرة انقلاب وذهاب لرأس الزعيم ! .
وهذا أنتج عندنا عزوفًا عن بعض القضايا المهمة والأخطر في حياة الأمة ، ومن أهم هذه القضايا "قضية الحرية" ، حرية قول الحق وممارسته ، حرية الدعوة له ، حرية نصره ، وَأطر الناس عل ى الحق . حريتنا وكرامتنا أن نحيا كما أراد الله لنا عبادًا له وحده أعزة أحرارًا ، لا نقبل بالخضوع لغيره، ولا نستسلم لغير شرعه، وفي ظل شرعه والالتزام به نُحكم كما نريد، ونوالي كما نريد، ونعادي كما نريد، ونعلم ما يُراد بنا، ونعلم مصالحنا ومضارنا . ونتدارس أمر نا بكامل اختيارنا دون قهر خارجي أو استبدادي ، فمَن الذي يزعم أن شخصًا واحدًا كلي ً لا علي ً لا يفهم كل شيء ، ويعرف كل شيء ! اللهم لا ، إلا في عصر" مدَّعي الإلوهية من البشر " في ظلمات المثبورين الذين قال أحدهم :
{ما علمت لكم من إله غيري }
وقال : {ما أريكم إلا ما أرى} وما أشبه تلك الحال .

ألم يشهد المسلمون أعظم تجربة حديثة العهد أمامهم منذ شهور ، أم هل تراهم توقعوها مسرحية أمريكية شكلية ! لقد شهدوا وشهد العالم رئيس أمريكا يقف في قفص الاﺗﻬام محاصَر ًا، محمرّ الوجه يستغيث بالمناديل ليمسح عرقه ، ويأمل في عطف الشعب ، ويكاد يستقيل قبل أن يُقال ، يحدوه أمل كبير أن ينجو من حصاره من أجل قضية خلقية ، هي في معيارهم عادية ؛ ومن قبل طردوا زعيمًا ومفكرًا استراتيجيًا كبيرًا "نيكسون" من البيت الأبيض من أجل مخالفة خلقية صغيرة فيها اعتداء على خصوصيات الآخرين، حادثة تجسس على الحزب المناوئ ؛ لأنه علم عنه وسكت! ولكن شعوبًا كاملة - هي شعوبنا - ليس لها خصوصية وليس لها حرية ولا تجرؤ على التلفظ ﺑﻬا ، وتنزع منها قيمتها ، بل تمسخ الكلمات الكبيرة فتصبح كريهة المعنى والظل ، فيسمى الخروج عن الأدب حرية ، واستقدام راقصة تطورا،
ويسمى نشر الدعارة رقيًا . وغابت الكلمات والمعاني والأفعال الشريفة ، فلم تخرج هذه الشعوب يومًا فتقول للظالم : قف ! ولا لمستبد : هذا حدُّك ! لأن الكلمات في زمن الاستبداد تفقد معانيها فيصبح الجور عدلا واستقرارا، والسكوت على الذل حكمة ، والحرية حرية الفساد ، وكلمة الحق والنصح لله وللمسلمين طريقة الخوارج والبغاة !
والمسلمون في بلادهم لا يحق لهم ولا يسألون عما يفعل ﺑﻬم ، ولا هم ينطقون ، بل قد يهمس شجعاﻧﻬم في الخفاء ، وهؤلاء الهامسون بالكرامة والحرية قليل مستضعفون ، يخافون أن يتخطفهم الجواسيس ، أو هاربون خائفون. وتصبح الكرامة والعزة والحرية ﺗﻬمة وعيبًا وتطرفًا وخروجًا .
ومنذ قرون استوطنت هذه الأمراض في معظم البلاد الإسلامية إلى اليوم ، فليس للشعب المسلم المستضعَف دور في قراره ، لا يوالي بقراره ولا يعادي بقراره بل بوصاية من الخارج . يقول برنارد لويس إن العرب منذ جاءهم نابليون الفرنسي ، حتى أخرجه من بلادهم ضغط بريطانيا (!!!) ، منذ ذلك اليوم وإلى اليوم - أكثر من مائتي عام - أدرك العرب أﻧﻬم لا يملكون شيئًا من قرارهم . أي يذهب مستعمر بسبب ضغط من مستعمر جديد، وقد يبدل لباسه ويرسل وكلاء محليين !

وجاء عزوفنا عن "الحرية" - مصطلحًا وسلوكًا وشعارًا - بسبب ا لخوف من المشاكلة مع الذين أساءوا للمصطلح، أو أن غيرنا استخدم اللفظ أو رفع الشعار وتاجر به في غير مكانه أو خالف الحق والشرع .
وقضية الحرية ومفاهيمها الشرعية يجب أن تكون على أولويات قائمة المطالب الإسلامية ؛ فحرية المسلم في قول ما يعتقد ، وإنكار ما يرى من منك ر وباطل ، وحريته في قول كلمة الحق ، وممارسة واجبه الشرعي في التوجيه والنصح والإصلاح هي طريق الحق والعزة والكرامة والسيادة . أما السكوت والخمول والتواكل والرعب من كلمة الحق فهي شر طريق سلكته أمة ، وهي طريق الخذلان والهزيمة ، ومخالفة سُنة الله في الشرع والواقع . وسنة الله في الصدع والدفع وقول كلمة الحق واحترامها ما قام عليها مجتمع موحِّد إلا عز ونجا ، ولا ﺗﻬاون بكلمة الحق وممارسته والأعذار إلى الله إلا مَن جانب الشرع ورضي بالخذلان والهوان والمعصية . خفنا من هذه الكلمة لأن الفاسدين استغلوها للترويج للانحلال ،
واستخدمها الدهريون - العلمانيون أو اللائيكيون - للترويج لوثنيتهم ، واستغلها الشهوانيون لممارسة الفسق والخروج على الآداب .
وقد آن أن نعيد قضايانا الهاربة من خطابنا، ونزرع العدل في بلادنا ،
ونتعود عليه ونحبه ، فبالحق والعدل نتحاب وتنتهي عوامل الفرقة والخوف والخضوع للبغاة والمحتلين .
وعملية التحرر في بلاد المسلمين لا تتم فجأة ، ولا من كلمة وموقف ، ولكنه مشروع متواصل ، وركام من الثقافة والسلوك ، وشجاعة في الكلمة والتصرف ، حتى تصبح العزة خلقًا عامًا ، وتربية الأخلاق للفرد واﻟﻤﺠموع أطول عمليات الإصلاح إطلاقًا . ومن بعد رسوخ خلق العزة والكرامة تنسجم الأمة مع نفسها ودينها وتاريخ أمجادها ، وإلا فإن شواهد العزة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه والتابعين لا يقدر المسلم المعاصر الذي صودرت حريته وعزته أن يفهمها ولا أن يتجاوب معها.

الحرية أم العدالة ؟
كان الرجل العربي حرًا أنف ًا، لا يخضع إلا لربه ، ويعتبر الخضوع لغير ه عبودية له ؛ لذا اختار الله العرب للرسالة، لما تميزوا به من عزة النفوس وشَمَمها وبراءﺗﻬا من عسف المستبدين ، فلا يقبلون العبودية للملوك - ملوك فارس والروم - ولا مَن استخدمتهم هاتان القوتان لإخضاع الناس على حوا شي الإمبراطوريتين، يفتخر الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم - مذكِّرًا قومه بعناصر عزﺗﻬم وشرفهم وأيامهم الماجدة الحرة - :
وأيام لنا غر طوال ---- عصينا الملك فيها أن ندينا ويقول - مستنكرًا محاولة الاستبداد - :
بأي مشيئة عمرو بن هند ---- نكون لأمكم فيها قطينا ؟ .

ويأنف من خضوع الحاكم للجواسيس ، أو خضوعه - وهو سيد قومه - لما سقط فيه الحاكم من طاعة الوشاة وتأثيرهم في قراره :
بأي مشيئة عمرو بن هند ---- تطيع بنا الوشاة وتزدرينا ؟

درس من الأسد الأسود
إن مشاعر العزة وثقافة التحرر قلَّت في واقع المسلمين اليوم، وكادت أن تكون تاريخًا بعيدًا جدا ً ، ولما قرأت سيرة مانديلا جددت تلك القصة معاني تستحق الاهتمام والوعي في بعض بلاد المسلمين التي تشارك إفريقية الجنوبية الكثير من الأحوال المشاﺑﻬة.
خرج مانديلا من السجن بعد عشرة آلاف يوم كاملة في المعتقل ، وكان عمره واحد ًا وسبعين عامًا وقاد دولته الجديدة في طريق لم يسبق أن سارت فيه من قبل . وكتابه "مسيرة طويلة نحو الحرية " - دار الهلال ، مصر ، عام ١٩٩٥ ، ترجمة د .فاطمة نصر - من أجمل الكتب ، بل ومن كتب العالم الثالث المهمة التي روت واحدة من سِيَر العالم المغلوب وكيف كافحت أمة ل تحصل بعد قرون متطاولة على حريتها . فقد احتاجت جنوب إفريقية إلى ثلاثمائة وأربعين عامًا لتنال استقلالها ، ولا تتوهموا أن جميع الإفريقيين في جنوب إفريقية سعوا إلى الاستقلال ، ولا تتوهموا أن كل الرجال يحبون الحرية ويسعون لها ! فليس كل السود قاتلوا من أجل الحرية والاستقلال ، ولا كلهم سُجن ثلث قرن كما حدث لمانديلا ، فليس كل الناس يسعون للحرية ولا كلهم يحبها . لا ، بل استقلت جنوب إفريقية - أو نال السود حقوقهم على الأصح - على الرغم من كراهية عدد من السود غير قليل؛ فمنهم أعداد هائلة كانت تقاتل في صفوف المستعمِرين - الأفريكانو "البيض" وترى في مانديلا شرًا وشيوعيًا أحمر ! يريد أن يحرمهم من الخير الذي جاء به السادة البيض ، فقد جاءوا لهم بالإنجيل والدخان والموسيقى والثياب الحمر المرقشة ، لقد جاءوا لهم بالذُّل والخنوع ، والراحة من التفكير والمبادرة ، أراحوهم من مسؤولية القرار ، ومن ثقل الاختيار ،
وتلك نِعَم يهنأ ﺑﻬا العبيد - دائمًا - في كل مكان ، والعبودية ليست لونًا ولا جنسًا ولكنها حالة نفسية ، أو "عجز حُكمي " كما يعرفها الفقهاء . وإن الأحرار من طراز آخر من الرجال - أمثال مانديلا - يهون عليه أن يموت أو يُسجن ثلث قرن ولا ﺗﻬون عليه كر امته وحريته . كان زعماء "المؤتمر" في السجن مطارَدين أو يعملون ضد الاحتلال سرًا ، وكان بعض المتعلمين الدكاترة والقساوسة والصحفيين من السود أنفسهم – ويا للأسف ! - ضد الاستقلال "الشرير" وضد "سرطان" الحرية ! مع أن البيض"السادة" كانوا لا يؤاكلونهم ولا يشار بونهم ولا يزاوجوﻧﻬم ، ولا يستخدمون المواصلات التي يركبها السادة، ولا يسمحون لهم بالسكن في مناطقهم ، ويحرمون عليهم حتى بعض أنواع اللباس ، ويمنعوﻧﻬم حرية التنقل ، وبعض أنواع العمل ، بل لا يرى فيهم البيض بشرًا من البشر ! ومع هذا فقد كانت طائفة من السود تقدس البيض و تعبدهم وتطيعهم بلا حدود . كان هؤلاء العملاء من السود خونة للحرية وكانوا جواسيس للحكومة العنصرية وكانوا رَصاصًا في قلوب شعبهم لصالح الأجانب ، ولكأن "الرصافي" عاش تلك السنوات في جنوب إفريقية ؛ ليقول :
عبيد للأجانب وهم دومًا ----- على أبناء جلدﺗﻬم ُأسودُ

فقد كان العنصريون البيض يجدون طبقة متغرّبة من السود - يسموﻧﻬا متعلمة - تافهة الشخصية تابعة للبيض، يحاربون ﺑﻬا الشعب الأسود نفسه ، وقد كانت هذه الطبقة حذاءً تسعى عليه الطبقة العنصرية لتحقيق مصالحها وخدمتها ، أو وقاءًا للبيض ، تقيهم من حراب الإفريقيين السود ويقع فيها الضرب ويتقي ﺑﻬا السيد الأبيض الأيدي المضرجة بالدم ، التي تطرق باب الحرية ، ولكن السود أدمنوا طرْق باب الحرية حتى نالوها.
يقوم هؤلاء المتغربون - "طبقة الوسطاء " بين السود والبيض - بجمع السود في مصانع البيض وترتيب عملهم والإشراف على إخلاصهم ، وبذل كل جهد هم للسيد الأبيض ، منهم من يشرف على قومه العمال وعملهم من قبل الفجر إلى الليل في مناجم الذهب والمصانع وأعمال البناء وتربية الحيوانات والمزارع ، ينتجون الملايين للمستغل الأبيض ويَقنعون ببعض جنيهات في ﻧﻬاية الشهور السود تحت أطباق الأرض . لا تكاد تكفي هذه المبالغ الزهيدة لطعامهم ومسكنهم غير الإنساني في مساكن المصانع والمزارع وأحياء الفقر ، حيث تقل كثيرًا عن غرف كلاب السادة البيض !
أما السماسرة الوسطاء فهم قيادات سوداء يصنعها البيض ، قساوسة و ُكتَّاب وموظفون ، ويعطوﻧﻬم بعض المزايا عن الشعب ويدفعون لهم أكثر ليستمروا في إخضاع جنسهم الأسود للبيض ، وهذه الطبقة كانت رأس الحربة في قلب الشعب ، وهي الأخطر في وجه مانديلا والمؤتمر الإفريقي ، وهي التي كانت حاجزًا دون أن يتصل بالشعب ويبلِّغه رسالته ويلهمه حريته وكرامته ، هذه الطبقة من الشعب الإفريقي جمعت اللؤم والدناءة من الشعبين وباعت كرامتها وحريتها للأفريكانو ، في البداية عن جهل وسذاجة وشهوة للمَيزات المادية ، وفيما بعد عن عمالة ولؤم وتنكُّر لإنسانيتها وعن آلية حيوانية وانعدام للإنسانية والخلق في سلوكها ، ومَن يهن يسهل الهوان عليه . كانت هذه الطبقة ترى إخواﻧﻬا وأخواﺗﻬا وشعبها يُذّل ويمتهن ﺑﻬا وهي لا تدري ولا تحسب ، بل بعضهم يقول : "إنني أقوم بما يمليه عليَّ عملي وواجبي " !! بل يجرؤ بعضهم ويقول بما يمليه عليه عقلي ووطنيتي !! ومهما وضعت من علامات التعجب فإﻧﻬا لا تغني شيئًا تجاه هذا الموقف من شخص يُتوقع أنه بقي له عمل وواجب وعقل ووطنية وهو يرى قادة المؤتمر في السجن غذاؤهم الجوع أو حساء الذرة البارد والمتعفن ، ولما طالبوا بالخبز قال لهم السجانون في صفاقة :
"الخبز ضار بالإنسان " ! هكذا قالوا لمانديلا ورفاقه . لِمَ لا يضر الخبز بالإنسان ؟ ! ، والحرية أضر بنفوس الشعوب من الخبز ، فالحيوان يطعم و لا يثور ، ولكن الحرية غذاء مدمر لكل وسيلة وقاعدة ونظام مستبد .
غير أن المستبد يفقد الكرامة والإنسانية فيتوقع أن الناس - وفيهم العباقرة والدهاة - ليسوا بشرًا ! لأنه بلغ دركات العنصرية وظلام الكفر وانحطاط العقل والعاطفة ، فتنقلب عنده الأمور . ويرى الكرامة والطعام الطيب مضرًا بالبشر ، أو مضرًا بغيره هو ؛ لأنه هو البشر الوحيد في العالم ! هكذا يفكر اليهود والأفريكانو والنازيون .
وإذا كان الخبز خطيرًا إلى هذا الحد فكيف بالحرية ؟!! ، إﻧﻬا قنابل نووية .
وعلى عكس تلك النوعية الرخيصة من السود يفاجئنا مانديلا بذكر قصة المحامي الأبيض "برام منيشر" ،
وهو ابن لرئيس وزراء مستعمرة ﻧﻬر أورانج وكان والده رئيس قضاة ، كان يدافع عن مانديلا وأعضاء المؤتمر وكان يؤرقه أن الرجال الذين يدافع عنهم يذهبون إلى السجن ، بينما يعيش هو حرًا طليقًا ! وبعد محاكمة ريفونيا قرر المحامي الأبيض أن يلحق بالعمل السري مع السود أنصار مانديلا ضد أعداء الإنسانية البيض "قومه" ، ونصحه مانديلا أثناء المحاكمة ألا يفعل ذلك ؛ لأنه يخدم المعركة أفضل في قاعة المحكمة ،
وحتى يرى العالم أفريكانيًا وابن رئيس قضاة ينافح عن المظلومين ، ولكن لشهامته لم يكن ليتحمل رؤية نفسه حرًا والأبرياء يعانون ، فقد كان كالقائد الذي يقاتل جنبًا إلى جنب مع جنوده ، لم يرد أن يطلب من الآخرين أن يقدموا تضحية يتورع هو عنها ، والتحق بالعمل السري ضد البيض (قومه) ، فُقبض عليه ثم أفرج عنه بكفالة ، وقبض عليه مرة أخرى وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة ، ولما أصابه السرطان في السجن شنت الصحافة حملة للإفراج عنه ومات بعد خروجه واستمرت الحكومة البيضاء في مطاردته ، حتى بعد وفاته وصادرت رماد جثته بعد حرقها ! وهكذا قد يخرج حي الهمة شريف الطباع من منبت السوء والوحشية أحيانًا .

ويقول مانديلا بعد هذا : "قدم برام فنيشر أ كبر التضحيات على الإطلاق ، فمهما كانت معاناتي في بحثي عن الحرية فقد كنت أستمد القوة من كوْني مناضلاً مع ومن أجل شعبي ، أما برام فكان رجلاً حرًا ناضل ضد شعبه ، من أجل أن يضمن الحرية للآخرين " (ص ٢٥٧ ) ، إنه رجل شريف يحترم ذوي المواقف ويقدرها، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان "اُُلمطعم" حيًا لوهبت له هؤلاء النتنى (أسرى بدر) . وقد وقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم موقفًا شهمًا لم ينسه له على الرغم من كفره .

وقال مانديلا عنه - مرة أخرى - : "ومع أنه أفريكا ني فقد فرض عليه ضميره أن يرفض إرثه الظالم ونبذ قومه ، وأظهر مستوى من الشجاعة والتضحية لا نظير له ، فقد كنت أنا أقاتل ضد الظلم وليس ضد. (٢١٠- قومي" ٢٠٩ )

دروس مانديلا في السجن :
الحياة في السجون والابتلاء سُنة رافقت الأحرار في مختلف العصور - وفي عصرنا خاصة - وقامت ثروة فكرية وتجريبية متشعبة في بقاع الاستعمار ا لعديدة مما جعل دعاة الحرية والاستقلال والدعوة أحيانًايعتبرون المرور بالسجن علامة صدق الداعية وإخلاصه، وإن لم يمر ﺑﻬذه التجربة فهو ليس في مرتبة هؤلاء ! .

قال مانديلا - عن السجن - : "إن حياة المعتقل روتينية ؛ تتماثل فيها الأيام حتى تختلط الأشهر والسنوات . وإن أي شيء يخرج عن القالب يقلق السلطات ؛ لأن الروتين علامة من علامات حسن الإدارة في السجن ! وقد كانت الساعات من أي نوع ممنوعة ، وكنا نعتمد على الأجراس وصفارات السجانين وصيحاﺗﻬم لمعرفة الوقت ، وكان من بين أوائل ما فعلته هو أن أسجل تقويمًا على الحائط ، فإن الإنسان إذا فقد قبضته على الوقت فقد قبضته على سلامة عقله .

إن التحدي الذي يواجه كل سجين خاصة السجين السياسي هو المحافظة على ذاته في السجن وأن يخرج من السجن دون أن يتضاءل ، وأن يحتفظ ، بل ويزيد من عقائده ، وأول مهمة لتحقيق ذلك هو أن يتعلم المرء كيف يبقى ، ولكي يتحقق ذلك فلا بد للمرء أن يعرف هدف عدوه ؛ فإن السجن يهدف إلى هزيمة معنويات الإنسان ، وتقويض عزمه، ولكي يتحقق ذلك تحاول السلطات استغلال كل ضعف وتحطيم كل دافع، وأن تبطل ما يدل على التفرد، وذلك لكي تقضي على تلك الومضة التي تضفي على كل آدمي هويته.

وكان بقاؤنا يعتمد على فهم ما تحاول السلطة أن تفعله وتشارك ذلك الفهم ، كان من المستحيل أن يقاوم الفرد منفردًا ، وكان خطأ السلطة الأكبر هو إبقاؤنا معًا ؛ لأن ذلك قوَّى تصميمنا ، وهكذا عاون الأقوياء مَن هم أقل قوة وصرنا جميعًا أقوياء ، وفي النهاية كان علينا أن ن صنع طريقة حياتنا داخل المعتقل. ( ، وكما اعترفت بذلك السلطات فقد كنا نحافظ نحن على النظام أكثر من السجانين"(ص ٢١٠)

ويقول - في مكان آخر - : "إن المعتقل لا يأخذ من الإنسان فقط حريته ، ولكن أيضًا يحاول أن يحرمه من هويته ، فإن الجميع يرتدون نفس الملابس ، ويأكلون نفس الطعام ، ويتبعون نفس برنامج الحياة اليومي ، وإن الدولة المتسلطة فقط هي التي لا تسمح باستقلال الإنسان وتفرده" (ص ١٨٠)

يتبع >

castleعرض الملف الشخصي الخاص بالعضـــــــوإرسال رسالة خاصة إلى castleإيجاد جميع المشاركات للعضـــــــو castleإضافة castle إلى قائمة الأصدقاء لديك










آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:42 AM رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

من أفكاره ومواقفه :
في المحكمة قال مرة إن أوضاع شعبه الأسود كانت قبل قدوم البيض عيش في سلام وأمن وديمقراطية قبلية بلا ملكيات واسعة ولا استغلال للإنسان ، وكان الشعب بلا طبقات كلهم سواسية وكان ذلك دستور القبائل ومجالها وذلك التاريخ والحرية هو الذي يلهمه موقفه الآن .
وقال إن حياتي في الخفاء أصعب من حياتي المحتملة في السجن في الهم ، وإن تحدينا كان بسبب أعمال ومواقف الحكومة ، وإن آخرين قبلي قد دفعوا ثمن معتقداﺗﻬم وآخرين أكثر سيدفعونه بعدي ، ثم ختم قائلا : "إن الشيء الوحيد الذي هو أقوى من كراهيتي للظروف البشعة التي سأخضع لها في المعتقل هو كراهيتي للظروف البشعة التي يخضع لها مواطنيَّ خارج السجون في عموم البلاد ، وبعد انتهاء مدة الحكم عليَّ فسأواصل المعركة لإﻧﻬاء تلك المظالم حتى تختفي إلى الأبد " (ص ١٧٧ ) ، وقد عمل إلى أن أخفاهاإلى الأبد .
وكان يرى أن النظام الظالم لا يمكن إصلاحه ، ولكن يجب التخلص منه .
وقال مرة - في زمن المفاوضات معه - : "إذا خرجت من السجن في نفس الظروف التي اعتقلت فيها. ( فإنني سأقوم بنفس الممارسات التي سُجنت من أجلها" ! ( ٢٨٧ )

التفاؤل والأمل
يقول : "كنت حينذاك مهمشًا ، ولكنني كنت أعلم أنني لن أتخلى عن المعركة ، كنت في بيئة مختلفة وصغيرة ، حيث الجمهور هو أنفسنا وسجانونا . ولكنَّا نظرنا للمعركة داخل المعتقل كصورة مصغرة للمعركة ككل ، فقد كانت هناك - في السجن - نفس العنصرية ، ونفس الاضطهاد -كالتي في خارج السجن - . ولم يدر في خلدي قط أنني لن أخرج من السجن يومًا من الأيام ، وكنت أعلم أنه سيجئ اليوم الذي أسير فيه رجلاً حرًا تحت أشعة الشمس والعشب تحت قدمي ؛ فإنني أصلا ً إنسان متفائل ، وجزء من هذا التفاؤل أن يُبقى الإنسان جزءًا من رأسه في اتجاه الشمس وأن يحرك قدميه إلى الأمام .
وكانت هناك لحظات عديدة مظلمة اختبرت فيها ثقتي بالإنسان بقوة ولكنني لم أترك نفسي لليأس أبدًا .
. ( فقد كان ذلك يعني الهزيمة والموت" ( ٢١١
ويعترف في مكان آخر أ نِهُ أُصيب بمرض يجعل عقله ينقله إلى لحظات فرح وحزن غامرين ، ويُخيَّل إليه في تلك الأحوال مرة أنه أطلق وأنه يسير في الشوارع والبيوت التي أحبها ، وبُخيَّل إليه أيضًا أنه يدخل منازل أشباح !
ولم ييأس مانديلا وصحبه ؛ فقد كان زعيم المؤتمر المطارَد - أوليفر وأتباعه - يجوبون العالم كله ؛ يشرحون للناس عنصرية جنوب إفريقية ، وشرها المدمر للإنسانية ، وكانت صور مانديلا في كل مكان مع طلب بالإفراج عنه ، كنت أدرس في معهد اللغة بالجامعة وأرى اللوحات بأيدي الطلاب وعلى الشوارع ومواقف الحافلات ولم أكن أفهم وقتها معنى تلك اللوحات ، ولا لمن هي وبعد فترة وأسئلة عرفت عن وجود أناس ناشطين في الجامعة يطالبون بحرية أسود معتقل في جنوب إفريقية ، ويتعاطفون معه ضد الحكومة العنصرية . نعم ، كانت هناك دول تتعاطف مع المؤتمر والسود ، ولكن السود في جنوب إفريقية لو لم يحرصوا على حريتهم ، وإﻧﻬاء التمييز ضدهم في بلادهم لما أهداها لهم العالم الخارجي . ولو لم يموتوا في سبيل حريتهم ويهتموا بحقهم لما سمع عنهم أحد ، أو لو سمع لأٌُسكِت بالذهب الإفريقي الأحمر الذي استُخلِص بعرق المواطنين المساكين .
ولكن العزيمة القوية والصبر والاستمرار والإعلام المنشط للوعي والمثور للضمير ، وكثير من عشاق الحرية في العالم وقفوا إلى جانبهم وسخروا الإعلام العالمي لمصلحتهم ، حتى أصبحت الأخبار التي تُنتشر ترهب السجانين أنفسهم وليس الشعب المسجون ، ومن أمثلة التهويل الإعلامي لصالحهم ما ذكره مانديلا حين قال إنه شكى مرة لزوجته وندي : "أن الحذاء الذي تسلمته أصغر من حجم قدمي ، وسمعت بعد ذلك أن التقارير قالت إنه ستُجرى لي عملية لبتر إصبع قدمي ، وجاءت محامية لرؤية قدمي سليمة ،
وحدث أن شكونا من رطوبة الغرف ونشرت الصحف أن زنزاناتنا قد أغرقتها المياه " (ص ٢٨٣)، وقد واجهت حكومة الأفريكانو الهجين هذه الضجة الإعلامية بتعتيم كامل على قضية مانديلا وصحبه ، يحاصرون أخباره ويمنعون نشرها ويبعدون ذكره بكل طريقة ، ويحاولون - على طريقة المستبدين الأقزام - إشغال الناس بسماع أخبار منجزاﺗﻬم وذكر أسمائهم هم وقد بقي كلامه محرمًا في بلده على قومه لمدة عشرين عامًا (ص ٢٨٧). ولكنهم في النهاية ينفقون أموال الدعاية وتكون عليهم حسرة ثم يُغلبون ويخرجون أو يستسلمون للسلطة الجديدة.
ومع هذا فقد كانت حملة المؤتمر الإفريقي لمناصرة مانديلا وصحبه كبيرة متنوعة ، شملت بقاع العالم الواسعة . وعمل المؤتمر على أن يحصل مانديلا على جائزة ﻧﻬرو في الهند ، وحضر أوليفر رئيس الحزب لتسلمها نيابة عنه .
ولم يفتّ السجن في همته على الرغم من قسوته ، وربما ساعده على ذلك كثرة العدد المعتقل وعالمية الدفاع ووضوح القضية .
يقول لهم مرة : "إذا خرجت من السجن في نفس الظروف التي اعتُقلت فيها فإنني سأقوم بنفس الممارسات التي سُجنت من أجلها " (ص ٢٨٧ ) ؛ ولذلك كان "مانديلا" يؤكد أن تجربة النضال في جنوب إفريقية علَّمته أن العنف ليس دائمًا خيارًا منبوذًا عنده ، بل يقول : "إن خمسين عامًا من عدم العنف من جانب المؤتمر لم ينتج عنها سوى القوانين الظالمة ، والاستغلال والاضطهاد للإفريقيين ، وهكذا بدت السياسة التي ﺗﻬدف إلى إقامة الدولة غير العنصرية عن طريق عدم العنف غير مجدية" (ص ١٩٥ ) ؛ فقد أجبرﺗﻬم غطرسة المحتلين العنصريين على المواجهة بوسائل أخرى .
ثم يتواضع ويتفلسف ، فيقول - عن علاقته التي انتهت وبزوجته إلى الطلاق - : "لكني مقتنع أن حياة زوجتي أثناء وجودي في السجن كانت أصعب من حياتي ، وكانت عودتي أكثر صعوبة بالنسبة لها .
فقد تزوجتْ رجلا ً سرعان ما تركها وصار ذلك الرجل أسطورة ، وعند عودة الأسطورة إلى المنزل ظهر أنه مجرد رجل " (ص ٣٤٧ ) ، وهنا لمسة تواضع جميلة ؛ فقد قل عنده الغرور الذي يركب مَن كان في مثل إنجازه .

المعتقدات الراسخة :
ساق الكتاب بلا ﺗﻬويل - كالذي حدث في بعض الكتب التي تصف ملامح السجون العنصرية - أنواعًا من العذاب الدائم والتصميم المستمر عنده وعند صحبه على المواجهة والتعلم والتطور وترقية القدرات العلمية والعقلية ، وقد حصل على شهادة جامعية في السجن . ويقول : "أما جسم الإنسان فيتكيف مع أي ظروف قاسية ، كما أن المعتقدات الراسخة هي سر البقاء في ظروف الحرمان " (ص ٢٢٦ ).
ويقارن هذا بما ورد عند فرانكل - في كتابه "الإنسان يبحث عن معنى " - : "إن السجين الذي فقد ثقته بمستقبله وبالمستقبل عامة يكون قد حكم على نفسه بالفناء . وهو مع فقدانه للثقة بالمستقبل يفقد تماسكه. ( المعنوي ، ويكون بذلك قد ترك نفسه للتدهور، وأصبح عرضة للاﻧﻬيار العقلي والجسمي" (ص ١٠٥ )
إن أمانة الكلمة والموقف ، وصحة التوجه والقصد ، تُلزم الشرفاء المخلصين وزعماء الأمة ودعاة الحق أن ينادوا بحرية الأمة وزرع أخلاق العزة والاستقلال وكرامة الأنفس والحرمات والأعراض والبيوت من أن تكون ﻧﻬبًا مستباحًا ، فلم يستبِحْ الغزاة دول وأقطار المسلمين وحرماﺗﻬم وأعراضهم وثروﺗﻬم وحدودهم إلا لأﻧﻬم قد قبلوا قبل ذلك بمستبيح مستبد صغير ، لا يرعى لهم حرمة ، ولا يقدر لهم قدرًا ولا دينًا ؛ ولأﻧﻬم سكتوا عن طلب العدل والحرية والمساواة، فلم يعرفوها ولن يرَوْها ولن يذوقوها حتى يدفعوا ثمنها.
والله غالب على أمره .

المصادر:
موسوعة ويكيبيديا
والروابط التالية:

مؤسسة نيلسون مانديلا
معلومات عن نيلسون مانديلا
صفحة المؤتمر الوطني الأفريقي الخاصة بمانديلا






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:42 AM رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

مهاتير محمد نجاح بلا حدود


مهاتير محمد

الرجل الذي قاد مشروع التنمية الماليزي وخطط له، ونجح في وضع ماليزيا على هذا المسار منذ عقود هو مهاتير محمد، وهو سياسي إسلامي له فهم وإدراك خاصين للإسلام يتسمان بالواقعية، ويبدوان أقرب في التسمية إلى"العلمانية المؤمنة"أي بناء نظام سياسي إسلامي قوي، لكن بتفسير متقدم للإسلام، مختلف تماما عن طرح الأحزاب الإسلامية العربية.
كما يحدد مهاتير طبيعة العلاقة بين الإسلام والحركة السياسة في ماليزيا بـ"التعايش"، والتي تعني التسليم بقدر من التقبل المشترك من قبل الحركة للإسلام ومن قبل الإسلام للحركة.

ومع الإقرار بدور مهاتير محمد في التنمية الاقتصادية الماليزية، إلاّ أنَّ قراءة التجربة الماليزية في السياق الكلي مع التجارب الآسيوية الأخرى (الأندونسية والكورية والسنغافورية والصينية واليابانية) -وكلها تجارب اقتصادية وتنموية ناجحة على الرغم من تعدد الأديان واختلاف سمات النظم السياسية- تبرز أن الإسلام يمكن أن يكون عاملا مساعدا في التجربة الماليزية، لكنه ليس العامل المحفز الرئيس الذي يمكن أن نعزو له نجاح تلك التجربة. في هذا السياق، يرجع العديد من المثقفين نجاح التنمية في تلك الدول إلى "الثقافة الآسيوية" التي تقدس الجماعة والعمل والإنجاز والوقت .
بالعودة إلى ماليزيا، فإن ما يمكن الوقوف عنده هو دور الإرادة السياسية، ودور العامل الثقافي-الاجتماعي في التنمية. وأحد أهم استحقاقات المقارنة والإفادة من التجربة الماليزية "عربيا" هو أهمية بناء تفسير وإدراك للإسلام يدفعان المجتمع إلى العمل والعطاء وروح النظام والعمل الجماعي التنموي، وهو ما يلقي عبئا كبيرا على دور المثقفين والفقهاء.
في المحصلة، لا يمكن استنساخ التجربة الآسيوية، لاسيما مع وجود خصوصية العامل الثقافي هناك، لكن ما يمكن استخلاصه من المقارنة أن هناك "إطارا ثقافيا للتنمية الاقتصادية" لابد من الوصول إليه في العالم العربي. هذا هو التحدي المطروح، ليس على الحكومات أو المثقفين فحسب، بل على الحركات الإسلامية العربية التي ذهبت بعيدا في شواغل السياسة عن فكر التنمية الاقتصادية. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق ومن أعظم القادة السياسيين والاقتصاديين في آسيا، استطاع تغيير وجه ماليزيا وتمكن من أن ينهض بها تنموياً ويجعلها في مصاف الدول الاقتصادية المتقدمة، حيث تمكن من الانتقال بها من مجرد دولة زراعية تعتمد على تصدير السلع البسيطة إلى دولة صناعية متقدمة، فأصبح الفكر التنموي للزعيم الماليزي مهاتير محمد مثلاً يحتذي به العديد من القادة والسياسيين والاقتصاديين في جميع أنحاء العالم.

ولد مهاتير محمد في ديسمبر عام 1925م بولاية كيداه بماليزيا، وتلقى دراسته بكلية السلطان عبد الحميد، ثم درس الطب بكلية " المالاي " بسنغافورة والتي كانت تعرف بكلية الملك إدوارد السابع الطبية، وقام بدراسة الشؤون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1967م.

حياته العملية
قام السيد مهاتير بعد تخرجه بالعمل بالطب في عيادته الخاصة والتي كان يقوم بعلاج الفقراء بها مجاناً، كما عمل كضابط طبيب بسلاح الخدمات الطبية، عرف مهاتير باتجاهاته السياسية، فعرف بانتمائه لتنظيم اتحاد الملايو حيث تدرج فيه من عضو المجلس الأعلى لتنظيم اتحاد الملايو الوطني، ثم نائب رئيس له، ثم بعد ذلك رئيس له عام 1981، شغل عدد من المناصب منها: عين مندوب ماليزيا بالأمم المتحدة 1963، عضو برلمان منتخب عن منطقة كوتا سيتار، عضو مجلس الشيوخ، عضو برلمان منتخب عن منطقة كوبانج باسو، رئيس مجلس التعليم العالي الأول ورئيس مجلس الجامعة الوطنية في السبعينات، ثم وزيراً للتربية والتعليم من عام 1974 حتى 1981، نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة والصناعة، رئيس الوزراء ووزير الشؤون الداخلية 1981 .

مهاتير محمد رئيساً للوزراء
في عام 1970 كتب الدكتور مهاتير محمد كتابا بعنوان "معضلة المالايو" انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمهه بالكسل، والرضا بان تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها.
وقرر الحزب الحاكم في ماليزيا، والذي يحمل اسم منظمة المالايو القومية المتحدة، منع الكتاب من التداول نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها، واصبح مهاتير محمد في نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لابد ان تحظر مؤلفاته.
غير ان مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما،
واتيحت له الفرصة كاملة ليحول افكاره الى واقع، بحيث اصبحت ماليزيا احد انجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي.
حيث وصلت ماليزيا في عهده إلى ذروة مجدها وارتفع نصيب دخل الفرد فيها ارتفاعاً كبيراً، كما تم تقليص حجم البطالة فيها بشكل ملحوظ ، استطاع من خلال منصبه أن يتجه بالبلاد نحو نهضة اقتصادية عالية حيث حقق نسب عالية جدا في معدل النمو الاقتصادي للبلاد، ورسم الخطط بحيث تصبح بلاده بحلول عام 2020 بلد على درجة عالية من التقدم الصناعي .
فقد تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على انتاج وتصدير المواد الاولية، خاصة القصدير والمطاط، الى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من اجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية.
وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور ان انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من اجمالي السكان في عام 1970، اي اكثر من نصفهم، الى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 الى 8862 دولارا في عام 2002، اي ان دخل المواطن زاد لاكثر من سبعة امثال ما كان عليه منذ ثلاثين عاما، وانخفضت نسبة البطالة الى 3%.

الفكر التنموي لمهاتير
تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي ودفع بالمالايا نحوالنهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا لهم، كما دفع بهم لتعلم اللغة الإنجليزية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج وتواصل مع الجامعات الأجنبية، حاول جهده في إطار سياسته الاقتصادية
بتجهيزالمواطن الماليزي بكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية لكي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض مستوى البطالة بين أفراد الشعب، حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع الأمر الذي يعود على ارتفاع مستوى التنمية
الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر، واستطاع أن يحول ماليزيا من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرها إلى دولة صناعية متقدمة، حيث شارك القطاع الصناعي والخدمي في اقتصادها بنسبة 90 %، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا، كما أدى هذا التحول إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.
وأصبحت تجربة ماليزيا في النهضة الصناعية التي قامت بها تحت رعاية مهاتير محمد مثل تحتذي به الدول، ومادة للدراسة من قبل الاقتصاديين.

وجود رؤية للمستقبل
بالطبع لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع باحد افضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو ان الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور او رؤية للمستقبل.

ويرى عبد العزيز محمد المفوض الاعلى لماليزيا في بريطانيا في حوار مع بي بي سي آريبك اونلاين ان مهاتير لم يكن فقط سياسيا يتولى رئاسة الوزراء بل كان ايضا مفكر له كتبه ومؤلفاته، وصاحب رؤية لما ينبغي ان تكون عليه بلاده.
وابرز مثال على ذلك خطة 2020 التي يعتبر مهاتير مهندسها، والتي تقوم على فكرة ان تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة مكتملة البنيان الصناعي، وهو هدف يبدو شديد الطموح، لكن نجاح ماليزيا في النمو بنسبة 6.7% في الفترة من 1971 الى 1990، ثم بنسبة 7.1% في الفترة من 1991 الى 2000 يجعلها قادرة على تحقيق هذا الهدف اذا كررت نفس السيناريو.

سياسة الاتجاه الى الشرق
يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء ان حكومته ادركت تماما اهمية اعتناق قيم ايجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق منذ 22 عاما سياسة النظر الى الشرق، والمقصود بها اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا التي تقوم اساسا على الانضباط الشديد والاخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.

توزان بين الاعراق
من الامور اللافتة للنظر في تجربة ماليزيا قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%.
اعتمد مهاتير في فكره للتقدم بالبلاد على ركائز أساسية ويعد أولها بل في مقدمتها الوحدة بين فئات الشعب حيث إن سكان ماليزيا ينقسموا إلى السكان الأصليين وهم المالايا ويمثلون أكثر من نصف سكان ماليزيا، وقسم آخر من الصينيين والهنود وأقليات أخرى، وأيضاً توجد الديانة الأساسية وهي الإسلام بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية "ولقد نص الدستور الماليزي على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام مع ضمان الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى "، لذلك لزم التوحد بين جميع الأطراف لتسير البلاد كلها من أجل الاتجاه نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها جميع الفئات، والركيزة الثانية في خطة التنمية تمثلت في البحث عن دولة مناسبة تقوم بعملية الدعم لماليزيا في تجربتها نحو التقدم والتنمية وكانت هذه الدولة هي اليابان التي أصبحت من أكبر حلفاء ماليزيا في مشروعها نحو التنمية والتقدم، وثالثاًُ العمل على جذب الاستثمار نحو ماليزيا وتوجيه الأنظار إليها، كما قام مهاتيربإدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها حتى يتم الانتقال بالبلاد سريعاً إلى مرحلة أخرى أكثر تقدماً وأيضاً لتحقيق إمكانيات التواصل مع العالم الخارجي.

ازمة 1997
اكد مهاتير دائما رفضه لفكرة العولمة حسبما تقدمها او تفسرها الولايات المتحدة، ذلك لانها ستؤدي الى فتح اسواق الدول النامية امام الشركات الامريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الامر باستمرار احتكار الشركات الكبرى.
ويرى مهاتير انه لا يجب ان تقبل اي افكار او سياسات لمجرد انها صادرة من الغرب، وطبق افكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي اوصى بها صندوق النقد الدولي اثناء ازمة الاسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا.
فقد تعرضت العملة الماليزية، وهي الرينجيت، الى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة الى خارج ماليزيا، وبدا ان النجاح الذي حققته على وشك التحول الى فشل. وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف الى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين، وفرض اسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما.
ورغم ضغوط الصندوق، اصر مهاتير على سياسته التي اثبتت الايام انها كانت ناجحة حتى ان دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الاعلام العالمية، حسبما يقول مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الازمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي.

مشكلات سياسية
تعرض الزعيم الماليزي مهاتير محمد للعديد من الانتقادات على مدار حياته السياسية حيث وصفه البعض بالديكتاتور ولكن جاء قرار استقالته وهو في قمة مجده لينسف هذا المعتقد حيث لم يستأثر بالحكم على الرغم من النجاح الساحق الذي حققه أثناء حكمه للبلاد، وظل مثيراً للجدل من قبل الغرب نظراً لتصريحاته اللاذعة الشديدة اللهجة دائماً.
وكانت أكثر هذه التصريحات جرأة وإثارة لغضب الغرب تلك التي كانت في القمة الإسلامية التي عقدت في ماليزيا حيث انتقد اليهود بشدة في كلمته التي ألقاها حيث أشار لسيطرتهم على القرار الدولي وقيامهم بإشعال نيران الحرب ضد المسلمين.
اوضح تقرير خاص لمجلة الايكونومسيت عن تجربة ماليزيا في عهد مهاتير محمد انه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، الا ان تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور اي زعيم قوي، وبدا الامر وكأن مهاتير لن يتقاعد ابدا.

لقد اختار مهاتير في عام 1986 صديقه لسنوات طويلة موسى هيتلم نائبا له، الا انه استقال بعد خمس سنوات بسبب خلافه المستمر مع مهاتير، ووصفه الاسبوع الماضي بانه "رجل عنيد جدا".
ثم اختار مهاتير انور ابراهيم للمنصب الشاغر، وتكرر السيناريو ليرحل ابراهيم بعد خمس سنوات اثر خلافات حادة مع مهاتير، لكن الرحيل هذه المرة كان مدويا اذ صحبته اتهامات لابراهيم بالفساد والشذوذ الجنسي انتهت به الى السجن حتى الآن.
ويرى كثير من المراقبين ان مهاتير قرر انهاء الحياة السياسية لابراهيم بهذه الاتهامات، التي انكرها ابراهيم باستمرار، بعد ان اشتد الخلاف بين الرجلين.
واخيرا وقع الاختيار على عبد الله بدوي لخلافة مهاتير، ويبدو ان بدوي تعلم من التجربتين السابقتين فعاش تحت ظلال مهاتير دون خلافات او مشكلات ظاهرة حتى تولى منصب رئيس الوزراء في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2003.
وبالاضافة الى مشكلاته السياسية الداخلية اثار مهاتير ايضا جدلا سياسيا خارجيا مستمرا بآرائه التي ينتقد فيها الغرب بشكل عام والولايات المتحدة واستراليا بشكل خاص، واخيرا تصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها ان اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم.
ولكن هل يعني تنحي مهاتير عن منصبه انه سيتوقف عن ممارسة دور في الحياة السياسية الماليزية؟
يقارن تقرير "الايكونوميست" بين تجربة مهاتير في ماليزيا وتجربة رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كون يو الذي حول جزيرته الصغيرة الى عملاق اقتصادي وصناعي، واستمر في الهيمنة على الحياة السياسية في بلاده بعد تقاعده.
ونظرا لان مهاتير عبر دائما عن اعجابه بتجربة لي كون فمن الممكن ان يسلك مسلكه ويستمر في ممارسة دور في الحياة السياسية لبلاده.
وهذا يعني انه ربما يكون هناك فصل آخر في تجربة مهاتير قد يتم عرضه في السنوات القادمة.

اعتزال الحياة السياسية



مهاتير مع رئيس الوزراء الجديد عبد الله بدوي

قرر الزعيم الماليزي الانسحاب من السلطة وهو في قمة مجده بعد أن استطاع نقل البلاد إلى مرحلة جديدة متقدمة من النهضة الاقتصادية، وبعد قيامه برئاسة الوزراء لمدة 22عاماً، وكان زعيم حزب الأغلبية في البرلمان الماليزي، فقد قرر اعتزال الحياة السياسية عام 2003 بعد أن أثبت للعالم إمكانية قيام دولة إسلامية بالنهوض اقتصادياً بالاعتماد على شعبها والوحدة والتآلف بين جميع أفراده بمختلف ديانتهم وأعراقهم، قام مهاتير محمد بتسليم مقاليد البلاد لخليفته عبد الله أحمد بدوي وهو في قمة نجاحه، وأصبح بعد ذلك الرجل الاقتصادي الحكيم والذي يعد منهجه السياسي والتنموي مرجع للعديد من السياسيين والقادة في بلاده وفي جميع أنحاء العالم .

مهاتير اختار بدوي بعد خلافه مع سابقيه
وقد يبدو هذا مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير رأى دائما ان ثقافة العمل في اليابان بشكل خاص هي الانسب لثقافة وتكوين بلاده.

مهاتير في اليوم الاخير لرئاسة الوزراء
ويقول عبد العزيز محمد انه اثر الصدامات العرقية التي وقعت عام 1969، ادرك الماليزيون ان استمرارها يعني ان يخسر الجميع، ومن ثم استطاع قادة المجموعات العرقية ايقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر بعدها الى اليوم.
ويضيف ان التحالف الحاكم يضم 14 حزبا تمثل مختلف المجموعات العرقية، وهذا يعني ان المالايو، وهم الاغلبية، قبلوا المشاركة في السلطة لا الاستئثار بها. وهذه المشاركة هي التي ضمنت انتقال السلطة بسهولة من مهاتير الى خليفته اذ انه انتقال داخل اطار النظام وليس تغييرا للنظام.

مؤلفات له وعنه
قام مهاتير محمد بتأليف كتاب " معضلة الملايو" عام 1970م، وهو الكتاب الذي أثار ضجة وقام فيه بانتقاد الشعب المالاوي واتهمه بالكسل ودعا فيه الشعب لثورة صناعية تنقل ماليزيا من إطار الدول الزراعية المتخلفة إلى دولة ذات نهضة اقتصادية عالية، ولقد تم منع الكتاب من قبل منظمة المالايو القومية المتحدة ولكنه استطاع أن يتجاوز هذا وبدأ يظهر كشخصية سياسية لها فكر مختلف حتى وصل لرئاسة الوزراء عام 1981م.
كما قام بتأليف عدد آخر من الكتب منها كتاب " صوت ماليزيا"، و"صوت آسيا – زعيمان أسيويان يناقشان أمور القرن المقبل" هذا الكتاب الذي قام بالمشاركة بتأليفه مع السياسي الياباني شينتارو اشيهار.
وقد قام عدد من المؤلفين والكتاب بتناول حياة الزعيم الماليزي مهاتير محمد والتجربة الماليزية سواء في مقالتهم أو كتبهم نذكر منهم الكاتب والصحفي الفلسطيني الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد والذي قام بتأليف كتاب عنوانه " مهاتير محمد .. عاقل في زمن الجنون " حيث يستعرض فيه التجربة الماليزية والظروف التي عاشتها وكيفية تغلبها على الأزمات التي واجهتها، كما ركز في الكتاب على شخصية مهاتير محمد وفلسفته ورؤيته الاقتصادية والسياسية والإسلامية خلال فترة رئاسته للوزراء.


مقتطفات من الطبعة الرابعة من كتاب:

"مهاتير محمد.. عاقل في زمن الجنون"

تأليف د. عبد الرحيم عبد الواحد


يبدى الكاتب إعجاباً شديداً بمهاتير منذ الحروف الأولى لكتابه حيث يقول في مقدمته: "بهامته الشامخة كما هي ماليزيا، وبساطته وتواضعه، يسطر الدكتور مهاتير أروع الأمثلة الإنسانية التي جاءت وليدة قناعاته ونظرياته وفلسفته الحياتية، حيث قاد بلاده إلى النهضة والتطور ومن ثم إلى بر الأمان بعد مشوار طويل من التضحيات.
ينقسم الكتاب إلى 10 أبواب و42 فصلاً، تناولت كافة مفردات التجربة الماليزية الغنية بتجارب مثالية نادرة الحدوث في عالم اليوم، كما أوضحت أسباب ووسائل الزعيم الماليزي في النهوض ببلاده منذ عام 1981 وحتى استقالته عام 2003م.

الباب الأول
بدأ المؤلف كتابه من حيث أنهى مهاتير حياته السياسية بكلمته المثيرة للجدل حول اليهود والسامية خلال خطاب استقالته، على هامش انعقاد الدورة العاشرة لمؤتمر "القمة الإسلامي" في العاصمة الماليزية كوالالمبور في 18 أكتوبر 2003م، حيث خصص الباب الأول "الاستقالة واليهود... مشهد الحقيقة"، أشار فيه إلى المزاعم والافتراءات التي تعرض لها مهاتير وغيره من الساسة وكبار الشخصيات التي تعرضت للاضطهاد اليهودي بسبب كشفهم لحقائق الواقع. وفي الوقت نفسه حفرت استقالة مهاتير في ذاكرة الشعوب الماليزية والعربية والإسلامية والعالمية، مبادئ ومواقف مشرفة ستظل لعقود مقبلة نبراساً وأسلوباً متميزاً في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد والطب. فبعد 22 عاماً من السلطة، جاء الاستخلاف السياسي في ماليزيا بطريقة فريدة مثالية قلما تجدها في عالمنا الثالث، حيث تنازل مهاتير عن منصبة وهو في أوج قوته ومكانته السياسية والاقتصادية.

الباب الثاني
ولم يكن موضوع الباب الثاني من الكتاب سوى دليل آخر على شجاعة مهاتير وثباته على المواقف حيث تعرض الكاتب لمزاعم اليهود بما يسمى بمعاداة السامية، وتدفعنا تلك المواقف اليهودية والمؤيدة لها إلى التساؤل: لماذا صمتت الدول الغربية وغيرها، ولا تزال، ومنذ زمن بعيد تجاه الإهانات والهجمات والإساءات التي يتعرض لها الإسلام بل والنبي محمد {.

الباب الثالث
ويخصص الكاتب الباب الثالث للشأن السياسي الماليزي، وذلك بطرح قضية حساسة وشائكة للغاية، وخاصة أن طرفها الآخر المفرج عنه من المعتقل حديثاً أنور إبراهيم النائب السابق لمهاتير، حيث يطرح قضايا وتوجهات ومواقف الأحزاب الإسلامية والقومية المعارضة ورؤيتها الخاصة لبناء ماليزيا الإسلامية.

الباب الرابع
ويتحول الكاتب في بداية الباب الرابع للحديث عن سياسة مهاتير، مبيناً الإنجازات والمواقف التي ساهمت في بناء ماليزيا، وكيف استطاعت ماليزيا تحقيق مثل تلك النجاحات فيما فشل الآخرون الذين لم يعانوا مثلما عانته ماليزيا طائفياً وسياسياً واقتصادياً. وعبر تسعة فصول، يعرض الأول للأسباب التي من أجلها استحق مهاتير ثقة شعبه، وفي الفصل الثاني نبحث في التوجهات التي انتهجها مهاتير، وتمثلت في الاقتداء بالسياسة اليابانية لبناء دولته ثم يتناول الفصل الثالث مظاهر وأسباب الوحدة التي تتمتع بها ماليزيا، أما الفصل الرابع فيبين أسلوب الخصخصة ودوره في تنمية الاقتصاد الماليزي، ويعرض الفصل الخامس للرؤى والتصورات المستقبلية التي يراها مهاتير في بناء ماليزيا الجديدة بحلول عام 2020م، وتكملة لذلك يأتي الفصل السادس ليحكي قصة ماليزيا مع التكنولوجيا والمعلومات ودورهما في بناء مستقبل الأجيال المقبلة، ثم يتناول الفصل السابع مزايا التحولات التي عاشتها ماليزيا خلال السنوات الماضية، فيما يحدد الفصل الثامن الأساليب والوسائل التي انتهجتها القيادة الماليزية لمواجهة الأزمات المالية التي تعرضت لها وخاصة عام 1997م، وأخيراً يأتي الفصل التاسع ليشرح فلسفة الدكتور مهاتير الاجتماعية والقيم الإسلامية التي حاول جاهداً لتكون الأسس التي يقوم عليها البناء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الماليزي.


يتبع >






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2009, 11:42 AM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

الباب الخامس
وفي مكان آخر يتناول الكتاب زاوية جديدة من أفكار مهاتير تمثلت في التوجهات والنظريات الإسلامية وارتباطها بالتقدم والتطورات التي وصلت إليها ماليزيا خلال السنوات الماضية، حيث تستحوذ القضايا الإسلامية بكافة أبعادها وصورها المحلية والدولية على نصيب وافر من فلسفة الدكتور مهاتير محمد الذي لم يقصر في دعمها. كما بحث هذا الباب مفاهيم ورؤى الدكتور مهاتير تجاه العديد من المسائل، فالفصل الأول يستعرض مواقف مهاتير الخاصة بالإرهاب وعلاقته بالإسلام، فيما يسهب الفصل الثاني في تفسير تداعيات هجمات 11 سبتمبر 2001م على الولايات المتحدة، ثم يأتي الفصل الثالث لبيان الكيفية التي دعم بها مهاتير الدول الإسلامية في المحافل الدولية، ثم الفصل الرابع الذي يتعرض للمشاركة الماليزية الفعالة في المؤتمرات الإسلامية، وأخيراً يستعرض الفصل الخامس الدعوات الخاصة التي يطلقها مهاتير لتحقيق الوحدة الإسلامية.

الباب السادس
ويشرح الباب السادس المفاهيم ونظريات الاقتصادية التي أرساها مهاتير في التعامل مع كافة القضايا والتحديات الاقتصادية التي تعرضت لها بلاده، حيث ينطلق مهاتير في دعواته الدائمة إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية لتحقيق التنمية من قناعة راسخة بحتمية هذا الأمر للارتقاء بحال الأمة، والنهوض بها من الواقع المأزوم الذي تعانيه إلى المستقبل المنشود والارتقاء بها من خلال مشاريع واقعية تتوفر لها أسباب النجاح.

حديث عن العولمة
ويعود مهاتير للربط بين التحديات الاقتصادية للعولمة وواقع ومستقبل الأمة الإسلامية فيقول: "بالتمعن في تجليات العولمة بشكلها الحالي من اقتحام للحدود القطرية، وإزالة الحواجز أمام حركة رؤوس الأموال وتمكينها من التدفق عبر الحدود دون كابح أو قيد فإنها من دون شك تصب في مصلحة الغرب والشعوب الغربية، ذلك لأننا لم نحسن استثمار الثروات الضخمة.
ويخلص مهاتير إلى طرح رؤية أكثر تفاؤلاً للمستقبل إذا ما تم تكريس التعاون بين الدول الإسلامية فيقول: "نحن فقدنا الكثير من مقدراتنا، لكننا لم نفقد كل شيء، حيث مازلنا نملك الأصول والموجودات، ومقومات القوة الحقيقية، ونحن بحاجة في الوقت الحالي إلى رصد تلك الإمكانيات، والمقومات، ومن ثم العمل سوياً على بلورة الخطط والبرامج التي تمكن من تفعيل استخدامها بأقصى طاقتها للارتقاء بالمردود، ومما لا شك فيه أن العالم الإسلامي زاخر بالمهارات العالية والعقول النادرة التي هاجرت إلى الغرب، ونحن مطالبون بتوفير البيئة الملائمة التي تغري علماءنا بالعودة إلى بلدانهم بما يمكننا من الاستفادة من إمكاناتهم في إعادة بناء أمتنا واللحاق بركب الدول المتقدمة".

مواجهة صندوق النقد الدولي
المطالع لأفكار مهاتير بهذا الشأن يكتشف بجلاء كيف يربط بين مظاهر السياسة المعقدة، والأحداث الجارية، واستجابة ماليزيا الواعية لتطورات وضغوط العولمة، حيث اتبعت سياسات جريئة عندما كانت في أتون الأزمة المالية والاقتصادية في الفترة من عام 1997م وحتى عام 1999م، لصد المضاربة في البورصة ولإنعاش الاقتصاد بعد أن كان على حافة الانهيار فكانت ماليزيا الدولة الوحيدة التي واجهت الأزمة الاقتصادية في ذلك الوقت ورفضت سياسات صندوق النقد الدولي، وابتكرت سياستها الخاصة التي اشتملت على سعر الصرف الثابت وعدم تعويم النقد، وغيرها من الإجراءات... ولعل عدم لجوء ماليزيا إلى "روشتة" صندوق النقد الدولي في مثل هذه الحالات جنب البلاد الاضطرار إلى اللجوء إلى سياسة الباب المفتوح للقوى المالية الأجنبية لشراء الأصول الوطنية كما في الدول الأخرى، ولقد ساهمت تلك السياسات المبتكرة في إنعاش الاقتصاد، الماليزي و في إنعاش الاقتصاد داخلياً، الأمر الذي جعل العالم أجمع يهتم بهذه السياسات، لمعرفة الخيار الماليزي الذي أنقذ البلاد.

موسوعة الدكتور محاضير محمد:
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2009, 12:26 AM رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية




نووور



رووووعة اختياراتك


طرح اكثر من رائع

دعواتى لكى بالصحة والعافية






آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
قديم 03-17-2011, 09:54 AM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: شخصيات سياسية وتاريخية

روووووووووعه

معلومات تاريخية وسياسية قمة الفائدة للجميع

تسلم الايادي حبيبتي
طرح رائع بكل معلوماته الهامة
الله يعطيك العافية
لاتحرمينا من كل جديد لديك
بارك الله فيك






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:35 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator