المبحث الثاني
علاقة الأمن بالتنمية
بعد أن تعرضنا في المبحث الأول لمفاهيم البحث ومشكلته وفرضياته والغرض منه ومنهجه فإننا في هذا المبحث سنلاحظ ماهي العلاقة بين الأمن والتنمية لنرى مدى صحة الفرضية الأولى التي ينطلق منها هذا البحث والتي تنص على أنه ليس بالضرورة أن يكون الصرف على الأجهزة الأمنية على حساب التنمية .
وسبب مناقشة هذه الفرضية وإعطائها جانباً مهماً في هذا البحث لما تتضمنه بعض أدبيات علم السياسة والاقتصاد سواء في مجال التنمية السياسية أو السياسة الخارجية أو الأنظمة السياسية المقارنة أو الاقتصاد السياسي ، فمثلاً في السياسة الخارجية هناك مصطلح يطلق عليه ( مفهوم الخبز والتنمية أو الخبز والبندقية ) حيث يتساءل الباحثون على ضوئه هل الدولة تهتم أولاً بتحقيق الأمن والقوة أم تحقيق الرخاء الاقتصادي ؟
ويرى المحللون في علم السياسة والاقتصاد أن الدولة النامية عموماً والدول العربية خصوصاً يزداد فيها عدد السكان فتقل الموارد الاقتصادية فيتم الضغط الجماهيري على النظام السياسي( في شكل مظاهرات ، شغب ، أعمال عنف..لخ ) فيعمد النظام السياسي إلى اقتصاع جزء من موارد التنمية لصالح الأمن. (النملة،محاضرة،عام 1418هـ )
ومن المقولات كذلك حول الأمن والتنمية ( أن معدل بناء السجون والمعتقلات والمعسكرات وأبراج المراقبة ونقاط التفتيش وأجهزة المخابرات اكبر من معدل بناء المستشفيات والمدارس والخدمات الاجتماعية ) ( غليون ، 1993 : 28 )
ومن المقولات كذلك ( أنه يعظم دور الأجهزة الأمنية في الدولة التقليدية التي يهمها الحفاظ على السلام في الخارج وقمع الفتن والاضطراب وتحقيق الاستقرار في الداخل ).( غليون، 1993:148 )
وخلاصة لهذه المقولات يرى كثير من الباحثين أن بناء الأجهزة الأمنية في الدولة وتطورها يكون حتماً على حساب برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأن الصرف عليها يكون على حساب البرامج الاقتصادية والتنموية ..ولذا يمكن تفنيد هذه المقولات والرد عليها في ضوء النقاط التالية :
أولاً : أن الصرف على الأجهزة الأمنية بسخاء أمر مطلوب لأن الأمن ضرورة من ضرورات الحياة للفرد وللمجتمع والأمة ولذا كان الأمن مسئولية أساسية للدولة لم تستطع التخلي عنها سواء في القدم أو في العصر الحديث ، فالصرف على الأجهزة الأمنية يؤدي إلى الاستقرار ومن ثم يؤدي إلى رفع معدلات الإنتاج الاقتصادي والاستثماري وتشجيع رؤوس الأموال على العمل في الدولة خاصة في زمن العولمة التي سهلت انتقال رؤوس الأموال وأدت إلى نشاط المستثمرين في الدول النامية خاصة الدول التي يتوفر فيها الاستقرار .
ثانياً : أن أجهزة الأمن في الغالب تُبنى بموجب تخطيط مرحلي يراعي فيه نمو السكان والمدن وزيادة المشاكل الأمنية والطوارئ المحتملة .
ثالثاً : أن الأجهزة الأمنية في الوقت الحاضر قد يكون لها استثمارات خاصة تتولى الصرف منها على كثير من برامجها واحتياجاتها كما هو الحال في بعض الدول الغربية أو العربية .
رابعاً : أن الصرف الطارئ على الأجهزة الأمنية ينحصر في الغالب على قطاعات محدودة كقوات فض الشغب أو قوات الطوارئ ونحوها ، أما بقية أجهزة الأمن فهي تتماشى مع برامج التنمية للدولة وأكثرها أجهزة خدمية كما سنرى تمارس اختصاصاتها بانتظام سواء وقت الأزمات أو في الظروف العادية وأصبحت مرافق حيوية لاغنى عنها في أي وقت كأجهزة الجوازات وأقسام الشرطة والحراسات وخلافها كما سنرى في المبحث الثالث من هذا البحث .
خامساً : أن أغلب الدول الآن تأخذ بمبدأ توازن القوى الأمنية فلديها أجهزة أمنية ولديها جيش وحرس وطني أو جمهوري أو جيش شعبي ( الظاهري ، 1996 : 122 ) ونحو ذلك مما يوحد جهود هذه القوى أثناء الأزمات دون تكبد ميزانيات خلاف المعتاد .
سادساً : أن الاتجاه الحديث هو تخفيف الجيوش خاصة في ظل العولمة والهيمنة الأحادية في العالم مما يجعل جزء من ميزانية الجيوش تصرف على أجهزة الأمن دون أن يكون ذلك على حساب التنمية .
سابعاً : أن الاتجاه العالمي اليوم هو البعد عن نظم الحكم العسكرية التي قد تفضل الأمن على التنمية كما يقال فيلاحظ الآن انحسار ( دولة البوليس ) كما تسمى وانتشار دولة القانون علماً بأن كثير من الدول التي كان يطلق عليها دول بوليسية حققت معدلات اقتصادية كبيرة مثل دول جنوب شرق آسيا أو ألمانيا أثناء النازية فأحياناً يكون الاستبداد دافعاً للتنمية كما هو حال الصين اليوم .
ومن هنا نصل إلى إثبات الفرضية التي ترى أنه ليس بالضرورة أن تطوير الأجهزة الأمنية والصرف عليها يكون على حساب التنمية في كل الأحوال للأسباب التي أوردناها آنفاً هذا من ناحية ، ومن ناحية أُخرى فإن دراسة دور الأجهزة الأمنية وعلاقتها بالمجتمع يتطلب دراسة كل دولة على حدة ، فإذا كانت الدول الكبرى تستطيع تحقيق الأمن والتنمية في آنٍ واحد فالدول الصغرى يمكن أيضاً أن تحقق ولو درجة معينة من التوازن بين الأمن والتنمية .
ودول العالم الثالث عموماً والدول العربية خصوصاً تختلف من حيث نظم الحكم والظروف المحيطة بكلٍ منها ، فالنظم الملكية لها طابع خاص حيث أنها تعمد إلى تخفيف الجيوش وعدم المبالغة في بناء الأجهزة الأمنية والسجون إلا بقدر الحاجة الملحة .
والنظم العسكرية والثورية تختلف ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية فنجد سوريا تختلف عن الأردن وكلتاهما تختلف عن ليبيا وهكذا .
فأرى من هذا المنطلق أن التعميم في مثل مقولات الأمن والتنمية يشتمل على درجة عالية من التجريد لا تخدم الباحث بشكلٍ كبير كما سنرى في المبحث الثالث حيث أصبحت هذه الأجهزة جزءً من تركيبة المجتمع ومنسوبي هذه الأجهزة هم مواطنون من أبناء المجتمع ويشعرون بما يشعر به أفراد المجتمع الآخرين فهم يؤدون رسالة ويقومون بواجب هو واجب الأمن وأصبحت الأجهزة الأمنية مرافق تنموية تقدم الجزء الأكبر من نشاطها في شكل خدمات للجمهور بدءً من تسجيل المواليد والوفيات وصرف البطاقات الشخصية وانتهاء بمنح الجنسية وتسهيل إجراءات السفر في المنافذ والمطارات والموانئ .
أولاً : موقع الأجهزة الأمنية في النظام السياسي :
ترتبط الأجهزة الأمنية في معظم دول العالم إن لم تكن جميعها بوزارة الداخلية إحدى مكونات السلطة التنفيذية في الدولة سواءً في ارتباطها الإداري أو في تسلسل قنواتها الفنية الممتدة بين جميع أجهزة الأمن وبين السلطة التنفيذية مروراً بوزارة الداخلية المسئولة عن الأمن وبناء الأجهزة الأمنية والرقابة على أعمالها . حيث تشمل الأجهزة الأمنية جميع القطاعات والإدارات المختصة بممارسة المهام المختلفة التي سنتحدث عنها في المطلب اللاحق وترتبط جميعها بوزارة الداخلية حيث يكون الوزير ومساعدوه هم المرجع الإداري للأجهزة الأمنية ويُسأل عنها أمام النظام السياسي ويمارس صلاحياته التي يخولها له النظام ويقوم بجميع ما يلزم تجاه الإشراف على أعمال الأجهزة الأمنية ويُسأل عن تطورها ورفع مستوى كفاءتها الفنية والمحاسبة القانونية على أخطاء العاملين فيها وهو مسئول كذلك أمام رئيس السلطة التنفيذية ( في الأنظمة الرئاسية أو القريبة منها ) أو رئيس الوزراء ( في الأنظمة البرلمانية ) أو في النظم الملكية كـ ( المملكة العربية السعودية ) .
ومن هنا يتضح أن الأجهزة الأمنية تعتبر من أهم أجهزة السلطة التنفيذية في الدولة وتحظى بمكانة هامة سواءً في القديم أو الحديث فقد لاحظنا في اللمحة التاريخية حول الشرطة كيف يتم اختيار صاحب الشرطة من قبل السلطان أو الخليفة بمواصفات معينة لأهميتها في تكوين الدولة وضرورة أعمالها للنظام السياسي .
ونلاحظ في الوقت الراهن كيف أنه حتى لدى غلاة الرأسمالية والديمقراطية يظل العمل الأمني من أهم واجبات الدولة حيث ترتبط أهمية الأجهزة الأمنية ومكانتها في الدولة بمدى أهمية الدور الذي تؤديه وهــو الدور الأمني الذي لا غنى عنه في أي مجتمع بشري في القديم والحديث فطالما أن الأجهزة الأمنية جزءٌ من بناء النظام السياسي فالنتيجة هي أن تطور الأجهزة الأمنية الإداري والفني يُسهم حتماً في تطور الدولة خاصةً وأن تطور النظام السياسي في الدولة ينعكس تطوره على الأجهزة التي تقع تحته وترتبط بما في ذلك أجهزة الأمن في الدولة وينعكس ذلك على تطور المجتمع وتنميته باعتبار الأمن أساس للتنمية ومقومٌ هام من مقومات البناء الاجتماعي .
ثانياً : علاقة الأجهزة الأمنية بالأجهزة الأخرى في الدولة :
ترتبط الأجهزة الأمنية بعلاقة عمل مع جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة لكون العمل الأمني يمكن أن يتم في أي موقع داخل الدولة بما فيها مواقع تلك الأجهزة والمؤسسات لو حدث داخلها أو حولها إخلال أمني من أي نوع ( قتل ، اعتداء ، تفجيرات ، إضرابات ، توزيع منشورات معادية للدولة ، ومخالفة للمبادئ الدينية والأخلاقية ، نشر قيم وأفكار منحرفة...إلخ ).عند ذلك تستطيع أجهزة الأمن أن تمارس دورها في أي جهاز أو مؤسسات حكومية أو غير حكومية كالشركات أو المؤسسات الفردية والبنوك والأسواق .. إلخ .
ويفترض التعاون الأمني وجود علاقة بنّاءة ووثيقة بين أجهزة الأمن وبين جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها وكذلك بين الأجهزة الأمنية والمؤسسات والشركات الخاصة لكون الأمن ضرورة للجميع وذلك لا يتم إلا إذا ارتقى الوعي الأمني لدى الجمهور وعامة الناس وخاصتهم كما هو الحال لدى الدول المتقدمة التي تنظر لرجل الأمن بأنه مواطن صالح يحمي الأخلاق والحقوق والأمن ورفاهية الشعب (الحميدان ، 1414هـ : 43 ) ولا ينظر له بعين الشك والريبة كما هو الحال في بعض دول العالم الثالث نتيجة رواسب الأنظمة العسكرية والاستبدادية التي أوجدت أجهزة أمنية متضخمة مهمتها إذلال الشعب وإخضاعه للقائد ( الملهم ) أو الزعيم الحاكم الذي يرى إمكانية تسخير جميع إمكانات الدولة من أجل بقائه وسلامته .
وسنقتصر هنا على توضيح العلاقة بين أجهزة الأمن وكلٌ من الجيش والمخابرات والإعلام وذلك لقوة العلاقة المفترضة التي تربطها بالأجهزة الأمنية ربما أكثر من أجهزة الدولة الأخرى بسبب طبيعة عمل كلٍ منها وإسهامها في تحقيق الأمن .
1– علاقة الأجهزة الأمنية بالجيش :
الجيش هو الجهاز المعني بحماية الدولة من أي عدوان خارجي فهو يؤمن الدولة من الخارج من خلال ما يملك الجيش من أفراد عسكريين ومن عتاد حربي ( طائرات ، صواريخ ، مدافع ، أسلحة ، ذخائر..إلخ ) ولذلك تشغل ميزانية الدفاع جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة عدا الدول المحايدة التي ليس فيها جيوش مثل سويسرا أو دولة محمية بموجب اتفاقيات دولية كـألمانيا الغربية سابقاً أو اليابان .
فالجيش يقوم بالدفاع عن أرض الدولة والأجهزة الأمنية توفر الأمن في الداخل وهذه المسئولية للدولة من الضرورات التي لا تستطيع الدولة أن تتخلى عنها في القديم والحديث فنجد الأمن والدفاع مسئولية الدولة الحارسة قديماً ومسئولية الدولة الحديثة ، فالأجهزة الأمنية تشكل جدار الأمن في الدولة والجيش يعتبر جدار الأمن القوي الاحتياطي فمتى ما ضعف جدار الأمن الذي تحميه الأجهزة الأمنية وحدث أمور فوق طاقته وإمكاناته ، عند ذلك يتدخل الجيش لإعادة الأمن والاستقرار داخل الدولة والشواهد كثيرة حول تكامل الجيش مع أجهزة الأمن وإن كان الجيش لا يتدخل إلا إذا حدث اختراقات خطيرة تهدد أمن الدولة واستقرارها مثل حدوث مظاهرات وأعمال شغب عارمة لم يعد بإمكان سلطات الأمن إخمادها أو حدوث إضرابات طلابية واعتصامات كبيرة كما حصل في ميدان أيتان في بكين عام 1988م أو كما حصل في إندونيسيا أواخر التسعينات أو في الجزائر في مطلع التسعينات عند ذلك يتدخل الجيش باعتباره جهاز الأمن الأقوى ، وإن كانت كثيرٌ من الدول تحرص على ألا تقحم الجيش في الأعمال الأمنية إلا عند الضرورة القصوى لأن تدخل الجيش يعني أن الأمور الأمنية في الدولة وصلت إلى أخطر مراحلها .(1)
ونظراً للدور الذي يشغله الجيش وأجهزة الأمن في الحفاظ على أمن الدولة واستقرارها فإننا نجد أن الدولة تصرف على الأمن والدفاع بسخاء فمثلاً في المملكة العربية السعودية يُصرف عليها حوالي 61% من ميزانية الدولة ** ومن هنا تتضح قوة العلاقة بين الأجهزة الأمنية والجيش تفرضها طبيعة عمل كلٌ منهما وارتباطهما الوثيق بالنظام السياسي الذي تبقى لقيادته السياسية صلاحية إصدار الأوامر تجاه الجيش أو تجاه أجهزة الأمن مروراً بوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية ومن ثم ينعكس ذلك على أفراد المجتمع الذين يتكون منهم رجال الأمن ورجال القوات المسلحة ويسهم ذلك في تنمية الخدمات الاجتماعية وازدهارها .
2 – علاقة الأجهزة الأمنية بالمخابرات :
تقوم المخابرات بأمن الدولة عن طريق ما توفره معلومات من مصادرها المختلفة ووضعها أمام القيادة السياسية ولذا نجد ارتباطها بالقيادة السياسية مباشرة فمثلاً نجد المخابرات الأمريكية (C.I.A ) ترتبط برئيس الدولة ويختار رئيسها بدقة فائقة . وفي المملكة العربية السعودية نجد الاستخبارات العامة ترتبط بالمقام السامي مباشرةً ، وهذا دليل على أهمية المخابرات ودورها في أمن الدولة واستقرارها فهي حقيقةً جزءٌ من أجهزة الأمن إلا أنها لا ترتبط بوزارة الداخلية كسائر الأجهزة الأمنية فعلاقتها بالأجهزة الأمنية علاقة عمل وتعاون لاتحاد الهدف بينهما وهو الحفاظ على أمن الدولة فالمباحث العامة تقوم بأعمال شبيهة إلى حدٍ كبير بأعمال المخابرات إلا أن نشاطها يتركز داخل الدولة أكثر من خارجها بخلاف المخابرات التي يتركز نشاطها في الخارج أكثر فمثلاً نجد في أمريكا المخابرات (C.I.A ) تهتم بأمن أمريكا في الخارج وحماية مصالحها القومية في أي مكان بينما نجد جهاز المباحث الفدرالية ( F.B.I ) يتركز نشاطه في الداخل ويقوم بين هذين الجهازين تعاون وثيق من خلال التنسيق وتبادل المعلومات والتدريب المشترك .. إلخ . وكل هذه الأجهزة الأمنية والاستخبارات جزءٌ من مؤسسات المجتمع .
3 – علاقة الأجهزة الأمنية بالإعلام :
ترتبط أجهزة الإعلام ارتباطاً وثيقاً بالإعلام سواءً في الدول المتقدمة أو النامية لدور الإعلام في نشر برامج التوعية الأمنية والتعليمات الأمنية للناس سواءً في الأوقات العادية أو أثناء الأزمات فضلاً عن دور الإعلام في تحسين صورة أجهزة الأمن أمام الرأي العام وتنمية العلاقة والتعاون بين المواطن وأجهزة الأمن . كذلك يتم التنسيق بين الإعلام وبين أجهزة الأمن فيما يجب أن ينشر من معلومات تهم أمن الدولة خاصةً في الدول التي يكون الإعلام فيها يخضع لإشراف الدولة وتوجهاتها السياسية والثقافية والاقتصادية . فمثلاً في المملكة العربية السعودية نجد سمو وزير الداخلية هو رئيس المجلس الأعلى للإعلام . وهذا دليل واضح على العلاقة الوثيقة بين أجهزة الأمن ممثلةً في وزارة الداخلية وبين المؤسسات الإعلامية .
كما أن الإعلام يخدم الأجهزة الأمنية عند حدوث اختراقات أمنية فالإعلام عن صور المجرمين أو أسمائهم أو يطلب الإبلاغ عنهم ويوضح عناوين الأجهزة الأمنية والجهات المختصة بتلقي البلاغات . كما يعلن عن المفقودين أو المجهولين الهوية من الأطفال الضائعين أو الموتى والجثث المجهولة . كما يأتي دور الإعلام مهماً في البرامج الأمنية ونشر الثقافة الأمنية في حالات الكوارث بنشر التعليمات الأمنية على الناس وما يجب عليهم أثناء الكارثة سواء في الإعلام المرئي أو عن طريق إذاعة ( FM ) قصيرة المدى التي توظف للتوجيه أثناء الكوارث أو الاختناقات المرورية . ( سلطان ، 1406 : 327-347 )
المطلب الثاني
طبيعة مهام الأجهزة الأمنية
بعد أن رأينا في المطلب الأول موقع الأجهزة الأمنية في النظام السياسي وعلاقتها مع بعض الجهات الأخرى نتناول في هذا المطلب طبيعة المهام التي تقوم بها الأجهزة الأمنية خاصة في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية . لأن الدول الديمقراطية ربما تخضع العديد من مهام الأجهزة الأمنية فيها لشركات خاصة .
بينما في الأنظمة الشمولية قد تشمل الأعمال الأمنية أكثر مما هو من اختصاص أجهزة الأمن حيث تتدخل أجهزة الأمن في دور المؤسسات التعليمية والاجتماعية بل ربما قد تتدخل في اختصاصات البلدية كتحديد الأسعار ونحو ذلك . إلا أن هناك قواسماً مشتركة للعمل الأمني يمكن رصده في أي دولة رغم اختلاف نظمها السياسية والاقتصادية ومبادئها الأيديولوجية .
وفيما يلي سنوضح أهم المهام الأمنية التي تتولاها أجهزة الأمن في الدولة في شكل تنظيري نصل من خلاله إلى الدور الكبير الذي تقوم به أجهزة الأمن مما يجعل الشخص غير المتخصص في العمل الأمني يدرك حقيقة تلك المهام وشموليتها وضرورتها في نفس الوقت لبناء الدولة وتطورها وربطها بمختلف أوجه النشاط البشري داخل الدولة لكون الإنسان يصعب عليه أو يستحيل أحياناً أن يمارس نشاطه المعتاد إلا مع تحقق الأمن ووجود درجة من الكفاءة لأجهزة الأمن التي تعمل على بث الطمأنينة في النفوس نتيجة ما تمارس من أعمال مختلفة تبعث على الأمل ومضاعفة الجهد وترفع معدل الإنتاجية في المجتمع وتتيح الفرصة للإبداع الفكري والثقافي وتعمل على تلطيف المناخ العام لمزاولة وهي التي تهدد أمن المجتمع بمكوناته الفردية والأسرية والتي لا يخلو منها أي مجتمع بشري كجرائم القتل والسرقة والسطو والإجرام المنظم والاغتصاب والتزوير .. إلخ . حيث تتولى أجهزة الأمن التصدي لها من خلال منهجين متكاملين أحدهما وقائي يتمثل في أعمال الدوريات والتحري والمراقبة والتوعية الأمنية وتدريب الكوادر الأمنية واقتناء الوسائل الفنية والعلمية المساعدة على منع الجريمة أو التقليل منها وثانيهما - منهج علاجي يتمثل في التعامل مع الجرائم بعد وقوعها من حيث البحث عن المتهمين والقبض عليهم والتفتيش لأماكنهم وجمع الأدلة المادية والتحري عن المشبوهين ومراقبتهم وإحالتهم لجهة التحقيق في القضايا وفقاً للتعليمات المتبعة في الدولة وحسب القوانين واللوائح المنظمة لعملية الممارسة الأمنية سواءً في الجانبين الوقائي أو العلاجي .
( سلطان ، 1406هـ : 181 )
ب – التصدي للجرائم المخلة بأمن الدولة :
كجرائم خطف الأشخاص أو الطائرات أو القرصنة البحرية أو احتجاز الرهائن أو التفجيرات أو الاعتداء على الشخصيات والمنشآت الهامة في الدولة أو جرائم التجسس على الدولة أو توزيع المنشورات المعادية للدولة أو بث الشائعات المغرضة وترويج الأكاذيب المختلفة بهدف إثارة البلبلة والتشويه لسمعة المسئولين فيها ومحاولة إيجاد الوقيعة بين طوائف المجتمع العرقية أو الدينية وإثارة حقد المواطنين على الدولة خاصةً في الدول التي تعاني من الانغلاق السياسي النسبي كما هو الحال في .(*)
حيث تتولى أجهزة الأمن المختصة من مباحث وخلافها دور معالجة القضايا المخلة بأمن الدولة وذلك أيضاً من خلال منهجين متكاملين أحدهما وقائي ويتمثل في إجراءات المنع أو التقليل من الجرائم عن طريق التحري والمراقبة وزراعة المصادر في الدولة وجمع المعلومات بالوسائل الفنية وكذلك التوعية الأمنية من جرائم أمن الدولة وتعليم الجمهور وسائل الأمن الذاتي كما هو الحال في الدول المتقدمة ورفع مستوى التدريب لرجال الأمن ورفع الروح المعنوية لديهم عن طريق تقرير الحوافز المادية والمعنوية . ويعتمد نجاح العمل الأمني على مدى قدرة الأجهزة الأمنية المختصة على جمع المعلومات الصحيحة ومن ثم تحليلها والتنبؤ على ضوئها ثم بعد ذلك اتخاذ إجراءات المنع والسيطرة ، وهذه القدرات الأمنية تختلف من دولة لأخرى حسب قوة أجهزتها الأمنية وكفاءة رجال الأمن فيها ومستوى تدريبهم ودرجة التقنية العلمية التي يتم توظيفها لخدمة العمل الأمني .(**)
ج – مهام الحراسة الأمنية :
وتشمل حراسة المنشآت والمباني والشخصيات الهامة في الدولة باعتبارها أهداف للجرائم الجنائية والسياسية في نفس الوقت وكذلك أعمال التفتيش في المطارات وسائر المنافذ في الدولة وتأمين المؤتمرات وقاعات الاجتماعات وتفتيشها وتنظيم الدخول وإصدار التصاريح المنظمة سواءً للأشخاص أو المركبات ويشمل ذلك أعمال الجمارك ذات الجانب التفتيشي أو الأمني كالكشف عن الممنوعات كالمخدرات أو الأفلام الممنوعة أو المتفجرات أو بعض أجهزة التقنية الممنوعة بموجب التعليمات أو العملات المزيفة أو الأثريات المسروقة ونحو ذلك من مهام الحراسة التي قد تمارسها أجهزة الأمن الرسمية وقد تتولى جانب منها أجهزة الحماية الخاصة التي تسمى في بعض الدول بالأمن الصناعي أو شركات الأمن الخاصة التي يختلف حجمها ومهامها من دولة لأخرى ويكثر نشاطها في أغلب الدول الغربية .( سلطان 1406هـ : 173 )
د – المهام الطارئة :
كحدوث الشغب أو المظاهرات غير السلمية أو الإضرابات المفاجئة أو الإعتصامات الطلابية أو العمالية أو وقوع كوارث طبيعية مفاجئة بقدرة الله تعالى كالزلازل أو البراكين أو الفيضانات أو العواصف الشديدة .. إلخ . وإن كان هناك جهات مختصة بمباشرة أعمال الإنقاذ وإطفاء الحرائق وخلافها من غير الأجهزة الأمنية ، إلا أن حدوثها يهدد أمن الدولة والأمن العام ويهيئ الفرصة للإخلال بالأمن مما يضاعف دور الأجهزة الأمنية أثناء الأزمات ويجعل كثيراً من الدول تعلن حالة الطوارئ عند حدوث الكوارث لمواجهة الحدث والحفاظ على النظام والأمن العام ومواجهة أي تطورات يفرزها الحدث الطارئ (سلطان 1406هـ : 209-211 )
ثانياً: المهام الخدمية :
وهذه المهام جزءٌ من أعمال السلطة التنفيذية وهي في حقيقتها أعمال أمنية في أكثر دول العالم إلا أنها أيضاً تظهر في شكل خدمات تقدم لأفراد المجتمع تقتضيها حياة الناس اليومية ولا غنى عنها في أي دولة وتختلف من بلدٍ لآخر حسب النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تختلف من بيئة لأخرى وأهم هذه المهام الخدمية ما يلي :
1– أعمال الدفاع المدني : حيث تناط في كثير من دول العالم بوزارة الداخلية كما هو الحال في المملكة العربية السعودية وما يختص به الدفاع المدني من إطفاء الحريق وعمليات الإنقاذ ومباشرة الكوارث الطبيعية وإيجاد الملاجئ الآمنة ، وتكثر مهام أجهزة الدفاع المدني أثناء الحروب والأزمات كحالات الكوارث الطبيعية أو انهيار المباني . فضلاً عن دور الدفاع المدني في السلامة وما يتطلب ذلك من إصدار اللوائح المنظمة للمصانع والمحلات التجارية وإصدار التصاريح بذلك والتأكد المستمر من وجود وسائل السلامة في المصانع والمجمعات السكنية والتجارية .
2– تنظيم المرور : داخل المدن وعلى الطرق الطويلة ووضع اللوحات والإرشادات المنظمة للسير وإصدار الرخص الخاصة بالقيادة للأشخاص أو المركبات إضافةً إلى التصاريح التي تصدر لإصلاح الطرق وكذلك تعقب المخالفين لأنظمة السير وإصدار الرخص اللوائح المنظمة وتحديد العقوبات بحق المخالفين والعمل على تطبيقها .
3– تنظيم السفر والهجرة : وذلك بإصدار جوازات السفر وتأشيرات الدخول والخروج وهذه أعمال في غاية الأهمية لا غنى لأي دولة عنها خاصةً مع تقسيم الناس في الدولة إلى مواطنين وأجانب ومع حرية السفر والعبور ومع تقدم وسائل المواصلات أصبحت أعمال الجوازات في داخل الدولة وفي منافذها المختلفة أمرٌ في غاية الأهمية . ( العمري ، الراشد ، 1412هـ : 64 )
4– إصدار البطاقات الشخصية : للمواطنين عن طريق دوائر الأحوال المدنية وما يتبع ذلك من تسجيل المواليد والوفيات والمتجنسين حديثاً ومن أُسقطت جنسيتهم وتنظيم المعلومات وفهرستها حول المواطنين بشكلٍ يسهل الرجوع لها عند الحاجة وهذا من أهم أعمال الأجهزة الأمنية في الدولة لما له من دور يمس أهم أركان الدولة وهو ركن الشعب وخاصةً المواطنين لما يترتب على ذلك من خصائص ومزايا يتمتع بها المواطنون من حيث التوظيف وتولى المناصب الوظيفية الهامة بما في ذلك الممارسة السياسية .
5– برامج التوعية : التي تنظمها أجهزة الأمن المختلفة سواءً كانت تتعلق بالجوازات ونظم الإقامة والسفر أو كانت تتعلق بتنظيم المرور والسلامة أو كانت تخص الدفاع المدني أو كانت في شكل نصائح للأمن الذاتي للأفراد خاصةً أثناء الكوارث والحروب أو أنها تندرج تحت برامج التنشئة السياسية أو الثقافة السياسية كزيارة المدارس أو إقامة المعارض الأمنية من أجل تعميق التواصل والتعاون بين أجهزة الأمن وأفراد المجتمع .
6– تنظيم الانتخابات : كما في بعض الدول حيث تتولى أجهزة الأمن الإشراف على العملية الانتخابية ومراقبة النتائج لمنع التلاعب أو التزوير فيها وضبط العملية الانتخابية كما هو الحال في أكثر دول العالم الثالث حيث تشرف وزارة الداخلية على العملية الانتخابية .
ثالثاً: المهام الاجتماعية :
تقوم الأجهزة الأمنية بدور اجتماعي كبير يظهر من خلال الإجراءات التالية :
*أ- التوظيف المستمر لرجال الأمن في مختلف أجهزة الأمن وما يتبع ذلك من إنشاء معاهد وكليات للعلوم الأمنية وبناء المدن الأمنية والحضارية والمساهمة في تقليل نسبة البطالة في المجتمع وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لرجال الأمن وأسرهم وتعويضهم عند الوفاة أو التقاعد أو الإصابة أثناء العمل وذلك لأهمية الدور الأمني الذي تمارسه السلطة التنفيذية والذي تسهم من خلاله في تطور وتنمية المجتمع في الدولة . ( سلطان ، 1406هـ : 35 )
*ب- تنفيذ برامج الإصلاح الاجتماعي داخل السجون سواءً في شكل توعية ومحاضرات أو كان في شكل إنشاء دروس تعليمية لإكساب نزلاء السجون مهناً حرفية يستطيعون ممارستها أثناء تنفيذ العقوبات وبعد الخروج من السجن ومن ثم استصلاح العناصر الإجرامية وإعادتهم إلى حظيرة المجتمع الفعال . ويتبع ذلك الرعاية اللاحقة للسجناء بعد خروجهم من السجن للحيلولة دون عودتهم للجريمة ومساعدتهم على تخطي مصاعب الحياة الاجتماعية بعد الخروج من السجن .
*ج- الإشراف على دور الرعاية الاجتماعية للمخالفين الأحداث أو للنساء اللاتي يقعن في الجرائم والمخالفات . ( سلطان ، 1406هـ : 229 – 29 )
رابعاً : المهام التخطيطية :
تساهم الأجهزة الأمنية في تخطيط المدن والمجمعات السكنية سواءً عن طريق مساهمات المرور أو الدفاع المدني ، وكذلك تخطيط الطرق والأنفاق والجسور والحدائق العامة والمرافق الترفيهية .
وكذلك المشاركة في التخطيط الوزاري والإداري وفي تعيين المسئولين في الدولة عن طريق دوائر الأمن المختصة خاصةً ما يتعلق بمعرفة السيرة الذاتية للوزراء والمسئولين في الدولة والتأكد من انتماءاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية .
وتشمل المهام التخطيطية المشاركة في تخطيط المصانع ووسائل السلامة وما يتعلق بصحة البيئة . وكذلك التنسيق مع الجهات ذات العلاقة في الدولة كالبلدية والإسكان وزارة الصناعة والمصانع والمعامل البحثية والطبية في الدولة .
خامساً : المهام العلمية والفكرية :
وتشمل إنشاء المراكز العلمية المتخصصة كالمعاهد والكليات والمستشفيات الأمنية ومراكز البحث العلمي ومراكز نشر الثقافة الأمنية ومن ثم المساهمة في البناء الحضاري والثقافي والعلمي في الدولة فضلاً عن دور المراكز الأمنية في تطور الفكر الإداري لما تتطلبه العملية الأمنية من دقة التنفيذ والالتزام بالمواعيد وما تبثه من روح المواطنة والإخلاص والتضحيات وكل ذلك من أسس وقواعد علم الإدارة . فضلاً عن عقد الندوات والمؤتمرات العلمية وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي بين الدول .(*)
سادساً : مهام أخرى :
ويشمل ذلك ما يُوكل للأجهزة الأمنية من مهام لم تذكر في النقاط السابقة كمراقبة التهرب من دفع الضرائب وحماية الآثار وتأمين السياحة ومكافحة الرشوة والفساد الإداري والتصدي لتزييف العملات وغسيل الأموال وجرائم الحاسب الآلي وخلاف ذلك من المهام المتجددة والمتزايدة من وقت لآخر .
مع العلم أن المهام التي تناط بأجهزة الأمن تختلف من بلد لآخر ومن دولة إلى دولة وفقاً للنظم السياسية والاقتصادية والثقافية التي تحكم الدول ، وإن كانت هذه المهام التي تحدثنا عنها أقرب لما هو مطبق في دول العالم الثالث والدول العربية على وجه الخصوص. وهنا نصل إلى نتيجة مفادها أن الأجهزة الأمنية تسهم بشكلٍ كبير وجوهري في تطور الدولة وبناء المجتمع مما يؤكد صحة الفرضية الثانية في البحث التي تنص على ذلك .
الخاتمة
في ختام هذا البحث يمكن أن نُشير إلى بعض السببيات والتنظيمية والعملية التي جعلت من الأجهزة عبأً على بناء المجتمع وتطوره وربما أعطت انطباعاً مغايراً لما يجب أن تكون عليه من الإسهام في بناء المجتمع بل ربما أصبحت في كثيرٍ من الأحيان عائقاً للتنمية ومؤشراً على تخلف المجتمع وترتبط هذه السلبيات إلى حدٍ كبير بثقافة المجتمع ومستوى الإدارة فيه ودرجة سيادة القانون وتطبيقه في جميع مناحي الحياة المختلفة . ومن هذه السلبيات ما يلي :
- تضخم الأجهزة الأمنية في بعض الدول مع سيطرة البيروقراطية على أدائها خاصةً في جوانب التعامل مع الجمهور كقضايا الحوادث والمرور والوفاة والأموال وخلافها
- إنشاء بعض الأجهزة الأمنية دون ضرورة ملحة مما يتيح عنه صرف جزء من أموال الدولة دون مقابل أمني ملموس . وكذلك المبالغة في التخصص والفصل بين الأجهزة الأمنية مما يسبب الازدواجية .
- انتشار البطالة المقنعة في صفوف رجال الأمن مما يعكس أثراً سلبياً على العمل الأمني فضلاً عن زيادة الأموال التي تصرف على أجهزة الأمن دون مقابل .
- سلبيات التوظيف وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
- نقص مستوى التدريب في صفوف رجال الأمن مما يشكل عيباً كبيراً في تعامل رجال الأمن مع الجمهور وتعاملهم مع القضايا الأمنية .
النتائج والتوصيات
نخلص من هذا البحث إلى بلورة الدور الأمني متعدد الجوانب الذي تقوم به الأجهزة الأمنية وتسهم من خلاله في بناء المجتمع وتطوره لكون الأجهزة الأمنية جزءٌ من مؤسسات المجتمع ويوكل لها مهمة تحقيق الاستقرار المطلوب لمواصلة البناء والتطور في الدولة . وأن بناء الأجهزة الأمنية والصرف المادي عليها ليس على حساب برامج التنمية الاقتصادية بل أن ما يصرف عليها هو جانب مهم من جوانب التنمية للوظائف التي تمارسها الأجهزة الأمنية في وقتٍ أصبحت معظم الدول تحكمها العقلانية وسيطرة القانون والاستفادة مما لدى الآخرين خاصةً مع تشابك مصالح الدول وفي ظل العولمة التي قضت على العزلة كاتجاه دولي كان يسود في بعض الدول في الماضي فأصبحت نشاطات الدولة ( أي دولة ) تحت المجهر العالمي يسهل من خلاله إظهار السلبيات والعيوب في أي بنية من بنى الدولة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ومن ثم تجدر الإشارة في ختام هذا البحث إلى أهمية الأجهزة الأمنية وضرورة الاهتمام بها وإظهار الجانب المشرق في نشاطها والبعد عن المجازفة وتضخيم الأخطاء التي لا يخلو منها أي جهاز أمني في العالم مع اختلاف نسبة الخطأ من بلد لآخر .
ويجب أن ندرك أن الأمن والاستقرار مطلب أولى لممارسة أي نشاط آخر في الدولة فإذا بدأنا تحليلنا من هذ المسلمة فسنعطي في الغالب الأجهزة الأمنية مكانتها الطبيعية ودورها في بناء الدولة وتطور المجتمع ولا نجد غضاضةً في الصرف عليها والعمل على تطويرها ورفع أداء العاملين فيها وبناء جدار الثقة بينهم وبين بقية أبناء المجتمع والبعد بها عن السلبيات التي أشرنا لبعضها وتشكل عائقاً أمام الدور الرائد والمفترض للأجهزة الأمنية في الدولة والمجتمع .
توصيات البحث
على ضوء ما تضمنه البحث من محاور وأفكار علمية وعملية يمكن بلورة التوصيات التالية :
أولاً : أن الأمن مطلب اجتماعي ضروري لا يستطيع الأفراد في أي مجتمع من ممارسة نشاطاتهم المختلفة إلا في حالة توفر الأمن ومن ثم ضرورة الاهتمام ببناء الأجهزة الأمنية وتطويرها .
ثانياً : ضرورة بناء علاقة تعاون وثيقة بين رجال الأمن وبقية أفراد المجتمع لكون رجال الأمن جزء من ذلك المجتمع ليس لهم الانفصال عنه أو العيش في عزلة عن حركة ذلك المجتمع أو ما يتم فيه من نشاطات مختلفة .
ثالثاً : إن الصرف المادي على الأجهزة الأمنية يعتبر جزءٌ من التنمية في المجتمع وأن تنمية تلك الأجهزة وتطورها الحضاري يُعتبر دليلاً على رقي المجتمع وارتفاع قيمة الأمن لدى أفراد ذلك المجتمع .
رابعاً : أهمية التنسيق بين المؤسسات الأمنية وبقية مؤسسات المجتمع المدني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها .
خامساً : بناء الأجهزة الأمنية على الواقعية وحاجة المجتمع والبعد بها عن التضخيم والزيادة المفرطة في بناء الأجهزة الأمنية على مختلف تخصصاتها وواجباتها .
سادساً : ضرورة النهوض بمنسوبي رجال الأمن من خلال برامج التدريب المكثفة ورفع مستوى الوعي لديهم لكونهم من أفراد المجتمع .
سابعاً : دعم المراكز البحثية في مجال الأمن لما لذلك من فوائد إيجابية على الأمن وعلى مصالح المجتمع ومن ذلك تشجيع البحوث والجهود العلمية وإقامة الندوات والمؤتمرات العلمية .
ثامناً : التواصل مع دول العالم أمنياً وإدراج الجانب الأمني في أي اتفاقات أو معاهدات دولية أو تعاون دولي.
تاسعاً : أهمية إظهار الأمن بأنه مسئولية مشتركة بين جميع أفراد المجتمع وليس مسئولية رجال الأمن وحدهم لما لذلك من أثر في تخفيف مستوى الجرائم والإخلال بالأمن ومن ثم رقي المجتمع وتطوره .
عاشراً : توعية رجال الأمن بأنهم من عناصر المجتمع وأن جزءٌ من رسالتهم الإسهام في تطور المجتمع وتنميته من خلال الإخلاص والتفاني في أداء أعمالهم على الوجه الأمثل الذي يخدم البناء المجتمعي.
الحادي عشر : رفع درجة الأمن الذاتي لدى أفراد المجتمع حيث أن ارتفاع الحس الأمني لدى الجمهور يخفف العبء على الأجهزة الأمنية ومن ثم خفض نفقات الأمن الاقتصادية .
تم بحمد الله
قــائمة المصــادر
- الأصبيعي ، ( 1990م ) ، الشرطة في النظم الإسلامية ( مالطا : دار اقرأ ) .
- البابا ، ( 1981م ) ، قضايا التخلف والتنمية في العالم الثالث ، ( بيروت : دار الطليعة ) .
- الجحني ، ( 1415هـ ) ، أمن الدولة ، بحث محظور النشر .
- الحميدان ، ( 1414هـ ) ، ولاية الشرطة في الإسلام ، ( الرياض : دار عالم الكتب ) .
- سلطان ، ( 1406هـ ) ، مختصر الدراسات الأمنية ج1 ، ( الرياض : المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ) .
- سلطان ، ( 1406هـ ) ، مختصر الدراسات الأمنية ج1 ، ( الرياض : المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ) .
- السواط ، ( 1412هـ ) ، فعالية القيادة الأمنية في إنتاجية رجل الأمن ،
( الرياض : مكتبة ) .
- الظاهري ، ( 1996م ) ، الدور السياسي للقبيلة في اليمن ، ( القاهرة : مكتبة بولي ) .
- العمري والراشد ، ( 1412هـ ) ، التنظيمات الإدارية للأجهزة الأمنية ،
( الرياض : كلية الملك فهد الأمنية – محظور النشر ) .
- غليون ، ( 1993م ) ، المحنة العربية الدولة ضد الأمة ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ).
- المعلمي ، ( 1402هـ ) ، الشرطة في الإسلام ، ( جدة : عكاظ ) .
- المنوفي ، ( 1984م ) ، النظم السياسية ، ( بيروت : دار القلم ) .
- اليونس ، ( 1412هـ ) ، الدفاع المدني ، ( الرياض : كلية الملك الأمنية – محظور النشر ) .
· Year-Book, The states mans, (1998–1999) , Washington Irving, journals and note books. (MARCH 1824).
(1) هذه الإجراءات مصدرها ثقافة الباحث الأمنية والعسكرية بحكم الاختصاص .
** THE STATE SMAN’S YEAR-BOOK, EDITED BE BARRY TURNER, 1998-1999
(*) يقصد بالانغلاق السياسي وجود حكومات عسكرية أو حكومات استبدادية ترفض النقد ولا تسمح بالمعارضة إلا في حدود معينة ولا يوجد بها مؤسسات سياسية وإن وجدت فهي أقرب للصورية منها للواقعية .
(**) يوجد في وزارة الخارجية الأمريكية مكتب معلومات يتكون من موظفين وحاسب آلي يتلقى المعلومات الواردة من جميع السفارات الأمريكية في مجال الأمن ومن ثم تحليلها حتى يتم على ضوئها التنبؤ بالأهداف الأمريكية المحتمل الاعتداء عليها ومن ثم اتخاذ إجراءات لمنع السيطرة .
(*) مثلاً التعاون الدولي بين الدور العربية في مجال الأمن ودور أكاديمية نايف العربية في تعزيز مسيرة الأمن العربي في رأي الباحث أرى نتائج إيجابية في مسيرة التعاون العربي أكثر مما تؤديه مؤتمرات الساسة التي تنتهي في الغالب دون نتائج مثمرة ومن ثمرات التعاون الأمني العربي توقيع الاتفاقية الأمنية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998م في القاهرة .