عاشت سيبيريا قروناً من الوحدة حيث كانت منطقةً غير مُستكشفة وغير مأهولةٍ بالسكان , لتصبح فيما بعد هدف بعض الحملات الاستطلاعية والرحلات التجارية , وكذلك أضحت المكان الأمثل لنفي السجناء الذين يتم نفيهم من قبل روسيا الغربية وما يتبعها من أراضي كـ بولندا , ففي القرن التاسع عشر تم نفي حوالي
1.2 مليون سجين إلى سيبيريا .
ولكن التغير العظيم الذي طرأ على المنطقة كان بعد بناء سكة الحديد (
1891 -
1916 ) التي ربطت سيبيريا بـ روسيا وتحديداً "
موسكو " في عهد القيصر نيكولاس الثاني , لتشهد بعدها
سيبيريا فترة اكتشاف ثرواتها الطبيعية في القرن العشرين الذي شهد بناء العديد من المناطق الصناعية فيها لتُصبح المنطقة المنبوذة هدف العديد من السكان الذين بدأوا بالازدياد شيئاً فشيئاً .
وتُعد
سيبيريا أكبر صحراء جليدية في العالم وتقع في شمال شرقي
روسيا , ومن الحقائق المثيرة عن هذه المنطقة أن مساحتها التي أسلفنا ذكرها تفوق مساحة قارة
أوروبا كاملةً .
"
كريملين موسكو " أو كما يُدعى أحياناً ببساطة "
الكريملين " , هو عبارة عن مجّمع ومرّكب تاريخي يقع في قلب العاصمة
الروسية , والكريملين هي كلمةٌ روسيةٌ تعني القلعة أو الحصن , ويُعد هذا المكان السكن الرسمي لرئيس روسيا .
إنّ اسم "
الكرملين " كان يُستخدم في الغالب كـ دلالةٍ للإشارة إلى حكومة الاتحاد السوفييتي السابق (
1922 -
1991 ) , شأنها في ذلك شأن "
البيت الأبيض " وإشارته إلى السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية , كما هي دلالة "
وايتهول أو القاعة البيضاء " في الإشارة للحكومة البريطانية , وهو الآن ما زال يُواصل دلالته بالإشارة والكناية عن الحكومة
الروسية , وليس ببعيدٍ عن مكنونات هذا الاسم ودلالاته فقد تم إنشاء فرع جديدٍ من العلوم يحمل اسم "
Kremlinology " وهو المعني بدراسة السياسات السوفييتية سابقاً والروسية حالياً .
يحدُ الكريملين من جهة الجنوب "
نهر موسكو " , ومن الشرق نجد الساحة الحمراء وكاتدرائية القدّيس باسل , فيما تكون حديقة آليكساندر من جهة الغرب , فـ هُو يضم في مُحتواه عدد أربعة قصور ومثلها من الكاتدرائيات عطفاً على حائط الكرملين وكذلك أبراجه .
أبصر الكريملين النور في الألفية الثانية قبل الميلاد حينما تم بناءه على تل "
Borovitsky " حيث يصب نهر "
Neglinnaya " في نهر "
موسكو " والفضل في ذلك يعود إلى الله ثم قبيلة الـ "
Vyatich " وهي من القبائل السلافية الشرقية الأولى التي كانت تسكن قُرابة نهر "
أوكا " .
وحتى القرن الرابع عشر كان يُعرف بـ "
The Grad of Moscow " , و Grad كلمةٌ سلافيةٌ كان يُطلقها
الروس الأوائل على البلدة أو المدينة , وقد تم تمديد الـ "
Grad " وتوسعته من قبل الأمير " يوري دولغوروكي " في عام
1156 , قبل أن يتم تحطيمه وهدمه بواسطة المنغوليين في عام
1237 ليُعاد بناءه من جديد من أشجار السنديان أو البلّوط في عام
1329 , أما مُسّمى " كريملين " فقد ظهر لأول مرة في عام
1331 .
لكن القدّيس "
ديمتري دونسكي " أمير موسكو - آنذاك - قام باستبدال الحيطان البلّوطية التي كانت المؤسسات الأساسية للكريملين بـ حصنٍ قويٍ من حجر الكلس الأبيض في الفترة بين عامي
1366 -
1368 , لـ يُؤتي هذا التحصين ثماره حينما صمد أمام الحصار الذي أقامه الخان "
توكتاميش " آخر سُلالة "
الحشد الأبيض أو الأمراء اليساريين " من الإمبراطورية المنغولية .
وبعد حقبة تبعيته لـ "
للدوقات الكبيرة " , جاءت حقبة كونه مقراً للقياصرة والتي شهدت فترة ازدهاره معمارياً وكانت البداية في عام
1487 حينما أمر الأمير الكبير "
إيفان الثالث " بإعادة بناءه وذلك من خلال استقدام أمهر وأفضل المصّممين الإيطاليين الذين كانوا في عصر نهضتهم أمثال "
بيترو أنتونيو سولاري " الذي قام بتصميم حائط الكرملين الجديد وأبراجه , وكذلك "
مارك روفو " الذي صمّم القصر الجديد للأمير .
وأثناء زمن المشاكل , استسلم الكريملين للسيطرة التي جاءت من قبل القوات البولندية / الليتوانية التي احتلته لعامين خلال الفترة من
21 سبتمبر لعام
1610 حتى
26 أكتوبر من عام
1612 , قبل أن يتم تحريره من قبل جيش "
كوزما مينين " و "
ديمتري بوزارسكي " المتطّوع الذي مهّد الطريق لانتخاب "
ميخائيل رومانوف " كـ قيصرٍ جديد .
وأثناء عهده هو وابنه "
آليكسيس " تم بناء العديد من أبنية الكريملين كـ " كاتدرائية
المنقذ العليا المقببة الحادية عشر " و "
بوابة آرموريال " و "
قصر تيريم " و "
قصر التسلية " و " ق
صر باتريارتش نيكون " , وبعد موت آليكسيس شهد الكريملين انتفاضة موسكو عام
1682 التي بسببها كره القيصر بيتر الكريملين وهرب على الفور , وبعد مُضي ثلاثة عقود خلف القدّيس "
بيترسبيرغ " القيصر بيتر في مسكنه الرئاسي المهول .
لتعقب حقبة القياصرة حقبةٌ جديدةٌ تمثلت في الفترة الإمبراطورية التي شهدت إهمالاً كبيراً للكريملين الذي ظل على هذه الحال حتى عام
1773 حينما أمرت الإمبراطورة "
كاثرين العظمى " المعماري الروسي الشهير "
فاسيلي بازينوف " لبناء سكنها الجديد في الكريملين الأمر الذي تضّمن هدم بعض الكنائس والقصور بالإضافة لجزءٍ من حائط الكريملين , ولكن لقلة الأموال توّقفت أعمال البناء , قبل أن يعود العمل مجدداً بعد بضعة سنوات أشرف المصّمم الروسي "
ماتفي كازاكوف " على إعادة بناء الأقسام المفّككة من الحائط وبعض تراكيب "
دير تشودوف " , كما أنه بنى العديد من المكاتب الواسعة والفاخرة لمجلس الشيوخ والتي حتى يومنا هذا باتت تُعتبر موقع العمل الرئيسي لرئيس
روسيا .
وبعد احتلال نابليون لروسيا في عام
1812 , احتلت القوات الفرنسية الكريملين من الفترة " من
2 سبتمبر حتى
11 أكتوبر " , وبعدما لاذ نابليون بالفرار من موسكو أصدر أمره لقواته بتدمير الكريملين كاملاً الأمر الذي تسّبب بأضرارٍ للـ "
كريملين آرسنال " وعدة أجزاء من الحائط وكذلك الأبراج التي تأثرت بقوة الانفجارات التي استمرت لثلاثة أيام وتسببت أيضاً بإتلاف بعض الغرف والكنائس , ولكن ومن محاسن الصدف أن الأمطار قد هطلت - وقتذاك - لتسّبب تلفاً للمصاهر المتكونة ليصبح الضرر أقل حدةً من المتوّقع والمنتظر .
لتعود بعد ذلك أعمال البناء مجدداً في الفترة من
1816 -
1819 التي أشرف عليها المهندس المعماري الروسي "
جوزيف بوف " ذو الأصول الإيطالية الذي أعاد ترميم الكريملين في فترة حُكم "
آليكساندر الأول " حاكم الإمبراطورية الروسية , وكانت التراكيب والأبنية قد صمّمت بشكل خيالي يفوق سابقيه روعة وجمالاً , ورغم ذلك إلا أن بعضاً من القصور والمباني قد تُركت على حالها لوضعها المُزري بما فيها "
كُل بنايات الثالوث " التي انتهى بها الأمر لأن تُمّزق ببساطة .
ومع فترة زيارة "
نيكولاس الأول " إلى موسكو للاحتفال بأعياد تتويجه , أبدى الإمبراطور امتعاضه الشديد وعدم رضاه عن القصر الشتوي في الكريملين ليُكّلف المصّمم "
قسطنطين ثون " باستبداله بـ قصر الكريملين الكبير الذي كان يُضاهي القصر الشتوي في "
سان بيتسبيرغ " في أبعاده وثراء محتوياته الداخلية , القصر تم بنائه في
1839 -
1849 , ليُتبع مباشرةً بالمبنى الجديد " مستودع أسلحة الكريملين " في عام
1851 .
وبعد
1851 , تغّير الكريملين قليلاً حتى موعد الثورة الروسية في عام
1917 , والتغيرات تمّثلت في إضافة تمثال "
آليكساندر الثاني " , وكذلك صليب الحجارة الذي يُشير للبقعة التي اُغتيل فيها دوق روسيا الأعظم "
سيرجي آليكساندروفيتش " من قبل الإرهابي الروسي "
إيفان كالياييف " في
1905 , ولكن جميع هذه الأنصاب قد حُطمّت من قبل البلاشفة في عام
1918 .
لتأتي بعدها الحقبة السوفييتية التي شهدت انتقال حكومتها من "
بتروغراد " إلى "
موسكو " في الثاني عشر من مارس لعام
1918 , وكان وقتذاك رئيس الحكومة هو "
فلاديمير لينين " الذي اتخذ من مجلس شيوخ الكريملين سكناً خاصاً له , وحتى اليوم ما زالت غرفته موجودةً كـ متحفٍ هناك , وكذلك سار الأمر مع خليفته "
جوزيف ستالين " الذي كان متلهفاً لإزالة جميع آثار نظام القياصرة من كافة مباني الكريملين , حيث قام باستبدال النسور الذهبية فوق الأبراج بـ نجوم الكريملين المُشرقة , في الوقت الذي تحّول فيه الحائط قُرب ضريح لينين إلى "
مقبرة حائط الكريملين " .
لتتحول بعدها أغلب مباني الكريملين لـ متاحف خلّدت تاريخ هذا المكان الأسطوري في مختلف الحقب والفترات التي مر عليها , وتُعد " إيلينا جاجارينا "
ابنة رجل الفضاء الروسي "
يوري جاجارين " هي المدير الحالي لمتاحف الكريملين .