كيف يكتب التراب عن النور ؟؟؟

[نور]

( 21 )

جبريل عليه السلام

تعدى فرعون بجيشه منتصف البحر وكاد يصل إلى الضفة الأخرى وأصدر الله تعالى أمره إلى جبريل فحرك الموج فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه

فوجئ فرعون بأن جبالاً من الموج ترتفع وتهوي فوق رأسه وجرفته المياه فإذا برأسه تحت جسده وإذا بقدميه تتخبطان فوق جسمه
وبدأ يغرق

ورأى فرعون وهو يغرق مقعده من النار
أدرك وقد انكشف عنه الغطاء ودخل في سكرات الموت أن موسى كان نبياً مرسلاً من الله وكان صادقاً وكان المفروض عليه أن يؤمن به

ووسط رعب النهاية آمن فرعون

" حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "

كانت توبته غير مقبولة ولا صحيحة فهي توبة تجئ بعد معاينة العذاب وبعد الدخول في سكرات الموت

قال له جبريل :
الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين

يعرف جبريل أن ما وقع لفرعون كات تحقيقاً لسنة أزلية خلت في عباد الله
أن لا ينفع الإيمان بعد رؤية العذاب ومعاينته


" فلما رأو بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يكن ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون "


هلك فرعون ولفظت المياه جثته

" فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون "

نجا موسى وقومه وهلك فرعون وجيشه
وأسدل الستار على هذا الموقف بهذه المعجزة الكبرى




ثمة رجل في قوم موسى كان يتابع تحركات جبريل ويلاحظ أنه يسير على الأرض الميتة فإذا الأرض تحيا وتخضر تحت أقدامه



الكاتب
أحمد بهجت

[نور]

( 22 )
جبريل عليه السلام

حمل نزول جبريل في موقف شق البحر إنقاذاً لموسى وقومه وفيما بعد كان نزوله فتنة لقوم موسى وللسامري


والسامري رجل من بني إسرائيل
وقد اعترف في محاكمته أمام موسى فيما بعد بكل ما حدث


سأله موسى :
" فما خطبك يا سامري "


قال السامري :
" بصرت بما لم يبصروا به "


يعني رأيت جبريل وهو يركب فرسه فلا تضع قدمها على شئ إلا دبت فيه الحياة


" فقبضت قبضة من أثر الرسول "

يعني أخذت حفنة من التراب الذي سار عليه جبريل وألقيتها على الذهب


" فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي "


أما الذهب الذي يشير إليه السامري فكان هو الذهب الذي أخذه بنو إسرائيل من المصريين ليتزينوا به في عيد من أعيادهم
وخرجوا به ولم يردوه لأصحابه


ويبدو إن السامري كان نحاتاً محترفاً
فأخذ منهم الذهب بدعوى أنه ليس من حقهم
ومزج به التراب الذي سار عليه جبريل وصنع عجلاً من الذهب يخور كما تخور العجول الحقيقية


بعد ذلك خرج السامري على بني إسرائيل بما صنعه

سألوه :
ما هذا يا سامري ؟


قال :
هذا إلهكم وإله موسى


قالوا :
ولكن موسى ذهب لميقات ربه !


قال :
لقد نسي موسى وذهب للقاء ربه هناك بينما ربه هنا !


وعبد بنو إسرائيل هذا العجل


استغل السامري حبهم للذهب واستغل هذا الميل الوثني داخل نفوسهم لعبادة الأصنام وقدم إليهم العجل فعبدوه كما كان قدماء المصريين يعبدون العجل أبيس



كانت فتنة أغضبت موسى وعاد يمسك بلحية أخيه وبرأسه ويسأله
كيف سمح لهذه الجريمة أن تقع ؟

ودافع هارون عن نفسه فقال :
" يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني "

وحاكم موسى السامري وحكم عليه بالذلة والنبذ في الحياة الدنيا أما العجل الذهبي المعبود فقد أحرقه موسى ونسفه في اليم نسفا

[نور]

( 23 )
جبريل عليه السلام

صدر الأمر لجبريل هذه المرة أن ينزل في عصر مريم العذراء العابدة التي قالت لها للملائكة :


" يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين "


كانت مريم في حديقة حين سمعت أقدام تستقر على الأرض
تلفتت حولها فوجدت رجلاً يقف هناك
كان جبريل في صورته البشرية
كان الرجل يرتدي ملابس هذا العصر

تساءلت مريم في نفسها عما يكون

وقرأ الغريب أفكارها فقال :
السلام عليك يا مريم

قالت مريم :


" إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً "

كانت كلماتها تعبر عن خوف غامض ورجاء فيمن يلقي عليها السلام

فكشف جبريل عن حقيقته ومهمته في عبارة واحدة قال :

" إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً "


أضاء المكان بضوء غريب لا يشبه ضوء الشمس ولا نور القمر

كان هناك ضوء شديد الصفاء
وراح هذا النور يتجمع حول جبريل على شكل أجنحة راحت تزيد حتى ملأت الأفق حول مريم وأدركت مريم أنها تقف أمام سيد الملائكة
وسفير الله تعالى
الروح الأمين
جبريل عليه السلام



ارتعشت مريم انفعالاً وفكرت في كونها عذراء
فقالت :

" أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً "

قال لها جبريل :

" كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً "


عصفت بعقل مريم عشرات الأسئلة
أي غرابة أن تلد بغير أب ؟
فلقد جاء آدم وحواء بغير أب أو أم

وجاءت حواء من ذكر بغير أنثى
وهاهو الملك الكريم يحدثها بأن ابنها سيجئ بغير أب


إن المعجزات تقع عندما يشاء رب العالمين أن تقع
لكن ماذا يقول الناس عنها ؟
وكيف يستقبلونها ؟
وقرأ جبريل كل هذا في عقل مريم فقال لها :


" إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين "


قضي الأمر
إن البشرى من الله وليس جبريل سوى رسول مكلف بحملها وإبلاغها لمريم .

[نور]

( 24 )
جبريل عليه السلام

حين جاء زمان عيسى عليه السلام نزل جبريل إلى الأرض لتأييده

كان عيسى يريد إحياء الروح الإنساني وقيادته إلى نور الخالق

ولهذا السبب جاء عيسى مؤيداً بالروح القدس
والروح القدس هو جبريل عليه السلام


ونحن لا نعرف الكيفية التي أيد الله تعالى عيسى بها

هل صحبه جبريل ولازمه طوال بعثته ؟؟؟



إن جبريل عليه السلام يتنزل على الأنبياء بوحي الله تعالى ورسالاته وأحياناً يتنزل بالمعجزات أو ينزل على الكافرين بالعقوبات

لكنه لا يمكث مع الأنبياء طيلة الوقت


فهل لازم جبريل عيسى حتى رُفع ؟
يكاد القلب يطمئن لهذا التفسير



فقد كان في حياة عيسى شئ ملائكي
وكانت لديه قدرة خارقة على المعجزات وبلغت قدرته حد إحياء الموتى
بإذن الله

كما وصلت قدرته حد النفخ في طين صنع كهيئة الطير فإذا هو يطير بإذن الله

لم يكن عيسى يقرب النساء
عاش حياته حتى رفعه الله تعالى لم يتزوج
وهذه صفة ملائكية أيضاً


ارتفعت طبيعة عيسى على دواعي الجسد ورغائبه المشروعة وعاش حياته متبتّلاً
كإبن خالته يحيى

وقد كان يحيى يعيش في البرية
أما عيسى فعاش في مجتمع المدينة


وليس لإستغنائه عن النساء كلية ومعجزاته المبهرة المتصلة بالروح - في رأينا - غير تفسير واحد

هو تأييده بروح القدس طيلة الفترة التي استغرقتها دعوته حتى رفعه الله تعالى إليه

وهذه نعمة لا نعرف أحداً من الأنبياء أوتيها من قبل


قال الله تعالى في سورة المائدة :



" إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأنا مسلمون "








والآن أخوتي الأعزاء
ترقبوووووووووووا

[نور]

لقاء النور بالنور


جبريل عليه السلام
ومحمد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم


تابعوووووووونا



لقاء النور بالنور

( 25 )
جبريل عليه السلام


تعرف السماء أقدار أهل الأرض أكثر مما يعرف أهل الأرض أقدار أهل السماء

كان جبريل عليه السلام يعرف قدر هذا الطفل الذي ولد في بادية مكة وحمل اسم
محمد بن عبد الله


يعرف جبريل أنه سينزل إليه وهو صبي صغير يعب مع أترابه في بادية بني سعد وعمره يسير نحو الخامسة .


وقد قص محمد بن عبدالله على حليمة وزوجها ما حدث له

قال :
كنت ألاحظ الأغنام وهي ترعى وفوجئت بصورتين ناصعتي البياض
ظننت أولاً أنهما طائران كبيران
ثم أدركت أنهما كانا شخصين لا أعرفهما يلبسان البياض


قال أحدهما - مشيراً إلى صاحبه - أهذا هو ؟
قال :
نعم

جمدت من الفزع وأخذاني فأضجعاني وشقا صدري والتمسا فيه شيئاً وجداه وطرحاه بعيداً
ثم التأم ما شقاه واختفيا كأنهما شبحان


هذا الحديث الذي رواه أنس وأخرجه مسلم وأحمد
هو المعروف بحادث شق الصدر
وهو حادث وقع للرسول مرتين


مرة وهو طفل في الخامسة من عمره
ومرة وهو شيخ قبل حدث الإسراء والمعراج


والحدث رمزي عميق
واختلف فيه العلماء
هناك من لجأ إلى التأويل
وهناك من يرى أنها معنى قوله تعالى :
" ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك "

وهذا رأي القرطبي في تفسيره

ويرى بعض علماؤنا المعاصرون مثل الشيخ الغزالي أن بشراً عظيماً كمحمد لا تدعه العناية الإلهية عرضة للوساوس الصغيرة التي تناوش غيره من الناس

وإن كانت للشر موجات تملأ الأفق وتسرع بعض القلوب لالتقاطها فإن قلوب الأنبياء برحمة الله ورعايته لا تستقبل هذه الموجات ولا تتأثر بها وبذلك يكون جهد المرسلين هو متابعة الترقي لا مقاومة التدني


وفي تصوري أن حادث شق الصدر الأول كان تهيئة للرسول وعوناً له على تلقي الوحي
أما حادث شق الصدر الثاني فكان إعداداً له لحدث الإسراء والمعراج ونفاذه صلى الله عليه وسلم من الأكوان والمجرات والعوالم إلى سدرة المنتهى
وهي مكان تقع عنده جنة المأوى

[نور]

لقاء النور بالنور

( 26 )
جبريل عليه السلام

يرى أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله وأرضاه - أن إتصال الملأ الأعلى بالأرض ونزول جبريل على قلب الرسول وقع في النوم ثم تكرر في اليقظة



قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها :

.. إن الوحي بدأ بالرؤيا الصادقة ، فكان الرسول لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ...

هذا ما قالته عائشة

والرؤيا قد تكون وحياً كاملاً كما كان الشأن مع سيدنا إبراهيم

وقد تكون مجرد إشراقات ترد على قلب المصطفى المختار
كما كان الشأن مع سيدنا محمد



جاء في سيرة ابن هشام
.. وجاء جبريل عليه السلام بأمر من الله تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب


وقال :
اقرأ


قلت :
ما أنا بقارئ

قال : ففتني به حتى ظننت أنه الموت
ثم أرسلني

وقال :
اقرأ


فقلت :
ما أنا بقارئ


ففتني به حتى ظننت أنه الموت
ثم أرسلني


وقال :
اقرأ


قلت :
ماذا أقرأ ؟


ما أقول ذلك إلا اقتداء لي أن يعود لي بمثل ما صنع


فقال :
" اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم "


قال :
فقرأتها


فانتهى وانصرف عني


وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتاباً فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول :


يا محمد .. أنت رسول الله وأنا جبريل


فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول :


يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل


قال فوقفت أنظر إليه ما أتقدم وما أتأخر
وجعلت أصرف عنه وجهي في أفاق السماء لا أنظر في ناحية فيها إلا رأيته كذلك



فما زلت واقفاً ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا أعلى مكان ورجعوا إليها وأنا في مكاني ذلك ثم انصرف عني


وكانت هذه هي البداية


تابعووووووووووونا

[نور]

لقاء النور بالنور

( 27 )
جبريل عليه السلام

بدأ لقاء الرسول الكريم بالروح القدس جبريل عليه السلام في المنام
فلما اعتاد الرسول على الموقف الجديد وتهيأ له جاء اللقاء في اليقظة وهذا اللقاء الأخير مقام خطير لا تقوى عليه النفوس إلا بعد صقلها روحياً


وهكذا تدرج الوحي مع الرسول
جاءه في المنام أولاً ثم ظهر له في الصحو بعد أن استأنس به
ورغم ذلك يمكن القول أن الوحي كان يزلزل كيان رسول الله وكانت فيه مشقة احتملها صابراً وأعانه رب العالمين عليها


كانت بداية الوحي نزول الروح الأمين جبريل عليه السلام على قلب الرسول في الثلث الأخير من شهر رمضان
في ليلة من لياليه الوتر
وهي ليلة احتفل بها الحق سبحانه وتعالى وقال فيها :

" إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر "


والروح الذي يشير إليه النص القرآني هو الروح القدس جبريل عليه السلام

ونلاحظ أن جبريل كان ينزل إلى الأرض وحده أو مع ملك أو ملكين
ولكن هذه المرة ينزل في حفل حاشد من الملائكة
حفل يليق بكرامة الوحي الإلهي ومقام الرسول صلى الله عليه وسلم


أما الرسول فقد عاد إلى خديجة رضي الله عنها يحدثها بما رأى في نومه وما شاهد في يقظته وقلبه يرتجف من الخوف وهو يقول :
زملوني .. زملوني
فزملوه حتى ذهب عنه الروع


في اليوم التالي صحبته خديجة لزيارة ورقة بن نوفل وهو عالم بالأديان وكان من الحنفاء الذين هجروا عبادة الأوثان واختاروا أن يعبدوا الله

استمع ورقة بن نوفل إلى حديث رسول الله وقال في نهايته :
هذا هو الناموس الذي كان ينزل على موسى
ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك

تساءل الرسول ببراءة :
أو مخرجي هم ؟؟

قال ورقة :

نعم .

[نور]

لقاء النور بالنور

( 28 )
جبريل عليه السلام

رغم المشقة التي أسفرت عن وجهها في لقاء جبريل كان اللقاء تشريفاً وتكليفاً قي الوقت نفسه

التشريف أن يخاطب الله الرسول ويبعث إليه بجبريل والملائكة
والتكليف تكليف ثقيل سينزل به وحي عليه


" إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً "

ولقد أدرك الرسول أن الأمر بالقراءة الذي كان أول ما نزل من الوحي لم يكن مصادفة

إن هذا الكتاب الجديد والأخير يعلن بداية عصر الرشد العقلي ويتوجه بالخطاب أول ما يتوجه إلى العقل
إن العقل هو المكلف بالقراءة والوعي
ومن هنا خاطبه الوحي مباشرة


أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحمل تكليفاً هائلاً وأمانة عظيمة وتفتحت رغبته في معرفة المزيد من قول الله تعالى وانتظر أن ينزل عليه جبريل

بعد أن كان يخشاه صار يتمناه
وبعد أن كان يخاف لقاءه صار ينتظر ظهوره
وهكذا وقع الرسول في حب جبريل عليه السلام

وذهب إلى الغار وانتظر أن يظهر جبريل
لكن الروح القدس لم يظهر

وتصاعد قلق النبي وشق عليه غياب الوحي وانقطاعه وخشي أن يكون ما رآه شيئاً مما يصيب الكهان وذلك أمر يبغضه ويستنكره

ومرت الأيام وتتابعت
والروح القدس غائب

وقد اختلفت الروايات في مدة الفترة التي غاب فيها الوحي
ما بين رواية تذكر فترة طويلة ورواية تذكر فترة قصيرة

وقد محص الشيخ محمد أبو زهرة هذه الروايات وانتهى إلى أن الفترة التي غاب فيها الوحي كانت خمسة أشهر وبضع أيام




وأخيراً ظهر الروح القدس
سأله رسول الله :
ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ؟

قال جبريل :

" وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا "

[نور]

لقاء النور بالنور


( 29 )
جبريل عليه السلام

حمل جبريل يوم تنزل على قلب الرسول بالوحي خير الدنيا وخير الآخرة




إن الرسالة الجديدة دعوة للعقل الإنساني أينما كان وحيثما كان بلا قيد على المكان أو الزمان


هي دعوة إلى القراءة

" اقرأ "

بكل ما تحمله الدعوة إلى القراءة من ثقافة وحضارة وإبداع وعلوم



باختصار
كان الإسلام في جوهره دعوة للعلم والنظر في أفاق الكون وزوايا النفس واكتشاف أسرار الله في المادة


هذا هو خير الدنيا



أما خير الآخرة

فكان هو التصور الجديد الذي حملته الرسالة عن عظمة الله ووحدانيته وجلاله


كانت الوثنية قبل الدعوة قد أغارت على رسالات التوحيد وجعلت لله شريكاً وولداً


وجاء الإسلام يصحح حقيقة التصور الذي ينبغي أن يعرفه المؤمن عن ربه

وبسبب هذه الصلة بين الإسلام والعلم رفع الله تعالى مقام العلماء فجاءوا في الترتيب بعد الملائكة


" شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "




انتهى عهد الراحة بالنسبة للرسول وبدأ جهاده العظيم لتبليغ الرسالة وإنذار الناس


" يا أيها المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر "


كانت هذه الأوامر المتتابعة القاطعة إعلاماً للرسول بأن الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه وسلامه وخلوه من المسئولية

وأنه الآن أمام عمل جديد يستدعي اليقظة والجد
فليحمل الشعلة المضيئة التي حملها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وأنبياء الله من قبله



كان جبريل عليه السلام خلال وجود النبي في مكة ينزل عليه بآيات تدعو الناس إلى التوحيد المطلق
وتحدث عن حرية الإنسان أمام بني جنسه من البشر
وهي حرية ولدت من عبودية الإنسان أمام الله تعالى وحده



وعلى امتداد ما يقرب من ربع قرن كان جبريل عليه السلام هو رسول الله من الملائكة الذي ينزل على آخر رسل الله من البشر

[نور]

لقاء النور بالنور

( 30 )
جبريل عليه السلام

كان جبريل يأتي النبي في صور مختلفة

كان يأتيه في صورة مسافر يرتدي ملابس بيضاء وليس عليه أي أثر للسفر
وكان يأتيه في صورة (دحية الكلبي) وهو عربي حسن الصورة جميل الطلعة


أحياناً كان يأتيه في صورة أعرابي من البادية فيجلس أمامه ويسأله :
حدثني عن الإسلام

ويحدثه الرسول أن الإسلام بني على خمس
- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
- إقامة الصلاة
- إيتاء الزكاة
- صوم رمضان
- حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا

فيقول جبريل :
صدقت

ويسأله عن الإيمان
فيجيب الرسول :
بأن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

يقول له جبريل :
صدقت

وعجب الصحابة من هذا الذي يسأل الرسول ثم يصدق على كلامه وحدثوا الرسول في ذلك فقال لهم :
هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم



كانت الصحبة قد توثقت بين جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم



ومضى القرآن ينزل على قلب رسول الله يوماً بعد يوم فيفصل في المواقف الواقعة
ويحكم في القضايا التي تثار
ويرد على تساؤلات الحائرين
ويفند كلمات الكافرين والملحدين
ويدعو أبناء آدم إلى مأدبة الهدى والسلامة في الدنيا والآخرة
ويحدث المؤمنين عن عظمة الله التي تعالت على الوصف والبيان


" وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون "