كيف يكتب التراب عن النور ؟؟؟

[نور]

لقاء النور بالنور

( 31 )
جبريل عليه السلام

صدر الأمر الإلهي من رب العالمين إلى الروح القدس جبريل عليه السلام أن ينزل إلى الأرض يوم معركة بدر



في البداية كانت بدر تبدو معركة سهلة فقد ترامت الأنباء إلى المدينة المنورة حيث يعيش الرسول مع صحابته من الأنصار والمهاجرين أن قافلة ضخمة لقريش تهبط من مشارف الشام عائدة إلى مكة فيها ألف بعير يقودها أبو سفيان بن حرب مع رجال لا يزيدون عن ثلاثين أو أربعين

وانبعثت نفس الرسول للخروج وتوجيه ضربة موجعة لقريش بالإستيلاء على هذه القافلة


ولكن المسلمون اكتشفوا أن القافلة قد أفلتت وخرج من مكة يومئذ رؤوس الكفر دفاعاً عن مصالحهم وعن النظام القائم


وأوجس المسلمون في أنفسهم خيفة
لقد خرج لهم فرسان مكة وأبطالها وعدد المسلمين قليل وسلاحهم أدنى من سلاح عدوهم



روى أحمد عن عبدالله بن مسعود قال :
كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير كان الثلاثة يتعاقبون على ركوب البعير واحداً بعد الآخر

كان عدد الكافرين يزيد عن ألف
وعدد المسلمين لا يزيد على ثلثمائة إلا بأفراد

ولقد كانت الحسابات - بأي مقاييس - تعطي النصر للمشركين
وكان المسلمون يستطيعون الانسحاب
ولكن الرسول حبب إليهم الجهاد ودعاهم لخوض هذه المعركة

كان واضحاً أمام الرسول والمسلمين من أهل بدر أن هذه المعركة فاصلة في التاريخ
إما أن يبقى بعدها المسلمون أو يهلكوا

وبدأت المعركة واحتدمت


ووقف النبي في عريشه ( غرفة القيادة ) يدعو الله وهو يراقب بطولة المسلمين واستماتتهم في القتال

ونعس النبي في العريش ثم انتبه فقال :
أبشر يا أبا بكر أتانا نصر الله
هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع
وانهزم المشركون في بدر هزيمة مروعة واجتاز المسلمون أول امتحان لهم بفوز باهر



الكاتب
أحمد بهجت

[نور]

لقاء النور بالنور

( 32 )

ما الذي فعله جبريل عليه السلام يوم نزل في معركة بدر ؟


هل اشترك في حرب الكافرين ؟
أم كان مجرد وجوده بشرى للمسلمين ؟


الثابت إن الملائكة لا يشتركون في القتال الفعلي

إن قوة أضعف الملائكة قادرة على دك الأرض ومحو العدو من فوق سطحها في ثوان


وبسبب قوة الملائكة لا يشتركون في القتال لإن هذا القتال امتحان للمؤمنين ولو اشترك الملائكة في القتال الفعلي لكان هذا انحيازاً في الامتحان فلا قِبل لأحد بقوة الملائكة


إنما ينزل الملائكة للبشرى
وينزل جبريل للبشرى وتثبيت النبي والمسلمين


يقول الله تعالى :
" إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان "


الأوامر الأخيرة في الآية موجهة للمسلمين أما الأوامر الموجهة للملائكة فوردت في صدر الآية وكانت مقصورة على تثبيت المؤمنين


في معركة بدر لم يكن النبي مشفقاً على هلاك المسلمين وهلاكه لإنهم سيخسرون الحياة
إنما كان مهموماً أشد الهم خائفاً أشد الخوف أن تهلك جماعة المؤمنين فتتوقف عبادة الله في الأرض

يقول الله تعالى :
" إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم "

تؤكد النصوص أن دور الملائكة هو البشارة والتأييد المعنوي وملء القلوب بالطمأنينة

ونحسب أن الله تعالى أراد أن يطلع ملائكة السماء على بطولة البشر وهو يدافعون عن عقيدة التوحيد كما يباهي ملائكته بأهل الموقف في عرفات أثناء الحج

[نور]

( 33 )

صدر الوحي الإلهي إلى جبريل عليه السلام أن ينزل إلى الأرض وأن يصحب الرسول في إسرائه من مكة إلى بيت المقدس وأن يصحبه ويعرج به في السماوات حتى سدرة المنتهى



وقد وقع للرسول ليلة أسرى به حادث شق الصدر الثاني
ونحسب أن هذا الحادث كان تجسيداً لعصمة الرسول وكان إعداداً لرحلة الإسراء والمعراج وكان إعلاناً عن مقام سوف يصله هذا النبي وهو مقام لم يبلغه قبله إنسان ولن يبلغه بعده إنسان



وتسطع معجزة الإسراء والمعراج في تاريخ الأنبياء كمعجزة فريدة لا مثيل لها في قصة نبي آخر .



لقد رأينا في الأنبياء من يسميهم الرحمن أحباءه وأخلاءه مثل خليل الله إبراهيم
ورأينا فيهم من يكلمه الله تعالى من وراء حجاب كموسى كليم الله ورأينا فيهم من يؤيده الله تعالى بالروح القدس مثل عيسى كلمة الله



ولكننا للمرة الأولى أمام نبي يدعوه الله تبارك وتعالى ليقف في حضرته
ويكون رفيقه وصاحبه
هو جبريل عليه السلام


وهذه درجة من درجات التكريم التي تتوقف عندها الأقلام عجزاً عن التعبير



ولقد رأينا في قصص الأنبياء من يسأل الله

" ربي أرني كيف تحيي الموتى "

مثل إبراهيم

ورأينا في قصص الأنبياء من يطلب رفع الحجاب
" ربي أرني أنظر إليك "

مثل موسى

ولقد قيل لإبراهيم :
" أو لم تؤمن "


وقيل لموسى :
" لن تراني "





أما محمد بن عبدالله فلم يكن يسأل ربه معجزة أو خارقة ولم يكن يسأل رفع الحجاب

كان كل ما يطمع فيه الرسول أن يكون الله تعالى غير غاضب عليه

فقد قال في دعائه يوماً
( إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي )




هذا التواضع الإنساني الرفيع
هذا الخشوع الراضي بكل عذوبته وجماله كان سبباً في استدعائه إلى الحضرة الإلهية ووقوفه بأعظم صفاته كعبد لله أمام الحق تبارك اسمه وتعالت صفاته

وكذلك جاءت معجزة الإسراء والمعراج

[نور]

( 34 )
جبريل عليه السلام

نظر الله سبحانه وتعالى إلى عبده محمد بن عبدالله وأوحى أمره إلى الروح الأمين جبريل عليه السلام أن يصحب عبده محمداً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم يصعد به في السماء ليرى من آيات ربه الكبرى


قال الله تعالى في الإسراء :
" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "




وقال تعالى في المعراج :
"ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى "



الآية الأخيرة هي هدف الرحلة
أن يرى الرسول من آيات ربه الكبرى



لم تكن معجزة الإسراء والمعراج تتصل بطبيعة الدعوة إنما كانت تتصل بشخص الرسول وتكريمه




اختلف العلماء
هل كان الإسراء والمعراج بالروح وحدها
أم بالروح والجسد معاً



وقد أوقع في الخلاف اختلاف العقول والوقوع في مصيدة ( كيف ) والتساؤل عن قدرة الله ومحاولة إخضاع هذه القدرة لأسبابنا المعتادة أو قوانينا الحاكمة أو منطقنا البشري

سبحانه وتعالى عن ذلك



كانت الرؤية بالقلب والعين والحواس المعروفة والغير معروفة
كانت رؤية واضحة
ليس هناك حلم
ولا استجماع ذهني لوحدة الوجود
ولا فترة تألق نفساني فذ
ولا تخيل ولا تصور
ولا جهد ولا قصد

لا شئ من هذا كله
لإن الأمر أخطر من هذا كله


صحب جبريل النبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم ارتفع به في السماوات سماء بعد سماء

ونادى رب العالمين :
ليرتفع عبدي أكثر

وارتفع عبدالله ورسوله حتى وصل إلى سدرة المنتهى
وصل إلى المكان المقدس الذي يسميه الله تعالى سدرة المنتهى

وهناك شاهد الرسول جنة المأوى
وشاهد ما لا نعرف ولا نفهم ولا نتصور


" إذ يغشى السدرة ما يغشى "

[نور]

( 35 )
جبريل عيه السلام

شاهد الرسول في ليلة الإسراء والمعراج أنبياء الله وشاهد السماوات وشاهد جبريل على صورته الملائكية التي خلقه الله عليها كما شاهد سدرة المنتهى وجنة المأوى



كانت هذه هي المرة الثانية التي يرى فيها جبريل بصورته الحقيقية



كانت المرة الأولى في بداية الوحي وكانت المرة الثانية عند سدرة المنتهى



يقول الله تعالى :

" والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى "


هذه هي المرة الأولى


ثم جاءت المرة الثانية في قوله تعالى :

" ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى "


كان جبريل عليه السلام واحداً من آيات الله الكبرى



............. مر الوقت



وانقضت 23 عاماً منذ أن بدأ الوحي ينزل في مكة ثم عاود النزول في المدينة

ثم نزل الوحي يوماً وهو يحمل قوله تعالى :

" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "


سمع أبو بكر هذه الآيات فبكى

سُئل :

لماذا تبكي

قال :

أحسست أن الله ينعي الرسول فليس بعد الكمال إلا النقصان .


بعدها انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم
إلى الرفيق الأعلى


وبكت إمرأة مسلمة على
خبر السماء الذي انقطع .




الكاتب
أحمد بهجت
- تمت بحمد الله -