الأماني البائسة
أُلقي بها كدمية ممزقة على أرضية الغرفة .. لملمت جسدها المنهك ولاذت بزاوية من زوايا سجنها
المعتم ..ضمت ركبتيها إلى صدرها وأرسلت أنفاسها المحترقة في يأس فاضح ..انهمرت دموعها
لتغسل الخطايا التي تلوثت بها كرامتها ويكاد صدرها يتصدع بشهقات الألم وواخزات الضمير الناعي
للشرف.. من بين سحب العتمة التي اكتنفت سجنها يتراءى لها وجه أبيها بوقاره وقد بدا غاضباً ..
أشاحت بنظرها إلى النافذة خُيِل لها في استدارة القمر وجه أمها الهادئ ..عيناها المكتنزتان بالدموع..
دفنت وجهها بين يديها وجسدها الهزيل يهتز من شدة البكاء حزناً على ما ضاع : سامحني أبي فقد
هُدمت أحلامك بمستقبل كنت تتمناه ليّ.. منذ قادوني الأوغاد إلى مستنقع الرذيلة فجررت إليه جراً
وهدرت كرامتي رغماً عني .. خذلتكِ أمي حين وعدتكِ بأن أكون ابنتك العفيفة ربيتني على أن لا شيء
يعادل الشرف إذا ضاع .. قد ضاع كل شيء.. وخسرت كل شيء ..منذ أن داس الأعداء أرض
الوطن .. منذ أن مزقوا أحلامنا الصغيرة ..منذ أن وطأت هذا المكان الموحش لأحتضر في كل
مرة ولأذوق الموت غصة من بعد غصة ..!!
\
/
ضحكات الجنود تتردد بسكر عبر ردهات الممر المفضي إلى الغرف .. وصراخ الفتيات يشعرها
بالغثيان تركض إلى دورة المياه تتقيأ ..ثم تعود خائرة القوى محبطة ويائسة .. ترتجف خوفاً وتتمنى
من أعماقها أن تضع حداً لهذه الحياة البائسة التي تعيشها ..!! كم تكره هذا المكان المعكر بأنفاسهم النتنة ..!!
لا تريد أن تبقى هنا ..ولا تريد أن تعود إلى قريتها لأنها تشعر بأنها ستتلوث بها كما تلوثت
كرامتها كم تتمنى قبراً يضمها ويحميها من هؤلاء الأنجاس . من ملاحقة الأعين .. من كل شيء ..!
انحنت لتفترش الأرض وتتوسد يدها ..أخذت تتأمل جُدر الغرفة يغالبها الدمع ..الذاكرة التي
تستعرض الماضي بدون أن تمل ..! تغرقها في قريتها الوادعة و كيف كانت آمنة قبل أن تطالها
الحروب وأيدي الآثمين .. تسترسل في أحلام البراءة العريضة أن تكون طبيبة .. كل مستقبلها
صبغته بلون الورد زاهياً مثلها غذته بآمالها وتصميمها .. لكن .. كلها ماتت في لحظة مع
أول طلقة رصاصة اخترقت وطنها ودمرت معالم الحياة .. وصارت أحلامها في البحث عن
سبيل آمن لحياة كريمة مات مستقبلها بكراً وتبخرت أحلامها ..ذبلت زهرة عمرها وبدأت
رحلة الشقاء .. موت الأحباب أمام عينيها .. وجثث تعرفها تغسلها بدموع قلبها .. ووطنها الذبيح
تتصاعد منه ألسنة اللهب وتلونت أرصفته بدماء شعب بريء.. انكفأت على وجهها وقد غرقت
بدموعها بآلامها احترقت كثيراً للمصير الذي آلت إليه طموحاتها بأن تكون هي ومن معها
من فتيات وطنها كقِرى تقدم لنزلاء الفندق ..
\
/
في كل لحظة تعيش الموت المرة تلو المرة .. وتنتظر فلا تموت إلا كرامتها ..تتنمى أن تنتحر
فيقف إيمانها رادعاً لهذه الفكرة ..تتوسل من الله الفرج ..
وتبرأ إليه من أحضان العفن ومزابل الخطيئة التي أُسقطت فيها رغماً عنها ..
تتساقط دموعها لتغسل روحها الطاهرة فتروي دموعها نفسها الظمأى إلى شاطئ الأمان ..
\
/
يشتت تفكيرها صوت أقدام وجلبة قادمة من الخارج يدخل الجنود
تتراجع للخلف تلوذ بزاويتها تستغيث .. تصرخ ..
فتتردد صرخاتها صدى لا تتجاوز ردهات الفندق ..!!!
...
..
.
لكل مـار من هنا ..لا تنسى بأن تدعو لأخوتك ..
بقلم / بنت الشاطئ
02-03-2009, 03:28 PM
الأماني البائسة
