تشريعات.. حبر علي ورق!
.. ماذا أعدت الدولة للمعاقين؟... وما جدوى التشريعات التي ينص عليها قانون التأهيل الاجتماعي؟
حسن يوسف ــ رئيس جمعية شموع لحقوق الإنسان ورعاية المعاقين يقول إن هذه التشريعات تفتقد الضوابط والآلية الموجبة للتطبيق, فضلا عن افتقار الخدمات, فلا تكاد تلبي ادني احتياجات للمعاق, بل هي في معظمها حبر علي ورق.
وللأسف ثقافة المجتمع لا تشجع علي احترام حق المعاق في اشياء كثيرة, ففي العمل مثلا نجد انه رغم أن نسبة المعاقين قد تتجاوز10% فإن التشريع الحالي ينص علي تعيين5% فقط, وليست هذه النسبة تطبق علي أرض الواقع, بل إن الجهات الحكومية, بما فيها وزارتا القوي العاملة والتنمية الإدارية, تتحايل لعدم تنفيذ هذه النسبة.. حيث إن التوظيف الآن يتم بالتعاقد وليس التعيين والتشريع القانوني للمعاقين ينص علي التعيين فقط.... مما يسقط حق هذا المعاق... علاوة علي أن المشرع القانوني لايلزم جهة العمل بتطبيق هذه النسبة إلا إذا بلغت العمالة بها50 عاملا فأكثر, وهذا الشرط أيضا يتم التحايل عليه علي الأوراق الرسمية... ذلك أنه ليست هناك رقابة ولا عقوبة رادعة لجهة العمل المخالفة, فقط يتم تغريمها مائة جنيه لا غير, مما يسهل التلاعب وتضييع حق المعاق, حيث تقوم بعض جهات العمل بتزوير شهادات تأهيل للأصحاء ليتم تعيينهم علي أنهم معاقون.
الأمر نفسه يؤكده إسماعيل طنطاوي ــ رئيس مجلس أمناء جمعية أبرار مصر لذوي الاحتياجات الخاصة, مشيرا إلي أن حقوق المعاقين مهضومة وتكاد تكون منعدمة... فالخدمات المقدمة لهم لا تتجاوز20% من المطلوب... ناهيك عن الشروط التعجيزية والروتين القاتل الذي يدفع كثيرا من المعاقين وذويهم إلي الانصراف عن هذه الخدمات.
أما عن احتياجات المعاقين ومعاناتهم, فحدث ولا حرج, حيث يعانون قلة مراكز التأهيل الخاصة بهم( خاصة التأهيل النفسي والسمع والكلام) علاوة علي ارتفاع تكاليف هذه المراكز... وكذلك مدارس المعاقين لا تمثل واحدا في الألف من مدارس الحكومة, فلا توجد مدارس ولا أندية رسمية للمعاقين.. فضلا عن عدم وجود تأمين صحي إذ يشترط تقييدهم بمدارس حكومية, وهو ما لا توفره الحكومة, كما يعاني المعاقون من تجاهلهم في التخطيط العمراني والإسكان الحكومي, وعدم تفعيل مجانية المواصلات. ويوضح إسماعيل طنطاوي أن المعاقين في الأرياف والأقاليم تتضاعف معاناتهم, لغياب الخدمات, فليس بالأقاليم مراكز أو جمعيات مشهرة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة مشيرا إلي أنه لو تم تخصيص جزء مما ينفق سنويا علي الاحتفالات الخاصة باليتيم والمعاق, لعمل كيانات خاصة بهم لأمكن رعايتهم ودمجهم في المجتمع. وحتى يسهل رعاية المعاقين ذهنيا وحمايتهم من أنفسهم وحماية المجتمع منهم, وكذ إفراغ طاقاتهم المكبوتة بشكل إيجابي, يقترح إسماعيل طنطاوي إنشاء مجمع متكامل في كل محافظة ليصبح ملتقي لجميع الأسر التي لديها أطفال أو شباب من ذوي الاحتياجات الخاصة لمناقشة وحل مشاكلهم.
تغيير نظرة المجتمع.. واجب
رغم أن هناك معاقين فاقوا بقدراتهم ومواهبهم كثيرا من الأصحاء, فإن نظرة المجتمع المصري اليهم ـ للأسف ـ لا تزال قاصرة وبحاجة إلي تصحيح... هذا ما يؤكده الدكتور زكي عثمان ـ رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر ـ مشيرا إلي أنه يتم التعامل مع المعاق في بلدنا علي أنه مواطن درجة ثانية, علي خلاف دول العالم المتقدمة التي تحترم المعاق وتقدر مواهبه وإمكاناته.. أما نحن فننظر للمعاق علي أنه عالة علي الغير وأنه عاجز ولا يصلح لما يقوم به الأصحاء.. وتكون النتيجة أن المعاق يتألم مرتين, الأولي للإعاقة, والثانية بسبب نظرة المجتمع الظالمة له.
ويوضح أنه ليس كل معاق عاجزا, بدليل أن هناك معاقين فاقوا في تخصصاتهم ومواهبهم أقرانهم الأصحاء. أضف إلي ذلك الاعتداء الدائم علي مخصصات المعاق وإهماله علي جميع الصعد, وحرمانه من بعض المناصب والترقيات, والنظر إلي ما يقدم إليه علي أنه من باب الفضل عليه, رغم أنه واجب وحق للمعاق وليس تفضلا أو منة من أحد.
ويشير د. عثمان إلي أن الإسلام ينظر للمعاق علي أنه يتساوي مع غيره من الأصحاء بلا فرق ولا تمييز, ولكن كل ميسر لما خلق له.. فالإسلام يحترم ذوي الحاجات ويدعو لإعانتهم, فها هو عمر بن عبد العزيز كان يخصص لكل كفيف مرافقا, ولكل مقعد لا يقوي علي القيام خادما يقوم علي شئونه.
وتكمن عظمة الإسلام في أنه لم يفرق بين مسلم وآخر لا عاقة أو عاهة أو نحو ذلك, بل الجميع ـ أصحاء ومرضي ـ متساوون أمام الله عز وجل, فقال صلي الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلي صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم ـ وقال تعالي: إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وها هو المولي عز وجل يعلي من مكانة المعاق فأنزل قرآنا يتلي في عبد الله بن أم مكتوم( الأعمى) الذي لم يعبأ بحديثه رسول الله صلي الله عليه وسلم, بل عبس عنه وأعرض, فنزلت في شأنه آيات تتلي عبس وتولي أن جاءه الأعمى.. وكانت الآيات بمثابة عتاب للنبي فظل رسول الله يكرمه قائلا له: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي.
ويشدد د. زكي عثمان علي ضرورة تغيير نظرة المجتمع للمعاق, ابتداء من أسرة المعاق نفسها التي تعمد إلي إخفاء المعاق عن أعين الناس مخافة التعيير, فينشأ وحيدا غريبا. ولابد أيضا من احترام مواهبه وقدراته وإعطائه حقوقه التي كفلها الإسلام له حتى يستطيع الاندماج في المجتمع ولا يكون عالة علي غيره.