كان السَّلَفُ الصّالح يقبلون القول الحقّ من الكبير والصغير
بدون استعلاء ولا تَكَبُّر.
فقد ورد في مقدمة حاشية ابن عابدين ما نصّه:
فهذا أبو حنيفة رضي الله عنه اتّعظ بمقالة طفل صغير
حينما رأى الإمام الطفل يلعب بالطين
فقال للطفل:
"إيّاك والسُّقوط في الطين"
فقال الغلام الصغير للإمام الكبير
إيَّاك أنت من السُّقوط
لأنَّ سقوط العَالِم سُقُوط العَالَم
فما كان من أبي حنيفة إلا أن تَهْتَزَّ نفسه لهذه المقولة,
فكان لا يخرج فتوى
– بعد سماعه هذه المقولة من الطفل الصغير-
إلا بعد مدارستها مع تلامذته.
ولما وَلِيَ الخلافة عُمَر بِن عَبدِ العَزيز
وبدأت الوفود تزوره للتهنئة بالمنصب الجديد,
تقدَّم أحد الوفود غلام صغير ليتكلّم باسم الوفد
فقال الخليفة عُمَر
أما وجد القوم من هو أسنّ منك ليتكلم؟
فقال الغلام
يا أمير المؤمنين
لو كان الأمر في كِبَر السِنّ لكان من هو أكبر منك في مقامك هذا
يا أمير المؤمنين أما عَلِمْتَ أنَّ المرءَ بِأَصْغَرَيْهِ
لسانه وقلبه
فإذا منح الله عبدًا لسانًا لافِظًا وقلبًا حافِظًا فقد استحقَّ الكلام,
عَرف فضله مَن سَمِعَ خطابه
ولو أن الأمور بالسنّ يا أمير المؤمنين
لكان في مجلسنا هذا من هو أحقّ منك بالخلافة.
فقال: صدقت , قل ما بدا لك
فقال الغلام:
أصلح الله الأمير
نحن وفد تهنئة لا وفد مرزأة وقد أتيناك لِمَنّ الله الذي مَنَّ علينا بك
ولم يقدمنا إليك رغبة ولا رهبة
أمّا الرَّغبة فقد أتيناك من بلادنا, وأما رَهبة فقد أمِنَّا جُورِك بِعَدْلِك,
فقال له عُمَر: عظني يا غلام
فقال الغلام:
أصْلَحَ الله أميرَ المؤمنين,
إنَّ ناسًا من الناس غَرَّهم حِلْم الله عَنْهُم وطُول أملهم,
وكثرة ثناء الناس عليك,
فزلَّت بهم الأقدام فَهَوَوُا في النَّار,
فلا يَغُرَّنَكَ حِلْم الله عنك وطول أملك,
وكثرة ثناء الناس عليك فتزلَّ بِك قَدَمك فتلحق بالقوم
فلا جَعَلَكَ الله مِنْهُم وأَلْحَقَكَ بِصالِحِي هذه الأمة.
ثُمَّ سَكَت
فسأل عُمَر الغلام عن سنّه فإذا هو ابن إحدى عشرة سنة
ثم سأل عنه
فإذا هو من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب
كرَّم الله وجهه ورضي الله عنهم أجمعين.