الجزء الثاني من المحاضرة يتعلق بـ:
التربية الخاصة تتطلب كغيرها من المجالات التربوية قواعد وأسس يمكن من خلالها أن يتم دعم التوجيهات الفلسفية بهدف بناء نظام متكامل معين واضح المعالم لتقديم الخدمة لمحتاجيها من ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، كما ينبغي لهذه الأسس أن تعكس الثقافة الاجتماعية للمستفيد من نظام برامج التربية الخاصة، وفي هذا الإطار فخير ما يمثل ويدعم مجالات التربية الخاصة لدينا هي الأسس والقواعد التالية:
الأساس الديني
لقد قدم لنا الدين الإسلامي جانباً تربوياً شاملاً يحمل بين طياته الأسس القومية في تهذيب النشء وتربية الأجيال الذين هم عتاد الأمة، وكذلك أسس بناء الحضارة ذات المثل والقيم الفاضلة فما يحمله ديننا الإسلامي من تعاليم ومبادئ ما هو إلا مرآة لتلك التربية الإيمانية والخلقية والعقلية والاجتماعية والنفسية والجسدية بالإضافة إلى ضبط التربية الجنسية وتوجيهها وفق التعاليم الإسلامية.
ولقد راعى المنهج الرباني ذلك الاختلاف القائم بين الأفراد في إمكاناتهم ومقدراتهم سواء في مجال العبادات أو الأعمال الدنيوية الأخرى حيث وضع الضوابط الشرعية لهذه الاختلافات القائمة بين البشر، وهناك شواهد وحوادث في تاريخنا الإسلامي تدل على مراعاة الدين الإسلامي لهذه النواحي.
إن مثل هذه المبادئ والتعاليم الإسلامية وما تعكسه من مُثل وأخلاقيات فاضلة أصبح جزءاً لا يتجزأ من سلوكيات الفرد المسلم في ماضيه وحاضره، إن السمة الإنسانية أصبحت إحدى السمات التي تميز الحضارة العربية الإسلامية عن غيرها من الحضارات الأخرى مما جعلها تنفرد بأسلوب إنساني حضاري في رعاية ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة وبشكل خاص المعوقون.
وقد أكد (تشين بورجر) عام (1983م) في كتابه (تاريخ التخلف العقلي) إن الأمة العربية في تعاملها مع ضعاف العقول هي أكثر الأمم تحضراً، وذلك لما يلقاه هؤلاء الأفراد من رعاية تعليمية واجتماعية ترتفع إلى أعلى الدرجات الإنسانية.
يتوقف مستوى تقديم الرعاية المطلوبة للمعوق على الاتجاهات الاجتماعية لأفراد المجتمع، وطالما أن المجتمع العربي المسلم يحمل اتجاهات إنسانية قيمة وموزونة بفضل تعاليم الدين الإسلامي، فلم تعد هناك أي مشكلة تواجه تطوير برامج التربية الخاصة التي تتطلب مثل هذا الأساس الغني في جوهره ومظهره.
الأساس التنموي
تعتبر التنمية الاجتماعية والاقتصادية مجتمعة هي الأساس القويم لعملية النمو والتطور التي تطمح إليها الأمم، فعلى الرغم من أن هناك تفاوتاً قائماً بين أفراد هذه الأمم إلا أنهم جميعاً يتمتعون بكوامن وقدرات تتطلب نوعاً من الرعاية والتدريب للوصول إلى أعلى مستويات من الأداء الوظيفي المرغوب، وذلك لتقديم الرعاية والتدريب المطلوبين لأفرادها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبهذا يتم تعزيز وتقوية إمكاناتهم للإسهام في الجوانب التنموية في صورها الاجتماعية والاقتصادية، وبناءً على هذا تكون هناك مسؤولية ملقاة على عاتق برامج التربية الخاصة بأنواعها وأساليبها المختلفة، ومن خلال أهدافها لرفع مستوى إمكانات أفرادها الذين هم موضع التدريب والرعاية إلى المستوى التنموي المطلوب، والمتمثلة نتائجه في بروز كفاءة الفرد للاستقلال الذاتي والاجتماعي، وفي هذا الشأن أشار (جميل شكور) إلى أن الدعوة إلى تأهيل المعوق وتدريبه ودمجه في المجتمع ما هي إلا خطوة على طريق التنمية الذاتية أولاً والمجتمعية ثانياً، بحيث يكون منتجاً بقدر يزيد على التدريب والممارسة ومكتسباً من ثمرة جهده بدلاً من أن يكون مستهلكاً فقط يعيش عالة على حساب غيره لأن في مقدوره أن يساهم بطاقاته الأخرى الكامنة في مجالات مختلفة تحقق للمجتمع المزيد من العطاءات والتقدم، وفي المقابل فإن أي مجتمع لا يتعامل مع موضوع العوق على أساس أنه مشكلة اجتماعية ووطنية يظل بعيداً عن التنمية، لأن الدول المتقدمة تحرص على تجميع طاقات كل أبناء المجتمع بلا تفريق وتحشدها في سبيل البناء والرقي.
ومن هذا نخلص إلى نتيجة مفادها أن التعويق والتفوق مسألة اجتماعية بالإضافة إلى أنها اقتصادية أيضاً، فمن خلال سبل الرعاية الخاصة يمكن أن يساهم المعوقون في تحقيق المستوى التنموي المطلوب للمجتمع بما لديهم من طاقات.
الأساس التشريعي والقانوني
من الملاحظ أن هناك تفاعلاً بين الأسس الأربعة، ولا يمكن فصلها عن بعضها مهما كان الأمر، فالرعاية الاجتماعية أو التنمية الاجتماعية أو التنمية الاقتصادية تستند في الأصل على الأساس الديني، وكذلك التشريع القانوني وإن كان وضعي إلا أنه يجب أن يخضع إلى الأساس الديني، وبخضوعه لهذا الأساس يسلم من المنزلقات والرغبات والأهواء الشخصية.
لقد دأبت الدول والمنظمات الدولية من خلال المؤتمرات المحلية والعالمية التي تهتم بشؤون الأفراد من ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة وعلى رأسهم الأفراد المعوقين على إصدار إعلانات وسياسات تسعى إلى إبراز الحقوق العامة لهؤلاء الأفراد بهدف حث الشعوب على الاهتمام والمحافظة على حقوقهم.
إن السياسة التعليمية لدينا في المملكة تركز على رعاية وتدريب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا التركيز والاهتمام يزيد تاريخه عن ربع قرن ولكن يحتاج إلى أن ننطلق من هذه السياسة إلى أشياء تمثل إجراءات قانونية ملزمة حيث وجود النظم التشريعية والقانونية يمثل ترجمة فعلية لتطبيق ما جاء في الإعلانات والسياسات من مبادئ وقيم وأهداف بحيث يتم من خلالها تكوين أساس تنظيمي يراعي ويدعم الحقوق المختلفة من احتياجات تعليمية وتدريبية وتأهيلية وتشغيلية لأفراد هذه الفئة، فالتشريع يعتبر الانطلاقة الأولى لأي عمل ينوى القيام به ويحدد الإطار النظري الذي تنطلق منه الخدمة، كما يوضح التزامات المجتمع بمؤسساته وهيئاته المختلفة تجاه أبناءه من هذه الفئة.
التشريع الخاص لذوي الاحتياجات الخاصة وما يصدر عنه من قوانين مختلفة لا تخرج في إطارها العام في أي مجتمع على القواعد التالية:
1- يتمتع الفرد المعوق بجميع الحقوق التي يتمتع بها الفرد العادي.
2- أحقية الطفل المعوق والمتفوق في التعليم بأنواعه المختلفة وحسب حاجاته الخاصة التي تعكس إمكاناته وقدراته.
3- أحقية الفرد المعوق في التمتع بحياة كريمة مساوية لتلك التي يتمتع بها الفرد العادي علماً بأن يكون ذلك من خلال المساواة والمشاركة المتكافئة في أنشطة الحياة المختلفة أسوة بالآخرين، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال إخراج هؤلاء الأطفال من الحصون والقلاع الموجودين فيها إلى المجتمع.
هذه المبادئ وغيرها تصبح تشريعاً قانونياً يجب أن يلزم به كل فرد في المجتمع يمثل أي مؤسسة اجتماعية، على أن تكون هذه التشريعات وغيرها في البداية أساس لعمل العاملين في مجال التربية الخاصة حتى يمكن الوصول بالفرد المعوق إلى الهدف الأسمى وهو العيش ضمن مجتمعه في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية متساوية إلى حد ما.
الأساس العلمي
نحن كمتعلمين ننظر إلى الحاضر على أنه امتداد للماضي على أمل أن يكون الحاضر هو المستقبل في ثوب أو في إطار جديد يختلف عن ما هو عليه في الحاضر والماضي، لذلك نجد أن الرصيد العلمي الذي نتعامل معه في مجال التربية الخاصة لم يأت من فراغ، بل هو تراكم لتجارب الآخرين ممن كرسوا جل وقتهم وجهدهم في سبيل تحديد الدور العلمي لمجال التربية الخاصة، هذه الإسهامات أدت دوراً مهماً وواضحاً في بلورة البنية التحتية لهذا لمجال، فأصبحت الصياغة العالمية هي العقد المنظم لجميع عمليات التربية الخاصة، إذ أن التربية الخاصة تتعامل مع العديد من المتغيرات التي تتحكم في جميع العمليات ومن أهمها:
ب- خصائص الطفل المعوق.
ج- العمر الزمني للطفل المعوق.
د- العمر النمائي والعقلي للطفل المعوق.
هـ- احتياجات الطفل المعوق.
لهذا أعتقد أن الأساس العلمي لمدار التربية الخاصة ينبغي أن يرتكز في مجمله على مجموعة من العمليات التي تعكس الأسلوب العلمي، وهذا العمليات تتمثل في ثلاثة أساليب مهمة:
2- أسلوب التدخل أو المعالجة.
تعتبر عملية القياس والتشخيص من العمليات المقترنة بمجال التربية الخاصة أكثر من اقترانها بمجال التربية العامة، وعلى الرغم من أهميتها في مجال التعليم العام إلا أن الحاجة إليها في مجال التربية الخاصة يكون أمراً ضرورياً وأساسياً إذا ما أردنا أن نقدم الخدمة المناسبة لمحتاجيها من ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، لذلك نجد أن القياس يشتمل على العديد من العمليات المتسلسلة والمنظمة المتمثلة في إجراءات الإحالة الأولية والفرز والتقويم وبناء البرامج.
فالقياس كأحد أركان التربية الخاصة ينبغي أن يرتكز على الأبعاد المتعددة للقياس وهذا هو الاتجاه الحديث، إن القياس والتشخيص يجب ألا يقتصر فقط على جانب نمائي واحد، نحن نعرف أن التعويق أو العجز قد يحدث في جانب نمائي معين ولكن آثاره قد تمتد أو تشمل بقية الجوانب النمائية الأخرى، لذلك فمن باب أولى أن يكون هناك قياس متكامل شامل يحمل أكثر من بعد، والقياس الذي يقوم على بعد واحد لم يعد هو الأسلوب الموثوق به لاتخاذ القرار المناسب بالنسبة للحالة موضع القياس؛ لأن الأبعاد المتعددة للقياس تقدم لنا صورة واضحة وصادقة عن وضع الحالة موضع القياس من جوانب مختلفة ومتعددة مما يساعد في تطوير البرامج التي يمكن أن تلبي تلك الاحتياجات التي تمثل جوانب القصور.
2- أسلوب التدخل أو المعالجة:
التدخل بمفهومه العام هو الذي يمكن أن يخدم التربية الخاصة بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو يتضمن العديد من الإجراءات التي تعكس مضمون فلسفة الوقاية بمستوياتها الثلاثة:
وأسلوب التدخل التعليمي هو بيت القصيد وهو نتيجة حتمية لتلك العمليات القياسية والتشخيصية التي على ضوءها تتضح صورة وطبيعة عمليات التدخل المطلوبة، كما يمكن للأخصائيين التربويين من خلاله معرفة طريقهم لبناء البرامج المناسبة لمواجهة القصور بجوانبه ودرجاته المختلفة، لذلك يأخذ شكل التدخل أنواعاً مختلفة تعكس طبيعة الأبعاد النمائية المتطورة، فهناك تدخل تعليمي أكاديمي قد تحتاجه فئات من مجموعات التفوق العقلي والتخلف العقلي وصعوبات التعلم والتعويق السمعي والتعويق البصري والاضطرابات السلوكية، وهناك تدخل العلاج اللغوي وقد يحتاجه فئات من مجموعات: اضطرابات التواصل والتخلف العقلي وحالات العوق المتعددة والشديدة وضعاف السمع والاضطرابات السلوكية، التدخل الآخر وهو التدخل البدني وقد تحتاجه فئات: التعويق البدني والتخلف العقلي وحالات العوق الشديدة والتعويق البصري والتوجه والحركة.
التدخل العلاجي السلوكي الاجتماعي وقد تحتاجه فئات من مجموعات: الاضطرابات السلوكية والتخلف العقلي وصعوبات التعلم وحالات العوق الشديدة والمتعددة.
إذن هناك برامج قد تخدم هذه الفئات وفقاً للبعد المتضرر وسيكون هناك أيضاً برامج أخرى تساعد في دعم الجوانب التي لم تصب بضرر، في حين يتم تنفيذ البرامج السابقة وفقاً لأساليب تعليمية تتناسب واحتياجات الأطفال، فهناك أساليب البرامج التربوية الفردية وهي تنفذ بأساليب وبرامج مختلفة ومتعددة، وهناك أساليب البرامج التربوية الفردية التي تخدم جميع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، ونحن نعتقد ونؤمن في مجال التربية الخاصة أن تفريد التعليم مهم لكل طفل من ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، ولأنه في الغالب لا يوجد تجانس بين احتياجات هذه الفئة، فمن الضروري أن يكون هناك خطط فردية وبرامج فردية تقوم بتغطية جميع الاحتياجات.