العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > سيرة الانبياء والصحابة

سيرة الانبياء والصحابة قسم السيرة النبوية لمواضيع السيرة النبوية , سيرة سير الانبياء , قصص الانبياء , قصص انبياء الله اسلامية , قصص نبوية وصف النبي , غزوات النبي , معجزات النبي مدح النبي , حياة النبي ,أخلاق النبي , حب النبي , قبر النبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06-04-2008, 04:54 PM رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

قيس بن سعد بن عبادة - أدهى العرب، لولا الاسلام

كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..

وكانوا يقولون:" لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا"..
ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم.
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة..؟؟

انه قيس بن سعد بن عبادة.
من أجود بيوت لعرب وأعرقها.. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" ان الجود شيمة أهل هذا البيت"..
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق:
" لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"..!!
ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن.

ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية.. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه:
( ولا يحيق المكر السوء الا بأهله)..
فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول:
" والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا"..!!
ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر.. فهو ابن سعد بن عبادة، زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا:
" هذا خادمك يا رسول الله"..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح..
فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما..
يقول أنس صاحب رسول الله:
" كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير"..
وحين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب.. فلما أسلم، علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه، لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارّا للاسلام، ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية.. وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة:
" لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"...!!
**

ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا... أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا.. وكان الناس يومئذ يقولون:" من أحبّ الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة"...
ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح..
تحّث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا:
" لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه"..
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا:
" من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطّاب.. يبخلان عليّ ابني"..!!
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا..
وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال:
" انا لا نعود في شيء أعطيناه"..!!
**

وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف، وسنّة لا تتبدّل.. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة..
أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان، لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا.. واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا.. وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدّعاء... واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود، فاعلم أنها ليست شجاعة، انما هي نزوة من نزوات التهوّر والطيش...

ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام..

لكأنه المعنيّ بقول الشاعر:
اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيّ..
وواصلت تألقها، في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى..
والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء.. وتتوسل بالوضوح والماوجهة، لا بالمناورة والمراوغة، تحمّل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه..
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره، قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة، وحمل هذا الطراز من الشجاعة المسفرة الواضحة، وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات...
ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده..
هذا الاقتناع الذي لا تكوّنه شهوة أو نزوة، انما يكوّنه الصدق مع النفس، والاخلاص للحق...

وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية، نرى قيسا يخلوبنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه، حتى اذا ما رآه مع عليّ ينهض الى جواره شامخا، قويا مستبسلا..
وفي معارك صفّين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين..
كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح:
هذا اللواء الذي كنا نخفّ به
مع النبي وجبريل لنا مدد
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته
ألا يكون له من غيرهم أحد
ولقد ولاه الامام عليّ حكم مصر..
وكانت عين معاوية على مصر دائما... كان ينظر اليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر...

من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى امارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الى الأبد، حتى لو انتصر هو على الامام عليّ انتصارا حاسما..
وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدسّ عند علي ضدّ قيس، حتى استدعاه الامام منمصر..

وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالا مشروعا، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته الى جانبه، لكي يوغر صدره ضدّ الامام علي، ولكي يضائل من ولائه له.. واذن فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله عليّ، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد والأكيد لقيس بن سعد بن عبادة..
وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر.. فما الولاية، وما الامارة، وما المناصب كلها عند قيس الا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه.. ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لخدمة الحق، فان موقفه بجوار عليّ فوق أرض المعركة وسيلة أخرى لا تقل أهميّة ولا روعة..
**

وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها، بعد استشهاد عليّ وبيعة الحسن..
لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه، هو الوارث الشرعي للامامة فبايعه ووقف الى جانبه غير ملق الى الأخطار وبالا..
وحين يضطرّهم معاوية لامشاق السيوف، ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين حلقوا رؤوسهم حدادا على الامام علي..
ويؤثر الحسن أن يضمّد جراح المسلمين التي طال شحوبها، ويضع حدّا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه..

هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد، فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب، فان لجنود قيس في ذمّته حق الشورى في اختيار المصير، وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلا:
" ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وان شئتم أخذت لكم أمانا:..
واختار جنوده الأمر الثاني، فأخذ لهم الامام من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة...
وفي المدينة المنوّرة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي روّض الاسلام دهاءه..
مات الرجل الذي كان يقول:
لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ب\يقول:
" المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة"..
أجل.. ومات تاركا وراءه عبير رجل أمين على كل ما للاسلام عنده من ذمّة، وعهد وميثاق...

__________________







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:54 PM رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

زيد بن الخطاب - صقر يوم اليمامة

جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري، أطرق الرسول لحظات، ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:

" ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..
وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين، يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه اليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير، وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال لن عنفوة.


ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن، وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب، وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرّجّال بن عنفوة هذا، ذهب ذات يوم الى الرسول مبايعا ومسلما، ولما تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه.. ولم يرجع الى المدينة الا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسملين.. ونقل الى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة، واقترح على الدّيق أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم على الاسلام، فأذن له الخليفة..
وتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون، فحدّثته نفسه الغتدرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية، فترك الاسلام، وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.

وكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك، لأنه استغلّ اسلامه السابق، والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول، وحفظه لآيات كثيرة من القرآن، وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.
لقد سار بين الناس يقول لهم: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده، هو مسيلمة..!!
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالاسلام وبالرسول.
وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة، فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا، والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيّظا، وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!
زيد بن الخطّاب..؟
لا بد أنكم عرفتموه..
انه أخو عمر بن الخطّاب..
أجل أخوه الأكبر، والأسبق..
جاء الحياة قبل عمر، فكان أكبر منه سنا..
وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله..
وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.
وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا، ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.
وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر، بقدر ما يبحث عن الشهادة..!
يوم أحد، حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..
وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب، وقد سقط درعه عنه، وأصبح أدنى منالا للأعداء، فصاح به عمر.
" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..
فأجابه زيد:
" اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!
وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة، واستبسال عظيم.
**

قلنا انه رضي الله عنه، كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد، لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا، وصوليا.
لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة، ونفاق يغيض هزيل.
وزيد في بغضه النفاق والكذب، كأخيه عمر تماما..!
كلاهما لا يثير اشمئزازه، ولا يستجسش بغضاءه، مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة، والأغراض الدنيئة.
ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة، لعب الرّجّال دوره الآثم، فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا، وهو بهذا يقدّم بيديه الى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..
أضلّها أولا، وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه، وزخرفها له هواه، ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة، لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر من خطرا، وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.
**

وبدأ يوم اليمامة مكهرّا شاحبا.
وجمع خالد بن الوليد جيش الاسلام، ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى من..؟؟
الى زيد بن الخطّاب.
وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..
ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين، وسقط منهم شهداء كثيرون.
ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين، فعلا ربوة هناك، وصاح في اخوانه:
" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوّكم، وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله، أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!
ونزل من فوق الربوة، عاضّا على أضراسه، زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.
وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال، فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم، باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..

وهناك راح يأتيه من يمين، ومن شمال، وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه، غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج الى السطح من جديد، فيقترب منه زيد ويبسط اليه سيفه، ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى، فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..
وأخيرا يمسك بخناقه، ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا، وكذبا، وخسّة..
وبسقوط الأكذوبة، أخذ عالمها كله يتساقط، فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..
لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم، وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة، والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!
وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. اذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..
وغدا سيقط المحكم، وبعد غد مسيلمة..!!
هكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..
أما المسلمون، فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال، ونهض جريحهم من جديد، حاملا سيفه، وغير عابئ بجراحه..
حتى الذين كانوا على شفا الموت، لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب، مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل، فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها الى الحياة ليقاتلو، وليشهدوا النصر في روعة ختامه..
ولكن أنّى لهم هذا، وقد تفتحل أبواب الجنّة لاستقبالهم وانهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!
**

رفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربّه، شاكرا نعمته..
ثم عاد الى سيفه والى صمته، فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..
ولقد أخذت المعركة تمضي لالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..

هنالك وقد رأى زيد رياح النر مقبلة، لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام، فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..
وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا، ومآقيه دموعا،وعزمه اصرارا..
وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..
وسقط البطل شهيدا..
بل قولوا: صعد شهيدا..
صعد عظيما، ممجّدا، سعيدا..
وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا..
وبينما كان عمر، يستقبل مع الخليفة أبي بكرو أولئك العائدين الظافرين، راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..
وكان زيد طويل بائن الطول، ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..
ولكن قبل أن يجهد بصره، اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..
وقال عمر:
" رحم الله زيدا..
سبقني الى الحسنيين..
أسلم قبلي..
واستشهد قبلي".
**

وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم، فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..
ودائما كان يقول:
" ما هبّت الصبا، الا وجدت منها ريح زيد".
أجل..
ان الصبا لتحمل ريح زيد، وعبير شمائله المتفوقة..
ولكن، اذا اذن أمير المؤمنين، أضفت لعبارته الجليلة هذه، كلمات تكتمل معها جوانب الاطار.
تلك هي:
" .. وما هبّت رياح النصر على الاسلام منذ يوم اليمامة الا وجد الاسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"
**

بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليهوسلم..
بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا، واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون..!!
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:56 PM رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

خبيب بن عدي - بطل .. فوق الصليب ..!!

والآن..

افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال..
وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان..
تعالوا، خفاقا وثقالا..
تعاولوا مسرعين، وخاشعين..
وأقبلوا، لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..!!
تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟؟


أجل كانت دروسا..
وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير..
ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية..
أستاذ لوفاتكم مشهده، فقد فاتكم خير كثير، جدّ كثير..
الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد..
الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد..
وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور، وظننتم بالأديان والايمان ظنّ السّوء..
تعالوا بغروركم..!
تعالوا وانظروا أية عزة، وأية منعة، وأي ثبات، وأيّ مضاء.. وأي فداء، وأي ولاء..
وبكلمة واحدة، أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!!
أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟
انه موضوع درسنا اليوم، يا كلّ بني الانسان...!
هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع، وهو الدرس، وهو الاستاذ..
اسمه خبيب بن عديّ.
احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا.
واحفظوه وانشدوه، فانه شرف لكل انسان.. من كل دين، ومن كل مذهب، ومن كل جنس، وفي كل زمان..!!
**

انه من أوس المدينة وأنصارها.
تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم، وآمن بالله رب العالمين.
كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريّان الضمير.
كان كما وصفه حسّان بن ثابت:
صقرا توسّط في الأنصار منصبه
سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب
ولما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما.
وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.
وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!!
**

وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد..
وكان خبيب عابدا، وناسكا، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين..
هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل، ويصوم الناهر، ويقدّس لله رب العالمين..
**

وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها، واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.
وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم..
وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه:
" انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..
وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..
وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..
واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار..
ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.
والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.
وانتظروا بما يأمر..
فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..
اللهم أخبر عنا نبيك"..

وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا..
ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا.
فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه..
واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم، وبرطوهما بها..
ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه..
واستشهد حيث أراد..
وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!!
وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام.
وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها..
ودوّى في الآذان اسم خبيب..
وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد.
وسارعوا الى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم.
وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين..!!
وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا..
**

أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين.
وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر، ويلاشي الهول.
كان الله معه.. وكان هو مع الله..
كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..!
دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكييبصروا عجبا..
" والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه..
وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة..
ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!!

أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت:
( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا..
قال يا مريم أنّى لك هذا
قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)..
**

وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه.
ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته.
وراحوا يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!
أجل، كان ايما خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا..
كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه..
واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه..
وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..
وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات...

وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي..
ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم:
" والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة"..!!
ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال:
" اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا"..
ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع

ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب..
ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.
وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!!
لم يغمض عينيه، ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.
وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه.
وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له:
" أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك"..؟؟
وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح، في قاتليه:
" والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة"..

نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان، وكان لم يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!!
**

كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها، فتناوشه في جنون ووحشية..
وقريبا من المشهد كانت تحومطيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة..
ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت، وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى.
وفجأة طارت تشق الفضاء، وتمضي بعيدا.. بعيدا..

لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب، فخدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!!
مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة.

وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية..
وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..!!

كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا، قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا:
" اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"..
واستجاب الله دعاءه..
فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة..
وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..
ومن فوره دعا المقداد بن عمرو، والزبير بن العوّام..
فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا.
وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب.

ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.
ولعل ذلك أحرى به وأجدر، حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير الحياة، بطلا.. فوق الصليب..!!!

__________________







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:56 PM رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

عمير بن سعد - نسيج وحده

أتذكرون سعيد بن عامر..؟؟

ذلك الزاهد العابد الأوّاب الذي حمله أمير المؤمنين عمر على قبول امارة الشام وولايتها..
لقد تحدثنا عنه في كتابنا هذا، ورأينا من زهده وترفعه، ومن ورعه العجب كله..
وها نحن أولاء، نلتقي على هذه الصفات بأخ له، بل توأم، في الورع وفي الزهد، وفي الترفع.. وفي عظمة النفس التي تجل عن النظير..!!
انه عمير بن سعد..

كان المسلمون يلقبونه نسيج وحده!!
وناهيك برجل يجمع على تلقيبه بهذا اللقب أصحاب رسول الله، وبما معهم من فضل وفهم ونور..!!
**

أبوه سعد القارئ رضي الله عنه.. شهد بدرا مع رسول الله والمشاهد بعدها.. وظلّ أمينا على العهد حتى لقي الله شهيدا في موقعة القادسية.
ولقد اصطحب ابنه الى الرسول، فبايع النبي وأسلم..
ومنذ أسلم عمير وهو عابد مقيم في محراب الله.
يهرب من الأضواء، ويفيئ الى سكينة الظلال.
هيهات أن تعثر عليه في الصفوف الأولى، الا أن تكون صلاة، فهو يرابط في صفها الأول ليأخذ ثواب السابقين.. والا أن يكون جهاد، فهو يهرول الى الصفوف الأولى، راجيا أن يكون من المستشهدين..!
وفيما عدا هذا، فهو هناك عاكف على نفسه ينمي برّها، وخيرها وصلاحها وتقاها..!!
متبتل، ينشد أوبه..!!
أوّاب، يبكي ذنبه..!!
مسافر الى الله في كل ظعن، وفي كل مقام...
**

ولقد جعل الله له في قلوب الأصحاب ودّا، فكان قرّة أعينهم ومهوى أفئدتهم..
ذلم أن قوة ايمانه، وصفاء نفسه، وهدوء سمته، وعبير خصاله، واشراق طلعته، كان يجعله فرحة وبهجة لكل من يجالسه، أ، يراه.
ولم يكن يؤثر على دينه أحدا، ولا شيئا.
سمع يوما جلاس بن سويد بن الصامت، وكان قريبا له.. سمعه يوما وهو في دارهم يقول:" لئن كان الرجل صادقا، لنحن شرّ من الحمر"..!!
وكان يعني بالرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان جلاس من الذين دخلوا الاسلام رهبا.
سمع عمير بن سعد هذه العبارات ففجرت في نفسه الوديعة الهادئة الغيظ والحيرة..
الغيظ، لأن واحدا يزعم أنه من المسلمين يتناول الرسول بهذه اللهجة الرديئة..
والحيرة، لأن خواطره دارت سريعا على مسؤوليته تجاه هذا الذي سمع وأنكر..
ينقل ما سمع الى رسول الله؟؟
كيف، والمجالس بالأمانة..؟؟
أيسكت ويطوي صدره ما سمع؟
كيف؟؟
وأين ولاؤه ووفاؤه للرسول الذي هداهم الله به من ضلالة، وأخرجهم من ظلمة..؟
لكن حيرته لم تطل، فصدق النفس يجددائما لصاحبه مخرجا..
وعلى الفور تصرّف عمير كرجل قوي، وكمؤمن تقي..
فوجه حديثه الى جلاس بن سويد..
" والله يا جلا، انك لمن أحب الناس الي، وأحسنهم عندي يدا، وأعزهم عليّ أن يصيبه شيء يكرهه..
ولقد قلت الآن مقالة لو أذعتها عنك لآذتك.. وان صمتّ عليها، ليهلكن ديني، وان حق الدين لأولى بالوفاء، واني مبلغ رسول الله ما قلت"..!
وأرضى عمير ضميره الورع تماما..
فهو أولا أدّى أمانة المجلس حقها، وارتفع بنفسه الكبيرة عن ان يقوم بدور المتسمّع الواشي..
وهو ثانيا أدى لدينه حقه، فكشف عن نفاق مريب..
وهو ثالثا أعطى جلاس فرصة للرجوع عن خطئه واستغفار الله منه حين صارحه بأنه سيبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو أنه فعل آنئذ، لاستراح ضمير عمير ولم تعد به حاجة لابلاغ الرسول عليه السلام..
بيد أن جلاسا أخذته العزة بالاثم، ولم تتحرك شفتاه بكلمة أسف أو اعتذار، وغادرهم عمير وهو يقول:
" لأبلغنّ رسول الله قبل أن ينزل وحي يشركني في اثمك"...
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب جلاس فأنكر أنه قال، بل حلف بالله كاذبا..!!
لكن آية القرآن جاءت تفصل بين الحق والباطل:
( يحلفون بالله ما قالوا.. ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا بعد اسلامهم، وهمّوا بما لم ينالوا.. وما نقموا الا أن أغناهم الله ورسوله من فضله.. فان يتوبوا خيرا لهم، وان يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة،وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير)..

واضطر جلاس أن يعترف بمقاله، وأن يعتذر عن خطيئته، لا سيما حين رأى الآية الكريمة التي تقرر ادانته، تعده في نفس اللحظة برحمة اله ان تاب هو وأقلع:
" فان يتوبوا، يك خيرا لهم"..
وكان تصرّف عمير هذا خيرا وبركة على جلاس فقد تاب وحسن اسلامه..
وأخذ النبي بأذن عمير وقال له وهو يغمره بسناه:
" يا غلام..
وفت اذنك..
وصدّقك ربك"..!!
**

لقد سعدت بلقاء عمير لأول مرة، وأنا أكتب كتابي بين يدي عمر.
وبهرني، كما لم يبهرني شيء، نبأه مع أمير المؤمنين.. هذا النبأ الذي سأرويه الآن لكم، لتشهدوا من خلاله العظمة في أبهى مشارقها..
**

تعلمون أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان يختار ولاته وكأنه يختار قدره..!!
كان يختارهم من الزاهدين الورعين، والأمناء الصادقين.. الذين يهربون من الامارة والولاية، ولا يقبلونها الا حين يكرههم عليها أمير المؤمنين..
وكان برغم بصيرته النافذة وخبرته المحيطة يستأني طويلا، ويدقق كثيرا في اختيار ولاته ومعاونيه..
وكان لا يفتأ يردد عبارته المأثورة:
" أريد رجلا اذا كان في القوم، وليس أميرا عليهم بدا وكأنه أميرهم.. واذا كان فيهم وهو عليهم امير، بدا وكأنه واحد منهم..!!
أريد واليا، لا يميز نفسه على الناس في ملبس، ولا في مطعم، ولا في مسكن..
يقيم فيهم الصلاة.. ويقسم بينهم بالحق.. ويحكم فيهم بالعدل.. ولا يغلق بابه دون حوائجهم"..
وفي ضوء هذه المعايير الصارمة، اختار ذات يوم عمير بن سعد واليا على حمص..
وحاول عمير أن يخلص منها وينجو، ولكن أمير المؤمنين ألزمه بها الزاما، وفرضها عليه فرضا..
واستخار الله ،ومضى الى واجبخ وهمله..
وفي حمص مضى عليه عام كامل، لم يصل الى المدينة منه خراج..
بل ولم يبلغ أمير المؤمنين رضي الله عنه منه كتاب..
ونادى أمير المؤمنين كاتبه وقال له:
" اكتب الى عمير ليأتي الينا"..
وهنا أستأذنكم في أن أنقل صورة اللقاء بين عمر وعمير، كما هي في كتابي بين يدي عمر.
" ذات يوم شهدت شوارع المدينة رجلا أشعث أغبر، تغشاه وعثاء السفر، يكاذ يقتلع خطاه من الأرض اقتلاعا، من طول ما لاقى من عناء، وما بذل من جهد..
على كتفه اليمنى جراب وقصعة..
وعلى كتفه اليسرى قربة صغيرة فيها ماء..!
وانه ليتوكأ على عصا، لا يؤدها حمله الضامر الوهنان..!!
ودلف الى مجلس عمر فى خطى وئيدة..
السلام عليك يا امير المؤمنين..
ويرد عمر السلام، ثم يسأله، وقد آلمه ما رآه عليه من جهد واعياء:
ما شأنك يا عمير..؟؟
شأني ما ترى.. ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدنيا أجرّها بقرنيها..؟؟!!
قال عمر: وما معك..؟
قال عمير: معي جرابي أحمل فيه زادي..
وقصعتي آكل فيها.. واداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي.. وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد بها عدوّا ان عرض.. فوالله ما الدنيا الا تبع لمتاعي..!!
قال عمر: أجئت ماشيا..
عمير: نعم..
عمر: أولم تجد من يعطيك دابة تركبها..؟
عمير: انهم لم يفعلوا.. واني لم أسألهم..
عمر: فماذا عملت فيما عهدنا اليك به...؟
عمير: أتيت البلد الذي يعثتني اليه، فجمعت صلحاء أهله، ووليتهم جباية فيئهم وأموالهم، حتى اذا جمعوها وضعوها في مواضعها.. ولو بقي لك منها شيء لأتيتك به..!!
عمر: فما جئتنا بشيء..؟
عمير: لا..
فصاح عمر وهو منبهر سعيد:
جدّدوا لعمير عهدا..
وأجابه عمير في استغناء عظيم:
تلك أيام قد خلت.. لا عملت لك، ولا لأحد بعدك"..!!
هذه لصورة ليست سيناريو نرسمه، وليست حوارا نبتدعه.. انما هي واقعة تاريخية، شهدتها ذات يوم أرض المدينة عاصمة الاسلام في أيام خلده وعظمته.
فأي طراز من الرجال كان أولئك الأفذاذ الشاهقون..؟!!
**

وكان عمر رضي الله عنه يتمنى ويقول:
" وددت لو أن لي رجالا مثل عمير أستعين بهم على أعمال المسلمين"..
ذلك أن عميرا الذي وصفه أصحابه بحق بأنه نسيج وحده كان قد تفوّق على كل ضعف انساني يسببه وجودنا المادي، وحياتنا الشائكة..
ويوم كتب على هذا القدّيس العظيم أن يجتاز تجربة الولاية والحكم، لم يزدد ورعه بها اا مضاء ونماء وتألقا..
ولقد رسم وهو أمير على حمص واجبات الحاكم المسلم في كلمات طالما كان يصدح بها في حشود المسلمين من فوق المنبر.
وها هي ذي:
" ألا ان الاسلام حائط منيع، وباب وثيق
فحائط الاسلام العدل.. وبابه الحق..
فاذا نقض الحائط، وحطّم الباب، استفتح الاسلام.
ولا يزال الاسلام منيعا ما اشتدّ السلطان
وليست شدّة السلطان قتلا بالسيف، ولا ضربا بالسوط..
ولكن قضاء بالحق، وأخذا بالعدل"..!!

والآن نحن نودّع عميرا.. ونجييه في اجلال وخشوع، تعالوا نحن رؤوسنا وجباهنا:
لخير المعلمين: محمد..
لامام المتقين: محمد..
لرحمة الله المهداة الى الناس في قيظ الحياة
عليه من الله صلاته. وسلامه..
وتحياته وبركاته..
وسلام على آله الآطهار..
وسلام على أصحابه الأبرار...

[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:57 PM رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

طلحة بن عبيد الله - صقر يوم أحد

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا)...

تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة، ثم استقبل وجوه أصحابه، وقال وهو يشير الى طلحة:
" من سرّه أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر الى طلحة"..!!
ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله، وتطير قلوبهم شوقا اليها أكثر من هذه التي قلّدها النبي طلحة بن عبيد الله..

لقد اطمأن اذن الى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا، ويموت، وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة، ولن يدركه لغوب..
ولقد بشّره الرسول بالجنة، فماذا كانت حياة هذا المبشّر الكريم..؟؟
**

لقد كان في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم، والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..
وحّر طلحة أن يفوته موكبه، فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص..
وحين عاد طلحة الى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر، الفى بين أهلها ضجيجا.. وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم، أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه.. وعن الرسالة التي يحملها الى العرب خاصة، والى الناس كافة..
وسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد، وأنه يقف الى جوار محمد مؤمنا منافحا، أوّابا..
وحدّث طلحة نفسه: محمد، وأبو بكر..؟؟
تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة أبدا.!!
ولقد بلغ محمد الأربعين من عمره، وما عهدنا عليه خلال هذا العمر كذبة واحدة.. أفيكذب اليوم على الله، ويقول: أنه أرسلني وأرسل اليّ وحيا..؟؟

وهذا هو الذي يصعب تصديقه..
وأسرع طلحة الخطى ميمما وجهه شطر دار أبي بكر..
ولم يطل الحديث بينهما، فقد كان شوقه الى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعته أسرع من دقات قلبه..
فصحبه أبو بكر الى الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث أسلم وأخذ مكانه في القافلة المباركة..
وهكذا كان طلحة من المسلمين المبكرين.
**

وعلى الرغم من جاهه في قومه، وثرائه العريض، وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش، اذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد، وكان يدعى أسد قريش، بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه، اذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها، وخافت عاقبة أمرها..
وهاجر طلحة الى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة، ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عدا غزوة بدر، فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة..
ولما أنجزاها ورجعا قافلين الى المدينة، كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر، فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته..
بيد أن الرسول أهدى اليهما طمأنينة سابغة، حين انبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما، بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها..
وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بانزال هزيمة نهائية بالمسلمين، هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا، وقدرا مقدورا..!!
ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين..

ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم، ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم..
وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة، فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..
واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه، وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين..
وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك والوثنية، فسارع نحو الرسول..
وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات من الرماح المجنونة!!
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدمو ويتحامل على نفسه، فجنّ جنونه، وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه، وتحيط به تريد أن تناله بسوء..

ووقف طلحة كالجيش اللجب، يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..
ورأى دم الروسل الكريم ينزف، وآلامه تئن، فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه..
كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره، متأخرا به الى مكان آمن، بينما بيمينه، بارك الله يمينه، تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول، وملؤا دائرة القتال مثل الجراد..!!
ولندع الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه يصف لنا المشهد..
تقول عائشة رضي الله عنها:
" كان أبو بكر اذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم اخاكم.. ونظرنا واذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. واذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه" .
**

وفي جميع المشاهد والغزوات، كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله، ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة، يعبد الله مع العابدين، ويجاهد في سبيله مع المجاهدين، ويرسي بساعديه مع سواعد اخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور..
فاذا قضى حق ربه، راح يضرب في الأرض، ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة، وأعماله الناجحة.
فقد كان طلحة رضي الله عته من أكثر المسلمين ثراء، وأنماهم ثروة..
وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته...
كان ينفق منها بغير حساب..
وكان اله ينمّيها له بغير حساب!

لقد لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفيّاض اطراء لجوده المفيض.
وما أكثر ما كان يخرج من ثروته مرة واحدة، فاذا الله الكريم يردها اليه مضاعفة.

تحدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:
" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما، فسألته ما شانك..؟
فقال المال الذي عندي.. قد كثر حتى أهمّني وأكربني..
وقلت له ما عليك.. اقسمه..
فقام ودعا الناس، واخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهم"...
ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع، ونظر الى كومة المال ففاضت عيناه من الدمع ثم قال:
" ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري ما يطرق من أمر، لمغرور بالله"...
ثم دعا بعض أصحابه وحمل معهم أمواله هذه، ومضى في شوارع المدينة وبيوتها يوزعها، حتى أسحر وما عنده منها درهم..!!
ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول:
" ما رأيت أحد اعطى لجزيل مال من غير مسألة، من طلحة بن عبيد الله".وكان أكثر الناس برّا بأهله وبأقربائه، فكان يعولهم جميعا على كثرتهم..
وقد قيل عنه في ذلك:
".. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مؤنته، ومؤنة عياله..
وكان يزوج أيامهم، ويخدم عائلهم، ويقضي دين غارمهم"..

ويقول السائب بن زيد:
" صجبت طلحة بن عبيدالله في السفر والحضر فما وجدت أحدا، أعمّ سخاء على الدرهم، والثوب والطعام من طلحة"..!!

وتنشب الفتنة المعروفة في خلافة عثمان رضي الله عنه..
ويؤيد طلحة حجة المعارضين لعثمان، ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيير واصلاح..
أكان بموقفه هذا، يدعو الى قتل عثمان، أو يرضى به..؟؟ كلا...
ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقدا مخبولا ، ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه..
نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى الى هذا المأزق والمنتهى لقاومها، ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير، لا أكثر..

على أن موقف طلحة هذا، تحوّل الى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل، فلم يكد الامام عليّ يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير، حتى استأذن الاثنان في الخروج الى مكة للعمرة..
ومن مكة توجها الى البصرة، حيث كانت قوات كثيرة تتجمّع للأخذ بثأر عثمان..
وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان، والفريق الذي يناصر عليّا..
وكان عليّ كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الاسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة، تنتفض همومه، وتهطل دموعه، ويعلو نشيجه..!!

لقد اضطر الى امأزق الوعر..
فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع، وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرّد على الدولة، أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة..
وحين ينهض لقمع تمرّد من هذ النوع، فان عليه أن يواجه اخوانه وأصحابه وأصدقاءه، وأتباع رسوله ودينه، أولئك الذين طالما قاتل معهم جيوش الشرك، وخاضوا معا تحت راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم، وجعلت منهم اخوانا بل اخوة متعاضدين..
فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلاء عسير..؟
وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق، وصون دماء المسلمين لم يترك الامام علي وسيلة الا توسّل بها، ولا رجاء الا تعلق به.
ولكن العناصر التي كانت تعمل ضدّ الاسلام، وما أكثرها، والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة، أيام عاهلها العظيم عمر، هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة، وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها...
**

بكى عليّ بكاء غزيرا، عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله..
وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير، حوراييّ رسول الله..
فنادى طلحة والزبير ليخرجا اليه، فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم..
فقال لطلحة:
" يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها. وخبأت عرسك في البيت"..؟؟
ثم قال للزبير:
" يا زبير، نشدتك الله، أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا، فقال لك: يا زبير، ألا تحبّ عليّا..؟
فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمي، ومن هو على ديني..؟؟
فقال لك: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"..!!
قال الزبير رضي الله عنه: نعم أذكر الآن، وكنت قد نسيته، والله لا أقاتلك..
وأقلع الزبير وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب الأهلية..
أقلعا فور تبيّنهما الأمر، وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف عليّ، تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار:
" تقتلك الفئة الباغية"..
فان قتل عمّار اذن في هذه المعركة التي يشترك فيها طلحة، فسيكون طلحة باغيا...
**

انسحب طلحة والزبير من القتال، ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما، ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى..
أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..!!
وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..
**

كان مقتل عثمان قد تشكّل في نفسية طلحة، حتى صار عقدة حياته..
كل هذا، مع أنه لم يشترك بالقتل، ولم يحرّض عليه، وانما ناصر المعارضة ضدّه، يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول الى تلك الجريمة البشعة..

وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان، كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفّارة تريحه من وطأة ضميره..
وكان قبل بدء المعركة يدعو ويضرع بصوت تخنقه الدموع، ويقول:
" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..

فلما واجهه عليّ هو والزبير، أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما، فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..
بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان يكون..
ألم يقل الرسول عنه:
" هذا ممن قضى نحبه، ومن سرّه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض، فلينظر الى طلحة"..؟؟
لقي الشهيد اذن مصيره المقدور والكبير، وانتهت وقعة الجمل.
وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة الى البيت الحرام فالمدينة، نافضة يديها من هذا الصراع، وزوّدها الامام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..
وحين كان عليّ يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا، الذين كانوا معه، والذين كانوا ضدّه..
ولما فرغ من دفن طلحة، والزبير، وقف يودعهما بكلمات جليلة، اختتمها قائلا:
" اني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ اخوانا على سرر متقابلين)"..
ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:
" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" طلحة والزبير، جاراي في الجنّة"...

__________________







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:58 PM رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

عمير بن وهب - شيطان الجاهلية ، و حواري الاسلام

في يوم بدر، كان واحدا من قادة قريش الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الاسلام.

وكان حديد البصر، محكم التقدير، ومن ثم ندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للقائهم، ولينظر ان كان لهم من وزرائهم كمين أو مدد..
وانطلق عمير بن وهب الجمحيّ وصال بفرسه حول معسكر المسلمين، ثم رجع يقول لقومه:" انهم ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أ، ينقصون" وكان حدسه صحيحا.
وسألوه: هل وراءهم امتداد لهم؟؟ فأجابهم قائلا:

" لم أجد وراءهم شيءا.. ولكن يا معشر قريش، رأيت المطايا تحمل الموت الناقع.. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم..
" والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم، فاذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك..؟؟
" فانظروا رأيكم"..
وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش، وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون الى مكة بغير قتال، لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم، وأضرم في النفوس نار الحقد، ونار الحربو التي كان هو أول قتلاها..
**

كان أهل مكة يلقبونه بـ شيطان قريش..
ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاء لم يغن قومه شيئا، فعادت قوات قريش الى مكة مهزومة مدحورة، وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه.. اذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيرا..
وذات يوم ضمّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة.. وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة، فان أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب.
جلس صفوان وعمير يجترّان أحقادهما..
ولندع عروة بن الزبير ينقل الينا حديثهما الطويل:
" قال صفوان، وهو يذكر قتلى بدر: والله ما في العيش بعدهم من خير..!
وقال له عمير: صدقت، ووالله لولا دين محمد عليّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت الى محمد حتى أقتله، فان لي عنده علة أعتلّ بها عليه: أٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير.
فاغتنمها صفوان وقال: عليّ دينك.. أنا أقضيه عنك.. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا..
فقال له عمير:اذن فاكتم شأني وشأنك..."

ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة.
وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، اذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب، قد أناخ راحلته على باب المسجد، متوشحا سيفه، فقال:
هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء الا لشرّ..
فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر..
ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فال:
يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه..
قال صلى الله عليه وسلم:
أدخله عليّ.." فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار، ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فانه غير مأمون."
ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه فلما رآه الرسول قال: دعه يا عمر..
اذن يا عمير..
فدنا عمير وقال: انعموا صباحا، وهي تحيّة الجاهلية،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام.. تحية أهل الجنة.
فقال عمير: أما والله يا محمد ان كنت بها لحديث عهد.
قال لرسول: فما جاء بك يا عمير..؟؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم.
قال النبي: فما بال السيف في عنقك..؟؟
قال عمير: قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا..؟!
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له..؟
قال: ما جئت الا لذلك.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت، لولا دين عليّ، وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك..!!!
وعندئذ صاح عمير: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أنك رسول الله.. هذا أمر لم يحضره الا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به الا الله، فالحمد لله الذي هداني للاسلام..
فقال الرسول لأصحابه: فقّهوا أخاكم في الدين وأقرئه القرآن، وأطلقوا أسيره....!!
**

هكذا أسلم عمير بن وهب..
هكذا أسلم شيطان قريش، وغشيه من نور الرسول والاسلام ما غشيه فاذا هو في لحظة يتقلب الى حواريّ الاسلام..!!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" والذي نفسي بيده، لخنزير كان أحبّ اليّ من عمير حين طلع علينا..
ولهو اليوم أحبّ اليّ من بعض ولدي"..!!
**

جلس عمير يفكّر بعمق في سماحة هذا الدين، وفي عظمة هذا الرسول:
ثم تذكر بلاءه يوم بدر وقتاله.
وتذكر أيامه الخوالي في مكة وهو يكيد للاسلام ويحاربه قبل هجرة الرسول وصحبه الى المدينة.
ثم هاهو ذا يجيء اليوم متوشحا سيفه ليقتل به الرسول.
كل ذلك يمحوه في لحظة من الزمان قوله:" لا اله الا الله، محمد رسول الله"..!!
أيّة سماحة، وأي صفاء، وأية ثقة بالنفس يحملها هذا الدين العظيم..!!
أهكذا في لحظة يمحو الاسلام كل خطاياه السالفة، وينسى المسلمون كل جرائره وعداواته السابقة، ويفتحون له قلوبهم، ويأخذونه بالأحضان..؟!
أهكذا والسيف الذي جاء معقودا على شرّ طوية وشرّ جريمة، لا يزال يلمع أمام أبصارهم، ينسي ذلك كله، ولا يذكر الآن الا أن عميرا باسلامه، قد أصبح احدا من المسلمين ومن أصحاب الرسول، له ما لهم.. وعليه ما عليهم..؟!!!
أهكذا وهو الذي ودّ عمر بن الخطاب منذ لحظتين أن يقتله، يصبح أحب الى عمر من ولده وبنيه..؟؟؟!!!

اذا كانت لحظة واحدة من الصدق، تلك التي أعلن فيها عمر اسلامه، تحظى من الاسلام بكل هذا التقدير والتكريم والمثوبة والاجلال، فان الاسلام اذن لهو دين عظيم..!!
**

وفي لحظات عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين.. أن يخدمه بقدر ما حاربه، وان يدعو اليه، بقدر ما دعا ضدّه.. وأن يري الله ورسوله ما يحب الله ورسوله من صدق، وجهاد وطاعة.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم، قائلا:
" يا رسول الله: انب كنت جاهدا على اطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم الى الله تعالى، والى رسوله، والى الاسلام، لعلّ الله يهيدهم، والا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..

في تلك الأيام، ومنذ فارق عمير مكة متوجها الى المدينة كان صفوان بن أمية الذي اغرى عميرا بالخروج لقتل الرسول، يمشي في شوارع مكة مختالا، ويغشي مجالسها وندواتها فرحا محبورا..!
وكلما سأله قومه واخوته عن شسر فرحته ونشوته، وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر، يفرك كفّيه في غرور يقول للناس:" أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..!
وكان يخرج الى مسارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان:" ألم يحدث بالمدينةأمر".
وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى، فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثا ذا بال.
ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان، حتى لقي بعضهم يوما فسأله:" ألم يحدث بالمدينةأمر"..؟؟
فأجابه المسافر: بلى حدث أمر عظيم..!!
وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح..
وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق:" ماذا حدث اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه في الدين، ويتعلم القرآن"..!!
ودرات الأرض بصفوان.. والوقعة التي كان يبشر بها قومه، والتي كان ينتظهرا لتنسيه وقعة بدر جاءته اليوم في هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما..!!
**

وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير الى مكة شاهرا سيفه، متحفزا للقتال، ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية..
وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه الى صوابه، فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
دخل عمير بن وهب مكة مسلما، وهو الذي فارقها من أيام مشركا، دخلها وفي روعة صورة عمر بن الخطاب يوم أسلم، ثم صاح فور اسلامه قائلا:
" والله لا أدع مكانا جلست فيه بالكفر، الا جلست فيه بالايمان".

ولكأنما اتخذ عمير من هذه الكلمات شعارا، ومن ذلك الموقف قدوة، فقد صمم على نذر حياته للدين الذي طالما حاربه.. ولقد كان في موقف يسمح له بأن ينزل الأذى بمن يريد له الأذى..
وهكذا راح يعوّض ما فاته.. ويسابق الزمن الى غايته، فيبشر بالاسلام ليلا ونهارا.. علانية واجهارا..
في قلبه ايمانه يفيض عليه أمنا، وهدى ونورا..
وعلى لسانه كلمات حق، يدعو بها الى العدل والاحسان والمعروف والخير..
وفي يمينه سيف يرهب به قطاع الطق الذين يصدّون عن سبيل الله من آمن به، ويبغونها عوجا.
وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا الى الاسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال.
وخرج عمير بهم الى المدينة في موكب طويل مشرق.
وكانت الصحراء التي يجتازونها في سفرهم لا تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من قريب حاملا سيفه، حاثّا خطاه الى المدينة ليقتل الرسول، ثم عبرها مرّة أخرى راجعا من المدينة بغير الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته المحبورة.. ثم ها هو ذا يجتازها مرة ثالثة على رأس موكب كبير من المؤمنين يملؤون رحابها تهليلا وتكبيرا..
**

أجل لنه لنبأ عظيم.. نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية الله الى حواريّ باسل من حوارييّ الاسلام، والذي ظلّ زاقفا الى جوار رسول الله في الغزوات والمشاهد، وظلّ ولاؤه لدين الله راسخا بعد رحيل الرسول عن الدنيا.
وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح اليه يناشده الاسلام ويدعوه اليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول، وصدق الرسالة..
بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن..
واشتدّ اشفاق عمير على صفوان، وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة.
وذهب مسرعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
" يا نبيّ الله ان صفوان بن أميّة سيّد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه صلى الله عليك،
فقال النبي: هو آمن.
قال رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة"..

ولندع عروة بن الزبير يكمل لنا الحديث:
" فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به..
قال له صفوان: ويحك، اغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان..فداك أبي وأمي، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، وأبرّ الناس ، وأحلم الناس، وخير الانس.. عزّه عزّك، وشرفه شرفك..
قال: اني أخاف على نفسي..
قال: هوأحلم من ذاك وأكرم..
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: ان هذا يزعم أنك أمّنتني..
قال السول صلى الله عليه وسلم: صدق..
قال صفوان: فاجعلني فيه بالخيار شهرين..
قال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر".
وفيما بعد أسلم صفوان.
وسعد عمير باسلامه أيّما سعادة..
وواصل ابن وهب مسيرته المباركة الى الله، متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات الى النور.

__________________







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:59 PM رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

عبدالله بن رواحة - يا نفس ، الا تقتلي تموتي

عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشترف مكة، يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى، كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء، حملة الاسلام الى المدينة، والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله، والاسلام..

وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية، كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه الى المدينة واستقرارهم بها، كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه، وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الاسلام اليها، والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة، فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للاسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرةمنيرة، أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته، وشلّت حركة دهائه..!!

وكان ابن رواحة رضي الله عنه، كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة الا يسيرا..
وكان شاعرا، ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا..
ومنذ أسلم، وضع مقدرته الشعرية في خدمة الاسلام..
وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..

جلس عليه السلام يوما مع أصحابه، وأقبل عبدالله بن رواحة، فسأله النبي:
" كيف تقول الشعر اذا أردت أن نقول"..؟؟
فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..
ومضى على البديهة ينشد:
يا هاشم الخير ان الله فضّلكم
على البريّة فضلا ما له غير
اني تفرّست فيك الخير أعرفه
فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو
في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصروا
فثّبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

فسرّ الرسول ورضي وقال له:
" واياك، فثّبت الله"..
وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء
كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:
يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام ان لاقينا
ان الذين قد بغوا علينا اذا أرادوا فتنة ألبنا
وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة..
وحزن الشاعر المكثر، حين تنزل الآية الكريمة:
( والشعراء يتبعهم الغاوون)..
ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:
( الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيرا، وانتصروا من بعد ما ظلموا..)
**

وحين يضطر الاسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه، يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده:
" يا نفس الا تقتلي تموتي"..
وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:
خلوا بني الكفار عن سبيله
خلوا، فكل الخير في رسوله
**

وجاءت غزوة مؤتة..
وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء، كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر..
ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة..
وقف ينشد ويقول:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حرّان مجهرة بحربة تنفد الأحشاء والكبدا
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي يا أرشد الله من غاز، وقد رشدا
أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أ، طعنة رمح، تنقله الى عالم الشهداء والظافرين..!!
**

وتحرّك الجيش الى مؤتة، وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل، اذ رأوا صفوفا لا آخر لها، وأعداد نفوق الحصر والحساب..!!
ونظر المسلمون الى عددهم القليل، فوجموا.. وقال بعضهم:
" فلنبعث الى رسول الله، نخبره بعدد عدوّنا، فامّا أن يمدّنا بالرجال، وأمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع"..
بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار، وقال لهم:
" يا قوم..
انّا والله، ما نقاتل الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به..
فانطلقوا.. فانما هي احدى الحسنيين، النصر أو الشهادة"...
وهتف المسلمون الأقلون عددا، الأكثرون ايمانا،..
هتفوا قائلين:
"قد والله صدق ابن رواحة"..
ومضى الجيش الى غايته، يلاقي بعدده القليل مائتي ألف، حشدهم الروم للقال الضاري الرهيب...
**

والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..
وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
وتلاه ثالث الأمراء عبداله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته، وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب، الذي حشده هرقل..
وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي، كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..
أما الآن، وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته، فقد بدا أمام ضراوة الروم، وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب، لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..

أقسمت يا نفس لتنزلنّه مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟
يا نفس الا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنّت فقد أعطيت ان تفعلي فعلهما هديت
يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه الى الشهادة: زيدا وجعفر..
"ان تفعلي فعلهما هديت.

انطلق يعصف بالروم عصفا..
ولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة، لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة الى الله، فصعد شهيدا..
هوى جسده، فصعدت الى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة..
وتحققت أغلى أمانيه:
حتى يقال اذا مرّوا على جدثي
يا أرشد الله من غار، وقد رشدا
نعم يا ابن رواحة..
يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!
**

وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة، يحادثهم ويحادثونه..
وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!
وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال:
"أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا.
ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا"..
وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا:
" ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها، حتى قتل شهيدا"..
ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل، مطمئن، مشتاق. ثم قال:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
أيّة رحلة مجيدة كانت..
وأي اتفاق سعيد كان..
لقد خرجوا الى الغزو معا..
وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة، كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رفعوا الى الجنة"..!!
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 04:59 PM رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

عثمان بن مظعون - راهب صومعته الحياة

اذا أردت أن ترتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق سبقهم الزمني الى الاسلام فاعلم اذا بلغت الرقم الرابع عشر أن صاحبه هو عثمان بن مظعون..
واعلم كذلك أن ابن مظعون هذا، كان أول المهاجرين وفاة بالمدينة.. كما كان أول المسلمين دفنا بالبقيع..
واعلم أخيرا أن هذا الصحابي الجليل الذي تطالع الآن سيرته كان راهبا عظيما.. لا من رهبان الصوامع، بل من رهبان الحياة...!!
أجل.. كانت الحياة بكل جيشانها، ومسؤولياتها، وفضائلها هي صومعته..
وكانت رهبانيته عملا دائبا في سبيل الحق، وتفانيا مثابرا في سبيل الخير والصلاح...
عندما كان الاسلام يتسرّب ضوؤه الباكر االنديّ من قلب الرسول صلى الله عليه عليه وسلم.. ومن كلماته ، عليه الصلاة والسلان، التي يلقيها في بعض الأسماع سرا وخفية..

كان عثمان بن معظون هناك، وحدا من القلة التي سارعت الى الله والتفت حول رسوله..
ولقد نزل به من الأذى والضر، ما كان ينزل يومئذ بالمؤمنين الصابرين الصامدين..
وحين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه القلة المؤمنة المضطهدة بالعافية. آمرا ايّاها بالهجرة الى الحبشة. مؤثرا أن يبقى في مواجهة الأذى وحده، كان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من المهاجرين، مصطحبا معه ابنه السائب موليّا وجهه شطر بلاد بعيدة عن مكايد عدو الله أبي جهل. وضراوة قريش، وهو عذابها....
**

وكشأن المهاجرين الى الحبشة في كلتا الهجرتين... الأولى والثانية، لم يزدد عثمان بن مظعون رضي الله عنه الا استمساكا بالاسلام. واعتصاما به..
والحق أن هجرتي الحبشة تمثلان ظاهرة فريدة، ومجيدة في قضية الاسلام..
فالذين آمنوا بالرسول صلى الله وصدّقوه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، كانوا قد سئموا الوثنية بكل ضلالاتها وجهالاتها، وكانوا يحملون فطرة سديدة لم تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أو معجونة من صلصال..!!
وحين هاجروا الى الحبشة واجهوا فيها دينا سائدا، ومنظما.. له منائسه وأحباره ورهبانه..
وهو، مهما تكن نظرتهم اليه، بعيد عن الوثنية التي ألفوها في بلادهم، وعن عبادة الأصنام بشكلها المعروف وطقوسها التي خلفوها وراء ظهورهم..
ولا بدّ أن رجال الكنيسة في الحبشة قد بذلوا جهودا لاستمالة هؤلاء المهاجرين لدينهم، واقناعهم بالمسيحية دينا...
ومع هذا كله نرى أولئك المهاجرين يبقون على ولائهم العميق للاسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم.. مترقبين في شوق وقلق، ذلك أن اليوم القريب الذي يعودون فيه الى بلادهم الحبيبة، ليعبدوا الله وحده، وليأخذوا مكانهم خلف رسولهم العظيم.. في المسجد أيام السلام.. وفي ميدان القتال، اذا اضطرتهم قوى الشرك للقتال..

في الحبشة اذن عاش المهاجرون آمنين مطمئنين.. وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي لم ينس في غربته مكايد ابن عمّه أمية بن خلف، وما ألحقه به وبغيره من أذى وضرّ، فراح يتسلى بهجائه ويتوعده:
تريش نبالا لا يواتيك ريشها
وتبري نبالا، ريشها لك أجمع
وحاربت أقواما مراما أعزة
وأهلكت أقواما بهم كنت تزغ
ستعلم ان نابتك يوما ملمّة
وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
**

وبينما المهاجرون في دار هجرتهم يعبدون الله، ويتدارسون ما معهم من القرآن، ويحملون برغم الغربة توهج روح منقطع النظير.. اذ الأنباء تواتيهم أن قريش أسلمت، وسجدت عم الرسول لله الواحد القهار..
هنالك حمل النهاجرون أمتعتهم وطاروا الى مكة تسبقهم أشواقهم، ويحدوهم حنينهم..
بيد أنهم ما كادوا يقتربون من مشارفها حتى تبيّنوا كذب الخبر الذي بلغهم عن اسلام قريش..
وساعتئذ سقط في أيديهم، ورأوا أنهم قد عجلوا.. ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر..!!
وقد سمع مشركو مكة بمقدم الصيد الذي طالما ردوه ونصبوا شباكهم لاقتناصه.. ثم ها هو ذا الآن، تحيّن فرصته، وتأتي به مقاديره..!!

كان الجوّار يومئذ تقليدا من تقاليد العرب ذات القداسة والاجلال، فاذا دخل رجل مستضعف جوار سيّد قرشي، أصبح في حمى منيع لا يهدر له دم، ولا يضطرب منه مأمن...
ولم يكن العائدون سواء في القدرة على الظفر بجوار..
من أجل ذلك ظفر بالجوار منهم قلة، كان من بين أفرادها عثمان بن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بم المغيرة.
وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا، ومضى يعبر درزبها، ويشهد ندواتها، لا يسام خسفا ولا ضيما.
**

ولكن ابن مظعون.. الرجل الذي يصقله القرآن، ويربيه محمد صلى الله عليه وسلم، يتلفت حواليه، فيرى اخوانه المسلمين من الفقراء والمستضعفين، الين لم يجدوا لهم جوارا ولا مجيرا.. يراهم والأذى ينوشهم من كل جانب.. والبغي يطاردهم في كل سبيل.. بينما هو آمن في سربه، بعيد من أذى قومه، فيثور روحه الحر، ويجيش وجدانه النبيل، ويتفوق بنفسه على نفسه، ويخرج من داره مصمما على أن يخلع جوار الوليد، وأن ينصو عن كاهله تلك الحماية التي حرمته لذة تحمل الأذى في سبيل الله، وشرف الشبه باخوانه المسلمين، طلائع الدنيا المؤمنة، وبشائر العالم الذي ستتفجر جوانبه غدا ايمانا، وتوحيدا، ونورا..

ولندع شاهد عيان يصف لنا ما حدث:
" لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم من البلاء. وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة، قال: والله ان غدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، واصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لايصيبني، لنقص كبير في نفسي..
فمشى الى الوليد بن المغيرة فقال له:
يا أبا عبد شمس وفت ذمتك. وقد ردت اليك جوارك..
فقال له:
لم يا ابن أخي.. لعله آذاك أحد من قومي..؟
قال.. لا. ولكني أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره...
فانطلق الى المسجد فاردد عليّ جواري علانية ..
فانطلقا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان..
قد جاء يردد عليّ جواري..
قال عثمان: صدق.. ولقد وجدته وفيّا كريما الجوار، ولكنني أحببت ألا أستجير بغير الله..
ثم انصرف عثمان، ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشهدم، فجلس معهم عثمان فقال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال عثمان: صدقت..
قال لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل
قال عثمان: كذبت.. نعيم الجنة لا يزول..
فقال لبيد: يا معشر قريش، والله ما كان يؤذي جليسكم، فمتى حدث هذا فيكم..؟
فقال رجل من القوم: ان هذا سفيه فارق ديننا.. فلا تجدنّ في نفسك من قوله..
فرد عليه عثمان بن مظعون حتى سري أمرهما. فقام اليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابا، والوليد بن المغيرة قريب، يرى ما يحدث لعثمان، فقال: أما والله يا بن أخي ان كانت عينك عمّا أصابها لغنيّة، لقد كانت في ذمة منيعة..
فال عثمان: بل والله ان عيني الصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس..!!
فقا له الوليد: هلم يا بن أخي، ا ن شئت فعد الى جواري..
قال ابن مظعون: لا...
وغادر ابن مظعون هذا المشهد وعينه تضجّ بالألم، ولكن روحه تتفجر عافية، وصلابة، وبشرا..
ولقد مضى في الطريق الى داره يتغنى بشعره هذا:
فان تك عيني في رضا الله نالها
يدا ملحدا في الدين ليس بمهتدي
فقد عوّض الرحمن منها ثوابه
ومن يرضه الرحمن يا قوم يسعد
فاني وان قلتم غويّ مضلل
لأحيا على دين الرسول محمد
أريد بذاك الله، والحق ديننا
على رغم من يبغي علينا ويعتدي
**

هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثلا، هو له أهل، وبه جدير..
وهكذا شهدت الحياة انسانا شامخا يعطّر الوجود بموقفه الفذ هذا..
وبكلماته الرائعة الخالدة:
" والله ان عيني الصحيحة، لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر"..!!
ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد ردّ جوار الوليد يتلقى من قريش أذاها، وكان بهذا سعيدا جدّ سعيد.. فقد كان ذلك الأذىبمثابة الانر التي تنضج الايمان وتصهره وتزكّيه..
وهكذا سار مع اخوانه المؤمنين، لا يروعهم زجر.. وبل يصدّهم اثخان..!!
**

ويهاجر عثمان الى المدينة، حيث لا يؤرّقه أبو جهل هناك، ولا أبو لهب.... ولا أميّة.. ولا عتبة، ولا شيء من هذه الغيلان التي طالما أرّقت ليلهم، وأدمت نهارهم..
يذهب الى المدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودهم وبثباتهم في امتحان تناهت عسرته ومشقته ورهبته، والذين لم يهاجروا الى المدينة ليستريحوا ويكسروا.. بل لينطلقوا من بابها الفسيح الرحب الى كل أقطار الأرض حاملين راية الله، مبشرين بكلماته وآياته وهداه..
وفي دار الهجرة المنوّرة، يتكشفّ جوهر عثمان بن مظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة، فاذا هو العابد، الزاهد، المتبتل، الأوّاب...
واذا هو الراهب الجليل، الذكي الذي لا يأوي الى صومعة يعتزل فيها الحياة..
بل يملأ الحياة بعمله، وبجهاده في سبيل الله..
أجل..
راهب الليل فارس النهار، بل راهب الليل والنهار، وفارسهما معا..
ولئن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيّما في تلك الفترة من حياتهم، كانوا جميعا يحملون روح الزهد والتبتل، فان ابن مظعون كان له في هذا المجال طابعه الخاص.. اذ أمعن في زهده وتفانيه امعانا رائعا، أحال حياته كلها في ليله ونهاره الى صلاة دائمة مضيئة، وتسبيحة طويلة عذبة..!!
وما ان ذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى همّ بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعم الحياة..
فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن، ولا يأكل الا الطعام الجشب..
دخل يوما المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس، وكان يرتدي لباسا تمزق، فرقّعه بقطعة من فروة.. فرق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم، ودمعت عيون أصحابه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
" كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حلة، ويروح في أخرى.. وتوضع في قصعة. وترفع أخرى.. وسترتم بيوتكم كما تستر الكعب..؟!"..
قال الأصحاب:
" وددنا أن يكون ذلك يا رسول الله، فنصيب الرخاء والعيش"..
فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا:
" ان ذلك لكائن.. وأنتم اليوم خير منكم يومئذ"..
وكان بديهيا، وابن مظعون يسمع هذا، أن يزداد اقبالا على الشظف وهربا من النعيم..!!
بل حتى الرفث الى زوجته نأى عنه وانتهى، لولا أن علم أن رسول الله عليه السلام علم عن ذلك فناداه وقال له:
" ان لأهلك عليك حقا"..
**

وأحبّه الرسول صلوات الله وسلامه عليه حبّا عظيما..
وحين كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أول المهاجرين وفاة بالمدينة، وأولهم ارتياد لطريق الجنة، كان الرسول عليه الصلاة والسلام، هناك الى جواره..
ولقد أكبّ على جبينه يقبله، ويعطّره بدموعه التي هطلت من عينيه الودودتين فضمّخت وجه عثمان الذي بدا ساعة الموت في أبهى لحظات اشراقه وجلاله..
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يودّع صاحبه الحبيب:
" رحمك الله يا أبا السائب.. خرجت من الجنيا وما أصبت منها، ولا أصابت منك"..
**

ولم ينس الرسول الودود صاحبه بعد موته، بل كان دائم الذكر له، والثناء عليه..
حتى لقد كانت كلمات وداعه عليه السلام لابنته رقيّة، حين فاضت روحها:
" الحقي بسلفنا الخيّر، عثمان بن مظعون"..!!!


__________________







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 05:01 PM رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور

خالد بن سعيد - فدائي ، من الرعيل الأول

في بيت وارف النعمة، مزهو بالسيادة، ولأب له في قريش صدارة وزعامة، ولد خالد بن سعيد بن العاص، وان شئتم مزيدا من نسبه فقولوا: ابن اميّة بن عبد شمس بن عبد مناف..

ويوم بدأت خيوط النور تسري في أنحاء مكة على استحياء، هامسة بأن محمدا الأمين يتحدث عن وحي جاءه في غار حراء، وعن رسالة تلقاها من الله ليبلغها الى عباده، كان قلب خالد يلقي للنور الهامس سنعه وهو شهيد..!!
وطارت نفسه فرحا، كأنما كان وهذه الرسالة على موعد.. وأخذ يتابع خيوط النور في سيرها ومسراها.. وكلما سمع ملأ من قومه يتحدثون عن الدين الجديد، جلس اليهم وأصغى في حبور مكتوم، وبين الحين والحين يطعّم الحديث بكلمة منه، أو كلمات تدفعه في طريق الذيوع، والتأثير، والايحاء..!

كان الذي يراه أنئذ، يبصر شابا هادئ السمت، ذكيّ الصمت، بينما هو في باطنه وداخله، مهرجان حافل بلحركة والفرح.. فيه طبول تدق.. ورايات ترتفع.. وأبواق تدوّي.. وأناشيد تصلي.. وأغاريد تسبّح..
عيد بكل جمال العيد، وبهجة العيد وحماسة العيد، وضجة العيد..!!!
وكان الفنى يطوي علىهذا العيد الكبير صدره، ويكتم سرّه، فان أباه لو علم أنه يحمل في سريرته كل هذه الحفاوة بدعوة محمد، لأزهق حياته قربانا لآلهة عبد مناف..!!
ولكن أنفسنا الباطنة حين تفعم بأمر، ويبلغ منها حدّ الامتلاء فانها لا تمبك لافاضته دفعا..
وذات يوم..
ولكن لا.. فان انلاهر لم يطلع بعد، وخالد ما زال في نومه اليقظان، يعالج رؤيا شديدة الوطأة، حادة التأثير، نفاذة العبير..

نقول اذن: ذات ليلة، رأى خالد بن سعيد في نومه أنه واقف على شفير نار عظيمة، وأبوه من ورائه يدفعه بكلتا يديه، ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله يقبل عليه، ويجذبه بيمينه المباركة من ازاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب..
ويصحو من نومه مزوّدا بخطة العمل في يومه الجديد، فيسارع من فوره الى دار أبي بكر، ويقصّ عليه الرؤيا.. وما كانت الرؤيا بحاجة الى تعبير..د
وقال له أبو بكر:
" انه الخير أريد لك.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فان الااسلام حاجزك عن النار".
وينطلق خالد باحثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يهتدي الى مكانه فيلقاه، ويسأل النبي عن دعوته، فيجيبه عليه السلام:
" تؤمن بالله وحده، ولا تشرك به شيئا..
وتؤمن بمحمد عبده ورسوله.. وتخلع عبادة الأوثان التي لا يسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع"..
ويبسط خالد يمينه، فتلقاها يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفاوة، ويقول خالد:
" اني أشهد أن لا اله الا الله...
وأشهد أن محمدا رسول الله"..!!
وتنطلق أغاريد نفسه وأناشيدها..
ينطلق لمهرجان كله الذي كان في باطنه.. ويبلغ النبأ أباه.
**

يوم أسلم سعيد، لم يكن قد سبقه الى الاسلام سور اربعة أو خمسة،فهو اذن من الخمسة الأوائل المبكرين الى الاسلام.
وحين يباكر بالاسلام واحد من ولد سعيد بن العاص، فان ذلك في رأي سعيد، عمل يعرّضه للسخرية والهوان من قريش، ويهز الأرض تحت زعامته.
وهكذا دعا اليه خالد، وقال له:" أصحيح أنك اتبعت محمدا وأنت تسمعه يهيب آلهتنا"..؟؟
قال خالد: " انه والله لصادق..
ولقد آمنت به واتبعته"..
هنالك انهال عليه أبوه ضربا، ثم زجّ به في غرفة مظلمة من داره، حيث صار حبيسها، ثم راح يضنيه ويرهقه جوعا وظكأ..
وخالد يصرخ فيهم من وراء الباب المغلق عليه:
" والله انه لصادق، واني به لمؤمن".
وبدا لسعيد أن ما أنزل بولده من ضرر لا يكفي، فخرج به الى رمضاء مكة، حيث دسّه بين حجارتها الثقيلة الفادحة الملتهبة ثلاثة أيام لا يواريه فيها ظل..!!
ولا يبلل شفتيه قطرة ماء..!!
ويئس الوالد من ولده، فعاد به الى داره، وراح يغريه، ويرهبه.. يعده، ويتوعّده.. وخالد صامد كالحق، يقول لأبيه:
" لن أدع الاسلام لشيء، وسأحيا به وأموت عليه"..
وصاح سعيد:
" اذن فاذهب عني يا لكع، فواللات لأمنعنّك القوت"..
وأجابه خالد:
".. والله خير الرازقين"..!!
وغادر الدار التي تعجّ بالرغد، من مطعم وملبس وراحة..
غادرها الى الخصاصة والحرمان..
ولكن أي بأس..؟؟
أليس ايمانه معه..؟؟
ألم يحتفظ بكل سيادة ضميره، وبكل حقه في مصيره..؟؟
ما الجوع اذن، وما الحرمان، وما العذاب..؟؟

واذا وجد انسان نفسه مع حق عظيم كهذا الحق الذي يدعو اليه محمد رسول الله، فهل بقي في العالم كله شيء ثمين لم يمتلكه من ربح نفسه في صفقة، الله صاحبها وواهبها...؟؟
وهكذا راح خالد بن سعيد يقهر العذاب بالتضحية، ويتفوق على الحرمان بالايمان..
وحين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المؤمنين بالهجرة الثانية الى الحبشة، كان خالد بن سعيد، ممن شدّوا رحالهم اليها..

ويمكث خالد هناك الى ما شاء الله ان يمكث، ثم يعود مع اخوانه راجعين الى بلادهم، سنة سبع، فيجدون المسلمين قد فرغوا لتوهم من فتح خيبر..
ويقيم خالد بالمدينة وسط المجتمع المسلم الجديد الذي كان أحد الخمسة الأوائل الذين شهدوا ميلاده، وأسسوا بناءه، ولا يغزو النبي غزوة، ولا يشهد مشهدا، الا وخالد بن سعيد من السابقين..
وكان خالد بسبقه الى الاسلام، وباستقامة ضميره ونهجه موضع الحب والتكريم..
كان يحترم اقتناعه فلا يزيفه ولا يضعه موضع المساومة.
قبل وفاة الرسول جعله عليه السلام واليا على اليمن..
ولما ترامت اليه أنباء استخلاف أبي بكر، ومبايعته غادر عمله قادما الى المدينة..
وكانه يعرف لأبي بكر الفضل الذي لا يطاول..
بيد أنه كان يرى أن أحق المسلمين بالخلافة واحد من بين هاشم:
العباس مثلا، أو عليّ ابن أبي طالب..
ووقف الى جانب اقتناعه فلم يبايع أبا بكر..
وظل أبو بكر على حبه له، وتقديره اياه لا يكرهه على أن يبايع، ولا يكرهه لأنه لم يبايع، ولا يأتي ذكره بين المسلمين الا أطراه الخليفة العظيم، وأثنى عليه بما هو أهله..
ثم تغيّر اقتناع خالد بن سعيد، فاذا هو يشق الصفوف في المسجد يوما وأبو بكر فوق المنبر، فيبايعه بيعة صادقة وثقى..
**

ويسيّر أبا بكر جيوشه الى الشام، ويعقد لخالد بن سعيد لواء، فيصير أحد أمراء الجيش..
ولكن يحدث قبل أن تتحرك القوات من المدينة أن يعارض عمر في امارة خالد بن سعيد، ويظل يلح على الخليفة أن يغيّر قراره بشأن امارة خالد..
ويبلغ النبأ خالد، فلا يزيد على قول:
" والله ما سرّتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم"..!!
ويخفّ الصدّيق رضي الله عنه الى دار خالد معتذرا له، ومفسرا له موقفه الجديد، ويسأله مع من من القوّاد والأمراء يجب أن يكون: مع عمرو بن العاص وهو ابن عمه، أ/ مع شرحبيل بن حسنة؟
فيجيب خالد اجابة تنمّ على عظمة نفسه وتقاها:
" ابن عمّي أحبّ اليّ في قرابته، وشرحبيل أحبّ في أحبّ اليّ في دينه"..
ثم اختار أن يكون جنديا في كتيبة شرحبيل بن حسنة..

ودعا ابو بكر شرحبيل اليه قبل أ، ستحرّك الجيش، وقال له:
" انظر خالد بن سعيد، فاعرف له من الحق عليك، مثل مل كنت تحبّ أن يعرف من الحق لك، لو كنت مكانه، وكلن مكانك..
انك لتعرف مكانته في الاسلام..
وتعلم أن رسول الله توفى وهو له وال..
ولقد كنت وليته ثم رأيت غير ذلك..
وعسى أن يكون ذلك خيرا له في دينه، فما أغبط أحد بالامارة..!!
وقد خيّرته في أمراء الجند فاختارك على ابن عمّه..
فاذا نزل بك أمر تحتاج فيه الى رأي التقي الناصح، فليكن أول من تبدأ به: أبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبل.. وليك خالد بن سعيد ثالثا، فانك واجد عندهم نصحا وخيرا..
واياك واستبداد الرأي دونهم، أو اخفاءه عنهم"..

وفي موقعه مرج الصفر بأرض الشام، حيث كانت المعارك تدور بين المسلمين والروم، رهيبة ضارية، كان في مقدمة الذين وقع أجرهم على اله، شهيد جليل، قطع طريق حياته منذ شبابه الباكر حتى لحظة استشهاده في مسيرة صادقة مؤمنة شجاعة..
ورآه المسلمون وهم يفحصون شهداء المعركة، كما كان دائما، هادئ الّمت، ذكي الصمت، قوي التصميم، فقاول:
" اللهم ارض عن خالد بن سعيد"..!!
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[

أبو هريرة - ذاكرة عصر الوحي

صحيح أن ذكاء المرء محسوب عليه..
وأصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن في نفس الوقت الذي كان ينبغي أن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!
والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء..
فقد كان ذا موهبة خارقة في سعة الذاكرة وقوتها..
كان رضي الله عنه يجيد فنّ الاصغاء، وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان..
يسمع فيعي، فيحفظ، ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر، وتعاقبت الأيام..!!

من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظا لأحاديثه، وبالتالي أكثرهم رواية لها.

فلما جاء عصر الوضّاعين الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتخذوا أبا هريرة غرضا مستغلين أسوأ استغلال سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله عليه السلام موضع الارتياب والتساؤول. لولا تلك الجهود البارة والخارقة التي بذلها أبرار كبار نذور حياتهم وكرّسوها لخدمة الحديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.
هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من أخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون أن يتسللوا بها الى الاسلام عن طريقه، وأن يحمّلوه وزرها وأذاها..!!
**

والآن.. عندما نسمع واعظا، أو محاضرا، أو خطيب جمعة يقول تلك العبارة المأثورة:" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..".
أقول: عندما تسمع هذا الاسم على هذه الصورة، أ، عندما تلقاه كثيرا، وكثيرا جدّا في كتب الحديث، والسيرة والفقه والدين بصفة عامة، فاعلم أنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة اغراء بالصحبة والاصغاء..
ذلك أن ثروته من الأحاديث الرائعة، والتوجيهات الحكيمة التي حفظها عن النبي عليه السلام، قلّ أن يوجد لها نظير..
وانه رضي الله عنه بما يملك من هذه الموهبة، وهذه الثروة، لمن أكثر الأصحاب مقدرة على نقلك الى تلك الأيام التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، والى التحليق بك، اذا كنت وثيق الايمان مرهف النفس، في تاك الآفاق التي شهدت روائع محمد وأصحابه، تعطي الحياة معناها، وتهدي اليها رشدها ونهاها.
واذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لأن تتعرّف لأبي هريرة وتسمع من أنبائه نبأ، فدونك الآن وما تريد..
انه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة الاسلام بكل ما أحدثته من تغيرات هائلة.
فمن أجير الى سيّد..
ومن تائه في الزحام، الى علم وامام..!!
ومن ساجد أمام حجارة مركومة، الى مؤمن بالله الواحد القهار..
وهاهو ذا يتحدّث ويقول:
" نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا.. وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني..!!
كنت أخدمهم اذا نزلوا، وأحدو لهم اذا ركبوا..
وهأنذا وقد زوّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة اماما"..!
قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر، فأسلم راغبا مشتاقا..
ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط الا في ساعات النوم..
وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم الى أن ذهب النبي الى الرفيق الأعلى.
نقول: كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدها.. كانت طويلة عريضة، ممتلئة بكل صالح من القول، والعمل، والاصغاء.
**

أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع أن يخدم به دين الله.
ان أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..
والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.
ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.
ففي تلك العصور، وكانت الجماعة الانسانية كلها، لا العرب وحدهم، لا يهتمون بالكتابة، ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في مجتمع ما..
بل انّ أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غير بعيد.
وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلمان أميّين لا يقرءون ولا يكتبون، مع أنهم في نفس الوقت كانوا على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..
**

نعود الى حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الاسلام الى من يحفظن تراثه وتعاليمه، كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون، ثم ان بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.
لم يكن أبا هريرة كاتبا، ولكنه كان حافظا، وكان يملك هذا الفراغ، أو هذا الفراغ المنشود، فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها!!
وهو اذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا، عزم على أن يعوّض ما فاته، وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته..
ثم انه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه، وهي ذاكرته الرحبة القوية، والتي زادت مضاء ورحابة وقوة، بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبها أن يبارك الله له فيها..
فلماذا اذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله لللأجيال..؟؟
أجل.. هذا دوره الذي تهيئه للقيام به مواهبه، وعليه أن يقوم به في غير توان..
**

ولم يكن أبو هريرة ممن يكتبون، ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..
ولم تكن له أرض يزرعها، ولا تجارة تشغله، ومن ثمّ لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..
وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته..
فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى، راح أبو هريرة يحدث، مما جعل بعض أصحابه يعجبون: أنّى له كل هذه الحاديث، ومتى سمعها ووعاها..
ولقد ألقى أبوهريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة، وكانه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال:
" انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم..
وتقولون: ان المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..؟؟
ألا ان أصحابي من المهاجرين، كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..
واني كنت أميرا مسكينا، أكثر مجالسة رسول الله، فأحضر اذا غابوا، وأحفظ اذا نسوا..
وان النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني..! فبسطت ثزبي فحدثني ثم ضممته اليّ فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه..
وأيم والله، لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا، وهي:
( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)..".

هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره..
وهو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية، باركها الرسول فزادت قوة..
وهو ثالثا لا يحدّث رغبة في أن يحدّث، بل لأن افشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته، والا كان كاتما للخير والحق، وكان مفرطا ينتظره جزاء المفرّطين..
من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث، لا يصدّه عن الحديث صادّ، ولا يعتاقه عائق.. حتى قال له عمر يوما وهو أمير المؤمنين:
" لتتركنّ الحديث عن رسول الله،أو لألحقنك بأرض دوس"..
أي أرض قومه وأهله..
على أن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاما لأبي هريرة، بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها، تلك هي: أن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا، وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول..
فالقرآن كتاب الله، ودستور الاسلام، وقاموس الدين، وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام، والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها ولا جدوى منها..
من أجل هذا كان عمر يقول:
" اشتغلوا بالقرآن، فان القرآن كلام الله"..
ويقول:
" أقلوا الرواية عن رسول الله الا فيما يعمل به"..
وحين أرسل أبو موسى الأشعري الى العراق قال له:
" انك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ القرآن كدويّ النحل، فدعهم على ما هم عليه، ولا تشغلهم بالحديث، وأنا شريكك في ذلك"..
كان القرآن قد جمع بطريقة مضمونة دون أن يتسرب اليه ما ليس منه..
اما الأحاديث فليس يضمن عمر أن تحرّف أو تزوّر، أو تخذ سبيل للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنيل من الاسلام..
وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر، ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن أمانته، وكان لا يريد أن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد أن كتمانه اثم وبوار.
وهكذا.. لم يكن يجد فرصة لافراغ ما في صدره من حديث سنعه ووعاه الا حدّث وقال..
**

على أن هناك سببا هامّا، كان له دور في اثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه.
ذلك أنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف، ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيرا لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم.
**

أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلو مقدرة أبي هريرة على الحفظ، فدعاه اليه وأجلسه معه، وطلب منه أن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين أجلس كاتبه وراء حجاب، وأمره أن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..
وبعد مرور عام، دعاه مروان بن الحكم مرة أخرى، أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها، فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!
وكان يقول عن نفسه:
" ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني، الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص، فانه كان يكتب، ولا أكتب"..
وقال عنه الامام الشافعي أيضا:
" أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره".
وقال البخاري رضي الله عنه:
" روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود..
وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه، وتقوم زوجته ثلثه، وتقوم ابنته ثلثله. وهكذا لا تمر من الليل ساعة الا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!!
وفي سبيل أن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد..
وانه ليحدثنا: كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطمه حجرا ويعتصر كبده بيديه، ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه أن به صرعا وما هو بمصروع..!
ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن..
كانت هذه المشكلة أمه: فانها يومئذ رفضت أن تسلم..
ليس ذلك وحسب، بل كلنت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء..
وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره، فانفضّ عنها باكيا محزونا، وذهب الى مسجد الرسول..

ولنصغ اليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:
".. فجئت الى رسول الله وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، كنت أدعو أم أبي هريرة الى الاسلام فتأبى علي، واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبا هريرةالى الاسلام..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة..
فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله، فلما أتيت الباب اذا هو مجاف، أي مغلق، وسمعت خضخضة ماء، ونادتني يا أبا هريرة مكانك..
ثم لبست درعها، وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول: أشهد أن لا اله الا الله، وأِهد أن محمدا عبده ورسوله..
فجئت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، كما بكيت من الحزن، وقلت: أبشر يا رسول الله، فقد أجاب الله دعوتك..
قد هدى أم أبي هريرة الى الاسلام..
ثم قلت يا رسول الله: ادع الله أن يحبّبني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات..
فقال: اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة"..
**

وعاش أبو هريرة عابدا، ومجاهدا.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه امارة البحرين.
وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته.
اذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين، فيجب أن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه.. ويكون من الأفضل أن يتركها وله ثوب واحد..!!!
أما اذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء، فآنئذ لا يفلت من حساب عمر، مهما يكن مصدر ثرائه حلالا مشروعا!

دنيا أخرى.. ملاءها همر روعة واعجازا..!!
وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا، من مصادره الحلال، وعلم عمر فدعاه الى المدينة..

ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:
" قال لي عمر:
يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله..؟؟
قلت:
ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه،.. لكني عدو من عاداهما..
ولا أنا من يسرق مال الله..!
قال:
فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟
قلت:
خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت..
قال عمر: فادفعها الى بيت مال المسلمين"..!!
ودفع أبو هريرة المال الى عمر ثم رفع يديه الى السماء وقال:
اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..

وبعد حين دعا عمر أبا هريرة، وعرض عليه الولاية من حديد، فأباها واعتذر عنها..
قال له عمر: ولماذا؟
قال أبو هريرة:
حتى لا يشتم عرضي، ويؤخذ مالي، ويضرب ظهري..
ثم قال:
وأخاف أن أقضي بغير علم
وأقول بغير حلم..
**

وذات يوم اشتد شوقه الى لقاء الله..
وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه، كان هو يلحّ على الله قائلا:
" اللهم اني أحب لقاءك، فأحب لقائي"..
وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.
ولبن ساكني البقيع الأبرار ب\تبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا..
وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته، كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم.
ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله:
لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟

فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر:
لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلك سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفا على الحيوان، واكنت له هرة، يطعمها، ويحملها، وينظفها، ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله..
وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه..

__________________







آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2008, 05:02 PM رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
مرمر

الصورة الرمزية مرمر

إحصائية العضو








مرمر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: رجال حول الرسول & كحلقات من نور


ثابت بن قيس - خطيب رسول الله

كان حسّان بن ثابت شاعر رسول الله والاسلام..
وكان ثابت خطيب خطيب رسول الله والاسلام..
وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية، صادعة، جامعة رائعة..
وفي عام الوفود، وفد على لمدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
" جئنا نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..
فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم:

" قد أذنت لخطيبكم، فليقل"..
وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بمفاخر قومه..
ولما آذن بانتهاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فأجبه..
ونهض ثابت فقال:
" الحمد لله، الذي في السموات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره، ووسع كرسيّه علمه، ولم يك شيء قط الا من فضله..
ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة. واصطفى من خير خلقه رسولا.. أكرمهم نسبا. وأصدقهم حديثا. وأفضلهم حسبا، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين..
ثم دعا الناس الى الايمان به، فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه.. أكرم الناس أحسابا، وخيرهم فعالا..
ثم كنا نحن الأنصار أول الخلق اجابة..
فنحن أنصار الله، ووزراء رسوله"..
**

شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد، والمشاهد بعدها.
وكانت فدائيته من طراز عجيب.. جد عجيب..!!
في حروب الردّة، كان في الطليعة دائما، يحمل راية الأنصار، ويضرب بسيف لا يكبو، ولا ينبو..
وفي موقعة اليمامة، التي سبق الحديث عنها أكثر من مرة، رأى ثابت وقع الهجوم الخاطف لذي شنّه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة، فصاح بصوته النذير الجهير:
" والله، ما هذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
ثم ذهب بغير بعيد، وعاد وقد تحنّط، ولبس اكفانه، وصاح مرة أخرى:
" اني أبرأ اليك مما جاء به هؤلاء..
يعني جيش مسيلمة..
وأعتذر اليك مما صاع هؤلاء..
يعني تراخي المسلمين في القتال"..
وانضم اليه سالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحمل راية المهاجرين..
وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين، وأهالا الرمال عليهما حتى غطت وسط كل منهما..
وهكذا وقفا..طودين شامخين، نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق الحفرة.. في حين نصفهما الأعلى، صدرهما وجبهتهما وذراعهما يستقبلان جيوش الوثنية والكذب..
وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما، ومالت شمس كل منهما للغروب..!!
وكان مشهدهما رضي الله عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت في ردّ المسلمين الى مواقعهم، حيث جعلوا من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه الأقدام..!!
**

وثابت بن قيس.. هذا الذي تفوّق خطيبا، وتفوّق محاربا كان يحمل نفسا أوابة، وقلبا خاشعا مخبتا، وكان من أكثر المسلمين وجلا من الله، وحياء منه..
**

لما نزلت الآية الكريمة:
( ان الله لا يحب كل مختال فخور)..
أغلق ثابت باب داره، وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الحال، حتى نمى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، فدعاه وسأله.
فقال ثابت:
" يا رسول الله، اني أحب الثوب الجميل، والنعل الجميل، وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين"..
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا:
" انك لست منهم..
بل تعيش بخير..
وتموت بخير..
وتدخل الجنة".
ولما نزل قول الله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..
ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)..
أغلق ثابت عليه داره، وطفق يبكي..
وافتقده الرسول فسأل عنه، ثم أرسل من يدعوه...
وجاء ثابت..
وسأله الرسول عن سببب غيابه، فأجابه:
" اني امرؤ جهير الصوت..
وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله..
واذن فقد حبط عملي، وأنا من أهل النار"..!!
وأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" انك لست منهم..
بل تعيش حميدا..
وتقتل شهيدا..
ويدخلك الله الجنة".
**

بقي في قصة ثابت واقعة، قد لا يستريح اليها أولئك الذين حصروا تفكيرهم وشعورهم ورؤاهم داخل عالمهم الماديّ الضيّق الذي يلمسونه، أو يبصرونه، أو يشمّونه..!
ومع هذا، فالواقعة صحيحة، وتفسيرها مبين وميّسر لكل من يستخدم مع البصر، البصيرة..
بعد أن استشهد ثابت في المعركة، مرّ به واحد من المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالاسلام ورأى على جثمان ثابت دعه الثمينة، فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه، فأخذها..
ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:
".. وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه.
فقال له: اني أوصيك بوصية، فاياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه.
اني لما استشهدت بالأمس، مرّ بي رجل من المسلمين.
فأخذ درعي..
وان منزله في أقصى الناس، وفرسه يستنّ في طوله، أي في لجامه وشكيمته.
وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق الابرمة رحل..
فأت خالدا، فمره أن يبعث فيأخذها..
فاذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر، فقل له: ان
عليّ من الدين كذا كذا..
فليقم بسداده..
فلما استيقظ الرجل من نومه، أتى خالد بن الوليد، فقصّ عليه رؤياه..
فأرسل خالد من يأتي بالدرع، فوجدها كما وصف ثابت تماما..
ولما رجع المسلمون الى المدينة، قصّ المسلم على الخليفة الرؤيا، فأنجز وصيّة ثابت..
وليس في الاسلام وصيّة ميّت أنجزت بعد موته على هذا النحو، سوى وصيّة ثابت بن قيس..

حقا ان الانسان لسرّ كبير..
( ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).

[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[



أبو جابر عبدالله بن عمرو بن حرام - ظليل الملائكة

عندما كان الأنصار السبعون يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، كان عبدالله بن عمرو بن حرام، أبو جابر بن عبدالله أحد هؤلاء الأنصار..
ولما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم منهم نقباء، كان عبدالله بن عمرو أحد هؤلاء النقباء.. جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا على قومه من بني سلمة..
ولما عاد الى المدينة وضع نفسه، وماله، وأهله في خدمة الاسلام..

وبعد هجرة الرسول الى المدينة، كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة في مصاحبة النبي عليه السلام ليله ونهاره..
**

وفي غزوة بدر خرج مجاهدا، وقاتل قتال الأبطال..
وفي غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يخرج المسلمون للغزو..
وغمره احساس صادق بأنه لن يعود، فكاد قلبه يطير من الفرح!!
ودعا اليه ولد جابر بن عبدالله الصحابي الجليل، وقال له:
" اني لا أراي الا مقتولا في هذه الغزوة..
بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين..
واني والله، لا أدع أحدا بعدي أحبّ اليّ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وان عليّ دبنا، فاقض عني ديني، واستوص باخوتك خيرا"..
**

وفي صبيحة اليوم التالي، خرج المسلمون للقاء قريش..
قريش التي جاءت في جيش لجب تغزو مدينتهم الآمنة..
ودارت معركة رهيبة، أدرك المسلمون في بدايتها نصرا سريعا، كان يمكن أن يكون نصرا حاسما، لولا أن الرماة الذين امرهم الرسول عليه السلام بالبقاء في مواقعهم وعدم مغادرتها أبدا أغراهم هذا النصر الخاطف على القرشيين، فتركوا مواقعهم فوق الجبل، وشغلوا بجمع غنائم الجيش المنهزم..
هذا الجيش الذي جمع فلوله شريعا حين رأى ظهر المسلمين قد انكشف تماما، ثم فاجأهم بهجوم خاطف من وراء، فتحوّل نصر المسلمين الى هزيمة..
**

في هذا القتال المرير، قاتل عبدالله بن عمرو قتال مودّع شهيد..
ولما ذهب المسلمون بعد نهاية القتال ينظرون شهدائهم.. ذهب جابر ابن عبداله يبحث عن أبيه، حتى ألفاه بين الشهداء، وقد مثّل به المشركون، كما مثلوا يغيره من الأبطال..
ووقف جابر وبعض أهله يبكون شهيد الاسلام عبدالله بن عمرو بم جرام، ومرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكونه، فقال:
" ابكوه..
أ،لا تبكوه..
فان الملائكة لتظلله بأجنحتها"..!!
**

كان ايمان أبو جابر متألقا ووثيقا..
وكان حبّه بالموت في سبيل الله منتهى أطماحه وأمانيه..
ولقد أنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيم، يصوّر شغفه بالشهادة..
قال عليه السلام لولده جابر يوما:
" يا جابر..
ما كلم الله أحدا قط الا من وراء حجاب..
ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_
فقالفقال له: يا عبدي، سلني أعطك..
فقال: يا رب، أسألك أن تردّني الى الدنيا، لأقتل في سبيلك ثانية..
قال له الله:
انه قد سبق القول مني: أنهم اليها لا يرجعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة..
فأنزل الله تعالى:
(ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)".
**

وعندما كان المسلمون يتعرفون على شهدائهم الأبرار، بعد فراغ القتال في أحد..
وعندما تعرف أهل عبدالله بن عمرو على جثمانه، حملته زوجته على ناقتها وحملت معه أخاها الذي استشهد أيضا، وهمّت بهما راجعة الى المدينة لتدفنهما هناك، وكذلك فعل بعض المسلمين بشهدائهم..
بيد أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بهم وناداهم بأمر رسول الله أن:
" أن ادفنوا القتلى في مصارعهم"..
فعاد كل منهم بشهيده..
ووقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يشرف على دفن أصحابه الشهداء، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبذلوا أرواحهم الغالية قربانا متواضعا لله ولرسوله.
ولما جاء دور عبدالله بن حرام ليدفن، نادى رسول الله صلى اله عليه وسلم:
" ادفنوا عبدالله بن عمرو، وعمرو بن الجموح في قبر واحد، فانهما كانا في الدنيا متحابين، متصافين"..
**

والآن..
في خلال اللحظات التي يعدّ فيها القبر السعيد لاستقبال الشهيدين الكريمين، تعالوا نلقي نظرة محبّة على الشهيد الثاني عمرو بن الجموح...
[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[[
أبي بن كعب - ليهنك العلم ، أبا المنذر

سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم:
" يا أبا المنذر..؟
أي آية من كتاب الله أعظم..؟؟
فأجاب قائلا:
الله ورسوله أعلم..
وأعاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سؤاله:
أبا المنذر..؟؟

أيّ أية من كتاب الله أعظم..؟؟
وأجاب أبيّ:
الله لا اله الا هو الحيّ القيّوم..
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره بيده، وقال له والغبطة تتألق على محيّاه:
ليهنك العلم أبا المنذر"...
**

ان أبا المنذر الذي هنأه الرسول الكريم بما أنعم الله عليه من علم وفهم هو أبيّ بن كعب الصحابي الجليل..
هو أنصاري من الخزرج، شهد العقبة، وبدرا، وبقية المشاهد..
وبلغ من المسلمين الأوائل منزلة رفيعة، ومكانا عاليا، حتى لقد قال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما:
" أبيّ سيّد المسلمين"..
وكان أبيّ بن كعب في مقدمة الذين يكتبون الوحي، ويكتبون الرسائل..
وكان في حفظه القرآن الكريم، وترتيله اياه، وفهمه آياته،من المتفوقين..
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما:
" يا أبيّ بن كعب..
اني أمرت أن أعرض عليك القرآن"..
وأبيّ يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يتلقى أوامره من الوحي..
هنالك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشوة غامرة:
" يا رسول الله بأبي أنت وأمي.. وهل ذكرت لك بأسمي"..؟؟
فأجاب الرسزل:
" نعم..
باسمك، ونسبك، في الملأ الأعلى"..!!
وان مسلما يبلغ من قلب النبي صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة لهو مسلم عظيم جد عظيم..
وطوال سنوات الصحبة، وأبيّ بن كعب قريب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهل من معينه العذب المعطاء..
وبعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى، ظلّ أبيّ على عهده الوثيق.. في عبادته، وفي قوة دينه، وخلقه..
وكان دائما نذيرا في قومه..
يذكرهم بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وماكانوا عليه من عهد، وسلوك وزهد..
ومن كلماته الباهرة التي كان يهتف بها في أصحابه:
" لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوهنا واحدة..
فلما فارقنا، اختلفت جوهنا يمينا وشمالا"..
**

ولقد ظل مستمسكا بالتقوى، معتصما بالزهد، فلم تستطع الدنيا أن تفتنه أو تخدعه..
ذلك أنه كان يرى حقيقتها في نهايتها..
فمهما يعيش المرء، ومهما يتقلب في المناعم والطيبات، فانه ملاق يوما يتحول فيه كل ذلك الى هباء، ولا يجد بين يديه الا ما عمل من خير، أو ما عمل من سوء..
وعن عمل الدنيا يتحدّث أبيّ فيقول:
" ان طعام ني آدم، قد ضرب للدنيا مثلا..
فان ملّحه، وقذحه، فانظر الى ماذا يصير"..؟؟
**

وكان أبيّ اذا تحدّث للناس استشرفته الأعناق والأسماع في شوق واصغاء..
ذلك أنه من الذين لم يخافوا في الله أحدا.. ولم يطلبوا من الدنيا غرضا..
وحين اتسعت بلاد الاسلام، ورأى المسلمين يجاملون ولاتهم في غير حق، وقف يرسل كلماته المنذرة:
" هلكوا ورب الكعبة..
هلكوا وأهلكوا..
أما اني لا آسى عليهم، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين".
**

وكان على كثرة ورعه وتقاه، يبكي كلما ذكر الله واليوم الآخر.
وكانت آيات القرآن الكريم وهو يرتلها، أ، يسنعها، تهه وتهز كل كيانه..
وعلىأن آية من تلك الآيات الكريمة، كان اذا سمعها أو تلاها تغشاه من الأسى ما لا يوصف..
تلك هي:
( قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم، أو من تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعا.. ويذيق بعضكم بأس بعض)..
كان أكثر ما يخشاه أبيّ على الأمة المسلمو أن يأتي عليها اليوم الذي يصير بأس أبنائها بينهم شديدا..
وكان يسأل الله العافية دوما.. ولقد أدركها بفضل من الله ونعمة..
ولقي ربه مؤمنا، وآمنا ومثابا..

__________________

وللموضوع بقيه






آخر مواضيعي 0 صور كتكوتي علاء اللي مجنني
0 تاييرات انيقة للمحجبات
0 خروف على الجمر ..يفتح النفس بقوة
0 افضل الخلطات للمشويات الدجاج علي الفحم والفرن
0 أكلة خفيفة وضريفة بالصور وأعطوني رايكم
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:44 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator