العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > سيرة الانبياء والصحابة

سيرة الانبياء والصحابة قسم السيرة النبوية لمواضيع السيرة النبوية , سيرة سير الانبياء , قصص الانبياء , قصص انبياء الله اسلامية , قصص نبوية وصف النبي , غزوات النبي , معجزات النبي مدح النبي , حياة النبي ,أخلاق النبي , حب النبي , قبر النبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 05-29-2011, 06:56 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

كتبه/دكتور ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد،
فإن من أنفع ما يعين العبد على حضور قلبه في الصلاة أن يتدبر ويتأمل أدعية الاستفتاح التي وردت عن النبي - -، وخصوصا إذا كان العبد في قيامه بالليل، فقرأ وتدبر ما ورد من أدعية استفتاح قيام الليل، فاحفظ وتدبر - أخي الحبيب- هذا الدعاء الجامع العظيم الذي ثبت عن النبي - - إذ يقول: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(1)، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
فلقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله - - مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا سراجا، ينير القلوب بعد ظلماتها ويوقظها بعد رقدتها وغفلتها فتبصر حقائق الوجود وتحيا من موت الكفر والنفاق وتشفى من أدواء الشبهات والشهوات. فاللهم لك الحمد على إرساله وإنزال الكتاب عليه، ولك الحمد على هدايتنا للإسلام وتوفيقنا له كما نقول وخيرا مما نقول، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وقد خصه الله عز وجل وفضله على من سبقه من النبيين بخصال عديدة، منها أنه أوتي - - جوامع الكلم، فكانت كلماته ودعواته على اختصارها وإيجازها جامعة لمعاني الإيمان، مجددة لحقائقه في القلوب، مذكرة بالله واليوم الآخر، باقية لتكون معجزة مستمرة دالة على صدقه ونبوته - -، جمع الله له فيها من معاني الإيمان وحقائق التوحيد وأسباب حياة القلب ما يستغني به القلب عن غيره من أدعية يدعو بها سائر الناس.
ولا شك أن من تدبر الأدعية الثابتة عنه - - وجد نفسه أمام شمس مبهرة لا ينقطع نورها، ووجد حياة لقلبه تحركه على طريق النور الذي سار عليه النبي - - وصحبه الكرام - رضوان الله عليهم- وتبعهم على ذلك السلف الصالح - رحمة الله عليهم-، ولما كانت حاجتنا إلى تذكر معالم هذا الطريق ضرورية، خصوصا في أيام المحن التي تمر بها أمتنا، وكان تحقيق التغير من داخلنا من الأعماق وليس فقط في الظاهر مطلبا أساسيا لكل العاملين في الحقل الإسلامي حتى يغير الله ما بنا،فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلما كانت هذه الحاجة ضرورية، كانت هذه الوقفات مع ما في هذا الحديث الصحيح من معاني الإيمان والتوحيد وتزكية النفوس واستنارة القلوب وإحيائها بحقيقة ذكر الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا على شرح هذا الحديث وتدبر ما فيه،فإن تدبر هذا الحديث وغيره مما يشرح الله به الصدور، ويفتح للقلوب عيونا تبصر بها هذا الجمال والجلال، وتطعم وتسقى من معينه الميسر حتى تحيا من جديد حياة من نوع آخر، وتستنير بنوره - - الذي جعله الله له (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً)(الأحزاب:45-46)، فنحن نأخذ من النور الذي جعله الله للنبي - -، جعله الله سراجا منيرا فالقلوب لها طعام وشراب من هذا المعين الذي فضله الله - عز وجل- به، ورغم تباعد السنين يصل نور هذا السراج إلى من اجتباه الله من عباده قويا ظاهرا مبهرا.
فيقول المرء: فكيف بمن اقترب منه - - زمانا ومكانا وعلما وعملا وسلوكا؟ فكيف بمن رآه وصحبه كيف نصيبهم من هذا النور؟ لاشك أن الصحابة كانوا أعظم الناس نصيبا من نوره - - ولذلك اهتدت بهم الأمم، فالصحابة لم يؤلفوا كتبا ولم يسجلوا أشرطة ولم يكن أكثرهم خطباء فصحاء يجتمع المئات والآلاف عليهم، ومع ذلك فكانوا أساتذة العالم وغيروا الأمم تغييرا جذريا، فالواحد منهم كان يفتح الله به البلاد و تتغير به موازين القوى في المعارك، ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-قال: قال رسول الله - -: (يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقولون: هل فيكم من صاحب رسول الله ؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم) متفق عليه،فالله عز وجل فتح بهم البلاد وقلوب العباد وفتح بهم القلوب والأمصار، وذلك لأن نصيبهم من النور الذي جاء به النبي - - كان أعظم.
فنسأل الله عز وجل أن يجعل في قلوبنا نورا وفي ألسنتنا نورا، وأن يجعل لنا في أسماعنا نورا وفي أبصارنا نورا، وأن يجعل من خلفنا نورا ومن أمامنا نورا، ومن فوقنا نورا ومن تحتنا نورا، اللهم أعطنا نورا، ومن لم يجعل له نورا فما له من نور.
نكمل في الحلقة القامة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1)وإن كان يجب على الواحد منا أن يقول وأنا من المسلمين، هذا هو الصحيح، ولكن الوارد عن رسول الله - - أنه كان يقول (وأنا أول المسلمين).موقع صوت السلف






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 06:56 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

كتبه دكتور ياسر برهامى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فقد ثبت أن النبي -- كان إذا قام إلى الصلاة في الليل كبر، ثم قال: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك).
وجهت وجهي أي وجهتي وقصدي وإرادتي، والوجه يطلق ويراد به الوجهة كما يقال سرت في هذا الوجه، أي سرت في هذه الوجهة، ومنه الوجه البحري والوجه القبلي. ويحتمل في الحديث أن يكون الوجه بمعنى الوجه المعروف، وتوجهه لازم للوجهة والقصد، ولكن المعنى الأول أظهر.
و قضية توجيه الوجهة والقصد لله -عزوجل- يحتاج الإنسان أن يتذكرها كل يوم، لذا يتذكرها عند تلاوته هذا الذكر في قيام الليل، فالإنسان تشغله مشاغل الحياة كل يوم عن وجهته وقصده فتأخذه بعيداً عنها، وتلقيه في غمرة التنافس على متع الحياة وأموالها ومناصبها وفي صراعاتها ونزاعاتها، فتنسيه قضية وجهته.
وهذه الجملة في الحديث - "وجهت وجهي" - موافقة لقول إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم- والذي جاء في الآية (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام79)،وهي قد وقعت بعد مجادلته قومه في عبادتهم للكواكب، وقوله عن الكوكب الأول (قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)الأنعام76، وعن القمر قال بعده (فلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(الأنعام77)، ثم لما رأى الشمس بازغة (قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام78-79 يتبين لنا بعد هذا الترتيب أن توجيه الوجهة لله سبحانه وإفراده بالحب -حب العبادة- أمر لا يستغني عنه العبد طرفة عين. وقد قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-(لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) لأنه لا يستطيع أن يستغني عن إلهه طرفة عين، لا يستطيع أن يستغني عن حبه وتوجهه لحظة وحدة، فمن يغيب لا يُحَب، وأما حبه لله عز وجل فهو في كل لحظة.
وتأمل هاتين الجملتين (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)، و (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) لتعلم أنه يحتاج إلى الأمرين معا، يحتاج إلى هداية ويحتاج إلى حب مستمر دائم، إذا فقد واحداً منهما لا يستطيع أن يحيى حياة مستقرة مستمرة، لا يحيى قلبه إلا بحب دائم لا يغيب، وبهداية من الله سبحانه وتعالى.
فيوجه العبد وجهته لله عزوجل الذي فطر السماوات والأرض طالبا منه أن يهديه وأن يوفقه لحبه على الدوام، هداية لاتغيب وحبا لا ينقطع، فهو يحتاج إلى هداية ربه في كل لحظة وخطرة ونفس. فإن القلب ترد عليه خواطر في كل لحظة بالليل والنهار، فما يميز بين الحق والباطل منها إلا بهداية وتوفيق من الله، ولايميز إلا بإخلاص يتوجه به إلى الله عز وجل، ولو لم يهده الله لوردت عليه خواطر وإرادات ورغبات تهلكه، وهو لا يستطيع أن يميز بينها وبين ما ينفعه إلا بتوفيقٍ من الله (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )(هود88) فيستشعر الإنسان أنه يحتاج إلى الله في كل لحظة، يحتاجه هادياً ومعبوداً محبوباً يخلص له عمله فلا غنى له أبداً عن إلهه وموالاه.
فإذا قال العبد "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" استشعر حبه -سبحانه وتعالى- وتذكر فضله بهدايته له، فوجًّه وجهة قلبه إليه، فهو لا يحب غيره لأنه يأفل، ولا يطلب الهداية من غيره لأنه يعجز عن أن يهديه، وعند ذلك يشعر العبد بعظيم قدر هذا الدعاء.
فأنت أيها العبد وجهت وجهك لله لأن الله هداك ووفقك وأعانك وأخذ بناصيتك إليه حتى أحببته وعرفته فاطراً للسماوات والأرض، وهذا إقرار بتوحيد الربوبية، فهذه الجملة الأولى جمعت توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية في قوله (وجهت وجهي) هذا هو توحيد الألوهية، وقوله (للذي فطر السماوات والأرض) هذا توحيد الربوبية.
نسأل الله أن يرزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ، ونكمل في حلقة قادمة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين
موقع صوت السلف






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 06:57 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

3- الحنيفية والبراء من المشركينكتبه/دكتور ياسر برهامي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
ثبت أن النبي -- كان إذا قام إلى الصلاة في الليل كبر، ثم قال: (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتيونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أولالمسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمتنفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرفسيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك،لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك،تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك).
إن المتأمل لخلق السماوات والأرض يجد بلا تردد آثار العلم التام والقدرة التامة والحكمة التامة والعزة والقهر والقوة والمجد والعظمة والجمال والجلال ظاهرةً تمام الظهور، من الذرة إلى المجرة، ويرى توازنا عجيبا وإحكاما وإتقانا تاما ويرى ملكا باهرا، ويوقن أنه لا يمكن أن يكون الكون بهذا الإحكام من وجود الذرة الصغيرة في خلق الإنسان إلى الكائنات الأكبر في السماوات والأرض إلا بقدرة تامة وحكمة في كل شيء.
ويرى الإنسان من آثار عزة الله عز وجل فهو عزيز قاهر غالب على أمره، يريد الناس شيئاً ويريد الله عز وجل شيئًا فيكون ما يريد الله، وهو قاهر فوق كل من دونه سبحانه وتعالى، قهرهم بالموت وقهرهم بالمرض وقهرهم بالحاجة والفقر وهم أصلاً كانوا عدما، خلقوا قهرا ويموتون قهرا. وكل من يتدبر خلق السماوات والأرض يجد آثار صفات الله، فهو القهار، له العزة والقهر والقوة (ولَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) ولو يتدبر الإنسان قدر القوة الموضوعة وكم منها بأيدي الناس يجد عجبا. فالبشر يغترون عندما يشعرون أن عندهم قوة وهي في الحقيقة قوة تافهة جدا وصغيرة جدا. إن أقوى الدول وأعتاها - فضلاً عمن دون ذلك وعن آحاد البشر- لهم سلطان محدود ولهم قدرة وقوة محدودة فكيف يغترون بها؟ لكن المؤمن ينظر دائماً إلى القوة التي أودعها الله في الكون والتي تدل على قوته عز وجل و(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعا).
تأمل قوة البحار، كم هي؟ وكيف يمكن تغرق العالم؟ وتأمل ما في قوة الريح، و تأمل ما في قوة الشمس من طاقة هائلة يمكن أن تدمر الكرة الأرضية وما حولها لو أنها وجهت إليها، وتأمل القوة الموجودة في الشهب والنيازك، وتأمل أضعاف ذلك من القوة المودعة في الكون، ثم تأمل كم من هذه القوة بأيدي الناس؟ ماذا يملك البشر منها؟ فالبشر لا يملكون شيئاً من القوة المخلوقة إلا ذرة يسيرة يغترون بها، فيقول الجاهلون:من أشد منا قوة؟ ويقولون: القوة العظمى - والعياذ بالله - وما هي بعظمى بل حقيرة ضعيفة عاجزة، والإنسان إنما يراها عظمى نتيجة إخلاده إلى الأرض، ولو أن نفسه ارتفعت وشاهدت حقائق الكون سيجزم ويوقن أن القوة ليست للناس و(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً).
وتأمل الآيات التي فيها قول إبراهيم (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) كان أولها (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(الأنعام:75)، فالملكوت موجود، ولكن العبرة أن يراه الإنسان ويشهده ليشهد ملك الله عز وجل في السماوات وفي الأرض، وهذه نعمة من الله (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ).
وكثرة التفكر في خلق السماوات والأرض هي من صفات أهل الإيمان، قال الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(آل عمران:190-191)، فإذا شهد العبد ذلك وجَّه وَجْهَهُ - ولابد- للذي فطر السماوات والأرض ممتثلاً أمره متبعاً شرعه راجياً ثوابه خائفاً من عقابه، ويفعل ذلك حنيفا - أي مائلاً إلى الله معرضاً عن غيره- وهذا الميل إلى الله هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال - تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(الروم:30)، وقال النبي فيما يرويه عن ربه عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء)(رواه مسلم) هذه الحنيفية وهذا الميل إلى الله وحبه والرجوع إليه وامتثال شرعه والخضوع لأمره هي ملة إبراهيم التي بعث بها رسول الله - -، وهي الفطرة التي هي الدليل الثاني على توحيد الألوهية، فتوحيد الربوبية هو الدليل الأول الذي يدل عليه التفكر في خلق السماوات والأرض وهو الأكثر استعمالاً.
والدليل الثاني على توحيد الألوهية هو دليل الفطرة، وهو أن العباد يجدون في أنفسهم ميلاً وحباً لإلههم الحق ومعبودهم الذي لا شريك له، ولا تطمئن قلوبهم ولا تسكن نفوسهم إلا إذا توجهت إليه وأحبته وعظمته وخضعت له.
فحينما يولد الإنسان تولد له رغبات معينة، فيجد في نفسه الحاجة إلى الهواء فيتنفس، و يجد نفسه محتاجا إلى الأكل فيأكل ويمص ثدي أمه قبل أن يفهم، قد جعل الله فيه هذه الحاجات لكي تستمر حياته، فلو أن إنسانا لم يشعر بحاجته إلى التنفس سيموت. فمن أسباب الموت بالمخدرات - كالهيروين- أنه يشل مراكز التنفس في المخ، فيجعل مركز التنفس لا يشعر أنه محتاج إلى الهواء، فيموت الإنسان نتيجة لهذه الجرعة الزائدة التي تشلّ مركز التنفس، وتقول له أنت بحالة جيدة، ولا تحتاج إلى هواء، فلا يتنفس فيموت والعياذ بالله. ومن ضمن أسباب موت الأطفال في السن الصغير جداً، أن الطفل لا يريد أن يرضع، فيتوقف عن الرضاعة لأنه لا يشعر أنه جوعان، فيعجز الأطباء عن عمل أي شيء له إلى أن يموت. وحال القلب كذلك أيضاً، فكما أن البدن خُلِق محتاجا إلى النفس والطعام والشراب، خلق القلب مائلا إلى الله عز وجل، يحتاج إلى أن يتعبد، يحتاج إلى أن يحب، وأن يخضع إلى الله عز وجل، فهذه هي الفطرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)(الروم:30)، إن لم يشعر بهذا الأمر سيموت القلب ويضل ويهلك.
ويجد العبد في هذا التوجه والميل حقيقة غايته في هذه الحياة والحكمة من وجوده ومصيره الذي يصير إليه، وهو أنه يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، يجد العبد الإجابة على الأسئلة الفطرية الضرورية من أنا؟ ومن أين جئت؟ ولماذا جئت؟ وماذا يراد مني؟ من أوجدني؟ ومن جاء بي؟ ومن خلقني؟ وإلى أين أذهب؟ أسئلة موجودة في نفس كل إنسان، لا يستطيع الإجابة عليها إلا إذا توجه إلى الله - عز وجل-. والعبد إذا جرب لذة التوحيد والعبادة والحب وجد شيئاً لا نظير له في حياته كلها ووجد نعيماً لا يدانيه نعيم أخر ويجد راحة لا تماثلها راحة أخرى. ويتأكد هذا المعنى عنده - بوجوب توحيد العبادة- إذا كان قد جرب قبل ذلك الجاهلية والتوجه لغير الله، وجرب مدى ضرره وشقاءه وعذابه به فيشعر بالفرق الهائل حينئذ.
وأيضا، إذا كان من البدء على هداية ولم يكن على سبيل الجاهلية فيتدبر حال غيره، فيتأكد هذا المعنى عنده حين يرى حال غيره من البشر من حوله كيف يشقون بآلهتهم الباطلة ويعانون معاناة لا نظير لها، يعانون من تعلقهم بأصنام وأوثان وشمس وقمر ونجوم، ورياسة وملك، ودرهم ودينار وكبراء ورؤساء، ومطاعين وضعوا لهم نظريات فاسدة وأديانٍ باطلة تشقى بها أجيال تلو أجيال في دنياهم قبل أخراهم، فيوقن الإنسان حينئذ ويزداد يقيناً بأنه لا إله إلا الله، فيكون حنيفا ويتبرأ من المشركين ومن طريقتهم وملتهم، ويبغض صفاتهم وأعمالهم ويبغضهم ويفارقهم، حتى لو كان محتاجاً في دنياه لموافقتهم، فـَلـَذَّة عبوديته لربه تسليه عن فقد بعض مصالح دنياه مؤقتاً بسبب هذه البراءة، لأنه حينما يتبرأ من المشركين سيعادونه ولن يعطوه المصالح التي يعطونها لأوليائهم، نعم، سيتعب تعبا قليلاً مؤقتاً، ثم بعد ذلك أثناء تعبه هذا وأثناء مفارقته وأثناء براءته من الشرك وأثناء عدم الحاجات التي يريدها في دنياه سيتسلى بعبادة الله -عز وجل-، وستُنَسيْه لذة عبوديته ألم فقد هذه المصالح، وسيجمع الله له شمل دنياه وأخراه، وسيجد هذه المصالح التي ضاعت منه قد جاءته من غير أن يبذل أي مجهود، لأنه من أصبح والآخرة همته جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.
وقضية البراءة من المشركين في قوله: (وما أنا من المشركين) قضيةٌ عظيمةٌ الأهمية في عقيدة المؤمن وفي سلوكه ومعاملاته، ولأن المصالح متشابكة والأحوال متداخلة وقد اقتضت حكمة الله ألا توجد في الدنيا المثالية المنشودة، بل ما يزال الخير مختلطاً بالشر عند أكثر الناس، ولهذا كانت هذه المسألة بحاجة إلى تكرار يومي حتى تستقر في نفس المؤمن ولا ينحرف إلى ما يخالفها، ففي كل يوم لك مصالح عند أعداء الإسلام، وكثير من الناس ينسى قضية الولاء والبراءة من المشركين في المصالح، الأمر الذي يجعلهم يدورون في فلكهم تحت ضغط مصلحة موهومة أو لدفع مفسدة محتملة دون مفسدة موالاة المشركين والتي هي في الحقيقة أشد ضررا وأعظم مفسدة، والذل الذي يحصل بسبب طاعتهم أضعاف ما يفر منه الإنسان من الأذى أو من المضرة، لكن أكثر الناس موازينهم مختلة فلا يُحسن أكثر الناس استعمال الميزان الذي أنزله الله مع الكتاب (اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ)(الشورى:17)ز هذا الميزان إنما توزن به الأفكار والعقائد والتصرفات والأخلاق والسلوكيات، ولا يهتدي أكثر الناس أصلاً إلى هذا الميزان فيزن المصالح والمفاسد بموازين العقل القاصر أو الهوى الغاوي أو التقليد الجاهل، فيقول لك إنما نحن مصلحون (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)(البقرة:12).
تجد أن أكثر العالم يظنون أنفسهم يصلحون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، لذا أصيبت الأمة بما أصيبت به من أنواع الضرر والهزيمة والذل والهوان وتسلط الأعداء من جراء تضييع الإيمان ومنه قضية البراءة من المشركين، بل إن هذه القضية لها خصوصية في هذا الباب، وهي أن الركون إلى الذين ظلموا بموافقتهم في باطلهم وافتراء الكذب على الله وعلى دينه وعلى رسوله - - بما وافق أهواءهم يفقد العبد ولاية الله ونصرته. فقضية موالاة المشركين مرتبطة ارتباطا أساسيا بقضية الهزيمة التي تحل في الأمة، والتي سببها أساساً موالاة الكفار والعياذ بالله لأنه كما قال الله عز وجل (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)(هود:113)،
والمتأمل في تاريخ الإسلام وما حدث من مصائب كبرى في تاريخ المسلمين - ابتداء من سقوط بغداد على يد التتار، ومرورا بضياع الأندلس، وأخيرا احتلال بيت المقدس والأرض المباركة حوله من اليهود، هذا غير احتلال بلاد كثيرة من البلاد الإسلامية - يجد أن الهزيمة دائماً كانت بسبب من يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يخون أمته وينصر عدوها، وإلا فأمة الإسلام قادرة قدرة عجيبة بفضل الله تعالى على الصمود في وجه أعتى الأعداء وأقواهم، ولها قوة عظيمة في الثبات أمام أقوى الأسلحة وأكثر الجيوش عددا وعدة، حتى تحصل الخيانة وتسقط فئة في هوة الموالاة لأعداء الله وترك البراءة منهم، فتحصل الهزيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه القضية وكل قضايا التوحيد التي تضمنها هذا الدعاء العظيم تحتاج إلى تكرار حتى تستقر وتثبت بل تنمو وتكبر وتثمر ثمارها في حياة المؤمن فهي الشجر الطيبة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(إبراهيم:24-25).
حاصل الكلام في هذه الجملة الأولى في هذا الاستفتاح العظيم (وَجَّهْتُ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين) أن المتأمل يلحظ أن كل جزء من هذا الدعاء يقود إلى الذي يليه أو هو دليل عليه، فتوحيد الربوبية في قوله (للذي فطر السماوات والأرض) دليل على توحيد الألوهية في (وجهت وجهي)، والتفكر في خلق السماوات والأرض في قوله (فطر السماوات والأرض) يبين للعبد آثار الأسماء الحسنى والصفات العلى من الجلال والجمال والمجد والعظمة، فلا يجد العبد بداً من الميل الفطري إلى الله، حباًً وانقيادا وتعظيما وبُعدا عمن سواه حنيفـًا، وهذا البعد عمن سواه من المعبودات الباطلة يستلزم بغضا وبعدا وبراءة منها ومن عابديها، فيقول (وما أنا من المشركين).
فسبحان من أحاط بكل شيء علما وتمت كلماته صدقا وعدلا، وله الحمد على ما شرع لعباده وهداهم لحقائق الإيمان المتلازمة المترابطة التي تفتح كل حقيقة منها لصاحبها أبواب الحقائق الأخرى، كمن دخل قصراً ووجد كنزاً فإذا دخل غرفة من غرف القصر وجد فيها مفاتيح غرف أخرى، وكلما طالع جواهر الكنز وجد معها ومنها مفاتيح كنوز أخرى.
فاللهم أنر قلوبنا بحبك وزدنا علماً ويقيناً وإيماناً.والحمد لله رب العالمين






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 06:58 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

امتثال وعبودية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، أما بعد،
فيقول النبي صلى الله عليه و سلم في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك).
توقفنا عند الجملة الأولى وهي قوله (وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا و ما أنا من المشركين)، وذكرنا أنها تتضمن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتذكير العبد بميله إلى الله و حبه له، والبراء من الشرك وأهله.
وأما الجملة الثانية من الدعاء فهي قول النبي (إن صلاتي و نُسكي و محياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ و أنا أول المسلمين)، فهى امتثال قول الله عز وجل (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)(الأنعام162) والمقصود أن يقولهاالنبي وغيره من المكلفين تبعا له، فامتثلها النبي فقال (إن صلاتي ونسكي)، قالها صادقا ، ويجب على كل مكلف أن يقولها صادقـاكذلك.
أما قوله (وأنا أول المسلمين) أي من هذه الأمة، فالأظهر والله أعلم أن الداعي منا يقول "وأنا من المسلمين"، كما ذُكر في رواية مسلم(وأنا من المسلمين)، وذلك أنه لا يصلح أن يكون هو أول المسلمين من هذه الأمة، لأن أول المسلمين من هذه الأمة هو محمد ، كما لا يصح أن يقول أنا أول المسلمين في زمني، فإنه قد سبقه مسلمون لم يزالوا مسلمين منذ بُعث النبي صلى الله عليه و سلم إلى ما شاء الله من الزمان، فالأفضل أن يقول "وأنا من المسلمين"، وبعض العلماء يقول: ينبغي أن يقول "وأنا أول المسلمين" وهذا ليس بظاهر و الله أعلم.
هذه الكلمات المباركات تذكر العبد بغايته في الحياة، الإنسان كما ذكرنا يحتاج إلى تذكير دائم بقضايا أساسية في كل يوم وليلة، وهي قضايا الإيمان والتوحيد، فالغاية من الحياة والمقصد منها والغاية التي خلق من أجلها هي تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، فهو يؤكد أن صلاته و نسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، تحقيقا للعبودية بمعناها الشامل لكل تصرفاته ولذلك قال (ومحياي ومماتي) ليست الصلاة والذبح المختصة بالعبودية فقط وإنما الحياة والموت أيضا.
وبدأ بالصلاة لأنها أعظم العبادات البدنية، كما في الحديث الصحيح قول النبي (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، لأنها تتضمن عبادة القلب واللسان و الجوارح، فعبادة القلب فيها، وهي الأصل، ولابد فيها من حضور النية والإخلاص وإلا فالصلاة تبطل بلا نية، وكذلك لابد فيها من الخشوع، وقد قال الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون2)، و كل ما في الصلاة من أذكار تتضمن عبادات القلب ، ثم يحرك لسانه بذلك ثم جوارحه من قيام وركوع وسجود، فالصلاة كلها عبودية لله عز وجل.
ولذلك فإن الصلاة تجمع أنواع العبودية، ولذا كانت خير الأعمال، وهي قرة العين للمحبين المتابعين لسيدهم خير الخلق محمد الذي قال (وجُعلت قرة عيني في الصلاة)، فالله جعل له في الصلاة أسعد لحظاته وقرار عينه حيث لا تتطلع إلى شيء آخر.
وكان صلى الله عيه وسلم يقول لـبلال (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)، والله عز وجل أمر عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)(البقرة45)، فالصلاة مفزع يفزع ويهرب الإنسان إليه متوجها إلى الله عز وجل، وكلما حزب الإنسان أمر فزع إلى الصلاة، كفعل النبي كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فإن راحة الإنسان من الهموم والغموم في الصلاة الخاشعة، وإذا رزق الخشوع فيها والحضور فهي فعلا قرة العين، ولذلك بدأ بها فقال (إن صلاتي ونسكي).
وذكر النبي النسك، وله في هذا الموضع معنيان في تفسيرين:
المعنى الأول: الذبح، كما قاله مجاهد وسعيد بن جبير والضحَّاك.
أو المعنى الثاني وهو: التعبد بجميع أنواع العبادة، فيكون النسك بمعنى العبادة، ومنه متنسك أي متعبد، وهو من عطف العام على الخاص.
فكل العبادات بما فيها الذبح لله عز وجل وحده لا شريك له لا يجوز صرف شيء منها لغيره، كما قال تعالى في شأن الذبح أيضا وجمع بين الصلاة والذبح (فصل لربك وانحر)(الكوثر2)، أي اجعل صلاتك لله وحده ولا تسجد لغيره وكذلك اجعل نحرك وذبحك لله وحده لا شريك له ولا تذبح لصنم أو وثن أو غيره من دون الله، كما قال النبي (لعن الله من ذبح لغير الله).
ثم ذكر المحيى والممات في قوله (ومحياي ومماتي)، إقرارا بأن تكون حياته لله وأن يكون موته لله، فالمؤمن يحيى حياته كلها لله بأن يزن أمورها بتعاليم الإسلام، يعيش بالإسلام ويعيش من أجله، ويزن كل أمر من الأمور بميزان الإسلام ويعمل كل الأموربشرع الله ويدعو إليه ويسعى إلى أن يعبـِّد الخلق كلهم لربهم، كأفراد ومجتمعات ودول وشعوب، يسعى إلى تحقيق عبودية الفرد وعبودية الأمة وهو يموت على ذلك و يموت أيضا من أجله.
وهنا تأكيد مرة ثانية على توحيد الألوهية والربوبية(إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) هذه أفعال العبد، وهذه معاني الربوبية، فيثبت توحيد الربوبية مرة ثانية، وينفي الشرك بقوله (لا شريك له)، لا شريك له في ربوبيته ولا شريك له في ألوهيته ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، والعبد يشهد ذلك ويعلمه ويطبقه في أقواله وأفعاله، فيحقق نوعي التوحيد العلمي والعملي، الإقرار والشهود، والقصد والطلب.
فتوحيد الإقرار والمعرفة والشهود في قوله (الذي فطر السماوات و الأرض)، وفي قوله (لله رب العالمين) فينزه الله عن الشريك، في الحقيقة وفي شهود العبد، يعني الله ليس له شريك في الحقيقة وإن ادعى أحد لله عز وجل شريكا فهو كاذب لان هذا ليس موافقا للحقيقة، والحقيقة أن الله واحدًا لا شريك له في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته، أما تحقق ذلك في شهود العبد فهو أن يشهد أن هذا الأمر هو الحق دون ما سواه، كما أنه في الحقيقة فهو يشهد هذه الحقيقة وفي استحقاق العبادة لله وحده لا شريك له، فالله يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وهو واحد من هؤلاء العباد الله، فلا يشرك بالله أي شريك في إرادته و قصده.
وقوله (وبذلك أُمرت) يستحضر به أن الله أمره بالتوحيد، وأنه امتثل أمره سبحانه وأطاعه وقبله بخلاف من رده وأباه، ومشكلة كفر إبليس كان في رد أمر الله وقد أمره، والمؤمن يضاد ما فعل إبليس، فإن الله عز وجل قال له (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)الأعراف12 فرد الأمر على الله،أما المؤمن يستحضر أن الله أمره فامتثل،افقال "وبذلك أمرت"، فحقق بالامتثال الخضوع والذل، وسبق أنه في قوله (حنيفا وما أنا من المشركين) حقق كمال الحب، فاكتمل ركني العبادة وهما كمال الحب وكمال الذل، فتضمن هذا الدعاء حقيقة العبودية.
ثم قوله (وأنا من المسلمين) فهو يدخل في زمرة المسلمين، كما في قوله (وما أنا من المشركين) براءة من الشرك، ففي قوله (وأنا من المسلمين) ولاء إلى أهل الإسلام، فهو يستحضر أنه جزء من هذه الأمة، يدخل في الأمة الواحدة، (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)الأنبياء92، أمة أولها الأنبياء وأولهم محمد أرفعهم منزلة وقدرا، أفضل الخلق عند الله، وهو أول المسلمين من هذه الأمة، فهنا إعلان الاستسلام لله والانتماء للأمة المكرمة المشرَّفة، التي اصطفاها الله على الأمم بهذا الدين، واختص أتباع محمد بأن سمَّاهم المسلمين من قبل خلقهم وإيجادهم، وهذا من أشرف ما شرف الله به أمة الإسلام أنه جعل اسم الإسلام والمسلمين علم على هذه الأمة، مع أن من قبلهم كانوا مسلمين فعلا ودينهم الإسلام، ولكن الإسلام لم يصر علما عليهم، وإنما صارت لهم أسماء أخرى أعلاما على دينهم وملتهم، مع أنها الإسلام في حقيقة الأمر، ولكن اختص الله أمة نبيه محمد بأن جعل اسم الإسلام علما لهم، وسمَّاهم به قبل خلقهم وإيجادهم، وسمَّاهم المسلمين في القرآن العظيم (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير )الحج78.
فقبل أن تُوجد سُميت مسلما، قبل أن تُخلق سميت مسلما، فالحمد لله أن جعلنا مسلمين، نسأله سبحانه أن يتوفانا مسلمين وأن يلحقنا بالصالحين.







آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 06:58 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

- اللهم أنت الملك
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول النبي في دعاء استفتاح صلاة الليل: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
واستكمالا لما بدأناه من شرح دعاء الاستفتاح، نذكر قول النبي - -: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)، وهذه الجملة تتضمن أموراً عظيمة الأهمية والقدر، وبيان ذلك أن الصراع بين الحق والباطن مستمر والمؤمنون يمثلون في هذا الزمان حلقة من حلقات هذا الصراع، والقضية الأساسية في هذا الصراع هي قضية توحيد الله عز وجل، والخصومة في التوحيد مع أهل الشرك والكفر هي أنهم يريدون أن يُعبد غير الله، ونحن نريد أن يُعبد الله وحده لا شريك له.
وقد قضى الله بعلمه وحكمته أن تكون قوة المؤمنين المادية غالباً -وربما دائماً- ضعيفة خصوصاً في ابتداء كل حلقة من حلقات الصراع، وأن يكون الملك والسلطان الظاهر في الأرض فيما يبدو للناس لأعداء الله سبحانه، وذلك ليستعين المؤمنون بالله وليتوكلوا عليه لا على أنفسهم وليتعبدوا له بأنواع العبودية المتعددة والتي من أهمها شهود ملكه -عز وجل- في السموات والأرض.
فالمؤمن يشهد كل لحظة أن الملك لله، يستحضر هذا كل ليلة من الليالي حينما يقول (اللهم أنت الملك)، كما في الدعاء الآخر في استفتاح قيام الليل أيضاً (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيـَّام السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) رواه مسلم، إن شهود ملك الله عز وجل هو من أعظم أنواع العبودية الذي اختص به أهل الإيمان، لأن الكفرة يظنون أن الملك لهم، وأما المؤمن فإنه رغم وجود الملك والسلطان الظاهر للكفار فإنه يستحضر أن الملك الكامل لله عز وجل، ويشهد ملك الله للسموات والأرض وما فيهن، والمؤمنون جند الله، جند الملك الذي لا يُغلب والذي لا يمانع ولا يُغالب، والتوسل إلى الله بهذا الاسم في الدعاء، اسم "الملك" من أعظم ما يستنزل به النصر وتثبت به الأقدام والقلوب، ويتذكر به المؤمن حقيقة الميزان في هذا الصراع، ولا تغره زينة الدنيا.
وقد روي في الأثر عظيم النفع - برغم كونه من الإسرائيليات- فيما أورده ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أن الله - عز وجل- قال لموسى - -: (انطلق برسالتي، فإنك بسمعي وعيني، إن معك يدي وبصري، وإني قد ألبستك جُنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري، وعثَّرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشه جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرَّقَته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي، فبلِّغْه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وذَكّْره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يردعنـَّك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة تسبه، وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العٍقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة - ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني. ولا تعجبنكما زينته، ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة، وما ذاك لهوانهم عليًّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفوراً لم تَكْلُمْه -لم تجرحه- الدنيا، واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، وسيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقا حقا، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وبادأني وعرَّض لي نفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني؟ أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟ وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أَكِلُ -لا أترك- نصرتهم لغيري).
فالله يؤيده بنصره، وقد ألبسه جُنَّة أي وقاية من العدو من عند الله -عز وجل-، والله يعصم من اعتصم به وليس فقط موسى - -. والكفرة في أيديهم من القوة والسلطان ما يستطيعوا أن يدمروا به قوة المسلمين ومع ذلك فقد كف أيديهم عنهم، جعلهم يتركونهم في أنواع من العبودية لله عز وجل رغم ما يريدون من الكيد للإسلام، فهذه من آيات الله، وفي قصة موسى - عليه السلام- أمر من أجلى الأمور وأوضحها، وهو أن فرعون مهما يملك من القوة المادية الظاهرة يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)(غافر: 26).
ففي كل مرة فرعون ممنوع من قتل موسى، وإلا ما الذي يقيده حتى يقول (ذَرُونِي) سوى شعوره بأنه لا يقدر، وفي كل مرة يغرونه بموسى يبحث عن غيره (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)(الأعراف: 127)، فالمؤمن كذلك عنده جُنَّة من سلطان الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(المائدة: 11)، فهناك من يريدون أن يصلوا بأيديهم إلى المسلمين والله يكف أيديهم، فالله يصرف المؤمنين عن الدنيا لعلمه بأن القلوب تتعلق بها إذا وقعت فيها، ولذا كان من دعاء النبي - -: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) رواه مسلم، الذي يكفيه دون أن يحتاج إلى الناس ودون أن يزداد عن حاجته فيتعلق قلبه عن الدنيا، وكل نصيب يستمتع به المؤمن في الدنيا ينقص من نصيبه في الآخرة.
كل هذه المعاني يشعر بها المؤمن في قلبه عند قوله (اللهم أنت الملك)، يشهد بهذه المعاني وغيرها كثير فيحيي بها قلبه، ويثني على ربه هذا الثناء العظيم الذي يتكرر في الفاتحة، في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(الفاتحة: 4)، وهو ملك كل الأيام ولكن ذكر يوم الدين لأن الملك الكامل لله وحده ظاهر يومئذ للخلق جميعا، المؤمن والكافر، دون منازعة ولا حتى في الاسم، يوم الدين يوم يظهر فيه للكل، للمؤمن والكافر، أن الملك لله.
وإن للمؤمن حاجة، بل ضرورة إلى تمرير هذا المعنى على قلبه، بل وترسيخه وثبوته حتى يستحضر أن ما يفعله الأعداء أنما هو بأمر مليكه المقتدر ليختبره في ذلك، فلو شاء الله لتغيرت هذه الموازين كلها في لحظة ولكنه يختبرنا، أنفرده بالألوهية والعبودية والحب والخضوع والطاعة لا إله إلا هو، أم نغفل ونظن أن الكفرة والظلمة يملكون فنتابعهم على الباطل؟
فاللهم إنا نعوذ بك من ذلك، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، والحمد لله رب العالمين.






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 06:59 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

6- اللهم أنت ربي وأنا عبدك
كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - -، أما بعد،
يقول النبي - -: )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفركوأتوب إليك).
تكلمنا في المقالات السابقة عن الجملة الأولى (وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين)،والثانية (إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين).
ونستكمل اليوم كلامنا عن الجملة الثالثة (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت) حيث يشهد العبد فيها ملك الله عز وجل وألوهيته، ثم أتبعها النبي - - بقوله (أنت ربي وأنا عبدك) ففيها شهود الألوهية بعد شهود الملك والربوبية، فجمع أنواع التوحيد، ثم تجد هذه الأنواع تتكرر في أجزاء الدعاء، واحدة تلو الأخرى، فيعود ليشهد كل نوع بطريقة أخرى، وتكرار هذه الحقائق الإيمانية لكي تستقر قضية التوحيد في النفس، فمعاني الإيمان تتضح أكثر وأكثر مع كل كلمة من كلمات الأدعية النبوية.
ونجد الثناء على الله تعالى باسم (الرب) مضافا إلى ضمير المتكلم المفرد، حيث لم يقل أنت ربنا بل قال أنت ربي، فهذا له مذاق خاص وجميل في استشعار الإصلاح الخاص، فمعنى الرب: المصلح شأن غيره، كما في الحديث (قال هل لك عنده من نعمة تربُها ؟)(رواه مسلم) يعني: تقوم عليها وتصلحها، فإذا قال العبد (اللهم أنت ربي) يستشعر فيها أن الله عز وجل هو الذي يدبر أمره، والله رب العالم كله، ولكن هناك ربوبية خاصة لعبده المؤمن، يصلحه إصلاحا غير الذي أصلح به شأن الآخرين، أصلح للآخرين شأن دنياهم وشأن حياتهم وأصلح للمؤمن كل أمره - دينه ودنياه-، فهو يتوسل إلى الله عز وجل بأنه عبده الذي يحتاج إليه، فهو يفتقر إلى الله عز وجل و يتوسل إليه بأعظم عمل صالح يعمله عبد، وهو العبودية له سبحانه.
هذا التوسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح، والتوسل إليه بالملك والألوهية والربوبية، كأن العبد يقول "أنا فقير إليك بكلي، وأتوسل إليك بكل ذرَّاتي، فتول أمري وإصلاحي".
وفي قول النبي - -: (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت) ما يوضح ذلك، فإن وقوف القلب ذليلا منكسرًا بين يدي ربه من أعظم أسباب أن يُجبر وأن يعطى ما يزيل نقصه وكسرته، وأعظم أسباب محبته لربه، لأن الذل والحب قرينان في العبودية فإذا انكسر الإنسان لله أحبه، وإذا أحبه ذل لربه وخضع له، وهذا الذل يحدث للعبد من عدة جهات كلها مطلوبة:
أولا: ذل الفقر والحاجة، فالله هو الرب الغني الحميد، والعبد مربوب فقير بمقتضى كونه مخلوقا، أي أن العبد فقير ليس بيده من وجوده شيء، فقير في نبض قلبه وجريان الدم في عروقه، فقير في سمعه وفي بصره وفي مخه وفي كل جزء من أجزائه وفي كل شأن من شؤونه، (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)(فاطر:15)، هذه الحقيقة يشترك فيها المؤمن والكافر، ولكن يشهدها المؤمن فحسب، فيحصل له بذلك ذل الفقر والحاجة إلى الله سبحانه إذا شهد ذلك، فهذا النوع الأول من أنواع الذل إذا شهده العبد فإنه ينكسر لله عز وجل.
ثانيا: ذل العبادة، تذلل العبد فعليا بالعبادة، كونه يمارس العبادة، كونه يركع و يسجد ويقف، فهذا ذل يحدث به للإنسان الانكسار، كذلك الهيئات التي تكون للإنسان في الصلاة يحصل بها أنواع عظيمة من الحب لله عز وجل، هيئته نفسها تقربه إلى الله كما قال النبي - -: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)(رواه مسلم)، والركوع لله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)(الحج:77)، هذا افتقار إلى الألوهية، لأن الإنسان محتاج إلى أن يتعبد وينكسر لله، وإن لم ينكسر ويذل لله ذل لغيره لأنه فُطر على كونه عبدا، فأكثر الخلق يعبدون غير الله، فلماذا يذلون لغير الله من منصب وجاه وكبير ورئيس؟ يحصل هذا لأن العباد فطروا على أن يكونوا عبيدا محتاجين إلى التأله وتعلق القلب بإله، فنسأل الله تعالى ألا يذلنا لغيره.
فالأول ذل الفقر والحاجة، ذل إلى الربوبية، والثاني ذل العبادة الذي يتحقق للعبد بقوله (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) فهو يتوجه إلى الله بأعماله وبقوله (أنت ربي وأنا عبدك)، فإن العبادة و هيئات القيام والركوع والسجود - بخاصة- تجلب للعبد ذلا وانكسارا لا يحصل للعبد بغيرها، ولذلك لا يمكن أن تتحقق عبودية أحد بدون الصلاة، فالذين يقولون: "الصلاة وسيلة لا غاية"، أناس كفرة والعياذ بالله.
ثالثا: ذل الابتلاء والمحنة التي لا يملك العبد لها دفعا إلا بالله، ولا يجد قوة لدفع الضرر عن نفسه وأهله ولا تحويله إلا أن يكشفه الله ويحوله، وذلك يحصل للإنسان أثناء المحن وأثناء الألم وأثناء المرض والتعب، ويتعجب الإنسان فعلا إذا أصابه ابتلاء فيظل منكسرا ذليلا فيُفتح له أبواب من الخير فيحمد الله عز وجل على أن قدّر هذا المرض أو هذا الألم أو الابتلاء، لأنه من خلاله وصل إلى نوع من الذل والانكسار. أما الرخاء الدائم يجعل الإنسان مترفا، ويشعره أنه ليس محتاجا والعياذ بالله، وهو محتاج تمام الاحتياج، كما قال عز وجل (وأترفناهم في الحياة الدنيا)(المؤمنون:33).
وهذا الأمر من فوائد الاعتكاف حين تبعد عن الأهل فيحصل نوع من الألم يورث انكسارا، كما ورد عن قوم يونس - عليه السلام- أنهم ندموا عندما فارقهم يونس، فجأروا إلى الله عز وجل بالدعاء وفرقوا بين الوالدة وولدها، لأن الشعور بالألم والحاجة والمحنة والشعور بالغربة، تورث الإنسان فقرا وذلا لله عز وجل ليس له نظير، فقد نقول في بعض الأحيان أن من نعم الله العظيمة ما يقع للمسلمين من آلام ومحن، لأنها تفتح أبواب تضرع عظيم جدا وشعور بالانكسار وشعور بالذل والحاجة والافتقار إلى الله، وليس لهذه الأبواب بديل وليس لها نظير، فيستشعر الإنسان آلام المسلمين ومحنهم ويتضرع لله عز وجل أن يفرج ذلك الأمر، (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا)(الأنعام:43).
ابحث عن نوع الألم الذي في حياتك واستحضره واستحضر أنه لا يكشفه إلا الله: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا)(الإسراء:56)، ولا يوجد بشر إلا وعنده ضر وعنده ألم، ولكن كثيرا من الناس يتعاطى مُسكرا فينسى ذلك وهو عنده آلام مستكنة لكنه يحاول أن يغطيها، أما المؤمن لا يحاول تغطيتها بل يحاول أن يدفعها بالله عز وجل، ويستحضرها لينكسر لله سبحانه وتعالى.
رابعا: ذل الحب المتضمن في معنى الإله، فهو المحبوب لذاته، الذي يذل له العبد، فالحب أصلا يجلب الذل، تلقى الحبيب يمشي وراء محبوبه ذليلا له، لأنه لا يقدر على الاستغناء عنه، فالحب نوع آخر من الذل، مع أنه في الدنيا لو أحب الإنسان أحدًا فمن الممكن أن يستغني عنه، فهذا الحب لله عز وجل يجلب نوعا خاصا من الحب لأنه لا يُحب لذاته إلا الله فالحب يؤدي إلى الذل، والذل يؤدي إلى الحب ويزيد كل منهما في الآخر فيظل العبد في ارتفاع وسمو.
يبقى ذل آخر: وهو ذل الذنب وانكساره وشعور العبد بظلمه لنفسه، ثم إقراره واعترافه بقلبه ولسانه أنه قد أذنب وشعوره بأنه لا ينجيه ولا يخلصه من ذنبه ولا يغفره له إلا الله، فيتوسل إليه بهذا الذل، فيقول: "ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فيحصل له بذلك نوع خاص من العبودية، لا يشبهه شيء آخر، ومن أجل هذا الذل قدر الله الذنوب على عباده المؤمنين وأوليائه المتقين بل على أنبيائه المرسلين، وإن كانت ذنوبهم تختلف عن ذنوبنا، إلا أن النوع البشري قدر الله عليه هذه الذنوب لتتحقق أنواع من العبودية لا يوجد لها نظير، يرتفعون بها فوق منزلة الملائكة في نهاية الأمر، رغم أن الملائكة لا يعصون الله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(البينة:7)، لذلك وقع ما سُمي ذنوبا في حق الأنبياء، والرسول - - هو الذي يقول (ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) فهذا ذل الذنب وانكساره.
ثم نتذكر أن هذه الكلمة (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) كان بها نجاة الأبوين وتوبة الله عليهما (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)(الأعراف:23)، فالإنسان إذا ظلم واعترف بذنبه كأنه لم يظلم، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فشعور الإنسان أنه ظلم واعترف بذنبه يرفعه مقامات عالية، كما ذكرنا لا يصل إليها بغير هذا النوع من العبودية وهذه الكلمة "إني كنت من الظالمين" مع كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هما كلمة النجاة من كل غم لكل مؤمن، كدعوة يونس - عليه السلام- (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(الأنبياء87-88).
ففوائد عظيمة جدا تتحقق بأن يقول العبد (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعـا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، فهذا الاستفتاح يفتح الطريق إلى القلب للدخول إلى الصلاة، لأن الإنسان قد يدخل قلبه في الصلاة بعد دخوله فيها بمدة طويلة جدا، وقد لا يدخل قلبه في الصلاة أصلا، ولكن أدعية الاستفتاح إذا استحضرها العبد أعانه الله بها إعانة عظيمة جدا، خصوصا هذه الأدعية المعجزة، وأقسم بالله العظيم أنها معجزة ظاهرة جدًا، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قلب بشر تكتمل فيه هذه المعاني بهذا الوضوح لمن تأملها، ولا يمكن أن تكون في كلام بشر آخر وإنما أوتي جوامع الكَلِم - -. والحمد لله رب العالمين






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:01 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

7- واهدني لأحسن الأخلاق
كتبه ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام، أما بعد،
قول النبي صلي الله عليه وسلم: )وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).


نواصل الكلام عن قوله صلي الله عليه وسلم (واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت).
الأخلاق منها وهبي جبلي، يفطر عليه الإنسان حسب ما كان قبيحا أو حسنا، ومنها ما هو كسبي عملي يسعى الإنسان إليه بجهده ويتخلق به، وكلا النوعين بيد الله،وهما من عطائه ورزقه،ورزق الإنسان في الأخلاق أهم وأخطر بكثير من رزقه في الجاه الدنيوي، والنوع الأول الجبلي قابل للتأثير عليه والتغيير وإن كان الأثر فيما يخالف ما جُبل عليه الإنسان ليس كقوته فيما يوافق، فالإنسان المجبول على الكرم ستجد النفقة عليه سهلة جدا، أما المجبول على البخل، هل له أن يتغير؟ نعم، من الممكن أن يتغير وإن كان لن يصبح كالذي جُبل على الكرم لكن سيتغير، وإن العبد لن يجد وسيلة لتحسين خلقه أعظم ولا أهم ولا أكبر أثرا - بل في الحقيقة لا وسيلة غيرها - اللهم إلا اللجوء إلى الله، فتغيير الأخلاق أصعب شيء على الإنسان، وهنا يأتي الارتباط بين الجزء الأول من الدعاء الذي كله عن قضية التوحيد والإيمان، وبين قضية الخُلق، لأن الخُلق هو جزء من الإيمان في الحقيقة.
ولهذا كان هذا الدعاء العظيم (واهدني لأحسن الأخلاق...) و دعائه صلي الله عليه وسلم (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها)، فتزكية العبد لنفسه لن تثمر ثمرتها إلا أن يُزكيه الله، والعبد مأمور أن يتزكى (قد أفلح من تزكى)، فتزكيته عز وجل خير تزكية، وتزكية المرء لنفسه ليس لها قيمة إذا لم يزكها الله عز وجل.
فصل مختصر في أحسن الأخلاق: أحسن الأخلاق هي أخلاق الرسل وهي صفات الرجولة (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) فلم يقل "إلا ذكورا" بل قال رجالا، فالرجولة صفات، فنذكر بها أنفسنا باختصار.
بني هذا الأمر على الصدق مع الله والناس، وترك الكذب بالكلية والصبر واحتمال الأذى من الخلق، وعندما ننظر إلى صدق الأنبياء، نجد صدقا مع الله و مع الناس وفي العمل وهذا شيء أساسي، فمن المستحيل أن يُعرف عن نبي أنه كذب أبدا.
و أما صفة الصبر واحتمال الأذى، فتأمل صبر يوسف عليه السلام واحتمال الأذى الذي تعرض إليه من إخوته، الذين باعوه وفرقوا بينه وبين أبيه وهو يحتاج إلى أبيه أشد الحاجة، وهو كريم بن كريم بن كريم بن كريم،وفعلوا كل هذا فيه وظلوا حاقدين عليه إلى أن كبروا وكبر هو، ومع ذلك سامحهم سيدنا يوسف،فسبحان الله!، أرأيت إلى أي مدى يصل احتمال الأذى، فلنصبرولنحتمل الأذى من الناس نولنحلم عليهم، ولعلنا نتأمل ونأخذ القدوة من حلم يعقوب عليه السلام على أبنائه حين حرموه من ابنه قرة عينه.
إن من أحسن الأخلاق احتمال الأذى من الخلق وكظم الغيظ وكف الأذى عن الناس باللسان واليد والقلب وعدم الانتقام للنفس، إلا أن تنتهك حرمات الله عز وجل، فينتقم العبد لله عز وجل لا لنفسه.
ومن مكارم الأخلاق الأناة والتمهل والعفة عن المحارم وعما في أيدي الناس، فيتعفف العبد بأن يبتعد عما حرم الله ويبتعد عما في أيدي الناس وعن سؤالهم.
ومنها اجتناب القبائح والفواحش وهي الكلمات الظاهرة الفاحشة خاصة بما يتعلق بالعورات، فالإنسان الخلوق هو الذي يتجنب الفواحش في القول والعمل وفي الأموال والأعراض، كما قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في طوافه "اللهم قِني شُح نفسي" ويقول "إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزني لأن كل ذلك من عدم العفة.
ومنها الحياء والكرم والجود والسخاء، والحياء أن يستحي من الله ومن الناس فهذا من حسن الخلق،وترك البخل والغيبة والنميمة وخيانة الأعين وهي تطلعها إلى ما لا يحل خلسة.
ومنها الشجاعة وعزة النفس، والبذل في الحق والقوة فيه، والتضحية، والاستعداد لبذل المحبوب الغالي على النفس وإخراجه ومفارقته عند أمر الله بذلك.
ومنها الوفاء بالعقود والوعود والأمانات، للأهل والأصدقاء والأقرباء، والبر، والصلة والإحسان إلى الخلق، والعدل والتوسط في شيم النفس، فالجود وسط بين التبذير والبخل، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والحياء وسط بين الوقاحة والعجز والمهانة والخور، والحلم وسط بين الغضب وذل النفس وسقوطها، والتواضع والعزة المحمودة وسط بين الكبر والهوان، والقناعة وسط بين الحرص والتنافس على الدنيا، والصبر وسط بين الجزع والهلع وبين القسوة والغلظة وتحجر الطبع والفظاظة، والرحمة وسط بين القسوة والضعف. فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
ومن الأخلاق الحسنة الإيثار بالدنيا، كما وصف الله تعالى الأنصار: (ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة)، وهذا الإيثار بالدنيا من علامات غنى النفس بالله عز وجل، وإنما يؤثر الإنسان على نفسه لأجل أن ما عنده من الله يكفيه، ويحصل غنى القلب وغني النفس بالله سبحانه وتعالى والعبودية له، و كلما اكتملت العُبودية كلما اكتمل الغنى بالله عز وجل فلم يشعر الإنسان بالحاجة إلى الدنيا فعند ذلك يجود بها بل ويُؤثر بها، قال الله تعالى: (ويُطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا).
ومن الأخلاق الحسنة مقابلة الإساءة بالإحسان وسرعة العفو والصفح وقبول المعذرة، قال سبحانه وتعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن)، وقال أيضا (ادفع بالتي هي أحسن السيئة)، وقال عز وجل عن المؤمنين:(ويدرؤون بالحسنة السيئة)، فإن كان بينك وبين أحد خصومة، فأساء إليك، فانظر كيف تعامله إذا كنت تريد أن تعرف منزلتك من حسن الخُلق وهل هُديت إلى أحسن الأخلاق؟ ، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان فأنه يدل على كمال حُسن الخُلق.
وكذا سرعة العفو والصفح وقبول المعذرة، هناك من تجده بطيء العفو وربما لا يعفو، و لا يسهل عليه أبدا أن يعفو ويصفح، وإذا جاءه أحد معتذراُ أذله وأهانه وأذاقه كأس الهوان الأمر الذي يمنع الناس من أن يعتذروا إليه، وتأمل كيف أن يوسف عليه السلام بادر إلى العفو والصفح وأحسن إلى من أساء إليه من إخوته.
وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي من أشد الناس إيذاءا له عليه الصلاة والسلام، وكان يهجوه في أشعاره،وتأخر إسلامه إلى عام الفتح،حيث أسلم والنبي في طريقه إلى فتح مكة، فلما أتى مسلما تذكر النبي صلي الله عليه وسلم ما وقع منه فكان يُعرض عنه بعض الإعراض، فشكا أبو سفيان إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ذلك، فقال له:ائته من قبل وجهه، وقل له تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن مردودا منه، فأتاه من قبل وجهه وقال: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، فالتفت إليه النبي وقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين،و كان بعد ذلك لا يحجبه وكان يقول: عسى أن يجعل الله منه خلفا لحمزة، وكان بالفعل من شُجعان الفرسان وممن ثبت مع النبي في غزوة حُنين.
ومن الأخلاق الحسنة المروءة في اللسان و المال و الجاه.
والمروءة في اللسان بحلاوة المنطقولينه،فليس من المروءة أنيتكلم الإنسان كلاماحسنا في حد ذاته ولكن بأسلوب غليظ،، فالكلام يكون بالرفق واللين في الطريقة ويكون نوع الكلام نفسه حلوا طيبا.
والمروءة في الخُلق بسعته وانشراح الصدر في معاملة الخلقَ، بمعنى: أن يكون الإنسان ذا صدر واسع يحتمل الناس، فتجد بعض الناس عنده ضيق، لا يحتمل أحدا؛ فبمجرد أن يكلمه أحد في شيء لا يعجبه يضيق به، فمن عنده مروءة في الخلق يكون عنده انشراح وسعة صدر في معاملة الناس ، وهذا إنما يحصل بانشراح الصدر بالإسلام وبالإيمان.
والمروءة في المال ببذله في المواقع المحمودة شرعا كصلة الرحم والإحسان إلى الجار والإحسان إلى الملهوف والصدقة والنفقة في سبيل الله فيُبادر بالنفقة ولا يكون بخيلا بالمال.
والمروءة في الجاه: ببذله للمحتاج إليه، فلو أنالإنسان عنده منزلة وكلمته مسموعة عند الناس وأتاه أحد الأشخاص يطلب وساطته، وهو محتاج لهذه الوساطة فيبذلها ويشفع شفاعة حسنة ويُعين بجاهه من يحتاج إليه من المسلمين.
ومن الأخلاق الحسنة القُرب من الخلق بحيثُ يجدونه في أزماتهم ومشاكلهم، كما قال النبي : (ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل مؤمن هين لين قريب سهل) فالناس تشعر بأنه قريب منها وليس بعيد جدا لا يشعر بهم، لا يعنيه الشعور بآلام الناس ومشاكلهم وأزماتهم، فقد كانت الوليدة (الأمة أي الجارية) من ولائد المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيثُ شاءت، وكانت امرأة في عقلها شيء فخلا النبي بها في بعض الطرق فقضى حاجتها، فالقُرب من الخلق صفة مطلوبة للمسلم والمؤمن عموما وللداعية خصوصا،فيجده الناس في أزماتهم ومشاكلهم يحمل الكَل، ويُكسب المعدوم، ويُقري الضيف، كما استدلت خديجة رضي الله عنها: أن الله لا يُخزي محمدا بهذه الصفات، فمن كان كذلك لا يُخزيه الله كما قالت: "والله لا يُخزيك الله أبدا فإنك تحمل الكل وتُكسب المعدوم وتُقري الضيف وتعين على نوائب الحق".أي إذا أصابت الإنسان نائبة أومصيبة وجده معينا.
والرسول كان يحسن إلى الخادم والمملوك فضلا عن الأهل، فأنس رضي الله عنه كان خادم النبي عشر سنين ولم يقل له لشيء فعله، لم فعلته؟، ولا لشيء تركه، لم تركته؟، ويعتذر لأهله عما تركه أنس ويقول: دعوه فإنه إن قُدر شيءٌ كان، فالرسول لم يكن ينتقم لنفسه ولا ضرب خادما ولا مملوكا ولا أمة ولا امرأة إلا أن يُجاهد في سبيل الله.
و كان كل من يرى يوسف عليه السلام يقول له: إنا نراك من المُحسنين، وسيدنا يوسف دخل السجن ومع ذلك لم يكن مهموما مغموما ولم يقل "أدخلتموني السجن ظلما بل كان يعود المريض ويواسي المحزون ويُحسن إلى الناس في داخل السجن بالرغم من أنه لا يملك شيئا، فالإنسان ممكن ألا يسع الناس بماله بل بخُلقه والكلمة الطيبة، لذلك قال الصاحبان لسيدنا يوسف:(نبأنا بتأويله إنا نراك من المُحسنين)، فالإحسان أمر ظاهر، ففي السجن كان محسناُ وفي الملك كان محسنا، وقال إخوته: (يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين).
والرسول بلغ الكمال البشري في هذه الصفات، فكان يُجالس المساكين ويُجيب الدعوة ولو إلى شيءٍ يسير، فالنبي أجاب الدعوة إلى إهالة سنخة وهي دُهن متغير بدأ يكون فيه بعض النتن،لكنه لم يُنتن النتن الذي يضر، فكل من تشبه بالنبي يكون له نصيب من من هذا النور بقدر، فنريد أن يكون تشبهنا بالنبي ، ليس فقط في الهيئة الظاهرة ولكن أيضا في الصفات المذكورة. فالمسلم الصالح يمشي مع الأرملة واليتيم والمسكين ليقضي حوائجهم،ويبدأ بالسلام من لقيه فأبو بكر الصديق رضي الله عنه مشي مع بعض صغار الصحابة فكان إذا لقيه أحد بادره أبوبكر بالسلام من بعيد ولا ينتظر الناس أن تلقي عليه السلام حتى يرده. ولابد أن يكون العبد هينا لينا سهلا، فالهين عنده تواضع، لَيِّن في الكلام والمعاملة سهل في التعامل، فليس هناك صعوبة في الوصول إليه ولا أن تقضي حاجتك منه، ليس عنده حده في الطباع ولا شدة ولا غلظة.
و أيضا فالمسلم يعود المريض ويشهد الجنازة ويرد السلام ويشمت العاطس وينصح السائل ويعطي من حرمه ويصل من قطعه ويعفو عن من ظلمه.
فتعطي من حرمك والذي منع أن يعطيك وأنت محتاج فعندما يرزقك الله تعطيه، وتصل من قطعك و قد قال : (وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعوه وصلهم) وتعفو عمن ظلمك، فلا تتكبر ولا تحسد ولا تتعالى على الخلق ولا تبغي فتجاوز الحدود، ولا تفخر بأن تقول أنا فلان، أنت لا تعرف من أنا!.
و كذلك المسلم لا يغش الناس في بيع ولا شراء ولا معاملة، ولا يتبع المحرم من شهوات الجنس أو شهوة المال أو شهوة الطعام والشراب أو شهوات الرياسة والملك.
وكذلك لا يُخاصم لنفسه بل لله عز وجل ولا يعاتب أحدا في حقها، فلا يعاتب الناس كثيرا ويقول لهم أنت قصرت في حقي وفعلت كذا وأنت صدر منك كذا. لا... بل يتنازل عن حقه، وإنما يُخاصم لله عز وجل كما قال النبي : (اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت).
فهو يخاصم لله وبالله، ينتقم لله عز وجل، ويغضب من الناس لوأنهم قصروا في حق الله عز وجل، أما في حق نفسه فلا يُخاصم ولا يُعاتب ولا يُماري ولا يُجادل إلا بالتي هي أحسن.
فمثلا: بعض الناس يكون لها رأي في مسألة معينه فيأخذ الرأي المُخالف حتى يُخالف من أمامه ويجادله حتى يريه أنه يعرف المجادلة، ومهما يعطيه الآخر من الحجج والأدلة يظل على المذهب المخالف،وكل ذلك بسبب حب الجدل والمراء، وليس هذا من الجدال بالتي هي أحسن، والله عز وجل يقول: (ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) فعندما تجد المناقشة قد دخلت في جدال ليس بالتي هي أحسن، و ليس الوصول إلى الحق هو الغاية المقصودة، اترك الجدال ولا تستقصي حقكوتمثل قول علي رضي الله عنه: " ما استقصى كريم حقه قط".
فالكريم لا يستقصي حقه، بل دائما ما يكون متسامحا، سمح إذا باع سمح إذا اشترى سمح إذا اقتضى، وعندما يأخذ حقه يتنازل عن شيء منهولا يستقصي حقه كاملا، ويغض الطرف عن عيوب من أساء إليه فضلا عمن سواه إلا لحق الله تعالى، فلا يشعر من أساء إليه بإسأته، ومن أحسن ذلك فعل يوسف عليه السلام لما ذكر أمر ما وقع من إخوته - بعد وعده لهم أنه لا تثريب عليهم - قال: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي)، ولم يقل: من بعد أن فعل إخوتي ما فعلوامن بيعهم لي أو حرماني من أبي أو حرمانه مني، وإنما نسب الفعل إلى الشيطان، بل وبدأ بنفسه فقال: بيني وبين إخوتي حتى لا يكون هناك تلميح ولو من بعيد بأن الشيطان أتى من ناحيتهم.
فالمسلم يتغافل عن عثرات الأهل والأصحاب والناس مع إشعارهم بأنه لا يعلم لهم عثرة، و مثال ذلك أن الأصم كان قاضيا حكيما فأتت إليه امرأة كانت عندها مشكلة، وعندما كانت تشكي له خرج منها صوت، فاستحيى ثم قال لها: أعيدي عليَّ المسألة فأنا لم أسمع، فاستراحت وشعرت أنه لم يسمع الصوت الذي صدر منها.
فلابد على الإنسان أن يتغاضى عن العثرات كلما وجد من أهله خطأ ما، فيستر الأشياء التي تتكرر رغم أنها عثرات، ويوقر الكبير ويرحم الصغير و يعامل الناس بأفضل ما يحب أن يعاملوه به، ويحسن عشرة كل من عاشره من أم وأب وبنت وأبن وأخت وأخ وقريب وجار وامرأة وصاحب ومملوك وغيرهم، فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
و هناك فائدة لطيفة جدا في السؤال لأحسن الأخلاق فلم يقل النبي : واهدني لحسن الأخلاق وإنما قال لأحسنها، وفي صرف السيئ لم يقل: واصرف عني أسوأها وإنما سيئها. فطلب صرف السيئ الذي يشمل صرف الأسوأ، وأما في الحسن فلم يطلبه فقط وإنما طلب الأحسن فاستعمل أفعل التفضيل في طلب الأحسن واستعمل الاسم المُجرد في صرف السيئ.


و نلحظ هنا مدى الارتباط بين حقائق التوحيد والإيمان وبين مبادئ الأخلاق والسلوك، فالدعاء بدأ بتقرير التوحيد والثناء على الله عز وجل بملكه وإلُهيته وربوبيته (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك)، ثم باعتراف العبد بالعبودية، وهذا أفضل عمل يتوسل به مع اعترافه بذنبه (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي) ثم يدعو بمغفرة الذنوب والهداية لأحسن الأخلاق وصرف سيئها.
ولو واظب كلٌ منا على هذا الدعاء يوميا مع استحضار معانيه في قلبه وافتقر إلى الله الافتقار التام كما يتضمنه هذا الدعاء لحلت مشكلة من أكبر مشاكل الالتزام الحقيقي، وهي مشكلة تخلف الأخلاق والسلوك عن الالتزام الظاهري في الهيئة، أو الاكتفاء بمجرد إعلان الالتزام دون أن يتحول هذا الإعلان إلى تفاصيل يعيش بها المرء في حياته بدلا من الأخلاق التي كان يعيش بها في جاهليته.
هناك الكثير من الناس من يعلن التزامه فيلتحي ويبدأ الذهاب إلى المساجد،ويمتنع عن سماع الأغاني والموسيقى، لكن تبقى أخلاقه كما هي لم تتغير، فليس هذا هو المطلوب، وإنما المطلوب أن يعيش حياة جديدة بأخلاق جديدة غير أخلاق الجاهلية التي كان يعيش بها، وهذه المسألة دالة بلا شك عند ورودها على نقص الإيمان، بأن يكون الأمر إعلانا ظاهريا أو التزاما في الخارج مع بقاء الأخلاق كما هي، فإن رسول الله قال: (أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا).
إذا هناك ارتباط قوي بين الإيمان والخلق، فليس منهج أهل السنة مجرد قضايا فكرية يحسن الإنسان صياغتها والرد على المخالفين فيها، كما أن الالتزام بالسنة ليس مجرد شكل وهيئة يحافظ عليها الإنسان وفقط، بل الإيمان قول وعمل، عقيدة وسلوك، وقد أدرك علماء الأمة مدى أهمية هذا الارتباط بين الإيمان والأخلاق فوضعوا في مختصرات عقائدهم الأمر بمكارم الأخلاق والنهي عن مساوئها مع أصول الإيمان.
فتجد في العقيدة الواسطيةبعد ما ذكر ابن تيمية الإيمان بالأسماء والصفات والقضاء والقدر والإيمان والكفر،قوله: "وهم مع ذلك يأمرون بمكارم الأخلاق وينهون عن مساوئها".
والسؤال الآن: لماذا وضعوا مكارم الأخلاق في العقيدة؟؟!!لأن الإيمان قول وعمل و قضية الأخلاق جزء من معتقدنا وسلوكنا ومنهجنا.
فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت.






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:01 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

8- لبيك وسعديك
كتبه دكتور ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد،
قول النبي : )وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

في قول النبي (لبيك وسعديك)، هذه التلبية من غير محرم ولا تختص بحال، فيمكن أن يقولوها الحلال،ولا تختص بزمن فكل يوم يمكن أن تقول هذه التلبية ليس فقط في زمن الحج أو أشهر الحج،ولا تختص بمكان كقرب الميقات أو عندما تكون في المواقيت، ولذلك كان الصحيح أن التلبية ذكر مشروع يمكن أن يقال من الحلال -بمعنى غير المحرم قال الإمام أحمد لا بأس بأن يلبي غير المحرم.
وهذه التلبية كنز عظيم يفجر في القلب ينابيع الحب والشوق إلى الله سبحانه، ويوقظ حاجة الإنسان إلى الشعور بأن الله سبحانه وتعالى يناديه ويريده هو، فإن الإنسان الصغير الضعيف الفقير المحتاج الذي لا يشغل من الزمان ولا من المكان شيئا يذكر بل وجوده كالهباء المنثور، فعمرهيمتد 60أو 70 سنة وما قبل ذلك ملايين السنين وما بعد ذلك من الخلود مالا نهاية له،ولو أراد أن يعرف حجمه في المكان فليخرج إلي البحر ليعرف حجم الإنسان في الأرض، وإذا اتسع نظره أكثر فليعرف حجم الأرض نفسها بالنسبة لما حولها من الأجرام السماوية الأخرى في المجموعة الشمسية، كم تبلغ الأرض؟،كم تبلغ المجموعة الشمسية في المجرة؟، وكم تبلغ المجرة بالنسبةلملايين المجرات؟، هذه المجرات كلها هي السماء الدنيا فما بالك بالسماوات الأعلى، فما بالك بالكرسي الذي وسع السماوات والأرض (وسع كرسيه السماوات والأرض)، فما بالك بالعرش الذي الكرسي بالنسبة له كحلقة في فلاة.
فإذا استشعر الإنسان أن الله سبحانه الخالق العلي الكبير العظيم الغني الأول الآخر الظاهر الباطن القوي العزيز يريده ويناديه على ألسنة رسله وفي كتبه المنزلة، فأنت تقول لبيك أي أنا أجيبك يا رب،فالله عز وجل يريد الإنسان لعبادته ومحبته، واصطفاه من بين خلقه لنوع خاص من العبودية،وأوجده في وسط المخالفات ليعرفه ويعبده، حينما نتدبر في ما حولنا من أنواع كثيرة من العبودية كعبودية السماوات والأرض مثلا فهي تعبد الله طائعة منقادة ولم تكلف (قالتا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) قال عز وجل (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ)الأحزاب72، فهذه الكائنات مسخرة تعبد الله عز وجل(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) فالكون هائل وواسع في السماوات والأرض، كلها تسبح الله وتعبده بدون أن تعترض ولو ذرة منها،ثم عبودية الملائكة عبودية بإرادة منها لا تتوجه إلا إلى الخير، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
لكن الإنسان وكذا المؤمن من الجن طـُلبت منهم عبودية خاصة، عبودية في وسط مخالفات، فهو موجود في بيئة بها شهوات ورغبات محرمة ونوازع داخلية تنازعه، فمخالفات شياطين الإنس والجن بأعمالهم ومكرهم وكيدهم تريد أن تصد الإنسان عن طاعة الله، وهو سبحانه اجتبى الإنسان وخصه بأعلى أنواع التكريم، وأمره ونهاه ودعاه إليه في دار السلام وهداه الصراط المستقيم،فأنت أيها المؤمن كنت مرادا حتى تكون مريدامـُخلـَصـَا، كنت مـُرادا من الله، (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)طه41 كما قال لموسى عليه السلام، وكل المؤمنين اصطنعهم الله عز وجل لنفسه بدرجات مختلفة.
فالله أخلصك لعبادته حتى تخلـًُص له عبادتك، فأُخلصت من عند الله فأَخلصت لله، كنت قبل وجودك من أهل قبضة اليمين وعرفك الشيطان فاستثناك من الإغواء حين قال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَإِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)ص83، أنت من المُخلَصين حتى تكون من المُخلِصين.
ربك يناديك فما أجمل وما أعظم وما أحلى أن تقول لبيك ربي أنا ذاهب إليك، مجيب لأمرك بقلبي وبدني، وقد قال إبراهيم عليه السلام (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)الصافات99.
وقد قال النبي : (المهاجر من هاجر ما نهى الله عنه) فهي هجرة بالقلب وسفر إلى الله عزوجل فهي إذن ليست فقط هجرة بالبدن بل بالقلب أولا، وفي قول النبي (عبادة في الهرج -أي الفتن- كهجرة إليَّ)توضيحلهذا المعنى، فلماذا كانت العبادة في الفتن تماثل ثواب الهجرة إليه ؟، لأنها هجرة بالقلب إلى سنته وطريقته في عبادة الله، فهل نلج وندخل باب هذا الفضل العظيم؟
فاتتنا الهجرة بالبدن إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن يمكن أن نلحق بركب المهاجرين، تخيل أن تكون ضمن المهاجرين إلى رسول الله ، تأخذ ثواب المهاجرين الذين سبقوا الأنصار، نحن نضيق بالفتن مع أن الفرصة فيها عظيمة،فهل نغتنمها؟.
(لبيك وسعديك) ليست الإجابة لله سبحانه وتعالى مرة واحدة فحسب ثم تنقطع، بل هي إجابة بعد إجابة وإقامة بعد إقامة، وهناك تفسيران في معنى التلبية "لبيك" فالأول بمعنى إجابة مرة بعد مرة،وهذا هو المشهور، والمعنى الثاني من لبى بالمكان يعني أقام، وكلا المعنيين صحيح،فهي إجابة بعد إجابة فهي مستمرة وإقامة بعد إقامة على طاعته، ومساعدة بعد مساعدة لأمره والمقصود بالمساعدة في سعديك أي أنا مساعد في أمرك أي أكون في أمرك،والكون كله في أمر الله وخدمته، وهي ليست بمعنى المعاونة لله تعالى الله أو أنه يحتاج إلى معين -حاشا لله-، لكن سعديك تعني أنا في إسعاد أمرك، والإسعاد معناه أن يكون في الخدمة والطاعة وإن كان لفظ الخدمة -أن يـُخدم الله لم يرد في الكتاب والسنة فنختار عنه لفظ العبادة والطاعة والانقياد لأمره سبحانه مرة بعد مرة، أي أن المؤمن قد أعلن الإجابة وواظب عليها وأقر بالطاعة وامتثال الأمر وواظب على ذلك، قال آمنت بالله ثم استقام كما أخبر سبحانه عن عباده المؤمنين (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)فصلت30، وكما قال النبي (قل آمنت بالله ثم استقم).
إن القضية قضية الالتزام المستمر وليست إعلان مبدأ ثم يظل الإنسان بعيدا عنه، بل لابد أن يظل مواظبا، والاستمرار في الطاعة أشق على أكثر النفوس من البداية، فالسير على طريق الله طول الحياة هو صفة أهل الإيمان،وهذه التلبية يحتاج إليها المؤمن دائما، ولذا شرعت في هذا الدعاء كما شرعت في الحج والعمرة، وهذا الحديث دليل على مشروعية ذلك وهي من الأذكار العظيمة التي تعرف العبد حقيقة السلعة التي معه.
أنت، ما سلعتك؟، سلعتك هي نفسك (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ)، عندما تستشعر أن الله أرادك ويناديك، وأنت تقول له أنا أجيبك يا رب، تعرف حقيقة السلعة التي معك،فلتضنَّ بها ولتبخل أن تبيعها لغير الله بالثمن البخس.
شعور العبد بأن الله أراده يجعله يكاد يذوب حبا وشوقا لله سبحانه وانقيادا وذلا، يجعله مجيبا على الفاقة، أي مجيبا لأمره سبحانه مستشعرا شدة فقره وفاقته إلى هذه الإجابة، وليس معنى ذلك أنه يجيب رغما عنه فيرغم نفسه على أن يجيب ونفسه لا تطاوعه،بل هو يشعرأن نفسه هي التي تطلب الذهاب، إنها -إجابة الله- كطعامه وشرابه ونفسه بل أشد من ذلك، كما أنك تأخذ نفس الهواء، لماذا تأخذه؟ لأنك محتاج للهواء، لأنك إن لم تتنفستموت، لا تستطيع أن تتحمل،ولماذا نسرع مهرولين إلى الطعام وقت الإفطار،لأننا محتاجون للطعام ومحتاجونللشراب، كذلكالإنسان محتاج للقرب من الله، محتاج لأن يجيب أمر الله عز وجل، ولذلك أهل الجنة يتمتعون بالتسبيح،(يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس)، ونذكر كلمة بعض التابعين يقول:"اللهم إن كنت تأذن لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي أن أصلي في قبري فهو يدعو الله أن يصلي في قبره، والصحيح أن هناك صلاة في القبور فالرسول أخبر أنه رأى موسى يصلي في قبره، والصحيح أنها نوع من النعيم الذي يكون في القبر من نعيم القبر، وهي ليست على سبيل التكليف وإنما على سبيل التنعم، وما يقوله البعض أنه خاص بموسىفالصحيح أنه ليس خاصا، فإن الحديث الصحيح عند ابن حبان في صفة سؤال القبر أن المؤمن تمثل له الشمس قد أوشكت على الغروب، فيأتيه الملكان فيقعدانه ويسألانه، فيقول دعاني حتى أصلي، فيقال إنك ستفعل، ولكن أخبرنا عن هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: أمحمد؟، فيقولا: نعم، فيقول هو رسول الله ، جاءنا بالبينة والهدى، فالملائكة وعدته بأنه سيفعل، فهذا دليل على أن هناك من يصلي في قبره.
ففرق كبير بين إجابة تجرفيها نفسك خلفك،ولا تطاوعك نفسك للإجابة، وبين إجابة على الفاقة - على الحاجة إليها -.
ما معنى أن تستشعر أنك محتاج للإجابة؟،هو أن تستشعر أن ربنا يريدك أنت وأنت وحدك من وسط كل هذه الدنيا، وتستشعر أنك صغير جدا والخالق العلي الكبير يريدك أنت ويجعلك مخلـَصا له، فأي شرف للإنسان؟، هذا يجعله لابد وأنيسارع بهذه الإجابة محققا (إياك نعبد) بالإجابة (وإياك نستعين) بالفقر والفاقة إلى الله عز وجل، يستشعر إياك نعبد بأن يجيب أمر الله، وأنه في أثناء هذه الإجابة مستعين بالله محتاج إلى أن يعبد الله ويسأل الله أن يعيننه على ذلك.
(وإياك نستعين) بالفاقة والفقر إلى الله إلها معبودا في المقام الأول،أي لا تستعين به على قضاء حوائجك،وعلى دفع عدوك وعلى إزالة الضرر وعلى جلب المنافع وفقط، فالخلق كلهم مفتقرون إلى الله ربا خالقا رازقا، فهم يريدون أن يأكلوا ويشربوا ويكون عندهم أولاد وأموال، هم يريدون كل هذه الأشياء، والمؤمن معهم في هذا، والله الذي بيده الأمر كله، لكن المؤمن يستعين به في المقام الأول على عبادته، يستعين به ليكون إلههومعبوده،يحتاج لأن يركع له،يحتاج لأن يسجد له،يحتاج لأن يحبه ويرجوه ويخافه ويتوكل عليه، فأي منة أجل من هذا، وهل نستحق كل هذا العطاء أنما هو محض الجود والكرم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
صوت السلف






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:03 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

9-أنس الطائعين ووحشة الغاوين
كتبه دكتورياسر برهامي
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد،
قول النبي : )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

نتابع الكلام عن قوله (لبيك وسعديك)، فأذكر أبياتا رائعة لابن القيم رحمه الله في هذا المقام يقول:



فما كل عين بالحبيب قريرة
ولا كل من نودي يجيب المنادي

وقرة العين هنا كناية عن الراحة والسرور والطمأنينة التامة وعدم التطلع إلى ما سوى المحبوب، فليست كل العيون قريرة بالله سبحانه، بل إنه خص بذلك خواص خلقه الذين وجدوا حبه وقربه والطريق الموصل إليه حتى تكون نهاية هذا الطريق بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، فمن قرت عينه بالله إذا وجده فليحمد الله على أجَّل نعمة، ومن أجاب داعي الله فليدرك قدر هذه المنة، فليس كل أحد يجيب المنادي والداعي إلى الله، وأنت أيها المؤمن أجبت ووجدت وتلذذت بالعبادة وذقت طعم الإيمان.
اللهم نسألك مزيد فضلك ورحمتك وحبك ورضوانك ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
يقول ابن القيم:

ومن لم يجب داعي هداك فخلـِّه
يجب كل من أضحى إلى الغي داعيا

أي من لا يستجيب لداعي الهدى الذي أنت عليه أيها المؤمن المحب فاتركه ولا تنشغل به، فإنها نوعية من البشر لا تنصلح قال تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ)الذاريات54، فبعد تكرار البيان وتوضيح الدعوة إذا كان الإعراض وعدم الإجابة هو النتيجة فاعلم أن الله لا يريد به خيرا فاتركه وانشغل بغيره، لأن هذا الإنسان المريض الميت سوف يجيب كل داع إلى سبيل الغواية ويقبل الباطل ويحبه (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)العنكبوت67، وستجده يمشي خلف كل ضال (وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) نعوذ بالله.
يقول ابن القيم:

وقل للعيون الرُمَّدِ إياكِ أن ترِي
سنا الشمسِ فاستغشِ ظلام الليالي


قل للعيون الرَّمِدة التي لا ترى الحقائق العظيمة، حقائق الإيمان، إياكِ أن تري سنا الشمس إياكِ أن تبصري وتري، فالرامد عندما يفتح عينه في الشمس تؤلمه فيظل مغمضا عينيه والعياذ بالله، فهو يشبه الذي لم يرى الحق ولم يجد طعم الإيمان ولا يرى حقائق ما جاءت به الرسل. وقوله: فاستغشِ ظلام الليالي، أي ابقي في الظلام، فالذي لا يرى الحق الذي هو أوضح من نور الشمس وهو دين الله الذي بُعث به رسوله ، فعينه هي المريضة أي عين قلبه، فلا يبصر الحقيقة، فقل له على سبيل الاستخفاف به أنت لا تصلح لرؤية نور الشمس، نور الحق، إنما يناسبك الحجاب والغطاء والظلام مثل ظلمة الليالي (وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)يونس27
قال تعالى (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ)النور40 فإذا ركبت سفينة فاخرج بالليل وانظر في ظلمة البحر حتى تعرف هذا المثل، لتعرف كيف أن الكفار في ظلمة عجيبة جدا، والعياذ بالله، لأن البحر ظلمته أشد من ظلمة البر، وبعد ذلك تخيل أن باطن هذا البحر ليس موجا فحسب إنما هناك موج تحته موج آخر والكافر أسفل ذلك والعياذ بالله من ظلمة الكفر، فمعنى فاستغشِ أي تغطَ بظلمة الليل الذي أنت فيه، ليل الكفر والظلم والفسوق والعصيان والنفاق، وهذه درجات من الظلمات متفاوتة في الظلمة، كل معصية لها ظلمة، وكل نفاق له ظلمة، وكل كفر له ظلمة، درجات متفاوتة، فالنفاق الأكبر والكفر الأكبر والفسق الأكبر أشد الظلمات.
يقول ابن القيم:

وسامح نفوسا لم يهبها لحبهم
ودعها وما اختارت ولا تك جافيا


هذه النفوس لم يهبها ولم يهيئها الله عزوجل لحبه، والجمع للتعظيم، هذه النفوس قد تؤذيك وقد تضايقك أو تعتدي عليك فسامح هذه النفوس، قال الله تعالى (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ)الجاثية14، المقصود والله أعلم لا تكن متمنيا لهم الضلال والهلاك وتحدث نفسك بالانتقام منهم لنفسك عقوبة لهم على ما ظلموك، يكفيهم عقوبة ما هم فيه من البعد عن الله، فهذه المسامحة والصفح والعفو في الدنيا وعدم الانتقام من أصحاب النفوس التي لم يهبها الله من فضله ولم يهيئها لحبه عز وجل مسامحة مأمور بها، فإنهم مساكين المسكنة المذمومة، هم في شقاء وعذاب، "فلا تك جافيا" أي غليظا عليهم فوق ما هم فيه من العذاب. وليس المقصود بعدم الغلظة في المعاملة، الغلظة التي أمر الله بها عند جهادهم (وَاغْلُظْ عَلَيْهِم)(وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَة)، بل هذه الغلظة عليهم رحمة بهم في الحقيقة، ونحن في الحقيقة نغلظ عليهم حتى يرجعوا، ونرحمهم لعلهم يرجعون.
يقول ابن القيم:

وقل للذي قد غاب يكفي عقوبة
مغيبك عن ذا الشأن لو كنت واعيا

فلو لم يكن من عقاب للكفرة والظلمة - الذين غابوا عن حب الله ومعرفته - وعبادته على شهواتهم الوقتية المملوءة بالتعب والنقص إلا عقوبة الغيابعن شأن الإجابة والتلبية والإقامة على طاعة الله والمحبة له لكفى بها عقوبة، وحجاب قلوبهم عن الله أقسى عذاب، كما أن حجابهم عن الله يوم القيامة أشد عذابهم قال عز وجل (كَلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)المطففين15 ولو كان هذا الغائب واعيا عاقلا لأدرك أنه في عقوبة ولكنه لا يدري ولا يعقل ولا يعي.
يقول ابن القيم:

ووالله لو أضحى نصيبك وافرا
رحمت عدوا حاسدا لك قاليا

إذا كان نصيبك كبير من الحب سترحم من يكرهك ومن يحسدك، لأنه يحسدك على الإيمان ويكرهك من أجل أنك ملتزم، ستقول يا له من مسكين.لو أصبح نصيبك أيها المؤمن من الإيمان والعبودية التي لله وافرا كبيرا لرحمت أعدائك الحاسدين القالين لك الكارهين اللذين يؤذونك ويحقدون عليك.
رحمة الأعداء المؤذين للمؤمنين، والشفقة عليهم لما هم فيه من الجهل سنة ماضية عن الأنبياء وأتباعهم، قال الخليل عليه السلام(فمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)إبراهيم36،وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه حتى أدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، هذه رحمه فهو يرحمهم لأنهم لا يعلمون، وقال عز وجل عن مؤمن آل يس (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَبِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)يس27، ماذا يتمنى لهم وهم قتلوهأشنع قتلة، قتلوه دهسا بالأقدام حتى خرجت أمعاؤه، قتلوه وهو يتمنى أنهم يعرفوا حتى يغفر الله لهم.
تظل هذه الرحمة موجودة والتمني أن يهديهم الله ما لم يموتوا على الكفر، أو يـُعلِم الله نبيه بالوحي أن هذا العدو يموت كافرا، قال تعالى (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ)التوبة114، وذلك حين مات كافرا، وقال موسى وهارون عليهما السلام في دعوتهما على فرعون وجنده(فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ)يونس88،فربنا أعلمهم بأن ليس هناك فائدة من هؤلاء وأنهم لن يؤمنوا فدعوا عليهم ،كما قال تعالى عن نوح عليه السلام(رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً)نوح26، فلا تعارض بحمد الله، فالأولى للمؤمن طالما بقي عدوه حيا أن لا يتمنى هلاكه على الكفر، وأن لا يدعو عليه بذلك، بل يرحمه لما هو فيه من العذاب، عذاب الحسد لأهل الإيمان، فإن الحسد قاتل لسعادة الإنسان

لله در الحسد ما أعدلهبدأ بصاحبه فقتله
فإن الحسد قاتل لسعادة الإنسان وحياة قلبه،ومانع من الإيمان.والكافر في عذاب الحسد وفي عذاب كراهية الحق الذي جاء به رسول الله .وعذاب حب الباطل،يؤدي به لكرهه لنفسه، فالإنسان عندما يكره الحق الذي بعث به النبي تكرهه نفسه ويكره نفسه، قال الله عز وجل(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ)غافر10،فهم من حين دعوا للإيمان فكفروا ونفوسهم تكرههم وهم يكرهون أنفسهم،ويبشرون بأن مقت الله لكم أشد من مقتكم لأنفسكم.
قال النبي :(إن الله إذا أبغض عبدا نادى جبريل: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض) وقال تعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)الدخان29، وقال النبي (أما الكافر فيستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) فلو كان نصيبك أيها المؤمن من الإيمان وفيرا كبيرا لنظرت لمن آذاك في الله بعين الإشفاق، إذ هو المحروم من أعظم نعيم الدنيا والآخرة، شقي في الدارين، وأنت مـَّن الله عليك بأعظم عطاء، فارحم من حسدك،واعفو عن من ظلمك، وصل من قطعك، وأعط من حرمك، فإنك بذلك تأخذ أضعاف أضعاف ما أعطيت.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 05-29-2011, 07:04 PM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: سلسلة شرح حديث وجهت وجهى للذى فطر السماوات و الارض 00دعاء الاستفتاح رقم1

10-أنس الطائعين ووحشة الغاوين..تتمة

كتبه دكتورياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد،
قول النبي : )وجهتوجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إنصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأناأول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك،ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلاأنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك،أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفركوأتوب إليك).

في قوله عليه الصلاة والسلام (لبيك وسعديك) قلنا أن هذه التلبية فيها إجابة لأمر الله عز وجل، فيستشعر العبد أن الله عز وجل قد ناداه وأراده وأخلصه له، فهو يجيب ربه إجابة بعد إجابة وهو مقيم على طاعته مستمر في عبادته والخضوع له، وشرعنا في ذكر الأبيات الجميلة للإمام ابن القيم، قال:

فما كل عين بالحبيب قريرة
ولا كل من نودي يجيب المناديا
ومن لم يجب داعي هداك فخلـِّه
يجب كل من أضحى إلى الغي داعيا
وقل للعيون الرُمَّدِ إياكِ أن ترِي
سنا الشمسِ فاستغشِ ظلام اللياليا
وسامح نفوسا لم يهبها لحبهم
ودعها وما اختارت ولا تك جافيا
وقل للذي قد غاب يكفي عقوبة
مغيبك عن ذا الشأن لوكنت واعيا
ووالله لوأضحى نصيبك وافرا
رحمت عدوا حاسدا لك قاليا
ثم يقول ابن القيم:

ألم تر آثار القطيعة قد بدت
على حاله فارحمه إن كنت راثيا
ألا ترى آثار المعاصي والذنوب والكفر والنفاق، والانقطاع عن الله وعن أمره وعن العمل بشرعه،ألا تراها ظاهرة على وجوه الكفرة والظلمة والفسقة وعلى أحوالهم كلها، ألا ترى كيف يقضون أوقاتهم في النكد والعذاب، لا يجدون راحة إلا بغياب عقولهم بالسكر بالخمر والمخدرات، والسكربالشهوات حتى ينسوا ما هم فيه من البلاء. إن هذه القطيعة التي بينهم وبين الله عز وجل يظهر لها أثر يراه كل مؤمن في وجوههم،فإن للمعصية ظلمة في الوجه وضيقا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق،فالمؤمن يرى آثار الظلمة كما أنه يرى آثار النور كما قال الله عز وجل(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) فالطاعات لها آثار في الوجوه والأحوال.
لذلك تجد عامة شعوب الأرض لا تستغني عن الخمر،ووقع في روسيا منذفترة أن الحكومة لم تجدما يكفى المرتبات للموظفين، فعرضت أن يأخذوا بقيمتهاعبوات من المناديل الورقية،فتظاهر الناس رافضين، فأعطتهم بقيمتها الفودكا وهى الخمر الروسية، وهذه هي التي أسكتت الناس لأنها لازمة لهم في الحانات وعلى موائدهم، والعياذ بالله.وفي المشارق والمغارب تجد المخدرات منتشرة في البيئات المليئة بالمنكر والفساد، فلو كانت حياة الفرد عندهم سعيدةفلماذا يريد أن يغيب عقله؟، لماذا يريد ألا يشعر بما هو فيه؟، لا رد، إلا أنه يريد الهروب من واقعه إلى الخيال بالخمر والمخدرات، أو أن يشاهد التلفزيون والأفلام وأوهامها الخيالية، والعياذ بالله، كل هذا من آثار القطيعة، ولوأنه أتصل بأمر الله لكان بينه وبين الله عز وجل صلة كصلاة وزكاة وصوم،ولما شعر بهذا الألم، فهؤلاء جديرون بالشفقة والرثاء.
ثم يقول ابن القيم:

خفافيش أعشاها النهار بضوئه
ولائمها قطع من الليل بادية
هؤلاء الظلمة وأهل البدع والضلال مثل الخفافيش التي يعميها ضوء النهار، فالخفاش عندما يظهر النور لا يتحمل ولابد أن يعيش في الظلام،فهم أعماهم ضوء النهار أي نور الوحي المنزل، إذا ظهر تألموا، فعندما وجدواالبشر قد ساروا على طريق العبوديةتألموا ومكروا ليبعدوا الناس عن دين الله عز وجل، هؤلاء -والله- منهم العلمانيون المنافقون الذين يكادون يموتون كمدا حين يرون ظهور الإسلام وعودة الناس إليه، ومنهم اليهود والنصارى والمشركون وأذنابهم من أعداء الدين،فلا يلائمهم ولا يناسبهم إلا فترات الظلام فترات غياب ظهور الشريعة عن الأرض، وهيهات لهم فلا يزال الله يظهر الحق ويعلي الدين(أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ)الأنبياء44.
ثم يقول ابن القيم:
فجالت وصالت فيه حتى إذا

النهار بدا استخفت وأعطت تواليا


هؤلاء المجرمون يجولون ويصولون ويمرحون بباطلهم في فترات انتصار الباطل المؤقت، والذي قدّره الله وليس من صنعهم هم،هم يعتقدون أنهم انتصروا لكن الحقيقة أن ربنا قدّر فترات الظلمة فكما أن هناك ليل ونهار، فهناك فترات ينتصر الباطل وينتشر ويأتي النهار بعد ذلك،وقدّر الله وجود الظلام وفترة انتصار الباطل امتحانا لعباده المؤمنين ليعبدوه في فترة الإحراق قبل أن تأتي مدة الإشراق، فكما أن الليل والنهار من خلق الله فالاستضعاف والتمكين ومداولة الأيام بين الناس هي من أفعاله سبحانه،وإنما يصول أهل الكفر والظلم في الظلام ويظنون أنهم هم الذين صنعوا الظلام ومنعوا ظهور الإسلام وليس ذلك – والله- في قدرتهم (يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوكَرِهَ الْكَافِرُونَ )التوبة32 ، (هُوالَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)التوبة33، فسوف يطلع النهار وسوف يشرق النور، نور الدين الحق ولوكره الكافرون، وعند ذلك ستختفي الخفافيش وتتوارى.وإنما قدّر الله ذلك ليعلم من يجيبه في فترة الإظلام ويسير إليه سبحانه رغم الظلمة، وإلا فعند ظهور نور الشمس يستيقظ كل الناس، ولكن من الذي سبق؟، الذي سار بالدجى والتزم بطاعة الله في فترة الظلمة (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل)
ثم يقول ابن القيم:

فيا محنة الحسناء تهدى إلى امرئ
ضرير عنين من الوجد خاليا
إذا ظلمة الليل انجلت بضيائها
يعود لعينيه ظلاما كما هي
انظر إلى أحوال الكافر والمبتدع قد غرقفي شهوات نفسه البهيمية والإبليسية، شهوات بهيمية كالأكل والشرب والنكاح وشهوات إبليسية كشهوة الكبر والعجب والعلوفي الأرض والرياسة والملك والجاه وإذلال الناس،انظر إليه حين يشبههابن القيم رحمه الله إذا ألقيتَ عليه مسألة محبة الله عز وجل ومسألة الإجابة إلى أمر الله والقرب منه، فتجدهلا يفقه كثيرا مما تقول،كأهل مدين قوم سيدنا شعيب إذ يقول لهم (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) فيردوا عليه(يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ)هود91.
فمسألة محبة الله عز وجل عندما تطرح على شخص مبتدع ضال أوشخص كافر أوغارق في الشهوات كحسناء وضيئة زفت إلى رجل أعمى وِعنـِّين، والعياذ بالله،فهو أعمى لا يرى حسنها وِعنـِّين لا قدرة له على أن يصل إلى جماعها ووطئها، فالحسناء ستكون محنتها صعبة جدا، فقد يمكن تجاوز ذلكلأن معشره يهون ما به، ولكنه فوق ذلك بلا حب وخالٍ من الود والوجد، وهو أمر غاية في السوء، وهو مـَثلدقيق للإنسان الذي لم يحب الله قط في عمره، ولا يفهم ولا يرى ولا قدرة له على أن يتعبد لله، لا يعيش إلا في الشهوات، لا يعيش إلا في الضلال، يشتم ويسب ويلعن، يشرب المخدرات، يظلم الناس ويسرق يعتدي، هذه هي حياته والعياذ بالله، وما أسوأ معاملته للحسناء لا يمكن أن يعاشرها ولا أن يرى جمالها، حتى وإن كان جمالها لـَيـُذهب ظلمة الليل فتنيره.
مسألة حب الله ككتاب الله لأنها منه (لا يمسه إلا المطهرون)والكتاب دل عليها، وهذا القرآن لا يمسه إلا المطهرون على أحد الوجوه في التفسير، أوهوإشارة إلى أن القرآن لا يفهم معناه ولا يمس قلبه إلا من كان متطهرا قلبه، فمن الذي يجد لذة القرآن كما قال عثمان رضي الله عنه:"لوطهرت قلوبكم لما شبعت من كلام الله فهذه المسألة لا يفهمها ولا يفهم معناها ولا يذوق لها حلاوة ولا يرى قبسها ونورها إلا من كان مطهرا.
فلوكلمت واحدا من هؤلاء عن العبودية والحب وعن لبيك وسعديك أعاد الضياء في عينيه ظلاما، وبقيت عينيه مظلمة كما هي من قبل عرض هذه المسألة عليه، فإذا كان الأمر كذلك فلا تعرضها عليه ولا تحاول معه طالما وجدت إعراضا فضن بها إن كنت تعرف قدرها، إلا أن ترى كفؤاً آتاك مواتيا، فابخل بهذا العلم عن غير أهله،ولا تضيع وقتك إن كنت تعرف قدره.
وليس معنى ذلك عدم عرضه على الخلق ابتداءا، بل لابد من البيان لكن إذا وجدت الإعراض والغفلة والعمى فابتعد عنهم حتى تجد من يصلح لهذا الشأن وعلمه هذا العلم وبينه له، فهوالذي يقبله، وهوكالكفء للحسناء آتاك موافقا على بذل مهر المحبة، وهوالتضحية والبذل للنفس والمال فما مهرها شيء سوى الروح.
فيا أيها الجبان تأخر، لست كفؤاً مساويا، إذا أردت أن تكون محبا محبوبا فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فنفسك وروحك - إذا إن كنت قبلت البيع- ليست ملكا لك، فسلمها لمالكها يفعل بها ما يشاء، وهوقد وعدك أنه يحفظها عليك ويردها عليك أوفر مما كانت، أما من لا يريد البذل ولا التضحية ولا يريد أن يصاب في سبيل الله فهوالجبان عن البذل فليتأخر فليس أهلا للمحبة ولا صالحا لهذا البيع (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)البقرة214
ثم يقول ابن القيم:

فكن أبدا حيث استقلت ركائب
المحبة في ظهر العزائم سارية
كن أيها المؤمن حيث أمرك الله شرعا أن تكون، وافعل ما يحبه الله وما يقتضيه حبه من اتباع رسوله ، فهذا الحب يحملك حملا إلى المنازل العالية في أسرع وقت وفي أهنأ سفر وأكثره راحة بلا عناء ولا تعب، وسر دائما بالعزيمة والإرادة الجازمة لوجه الله، فالإرادة الصادقة التي لا تنثني منك له سبحانه تسير على ظهرها إلى بلاد الأفراح.والحمد لله رب العالمين


صوت السلف






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:58 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator