يا خَاطِبًا حُور الجَنّة
إن الله سبحانه لم يكلفك شيئًا إلاّ و عندك أدوات ذلك الفعل.
فإن كانت القُدرة عليه مَعدومة و الأدَوات غَير محصلة ، فَلا أمر و لا تكليف.
و إن كنت تسعى بتلك الأدوات في تحصيل غرضك و هواك، فإسع بها في إقامة مفروضك.
مثال ذلك : أنك تسافر في طلب الربح، و تُسأل الحج فلا تفعل.
و يثقل عليك الانتباه بالليل ، فلو أردت الخروج إلى العيد إنتبهت سَحرًا.
و تقف في بعض أغراضك مع صديق تحادثه ساعات، فإذا وفقت في الصلاة استعجلت و ثقل عليك.
فإياك إياك أن تتعلق بأمر لا حجّة لك فيه، ثم من نصيبك ينقص ، و من حظّك يضيع.
فإنما تحرك لك، و إنما تحرك لنفعك ، فبادر فإنك مُبادر بك .
و مما يُزيل كسلك – إن تأملته – أن تتخايل ثواب المجتهدين و قد فاتك.
و يكفي ذلك في توبيخ المقصّر إن كانت له نفس.
فأما الميت الهمّة، فما لِجرح بميّت إيلام !
كيف بك إذا قمت من قبرك و قد قربت نجائب النجاة لأقوامٍ و تعثّرتَ......
و أسرعَت أقدام الصالحين على الصراط و تخبّطتَ .....
هيهات ذهبت حلاوة البطالة، و بقيت مرارة الأسف، و نضب ماء كأس الكسل و بقي رسول الندامة !
و ما قدر البقاء بالإضافة إلى دوام الآخرة؟
ثم ما قدر عمرك في الدنيا و نصفه نوم و باقيه غفلة؟
فيا خاطبا حور الجنّة و هو لا يملك فلسا من العزيمة :
افتح عين الفكر في ضوء العبر، لعلك تبصر مواقع خطابك، فإن رأيت تثبيطا من الباطن فاستغث بعون اللطف و تنبه بالأسحار لعلك تتلمح ركب الأرباح ، و تعلق على قطار المستغفرين و لو خطوات، و انزل في رباع المجتهدين و لو منزلا ، أي منزل.
مقتطف من كتاب صيد الخاطر لإبن الجوزي