العودة   شبكة صدفة > المنتديات العامة > ابحاث علميه و دراسات

ابحاث علميه و دراسات Research , analysis, funding and data for the academic research and policy community , ابحاث , مواضيع للطلبة والطالبات،أبحاث عامة ،بحوث تربوية جاهزة ،مكتبة دراسية، مناهج تعليم متوسط ثانوي ابتدائي ، أبحاث طبية ،اختبارات، مواد دراسيه , عروض بوربوينت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06-09-2011, 03:00 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

ثالثًا ـ القطاع الصناعي:
(1) المُعدلات والمفاهيم:
لا خلاف حول أنَّ تنمية قطاعَي الصناعة التحويلية والزراعة، هي أساس أيَّة تنمية اقتصادية جادة
(ولا نقول مستقلة). وقد أثبتنا أنه لا يمكن الارتكان إلى الأرقام والمعدلات المصرية ـ بيقين معقول ـ وأيضًا لا يمكن في كل الأحوال استخلاص نتائج صحيحة من الأرقام والمعدلات الإجمالية. ومع ذلك، لا بأس من التذكير بحقيقة أن السياسة التنموية للانفتاح أدت ـ حسب الأرقام الرسمية ـ إلى انخفاض النصيب النسبي لقطاعي الزراعة والصناعة (بعد استبعاد البترول) من الناتج المحلي الإجمالي. في عام 1973، كان نصيبُهما النسبي حوالي 50 % وأصبح حوالي 45 % عام 1978. وبالنسبة لقطاع الصناعة بالذات (بعد استبعاد البترول. أي الصناعة التحويلية والاستخراجيَّة فقط) هبطت النسبة من 19 % عام 1973 إلى حوالي 14.9% عام 1978 (129). وقد يقال في تبرير هذا الاتجاه: إن المعدلات العامة لنمو الناتج المحلي الإجمالي كانت "بالغة الارتفاع" أثناء سنوات الانفتاح (بسبب القطاعات "الرائدة")، فأدَّى ذلك إلى انخفاض النصيب النسبي للزراعة والصناعة. ولكن بالنسبة للصناعة بالذات، قيل إن نصيبها من الاستثمار يتزايد باستمرار، حتى وصلت الاستثمارات المنفذة عام 1977 إلى 528 مليون جنيه و576 مليونًا عامًا 1978، وبالتالي كان نصيب قطاع الصناعة والتعدين أعلى من أي قطاع آخر، وكان يستحوذ وحده على أكثرَ من 30 % من إجمالي الاستثمارات المنفَّذة. وإلى جانب هذه الحقيقة، أعلنت كل الخطط السنوية (أو البرامج الاستثمارية) تركيزَ مشروعات القطاع العام على الاستكمال والإحلال والتجديد، وبشرت بإمكان تشغيل الطاقات العاطلة بعد توفير الانفتاح للنقد الأجنبي اللازم، وكان كل هذا يعني تركيزًا من القطاع العام الصناعي على المشروعات والإجراءات ذات العائد السريع. وفي نفس الوقت كانت توسُّعات القطاع الخاص تركِّز بالضرورة على المشروعات ذات العائد السريع والبالغ الارتفاع. إذن كيف يفسر انخفاض معدلات النمو في الناتج الصناعي عن مستويات النمو الإجمالي في الناتج المحلي الإجمالي (باستثناء عام 1977 الذي قيل: إن معدلات النمو الصناعي وصلت أثناءه إلى 9 %، بينما معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي 7.3 % بالأسعار الثابتة)؟ (130)، رغم هذا التساؤل، نعترف بأن المعدلات التي قيل إن الصناعة التحويلية حققتها في سنوات الانفتاح تبدو مرتفعة نسبيًّا (131)، ويقول البنك الدولي إن هذه المعدلات بدأت تتباطأ مع 1978، فقد نمت القيمةُ المضافة ـ حسب التقديرات الرسمية ـ بمعدل 5.7 % خلال 1978، ويستهدف أن يصل المعدل إلى 7.7 % عام 1979، ورغم انخفاض هذا المعدل الأخير عن المستويات التي قيل إنه سبق أن تحققت، فإن البنك الدولي يقول إنه "يتوقع - على أيَّة حال - أن يكون معدل النمو الحقيقي في 1979 أقل من ذلك كثيرًا" وهذا التوقع نعتقدُ في صحته، ولكنْ هل صحيحًا ما قيل عن المعدلات المرتفعة في الأعوام 75 و76 و1977؟

يبدو أن أصدق الإجابات على هذا السؤال يعتمد على متابعة التغير العيني، أي التغير في حجم الكميات المنتجة في الصناعات المختلفة. وإذا قارنَّا - لهذا الغرض - أرقام عام 1973 بأرقام 1977، بالنسبة لأهم 65 منتجًا صناعيًّا؛ فإن الكميات المنتجة في 21 بندًا قد تراجعت، وكانت الكميات متساوية بلا زيادة أو نقصان في 4 بنود، وتحققت زيادة متفاوتة في 40 بندًا، ولكنْ يلاحظ من سلسة الأرقام للسنوات 69 ـ 1977، أن الزيادات المحققة في الأعوام 74 ـ 1977 كانت في 29 حالة غير مُنتظمة، وتتضمن جزئيًّا أو كليًّا محاولة للعودة إلى أعلى مستوى للإنتاج تحقق في السنوات السابقة على عام 1973. ففي 4 بنود من هذه الحالات (غزل الصوف ـ سماد سلفات النشادر ـ كتل حديد نصف مشكلة وقطاعات الصلب ـ سيارات نقل) لم تصل كميات الإنتاج (أو بالكاد وصلت) في عام 1977 إلى أعلى مستوى محقق قبل الانفتاح. وفي بعض الحالات يلاحظ أيضًا أن كميات الإنتاج عام 1977 زادت عن مستويات 1973، ولكنها كانت أقل من المستويات المحققة في عام 1974
أو 1975، أو 1976 (حسب الحالة)، وهذه الملاحظات تعكس إلى حد كبير أن الزيادة المحققة ـ وغير المنتظمة ـ في إنتاج هذه الصناعات ترتبط بمدَى تشغيل الطاقات القائمة العاطلة، وهو ما يتماشَى مع إعلان المسئولين عن تركيزهم على مشروعات الاستكمال والإحلال والتجديد وتوفير مستلزمات الإنتاج، ولكن مُجمل النتائج كما بينا لا يتناسب مع الإنفاق الذي قيل عنه في هذا الاتجاه.

ويزيد من دلالة المؤشرات السابقة، أن الصناعات التي ظل إنتاجها العيني أقل من طاقتها (أي عند مُقارنة عام 1973 أو ما قبله مع عام 1977) هي: السكر الخام ـ جلوكوز ـ فواكه محفوظة ـ نبيذ ـ مشروبات روحية ـ منسوجات قطنية ـ ورق كرتون وعادي ـ سماد سوبر فوسفات ـ سماد توماس فوسفات ـ مبيدات حشرية ـ ألواح وصاج ـ مسبوكات صُلبة ـ زجاج مسطح وبللور ـ خزف قيشاني ـ أدوات صحيَّة ـ مواسير فخار ـ مواسير ومنتجات خرسانية ـ طوب أحمر ـ طوب رملي ـ جبس ومصيص ـ أسمنت. ويعني هذا أن التراجع كان في صناعات، أغلبها ذو وزن اقتصادي مؤثر. وفي المقابل يلاحظ أن الصناعات التي حققت تقدمًا تجاوز باطراد مستويات ما قبل الانفتاح لا تزيد عن 11، ومن هذه المجموعة كانت الصناعات التي زادت كمية إنتاجها بمعدل أكثر من 5 % سنويًّا (في المتوسط) خلال الفترة 74 ـ 1977 هي الحديد الزهر والبيرة واللبن المبستر والمِسلي الصناعي.. فقط لا غير (132).
*أ- نتابع بعد هذا التطورات الهيكلية والبنيوية في قطاع الصناعة التحويلية في إطار ما هو مخطط له. لقد تمت السيطرة الأجنبية على استراتيجية التوسع الصناعي (هيكله وبنيته). حدد البنك الدولي أن التخصصات الصناعية لمصر (وفقًا للمزايا النسبية) تكون في مجالات الأسمنت والأسمدة وتكرير البترول والأثاث والصناعات الغذائية. وبالنسبة للغزل والنسيج "قد يمكن أن يكون من البند الهامة إذا حدث تحرك نحو تحسن النوعية بدرجة كبيرة" (133). وليس مقصودًا قصر مجال التنمية الصناعية على هذه الأفرع على سبيل الحصر. ولكن المقصود هو حصر دائرة التركيز، مع فتح المجال للإضافة أمام الشركات الأجنبية. وهذا التحديد للتخصصات الصناعية يترك مجالاً كبيرًا لزيادة استثمارات القطاع الخاص (أجنبي ومحلي) في الصناعة، وصولاً إلى بنية اقتصادية يقودها هذا القطاع (أي بنية تابعة) ولا يتعارض مع هذا الهدف أن يضطر القطاع العام إلى التوسع في صناعة الأسمدة، فناتج هذه الصناعة يصب في الزراعة، معقل القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، وتنمية الزراعة ـ بالشروط التي بيناها ـ باتجاه نموذج نصيحة، فمن خلال القروض تم استقطاب الموارد المحلية نحو الأهداف المحددة، وندعم هذا التوجه مؤسسيًّا في تكليف مكاتبَ فنية غربية بدراسة التوسعات المستهدفة في الأفرع التي حددها البنك، "ومنذ 1976 تم إجراء سبع دراسات قطاعية بمساعدة البنك الدولي في الأفرع التالية: الصناعات الغذائية، النسيج، الأسمدة، الورق ولب الورق، مواد البناء، الصناعات المعدنية، الصناعات الهندسية. والغرض من هذه الدراسات إعداد سياسات وبرامج للتنمية الوطنية لهذه الفروع أثناء الفترة 78/ 1982" (134).
(2) القطاع الخاص الصناعي:
أ- وقد صاحبت هذا التحديد للأهداف حملةٌ لفتح الأبواب على مصاريعها لنمو القطاع الخاص (أجنبي ومحلي)، في قطاع الصناعة التحويلية، ولكنْ ظل القطاع العام يفرض بِنية متماسكة تعترض الغزاة، وقد أشرنا إلى مخطط البنك الدولي لاحتواء القطاع العام أثناء فترة الانتقال (راجع البند أولاً)، ونتابع هنا ما تحقق في هذا المخطط؛ فبالنسبة لحفز الاستثمار الأجنبي، كان تنفيذ السياسات المالية والنقدية لصندوق النقد تهيئة لجو عام ملائم، وكان القانون 43 ثم تعديله بالقانون 32، تسليمًا كاملاً لشروط المستثمرين الأجانب، وسنعرض نتائج هذا القطاع في البند التالي، ونسجل فقط في السياق الحالي أنَّ الاستثمار الأجنبي المباشر لم يتدفق حتى الآن بالمعدلات التي توقعتها السلطات المصرية (بناء على الوعود)، وبالتحديد كانت إسهامات الشركات الأمريكية والأوروبية محدودة جدًا، وغالبية المشاريع المتفق عليها، لم تتجه إلى الصناعة التحويلية، والمشروعات المتجهة إلى الصناعة التحويلية يلاحظ أنها متجهة إلى منافسة القطاع العام في السوق الداخلي (إحلال واردات)، ولم تقمْ مشروعات تزيد الصادرات الصناعة (أي لم تحدث مشروعات متقدمة تكنولوجيًّا تصلح للدعاية عن البنية الصناعية الجديدة).
ب ـ وبالنسبة لنتائج تنمية قطاع خاص صناعي، (مملوك لمصريين بالكامل). فإن هذا القطاع من ركائز البنية المستهدفة، ولكن بأي معنى؟ إن استراتيجية التنمية التابعة لا تهدف إلى تنمية فئة مستقلة من رجال الأعمال المصريين، ترتبط بالتكنولوجيا المحلية، وترتبط بالسوق المحلي، وترتبط في مسار نموها، بحساباتها الخاصة؛ فالقطاع الخاص بهذا المضمون لا يكون متسقًا مع البنية التابعة، أو مع "نسق الاقتصاد المختلط" بالمضمون المقصود. وعلى ذلك كان الدور المرسوم للقطاع الخاص، يتجه - في جانب منه - إلى مشاركة رأس المال الأجنبي؛ (أي أن يكون تابعًا للشريك الأجنبي بشكل مباشر، في بعض المشروعات). ويتجه في جانب آخر إلى المشروعات الصناعية الصغيرة (في حالة المشروعات المملوكة بالكامل لمصريين). واستراتيجية المشروعات الأخيرة، ينبغي أن "تسعَى إلى رفع الكفاءة، والتلاؤم مع الظروف الجديدة ومع النمو، أكثرَ من حماية أنماط الإنتاج البالية، في مواجهة التنافس مع الأساليب الحديثة. وفي هذا المجال، فإن الكفاءة وفُرَص النجاح بالنسبة لجهود الصناعات الصغيرة، تتضاعف - إلى حد كبير - إذا أمكن ربط المساعدة التمويلية بالمساعدة التكنيكية" (122).
ويقضي هذا المفهوم "لتحديث التجهيزات في الصناعات الصغيرة"، على فكرة استخدام أنماط متنوعة من التكنولوجيا لمواجهة أنماط الطلب المستقل المختلفة، ويقضي أيضًا على فكرة تطوير وتنمية التكنولوجيا الموروثة أو المُستنبَطة محليًّا. ولكن مفهوم البنك الدولي، يتسق مع تأكيد التبعية التكنولوجية والتمويلية لدى كافة القطاعات المنتجة، والأفكار المناقضة (المقضي عليها) تتسق ـ بطبيعة الحال ـ مع نموذج التنمية المستقلة. ويمكن أن نشير إلى أمثلة من تحديث التجهيزات (حسب مفهوم البنك الدولي) في إدخال المخابز الآلية، وفي الصناعات الجلدية والخشبية. وهذا الخط من التطوير يساعد "في دفع التكامل التدريجي لهذه المشروعات مع باقي قطاع الصناعة. "إن هذا المنهج الواعي "يضمن ملء الصناعات الصغيرة للفراغات البيئية، ويحتل موقعًا رابطًا داخل الهيكل الصناعي، ويشكل أجزاءَ حيوية من كل متكامل" (135). (التشديد للمؤلف).
ج ـ وقد توالت السياسات والإجراءات الحكومية لحفز القطاع الخاص المصري، وفق مفاهيم البنك الدولي (ومن معه). ولكنْ حدث عمليًّا ـ وبشكل عام ـ أن فشِلت هذه الجهود في زيادة الميل الحدي للادخار لدى القطاع الخاص.
ويبدو هذا ـ في التحليل النهائي ـ من صورة التوازن العام في الاقتصاد القومي؛ حيث تجاوزت الزيادةُ في الاستهلاك العائلي في عام 1977 ما كان مستهدفًا (16.4 % بدلاً من 15.1 % ـ بالأسعار الجارية). وبالتالي كان المعدل المحقق قريبًا جدًا من معدل زيادة الناتج المحلي الإجمالي (17 %). وتحققت الزيادة المحدودة في المدخرات المحلية في ذلك العام؛ بسبب تماسك رقم الاستهلاك الحكومي؛ حيث لم يزد خلال 1977 إلا بنسبة 0.3 % فقط. وغنيٌّ عن البيان، أنَّ المعدل العالي لزيادة الاستهلاك العائلي يعكس تفضيل أصحاب الدخول العالية لتبديد الفائض المحتمل في أوجه الاستهلاك بدلاً من الادخار. ولم يجدِ كثيرًا رفعُ سعر الفائدة في الأوعية الادخارية المختلفة.
وفي مجال الاستثمار الخاص، كان أكثر من 50 % من رأسمال المشروعات المشتركة (الموافق عليها من هيئة الاستثمار) من نصيب المصريين. ولكن ظلت هذه النسبة تمثل رقمًا متواضعًا لانخفاض الحجم الكلي للمشروعات المشتركة (وخاصة المشروعات المنفذة أو الجاري تنفيذها فعلاً. ورغم "الخدمات القيمة التي قدمتها البنوك (الأجنبية والمشتركة) إلى القطاع الخاص المصري عمومًا، ولشركات المشروعات المشتركة على وجه الخصوص" (136)، ظلت استثمارات القطاع الخاص المصري منخفضة، وخاصة في مجال الصناعة. ولم يغيِّر الصورة أن الحكومة أمدت أيضًا بنوك القطاع العام بتسهيلات بالعملات الحرة؛ كي تعيد هذه البنوك إقراضها للقطاع الخاص، بشروط ميسرة إلى حد ما، وعلى آجال متوسطة وطويلة. وتؤكد كل البيانات المتاحة، ما قرره بعض المسئولين في بنوك القطاع العام "من أن القطاع الخاص الصناعي لم يأخذ حجمه المناسب فعلاً للآن.. فما زال الإقبال من رأس المال الوطني ضعيفًا للعودة للاستثمار في الصناعة.. ونسبة الائتمان للقطاع الخاص الصناعي حاليًا لا تعبِّر عن سياسة البنك بتحديد حجم له، ولكن تعبر عن الطلب الحقيقي للسوق في مثل هذا النوع من الائتمان" (137). وقد أُعلِن عن إنشاء بنك حكومي جديد للتنمية الصناعية (لمساعدة القطاع الخاص الصناعي)، وقام البنك بتوفير الأموال اللازمة؛ حيث وصلت (في أواخر 1978) إلى 235 مليون دولار على هيئة قروض من هيئة التنمية الدولية، والبنك الدولي، ووكالة التنمية الأمريكية، والصندوق الخاص للأوبك، وبنك التنمية الأفريقي، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، (وكانت المباحثات دائرة (في أواخر 1978) مع البنك الإسلامي للتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي؛ بغرض تقديم المزيد من الموارد بالعملات الحرة).
وهذه القروض يُعاد إقراضُها لمشروعات القطاع الصناعي، ويقرر بنك التنمية الصناعية أن القطاع الخاص الصناعي يحظَى بأهمية قصوى؛ إذ تبلغ نسبة عدد مشروعاته إلى إجمالي عمليات البنك حوالي 99 %، ومن حيث القيمة حوالي 80 %، ولكن يشكو البنك رغم ذلك من عدم الاستجابة المناسبة للقطاع الخاص، فإجمالي القروض المعتمدة (حتى 30/ 9/ 1978) لم يتجاوز 84.6 مليون جنيه، وكانت قيمة القروض الصناعية منها حوالي 45 مليون جنيه (للصناعات المتوسطة والصغيرة وللحرفيين معًا) (138). واستمرت هذه الصورة رغم الدفع المباشر الذي أحدثته هيئة التمويل الدولية (التابعة لمجموعة البنك الدولي) بإقامة ومباشرة مشروعات بنفسها؛ كي تسلمها بعد نجاحها للقطاع الخاص، ومتابعة استخدام قروضها المقدمة إلى بنك التنمية الصناعية والبنوك الأخرى (مصرية ومشتركة) (139).
ولم تتغير الصورةُ أيضًا رغم تيسيرات القانون 86 لسنة 1974، ورغم التعديلات في القانون 32 لسنة 1977 التي أفضت إلى إعطاء المستثمر المصري كافة المزايا المقدمة للمستثمر الأجنبي.

لا يعني هذا إغفال بعض الظواهر والنتائج، فيلاحظ من بيانات وزارة الصناعة أنه تمت موافقة هيئة التصنيع في عام 1977 على 504 مشروعًا جديدًا، وكان رأسمالها المقدر 107 مليون جنيه، وإنتاجها 230 مليون جنيه، والعمالة 31 ألفًا وأجورها 8 مليون جنيه. وفي مقابل ذلك كانت الصورة عام 1970 كالتالي: وافقت الهيئة على 314 مشروعًا، قدر رأسمالها بـ 5 مليون جنيه، وإنتاجها 10.8 مليون جنيه، والعمالة 5600 وأجورها 3/ 4 مليون جنيه. وتعني هذه المقارنة أن متوسط رأسمال المشروع في عام 1977 حوالي 212 ألف جنيه، وكان 15.9 ألف جنيه عام 1970. ومتوسط إنتاج المشروع أصبح 456 مليون جنيه وكان المتوسط المقابل 34.4 ألف جنيه، ولا توجد بيانات حول معدلات التنفيذ في المشروعات الحاصلة على موافقات، ولكن يُلاحظ بلا شك أن عديدًا من صناعات القطاع الخاص استفادت من التيسيرات الاستيرادية لتحديث تجهيزاتها، وتوفير مُستلزماتِها عن غير طريق البنوك (140)، وانعكس ذلك في زيادة الإنتاج الصناعي. ولكن يبقى صحيحًا - رغم كل ذلك- أن وحدات القطاع المصري الخاص الصناعي ظلت في إطار الوِرَش الفردية، أو شركات أفراد، ولم تنشأ شركة مساهمة صناعية واحدة حتى آخر 1977.
والنتيجة النهائية، أن مجموعة الحوافز أدَّت فعلاً إلى تنشيط القطاع الخاص الصناعي، ولكن لم يكن النمو بالمعدلات المطلوبة لزيادة وزنه النسبي قبل القطاع العام، كما يبدو من الجدول رقم (7) (141):
جدول رقم (7)
إنتاج القطاع الصناعي (الخاص والعام) المُستهدَف والمُحَقَّق، 1970 ـ 1980:
قيمة إنتاج الصناعَة التحويلية بالمليون جنيه ـ أسعار جارية
السنوات
إجمالي
القطاع العام
القطاع الخاص
نسبة الخاص إلى الإجمالي %
1970
1971
1972
1973
1974
1975
1976
1977
1980
1321
1462
1570
1419
1646
1584
1761
1899
1946
2216
2181
2459
2454
2783
3937
988
1103
1174
1251
1216
1414
1296
1424
1446
1561
1641
1724
1874
1990
2943
333
359
396
168
430
170
465
475
500
655
540
735
580
793
994
فعلي
فعلي
مستهدف
فعلي
مستهدف
فعلي
مستهدف
فعلي
مستهدف
فعلي
مستهدف
فعلي
مستهدف
فعلي
مستهدف
25.2
24.6
25.2
11.8
26
10.7
26.4
25
28.4
29.6
25
29.9
23.6
28.5
25.2

ولم يحدث تغير منتظم ذو مغزَى في هيكل الأنشطة الخاصة كما يبدو في الجدول رقم
جدول رقم (8)
تطور هيكل القطاع الخاص الصناعي
(75 ـ 1979) (142)
فروع الصناعة التحويلية
1975
1976
1977
1978
1979
صناعة الغزل والنسيج
الصناعات الغذائية
الصناعات الكيماوية
الصناعة الهندسية
مواد البناء والحراريات
صناعات خشبية وجلدية
28.4
22.9
9.2
8.8
2.50
28.2
26.2
22.9
9.1
8.8
2.7
30.3
24.7
22.5
9.7
9.3
3.4
30.4
26.7
23.5
9.5
8.5
3.5
28.3
26.7
23.5
9.5
9.9
3.3
27.1
إجمالي
100
100
100
100
100

د ـ ويسهل في الحقيقة تفسير أسباب الاستجابة المحدودة من القطاع الخاص الصناعي للتيسيرات والتسهيلات المقدمة. فرجال الأعمال المصريون لم يطمئنوا بعد إلى استقرار الأوضاع السياسية الجديدة، رغم كافة التصريحات المطمئنة من القيادات العليا والتنفيذية، ونفس هذه الأسباب (وبحسابات إضافية أكثر تعقيدًا) مُنعت الشركات الأجنبية من دخول الساحة على نحو جاد. وبالتأكيد كان لهذا العامل أثره على تردد القطاع الخاص الصناعي بالذات؛ إذ آثر رجال الأعمال المحليون الفرص التي أتاحها الانفتاحُ في الأفرع المختلفة من قطاع التجارة، والتي يحسن أن نطلق عليها: الأفرع المختلفة من قطاع النهب؛ فمصطلح "التجارة" يظل يوحي بنشاط اقتصادي رشيد، ولكن عمليات التوريد للقطاع العام. والتهريب من الموانئ والجمارك، وسرقة المخازن، وسرقة أراضي الحكومة والمضاربة عليها.. إلخ. كل هذا لا يصفه القول بأنَّ القطاع الخاص آثر العمل في قطاع التجارة. إن قطاع النهب هذا كان بابًا مفتوحًا على مصراعيه لتحقيق الثراء السهل والسريع لكل من يعرف قواعد اللعبة، ويحسن استخدامها. ويقال أحيانًا: إن السياسة الضريبية ساعدت في صرف القطاع الخاص عن الأنشطة المنتجة (في الصناعة والزراعة)، وفي صرفه إلى التجارة؛ فقوانين الضرائب
لا تميز فعلاً بين فئات ضريبة الأرباح الصناعية وضريبة الأرباح التجارية؛ فالقوانين تُخضع كافة هذه الأنشطة لضريبة نوعية واحدة والفئات ضريبية متساوية، مما يشكل عبئًا واضحًا على الأنشطة الإنتاجية التي تحتاج فترة لبدء الإنتاج، وتتعرض لمخاطر.

وهذا القول صحيح، ولكن المشكلة أكثر تعقيدًا من مجرد مفارقات في قوانين الضرائب؛ فمن ناحية تظل معدلات النهب في التجارة أعلى من أن تنافَس. ومن ناحية أخرى، فإن الأنشطة التجارية ـ على النحو الجاري في مصر ـ
لا يمكن إخضاعها فعليًّا لأي تحصيل ضريبي؛ فهي أنشطة سوداء. ومن ناحية ثالثة، فإن استمرار الشكوك في استقرار الأوضاع السياسية، يبعد القطاع الخاص عن مخاطر تجميد أمواله في أصول ثابتة، فالأفضل أن تكون سائلة أو شبه سائلة في حسابات سريَّة، وكل هذا تحققه أنشطةُ النهب في التجارة، ولا مانع من إضافة السياحة والمقاولات.

هـ ـ إلا أن رجال الأعمال المصريين، الذين فضلوا رغم كل هذا أن يوجهوا نشاطهم إلى الصناعة، واجهوا ـ أحيانًا ـ مشكلةً أخرى، واجهها معهم القطاعُ العام الصناعي، وهي مشكلة المنافسة غير المتكافئة مع شركات الاستثمار الأجنبي، ومع المنتجات المستوردة، وترتب على ذلك توقف بعض الوحدات المنتجة، أو خفض معدلات النمو مع تراكم المخزون. وصناعة الغزل والنسيج، بثقلها الخاص (في القطاعين العام والخاص) كانت مثالاً واضحًا على هذا؛ فحجم المخزون من منتجات هذه الصناعة في شركات القطاع العام وصل إلى 76 مليون جنيه في آخر 1977، وتعالى إلى 128 مليون جنيه في نهاية 1978 (143). ولم يكن القطاع الخاص في وضع أفضل، فتشكَّل ما يشبه الجبهة لحماية الصناعة الوطنية. صرح حامد المأمون حبيب (رئيس اتحاد الصناعات المصرية) بأن السياسات الاقتصادية الانفتاحية "كان من نتيجتها الطبيعية أن تشكو الصناعة المصرية الوطنية، وأن يزيد المخزون من البضائع لدى شركات القطاع العام، ولا تستطيع تصريفه، وأن تتوقف بعض مصانع القطاع الخاص أو يهبط إنتاجها".
وقال فؤاد عمران (رئيس غرفة صناعة الغزل والنسيج في الاتحاد): إن "هذه الصناعة القومية تتعرض لاختناقات في التسويق بعد فتح استيراد منتجات نسيجية مماثلة للإنتاج المحلي، وتسرب كثير من هذه المنتجات من المناطق الحرة وبور سعيد إلى السوق، ومزاحمتها للصناعة الوطنية بغير منافسة متكافئة". وقد أُصيبت صناعة التريكو والملابس الجاهزة بضربة خاصة؛ فقد توسعت هذه الصناعة بعد 1968، بهدف تصدير المنتجات إلى الدول الاشتراكية، وكان القطاع الخاص صاحب نصيب هام من هذا التوسع، "فزادت مصانعه عن الألف مصنع (في إطار الغزل والنسيج) يعمل بها ما لا يقل عن 50 ألف عامل، وعندما أعادت الدولةُ توزيع هيكل صادراتِها بعد سياسة الانفتاح، خفض حجم صادرات التريكو والملابس إلى الاتحاد السوفيتي منذ 1976، وقد أدى ذلك إلى إغلاق كثير من هذه المصانع.. ومع تقليص حجم صادراتنا فوجِئت مصانعُ التريكو والملابس الجاهزة بإجراءات الاستيراد المتحيزة ضد الصناعة الوطنية" (144). وتوالت اجتماعاتُ أصحاب مصانع الغزل والنسيج، مع وزيري الصناعة والتجارة، فيما وُصف بأنها "مواجهة صريحة" (145).
ولكن رغم كل الوعود، ورغم صدور قرار بوقف استيراد الملابس الجاهزة، استمرت محنة صناعة الغزل والنسيج (وما تتضمنه من التريكو والملابس الجاهزة)؛ فالمسألة
لا تعالج بقرار واحد، والتهريب كان طوفانًا لا يمكن وقفه(146)؛ ولذا توالت الصرخات في الصحف حول "الصناعة التي اشتُهرت بجودتها، وأغرقتها موجات الملابس الرخيصة القادمة من الخارج، وعرضتها للكساد لأول مرة"(147).

وتقدمت وزارة الاقتصاد بمذكرة إلى مجلس الوزراء، حول أسباب المخزون السلعي الراكد والمتنامي في شركات الغزل والنسيج (148). وفي آخر 1978 كان تقرير غرفة صناعة النسيج (في اتحاد الصناعات، يؤكد أن أرقام المخزون المعلنة (114 مليونًا في منتصف 1978) لا تمثل حجم المخزون بالكامل؛ لأنها لا تشمل أرقام المخزون لدى القطاع الخاص، وهي لا تقل عن 40 % من هذه الكمية (أي حوالي 46 مليون جنيه). "إن شركات الغزل والنسيج بالقطاع العام تواجه صعوبات من تكدس المنتجات لديها، وتزيد المشكلة صعوبة لدى مصانع القطاع الخاص؛ نظرًا لضعف إمكانياتها عن إمكانيات القطاع العام" (149). ولكن حتى أغسطس 1978 كان وزير الصناعة (إبراهيم عطا الله)
لا زال "يحذر: المخزون كبير ـ والتكافؤ منعدم ـ والخطر قومي" (150). وكانت الرقابة الصناعية تعترف بتزايد عدد المصانع (قطاع خاص) التي تقدمت بطلبات إلى إدارة التوقف بالرقابة الصناعية (20 منشأة في يوليو وأغسطس 1979) "وذلك لعدم قدرتها على الاستمرار ومنافسة السلع المستوردة، وصعوبة التسويق في الخارج" (151).

ولا شك أن محنة صناعة الغزل والنسيج، مفهومة الأسباب، على ضوء السياسات العامة، وعلى ضوء ما عرضناه في البند السابق (ثانيًا) عن موقف الغزاة من قلعة القطن. ولكن لا مانع من التذكير بالسيناريو؛ فقد قضت التوجيهات بزيادة الاستهلاك المحلي من القطن؛ بهدف خفض الفائض المتاح للتصدير؛ حتى تنخفض بالتالي الكميات المصدرة من القطن الخام إلى الدول الاشتراكية، فزادت كمية الإنتاج من الغزل والنسيج كما في جدول (9) (152):
جدول رقم (9)
تطور كميات الإنتاج من الغزل والنسيج بالأرقام القياسية (1977 = 100)
1974
1975
1976
1977
1978
الغزل
النسيج
85
92
86
93
92
96
100
100
101
101

ويلاحظ من الجدول أن زيادة ملموسة تحققت بالفعل خلال الأعوام 75 ـ 1977، ولكن بدءًا من عام 1976 تقرر أيضًا خفض الكميات المصدرة من الغزل والنسيج؛ لأن السوق الوحيد المفتوح هو سوق الدولة الاشتراكية، وحُرمت الشركات الوطنية ـ في نفس الوقت ـ من أن تنعش اقتصادياتها بزيادة مبيعاتها في السوق المحلي، فشهدت السوق المصرية عملياتِ إغراق وتهريب واسعة ومنظمة، (ونؤكد على أنها منظمة) للمنتجات الأجنبية المنافسة (153)، وأمام هذا الحصار حول التسويق في الخارج، وحول التسويق في الداخل؛ اختنقت الصناعة، وتوقف النمو عام 1978، مع تراكم المخزون.
بعض شركات القطاع العام حققت عجزًا جاريًّا، وبعضها هبطت أرباحه. وفي الإجمالي كانت أرباح هذه الشركات معًا 12 مليون جنيه (1974) فانخفضت الأرباح الإجمالية إلى 9 مليون (1975) ووصلت إلى الصفر في الأعوام 1976 و1977 و1978، ويتوقع أن تكون صفرًا أيضًا عام 1979(154). وقد التزمت الحكومةُ منذ عام 1977 أمام صندوق النقد ببيع الأقطان المصرية للمغازل الوطنية بالسعر العالمي (ونفذ هذا عام 1978)، فأُضيف عبءٌ جديد على اقتصاديات الصناعة، وأصبح استخدامها للأقطان الطويلة التيلة الغالية السعر (دون تصدير ودون تسويق محلي ملائم) مسألة لا يمكن الاستمرار فيها، فتجمع الضغط من كل الجهات نحو تخصيص المصانع المصرية بمعدل متزايد السرعة، للعمل بالأقطان الأمريكية، وتصدير الأقطان الطويلة التيلة خامًا إلى الأسواق الغربية.
وبالطبع كان قطاع الغزل والنسيج أبرز مثال (لأهميته الخاصة) ولكن صناعات القطاع الخاص الصغيرة تعرضت لمنافسة شرسة في عدد آخر من المجالات ذات البنية المستقلة، وضمن الحملة الشرسة لإعادة تشكيل الصناعة المصرية. لقد استهدفت الحملةُ القطاعَ العام في الأساس، ولكنها لم ترحم القطاع الخاص أيضًا، حين تعارضت توجهاته وارتباطاته مع شروط التبعية.
(3) القطاع العام الصناعي:
أ- "إن الأمل الكبير في التوصل لأداء متطور داخل الصناعة يقوم على استعادة القطاع الخاص لحيويته، وعلى دور القطاع الجديد من المشروعات المشتركة، وهناك علامات قوية على أن تقدُّمًا ما في ذلك الاتجاه قد تحقق، ولكن لا ينبغي المبالغة في التأثير الذي يمكن أن يحدثه القطاع الخاص والمشروعات المشتركة على الأداء الصناعي العام في الأجل القصير، فلا زال الكثير يعتمد على ما يمكن إنجازه في مشروعات القطاع العام ولا زالت الجهود الرامية إلى رفع كفاءتها وزيادة استقلاليتها، تستحق أولوية عالية" (التشديد ـ ع. ح) هكذا تحدث البنك الدولي في آخر تقاريره(155)، وينقلنا هذا إلى متابعة صورة ما تحقق في القطاع العام (نتيجة اهتمام الغزاة بشأنه)، وهي صورة تبرز وزراء ومسئولين في منظر العاجز تمامًا عن عمل شيء أكثر من الاحتجاج والتوجُّع. فوزير الصناعة في عام 1978 (أحمد هلال) كان يناشد الدولة أن تقدم إلى الصناعة المصرية معاملة عادلة (156)!، ووزير الصناعة الذي تلاه (إبراهيم عطا الله) شكا أمام لجنة الصناعة بمجلس الشعب، من أن شركات الصناعة تواجه صعوباتٍ في التسويق المحلي لمنتجاتها؛ نتيجة للمنافسة غير المتكافئَة للمنتجات المثيلة المستوردة؛ مما أدَّى إلى تراكم المخزون، وطلب من الحكومة (التي هو عضو فيها) أن تحمي الإنتاج الصناعي الوطني (157).
وقضية المخزون في قطاع الغزل والنسيج لم تقتصر طبعًا على المنتجات القطنية، ولكن شملت أيضًا الأقمشة الصوفية والحرير الصناعي، والصناعات التي عانت في السنوات السابقة (انظر الفصلين السابع والثامن) استمرت في متابعتها، وانضمت إليها صناعات جديدة (158) فانخفض الإنتاج، أو تزايد المخزون خلال عامي 1977 و1978، في المحركات (شُبرا للصناعات الهندسية)، والكابلات (حلوان للمعادن الحديدية)، ومعدات الغزل والمراحل البخارية وأسياخ اللحام، والمواسير الصلب. أيضًا شملت الأزمة إنتاج الفورمايكا وعبوات البلاستيك، والورق الكرتون، والمنتجات الخشبية (خشب الأبلكاش والأثاث)، وصناعات الراديو والترانزستور والتليفزيون، وأقلام الرصاص والبطاريات الجافة، والكبريت، وإطارات السيارات، ومواد الصباغة، وصناعة العطور.
وقد أعلن وزير الصناعة ـ على ضوء هذه التطورات ـ أنه تلقَّى تقاريرَ من مجالس إدارات الشركات التابعة، لوزارته، تُنذر بخطورة النتائج المتوقعة للسياسات الحالية. إلا أن هذا الكلام كان تكرارًا لصيحات ترددت طوال أعوام بلا طائل. واللجنة التي تشكلت "لدراسة أثر سياسة الانفتاح على المنتجات المحلية" (ضمت ممثلين عن الهيئة العامة للتصنيع، ووكالة وزارة الصناعة للشئون الاقتصادية، والأمانات الفنية لشركات القطاع العام، ومصلحة الرقابة الصناعية، وممثلين عن الشركات الأجنبية) لم تجد توصياتها من ينفذها (159). وبالتالي كان إجمالي الأرباح التي حققتها كافة شركات القطاع العام الصناعية 22 مليون جنيه (1974)، وانخفضت إلى 19 مليونًا (1975) وإلى مليونين (1976).. ثم إلى صفر في السنوات التالية (الصفر عام 1979 رقم تقديري) (154).
ب ـ واستحالة التنفيذ للتوصيات المتخذة ترجع إلى نتائج الهجوم الشامل الذي تعرض له الاقتصاد المصري؛ ففضلاً عن النتائج التي ترتبت على تعليمات الصندوق الخاصة بسعر الصرف، وما تبعه من تصفية لإدارة الدولة لنسق الأسعار، فضلاً عن ذلك، فإن شبكة أصحاب المصالح المشتركة التي تشكلت بين كبار المسئولين في الحكومة (والقطاع العام) وبين رجال الأعمال المحليين وعملاء الشركات العابرة للجنسية، كانت خلف الإجراءات والتصرفات التي وصلت بأنها غير عادية، وتهدد الإنتاج الصناعي الوطني. فطوفان السلع المستوردة (الذي كان ضمن مصادر التهديد) تم عبر هذه الشبكة التي كانت أقوى من أي وزير وطني للصناعة. وقد سجلت الرقابة الإدارية أن القطاع الخاص يلجأ "في بعض الأحيان إلى الاتفاق مع بعض شركات القطاع العام على قيامها بدور الوسيط في تسويق ما ينتجه أو يستورده من سلع أو معدات لدى شركات القطاع العام الشقيقة أو الهيئات الحكومية، وذلك في نظير عمولة ضئيلة من قيمة العمليات الأمر الذي يحقق للقطاع الخاص إمكانية البيع بأسعار مغالَى فيها، ومحملة بنسبة العمولة، ويستفيد القطاع الخاص من هذا النوع من التعامل، على أنه يمثل في ظاهره، تعاملاً مباشرًا بين شركة قطاع عام بائعة وجهة أخرى مشترية؛ وبالتالي إبعاد مظنة التلاعب، هذا في الوقت الذي يتم فيه مثل هذا النوع من العمليات، بالتواطؤ بين المورِّد والشركات الوسيطة والجهات المشترية، ويبلغ التواطؤ في مثل هذه الأحوال الحد الذي تعلن الجهات المشترية ـ بعد اتفاقها مع مورد القطاع الخاص ـ بالصحف عن أصناف لا تنطبق مواصفاتها إلا على واردات القطاع الخاص، المسوق بمعرفة شركة القطاع العام الوسيطة؛ حتى يتم شراؤها، كما تشترط الجهة المشترية في إعلانها، أن تكون البضاعة حاضرةً، كما تحدد فترة زمنية قصيرة للتوريد" (160).
إن طوفان السلع المستوردة ثم عبر هذه الآليات، وعبر هذه الشبكة التي تمسك الشركات الأجنبية الموردة بطرفها الرئيسي، وقد أعطيت الحرية لقطاعات الدولة في استخدام الحصص النقدية الأجنبية المتاحة لها في استيراد ما يلزمها من سلع من الأسواق الأجنبية (بناء على تعليمات صندوق النقد)، فصارت تطرح عمليات استيراد عن سلع تنتج الصناعة المحلية مثيلها.
وفي هذا الإطار كانت شركات القطاع العام التجارية مشاركة في أزمة صناعة الغزل والنسيج؛ سواء باستيراد المنتجات الأجنبية، "أو بسبب عزوفها عن سحب المنتجات من الأقمشة المحلية تفضيلاً للمستورد" (161). والعبوات البلاستيك نشأت مشكلتها من استيراد وزارة الزراعة وبنك التسليف الزراعي 1.3 مليون عبوة بلاستيك من الخارج؛ "مما أدى إلى تعطل معظم خطوط الإنتاج" (162). والتهديد الذي واجهته صناعة الأثاث المحلية، قادته شركة بيع المصنوعات (قطاع عام) (163). وبالنسبة لإنتاج الأقلام "فإن مشكلة التسويق بسبب منافسة الأقلام المستوردة التي يعتبر المستورد الرئيسي لها شركات القطاع العام". كذلك بالنسبة للبطاريات؛ إذ يرجع انخفاض الإنتاج 50 % "إلى إغراق السوق بالبطاريات المستوردة. وتساهم شركات القطاع العام التجارية في ذلك" (164). وفي إنتاج إطارات الكاوتشوك، "فإن إطارات (نسر) بمختلف المعايير العالمية سلعة جيدة الصنع، على مستوى من الجودة وقوة الاحتمال، تعادل مستوى الأنواع العالمية المعروفة (...) وغزت أسواق المنطقة العربية والأفريقية وبعض الدول الأوروبية في السنوات التي كان يوجد بها فائض من احتياجات السوق المحلية (...) ومع ذلك تعاني الشركة حاليًا من تكدس أحد منتجاتها الرئيسية، وهو إطار النقل" وبورسعيد التي تباع فيها الإطارات دون عبء رسوم جمركية، سببٌ في هذه الأزمة، والسبب الآخر "اتجاه قطاع النقل الحكومي التابع لوزارة النقل (14 شركة نقل بضائع وأتوبيس) إلى استيراد الإطارات من مصادر عديدة، حتى إن قطاع النقل بأكمله لم يحصل خلال عامي 77 و1978 إلا على 1000 إطار فقط تمثل أقل من 0.5% من الإنتاج المحلي. وتم تخصيص 16 مليون دولار من القرض الياباني لاستيراد إطارات، أي أن هذا القطاع سيستمر في مقاطعة الإنتاج المحلي في عام 1979 وجزء من 1980" (165).
إن المهربين ووكلاء الشركات الأجنبية في القطاع الخاص يلعبون دورًا مفهومًا في الانفتاح الاستيرادي، ولكن الأمثلة السابقة تلقي ضوءًا على تواطؤ أعوانهم في الحكومة والقطاع العام، وعلى مشاركة هؤلاء في فتح الأبواب لتخريب الاقتصاد المصري والصناعة الوطنية. إن مشاركة مسئولين في القطاع العام في علاقات وروابط مصلحية تتعارض صراحة مع تمليه عليهم مناصبهم الرسمية في شركات القطاع العام لم تعد ظاهرة استثنائية، بل لم تعد ممارسة سرية في كثير من الحالات، رغم تحريم القانون لممارسة العاملين في القطاع العام لأنشطة خاصة، وسجل هذا تقرير رسمي على مستوى عالٍ، فأثبت أنه رغم أن القانون "يباشر بعض القادة والقيادات المتوسطة أعمالاً أخرى إلى جانب أعمالهم الأصلية، وأحيانًا يتم ذلك بموافقة رئاستهم، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأعمال متعارضة مع عملهم الأصلي ومنافسة له، ويمكن أن نشير إلى النوعيات الآتية على سبيل المثال:
1- امتلاك بعض رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة مكاتبَ خاصة يزاوِلون فيها أعمال التصميمات
أو المقاولات أو الأنشطة التي تدخل في النشاط الأساسي لشركاتهم، أو دخولهم كمؤسسين في شركات مقاولات خاصة في دول أخرى في نفس مجال شركاتهم والتي لها أنشطة في هذه الدول.

قيام بعض كبار العاملين في شركات الإنتاج بمزاولة نشاط صناعي مماثل لنشاط شركاتهم، مستغلين قنوات الاتصال الرسمية بحكم عملهم لتيسير إنتاجهم الخاص.
ممارسة بعض العاملين في الشركات التجارية نشاطًا خاصًا في توريد مهامات ومعدات لشركاتهم عن طريق شركات يمتلكونها بأسماء أخرى، مستغلين عملهم في نفس المجال.
ممارسة بعض العاملين في شركات الاستيراد والتصدير نشاطًا خاصًا في استيراد أو تصدير مهمات أو معدات أو منتجات عن طريق مكاتبهم الخاصة التي تمارس نفس أنشطة شركاتهم" (166).
إن النتائج التخريبية لهذه الروابط بين مسئولين في القطاع العام وبين العاملين في الأنشطة الخاصة (المرتبطة عادة بجهات خارجية) لا تقتصر ـ كما يتضح من هذا العرض ـ على قضية الانفتاح الاستيراد، فهو يمتد أيضًا وبالضرورة إلى كافة أشكال استنزاف الموارد. إن عدم الاستخدام لإمكانيات القطاع العام الصناعي على نحو أمثل، وانخفاض الإنتاجية بالتالي، يرجع إلى عديد من الأسباب المركبة، ولكن تؤكد المعلومات الرسمية المتاحة، إن نسبة الفساد المنظم، أو الاستنزاف المتعمد، بلغت أبعادًا غير مسبوقة، ونعتمد في إثبات ذلك على ما تمكن الجهاز المركزي للمحاسبات من إعلانه أو من كشفه، ونعتمد أيضًا على معلومات هيئة الرقابة الإدارية (رغم يقيننا من أن ما خفي على الجهتين،
أو ما أخفته الجهتان عمدًا، كان أعظم). وقد عمد الجهاز المركزي للمحاسبات، في تقرير ممنوع من التداول، إلى تقديم ملف متكامل بالانحرافات الخطيرة التي كشفها خلال السنوات الأخيرة، ولم تتخذ بشأنها إجراءات. ونكتفي هنا بتسجيل أنه أُتيح لنا أن نطلع على التقارير المشابهة للجهات الرقابية عن سنوات سابقة. (تقرير الرقابة الإدارية عام 1965. تقرير الرقابة الإدارية عام 1971 الذي غطى الفترة من 1965 حتى 1970. وعدد من التقارير السنوية المتفرقة للجهاز المركزي للمحاسبات قبل الانفتاح وبعده)، وكانت كافة هذه التقارير تكشف ـ بصراحة تامة ـ جوانبَ هامة من القصور في التقديرات والتخطيط والتنفيذ، وكانت تكشف أيضًا ـ وبنفس الصراحة ـ جوانب الانحراف والفساد. ولكن يلحظ أي قارئ لهذه التقارير ـ دون مجهود كبير ـ أن انحطاط الكفاءة للجهاز الحكومي وللقطاع العام (تخطيطًا وأداء) تفاقم جدًا خلال سنوات الانفتاح، وانعكس ذلك في عدد ونوع الملاحظات المسجلة في هذه التقارير. وبالنسبة للانحرافات المتعمدة، لا مجال مثلاً لمقارنة البيانات الواردة في ملف الجهاز المركزي للمحاسبات (الذي أشرنا إليه) مع البيانات المقابلة التي كانت تعلن في التقارير قبل الانفتاح، فالانحراف لم يعد ظاهرة شاذة أو استثنائية، والصورة التي نخرج بها من التقارير الأخيرة تؤكد أن المال العام أصبح مالاً سائبًا لا يتعرض المعتدَى عليه لأي عقاب.

ويكفي أن ننقل عن التقرير الأخير للرقابة الإدارية، أن "الصورة بدأت تأخذ مظهر الاعتياد على الاستخفاف بمخالفة القوانين والاستهانة بها، الأمر الذي يخل بضوابط المجتمع من ناحية الحقوق والواجبات" (167). ولمَ نذهب بعيدًا؟
ألا يكفي أن نسجل أن وزيرًا (أحمد نوح) ونائبي رئيس وزراء (مرزبان وسلطان) قُدِّما للقضاء بتهمة قبض عمولات؟ إن هذا يحدث في التاريخ المصري لأول مرة، وهو لا يحدث للمرة الأولى انعكاسًا لموقف سياسي أكثر حزمًا في مواجهة الانحراف، ولكن انعكاسًا لأن ظاهرة الانحراف في المستويات العليا أصبحت بالغة الانتشار، وهو يعكس تدخل الحكومة الأمريكية في حالة سلطان؛ لأنه
لم يعرف قواعد اللعبة (راجع الفصل الرابع. وموقف الإدارة المصرية من هذا التطور الخطير، يتمثل في أنها أرجأت إجراءات التحقيق والمحاكمة حتى الآن، وقد يوحي هذا بوجود شركاء أقوياء للمتهمين. ولم نذهب بعيدًا أيضًا؟ لقد تقدم وزير شريف (إبراهيم بدران) علنًا وفي الصحف، بما يشبه أن يكون بلاغًا إلى النائب العام والمدعي الاشتراكي، بأن بعض وكلاء شركات الأدوية الأجنبية حاولوا رشوته(168)، فلم تتحرك جهات التحقيق، وحدث أن ترك الوزير منصبه، وبقي الوكلاء.

ج ـ إلا أن الفساد والتخريب المنظم، لم يكن ممكنًا أن ينتشر على هذا المستوى السرطاني الرهيب، إلا في إطار المخطط المتكامل لإعادة تشكيل البنية الاقتصادية والتي تضمنت إجهاض محاولة التنمية المستقلة التي يقودها القطاع العام. كانت كل السياسات وكل الاختلالات التنظيمية المفروضة تفتح الباب للفساد دون رادع، وحين ينتشر الفساد وتتشابك خيوطُه يصبح مؤسسة لها منطقها الذاتي، ولها القدرة الذاتية على الاستمرار وعلى حماية وضعها. ونلاحظ في دائرة القطاع العام الصناعي (كما لاحظنا من قبل في قطاع التعمير وقطاع التجارة الخارجية) أن تقارير صندوق النقد والبنك الدولي التزمت الصمت تمامًا حيال هذه الظاهرة الاقتصادية، فلم تذكرها في أيٍّ من تقاريرها أثناء مناقشة مشاكل القطاع العام وإنتاجيته. ولم تحاول دراسة العلاقة "المحتملة" بين انفجار هذه الظاهرة وبين مجموع السياسات التي فرضتها هذه الهيئات الدولية، ولكن هل كان متصورًا أن تقوم الهيئات الدولية بمثل هذه الدراسة؟!! إن بعض الاقتصاديين الطيبين يشيرون على هذا التجاهل، كما لو كان على سبيل السهو والخطأ، أو بسبب قصور المناهج التقليدية للتحليل الاقتصادي (169).
إن أي محاولة من الحكومة للمساس بالمافيا التي تنهب موارد الشعب (إذا فرض توفر مثل هذه النية في لحظة ما، أو في حالة ما) ستثير فورًا معارضة حادة من الهيئات الدولية؛ باعتبار أن المحاولة تشل المبادرات الفردية، وتتعارض مع مفاهيم الانفتاح، واستمرار هذه المافيا (بالتعاون مع السياسات الأخرى) يمنع ـ في نفس الوقت ـ أية محاولة لحماية أو دعم القطاع العام بمضمونه السابق. وقد تضمنت السياسات الأخرى، ما سبق أن أشرنا إليه من استنزاف الخبرات التنظيمية والعمالة الفنية المدربة، ونضيف هنا ما أُسمي في عام 1977: "مذبحة القطاع العام الصناعي" (المقصود قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 235 لسنة 1977 الذي شمل إقصاء ونقل 21 رئيس مجلس إدارة و76 عضوًا في مجلس الإدارة) والحقيقة أن هذا القرار كان قد سبقه إجراء مشابه عام 1975 على يد نفس الوزير عيسى شاهين (قرار رئيس الوزراء رقم 1165 لسنة 1975 الذي شمل 10 رؤساء و99 عضوًا لمجالس الإدارة)، بالإضافة إلى الإجراء الأول (قرار جمهوري رقم 692 لسنة 1974 الذي شمل 37 رئيسًا و104 عضوًا لمجالس الإدارة). وبالتالي كان مجموع من شملتهم التعديلات من قيادات القطاع العام الصناعي خلال سنوات الانفتاح 347 شخصًا. وقد حذرت الرقابة الإدارية من نتائج هذا الاتساع والتتابع السريع للتعديلات، فأشارت إلى شعور القادة "بعدم الاستقرار أو الاطمئنان بالبقاء في مناصبهم، وخاصة بالنسبة لوحدات القطاع العام؛ حيث أصبح من أبرز الصور التي تثير جوًا من عدم الاستقرار، هو ما يتم من وقت لآخرَ بالإعلان عن اتجاهات أو نوايا لم تدرس بعدُ، حول تصفية أو فصل
أو دمج أو تغيير تبعية بعض الجهات والوحدات، أو ما يصاحب معظم التعديلات الوزارية من الإعلان عن الاتجاه إلى إجراء تغييرات شاملة في تشكيلات مجالس الإدارة وبعض الوظائف العليا، وغالبًا ما تثار حول تلك الأمور تكهنات وترددات حول أوضاع العاملين بها، وخاصة شاغلو وظائف الإدارة العليا، فضلاً عما يترتب على ذلك من شعور بالقلق قد يطول، وشلل نسبي لدولاب العمل؛ انتظارًا لما تسفر عنه هذه النوايا أو التغييرات.

وأحيانًا يتم تعيين وزراءَ جددٍ، دون أن يكون سلفهم قد أنهى التشكيلات المعلَن عنها، فتعاد التشكيلات المقترحة للوزراء الجدد؛ حيث يُعاد النظر فيما تضمنته من ترشيحات، وكثيرًا ما يفاجأ القادة بهذه التغيرات من الصحف مباشرة"(170). ولا شك أن الرقابة الإدارية محقة في تبيان أثر هذا القلق السائد على الإنتاجية، والذي زاده بالفعل أسلوب الحكومة في إحداث التعديلات، ولكن أخطر من ذلك أن التعديلات لم تتحدد بمعايير النجاح والفشل، في أداء الوحدات الاقتصادية؛ ففي أغلب الحالات تمت التعديلات في إطار تصريحات مُعلنة عن محاربة العقليات المُنغلقة عدوة الانفتاح، وكان تعديل 1977 بالذات بالغًا في وضوح مغزاه؛ إذ شمل الاستبعاد والنقل عدد كبيرًا من النجوم المشهورة بكفاءتها الفنية والتنظيمية العالية، واضطر وزير الصناعة إلى الاعتراف بأن الأسباب الأمنية والسياسية كانت من أسباب قراراته، ولكن رفضت الحكومة أن تقدم بيانات أكثر تحديدًا عن الأسباب، حين وُوجِهت باستجواب في مجلس الشعب (وهذا يؤكد أن الأسباب لم تكن فنية واقتصادية في الأساس). وتساءل حلمي مراد (مقدم الاستجواب): إذا كانت التشكيلات الأخيرة شملت عددًا أقل من غيرها، فلماذا أحدث ضجة هذه المرة؟ وأوضح أن الضجة حدثت؛ لأن التعديلات "مست أشخاصًا تثير ثائرة الناس وتدعو إلى التساؤل، لماذا نقل فلان أو فلان.. ولست أريد أن أذكر الكثير من الأمثلة؛ لأنني أتفادى دائمًا الكلام عن الأشخاص، وأودُّ أن أقرر مبادئ وقواعد" (171).
إن استنزاف الخبرات من القطاع العام لم يغطِّه مسح كامل حتى الآن، ولكن كافة الدراسات الميدانية (بطريقة العينة) أثبتت خطورة الحالة (172). والاستنزاف التلقائي لخبرات وكوادر القطاع العام في الصناعة (وغير الصناعة) من خلال العمل في الخارج، وفي مشروعات الانفتاح، دعمه الاستنزاف المنظم الممثل في هذه القرارات؛ سواء بشكل مباشر (وهذا واضح)، أو بشكل غير مباشر بمعنى حفز أعداد أكبر على ترك مواقعها قلقًا ويأسًا (173). وبالتأكيد لعب المزاج الشخصي لوزير الصناعة آنذاك دورًا ما في صياغة هذه القرارات، ولكن مضمون هذه القرارات وصلاحية إصدارها مخرج عن يد الوزير؛ فالتعديلات في المناصب العليا لا يملكها إلا رئيس مجلس الوزراء (وكان لا يملكها إلا رئيس الجمهورية حتى أواخر 1974). وحين تتسع التعديلات لتصبح حملة تطهير، فإن الإجراء يكون سياسة
لا نملك ما يثبت الدور المباشر السري المحتمل للجهات الأجنبية في إحداثها، بعد احتلالها لسلطة القرار الاقتصادي في عام 1977، ولكن بالتأكيد كانت هذه السياسة متسقة تمامًا ما أهداف الجهات الأجنبية، فيما يتعلق بمصير القطاع العام الصناعي.

إن الرقابة الإدارية بإمكانياتها الواسعة على الدراسة الميدانية، وجمع المعلومات، لم تكتشف فقط تفشي الفساد، ولكن سجلت استنزاف الخبرات، وسجلت أيضًا اتجاه مستوى الكفاءة للانخفاض في الإدارات العليا، وظاهرة "الأسلوب السلبي في الإدارة خوفًا من المسئولية وتجنبًا للشكاوَى".. ويعني ذلك ـ كما تقول الرقابة الإدارية ـ أن غالبية الشاغلين لمناصب الإدارة العليا، أصبحوا من العناصر الديناميكية باتجاه الانفتاح (وغالبًا يعن هذا الانحراف والفساد ـ المؤلف)، أو من العناصر الشريفة المتوسطة الكفاءة (بعد ما تحقق من استنزاف)، وهذه تؤثر السلامة وتتردد في اتخاذ القرارات وتخشى من التشهير في أجهزة الإعلام. والنتيجة النهائية صاغها تقرير الرقابة الإدارية على أنها "عدم الانضباط وضعف الإحساس بالمسئولية واللامبالاة والانحراف" بكل ما ترتب على ذلك من سوء معاملة المواطنين، والاستهتار بإنجاز الأعمال وتعطيلها، وانخفاض مستوى الإنتاج، وهروب الكفاءات. وقد تمثل انخفاض مستوى الإنتاج في: زيادة نسبة العادم والتالف ـ الإسراف في استخدام الخامات والعدد والآلات ـ الزيادة في خسائر بعض الوحدات واستمرارها. وقد "استشعر المسئولون بالدولة هذه الظواهر التي لم يكن يعرفها الجهاز الحكومي في الماضي (...) ووصل الأمر إلى أن يكلف معهد التنمية الإدارية بمهمة اعتبرها المسئولون من أخطر ما يواجه القطاع الحكومي والعام، وهي ظاهرة (التسيب) كما سميت"(174).
د ـ وقد تدعمت عملية التآكل في المراكز العصبية للوحدات المنتجة، بقضية فك الروابط التنظيمية للقطاع العام (حل المؤسسات العامة النوعية). وتضيف هنا أثناء متابعتنا، ما آلات إليه الصورة العامة. لقد أوضحنا أن المجالس العليا للقطاعات لا يمكن أن تملأ الفراغ الذي تركته المؤسسات العامة (الفصل السابع)، ولكن مع الانحطاط العام في الكفاءة التنفيذية، وفي إطار السياسات العامة، كانت الصورة الواقعية أكثر تدهورًا مما توقعنا؛ إذ سجلت الرقابة الإدارية على أعمال هذه المجالس الملاحظات التالية:
عدم انعقاد المجالس العليا لبعض القطاعات.
انعقاد بعض المجالس مرة واحدة، ولم تخرج إجراءات الاجتماع في هذه المرة عن تعريف أعضاء المجلس لتكوينه واختصاصاته بالنسبة للسياسات العامة، دون توضيح لدوره في التخطيط والتنسيق داخل القطاع وبين الشركات.
انعقاد بعض المجالس مرتين؛ وذلك لتحديد أسلوب العمل ومناقشة بعض المسائل الإجرائية، وقد كان واضحًا من خلال الاجتماعات المحدودة أن رؤساء مجالس إدارات الشركات يركزون اهتمامهم لحل المشكلات والعقبات التي تصادف كلاً منهم في شركته محاولاً إقناع المجلس بحل مشكلاته دون التعرض للأهداف العامة أو الخطط الرئيسية.
تشكيل بعض المجالس العليا ـ طبقًا للقرار الجمهوري رقم 9 لسنة 1976 ـ من 35 إلى 50 عضوًا، وهو أمر غير فعال من الناحية العملية لدراسة الموضوعات المعروضة على المجلس ووضع الأهداف والسياسات الخاصة بكل قطاع.
واجهت الأمانات الفنية للمجالس مصاعبَ تنظيمية،
ولم يظهر التعاون المنشود بينها وبين الشركات التابعة، واستمرت بعض الوزارات في الاتصال مباشرة بالشركات؛ مما أدى لضعف الرابطة بين الأمانات والشركات حيث تتحلل الأخيرة من التزامها بموافاة الأمانات بالبيانات الخاصة بالخطة التقديرية للقطاع في مواعيدها المناسبة.

تواجه بعض الأمانات صعوبة في مباشرة أعمالها لكثرة عدد الشركات التابعة لها ومنها مثلاً الأمانة الفنية لقطاع التموين والتي يتبعها 42 شركة.
هـ- وجدت الشركات نفسها في فراغ بالنسبة للإطار التنظيمي الذي تعمل في نطاقه، ولجأ بعض رؤساء الشركات إلى السيد الوزير المختص مباشرة رغم ما يمثله ذلك من زيادة الأعباء على السادة الوزراء" (175).
ولا شك أن هذه الصورة من تحلل العلاقات التنظيمية بين شركات القطاع العام تتفق تمامًا مع الهدف الذي تلح الهيئات الدولية على تحقيقه، هدف إنهاء التخطيط والسيطرة المركزية على اتجاه هذه الشركات، وتحويل إدارة الشركة (المملوكة للقطاع العام) السلطة الكاملة في تحديد الأسعار، وفي تقرير شروط العمل، واتجاه معدلات الاستثمار. إن شركات القطاع العام ـ بهذا المستوى من التخريب المنظم، وبهذا المستوى الهابط من الكفاءة التنظيمية والمهارات الفنية، وبعد حرمانها من ميزة التكتل مع شقيقاتها شركات القطاع العام الأخرى ـ أخضعت لسياسات وإجراءات تتحيز ضدها ولصالح استثمارات ومنتجات الشركات الأجنبية؛ بحيث اضطر الاقتصاديون الوطنيون ورجال هيئة التصنيع وقادة القطاع العام الصناعي إلى التذكير بأنه من "المفروض أن
لا يضار رأس المال الوطني، أو ينافس منافسة غير متكافئة من رأس المال الأجنبي أو من المشروعات المشتركة، وأن يؤدي كل منهما دوره في التنمية على أسس متكافئة متساويةـ إن لم يتيسر تفضيل رأس المال الوطني، وأن يتركز التنافس بينهما في مجالات التقدم الفني والجودة والتكلفة، لكن الأمر اختلف عن ذلك في بعض الأحوال؛
إذ تميزت مشروعات الانفتاح عن المشروعات الوطنية"(176).

و ـ هذا التحذير من سياسة التحيز ضد الصناعة الوطنية؛ شرحت مضمونه تقاريرُ رسميَّة عديدة.
فالمشروعات المنشأة طبقًا لقوانين الانفتاح الاقتصادي (القانون 43 والقوانين المعدلة له) تتمتع بمزايا ضريبية تحرم منها المشروعات الوطنية القائمة؛ إذ نصت هذه القوانين على إعفائها لمدد معينة من الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية والضريبة على القيم المنقولة والضريبة العامة على الإيراد، وكذلك الإعفاء من الرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم والضرائب على كثير من عناصر الأصول الرأسمالية والمواد المختلفة ومواد البناء المستوردة، اللازمة لإنشاء هذه المشروعات، كما تتمتع بالإعفاء من جميع الرسوم والضرائب والفوائد المستحقة على القروض التي تعقدها بالنقد الأجنبي. وكافة هذه المزايا والإعفاءات تضع المشروعات القائمة (وعلى رأسها مشروعات القطاع العام) في مركز تنافسي غير متكافئ، وقد سمح القانون بأن تتمتع المشروعات القائمة بنفس المزايا والإعفاءات في حدود الزيادات التي تطرأ على رأس المال بالاكتتاب النقدي فقط، وهذا مجرد حفز وفتح لباب القطاع الخاص المصري غير متحمس لمسألة الإسهام في شركات صناعية (كما أوضحنا)، وانعكس هذا في أن شركة صناعية واحدة لجأت إلى هذه المحاولة (الشركة القومية للأسمنت) فقررت طرح أسهم للاكتتاب قيمتها حوالي 17 مليون جنيه (ولكن لم ينفذ القرار) (177). وبالتالي فإن هذا الموقف ـ في الظروف الحالية ـ هو مجرد حفز لشركات القطاع العام؛ لكي تكون توسعاتها عن طريق إقناع شريك أجنبي؛ لأنها لن تستفيد من المزايا والإعفاءات إلا في حالة وجود هذا الشريك؛ لأن توسعات القطاع العام بالتمويل الذاتي، أو بالاقتراض، أو بتمويل من الخزانة لا تؤدي إلى الاستفادة من المزايا والتيسيرات.
وقد ثبت أيضًا أنه صدرت موافقات على إنشاء مشروعات مشتركة (بهذه المزايا والتيسيرات) في مجالات يغطي الإنتاج المحلي فيها احتياجات البلاد، وصدرت موافقات دون الرجوع إلى الهيئات الفنية المعنية لإبداء الرأي فيها، بل إن بعض هذه الموافقات صدرت رغم اعتراض بعض هذه الهيئات عليها، وعدم موافقتها على تنفيذها. وكان طبيعيًا أن تعني هذه المشروعات تحركًا مدبرًا لإحلال صناعات أجنبية محل صناعات وطنية، وتحت قناع من دراسات الجدوى التي تقدمها بيوت الخبرة الأجنبية. ويحدث أن القطاع الصناعي الوطني يواجِه ـ كما ذكرنا ـ منافسة قوية من تدفق السلع الأجنبية من خلال صفقات مريبة، ومن خلال التهريب، أو في إطار الاستيراد دون تحويل عملة، ونضيف هنا أن يصرح لبعض المشروعات المشتركة (قبل أن تبدأ إنتاجها) باستيراد منتجات كاملة الصنع مماثلة للمنتجات التي ستقوم بتصنيعها بدعوَى تعريف المستهلك المصري بها، ويحدث عادة أن تستمر هذه الشركات في الاستيراد لفترات طويلة لا يتقدم أثناءها تنفيذ مشروعات التصنيع التي صدرت لها موافقات بإنشائها. وأكثر من ذلك أن النظم الاستيرادية تتضافر مع القوانين الجمركية للدولة في وضع الصناعة في مراكز غير متكافئة مع السلع الأجنبية، فالرسوم الجمركية للدولة في وضع الصناعة في مراكز غير متكافئة مع السلع الأجنبية، فالرسوم الجمركية المفروضة على مستلزمات الإنتاج المستوردة من البلاد الخارجية، واللازمة لإنتاج بعض السلع، أعلى من الرسوم المفروضة على نفس هذه السلع إذا استوردت كاملة الصنع (ينطبق هذا على اللواري والجرارات مثلاً) ـ وهناك عدد من القطاعات يحظى بإعفاءات جمركية كاملة على كل ما يستورده من سلع (قطاعات التعمير. المواصلات. الكهرباء. السياحة. الزراعة) في حين أن السلع المنتجة محليًّا، ومماثلة لما تستورده هذه الجهات، تفرض رسوم جمركية على مستلزمات إنتاجها المستوردة فترتفع تكلفتها، ويكون هذا بالمناسبة ذريعة لنفس هذه الجهات كي تستمر في الاستيراد؛ لأنه أقل سعرًا ـ أيضًا لوحظ أن رسوم الخزانة (عن فروق الأسعار) التي تفرض على بعض السلع المنتجة محليًا، لا يفرض ما يناظرها على السلع المماثلة المستوردة (الحرير الصناعي ـ الفورمايكا ـ المنتجات النسيجية ـ الغسالات ـ الثلاجات ـ البوتاجازات) (178).
زـ على ضوء كل هذا، يمكن أن نفهم مطالبة وزير صناعة مصري بأن تعامل الصناعة الوطنية بعدالة، ولكن هذا التصريح على لسان مسئول في هذا المستوى، يعتبر تسليمًا بأن السلطة الفعلية لرسم السياسات واتخاذ القرارات لم تعد في يده، ويعني أنه يطلب الرحمة من أصحاب السلطة الفعلية (الجهات الدولية وعملائها في الداخل). ويمكن أن نلخص الآن نتائج الهجوم على القطاع العام الصناعي على النحو التالي:
توقف القطاع العام ـ وفقًا للتوجيهات الخارجية ـ عن إقامة مشروعات صناعية جديدة، (باستثناءات قليلة أملتها الاستراتيجية الأمريكية كمشروع أسمنت السويس وقد أُنشئ على أيَّة حال بقواعد القانون 43، أي بقواعد القطاع الخاص). هذا التوقف كان بذريعة التركيز على المشروعات القائمة واستكمالها، والتفسير الصحيح أنه كان إسهامًا في مخطط خفض الوزن النسبي للقطاع العام في مجال الصناعة (أو على الأقل منع زيادته)، وفي نفس الوقت تم تخريب واستنزاف واسعين في الموارد المادية والبشرية لهذه المشروعات القائمة، فانخفضت الكفاءة الإنتاجية. وتمت أيضًا تصفية التكتل والتنسيق بين الوحدات الوطنية المنتجة في مواجهة الهجوم الخارجي من مؤسسات عملاقة متمركزة، واستطاعت هذه المؤسسات أن تفرض على شركات القطاع العام منافسة مفتوحة في ظل تيسيرات غير متكافئة. ركز الغزاة على نزع أية امتيازات للقطاع الوطني (باسم إلغاء الدعم المباشر وغير المباشر) مقابل إغداق الامتيازات والتيسيرات على المستثمرين الأجانب.
طالب صندوق النقد الدولي (ومعه البنك والوكالة) بإزاحة سيطرة الدولة على أسعار المنتجات في شركات القطاع العام، وطالب ـ تحديدًا ـ برفع هذه الأسعار كنتيجة حتمية ومنطقية لزيادة أسعار مستلزمات الإنتاج المستوردة، ومواد الإحلال والتجديد (بعد خفض سعر الصرف) وزيادة سعر الفائدة. قال الصندوق: إن هذا الإجراء مطلوب وفق منطق الانفتاح؛ لأن شركات القطاع العام ينبغي أن تُدار على أسس تجارية، وبالتالي ينبغي أن تحقق معدلاتٍ معقولة من الأرباح، تغري القطاع الخاص (الأجنبي والمحلي) على المشاركة في رأسمال هذه الشركات أو في تمويل توسعاتها، وتزيد الفائض المطلوب للاستثمارات الجديدة، ولتمويل عجز الموازنة العامة. وفي مناخ عام من التركيز على معيار الربح (كمعيار وحيد) لقياس النجاح في إدارة الشركة (وفي الحقيقة حتى دون هذا المناخ العام) كان طبيعيًّا أن تتحول إدارات الشركات إلى قوة ضغط على الحكومة لتنفيذ تعليمات الصندوق في رفع أسعار المنتجات الصناعية؛ منعًا للخسائر وتراكم الديون.
ولكن لو حدث رفع الأسعار ـ مع بقاء كل شيء على حاله ـ ينتهي الأمر إلى منتجات لا تُباع بسبب المنافسة الخارجية. وصحيح أن الشركات الوطنية طالبت (إلى جانب رفع الأسعار) بتعديل نظم الاستيراد والجمارك والضرائب، ولكن الجهات الخارجية التي خلقت ظروفًا جعلت من رفع الأسعار ضرورة، هي نفس الجهات التي ترفض تعديل نظم الاستيراد والجمارك والضرائب، رغم أي التماس يتقدم به وزير الصناعة المصري، وبالتالي لم يكن يعني "تحرير" الأسعار في هذه الظروف، إلا مزيدًا من معدلات الإفلاس
أو خفض الإنتاج في شركات القطاع العام.

ح ـ إلام يؤدي كل هذا؟ التصفية الجسدية لبعض الوحدات المنتجة في القطاع العام بعد أن حكمت ظروف تشغيلها بحيث تبدو أنها غير اقتصادية، أو غير كُفْأَة، أمام منافسة الشركات الأجنبية، ومنتجاتها المستوردة.
أمام الأزمة العامة تدفع شركات القطاع العام (حرصًا على البقاء) للتنافس في البحث عن شريك أجنبي بشكل أو آخر. والاحتكارات الأجنبية تصبح في موقف من يحدد ـ إلى حد كبير ـ من يبقى ومن يموت، وموقف هذه الاحتكارات توجهه التخصصات المعينة لمصر في تقسيم العمل الدولي "وفق المزايا النسبية"، التي تؤكدها دراسات الجدوَى لبيوت الخبرة الأجنبية، والشكل الأول للاشتراك الأجنبي (أو للسيطرة الأجنبية)، في المشروعات "السعيدة الحظ" يتمثل في انتقال شركاتنا الصناعية إلى إنتاج سلعها تحت أسماء الماركات العالمية التي فرضها الانفتاح على النمط الاستهلاكي. واستخدام أسماء الماركات العالمية يعني شراء كل حزمة حقوق المعرفة من الشركات صاحبة الماركات، ويعني قبول سيطرة خبرائها على التشغيل والإدارة، باسم ضمان الجودة للمنتجات التي تحمل اسم هذه الشركات العالمية، بكل ما يتضمنه ذلك من تبعية واستنزاف للموارد، ومن الطريف أن هذا التحول في القطاع العام الصناعي إلى التبعية الكاملة (رغم احتمال بقاء الوحدة المنتجة مملوكة بالكامل للدولة) لا يتم حتى باسم زيادة التصدير، وإنما "لإمكان التسويق في السوق المحلية" كما صرح وزير التعاون الاقتصادي (جمال الناظر). أي تنحصر مهمة شركات القطاع العام في عمليات تصنيع تابعة وهامشية تغمر السوق المصري بمنتجات الشركات العابرة للجنسية دون مشاكل الجمارك، أما بالنسبة لمشروعات القطاع العام الصناعي التي تسعى للتصدير فهذه يحسن أن تلجأ إلى الشكل الأكثر أحكامًا للسيطرة الأجنبية، أي "يحسن أن يشارك رأس المال الأجنبي في ملكيتها" (179).
إلا أن الشركات الأجنبية (صاحبة القرار النهائي)
لا تخضع لهذا التقسيم، ولا زالت تعزف عن المشاركة في مشروعات صناعية للتصدير، مصرة على أن تبدأ في هذه المرحلة بمنافسة الصناعة الوطنية في السوق المحلي (أي فيما يُسمَّى صناعة إحلال الواردات)، فحدث فعلاً أن قبلت بعض الشركات الأجنبية إبرام اتفاقيات وتعاقدات مع بعض الوحدات المنتجة في القطاع العام "يتم بمُقتضاها الحصول على أسرار الصناعة العالمية المتقدمة لإنتاج السلع والمواد في نظير أتاوة تدفعها الشركات المصرية سنويًّا، بشرط استقدام الخبراء الأجانب لدراسة خطوط إنتاجها وتدريب العاملين" (180).

وحدث - أيضًا - توسُّعٌ ملحوظٌ من الشركات العابرة للجنسية في اتجاه المشاركة برأس المال، مع بعض شركات القطاع العام الصناعي؛ أي في اتجاه الاكتتاب لزيادة رأسمال بعض الشركات (ولكن من الشركات التي تنتج أيضًا للسوق المحلي وليس للتصدير). وقد لاحظ الاتحاد العام لنقابات عمال مصر أن المادة 10 من القانون 112 لعام 1975 (الذي أباح اكتتاب القطاع الخاص في شركات القطاع العام) كانت "تقصر المشاركة على الشركات الوطنية الخاسرة،
أو الشركات التي تحتاج دعمًا لتنويع منتجاتها وتطويرها، غير أن المشاركة اتجهت نحو شركات وطنية حققت قدرًا وافرًا من النجاح، واستنتج الاتحاد العام من ذلك أن "الشركات المتعددة الجنسية، تستهدف اقتطاع نشاط من الأنشطة الإنتاجية الرائجة، وترك باقي الأنشطة الأخرى الأقل رواجًا، مما يخالف الهدف الأساسي من مشروعات الانفتاح الاقتصادي، التي يجب أن تركز على أنشطة جديدة، وعلى تدعيم المشروعات التي تحتاج دعمًا" (181).

ولا شك أن استنتاج الاتحاد العام صحيح، فالمستثمرون الأجانب لا يهدفون إلى مجرد دعم المشروعات القائمة التي تحتاج دعمًا، ولا يهدفون ـ في المرحلة الحالية ـ إلى إضافة طاقات جديدة متقدمة تكنولوجيا، فالهدف حاليًا هو السيطرة على الأنشطة التي حددتها أولوياتهم المتحيزة، ومحاولة تصفية ما يخرج عن ذلك. بدأت العملية بما وصف أنَّه تطوير للإنتاج في شركتين من شركات صناعة الورق (شركة الورق الأهلية، وشركة صناعات الورق/ راكتا)، وقد تمت دراسة هذا التطوير بواسطة بيوت خبرة عالمية لصناعة اللب والورق في مصر، ووافق البنك الدولي على ما ورد في هذه الدراسة من الناحيتين المالية والاقتصادية، ولكنه رأى أن نجاح المشروع مرتبط بإدخال شريك أجنبي، لديه الخبرة والتكنولوجيا الحديثة، ولديه - في نفس الوقت - القدرةُ على المساهمة في تمويل المشروع، ويرتبط بذلك إخضاع الشركتين لقانون استثمار المال العربي والأجنبي؛ لكي تتمتعا بالمزايا التي يتضمنها هذا القانون (182). وقد أصدر وزير الصناعة فعلاً قرارين بتشكيل لجنتين لبحث الإجراءات اللازمة لإخضاع شركة الورق الأهلية (قطاع عام 100 % ـ وهذه مخالفة صريحة لنص القانون 112 لسنة 1975) وشركة راكتا (يساهم فيها القطاع الخاص) لأحكام قانون الاستثمار. وكان هذا الإجراء علامة طريق هامة؛ فبهذا الإجراء افتتح مبدأ إشراك مساهم أجنبي في زيادة رأس المال، بدلاً من الاعتماد على الموازنة الاستثمارية و/ أو الاقتراض الخارجي، ووفقًا لقانون الاستثمار؛ فإن نصيب الشريك الأجنبي في الأرباح، يعفي من الضرائب النوعية (ضريبة الأرباح التجارية والقيم المنقولة) لمدة خمس إلى ثماني سنوات، كما تُعفَى المهمات التي يستجلبها للتوسيعات والتحسينات من كل الضرائب والرسوم الجمركية، وتُعفَى أيضًا فوائدُ القروض التي تعقدها الشركتان من الضرائب النوعية، وتخرج الشركتان (ككل شركات الاستثمار والقطاع الخاص) عن كافة الضوابط التنظيمية التي تخضع لها شركات القطاع العام، وضمنها ضوابط الأجور والمرتبات، وبالتالي تطبق على العاملين المستويات السائدة في شركات الانفتاح، "وسيلمَسُ العاملون في شركات القطاع العام مدى ما سوف يتمتع به العاملون في شركتي الورق الأهلية وراكتا، وربما يطالبون شركاتهم باتباع نفس الطريق" (183).
وبالفعل سيحدثُ رفع الأجور في الشركات المُختارة "السعيدة الحظ"؛ كي تجذب الكفاءات، وتصبح رمزًا للنجاح على حساب موت الشركات الأخرى التعيسة التي لم يقع عليها اختيار الشريك الأجنبي. ومسألة رفع الأجور ميسورة؛ لأن أسعار المنتجات لن تحدها ضوابط، ولأن المشروعات المختارة ذات عائد مرتفع وسريع بالضرورة، وهي أيضًا تتمتع بالتيسيرات والإعفاءات الضريبية.
إن العملية لم تتوقف عند هذه البداية؛ إذ تمت المشاركة بعد ذلك (أو هي في الطريق) من أجل إنتاج ألبان الأطفال فرانس ليه (الفرنسية)، ومن أجل تطوير منتجات الكاوتشوك مع شركة "آي. إم. إس" الفرنسية، وللتوسع في البطاريات مع شركة كلوريدا الإنجليزية، وللتوسع في إنتاج الثلاجات والغسالات مع شركة طومسون الفرنسية (184)، والجرارات مع ماسي فيرجسن الأمريكية، وسيارات الركوب مع شركتي فيات الإيطالية وسيات الإسبانية. وتوضح هذه الأمثلة كيف أن اختيارات المستثمرين الأجانب ـ وفقًا لهذه القائمة مع المشروعات ـ اتجهت فعلاً إلى صناعات السوق الداخلي، وصناعات كانت تعمل ـ في ظل إدارة القطاع العام ـ بنجاح كبير (بكافة المعايير)، إلى أن أوقعوها في كل ارتباكات الانفتاح، ثم تقدموا بعد ذلك للإنقاذ.
إن مجمل السياسات والممارسات التي أحاطت بالقطاع العام الصناعي، كان من شأنها أن تؤدي إلى إفلاس، وتصفية بعض الوحدات، وبالنسبة للوحدات المنهكة التي تعمل في مجالات مرضيّ عنها، يتقدم المستثمرون الأجانب لإنقاذها عبر السيطرة عليها بالمعرفة الفنية، أو بالمشاركة المباشرة في ملكية رأس المال. ولكن ستبقَى رغم ذلك بعض الشركات العملاقة التي تعمل بتجهيزات وحقوق معرفة سوفيتية (الحديد والصلب والألومونيوم على سبيل المثال)، وهذه تصعب تصفيتها بالإفلاس، ويصعب إزالة إرثها التكنولوجي في أجل منظور. وهنا قد يفتح إشراك القطاع الخاص المصري في زيادة رأس المال ـ في مرحلة مناسبة ـ بابًا للفرج، وأهم من ذلك، فإن تسليم إدارات الشركات في القطاع العام سلطة كاملة لإصدار القرارات، وخاصة فيها يتعلق بالأسعار وبتخصيصات الاستثمار، يعني مع سياسة إخضاع هيكل الأسعار المصري لهيكل الأسعار الخارجية، أن تكون قرارات التشغيل وحوافز الاستثمار خاضعة ـ في هذه الشركات ـ للتوجيهات المتحيزة للأسعار الخارجية، والتي تحدد المزايا النسبية. وهُنا ـ كما في الحالات الأخرَى من عدم المشاركة المباشرة في ملكية رأس المال ـ فإن "إصلاح النظام المؤسسي يُزيح تدريجيًّا بعض الدعامات المُفتعلَة، ويجعل الأداء مسئولاً في المشروعات".
وهذه الإصلاحات للإدارة، ليست مُصممة بالضرورة "للتأثير على هيكل الملكية" (185)، وما دامت مفاهيم الانفتاح سائدة "فإن مسألة الملكية قد لا تهم كثيرًا" (20).
إن كافة السياسات، وما حققته من نتائج، تمضي فعلاً في اتجاه ما أسماه البنك الدولي نسق الاقتصاد المختلط الذي يعني الإبقاء على مشروعات مملوكة للدولة، مع إحداث تغيير جذري في وظيفة القطاع العام، والسيطرة عليه؛ تمهيدًا لخفض وزنه النسبي، وخاصة في مجال الصناعات التحويلية. والبنك الدولي محقٌ إذا اعتبر أن إتمام مهمته يحتاجُ فترة تمتد حتى منتصف الثمانينيات، فمن ناحية لم يصل إعداد المسرح لتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الدرجة المطلوبة حتى الآن ( لم تستقر الأحوال تمامًا في الجبهة المصرية الإسرائيلية. ومهام صندوق النقد لن تكتملَ إلا في أوائل الثمانينيات)، وتدفق هذه الاستثمارات عبر الشركات العابرة للجنسية (بأشكال مختلفة) أداة أساسية في مخطط البنك لتغيير الهيكل والبنية. ومن ناحية أخرى تتطلب المهمة وقتًا طويلاً نسبيًّا؛ لأن إسكات المقاومة في القطاع العام لم يتحقق تمامًا حتى الآن. فرغم كل ما جرى، لا زالت هناك ضغوطٌ قوية لحماية الصناعة الوطنية (يشارك فيها وزراء داخل الحكومة وقيادات المشاريع الصناعية في القطاعين العام والخاص، وتشارك فيها الجماهير العُمالية وقوى المعارضة الوطنية)، وترتب على هذه الضغوط، أنه لم تجرِ حتى الآن تصفيةُ أية وحدة من وحدات القطاع العام الصناعي رغم المصاعب الاقتصادية الشديدة التي تواجه بعضها. وإذا كانت مشروعات المشاركة (بأشكالها المختلفة) تتقدم ببطء؛ فإن السبب لا يكمن فقط في تريث المستثمرين الأجانب، ولكن أيضًا بسبب المعارضة لهذا الاتجاه داخل قطاع الصناعة.
ط ـ والجديد في الأمر، أن مقاومة عديدٍ من التكنوقراطيين في مجال الصناعة، بدأت تخرج عن نطاق المواجهات المُتناثِرة، وأصبحت مبلورةً في تصور استراتيجي باتجاه الاستقلال، ويتعارض بالتالي مع تصورات البنك الدولي (ومن معه) في كثير من النقاط. من ذلك مثلاً (186):
نقد تأجيل وضع خطط متوسطة الأجل؛ حيث أدَّى هذا إلى أن خطة التصنيع، أصبحت تنقصها النظرةُ الشاملة للبناء الصناعي؛ فهي تعتبر كل سلعة وحدة قائمة بذاتها، فتخطط مشروعاتِها مستقلة عن المشاريع الأخرى، فانعدمت - تبعًا لذلك - مساهمةُ عوامل الإنتاج المحلية في تطوير الإنتاج، وتعذر تخفيض نسبة الاعتماد على المستلزمات المستوردة. ومن هذا القَبيل فقدان التكامل بين الصناعات الهندسية بعضها ببعض، وبينها وبين الصناعات المعدنية، وقصور قطاعات الصناعة عن توفير السلع الاستثمارية والوسيطة التي تحتاجها القطاعات الأخرى كقطاع الزراعة وقطاع النقل، ومن ذلك أيضًا قصور الصناعات الاستراتيجية عن تزويد القطاعات التحويلية بحاجتها من الخامات؛ بما يسبب عجز قطاعات أخرَى عن الوفاء بالتزاماتها. ويجب في كل الأحوال ـ أن تشترك بيوت الخبرة المصرية مع بيوت الخبرة الأجنبية ـ على قدم المساواة ـ في عمل دراسات الجدوى التي تُقدَّم عن هذه المشروعات، وأن تكون هذه الدراساتُ مؤسسة على معايير التقييم العلمي المعروفة، وأن تستوفي دراسة أثرها على الاقتصاد القومي (187).
نقد الممارسة السائدة التي تركز على المشروعات التي تُنتج سلعًا بديلة للسلع المستوردة، معتمدة في ذلك على استيراد قدر كبير من مكونات هذه السلع، وتجميعها محليًّا. وقد يكون مفهومًا أن تبدأ هذه الصناعات باستيراد مكونات السلع وتجميعها كخطوة أولى، تليها خطوات أخرى نحو تحقيق هدف أهم وهو تصنيع أقصى ما يمكن من مكونات هذه السلع محليًّا، ثم تطوير صناعتها. ولكن حدث أن هذه المشروعات انصرفت عن الدخول في عمق الصناعة؛ مما جعلها تواصل اعتمادها الكامل على المصانع الأجنبية، التي تمدها بتلك المكونات التي تحدد لها أسعارًا تكاد تتساوَى مع سعر المنتج التام الصنع.
ومن واجبنا أن نخطط لاستكمال البُنيان الصناعي في مصر؛ وذلك بإنشاء شبكة من الصناعات المغذية للصناعات الكبيرة، تمدُّها بمختلف المكونات والمنتجات الوسيطة. ويرتبط بهذا أن تهدف الصناعات المصرية، إلى توسيع قاعدة الصناعات التصديرية؛ لأن استمرار التوسع الصناعي في مصر مستقبلاً، يتوقف على القدرة على فتح أسواق خارجية مستمرة.
يجب وضع برامج زمنية لتجديد وتطوير مصانع القطاع العام، ويتطلب هذا تأسيس إدارات صناعية علمية في الشركات الصناعية الكبيرة، تتوفر على مسئوليات تصميم الإنتاج والسهر على تطويره وتحسينه بصفة دائمة. ومن الضروري أن تكون الإدارة الصناعية والعلمية داخل الشركة، هي المصدر الذي يُمد الشركة بما يحل محل حقوق المعرفة المستوردة التي استنفذت أغراضها، وينبغي أن يتميز الإنتاج الصناعي المصري بمميزات مستمدة من القدرات العلمية المتوافرة في مراكز البحوث القومية، بل في نفس الشركات، وحتى بالنسبة للقلة من الشركات التي تشتري حقوق المعرفة من الخارج، يتطلب حسن الاستفادة من هذه الاتفاقيات الصناعية، وجودَ إدارات صناعية علمية داخل الشركات المصرية.
ليس هناك مبدأ عام، يقضي بأن يدخل القطاع العام كله في مشروعات مُشتركة؛ فالمشروعات والصناعات التي نرَى أن رأس المال الوطني قادر على تغطيتها على أكمل وجه، لا يكون هناك أي مجال للمشاركة من جانب القطاع العام، مع الشركات الأجنبية. وعمومًا فإن المشاركة لا بد أن تصاحبها الضوابط المطلوبة، وإلا خرجت عن المَغزَى المراد تحقيقه (88).
"يجب العمل على تنظيم القطاع العام في إطار وحدات اقتصادية قابضة كبيرة الحجم من ناحية الإمكانيات المادية؛ حتى يمكن لهذه الوحدات أن تتصدَّى للمشروعات الكبيرة المطلوب تنفيذُها؛ لتنمية الاقتصاد القومي، وكذلك حتى تستطيع الصمود أمام الوحدات الضخمة على المستوى الدولي، والتي بدأت تدخل بنشاطها في الاقتصاد المصري" (189). وعلى هذا الضوء اقتُرِحَت فكرةُ الشركة القابضة، "على أساس أن يكون للوحدة القابضة نمطٌ معين من النشاط الاقتصادي".
ولا شك أن الفكرة تمثل عودة إلى مضمون المؤسسة العامة النوعية التي سبق إلغاؤها، ولكنْ روعي في تفصيل الفكرة ما طرأ من تطورات اقتصادية، ومن سياسات مالية ونقدية، ونتصور أيضًا أن كثيرًا من الفنيين والاقتصاديين، مع استخدام واسع للسياسات السعرية في التوجيه الاقتصادي، وكان هذا خلف مُقترحاتهم لأسلوب عمل الشركات القابضة المقترحة. وقد يُختلف حول مدى وجدوى الاقتصار على استخدام هذه الأدوات للتوجيه في مثل ظروفنا، ولكنْ فارقٌ كبيرٌ - على أيَّة حال - بين استخدام هذه الأدوات من منطلق استقلالي (كما في تقارير رجال الصناعة)، وبين استخدامها لفرض التبعية والتشوهات التنموية.
وكان طبيعيًّا أن تمتد الفكرةُ إلى المطالبة بإنشاء مجلس للتنمية للقطاع العام، يرأسه رئيسُ مجلس الوزراء، ويتشكل من وزراء الاقتصاد والتخطيط والمالية، ووزير دولةٍ لشئون مجلس التنمية، ومحافظ البنك المركزي، ورؤساء الوحدات القابضة، "ويختص المجلس بربط سياسة الوحدات القابضة بخطة الدولة، ومتابعة أدائها، وتقييم نتائجها". كان طبيعيًّا أيضًا أن تتضمن الاقتراحاتُ حول تنظيم القطاع العام، إخضاعَ كل الشركات لتشريع موحد؛ (أي لا يميز الشركات الأجنبية)، وكذلك إخضاع كل الشركات لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات؛ طالما أن جزءًا من رأسمالها من الأموال العامة.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:01 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

إلا أنَّ صوت المدافعين عن القطاع العام الصناعي
لم يقف عند حد كتابة الدراسات والتقارير، وينبغي أن نُشير إلى المواجهة الحادة في جبهة صناعية الأدوية، وإلى المواجهة الحادة الأخرَى في جبهة صناعة الغزل والنسيج. المواجهة الأولى كانت في أبريل 1978، قادها وزيرُ الصحة (إبراهيم بدران) تنظيمًا للاستيراد، ودفاعًا عن الصناعة الوطنية، وانضمَّ للوزير نقابةُ الصيادلة ونقابة الأطباء، وعددٌ من كبار الأساتذة في الجامعات، مع قادة صناعة الأدوية (190)، والمواجهة الثانية بلغت ذُروتها في معركة قادها وزير الصناعة مع بيت الخبرة المصري، الذي يمثل العقل الواعي والخبرة المبلورة للجهاز الصناعي المصري، أي الهيئة العامة للتصنيع، ضد جبهة وزير التخطيط وبنك مصر. وانضمّ لجبهة وزير الصناعة قادةُ صناعة الغزل والنسيج، ولجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب، وعدد كبير من الفنيين والاقتصاديين، وكانت المناسبةُ مشروعَ مجمع العامرية، فطلب الرئيس السادات من مجلس الشعب تحقيق القضية، واستمر السِّجالُ مع أنصار المشروع طِوال سبتمبر وأكتوبر 1978(191). وقد تحققت انتصاراتٌ جزئية مؤقتة في المواجهتين. ولكن ينبغي أن نسلم بأن هذه المقاومة والمواجهات المشكورة للفنيين والإداريين، (ومع مساندة القوَى السياسية الوطنية الإصلاحية)، لن تتمكن في الظروف الحالية من رد الغزاة، فَدُون قارعة لن يتغير الاتجاه جذريًّا، ولنْ تُزاحَ سلطةُ الجهات الخارجية عن موقعها. المقاومة في الظروف الحالية تؤدي فقط إلى إعاقة التقدم، وتحسين شروط التبعية، ونشهد للبنك الدولي (ومن معه) - على أيَّة حال - أنه كان فَطِنًا لوعُورة الطريق الذي يسلكه لإعادة تشكيل هيكل الاقتصاد المصري وبنيته، فحذَّر من تعجل الخطأ. وبهذا المنهج فعلاً سار، وحقق النتائج المُهمَّة التي أوضحناها، وبالنسبة للمواجهات الحادة التي أشرنا إليها، نذكر أن الشركات العابرة للجنسية في قطاع الدواء، غيَّرت تكتيكها بعد رد الفعل الذي أثارته بتعجُّلها. وقد غادر الوزيرُ "المشاغب" موقعه بعد فترة، وتسلل الدواء المستورد استمر (ولكن بمعدل أبطأ)، ومع هذا التسلل لا زالت الشركات الأجنبية تسعى للسيطرة على أنجح شركات القطاع العام (شركة الإسكندرية للأدوية) من خلال المشاركة. أما عن العامرية، فإن مجلس الشعب وافق على جدوَى المشروع بعد إدخال تعديلات مهمة، ولكن وزير الصناعة غادر موقعه. ورجل بنك مصر الذي ثبت تقاضيه لعمولات منح وسامًا، وهيئة التصنيع وصفها الرئيسُ السادات بأنها عقبة في وجه الانفتاح، و"توقف المراكب السائرة"، واستمر بالتالي مشروع العامرية.

ولكن لا زال البنك الدولي محقًا، والحذر واجبٌ إذا أراد لمسيرته أن تستمر بنجاح، وهو لا يخشى فقط من "اضطرابات يناير 1977" ولكن أيضًا من حقيقة "أن الأوضاع الانتقالية يكتنفُها في العادة غموض وتشوش، والسمات المقيتة للقطاع العام (من وجهة نظر البنك طبعًا) قد يثبت أنها الأكثر مَنْعةً والأطول عمرًا" (192). وأعتقد أن المقصود بالسمات المقيتة هو ـ في المقام الأول ـ مفاهيم ومقاومة التكنوقراطيين الوطنيين في قطاع الصناعة.
رابعًا ـ مشروعات الاستثمار المشترك الجديدة:
(1) النتائج العامة:
الاقتصاد التابع يشتغل بالضرورة في إطار ما تُمليه الدول المسيطرة على حركة التبادل داخل النظام الدولي القائم. واستقرار الاقتصاد التابع في موقعه هذا لا يتحقق إلا إذا أصبح القطاع الاقتصادي القائد مرتبطًا عضويًّا بالشركات العابرة للجنسية، (بشكل أو آخر)، وباستراتيجية الدول التي تتبعها هذه الشركات (وعلى رأسها الولايات المتحدة في ظروفنا المحددة). إن القطاع القائد (في أي نموذج للتنمية) يحدد نمط ومعدل النمو، وتتحور كافة الأنشطة الاقتصادية؛ لكي ترتبط معه بشروطه، وحين يكون القطاع المسيطر تابعًا للخارج، وتتبعه بروابطَ ملائمة الأنشطة الأخرى، تكون التبعية الاقتصادية قد أُرسيت على أساس صُلب، وحين تكتمل هذه العمليةُ؛ تضمن الأوضاع المؤسسية المحلية (استراتيجيًّا) انتظام الأداء وفق الشروط المطلوبة، لأن الشروط المطلوبة تتسق تمامًا مع منطق الهيكل الاقتصادي المفروض، ومع منطق المصالح والقوى المسيطرة محليًّا على مُجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وساعتها لن يحتاجَ صندوقُ النقد إلى التدخل السافر والعنيف في كل لحظة، وإلى الإدارة المباشرة؛ فالتوجيه على البُعد يكفي، والمؤسساتُ المحليةُ التابعةُ تتولى تلقائيًّا - وحسْب قواعد اللعبة التي تعرفها وترتبط بها - إصدارَ القسم الأكبر من القرارات المُسيرة، وبمعنى آخر: تعود مهمة صندوق النقد إلى حدودها التقليدية، أي تصبح مجرد متابعة دورية روتينية (ولكن يقظة) لإصلاح المسار المحدد إذا حدث انحرافٌ بسيط هنا أو هناك.
وقد درسنا ما تحقق في هيكل وبنية القطاعين الزراعي والصناعي. وما تحقق حتى الآن ـ وفق هذا العرض ـ هام وجوهري (من منظور الهيئات الدولية) ولكنه غير كافٍ ولا يطمئن تمامًا؛ ولذا توقعت هذه الجهات أنها لا زالت تحتاج فترة إضافية، يبدأ الاستثمار الأجنبي المباشر يلعب فيها دورًا أكبرَ من الدور الذي أسهم به في الماضي. وحتى آخر 1978 كانت نتائجُ هذا الاستثمار كالتالي:
تقول البيانات الرسميةُ المُتاحة: إن إجمالي الإنفاق الاستثماري (داخل البلاد) للمشروعات التي بدأت الإنتاج، والمشروعات تحت التنفيذ بلغ 7.9 مليون جنيه حتى نهاية 1975، وبلغ 141.7 مليون جنيه خلال 1976، ثم تراجع إلى 124.6 مليون جنيه خلال عام 1977، ثم قفز إلى 885 مليون جنيه عام 1978. وبالتالي كان معدل التدفق السنوي لرأس المال المستثمَر حوالي 6 % من إجمالي الاستثمارات القومية المُنفَّذة عام 1975، و9 % في عام 1976، و7.6% في عام 1977، و37.3 % في عام 1978 (193). وقد أوضحنا ـ في أكثرَ من مناسبة ـ خطورة التعامل مع الأرقام المصرية باعتبارها حقائق، ولكن أكد مصدر مسئول في هيئة الاستثمار أن مدى الشك في هذه الأرقام لا يقارَن بالشكوك التي تحيط بالبيانات المعلنة عن حركة الاستثمار الأجنبي. فهذا القطاع مغلق أمام الدولة، ولا تعلم الهيئة
أو غيرها شيئًا عما يدور داخله؛ فكافة البيانات مصدرها شركات الانفتاح، ولا يحق للهيئة أن تتحرَّى عن مدى صحة هذه البيانات؛ حتى لا يفزع المستثمرون (194).

ومع ذلك، نجد أنفسنا مضطرين إلى الاستعانة بهذه البيانات بحذر، وكمؤشرات. وقد نسلم بحدوث زيادة في رأسمال المشروعات الموافق عليها عام 1978، ولكن يبدو أن الهيئة تعمدَّت المبالغة في تحديد هذه الزيادة (195)، وفي كل الأحوال، فإن "الزيادة بمعدلات مرضية للغاية" ـ كما تقول الهيئة ـ لا يفسرها "القرار الذي اتخذته الهيئة في بداية عام 1978 بتخصيص مجموعة عمل لمعاونة الشركات الجديدة في عملية التنفيذ"؛ إذ نعتقد أن معدل الزيادة أوثق ارتباطًا بمجمل التطورات السياسية والاقتصادية التي تحققت، بدءًا من الربع الأخير لعام 1977.
إن الشكوك مركزة في الأرقام الخاصة بمتابعة التنفيذ، والأرقام التقديرية التي صدرت على أساسها موافقات الهيئة يغشاها الغموض، ولكنها تضخمت - مع ذلك - إلى حد يمكِّن من البدء في تحليل اتجاهها، وتبيُّن ملامح الهيكل المستهدَف.
فعدد مشروعات الاستثمار (داخل البلاد) التي وافقت عليها الهيئة حتى 31/ 12/ 1978 بلغ 591 مشروعًا، ومجموع رءوس أموالها 1664 مليون جنيه. وعدد المشروعات التي وافقت عليها الهيئةُ بنظام المناطق الحرة 312 مشروعًا (منها 245 مشروعًا بالمناطق الحرة العامة و67 بالمناطق الحرة الخاصة)، ومجموع رءوس أموالها 421.9 مليون جنيه (منها 227.8 مليونًا بالمناطق الحرة العامة و194.1 بالمناطق الحرة الخاصة).
وبالنسبة للتوزيع القطاعي، نلحظ (في مشروعات الاستثمار داخل البلاد، أن نصيب السياحة كان 24% من إجمالي رءوس أموال المشروعات المقبولة حتى نهاية عام 1978. ونصيب السياحة والإسكان معًا 38 %، وإذا أضفنا رأسمال شركات الاستثمار ترتفع النسبة إلى 50 % (196). وبالنسبة للمناطق الحرة، كان نصيب قطاعَي التخزين والخدمات من إجمالي رءوس أموال المشروعات المقبولة 51.5 % (المناطق الحرة العامة 57.8 % والمناطق الخاصة 44 %). وتعني هذه النظرة الأولى، والعامة جدًا، أن تفضيلات المستثمرين في هذا القطاع النامي، والمتجِه للسيطرة على هيكل الاقتصاد القومي وبنيته، تركز على بناء الفنادق ومشروعات الخدمة السياحية (وهذا ضمن القطاعات الرائدة في استراتيجية البنك الدولي)، وتركز أيضًا على مشروعات الإسكان التي "اقتصرت على مشروعات الإسكان فوق المتوسط... رغم أن هذا النوع أقل أنواع الإسكان اختناقًا في مصر، لاتجاه معظم القطاع الخاص إلى هذا النوع من الإسكان" كما لاحظ الجهاز المركزي للمحاسبات على ضوء بيان المشروعات الموافق عليها فعلاً، وكان طبيعيًّا أن يطالب الجهاز بدراسة أثر هذا التوجه "على احتياجات الاستثمارات المحلية في مواد البناء الأساسية، وكذلك أثر هذه الاستثمارات في عمليات المضاربة في المباني والأراضي الفضاء" (197). هذا عن الاستثمار داخل البلاد. أمَّا عن المناطق الحرة، فإن النصيب المرتفع لرأسمال التخزين والخدمات يعكس أن المستقبل المنظور لهذه المناطق (وليس حاضرها فقط) يركز على الأنشطة التجارية أكثر من الأنشطة الصناعية، مع ملاحظة أن التوزيع النسبي للأنشطة بين هذين المجالين لا يعكسه حجم رأس المال المقدر لكل منهما؛ إذ إنَّ الأنشطة التجارية تتطلب استثمارًا أقل.
وماذا عن الصناعة؟ مثل رأسمال مشروعات القطاع الصناعي 28 % من الإجمالي، اتجهت إلى صناعات الغزل والنسيج، ومواد البناء والحراريات، وهي صناعات لها تاريخٌ قديم في التنمية المصرية، ولم يكن التوسع فيها يحتاج استثمار رأسمال أجنبي. واتجهت المشروعاتُ إلى صناعة الأدوية؛ فتأسست شركةٌ لإنتاج مستحضراتٍ، كان بوسْع الشركات الوطنية أن تُنتجها، وفي قطاع الصناعات الكيماوية وافقت الهيئةُ على مشروعات لصناعة البطاريات (تنافس الصناعة الوطنية)، ولإنتاج البويات الورنيشية، والكبريت المطحون، والأبواب والشبابيك البلاستيك، والمواد العازلة، والطباعة، والأثاث النمطي، ومستحضرات طباعة الغزل والنسيج، والأقلام الجرافيت، وألواح الفيبر جلاس، والجلد الصناعي، والألياف الصناعية، وورق الكربون، والاستنلس. وقد اضطر تقرير هيئة الاستثمار (رغم موقفه الدِّعائي) إلى تسجيل أنه "لا شك أن موقف الاستثمار في هذا المجال، يمثل واقعًا لا يتفق مع ما ينبغي أن يكون عليه الاتجاه في هذا المجال".
أما الصناعات المعدنية، فكان أهمها صناعة شبابيك وأبواب ألومونيوم للاستخدام المحلي، تمثلت في "مشروعات مُشترَكة بين القطاع العام المصري والشركات العالمية التي حققت أشواطًا بعيدة في التقدم التكنولوجي". وقد أشرنا إلى هذه المشروعات في متابعتنا للقطاع العام الصناعي. ونُضيف هنا أن متوسط المشروع في هذا المجال، كان لا يتجاوز 2 مليون جنيه، وتقول الهيئة إن متوسط الإنفاق الاستثماري للمشروع حتى آخر 1978 كان في حدود 800 ألف جنيه. وإذا تصورنا أن المشروعات الهندسية (عادة) من المشروعات كثيفة رأس المال، وتحتاج استثمارًا للقطاع العام من خلال المشاركة بحِفنة دولارات. ومع ذلك، هناك شكوَى عامة في هيئة الاستثمار، من بطء التنفيذ في مشروعات قطاع الصناعة بالذات، باستثناء مجال وحيد شهد همَّة ملحوظة، وهو مجال الصناعات الغذائية؛ كالمكرونة والزبادي والزبدة والمربَّى، وإقامة مخازن التبريد.. إلخ. ولكنَّ أشهرَ الصناعات في هذا الفرع: صناعة المشروبات الغازية ذات الماركات العالمية؛ فبدأ الإنتاجَ مشروعان، والثالثُ بدأ في استيراد آلاته، وثلاثة آخرون في الطريق (حتى كتابة هذا الكلام) (198). وقُتلت الصناعة الوطنية ـ في هذا المجال ـ بدلاً من تطويرها.
ولا شك أن صورة التوزيع القطاعي للمشروعات تتغير لو كانت هناك أرقام متابعة للتنفيذ يرتِكن إليها. ولكن هذه غير موجودة كما ذكرنا، خاصة وأن الشك في الأرقام المنشورة، يرجع إلى ميل كثير من المستثمرين إلى المبالغة في حجم إنجازاتهم الفعلية (وبيانات المستثمرين هي المصدر الوحيد). ولكنْ تَنشر الهيئةُ - مع ذلك - هذه الأرقام من أجل الدعاية للانفتاح. ورغم المبالغة، تثبت الأرقامُ المنشورةُ أن إجمالي الإنفاق الاستثماري (في المشروعات داخل البلاد)
لم يتجاوز 38 % من الاستثمار المستهدف حتى آخر 1978، ورغم المبالغة ـ لتحسين صورة الاستثمار الصناعي في المناطق الحرة ـ نجد أن التوزيع القطاعي للمشروعات التي بدأت الإنتاج، يثبت أن قطاعي التخزين والخدمات، ارتفعت نسبتُهما من إجمالي التكاليف الاستثمارية إلى 73 % (كانت نسبة القطاعَين من مُجمل رأس مال المشروعات الموافق عليها 51.5 %) (199).

وقد نُشير - هنا - إلى أن ممارسات المناطق الحرة العامة، تعرضت لنقد ملحوظ من مسئولين انفتاحيين، والمناطق الحرة الخاصة تم إلغاؤها، وتقرر نقل مشروعاتها إلى المناطق الحرة العامة (200)، ولا نتصور أن هذا النقد والنكوص، يرجع إلى اكتشاف مفاجئ لأوجه الاستنزاف والإرباك الناشئة عن هذه المناطق؛ فالاستنزاف والإرباك كانا مُقدَّرَين، ثم مُكتَشَفَيْن منذ فترة طويلة، ولكن كان استمرار هذا الوضع مستهدفًا من الغزاة في مرحلة هدم البنية القديمة، وتمزيق علاقتها، وكان هذا واضحًا بالذات من بؤرة المناطق الحرة الخاصة، التي لم يكن هناك أيُّ منطقٍ متصور لقيامها، إلا أن تكون مراكزَ شرعية للتهريب داخل السوق المصريَّة، تسهم - ضِمْنَ ما تُسهم - في تقويض علاقاته السعرية (انظر الفصل السادس).. ولكن بعد كل ما تحقق؛ أصبح مطلوبًا ترشيدُ أوضاع البنية الجديدة، وعلاقاتها.
على أيَّة حال، لقد صرَّحت هيئةُ الاستثمار بأن المبدأ الذي حَكَم عملها، هو "اعتبار جميع أوجه النشاط مفتوحة أمام الاستثمار العربي والأجنبي، مع استبعاد الأنشطة التي تبدو أهميةُ قصرها على الاستثمار الوطني" (أي أن الأصل هو الإباحة، والاعتراض هو الاستثناء).
وفي الحقيقة، سبق أنْ نصَّت التقارير منذ عام 1976 على هذا المبدأ، ولكن مع التطورات السياسية والاقتصادية، وبعد تعديل قانون الاستثمار، ومع الزيادة في حجم الاستثمار المنفذ، تصبح لهذا النص أهمية خاصة في التقرير الأخير. ويبدو واضحًا من العرض العام السابق أن الباب المفتوح أدى عمليًّا إلى نتائجَ تتسق مع استراتيجية البنك الدولي. وقد حددت الهيئةُ أن معاييرها في الموافقة على المشروعات، قامت على التالي: "أنْ يحقق المشروع إضافة إلى حصيلة الدولة بالعملات الحرة؛ بمعنى أن يحقق صادرات تكفل حصوله على مواردَ تزيد على حاجات المشروع ذاته من العملات الحرة لمستلزمات إنتاجه، وتحويل أرباح المال الأجنبي المستثمر فيه ـ أن يكون المشروع على مستوى عال من التكنولوجيا؛ حتى يستطيع بإنتاجه المنافسةَ في الأسواق الخارجية ـ تفضيل المشروعات التي تنتج سلعًا ترتفع فيها نسبة المكونات المحلية؛ بما يحقق وفرًا في العملات الحرة على المستوى القومي، وذلك بالنسبة للمشروعات المعوضة للواردات ـ استخدام الأيدي العاملة المحلية وتدريبها على مهارات جديدة".
وبالتأكيد، يبدو الحديثُ عن هذا المعايير مفاجِئًا؛ إذ
لا توحي قائمة المشروعات الموافق عليها والمنفذة بوجودها. فباستثناء السياحة التي يمكن أن يقال إنها تُضيف إلى حصيلة الدولة بالعملات الحرة، (وسنُرجئ تعليقنا على ذلك حاليًا)، كانت سائر المشروعات الأخرى عبئًا مُرهِقًا على ميزان المدفوعات، بدءًا من مشاريع الإسكان الفاخرة (التي أجازت المادة 22 من القانون 32 تحويل صافي العائد بالنقد الأجنبي في حدود 8 % من المال المستثمَر، رغم أن إيجارات هذه المساكن تسدد بالنقد المحلي)، ومرورًا بالمشاريع الصناعية التي قام أغلبها على أساس السوق الداخلي، وليس على أساس التصدير. وكافة هذه المشروعات لم تستخدم تكنولوجيا معجزة. بعض هذه المشروعات كانت منافسة للصناعة الوطنية، وبعضها خلق طلبًا سفيهًا على منتجات مستوردة غير ضرورية، ثم قدم لكي يقيم مشروعات تعوضنا عن هذه الواردات. وللحقيقة، كانت عروض بعض المشروعات "قائمة على أساس تصدير منتجاتها، ولكنْ لم تقُم بتصدير إنتاجها حتى الآن، ويتم تصريفُه في السوق المحلية بأسعار أرخص من الإنتاج المحلي؛ بسبب الإعفاءات وظروف المنافسة غير المتكافئة" (201).. وهل رُوعي فعلاً ارتفاعُ نسبة المكونات المحلية؟ يلاحظ في جانب التكاليف الاستثمارية (على الأقل) أن المساهمة بالعملة الأجنبية كانت 66 %، أمَّا عن تدريب العمالة؛ فهذه مجرد نكتة سخيفة.

إلا أنَّ أعجبَ ما تكشف عنه البياناتُ هو حقيقة المصادر التي مولت التوسع في قطاع استثمار المال العربي والأجنبي (انظر الجدول رقم (10)؛ إذ يلاحظ من أرقام الجدول، أنَّ نصيبَ الولايات المتحدة من إجمالي رأسمال المشروعات الموافَق عليها حتى آخر 1978، لم يتجاوز 12.3 %، ونصيب أوروبا الغربية كان حوالي 7 %، ونصيبهما معًا 19 % فقط، أي يقارب إسهام الأقطار العربية (حوالي 17 %)، وفي المقابل كان نصيب مصر 53 %. ويلاحظ أن كافة هذه الأرقام والنِّسَب تُمثل التقديرات المسجلة على الورق للحصول على موافقة الهيئة. ويبدو مؤكدًا أن هيكل التمويل ازداد اختلالاً في التنفيذ؛ فزاد الاعتماد على الموارد المصرية (بالنقد الأجنبي والمحلي)، ونستدل على ذلك من إخفاء الهيئة للأرقام الدالة على هيكل التمويل الفعلي (رغم أن الأرقام المُتاحة لديها تتعمد تجميل الصورة)، مكتفية بنشر أرقام عامة حول الإنفاق الاستثماري، بالنقد المحلي والأجنبي، دون ذكر مصدر التمويل. ويساندنا في هذا الاستدلالِ، ما جاء في التقرير نفسه (في أجزاء متفرقة وعلى سبيل السهو)؛ فقد جاء مثلاً أنَّ النسبة الغالبة من رءوس الأموال الأمريكية (للاستثمار داخل البلاد) تتجه إلى مجال التعليم والتدريب والخدمات (5 مشروعات تساهم فيها الولايات المتحدة بـ 121 مليون جنيه، تمثل 71.7 % من إجمالي الإسهام الأمريكي في مشروعات داخل البلاد)، وتدل أرقام المتابعة (التي قد يكون مبالغًا فيها) على أن هذا المجال بالذات (مجال التعليم والتدريب والخدمات) شهد أبطأ معدلات التنفيذ؛ حيث لم يتجاوز الإنفاق الاستثماري (في المشروعات الأمريكية وغير الأمريكية) 5 مليون جنيه، ولا شك أن هذا التخلف من المستثمرين الأمريكيين في مجالهم الرئيسي، يهبط بنسبة إسهامهم في الاستثمار داخل البلاد بشدة (مجموع الإسهام المقدر لرأس المال الأمريكي 169 مليون جنيه).
وهناك مثل آخر؛ إذ يُلاحظ من الجدول (10) أنَّ إسهام رأس المال الأمريكي، في مشروعات المناطق الحرة الخاصة كان مقدرًا بـ 81 مليون جنيه (حوالي 42 % من إجمالي رأس المال المقدر استثماره في هذه المناطق)، ولكن يُفهَم من التقرير أن التقدم في مشروعات المناطق الحرة الخاصة بالذات، كان بالغ البطء، وينعكس هذا - بالتالي - على وزن التمويل الأمريكي في المشروعات المنفذة فعلاً.

جدول

* المجموع الإجمالي = 1 + 2 + 3 + 6 + إسهام دول أخرَى.
المرجع: أعدنا تجميع وترتيب الأرقام الواردة في تقرير هيئة الاستثمار.
  • إنَّ قانون استثمار المال العربي والأجنبي، بكل التيسيرات والتنازلات التي قدمها، لم يتمكَّن – إذًا - من إضافة تمويل خارجي يذكر لمشروعات الاستثمار. كل ما وُوفق عليه من مشروعات مستثمري الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، كان 401 مليون جنيه خلال أربع سنوات من الانفتاح، وقسم كبير من هذا المبلغ كان مجرد وعد. إلا أنَّ تصور مدى الاعتماد على الموارد المصرية في تمويل مشروعات استثمار المال الأجنبي لا يكفي لتبينه أن نثبت أن نصيب مصر من رأس المال المقدر لهذه المشروعات كان 53 %، فأهم من ذلك أن إجمالي رءوس أموال هذه المشروعات 1664 مليون جنيه، وبدراسَة هيكل تمويل هذه المشروعات يتضح أن رءوس الأموال هذه تُمثل 55 % فقط من إجمالي التكاليف الاستثمارية، وعلى ذلك تعتمد المشروعات في سد هذه الفجوة على القروض التي تمثل 45 % من التكاليف الاستثمارية. وتعترف هيئةُ الاستثمار بأن مجال السياحة يعتمد "على نسبة عالية من القروض الأجنبية والمحلية التي تستخدم في تمويل المشروعات السياحية؛ نظرًا لضخامة التكاليف الاستثمارية لمشروعات السياحة". (ويعني هذا ـ ضمن ما يعني ـ أن مجال السياحة سيستنزف جزءًا كبيرًا من حصيلة النقد الأجنبي التي يوفِّرها في خدمة ديونه، بالإضافة إلى ما يستنزف في الأرباح والتحويلات الأخرى).
ولكن في القطاعات الأخرى نلحظ أيضًا أن الاعتماد على الاقتراض لتغطية القصور في رأس المال، يصل إلى درجة مذهلة في بعض الحالات، فعلى سبيل المثال، نجد في مشروعات الصناعة التحويلية الموافق عليها بنظام المناطق الحرة الخاصة أن هناك 11 مشروعًا في قطاع البترول تحت التنفيذ، رأسمالها الإجمالي 10.7 مليون جنيه، وتكاليفها الاستثمارية الإجمالية 616.2 مليون جنيه (منها 615.9 مليونًا بالنقد الأجنبي)، وهناك 17 مشروعًا آخر في الصناعات البترولية حصلت على موافقات حديثة رأسمالها الإجمالي 84.7 مليون جنيه، وتكاليفها الاستثمارية الإجمالية 206.3 مليون جنيه (منها 202.8 مليونًا بالنقد الأجنبي). ولم يُتَحْ لنا أن نطلع على الدراسات الاقتصادية التي سوغت قبول مثل هذه المشروعات، ولكن أيًّا كانت المبررات، يظل هذا الاعتماد الكبير في تغطية التكاليف الاستثمارية على الاقتراض، خللاً أساسيًّا في هيكل التمويل (طالما هاجمت الهيئات الدولية شركات القطاع العام من أجله). وأهم من ذلك أنه يمثل إصرار المستثمرين الأجانب على أن تكون إضافتهم المالية رمزية.
لقد اعتمدت خطة التنمية المصرية في الستينيات على الاقتراض الواسع في تمويل بعض المشروعات. ولكن كانت هذه القروض تُيسِّر استيراد التجهيزات والمعرفة الفنية، لإقامة مشروعات تحت الإدارة الوطنية، وكانت اقتصاديات المشروع تتحمل سداد خدمة هذه الديون، وكانت شروط السداد ميسرة ـ في أغلب الحالات ـ بحيث تسمح بتحقيق فائض مختلف؛ فالأجانب يقرضون الأموال للمشروعات بشروط صعبة (شروط تجارية)، ويملكونها. إنَّهم يستردون ما قدموه من أموال (باعتباره قرضًا)، ويستمرون في جني الأرباح وفي إدارة مشروعات تتكلف مئات الملايين من الجنيهات، بزعم أنهم أصحاب رأسمال. لقد قيل في تبرير قانون استثمار المال العربي والأجنبي: إننا نريد مواردَ مالية إضافية، أو نريد فتح قناة ثانية لتدفق رءوس الأموال إلى جانب قناة القروض، ولكن ثبت الآن أن هذا الاحتمال
لم يتحقق، فما يضيفه المستثمرون الأجانب محدود جدًّا جدًّا، وهم بالتالي وسطاء أو سماسرة للإقراض، أكثر منهم مستثمرون. إن الأجانب لم يفتحوا قناة ثانية لتدفق رءوس الأموال، وكل ما أخذناه من قانون الاستثمار (من وجهة نظر ميزان المدفوعات) هو زيادة التزاماتنا للعالم الخارجي؛ فلم تعد مقصورة على أعباء خدمة الديون، ولكن أضيف إليها عبء تصدير الأرباح.

وغنيٌ عن البيان، أنَّ الصورة لا تتحسَّن ـ ولكن تسوءـ إذا كانت مصادر الإقراض المحتملة، هي البنوك وشركات التأمين العاملة في مصر؛ ففي حالة تدبير قروض من الخارج، يمكن أن يقال إن السمعة الدولية للشريك الأجنبي جذبت تمويلاً إضافيًّا للموارد المصرية، لم يكن متاحًا من دونه. هذا منطق غير مقبول مِنَّا طبعًا، ولكنه أفضل - على أيَّة حال - من أن يتولى الاقتصاد المصري اعتصار مدخراتِه هو (بالنقد المحلي والأجنبي) ليقدمها ـ دون مناسبة ـ إلى المستثمر الأجنبي؛ كي يتولى تشغيلها وتصدير أرباحها، وقد سبق أن أشرنا إلى ميكانيزم السيطرة الأجنبية على أصول عينية ضخمة، راكمها القطاع العام، بكمية استثمارات محدودة (أوضحنا ذلك في حالة الأراضي المستصلحة، وفي حالة الشركات الصناعية)، ويواجهنا الآن في المشروعات الجديدة نفسُ الميكانيزم: السيطرة الأجنبية على أصول نقدية مصرية هائلة بكمية تحويلات محدودة. ونشير إلى مثال شهير وصارخ: مجمع العامرية، فوفقًا للصيغة التي تقدم بها بنك مصر (23/ 3/ 1977) إلى الهيئة العامة للاستثمار، ووافقت عليها الهيئةُ، كانت التكاليف الاستثمارية للمشروع 530 مليون جنيه (وقدرت هيئة التصنيع أن التكاليف الفعلية تصل إلى حوالي 1000 مليون، لا تدخل فيها تكاليفُ المرافق اللازمة؛ من طرق ومياه وإسكان وكهرباء ومواصلات... إلخ).
وحصة الشريك الأجنبي في كل ذلك (شركة كيتكس الأمريكية) كانت لا تتجاوز 3.2 مليون جنيه، وبالتالي يقع "عبء تمويل مشروع العامرية، على عاتق بنك مصر بالكامل" (202). ولا نريد أن نستطرد هنا إلى النتائج الاقتصادية الوخيمة للمشروع؛ فنحن فقط بصدد الإشارة إلى مسألة السيطرة على إدارة الموارد المصرية بأقل تكلفة ممكنة. وفي حالة مشروع العامرية، قد يقال إن بنكًا مصريًّا في نهاية الأمر سيعمل كتاجر ائتمان ويحقق ربحًا (والصحيح في هذه الحالة بالتحديد، أن بنك مصر سيفلس، ولكن ما علينا). ولكن ينبغي أن نتذكر في كل الأحوال أن المستثمر الأجنبي الذي لم يضف شيئًا يذكر، سيشارك في ملكية كل هذا الكم من الاستثمار.. وبعيدًا عن العامرية وبنك مصر، ينبغي أن نتذكر أيضًا أن نسبة متزايدة من المؤسسات التمويلية المصرية تقع في يد الأجانب الآن، وبالتالي يعني إقامة مشروعات بالتوسع في الاقتراض من البنوك المصرية، أن المدخرات المصرية تتوزع عوائدُ تشغيلها بين البنوك الأجنبية المقرضة، وبين المستثمرين الأجانب أصحاب الأرباح (203):
  • أوضحنا – إذًا - انخفاضَ مساهمة رأس المال الأجنبي في مجمل المشروعات الموافَق عليها. الإسهام كان محدودًا جدًا بالفعل، خاصة إذا تذكرنا أن الأرقام التي أوردناها عن التحويلات المحتملة لهؤلاء المستثمرين للمساهمة في رأس المال، انتفخت حين عبرت الهيئة عن قيمتها بالجنيه المصري (بالسعر المخفض) بعد تطبيق القانون 32. وحجم الإسهام الفعلي لمستثمري الولايات المتحدة بالذات، يثير السخرية أمام حملة الوعود وشبكة العلاقات. ويذكرنا كل ذلك بقضية القروض الأمريكية (المساعدات)؛ فهذه القروض كانت لخدمة مخطط استراتيجي، يستهدف ضمان المصالح الاقتصادية (وغير الاقتصادية) للدولة الأمريكية للأجل الطويل، ويعني بالتالي أن أي إنفاق حكومي في هذا الاتجاه، استثمار ضروري مرتفع العائد (حتى بالمعيار الاقتصادي).
ومع ذلك، لاحظنا أن شروط القروض، لم تكن بقدر التيسير المزعوم الذي صورته الدعايات (الفصل الثاني). وأكثر من ذلك، لاحظنا أن الولايات المتحدة ألقت بالعبء الأكبر من تمويل مشروعها (لفرض التبعية على الاقتصاد المصري) على عاتق الأقطار الخليجية، ونلاحظ الآن أن الشركات العابرة للجنسية راعت بدورها اقتصاديات العملية، فاستخدمت التمويل المصري (والعربي) بشكل أساسي لتحقيق أهدافها وأهداف حلفائها، فلم تتدفق رءوس أموال أجنبية للاستثمار المباشر، بمعدلات معقولة لإقامة قطاع مشترك، ولكن أصبح مضمونُ القطاع المشتركِ، السيطرةَ على الاستثمارات المصرية والعربية، بأقل إسهام ممكن من الشركاء الأجانب، ينطبق هذا على المشروعات القائمة بقدر انطباقه على الشركات الجديدة.
ي ـ ويلاحظ طبعًا في التمويل المصري، النصيب الكبير للقطاع العام؛ سواء في اكتتابات رأس المال، أو في الإقراض. وهذه قمة أخرى من قمم المأساة؛ إذ إن موارد القطاع العام (التي مُنع تخصيصُها لتوسعات مشروعاتِه، أو لإقامة مشروعات جديدة خاضعة لدرجة من درجات الإشراف المركزي) توجهت للاستثمار ـ عبْر قرارات متناثرة ـ في مشروعات حددتها (في أغلب الحالات) توجيهاتُ المستثمرين الأجانب، وبيوت الخبرة التابعة لهم.
"فبالرغم من أنَّ أحكام المادة (3) من قانون الاستثمار تضمنت نصًّا على أن يكون استثمار المال العربي والأجنبي في جمهورية مصر العربية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار السياسة العامة للدولة وخطتها القومية، إلا أنه لوحظ عدم وجود علاقة واضحة بين الهيئة العامة للاستثمار العربي والأجنبي وأجهزة التخطيط. من ذلك أن أسلوب إعداد الخطط، يكتفي بتسجيل إجمالي الاستثمارات للقطاع الخاص في الخطط، دون توزيعها على الأنشطة الاقتصادية المختلفة. ومن ناحية أخرى لم تلتزم الهيئةُ العامة للاستثمار بإعداد قوائمَ تعتمد من مجلس الوزراء، يتم في نطاقها الموافقةُ على المشروعات الاستثمارية؛ إعمالاً لأحكام المادة (3) من قانون الاستثمار. كذلك لم يتبين من المتابعة وجودُ دور محدد لأجهزة التخطيط عند الموافقة على المشروعات الاستثمارية"، ويلاحظ أيضًا أن الهيئة "اقتصر دورها على دراسة الطلبات المقدمة من المستثمرين، وعرض نتائج الدراسة على مجلس إدارة الهيئة للبت فيها"(204).
في هذا الجو، تمت التخصيصاتُ الاستثمارية للقطاع العام؛ سواء من البنوك، أو شركات التأمين، أو شركات القطاع العام الصناعي. مؤثرات عديدة أثرت على القرارات الفردية المتناثرة، ولكن حكمت الاتجاه العام استراتيجية البنك الدولي والشركات العابرة للجنسية، وفي هذا كانت استثمارات القطاع العام عامل تسريع في تحقيق الأهداف؛ فالتوسع في صناعة مواد البناء مطلوب لكل الإنشاءات التي تتطلبها مشاريع الانفتاح. ويتطلب الأمر تدخل القطاع العام لتحمل العبء في مشروعات هذا الفرع التي يتردد القطاع الخاص المصري في اقتحامها (وإسهام القطاع الخاص الأجنبي
لا يكفي طبعًا كما علمنا)، ونشير مثلاً إلى صناعة الأسمنت، وبناء مساكن جاهزة (أسقف) ومباني جاهزة من هياكلَ حديدية ومنتجات خرسانية، وينطبق نفس المنطق على إسهام القطاع العام في مشروعات السياحة.

إن تخصيصات القطاع العام تدخل الآن ـ في المشروعات الجديدة ـ لسد بعض الفراغات، وليس وفقًا لتصور مستقل متكامل لاستراتيجية التنمية، وقد يدخل القطاع العام في إنتاجية كبيرة (كما ذكرنا). ولكن ينبغي أن نذكر أيضًا أنه في الوضع الحالي لوحدات القطاع العام تتدخل أيضًا ـ في معايير اختيار المشروعات المحددة ـ العلاقات المريبة مع شركاءَ أصحاب وزن في القطاع الخاص،
أو علاقات "خاصة" مع شركات أجنبية معينة؛ فلم يكن مصادفة مثلاً - الاندفاعُ نحو المشاركة في تفريخ بنوك وشركات استثمار جديدة؛ تنفيذًا لخطة البنوك الدولية (وحلفائها) في تفتيت مؤسسات التمويل الوطنية، ولم يكن صدفةً استئثار مشروعات الإسكان الفاخر، بأكبر نصيب من إسهامات القطاع العام (83 مليون جنيه)؛ ففي هذا المجال يلعب المقاولون العرب (عثمان أحمد عثمان) دورًا بارزًا، أيضًا لم يكن مصادفة أن تحتل مشروعات معينة للزراعة والثروة الحيوانية الأولوية الثالثة (51 مليون جنيه ـ بعد الإسكان وشركات الاستثمار)؛ ففي هذا المجال أيضًا عثمان أحمد عثمان، مسئول عن "مشروعات الأمن الغذائي". ولكنْ تظل كل هذه الاختيارات - على مستوى المشروع والقطاع- في إطار الاستراتيجية العامة للبنك الدولي، ومَن معه.

· وبعيدًا عن مسألة الصلات المريبة، وعلاقتها باختيارات ومشروعات القطاع العام، نذكِّر بحقيقة أن الفوارق المؤسسية بين مشروعات القطاع العام المستظلة بقانون 32، وبين مشروعات القطاع الخاص، قد انتفت؛ وبالتالي أصبحت ملكية الدولة
(أو مشاركتها) في مشروعات معينة، مسألة شكلية، وهي نوع ملكية الدولة، الذي أوضح البنك الدولي أنه لا يسبب أي قلق؛ فهي مشروعات خاضعة للخارج، ولا تخضع - بأي شكل - لسيطرة الدولة المركزية، بل إن البنك الدولي والمستثمرين الأجانب، يرحبون قطعًا بدور القطاع العام ـ في هذه المرحلة ـ من أجل تسريع وتمويل إنشاء البنية التابعة؛ فمجرد قرار شركة من شركات القطاع العام القديمة، بالمشاركة في هذه المشروعات، يعني أن هذه المؤسسة تخلصت من إطارها القديم، ودخلت في إطار القطاع التابع الجديد. "وأطرف" ما في هذا الموضوع، أن أموال الدولة المستثمرة في هذه المشروعات، لا تعلم الدولةُ عنها شيئًا (ودعك من مسألة أنها لا توجهها)، شأنها في ذلك شأن كل شركات الانفتاح، "فيلاحظ أن الأموال التي ساهم بها القطاع العام والحكومة من رءوس أموال الشركات.. لا تخضع للرقابة من جانب الجهاز (المركزي للمحاسبات)؛ سواء من ناحية الرقابة المالية والمحاسبية، أو من ناحية الرقابة على الأعمال، وتقييم نتائجها؛ حيث نصت المادة التاسعة من (القانون 32) على اعتبار الشركات المنتفعة بأحكام القانون المذكور من شركات القطاع الخاص أيًّا كانت الطبيعة القانونية للأموال الوطنية المساهمة فيها" (205). و"لو اتسع نطاق مشاركة القطاع العام لرأس المال الأجنبي في مشروعات مشتركة عديدة، فقد تصل إلى وقت يتعذر فيه مراقبة جانب كبير من الأموال العامة" (206).
  • ومع ذلك، يبقى صحيحًا أن الجهات الخارجية تترقب اليوم الذي تتجاوز فيه هذا الاعتمادَ على دور القطاع العام في تفريخ المشروعات التابعة؛ إذ يبقى في النهاية أن الدولة مؤسسة مركزية مستمرة، ويمكن في لحظة سياسية ما، أنْ تُحَوَّل ملكيتها الشكلية للشركات إلى سلطة فعلية، وحينئذٍ، يظل حجم السيطرة المركزية المحتمل على النشاط الاقتصادي مثيرًا للقلق؛ ولذا تتجه الجهود بإلحاح إلى حفز القطاع الخاص، وإلى أن يكون الاعتماد على القطاع العام مرحلة انتقالية. فالقطاع الخاص التابع (عشرات الآلاف من رجال الأعمال المبعثرين) أقل ميلاً للتحرر من القطاع العام التابع. وقد أوضحنا مدى التعثر في حفز القطاع الخاص المحلي باتجاه الصناعة.
ولكننا نلاحظ هنا أن حركة القطاع الخاص في استثمارات المدن (بالارتباط المباشر مع مستثمر أجنبي) أكثر نشاطًا من حركة استثماراته بغير شريك، وينعكس هذا في إسهاماته في رءوس أموال المشروعات الموافق عليها، تزيد على نصيب القطاع العام، ولكن لا زال قطاع الخدمات يحتل الموقع الأول من تخصيصات القطاع الخاص للاستثمار داخل البلاد، وفي مشروعات التخزين بالمناطق الحرة، "ويرجع هذا إلى طبيعة الاستثمارات في هذه القطاعات؛ من انخفاض درجة المخاطرة، وارتفاع وسرعة تحقيق العائد على الاستثمار، وعدم التعرض لخطر التطور التكنولوجي بالدرجة التي تتعرض لها المشروعات الصناعية". ولكن ينبغي أن نسجل مع ذلك اتجاهًا ناميًا لمشاركة القطاع الخاص، في بعض المشروعات الصناعية الصغيرة بمشاركة بعض المستثمرين الأجانب وتحت حمايتهم، ولكن بنية هذه المشروعات (في سائر المجالات) لا زالت أعجزَ من أن تُسهم في إعادة الحياة إلى سوق الأوراق المالية، التي تسعى الشركاتُ الأجنبية والهيئات الدولية إلى حفزها (207).
· إن تكنيك الاعتماد على الموارد المحلية ـ بشكل أساسي ـ لإحداث تنمية تابعة، وتكنيك اعتماد الشركات المتعددة الجنسية على القروض أكثر من اعتمادها على حقوق الملكية، مسألة معروفة، وسبق أن أشرنا إليها، وهذا هو بالتحديد مفهوم البنك الدولي (ومن معه) لمبدأ الاعتماد على النفس. ولكن الجديد عندنا ـ حسب ما تحقق حتى الآن ـ هو أنَّ اعتمادهم على مواردنا في تحقيق التبعية كان يتجاوز أيَّة مستويات يمكن قبولها، وانعكس ذلك في قلق بعض المسئولين بالدولة، فتوالت الاجتماعات مع المستثمرين بلا طائل، وأُعدِّت لجنةُ عمل أمريكية (شكَّلها المجلس الاقتصادي الأمريكي المصري) تقريرًا جديدًا، على منوال تقرير 1976 (الفصل الثامن)، وعلى ضوء اتصالات مباشرة مجددة مع أكثر من 50 شركة أمريكية تمارس بعض العمليات في مصر، وامتدت الاتصالات إلى المستثمرين المحتملين في كندا وألمانيا الغربية وبريطانيا. واعترف التقرير الجديد أن التنازلات المصرية -بدءًا من النصف الثاني لعام 1977 - حققت كثيرًا من مطالب المستثمرين (التي تذرعوا بها في السابق)؛ بحيث بدت المطالبة بالمزيد مسألة بالغة السخف؛ فالقانون 32 يقدم إعفاء ضريبيًّا للمشروعات لمدة تتراوح بين 5 و8 سنوات من بدء الإنتاج، ولكن قال المستثمرون إن هذا الإعفاء
لا ينطوي على أيَّة منفعة من الناحية العملية؛ لأن كثيرًا من المشروعات الصناعية لا يحقق ربحًا ذا قيمة خلال السنوات الأربع أو الست الأولى من تشغيلها. وطالب المستثمرون ـ بناء على ذلك ـ بأن يبدأ احتساب سنوات الإعفاء، عندما تبدأ الشركة في تحقيق الربح. ويعني هذا المطلب تأجيلَ تحصيل الضرائب على شركات الانفتاح إلى أجَلٍ غير مسمى؛ لأنه بوسع هذه الشركات (ذات الإدارات المغلقة) أن تتلاعب في حساباتها؛ بحيث تبدو خاسرة لفترة طويلة.

ولكن بعيدًا عن مثل هذا السخف، أثبت المستثمرون ـ في بداية التقرير ـ ما سبق أن صارحوا به الرئيس السادات. كان الرئيس قد التقى في واشنطن (بعد توقيع اتفاق كامب دافيد) مع رجال الأعمال والمستثمرين، واجتمع مع رئيس البنك الدولي، ومع رئيس صندوق النقد الدولي، وتناولت اللقاءات قضية الانفتاح والاستثمار في مصرَ في ظل مرحلة السلام، وكان رأي كل هذه الأطراف المتحالفة، أن عدم استقرار العلاقات بين مصر وإسرائيلَ كان سببًا - في الماضي - لإحجام المستثمرين، وأضافوا أن على الحكومة المصرية، أن تواصل إصلاح مسارها الاقتصادي؛ حتى يصبح الطريق ممهدًا أمام رأس المال الأجنبي (208). وهذا الكلام مُهِم ويفسر.
نذكر أننا ربطنا بين الموقف الجديد من مشروعات التوسع الأفقي في الزراعة، وبين الصلح مع إسرائيلَ، ونعتقد أن هناك رابطة مشابهة بين حركة الاستثمار الأجنبي، وبين مشروعات التكامل الصناعي المستهدَفة مع إسرائيل. حين ينتهي صندوق النقد (وحلفاؤه) من مهمتهم، تكون كافية خيوط الاقتصاد المصري في قبضتهم، وبتوجيه الأسعار، وبالتوجيه المباشر، نتوقع أن يكون إسهام الاستثمار الأجنبي المباشر ـ في مرحلة تالية ـ أكثر حجمًا في مشروعات جديدة ملائمة، ولكن في إطار مبدأ الاعتماد على النفس، وفق مفهومهم، أي مبدأ السيطرة الأجنبية على المشروعات بأقل قدر ممكن من رأس المال.
مع الحديث عن دور الاستثمار الأجنبي في إعادة تشكيل قطاع متنامٍ من النشاط الاقتصادي، لا بد من وقفة خاصة عند مجالين: المقاولات والبنوك.
(1) قطاع المقاولات:
أ- في قطاع المقاولات، نذكر أن مدير المشروعات بهيئة الاستثمار، صحح انطباعًا خاطئًا لدى غير العارفين؛ فقال: "إن التصور بأن هناك إقبالاً على طلبات الاستثمار في مجال المياه الغازية بالذات، أو أن تنفيذ المشروعات الموافَق عليها في هذا المجال، أكثر من غيرها في المجالات الأخرى، هو تصور غير صحيح؛ فهناك - على سبيل المثال - شركات المقاولات والتشييد.... فالإقبال على الاستثمار في هذا المجال يفوق غيره من المجالات" (209).
وهذا التصويب في محله تمامًا؛ ففتْحُ الباب أمام المستثمرين الأجانب، لم يتحققْ إلا بعد تعديل قانون الاستثمار في النصف الثاني من عام 1977، ومع ذلك تصاعد عدد المشروعات المقبولة من الهيئة، حتى آخر 1978 (في المقاولات والاستشارات) إلى 29 مشروعًا. رأسمالها 33.2 مليون جنيه، وفي آخر سبتمبر 1979 (آخر بيان لهيئة الاستثمار حتى كتابة هذه السطور)، ارتفع العددُ المقبول إلى 79 مشروعًا، رأسمالها المقدر 56.5 مليون جنيه. وشركات المقاولات (وحدها) رأسمالها المقدر 49 مليون جنيه، وتكاليفها الاستثمارية 83.3 مليون جنيه (تسد الفجوة التمويلية بالاقتراض).
ولا بد من التذكير هنا بحقيقتين: الأولى أن التوسع في إسناد أعمال الاستشارات إلى مكاتب وشركات أجنبية، أو إلى مكاتبَ وشركات محلية خاصة (ترتبط بشبكة المصالح السائدة حاليًا)، يخدم ويتكامل مع مخطط السيطرة على قطاع المقاولات؛ فمكاتب وشركات الاستشارات تضع التصميمات والمواصفات للعمليات المختلفة، وبوسعها ـ بالتالي ـ أنَّ تضع هذه التصميمات والمواصفات على النحو الذي ينتهي إلى إسناد العملية إلى شركة مقاولات معينة، رغم طرح العملية في مناقصة عامة. والحقيقة الثانية، أن شركات المقاولات (إلى حد ما كالبنوك) لا تستمد قوتها الأساسية من حجم رأس المال، ولكنْ من حجم العمليات التي يمولها العملاء.
والأمر المؤكد الآن، والذي يشهده أيُّ مواطن في القاهرة، أن الروافع الضخمة لشركات مقاولة بريطانية، وأمريكية، وإيطالية، وسويسرية.. ومن كوريا الجنوبية أيضًا، تنتشر في عديد من المواقع. وشركات المقاولات الأجنبية تسلم أغلب المهام التنظيمية والفنية الحاكمة لعاملين غير مصريين،
إلا أن الشركات الكورية تستخدم عمالاً غير مصريين في كل التخصصات، وحتى أواخر 1977 كانت هذه الظاهرة محصورة في حوالي مائتَي عامل كوري، يشتغلون في عدد من المواقع حول القاهرة، ولكن هذه البداية بلا سابقة في التاريخ المصري، "فالعمل اليدوي كان دائمًا محليًّا" (210).
  • وحتى منتصف 1979، كانت الشركات البريطانية تمثل موقع الصدارة، ولكن قررت حكومة الولايات المتحدة أن تفسح الطريق أمام الشركات الأمريكية لتحتل المقدمة؛ من خلال برنامجها للقروض.
فقروض وكالة التنمية الأمريكية (سلعية أو للمشروعات) مقيدة - كما نعلم - بالشراء من الولايات المتحدة، ولكن تخطط الوكالة أيضًا لربط قروضها للمشروعات باستخدام مقاولين من الولايات المتحدة للتنفيذ المباشر، أو للإشراف المُحكَم، على عمليات الإنشاء في هذه المشروعات، وأعلن المسئولون في ألمانيا الغربية، أنهم يخططون في نفس الاتجاه(211) (وانعكس هذا في إنفاق الـ 1800 مليون دولار لإنشاء نظام جديد متكامل للتليفونات، مع شركات "سيمنز" ألمانيا الغربية ـ سيمنز النمسا ـ طومسون الفرنسية/ سبتمبر 1979، فمن شروط الاتفاق، إسناد أعمال الإنشاءات في هذا المشروع الكبير (حوالي 600 مليون دولار) إلى شركات يختارها هذا الكونسورتيوم.
  • ويبدو أن شركات المقاولات الغربية كانت تعتمد أيضًا على حلفائها من المستثمرين العرب لفتح السوق أمامها؛ فالاستثمارات العربية الأكثر التزامًا بمخططات سياسية كانت تشترط التعاقد مع مقاولين أجانب، فأقيمت أعلى عمائر القاهرة؛ (بناءان توأمان ـ 38 طابقًا بتكلفة 72 مليون دولار ـ أحدهما مجمع للإسكان العائلي والثاني للإسكان الإداري "مكتب بلازا للقاهرة") على يد شركة هيجز وهيل (المملكة المتحدة)، كذلك تعمل الآن شركة جارفيز أندسنز Jarvis and Sons (المملكة المتحدة أيضًا) في تشييد عملاق آخر وسط المدينة تكلفته 6 ملايين دولار.
ويشارك في ملكية المشروعين عدنان الخاشقجي (رجل الأعمال السعودي صاحب الأدوار السياسية المشهورة والذي شارك أيضًا في الإعداد لصفقة التليفونات) (212). مع شركة الشمس وبعض الجهات الأخرى المنتسبة إلى القطاع العام المصري في ثوبه الجديد. أيضًا كان يلاحظ الاعتماد الكامل لهيئة التصنيع العربية (قبل حلها) على شركات المقاولة الأجنبية، وكانت الحكومات الخليجية تملك أغلب رأس مال الهيئة؛ ولذا استاءت شركات المقاولات الأجنبية ـ إلى حد ماـ من التدهور البادي في علاقات مصر العربية (213)، ولكن دون أن يعني الاستياء طبعًا أي تقاعس في المجيء، في حالة قدرة الحكومة المصرية على الدفع.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:02 PM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

ب ـ إن هذا الحرص من الشركات الأجنبية على التوسع في قطاع المقاولات، سببه واضح؛ فالإنشاءات تمثل مكونًا (أو مدخلاً) كبيرًا في الاستثمارات؛ أي يتولى قطاعُ الإنشاء تنفيذَ قسم رئيسي من الاستثمارات، وتختلف نسبة الإنشاء في الاستثمار الكلي، وفقًا للقطاع الذي تم الاستثمار فيه؛ ففي بعض الأحيان، يمكن أن تكون هذه النسبة ما بين 25 و30%، وفي الأغلب تكون 40 ـ 45 % على الأقل، وليس من غير المألوف أن ترتفع النسبة إلى 60 %. إلا أن الأهمية الحاكمة لقطاع المقاولات، لا ترجع فقط إلى هذا الارتفاع في نسبة الإنشاءات إلى الاستثمار الكلي، ولكن أيضًا إلى مضمون الدور الأساسي، الذي تمثله عمليةُ الإنشاءات في إقامة مشروعات التنمية. وفي إطار هذا الدور تحكم سرعة ودقة الأداء، إنجاز المراحل الأخرى من المشروع الاستثماري؛ ففي المشروعات التي تتضمن إنشاءات، يحدث عادة أن تبدأ المراحل الأخرى بعد الانتهاء من القسم الأكبر من أعمال الإنشاء، وفي بعض الأحيان لا يمكن نقل التجهيزات إلى موقعها، إلا بعد الانتهاء الكامل من هذه الأعمال (213). وخلاصة القول، إن قطاع المقاولات (الذي يتولى أعمال الإنشاء) يسيطر على التنفيذ العيني لبرامج الاستثمار، كما تسيطر البنوك على التنفيذ المالي للمشروعات (الفصل التاسع)؛ ولذا كان طبيعيًّا أن تسعى القوى المخططة، للسيطرة على حركة الاقتصاد المصري وعلى اتجاهات نموه، إلى قيادة قطاع المقاولات، تمامًا مثلما عملت في قطاع البنوك.
وقد استخدمت هذه القوى كل الضغوط الممكنة؛ حتى تمكنت من تعديل قانون 43، وسُمح لها باختراق قطاع المقاولات رسميًّا في قانون الاستثمار المُعدل (قانون 32). وكما اندفع رأس المال الأجنبي ـ بعد القانون 43 ـ نحو البنوك، اندفع بعد القانون 32 إلى المقاولات.
  • وبعض المسئولين المصريين كان لا يُخفي فرحته بهذا الاتجاه، ويطالب بحفزه؛ فوزير الإسكان (مصطفى الحفناوي) تحدث عن تفاقم مشكلة الإسكان، وقال إنه من أجل الإسراع في مواجهة المشكلة "قررنا أن نستدعي شركاتٍ أجنبية؛ لتبنيَ فورًا.. وقد وافق رئيس الوزراء على ذلك، وتم إعلان عالمي عن مناقصة عالمية للشركات التي تشعر بأن لديها الخبرة لتتقدم.. لتبني مساكنَ شعبية، وليس مساكن فاخرة، وهذا يحدث لأول مرة" (214) (لاحظ رنة الفخر في تعبير "لأول مرة"). وقد شارك رئيسُ مجلس الوزراء (مصطفَى خليل) في الترحيب بهذا الاتجاه، وأعلن أن الترتيبات تستهدف قيام الشركات الأجنبية ببناء 100 ألف وحدة سكنية أثناء عام 1980 (215)، والتوسع في هذا الاتجاه، الذي بدأ مع مشروع التليفونات، أسماء الرئيس السادات، ومن بعده حامد السباح (وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي): أسلوب "الاقتحام" للمشاكل (216).
وتعبيرًا عن هذا الترحيب، وتقديم الحوافز؛ نُفذ ابتداء من أول 1978، قرارٌ بإلغاء أوامر التكليف لشركات القطاع العام، وقرار بإلغاء السقف الذي كان مفروضًا على مقاولات القطاع الخاص (217)، ولكن قدمت للشركات الأجنبية امتيازات لا يطولها القطاع المصري (خاص أو عام)، حتى وصل الحال إلى حسين أحمد عثمان (شقيق عثمان أحمد عثمان، ورئيس غابة أو شركة المقاولون العرب، ورئيس لجنة الإسكان في حزب الحكومة). حسين أحمد عثمان اضطر إلى الشكوى من عدم معاملة المقاولين المصريين، بنفس أسلوب التعامل مع المقاولين الأجانب.
فالمقاول الأجنبي عند التعاقد، تُوفَّر له الشروطُ الدولية المتعارف عليها، وإذا حدث تأخير من الجانب المصري في تنفيذ الشروط، فإنه يكون ملزمًا بدفع تعويضات عن ذلك، وهذا لا يحدث بالنسبة للشركات المصرية". وفي كل الأحوال لا تتلكأ الجهاتُ الحكومية في سداد التزاماتها للشركات الأجنبية، بينما تتراكم المتأخراتُ على هذه الجهات في تعاملها مع الشركات المصرية؛ فتنشأ أزمة سيولة (218). ويضيف مصدر آخر أن الشركات الأجنبية تتمتع بالإعفاءات الضريبية على معداتها المستوردة، وبحرية التعامل بالنقد الأجنبي؛ مما يمكنها من استيراد احتياجاتها من الخامات التي لا تتوافر في السوق المحلي. بينما يتوفر النقد الأجنبي للشركات المصرية من خلال حصة النقد الأجنبي المحدودة التي تخصصها الدولة لشركات المقاولات، وهي مرتبطة بما هو متاح، واستخدام هذه الحصص، كثيرًا ما يتعثر؛ لأنها تُعطى في شكل تسهيلات موردين، وليست في صورة نقد أجنبي حر. والبنوك الأجنبية تحابي - طبعًا - الشركاتِ الأجنبية في التسهيلات الائتمانية بالنقد الأجنبي. وهي (أي الشركات الأجنبية) مستندة - بطبيعة الحال - إلى مراكزها الرئيسية في الخارج. وقد لجأت الدولةُ إلى إعطاء الشركات المصرية حق التصرف في 50 % من حصيلة النقد الأجنبي التي تحققها من عملياتها في الخارج (قرار وزير الاقتصاد رقم 316 لسنة 1976) لتغطية فجوة التمويل الأجنبي، ولكن شركات القطاع العام المصرية تطالب بحرية التصرف في كل حصيلة النقد الأجنبي التي تحصل عليها (أسوة بالسياحة وشركات التجارة). وهذا مطلب مستحيل، ومجرد قرار
الـ 50 % كان يعني مزيدًا من تصفية السيطرة المركزية على حصيلة النقد الأجنبي، وقد صدر هذا القرار ـ كما يقول وكيل أول وزارة الاقتصاد لشئون النقد ـ "رغم الظروف النقدية التي تتطلب تغذية مجمع النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبنوك التجارية بموارد قطاع المقاولات من النقد الأجنبي بصفة مستمرة" (219).

· المهم، بدأت صيحات الفزع ترتفع في قطاع المقاولات المصري. علَت الشكوى من المعاملة غير المتكافئة، وكانت شكوى القطاع العام ـ كالعادة ـ أشد؛ "فالقطاع الخاص (مصري وأجنبي) ليس أمامه غير أحد طريقين لاكتساب الخبرات: الطريق الأول أن يدِّرب جيلاً جديدًا، وهذا يستغرق وقتًا، أو يحصل على هذه الخبرات من العاملين بشركات القطاع العام عن طريق إغرائهم بالمرتبات العالية" (220). وقد اضطر أحدُهم إلى تذكير المسئولين بالماضي الجميل؛ "فالقطاع العام له دور قومي مهم؛ فهو يقوم بالأعمال التي يرفضُ القطاع الخاص - أو يتخوف من - تنفيذها كبناء الدُّشم أثناء حرب الاستنزاف وغيرها، ولا أعتقد أن أي شركة قطاع خاص، كانت ستقبل القيام بهذا العمل" (220)، (ولا أدري إن كانت هذه الحجة أصبحت ـ في ظروفنا ـ في صالح القطاع العام أو ضده!). على أيَّة حال، حسين عثمان (وهو ذو روابط عضوية مباشرة مع القطاع الخاص) مُصِرٌّ على أن التحدي يواجه كل القطاع المصري في المقاولات (عام وخاص). "وإذا وفرت للمقاولين المصريين نفس المعاملة التي يعامل بها الأجانب؛ من حيث التمويل والتنفيذ وشروط التعاقد؛ يمكن توفير 40 % من التكاليف، و50 % من المبالغ التي تُصرف بالعملة الصعبة.. والمقاولون المصريون؛ سواء كانوا تابعين للقطاع الخاص أو العام، يستطيعون أن ينفذوا خطة المقاولات بالكامل، ولو تضاعفت هذه الخطة" (218).
جـ ـ ولكن أعتقد أن الشركات الأجنبية لا تهدف في هجمتها الشرسة، إلى التصفية الجسدية لكل القطاع المصري في المقاولات. التصفية الجسدية لبعض الوحدات احتمال قائم، ولكنَّ الأهم هنا ـ كما في المجالات الأخرى ـ التصفية المؤسسية، أي تصفية شركات المقاولات المصرية (وخاصة القطاع العام) كمؤسسة مستقلة، واستيعابها وإعادة تشكيلها في البنية التابعة للسيطرة الخارجية، وقد تحدث القيسوني في هذا الاتجاه حين اقترح "من أجل رفع الكفاءة الإنتاجية لأجهزة مقاولات القطاع العام: النظر في إسهام الأفراد في ملكية هذه الشركات، مع إعطاء أولوية للعاملين في كل شركة؛ استهدافًا لزيادة رءوس أموالها، ولدفع معدلات الإنتاج، عن طريق إيجاد حوافزَ للربح والعمل" (221). ولكن ـ كما في القطاعات الأخرى ـ لم يكن هذا الأسلوب واعدًا بنتائجَ سريعة؛ ولذا تحركت الجهودُ الخارجية للسيطرة على قطاع المقاولات عبر طرق أخرى عديدة.
· ونُشير إلى أن اختراق قطاع المقاولات؛ بهدف السيطرة لم يحدث عام 1977؛ فالصحيح أنه حدث نجاح حاسم عام 1977 مع نجاح الهجوم العام في مختلف الجبهات، وتتويجًا للجهود الهائلة التي بذلت في قطاع المقاولات ـ على وجه التحديد ـ منذ 1974. لقد تتبعنا طرفًا من هذه الجهود في فصول سابقة؛ فمن خلال التوسع غير المخطط لأعمال شركات القطاع العام في الأقطار العربية (حوالي 50% من طاقة هذه الشركات)، ومن خلال الانتقال الواسع غير المنظم لعمال الإنشاء بتعاقدات فردية إلى هذه الأقطار؛ بدأ الحديث المُلح حول كيفية سد الفجوة التي انكشفت في قطاع الإنشاءات (222). والتركيز على مشروعات التعمير في منطقة القناة، جعل الفجوة في مشروعات المناطق الأخرى أكثر اتساعًا، وبالتالي تكثفت الشكوى من عجز قطاع المقاولات، الذي تسبب في تخلف معدلات الاستثمار العيني المستهدفة، وتفاقمت الأزمة بالممارسات المحققة في التعمير وخارج التعمير، والتي تسببت في تحلل شركات القطاع العام، وتحلل إدارتها المركزية، فزالت - إلى حد كبير - أية علامات مميزة بين شركات القطاع العام ومقاولي القطاع الخاص، وأصبحت المقاولات من أوسع الأبواب المفتوحة لنهب المال العام، وكان طبيعيًّا أن يرتبط ذلك بمزيد من تدهور التنفيذ العيني، وزيادة التكلفة المالية.
  • والجهات الخارجية التي تابعَت كل هذه التطورات وشجعتها، هاجمت أيضًا، وبتركيز، قصورَ قطاع المقاولات، وربطت شكواها - من القصور - بهجوم حاد وإنذارات؛ بسبب البطء في استخدام القروض المقدمة، وكما كتب البنك الدولي، "فإن أي مناقشة حول تحسينات الهياكل الارتكازية، أو حول الاستثمار عمومًا في الحقيقة، لا تكتمل إلا بتأكيد الدور الحيوي لقطاع الإنشاءات (....) ويبدو واضحًا أن قطاع الإنشاء يمكن أن يكون فرملة لخطط البلاد الطموحة في الاستثمار، فما لم تتزايد بسرعة طاقة الإنشاء؛ تكون النتيجة الوحيدة لمحاولات التسريع في تنفيذ المشروعات زيادة في تكلفتها" (223).
ولكنْ لتحقيق التزايد في طاقة الإنشاء، لم يذكر التقرير (أو التقارير الأخرى) شيئًا عن تنظيم العمل في الخارج،
أو عن مضاعفة خطة تدريب عمالة جديدة، أو عن محاربة الفساد والتخريب، (رغم علم الجهات الخارجية بحقيقة أبعاده). لقد حاولت بعضُ مؤسسات الدولة ومسئوليها، دعمَ القطاع العام في المقاولات، والتصدي للفساد المنظم؛ فالرقابة الإدارية أعدت مذكرة، كشفت أنّ جميع رؤساء مجالس إدارات شركات المقاولات في القطاع العام يشاركون ـ بشكل أو آخر ـ في شركات مقاولات خاصة. وأمكن تقسيمُ أشكال المشاركة إلى خمسة:

1- فهناك مجموعة من قيادات الشركات العامة شكلت شركات خاصة باسم الأبناء.
2- وهناك قيادات أسهمت كشركاء موصين في شركات مقاولات قطاع خاص، دون أن يكون لهم حق الإدارة (تحايلاً على القانون).
3- مجموعة مرخص لها بمزاولة الأعمال والاستشارات الهندسية.
4- مجموعة تعمل في بعض شركات القطاع الخاص خارج البلاد.
5- مجموعة تعمل في بعض الشركات التي أنشأها العاملون بـ "المقاولون العرب". (للتفاصيل انظر الهامش) (224).
وقد طلب رئيس مجلس الوزراء (ممدوح سالم آنذاك) من وزير الإسكان والتعمير (حسب الله الكفراوي ـ ابن شقيقة عثمان أحمد عثمان) بحث هذا الموضوع، فتقدم برده وأحيل إلى اللجنة الوزارية للإنتاج. وفي نفس الفترة كانت هناك مذكرة للعرض على نفس اللجنة مقدمة وزارة الكهرباء والطاقة في شأن مزاولة بعض رؤساء وأعضاء مجالس إدارات شركات الإسكان لأعمال خاصة، وأوضحت الوزارة أنها تستغل عن طريق هذه الشركات الخاصة. وقدمت توصيات محددة للعلاج الحاسم؛ إذ يحدث عند طرح مناقصة لعملية معينة، أن تمتنع عن هذه الشركات الخاصة عن الدخول، وبالتالي ترسو هذه العملية بمبلغ ضخم على إحدى شركات القطاع العام التي تحيلها بدورها من الباطن إلى إحدى هذه الشركات الخاصة، وبمبالغَ تزيد كثيرًا عما كان يمكن أن تحصل عليه هذه الشركة الخاصة لو أنها اشتركت في المناقصة مباشرة، وفي منافسة حقيقية. وعلى سبيل المثال، نفترض أن هناك مناقصة لعملية ما قيمتها الفعلية نصف مليون جنيه، فيحدث هنا أن تمتنع الشركات الخاصة عن دخول المناقصة؛ لترسو على إحدى شركات القطاع العام بمبلغ مليون جنيه، وحينئذ تقوم هذه الشركة بإسناد تنفيذ نفس العملية من الباطن لإحدى هذه الشركات الخاصة بمبلغ 750 ألف أو 800 ألف جنيه (ويحدث هذا كثيرًا في شركة "المقاولون العرب" التي تستأثر بأكثر من 50 % من حجم المقاولات في مصر بأسعار مبالَغ فيها، ثم تُسند التنفيذ من الباطن إلى الشركات الخاصة التي ألفها بعض الأقارب والمحظوظين في "المقاولون العرب").
وهناك الشكل الآخر، والأكثر صراحة الذي تترك بمقتضاه شركات القطاع العام (بتبريرات مختلفة) مناقصة عملية معينة للشركات الخاصة لترسو العملية على إحداها بأضعاف المبالغ التي يجب أن تنفذ بها، وتتولى القيادات توزيع الأنصبة في هذه العمليات (225).
* إن هذه الشبكةَ التي خربت قدرات قطاع المقاولات، واستنزفت أموال القطاع العام، دفعها وباركها عثمان أحمد عثمان، حين كان على رأس القطاع بنفسه (في وزارة الإسكان والتعمير) ثم حين ترك منصبه لابن شقيقته، وقد صدرت قرارات متوالية من رئيس مجلس الوزراء (ممدوح سالم) لتقطيع أوصال هذه الشبكة، ولكنها لم تنفذ أبدًا؛ لأنها أقوى منه (226). والمهم الآن، أن الهيئات الدولية تعرف كل هذا، ولكن لم تُشِر إليه أبدًا، وليس على سبيل السهو؛ ولكن لأن تجاهل قضية الانتقال غير المنظم لقوة العمل، وتجاهل أثر الفساد والاستنزاف المتزايد على الإنتاجية وتكلفتها، خدم عديدًا من أغراض هذه الجهات، كما أنه برر الضغط والإلحاح على تطوير قطاع المقاولات، وزيادة طاقته، من خلال تكنولوجيا كثيفة رأس المال، ومن خلال "مواهب وقدرات" المقاولين الأجانب. والتوسع في استخدام تكنولوجيا ذات رأسمال كثيف في عمليات الإنشاء، مسألةٌ لا تدعو إليها حاجة ملحة في معظم المشروعات، وهي لا تتلاءم مع وضع اقتصادي تتوفر فيه العمالة (في حالة تنظيم وإعداد جيدين)، ولا يتوفر فيه النقدُ الأجنبي، ولكن البدائل التي ترشحها الهيئات الدولية، تتفق مع هدف السيطرة على هذا القطاع الحاكم (بالتكنولوجيا أو بالملكية المباشرة)، وتتفق مع هدف إرهاق ميزان المدفوعات، وامتصاص الموارد.
وقد حدث - على أيَّة حال - أنْ لجأت الحكومة المصرية إلى التوسع في الميكنة؛ ففي مرحلة الاعتراض على فتح باب المقاولات أمام الاستثمار الأجنبي، وفي مرحلة الإغراق في الديون، وقعت الحكومة المصرية عقودًا مع بعض الشركات الأجنبية لإنشاء 10 مصانع للمساكن سابقة التجهيز (عام 1975)، بلغت تكاليفها الإجمالية 60 مليون جنيه، وقدر لكل مصنع أن ينتج في السنة مع بدء نشاطه 2000 وحدة سكنية، وبعيدًا عن اعتراضنا المبدئي على التوسع في ميكنة قطاع الإنشاء بغير ضرورة ملحة، وبعيدًا عن الحقيقة التي انكشفت حول أن الشركات صدرت إلينا مصانعَ تنتمي إلى "الجيل الأول" الذي انقرض استخدامه منذ بداية الستينيات، فإن مصانع المساكن السابقة التجهيز، نموذج مجسد لما يسمونه "التكنولوجيا غير الملائمة"، وترتب على هذا أن بقيت المصانع معطلة فترة طويلة، وفي السنة الأولى للإنتاج
لم يكن متوقعًا أن يزيد إنتاج المصنع الواحد عن 300 وحدة سنويًّا (وليس 2000)، ومع تحسن الحال يرتفع الرقم إلى 700 أو 800 وحدة، وبتكلفة تزيد عن تكلفة البناء العادي(227). "سحر التكنولوجيا" لم يكفِ – إذًا - لزيادة كفاءة قطاع الإنشاءات.. ومع الضغوط الأخرى المساعدة، كان
لا بد من دعم هذه الخطوة بتعديل قانون الاستثمار ودعوة المقاولين الأجانب ليفِدوا بأنفسهم.

(3) قطاع البنوك:
تواصل الهجومُ لاستكمال السيطرة على القطاع المصرفي. وتوالت صيحاتُ التحذير وعلامات الاستفهام من رجال البنوك الوطنيين، ومن الاقتصاديين المصريين (على اختلاف اتجاهاتهم) حول طبيعة الدور الذي تلعبه البنوك الأجنبية؛ فقد استمرت هذه البنوكُ، واتسعت وفق نفس الخطوط التي بدأت بها في عام 1975 و1976 (راجع الفصلين السابع والثامن).
· في تقرير البنك المركزي حول البنوك المشتركة وفروع البنوك الأجنبية، قيل: إنه "يستخلصُ من الدراسة التفصيلية التي أعدها البنك المركزي، من واقع البيانات الدورية التي قدمتها هذه البنوك إلى البنك المركزي حتى آخر ديسمبر 1977 ما يلي:
استمرار ظاهرة ارتفاع مستوى الأرصدة المُحتفَظ بها لدى المراسلين في الخارج بالنسبة للبنوك المشتركة أو المراكز الرئيسية لفروع البنوك الأجنبية، وتمثل 53 % من جملة التوظيفات في آخر ديسمبر 1977.
على الرغم من الزيادة في القيم المُطلقة والأهمية النسبية لأرصدة التسهيلات الائتمانية، إلا أنها لم تجاوز 18 % من جملة التوظيفات في آخر ديسمبر 1977، بعد استبعاد المبالغ المخصصة لتمويل حسابات وزارة المالية، وهو ما يعكس ضآلة حجم التوظيف في قروض وسلفيات وخاصة للقطاعات المحلية، فيما عدا التمويل الذي قدمته بعض فروع البنوك الأجنبية للبنك المركزي المصري.
قامت بعض البنوك بالاكتتاب في سندات التنمية بما قيمته 3.4 مليون جنيه فقط، ولم تجاوز أرصدة الاستثمارات في المشروعات المختلفة 1.2 مليون جنيه في آخر ديسمبر 1977، موزعة بين بنك مصر إيران للتنمية (مليون جنيه) وبنك "أبو ظبي" الوطني (0.2 مليون جنيه). وقد نوهت بعضُ البنوك في تقاريرَ أُرسلت إلى الإدارة العامة للرقابة على البنوك، إلى قيامها بإجراء الدراسات لعدد من المشروعات؛ بغرض المساهمة في رأسمالها و/ أو تقديم القروض والتمويل اللازم لها، ونظرًا لما يتطلبه تأسيس هذه المشروعات من وقت؛ فلم تظهر- بعدُ - المراكز المالية لهذه البنوك أرقامًا ذات وزن لمساهمتها أو تمويلها لهذه المشروعات.
تمثل أرصدة الودائع 63 % من جملة موارد البنوك، جلها من السوق المحلي؛ بما يعكس اعتماد البنوك عليها كمصدر أساسي للموارد، دون تحقيق نتائجَ ملموسة في مجال استجلاب رءوس الأموال من أسواق النقد العالمية وتوظيفها في مصر، بل شاركت بنوك القطاع العام في الاحتفاظ بمدخرات المصريين وودائع بعض شركات القطاع العام من العملات الأجنبية، وفضلاً عن ذلك، فلم يظهر اطلاع بنوك الاستثمار والأعمال بدورها المنشود في تمويل أغراض التنمية الاقتصادية في البلاد.
وفي ضوء ما تقدم، فقد رأى البنك المركزي التوصيةَ لدَى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بالتوقف عن منح موافقات جديدة لتأسيس بنوك؛ انتفاعًا بأحكام قانون الاستثمار لفترة، ولتكن عامين مثلاً، يتم بعدها إعادةُ تقييم نشاط البنوك القائمة، ومدى الحاجة لتأسيس المزيد منها" (228)، (كل التشديد من المؤلف).
وشهدت المؤتمراتُ حول الانفتاح، واللقاءات مع المستثمرين، دعمًا من الاقتصاديين المصريين، ومن غالبية المسئولين في القطاع الاقتصادي، لموقف البنك المركزي المصري (229)، وقد علق مثلاً محمد علي رفعت، على حقيقة أن البنوك المنتفعة بقانون الاستثمار توظف الجانب الأكبر من أموالها في أسواق مالية في الخارج. فأوضح أن مصر
لا تفيد شيئًا من هذا النمط من توظيف الأموال "ولو في صورة ضرائبَ على الأرباح. وهنا يخالج الفاحص المتأمل في قضية القطاع المصرفي المستحدث، خاطرُ المشفق من أخلاقية الإعفاءات الضريبية، التي تتمتع بها مشروعات هذا القطاع (...) إذ إن المفروض أن تلك الإعفاءات تستند أخلاقيًّا ووطنيًّا ومصلحيًّا، إلى استثمار المال المُعفَى في داخل مصر. فإذا لم يكن ذلك الإنتاج الضخم الذي يتحدث عنه تقريرُ هيئة الاستثمار - صادرًا عن استثمار محلي؛ انتفع به الاقتصادُ الوطني؛ فلماذا إذن، ولمصلحة مَنْ يُعفَى من الضرائب بكافة أنواعها؟" (230). وقد نشرت الصحف ـ في المقابل ـ دفاعًا متهالكًا لممثلي البنوك الأجنبية عن موقفهم (131)، ولكن يبدو أن السياسة التي التزمت بها هيئةُ الاستثمار، تبنَّت موقفَ البنوك الأجنبية، فتجاهلت مطلب إعادة التقييم، ولم تدرس مشروعية الإعفاءات الضريبية والحوافز المقدمة، وتجاهلت بالتالي توصية البنك المركزي بالتوقف عن منح موافقات جديدة؛ إذ يلاحظ أن عدد الموافقات لإنشاء فروع لبنوك أجنبية وبنوك مشتركة، كان 35 في آخر 1977، ارتفعت إلى 37 في آخر 1978، ووصلت إلى 40 بنكًا 30/ 9/ 1979، رغم أن التقرير السنوي للبنك المركزي عن عام 1978 (الصادر في يوليه 1979) أكد في متابعته الانتقادية، أن البنوك الأجنبية تواصل نفس المخطط (232).

وبعض البنوك حصلت على موافقات، ولكن لم تُسجَّل لدى البنك المركزي، وبعضها سُجِّل ولم يبدأ النشاط بعدُ. وعدد البنوك التي زاولت نشاطها بالفعل، تطور على النحو التالي: 7 (حتى آخر 1976) ـ 21 (حتى آخر 1977) ـ 28 (حتى آخر 1978). ولا تتضمن هذه الأرقام البنك العربي الأفريقي، والمصرف العربي الدولي، والمصرف الاتحادي العربي، وبنك فيصل الإسلامي (233). فهذه بنوكٌ تعمل في مصر ولا تخضع للتسجيل لدى البنك المركزي المصري. ومعروف أن أعمال البنوك الأجنبية تواصل التوسع بمعدلات أعلى كثيرًا من معدلات البنوك الوطنية (234)؛ ولذا تتزايد المساحة التي تسيطر عليها مباشرة في القطاع المصرفي. فنسبة هذه البنوك من مجموع المراكز المالية لوحدات الجهاز المصرفي كانت 9.6 % (عام 1976) ـ زادت إلى
14.1 % (عام 1977) ـ ووصلت إلى 20 % (عام 1978). وارتفعت نسبة الودائع التي تستحوذ عليها (خلال نفس السنوات على التوالي) من 7.7 % إلى 12 % إلى 15.8 % (235).

وكافةُ ملاحظات البنك المركزي (ومن معه) حول هذه البنوك التي تستقطب المدخرات المصرية والكوادر المدربة بشكل متصاعد سريع، ملاحظات تؤيدها الأرقام؛ فنسبةُ الودائع إلى إجمالي المركز المالي (= 100) كانت على النحو التالي (جدول 11):

جدول رقم (11)
أرصدة الودائع: إجمالي المركز المالي

1976
1977
1978
بنوك تجارية مشتركة
بنوك استثمار وأعمال
في مجموع البنوك الأجنبية
78 %
40.4 %
50.3
75.2 %
46.5 %
56.3 %
64.8 %
42.8 %
50.9 %


ومعروفٌ أن الودائع معتصرة أساسًا من السوق المصري، وحتى في بنوك الاستثمار والأعمال، كان مجموع الودائع يتألف عام 1976 من 63 مليون جنيه من عملاء محليين + 54.3 مليون جنيه من عملاء آخرين ـ عالم خارجي. (ولا يعني هؤلاء العملاء الآخرين، عملاء غير مصريين بالضرورة)، ولكنْ حدث - على أيَّة حال - في عام 1978 أن وصلت ودائع العملاء المحليين إلى 3.9 مليون جنيه. وودائع العملاء الآخرين إلى 61 مليون جنيه. ويُلاحظ أيضًا أن موارد بنوك الاستثمار والأعمال زادت من خلال الأرصدة المستحقة للبنوك في مصر من 38.1 مليون جنيه (1976) إلى 43.1 مليون جنيه (1977) إلى 115.1 مليونًا (1978). وقد واصلت البنوك الأجنبية نفس الاتجاه في توظيف مواردها، والذي تعرض للنقد عام 1976. فأرصدة البنوك التجارية المشتركة لدى البنوك (في مصر والخارج) استأثرت بما يقرب من 50.9 % من جملة الاستخدامات الرأسمالية (خلال 1976)، و56.6 % (خلال 1977)، و55.7 % (خلال 1978) (236). أمَّا بنوك الاستثمار والأعمال، فاستأثرت أرصدتها لدى البنوك (في مصر والخارج) بنسبة 58 % ـ و70 % ـ و64.5 % في نفس السنوات على التوالي (237).
وهذا الاستمرار في استنزاف المدخرات المصرية بالنقد الأجنبي، وتوظيفها في الخارج، انعكس في انخفاض نسبة ما تستخدمه هذه البنوك من مواردها في تقديم التسهيلات الائتمانية للأنشطة الاقتصادية المحلية، وبالتالي كانت نسبة أرصدة الودائع (باعتبار الأخيرة = 100) كما في الجدول (12):

جدول رقم (12)
أرصدة القروض: أرصدة الودائع

1976
1977
1978
بنوك تجارية مشتركة
بنوك استثمار وأعمال
بنوك تجارية قطاع عام
38.6 %
41.2 %
79.4 %
37.9 %
44 %
67.8 %
46.2 %
52.5 %
65.6 %

ولا تتغير الصورة كثيرًا، عند احتساب نسبة الأموال الموظفة إلى الودائع. (المقصود بالأموال الموظفة إضافة مجموع استثمارات هذه البنوك إلى مجموع القروض التي قدمتها)، وذلك كما في جدول (13).
جدول رقم (13)
الأموال الموظَّفَة: الودائع
1976
1977
1978
البنوك التجارية المشتركة
بنوك استثمار وأعمال
بنوك القطاع العام التجارية
38.6 %
44.3 %
86.1 %
39 %
48 %
77.1 %
48.6 %
67.8 %
79.4 %

وقد أشرنا إلى أن بنوك الاستثمار والأعمال، تعتمد - في جزء كبير من مواردها المحلية - على الاقتراض من البنوك في مصر (إلى جانب الودائع المصرية)، وإذا حسبت (نسبة الأموال الموظفة من بنوك الاستثمار) إلى (الودائع + للبنوك العاملة في مصر دون المستحق للبنك المركزي؛ سواء عن عمليات التمويل أو العمليات الخاصة)، نجد أن النسب الواردة في الجدول (13) تنخفض إلى: 31.6 % ـ 34.3% ـ 36.2 % في السنوات الثلاث على التوالي. ويبدو الفرق واضحًا بين هذه النسب، والنسب المقابلة لبنوك القطاع العام التجارية. ويعكس هذا الفرق التباين الشديد بين أرقام الاستثمار لبنوك القطاع العام، وبين أرقام الاستثمار للبنوك الأجنبية. ولم يكن الفارق ـ في هذا المجال ـ ملموسًا بين البنوك التجارية الأجنبية، وبين البنوك الأجنبية المتخصصة في الاستثمار والأعمال. وحتى في اكتتاب البنوك في سندات التنمية بالدولار الأمريكي التي أصدرتها الحكومة المصرية، كان نصيب كل البنوك الأجنبية
لا يتجاوز 10 مليون جنيه، واعتمدت الحكومة بشكل أساسي على البنوك التجارية للقطاع العام، التي زادت اكتتاباتها في هذه السندات (في عام 1978 وحده) إلى حوالي 259.2 مليون جنيه.

وتفسير كل هذه النتائج لا زال قائمًا على نفس الأسس التي حددناها (الفصل الثامن). وبدأ بعض التكنوقراطيين يكتشفون هذا التفسير؛ "فهذه البنوك معظمها فروع لبنوك أجنبية في الخارج. ولا تستطيع أن تصنع قراراتها منفردة، ولكنها تؤمر وتعمل في إطار السياسة العامة للمراكز الرئيسية لها. بل إن القرار السياسي - وليس القرار الاقتصادي - هو المؤثر في توجيه عمليات البنوك" (238). والقرار السياسي والقرار الاقتصادي لا زال يؤجل الانغماس الواسع للشركات الأجنبية (وضمنها البنوك) في عمليات الاستثمار المباشر، ومع هذا التأجيل تتسق كل النتائج المشكو منها، وعلى رأسها استمرار توظيف هذه الأرصدة المتزايدة من النقد الأجنبي (والمعتصرة من السوق المحلي) في أسواق النقد الخارجية. إن التأجيل ليس انتظارًا سلبيًّا، ولكن عمل نشط لإعداد المسرح بالشروط المناسبة، وتشارك البنوك الأجنبية بنشاط في هذا العمل (مع الجهات الأخرى) من أجل إعادة تشكيل هيكل الاقتصاد المصري وبنيته. فهذه البنوك تعزف عمدًا على توفير الائتمان للمواقع القادرة على استيعاب طاقتها التمويلية؛ لأن هذه المواقع تتمثل في قطاع الأعمال العام (الذي لم يتغير مضمونه بالكامل بعد). وهذا موقف سياسي، أو موقف من نوع النسق الاقتصادي المستهدَف على مستوى الاقتصاد الكلي، وليس موقفًا تحكمه دراسات الجدوَى للمشروعات، وما أشبه.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:06 PM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

إن يد البنوك الأجنبية مبسوطةٌ كل البسط في تقديم التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص، وتقبل في ذلك مخاطرَ كبيرة؛ فهي "لا تحرص كثيرًا على الالتزام ببعض المعايير المصرفية التقليدية... ونتنازل عن معاييرَ وشروط أساسية لازمة لاستمرار جودة الائتمان" (239). البنوك الأجنبية "تمنح العميل أي قدر من العملة ودون قيود.. والبنك الأجنبي في استطاعته تقديم أي (سُلفة) بالعملة الحرة، ودون التحقق من قدرة العميل على الوفاء بالقرض بالعملة الحرة.. بينما البنك المصري ملزم بالتأكد من توافر شروط مورد بالعملة الحرة" (240). وهذا الموقف من البنوك الأجنبية لا يبرره – فقط- التدفقُ الملحوظ من تيار الودائع؛ فالتبرير الأساسي هو التوسع في نسج شبكة العملاء بأقصى سرعة، أو في بناء ركيزة اجتماعية للانفتاح (تراعي في عناصرها ـ إلى حد كبير ـ مدى علاقتها بالسلطة السياسية). وفي سبيل هذا الهدف (الذي يأخذ اسم تشجيع القطاع الخاص) تقبل المخاطرة. ولكن يبقى - رُغم ذلك - أن قدرة قطاع الأعمال الخاص على استيعاب القدرات التمويلية المتاحة، لا زالت محدودة، وقبول المخاطر في تقديم الائتمان، ينبغي
ألا يتجاوز درجة معينة؛ ولذا توجه الموارد للتوظيف في الخارج، ولا تتسع نسبة الإقراض للقطاع العام في الدخل (انظر جدول رقم 14).

جدول (14)
توزيع أرصدة القروض والتسهيلات الائتمانية بين القطاعين العام والخاص (بملايين الجنيهات)
1976
ق. الأعمال ق. خاص * *
1977
ق. الأعمال ق. خاص
1978
ق. الأعمال ق. خاص
العام *
+ ق. عائلي
العام
+ ق. عائلي
العام
+ ق. عائلي
البنوك التجارية المشتركة
بنوك الاستثمار والأعمال
1.1
ـ
11.9 + 0.7
6.1 + 7.3
8.9
ـ
36.9 + 1.2
58.5 + 15
20.8
6.6
94 +14.2
123.1+39

* قطاع الأعمال العام: الهيئات الاقتصادية (خدمي بمقابل) + الهيئات الاقتصادية (إنتاج سلعي) + شركات القطاع العام.
* * القطاع الخاص: شركات الأموال + شركات الأشخاص + جمعيات تعاونية + مُنشآت فردية.
* إن هذا النمط من تخصيص الموارد، لا يهدِف إلى مجرد حرمان القطاع العام من مواردَ وطنية للإحلال والتجديد والتوسع؛ فالهدف الجوهري، هو الإسهام في إعادة صياغة القطاع العام؛ ولذا نجد أن البنوك الأجنبية لا تمتنع في الحقيقة ـ تمامًا ـ عن إقراض بعض وحدات القطاع العام، ولكن يتم الانتقاء في إطار الخط الاستراتيجي الذي حددته دراسات وأولويات الهيئات الدولية، والذي وجه اتجاه المستثمرين الأجانب نحو بعض مشروعات المشاركة، فالبنوك الأجنبية ـ اتساقًا مع هذا الخط ـ تقدم تسهيلات للشركات التي شارك فيها مستثمرون أجانبُ (وأصبحت في عرف قانون الاستثمار من شركات القطاع الخاص). وهي تقدم تسهيلات ائتمانية أيضًا للشركات المرشحة لهذا "الشرف"، أي للشركات الرابحة، والتي تعمل في مجالات مرضي عنها (كالسياحة). وهذا الاتجاه يساند التوصيات "بتحرير" شركات القطاع العام، من أي دعم أو إشراف مركزي، ويُسهم في إضعاف أو تصفية بعض الشركات غير المرضي عنها، ويثار الآن، وبإلحاح، مطلبُ فتح باب التعامل ـ على مصراعيه ـ بين شركات القطاع العام والبنوك الأجنبية؛ فالبنك المركزي قصر تعامل القطاع العام على بنوك القطاع العام الأربعة، لمدة عامين، أُضيف إليهما عام ثالث، وتطالب البنوك الأجنبية بتحقيق "المساواة" بعد انتهاء هذه الفترة (241). وتدعي البنوك الأجنبية أن تقاعسها عن إمداد شركات القطاع العام بالقروض والتسهيلات الائتمانية هو الوجه الآخر لمنع شركات القطاع العام من الإيداع في هذه البنوك (242)، وحقيقة الأمر أن موقف البنوك الأجنبية من إقراض القطاع العام له أسباب ومعايير استراتيجية أعمق، والمطالبة الملحةُ بفتح باب التعامل على مصراعيه، خطوةٌ جوهرية في مجمل الخطة العامة.
فرغم كافة عوامل التعرية، ظلت روابط قطاع الأعمال العام مع البنوك الأربعة المؤممة، تمثل وضعًا مؤسسيًّا يبقَى على قدر من تماسك القطاع العام المصري بكل مكوناته. فقد تم إلغاء المؤسسات العامة لشركات القطاع العام (وضمنها مؤسسة البنوك)، ولكن بقي - رغم ذلك - البنك المركزي المصري كأداة تنسيق خاصة لنشاط البنوك المؤممة. ومن خلال ذلك يتم نوع من التنسيق في التعامل مع شركات القطاع العام؛ كمسئولية متكاملة، رغم إلغاء التخصص بين البنوك التجارية للقطاع العام (243).
وتصفية هذا الوضع المؤسسي ـ من خلال فتح باب التعامل المرسل، بين شركات القطاع العام والبنوك الأجنبية ـ تعني تيسير عملية التغيير الشاملة المطلوبة. إنها ضربة للقطاع العام المصرفي ولقطاع الأعمال العام معًا، (وعلى رأس الأخير الصناعة المدارة وطنيًّا). ويدرك رجال البنوك الوطنيون هذه الحقيقة؛ "فالبنوك المصرية تتعامل مع القطاع العام بحسناته وسيئاته، أما البنوك المنشأة وفقًا لقانون الاستثمار، فلن تتعامل - بداهةً - إلا مع ما يروقها من وحدات القطاع العام، أي أنها ستحاول أن تجذب إليها الوحدات الدسمة من وحدات القطاع العام، وتغريها بما يمكن أن تقدمه إليها من تسهيلات وخدمات مصرفية متقدمة، قد تتفوق على نظيرتها من البنوك المصرية، ولكننا لا نتصور- بحال من الأحوال - أنَّ البنوك الجديدة ستُهرَع إلى الوحدات الاقتصادية الخاسرة من وحدات القطاع العام، أو الوحدات الضعيفة النشاط.. ولنا أن نتساءل ببساطة: هل حدث منذ أُنشئت هذه البنوك، أن تقدمت بعروض لتمويل الوحدات الضعيفة؟ لم يحدث ولن يحدث، فإذا أجبرنا بنوك القطاع العام على تحمل الأضرار التي نشأت - وتنشأ - نتيجة الاستمرار في مساندة الوحدات الضعيفة من وحدات القطاع العام، فيجب - من باب العدالة - أن نُهيِّئ لها فرصة التعامل مع وحدات القطاع العام الرابحة؛ حتى تستطيع أن توازن بين هذا وذاك" (244).
إن هدف السياسة التي تُقصِر تعامل شركات القطاع العام على بنوك القطاع العام، لا تهدف فقط إلى "الحفاظ على بنوك القطاع العام (... وإنما هدف هذه السياسة، هو المحافظة - بالدرجة الأولى - على شركات القطاع العام، وتمكينها من القيام بنشاطاتها المختلفة، وتوفير السيولة اللازمة لها.. فمعظم شركات القطاع العام ما زالت تبيع بالأسعار المحددة، بقرار من السلطات العُليا بالرغم من ارتفاع تكلفتها... وبالتالي فإن مشاكلها المالية، لا بد من علاجها بطريقة ما، وليس من المعقول أن نترك الشركات التي تواجه الأزمات المالية تتعامل مع البنوك الخاصة" (245).
إن فهم المصرفيين الوطنيين لأهداف المخطط صحيحٌ تمامًا، وهي توسع البنوك الأجنبية على حساب البنوك الوطنية، وتصفية ما تبقى من المفهوم القديم للقطاع العام، وبالتالي فرض سيطرة البنوك الأجنبية على مجمل النشاط الاقتصادي. ويقول علي نجم: "إننا لم ننشئ هذه البنوك لتقتطع من البنوك القائمة ما تقوم بأدائه، إننا نريد أن تكون هذه البنوك إضافة جديدة للاقتصاد القومي، وليست عبئًا على القائم من البنوك الأربعة " (245).
وهذا تصور صحيحٌ بالنسبة للاقتصاديين الوطنيين، ولكنه معاكس تمامًا لما تريده البنوك الأجنبية.
والبنوك الأجنبية لا تتوقف عن مسعاها، رغم ما تتعرض له من مقاومة، والمؤسسات المتحالفة معها تساعدها في هذه المهمة، فانتصارات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تصفية السيطرة المركزية على الإدارة الاقتصادية، وعلى ضبط قرارات شركات القطاع العام بالتالي، تمهد الطريق أمام البنوك الأجنبية. وكذلك تنجح هذه البنوك ـ بطرقها الخاصة ـ في الالتفاف حول قرار البنك المركزي بمنعها من اقتحام القطاع العام. وقد حذر البنك المركزي ـ منذ فترة مبكرة ـ من توالي خروج شركات القطاع العام على هذا القرار (246)، وفي تقريره الأخير أثبت أن مجموع ودائع قطاع الأعمال العام في البنوك التجارية المشتركة تصاعد من 1.5 مليون جنيه (1976) إلى 24.2 مليون جنيه (1977) إلى 78.1 مليون جنيه (1978)، وكانت ودائع شركات القطاع العام بالذات المصدر الأساسي للزيادة (أرصدة ودائعها 59.9 مليونًا عام 1978). ويلاحظ من هذا البيان أن ودائع قطاع الأعمال العام تتزايد قفزًا، فالزيادة في هذه الودائع خلال 1978 كانت 53.9 مليون جنيه، ومثل هذا الرقم 39 % من إجمالي الزيادة التي حققته البنوك المشتركة في جملة مواردها الرأسمالية، بينما ارتفعت ودائع قطاع الأعمال الخاص في نفس السنة بمقدار 41 مليون جنيه فقط. وصحيح أن قيمة ودائع قطاع الأعمال العام في البنوك المشتركة لا زالت محدودة بالنسبة لقيمتها المقابلة في بنوك القطاع العام (حوالي 1300 مليون جنيه عام 1978)، ولكن تظل معدلات الزيادة البالغة الارتفاع في استحواذ البنوك المشتركة على ودائع قطاع الأعمال العام - مؤشرًا إلى اختراق خطير آخر لما بقي من جبهة القطاع العام، وهي مؤشر على تحلل سيطرة الدولة، على الشركات التي تملك أصولها وتعين إداراتها، فالشركات تخرج بصراحة على قرار مركزي دون رادع أو عقاب.
والواقع أن البنوك الأجنبية لا تضرب فقط الروابط المالية (والتنظيمية) للقطاع العام كجزء من الحملة لإعادة صياغته؛ فهي تتوجه أيضًا ـ وفي نفس الوقت ـ لإعادة صياغة القطاع المصرفي نفسه، بل يعتبر هذا التوجه مدخلاً ضروريًّا؛ نظرًا لطبيعة الدور الحاكم الذي يلعبه الجهاز المصرفي في مجمل النسق الاقتصادي. وهي تقوم بهذه المهمة ـ في المقام الأول ـ عبر زيادة حصتها النسبية في النشاط المصرفي على حساب البنوك الوطنية كما بينا،
ولا يعني هذا بالضرورة أنها ستواصل الطريق إلى نهايته، فالبنوك الأجنبية ـ كما في القطاعات الأخرى ـ لا تهدف، ولا ترى ضرورة للتصفية الجسدية الكاملة للمؤسسات المحلية القائمة؛ إذ يكفي أن تضمن أن ما يتبقى منها، يعمل وفق شروطها (شروط شبكة المصارف الدولية)؛ أي تصبح بنوكًا تابعة في أسعارها وأنشطتها.

وقد تحقق في هذا الاتجاه نجاحٌ ملموس (بمساعدة كل المؤسسات الخارجية المتحالفة). فمع إلغاء مؤسسة البنوك، وبعد إلغاء التخصص في البنوك التجارية للقطاع العام، ومع استنزاف الكفاءات، ومع استخدام كل أدوات الإفساد، حدث فعلاً ورغم محاولات المقاومة الوطنية (التي يراد الإجهاز عليها تمامًا)، أن تشوه الأداء في البنوك الوطنية، واقترب في أسلوبه ومضمونه من أداء البنوك الأجنبية؛ فقد سجلت الرقابة الإدارية مثلاً أنه "في ضوء الانفتاح الاقتصادي واتساع نشاط البنوك التجارية في تمويل الكثير من الأنشطة، تمكن بعض العملاء؛ نتيجة إهمال أو تواطؤ بعض العاملين بالبنوك من التلاعب والحصول على أموال طائلة من البنوك بقصد الاستيلاء عليها، أو بغرض تمويل عملياتهم التجارية لتحقيق أرباح كبيرة، كان لا يمكن تحقيقها في ظل الالتزام بالنظم البنكية السليمة، الأمر الذي عرض هذه الأموال للخطر وأثر على السيولة النقدية لدى البنوك" (247).
ويلاحظ أيضًا أن قرارات البنوك الوطنية حول استخدامات قسم متزايد من الموارد الرأسمالية قد تبعثرت، وينعكس هذا بوضوح في جانب الاستثمارات ـ على سبيل المثال ـ إذ لم تعد تخضع لمعاييرَ قوميةٍ متسقة؛ سواء بسبب التشوهات المفروضة على القرارات المركزية نفسها،
أو بسبب المبادرات المتعارضة (والمريبة أحيانًا) الخاصة بكل بنك. يكفي بالنسبة لبنك مصر أن نشير مرة أخرى إلى موضوع مجمع العامرية، ويكفي أن نشير في البنك الأهلي إلى مساهمته في شركة التجارة متعددة الأطراف (مالتي تريد ـ في باريس) وما يرتبط بها من الشركة القابضة الأوروبية العربية في لوكسمبورج، وما يتفرع عنها في شركة التجارة متعددة الأطراف "مالتي تريد ـ شركة مساهمة مصرية". (انظر الفصل السادس حول طبيعة هذه الشركة). وكافة المشروعات التي تسهم فيها بنوك القطاع العام تدخل - على أيَّة حال - في إطار التوجيهات الخارجية، بدءًا من الاستثمارات العقارية والسياحية والدواجن، ومرورًا ببعض الصناعات المختارة (أسمنت السويس، وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية: الأولى تشترك في تمويلها وكالة التنمية الأمريكية، والثانية البنك الدولي والصناديق العربية)، وانتهاءً بالنشاط المحموم في تفريخ بنوك جديدة، تُزاحمها شخصيًّا في أعمالها (248).

وكما نعلم، توالت ضغوط صندوق النقد لرفع أسعار الفائدة في البنوك المصرية؛ كجزء من "تحرير" الأسعار، ومماشاة الأسعار في الدول المسيطرة. وأمام منافسة البنوك الأجنبية في اجتذاب ودائع المصريين بالنقد الأجنبي، (مع الاعتبارات الأخرى) كان لا بد من التصاعد في أسعار الفائدة المدينة والدائنة، وخاصة بالنسبة للودائع بالنقد الأجنبي، وارتبط بهذا دخول البنوك الوطنية مع بنوك الانفتاح في لعبة توظيف نسبة متزايدة من مواردها بإيداعها مقابل عائد لدى بنوك أجنبية (في مصر أو الخارج). فبلغت أرصدتها بالبنوك الأخرى (أرصدة ذات عائد) حوالي 680 مليون جنيه (عام 1976) و925.3 مليون جنيه (عام 1977) و1190.5 مليون جنيه (عام 1978)، ويرتفع الرقم الأخير إلى 1327 مليون جنيه إذا حسب بالسعر الموحد.


خامسًا ـ التعامل الخارجي والقطاعات الرائدة:
(1) ميزان المدفوعات والديون:
أ- أثناء السنوات محلّ الدراسة، تطورت الصورة العامة لميزان العمليات الجارية كما في جدول (15): (249)
جدول (15)
ميزان العمليات الجارية
(بملايين الدولارات ـ بالأسعار الجارية)
السنوات
1974
1975
1976
1977
1978
1979 *
الميزان التجاري
الصادرات (فوب)
الواردات (سيف)
واردات شركات البترول الأجنبية(1)
خدمات غير العوامل (صافي) (2)
خدمات عوامل (صافي) (3)
عجز الحساب الجاري
ـ 1841
1671
ـ 3512
ـ 70
92
47
ـ 1699
2832
1566
ـ 4398
ـ 140
95
84
ـ 2615
ـ 2778
1609
ـ 4387
ـ 240
627
458
ـ 1838
ـ 2521
1992
ـ 4513
ـ 330
572
529
ـ 1590
ـ 3692
1984
ـ 5676
ـ 290
729
1245
ـ 1763
ـ 3570
2730
ـ 3600
ـ 320
680
1200
ـ 1490

(1) تشمل - أساسًا - سلعًا رأسمالية للبحث عن النفط واستغلاله.
(2) تشمل متحصلات السياحة ـ قناة السويس ـ وبنودًا أخرى.
(3) تشمل تحويلات العاملين في الخارج، ودخل الاستثمارات.
* أرقام تقديرية.
وقد أبدى البنك الدولي اغتباطًا شديدًا بمعالم وتطورات هذه الصورة.. إذ "زادت مُتحصلات مصرَ من النقد الأجنبي من 2.4 بليون دولار في 1974 إلى ما يُقدر بـ 5.4 بليون دولار عام 1978. وأثناء هذه الفترة، برزت صادرات النفط وتحويلات العاملين، والسياحة، وقناة السويس كمصادر جديدة رئيسَة للنقد الأجنبي، وصاحب هذا تحول كبير في الصادرات الزراعية والصناعية من بلاد الكوميكون إلى منطقة العملات الصعبة.. وبالإضافة، تمكنَّت الحكومةُ من اجتذاب كميات كبيرة من المساعدة الخارجية، فكانت التدفقات الإجمالية من رأس المال المتوسط
والطويل الأجل بمتوسط 3.4 بليون دولار سنويًا أثناء 75 ـ 1978، وبالمقارنة كان المتوسط لا يتجاوز 0.6 بليون دولار أثناء 67 ـ 1972. وقد جاء القسم الأكبر من تدفقات المساعدة هذه من مصادر عربية وغربية، وقدمت بشروط ميسرة جدًا. إن هذا التوافر المتزيد للنقد الأجنبي من صادرات مصر نفسها للسلع والخدمات، ومن المساعدة الخارجية، خفف الضغط على ميزان المدفوعات، وسمح بمستويات من الواردات أعلى كثيرًا. وقد مهَّد هذا ـ بدوره ـ لزيادة الاستثمار والاستهلاك بمعدل أكبر، ولاستخدام أكفأ لطاقات الإنتاج القائمة. إن واردات السلع والخدمات زادت من حوالي 4.1 بليون دولار عام 1974 إلى 7.2 بليون دولار عام 1978 (رقم تقديري)، وواردات السلع الرأسمالية زادت بمعدل أسرع من ذلك، إن التوافر المتزايد للنقد الأجنبي مكن المنتجين الصناعيين والمزارعين من استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة (شاملة الأسمدة والمبيدات وقطع الغيار)، وبذا تحطمت نقاط الاختناق الرئيسَة التي حدَّت من التوسع المحلي للخدمات؛ كالتجارة والسياحة والمواني والشحن. وقد أدت هذه التطورات إلى تسارع معدل النمو الاقتصادي على نحو حاد" (250).
إن بعض هذه الاستنتاجات التي استخلصها البنكُ الدولي غير صحيحة؛ فقد سبق أن أثبتنا كذبَ الادعاءات حول معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وسبق أن أوضحنا حقيقة المعدلات في قطاعَي الزراعة والصناعة بالذات (رغم تأكيدنا المستمر على أن محتوى النمو - وليس معدله - هو ما يهمنا في المقام الأول). ولكن هناك ـ من ناحية أخرى ـ بعض نتائجَ صحيحة، سجلها تقرير البنك؛ فقد حدث (كما تابعنا في الفصول السابقة) تزايدٌ مطردٌ في الانحياز والتبعية للأسواق الغربية، دون مبرر اقتصادي مقبول من منظور مستقبل، وفي العامين 1977 و1978، أصبح توزيع تجارة مصر الخارجية على النحو المُبيَّن في الجدول (16).
جدول (16)
نسبة الكوميكون.. ونسب أمريكا وأوروبا الغربية (%) من مجموع المعاملات السلعيَّة (251)
السنة
الصادرات (1)
الواردات (1)
1977
1978
1977
1978
دول الكوميكون
الولايات المتحدة
السوق الأوروبية
دول أوروبية أخرى
30.6
20.7 5
21.0
8.3
20.0
23.0 5
26.3
7.7
10.6
21.6
32.7
14.1
6
24.1
40.5
14.2

(1) مبالغ المعاملات (التي حسبت النسب وفقًا لها) مقومة بالأسعار الفعلية. ويعني هذا أن جزءًا من زيادة الأرقام في حالة الدول الغربية، يمثل أثر سعر السوق الموازية، ولا يعكس مجرد الزيادة الحقيقية في التعامل.
* الصادرات إلى الولايات المتحدة تمثل - في جانب كبير منها- صادراتٍ تم تحصيل مبالغها بالدولار الأمريكي، عن طريق مراسلي البنوك وقيدت كصادرات إلى الولايات المتحدة؛ حيث تعذر تحديدُ البلاد الأصلية. ويعني هذا أن الصادرات الفعلية إلى الولايات المتحدة أقل من المبالغ ومن النسب المعبرة عنها، في هذا الجدول.
ورغم بعض التحفظات حول دقة النسب السابقة، فإن الاتجاه واضح لا يخطئ؛ فدول الكوميكون (الدول الاشتراكية الأوروبية) هبطت نسبتها في الصادرات إلى 20 %، وفي الواردات إلى 6 %، وارتفعت النسبتان المقابلتان مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية معًا إلى 57.5 % و78.8%.
وقد أصاب البنكُ الدولي كذلك في ملاحظته حول الزيادة الكبيرة في متحصلات النقد الأجنبي؛ إذ تمت فعلاً زيادة كبيرة، ولكن حتى من منظور التوازن الشكلي (الذي تضعه الهيئات الدولية كمعيار أول لتحسن موازين التعامل الدولي) لم تسفر هذه الزيادة عن اتجاه ملموس ومستقر لخفض عجز العمليات الجارية، بل حدث في نفس الفترة اتساعٌ في عجز الميزان التجاري؛ نتيجة الزيادة العشوائية وبمعدلات عالية في الاستيراد السلعي. وليس صحيحًا أنَّ واردات السلع الوسيطة والسلع الرأسمالية، كانت مسئولة عن هذا الاتجاه، "فتحطمت نقاط الاختناق الرئيسَة التي حدَّت من التوسع". الصحيح هو ما يعبر عنه الجدول رقم (17):
جدول (17)
مجموعات الواردات * السلعية بملايين الدولارات (أسعار ثابتة) (252) وبأرقام قياسية

1977
1978
1979 *

ملايين الدولارات
أرقام قياسية
ملايين الدولارات
أرقام قياسية
ملايين الدولارات
أرقام قياسية
القمح والدقيق
سلع زراعية أخرى
سلع صناعية استهلاكية
مجموع السلع الاستهلاكية
سلع وسيطة
سلع رأسمالية
مجموع الواردات السلعية
583
484
645
1712
1667
1505
4884
100
100
100
100
100
100
100
731
570
745
2046
1950
1680
5676
125
118
116
120
117
112
116
710
670
870
2250
1790
1540
5580
122
138
135
131
107
102
114

* واردات شركات البترول الأجنبية مُستبعدَة (أساسًا سلع رأسمالية للاستكشاف والاستغلال).
ويبدو من الجدول (17) أنَّ معدلات الزيادة في واردات السلع الرأسمالية كانت الأكثر انخفاضًا، ومعدلات الزيادة في السلع الوسيطة، كانت أقل من معدلات الزيادة في السلع الاستهلاكية. والسلع الوسيطة - على أيَّة حال - تصب أيضًا في مجرى الاستهلاك. ويعني كل هذا أن استراتيجية التنمية، ومجمل السياسات الاقتصادية، حدت من نمو الإنتاج السلعي لملاقاة الطلب المحلي، وعمقت إدمان أنماط الاستهلاك المستوردة، فتضاعف الاعتمادُ على دول السيطرة الغربية، في إشباع ما أصبح حاجاتٍ معيشية يومية، ومعارضة هذا الموقف لم تعد أمرًا سهلاً، فعلاج الإدمان صعب، ويواجه بمقاومة من فئات اجتماعية واسعة. ومن ناحية أخرى، فإن الأوضاع المؤسسية الجديدة لقطاع التجارة الخارجية، أنهت تقريبًا أية قدرة للدولة على إدارة هذا القطاع أو توجيهه، وحلت محلها القوى الأجنبية وعملاؤها المحليون. لقد تابعنا هذا التطور في فصول سابقة (وخاصة الفصل السادس). وأوضحنا ما أدت إليه هذه السيطرة الجديدة، من انهيار في ميزان المدفوعات، ونذكّر هنا بما تحقق منذ "قانون التصفية"، من هيمنة شبه كاملة لصندوق النقد على سعر الصرف، وتسارع في إنهاء العمل باتفاقيات الدفع، والتزام الحكومة المصرية بالتوسع في قائمة التراخيص العامة المفتوحة، التي يتضاعف أثرها في "تحرير" التجارة مع استمرار وتوسع الاستيراد العيني في نطاق السوق الموازية (الذي يشمل الاستيراد دون تحويل (عملة). فهذا النوع من الاستيراد ـ الذي لا يخضع لأي توجيه مركزي ـ بلغت قيمته 155.7 مليون جنيه (1976) و265.2 مليون جنيه (1977) و587.2 مليون جنيه (1978) (253). وزاد بأكثرَ من 40 % (عام 1979) (254) ـ وقد امتصت هذه المبالغ 47 % من إجمالي تحويلات العاملين في الخارج (1976) و44.5 % (عام 1977) و58.5 % (عام 1978).
ويتوقع زيادةُ هذه النسبة خلال عام 1979. ويلاحظ طبعًا تزايد الأهمية النسبية لهذا النوع من الاستيراد إلى الاستيراد السلعي المنفذ عن طريق الميزانية النقدية؛ إذ بلغت نسبته 14.2 % (خلال 1977) وقفزت إلى 27.5 % (خلال 1978) ـ وفي كل الأحوال، لا يدخل في تلك الأرقام والنسب، ما تم استيرادُه عن طريق بورسعيد، وما أحضره العائدون من الخارج بصُحبتهم.
وبعيدًا عن هذا القطاع من الاستيراد، فإن شركات القطاع العام في مجال التجارة الخارجية، فقدت تمامًا دورها المميز (255)، وتراجعُ حصتها النسبية من عمليات التصدير والاستيراد أمام توسع القطاع الخاص، كان أسرع من معدل التراجع في أي مجال آخر؛ فصادرات الشركات التجارية للقطاع العام، لم تتجاوز قيمتها (فوب) خلال عام 1977 حوالي 98.4 مليون جنيه، أي مثلت 14.7 % فقط من إجمالي الصادرات في ذلك العام (668.5 مليون جنيه، وترتفع النسبة إلى 23 % إذا أُضيفت عملياتُ التصدير غير المباشر لهذه الشركات (أي التي يتولاها القطاع الخاص من الباطن) (256). ويرتكز قسم هام من نشاط شركات القطاع العام، على التعامل مع الدول الاشتراكية؛ لأن التعليمات الخارجية تمنع تعامل الأفراد والشركات الخاصة مع هذه الدول. وقد يكون هذا الاعتبار سببًا أساسيًّا لاستمرار شركات القطاع العام في العمل، ويكون طبيعيًّا أن تنخفض حصة شركات القطاع العام من تجارة مصر الخارجية باطراد، مع انكماش العلاقات مع الأسواق الاشتراكية، ومع التوسع المقابل في العلاقة مع الأسواق الغربية التي تفضل التعامل مع القطاع الخاص.
وانعكس ذلك في أن قيمة صادرات شركات القطاع العام من السلع الصناعية، والسلع المتنوعة غير التقليدية (257) كانت حوالي 21.1 مليون جنيه (عام 1977)، وتمثل حوالي 3 % من القيمة الإجمالية للصادرات، إلا أن الصورة على جانب الاستيراد أكثر دلالة؛ فالواردات المباشرة لشركات القطاع العام خلال 1977 لم تتجاوز بالقيمة "سيف" حوالي 137.6 مليون جنيه، تمثل 8 % فقط من قيمة الواردات الإجمالية (1884.3 مليون جنيه).
وعمليات الاستيراد للغير (الاستيراد غير المباشر) أصبحت تمثل الجانب الأهم من النشاط؛ فقد بلغت قيمة هذه العمليات عام 1977 حوالي 834.4 مليون جنيه، وكانت عمولات الاستيراد للغير حوالي 17 مليون جنيه، مثلت 68% من الفائض الذي حققته شركات القطاع العام من نشاط الاستيراد (258). إن شركات القطاع العام.. فقدت مضمونها السابق تمامًا، حين كان الاستيراد بأكمله في يد الدولة، وبقيادة المؤسسة العامة للتجارة الخارجية؛ فحجمُ عملياتها المتواضع، أصبح لا يمكِّنها من مباشرة أي توجيه (إذا كان التوجيه مطلوبًا).
والواقع أنها أصبحت ـ في الأساس ـ مجرد أداة لمنع تعامل القطاع الخاص مَع الدول الاشتراكية من ناحية، ولتمويل وتيسير عمليات القطاع الخاص من الأسواق الغربيةـ من ناحية أخرى ـ دون أي تدخل لمنع الفوضى والاستنزاف الذي يصاحب التوسع الاستيرادي، بل لقد تشكلت شبكات المصالح المشتركة المستفيدة من الاستنزاف، وبينما يحقق القطاع الخاص في التجارة الخارجية معدلاتٍ هائلة من الأرباح، يلاحظ أن الأرباح الصافية لشركات القطاع العام محدودة، وتتزايد أرصدة المدينين في هذه الشركات من سنة إلى أخرى (من 47 مليون جنيه في آخر 1974 إلى 59 مليونًا في آخر 1977) (258). ومع استمرار وتفاقم كل هذه التوجهات، كان القرار بحل شركات القطاع العام في التجارة الخارجية (يوليو 1980)، مسألة منطقية.
ب ـ سبق أن أوضحنا أن التقديرات التي صاحبت "قانون التصفية" أشارت إلى استمرار الفجوة التمويلية في التعامل الدولي حتى عام 1980 (آخر سنة شملتها التقديراتُ في ذلك الوقت)، بل واستمرار الفجوة في حساب العمليات الجارية، مع وعد بأن تكون الأخيرة في نطاق لا يتطلب إجراءات استثنائية لمواجهتها (أي لا يتطلب مِنَحًا وقروضًا نقدية ميسرة). وقد أكدت الحكومة في العام التالي (1978) ـ مع صندوق النقد ـ هذا الاتجاه، فقالت: إن "هدفنا ـ خارجيًّا ـ هو أن ندعم ميزان المدفوعات؛ بحيث سيواجه بالكامل العجز في الحساب الجاري بتدفقات رأسمالية عادية، عند نهاية فترة البرنامج". ولكن حدث بفضل فوضَى التجارة والإدارة الاقتصادية، أن فاقت الفجوةُ كل التقديرات.
كان مستهدفًا أن يتناقص العجزُ في الحساب الجاري باطراد، وكذلك بالنسبة للفجوة التمويلية، خلال الفترة 77 ـ 1980 (259). في أوائل 1977 أشارت التقديرات إلى أن العجز في الحساب الجاري، سيهبط إلى 1850 مليون دولار عام 1980، وفي منتصف العام ازدادت التقديرات تفاؤلاً؛ فهبطت برقم العجز المتوقع في هذا العام إلى 1317 مليون دولار (260)، ولكن حدث أن تجاوز العجز الفعلي في العمليات الجارية هذا الرقم الأخير أثناء عام 1979؛ إذ وصل العجز إلى 1490 مليون دولار، ويتوقع أن يصبح 2150 مليون دولار عام 1980 (261). كذلك كان مقدرًا ـ في أوائل 1977 ـ أن تضيق الفجوة التمويلية إلى 850 مليون دولار عام 1980، وفي منتصف العام عدلت التقديرات إلى 2262 مليون دولار، ولكن حدث في عام 1979 أن أصبحت الفجوة التمويلية 2410 مليون دولار، ويتوقع أن تصل إلى 3190 مليونًا عام 1980. وفي ضوء هذه الحقائق، كان ضروريًّا ألا تقتصر إشادة البنك الدولي على مسألة الزيادة الكبيرة في الموارد الذاتية للاقتصاد المصري من النقد الأجنبي؛ فالسياسات الاقتصادية التي تكفلت بابتلاع كل هذه الزيادة، وحافظت على فجوة تمويلية واسعة، تمكنت أيضًا "من اجتذاب كميات كبيرة من المساعدة الخارجية (...) وقد جاء القسم الأكبر من تدفقات المساعدة هذه من مصادرَ عربية وغربية، وقُدِّمت بشروط ميسرة جدًا" (250).
ولكنَّ البنكَ نفسه، سبق أن لاحظ أن رغم "أن الشروط
لا زالت ميسرة جدًا، إلا أن المنح انخفضت في نفس الوقت إلى حد كبير. وإذا استمر هذا الاتجاه يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في الخط البياني لمدفوعات خدمة الديون، بل وفي النصف الأول من الثمانينيات" (262)... ولكن "إذا كانت المديونية هي الوجه الأول للعملة؛ فإن الوجه الآخر هو القدرة المتزايدة على إحداث تحويل للموارد من الخارج" (263). إلا أن هذا الوجه الآخر غير مضمون استمراره، وهو أداة مستمرة لفرض الشروط والتبعية. وبالنسبة للوجه الأول، أي وجه المساعدات باعتبارها ديونًا تزداد تكلفتها ـ باعتراف البنك الدولي ـ فإن حجم الديون الخارجية لسد الفجوة التمويلية (في الحساب الجاري وحساب رأس المال)ـ الديون الطويلة والمتوسطة الأجل (المستخدمَة) ـ كانت حوالي 5.9 بليون دولار (في آخر 1976) فأصبحت حوالي 7.5 بليون دولار (في آخر 1977) و10 بليون دولار (آخر 1978) وارتفع الرقم إلى حوالي 10.6 بليون دولار حتى 31 يوليو 1979 (264)، وإذا أضيفت القروض التي
لم تسحب بعدُ؛ يرتفع الرقم الأخير إلى 14.9 بليون دولار.

وفي الديون المستخدمة، كانت نسبة الدول العربية والنفطية 46.6 %، ونسبة دول ومؤسسات السيطرة الغربية 39.7 % ونسبة الدول الاشتراكية انخفضت إلى 5.8 % (265). وكانت تقديرات صندوق النقد تشير إلى أن معدل خدمة الدين (أي نسبة ما تقتطعه الفوائد والأقساط من حصيلة صادرات السلع والخدمات) سيكون 12 % عام 1977
و 10 % عام 1978 (266)، ولكن البنك الدولي أعلن (وهو بصدد الإشادة "بالشروط المواتية للاقتراض الجديد" والتي "خففت عبء الديون المتوسطة والطويلة الأجل للبلاد "أعلن البنك أن معدل خدمة الديون أصبح عام 1978 حوالي 24% (267). ومع الزيادة الكبيرة في صادرات السلع والخدمات، أي مع الزيادة الكبيرة في المتحصلات النقدية التي يشير إليها البنك الدولي باعتزاز، تعني هذه النسبة (24 %) أن خدمة الديون أصبحت حوالي 1200 مليون دولار.

إن تشكيل الأوضاع على نحو يبقَى الاقتصاد المصري معتمدًا بشدة على الاستدانة من العالم الخارجي، وإلى أجل غير معلوم، أداةٌ ضرورية، لاستكمال مهام فترة الانتقال إلى التبعية. فمنح القروض ـ في هذه الظروف ـ أو وقفها أو تعجيل سدادها (حسب الحالة) يضمن ضبط المسار إلى نهايته. في عام 1978 ـ بعد رحلة القدس وقبل كامب ديفيد ـ كانت القوى الخارجية المعنية تميل إلى التيسير، وقبل صندوق النقد أن يؤجل بعض مطالباته (انظر الفصل التاسع)، فتضافرت الجهود لمواجهة العجز الجاري وللوفاء بقيمة الالتزامات المتعلقة بأقساط القروض الطويلة والمتوسطة وفوائدها، وكذا تسديد تسهيلات مصرفية وفوائدها قدرها يعادل 407.8 مليون جنيه، وتسهيلات موردين تعادل 218.4 مليون جنيه. وقد سمح للسلطات المصرية ـ في مواجهة ذلك ـ باستخدام ما قيمته 80.1 مليون جنيه كمسحوبات من صندوق النقد وفقًا لترتيبات المساندة، ولم تقصر الدول النفطية في ذلك العام (بعد رحلة القدس)؛ فتحويلات الدعم (وفقًا لقرارات الخرطوم والرباط) بلغت نحو 114.9 مليون جنيه، وصحيح أن هذا الرقم ينقص 36.1 مليونًا عن العام السابق، ولكن الاتجاه النزولي في التحويلات كان متوصلاً ومنتظمًا منذ 1974، كما ذكرنا، فلا علاقة لانخفاض عام 1978 مع أية تطورات سياسية خاصة. وقد تم سحب الشريحة الثانية من قرض هيئة الخليج (500 مليون دولار أي 195.6 مليون جنيه). وحصلت الحكومة المصرية أيضًا على قرض من صندوق النقد العربي (حوالي 4.7 مليون دينار عربي حسابي أي 7.1 مليون جنيه).
وحصلت الحكومةُ على تسهيلات من بنوك عربية وأجنبية لتمويل صادرات محصول القطن (125 مليون دولار تعادل 48.9 مليون جنيه)، وكذا ودائع (215 مليون دولار تعادل 84.2 مليون جنيه) من بنوك وهيئات أجنبية، وهي - أساسًا - بترودولارات (268). وإلى جانب هذه الإسهامات النقدية، نشطت الصناديق العربية في تقديم قروض مشروعات.
جـ ـ ولكن في 1979 بعد تحقيق هدف توقيع الاتفاقية، كشَّر صندوقُ النقد عن أنيابه، وتغيرت الصورة؛ فقد أوقف الصندوق منحَ تسهيلاته الائتمانية؛ بسبب تباطؤ السلطات في تنفيذ التعليمات (راجع الفصل التاسع)، وسجل البنك الدولي أن الواردات من السلع الوسطية والرأسمالية، حققت في ذلك العام زيادات إسمية بحوالي 3 %، ويتضمَّن هذا انخفاضًا فعليًّا بحوالي 8 %، "ويرجع هذا الانخفاض - إلى حد كبير- إلى الانخفاض الدرامي (إلى حد ما) في استخدام المساعدات الخارجية، ويمكن أن يعوق هذا احتمالات النمو الاقتصادي في الأمدين؛ القصير والمتوسط" (269). وبالفعل حدث - مع وقف ترتيب المساندة مع صندوق النقد - هبوطٌ في استخدام "المساعدات". قال الرئيس السادات: إن "القروض والمنح تنهال علينا من كل العالم.. عشرات المليارات نازلة علينا علشان التنمية" (270)، ولكن وزير الاقتصاد (حامد السايح) قال قبل خطاب الرئيس بشهر واحد: إن الحكومة كانت تأمل في تكثيف الجهود الدولية عن طريق خطة شاملة، على نمط مارشال (...) ولكنها لم تجدْ استجابة سريعة في هذا الشأن"(271). وكلام الوزير كان أقرب للحقيقة، ولكن الحقيقة الكاملة هي هبوط الحجم المطلق لتدفق التمويل الخارجي، وليس عدم مماشاة الزيادة لتطلعات القيادة السياسية، كما يفهم من كلام الوزير، فقد هبط التدفق الإجمالي لرءوس الأموال المتوسطة والطويلة الأجل إلى 2410 مليون دولار أثناء عام 1979 (أي أقل بنسبة 29 % من مستوى 1978 وكان 3373 مليون دولار). والقروض الرسمية أكثر حساسية في الاستجابة لصندوق النقد؛ ولذا هبطت هذه إلى 1160 مليون دولار (1979) مقابل 2150 مليون دولار (1978)، أي كان الخفض بنسبة 46 %، وبالنسبة للقروض السلعية (ذات الأهمية الخاصة في ميزان العمليات الجارية) بدأ خط الإمداد بمستوى منخفض (775 مليون دولار في أول يناير 1979 مقابل 1110 مليونًا في أول يناير 1979)، وحدث أثناء العام تباطؤ في عقد أية تعاقدات جديدة، وحدث إبطاء أيضًا في استخدام "المساعدات" السلعية المتاحة، وكانت النتيجة على النحو التالي (272):






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:08 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

جدول (18)
نمط استخدام "المساعدات" السلعية
(بملايين الدولارات)
المساعدات السلعية المتوافرة
الاستخدام
نسبة الاستخدام %
1977
1978
1979
1605
2150
2455
491
712
605
30.6
33.1
24.6

وبطبيعة الحال، كان التنسيق بين الحكومة الأمريكية وصندوق النقد أكثر إحكامًا، بل بادرت الحكومة الأمريكية قبل صندوق النقد في توقيع العقوبات. إن برنامج "المساعدات" الأمريكي لعام 1979 لم يكن في مستوى طموحات "مشروعات كارتر" ولكن حدث فعلاً أن زاد حجم الاتفاقيات الموقعة مع الولايات المتحدة خلال عام 1979، فبلغت 1061.5 مليون دولار (مقابل 933.7 مليونًا عام 1978). وكانت الحكومة الأمريكية سخية في "المنح". فخارج نطاق القانون العام 480، كانت المنح 585 مليون دولار، أي 55 % من إجمالي المبالغ المقدمة (شاملة 85 مليون دولار من الاعتماد الإضافي بمناسبة السلام)، وضمن القروض المقدمة كانت القروض السلعية 250 مليون دولار. ولكن هذا السخاء كان "الجزرة"، وحين تلكأت الحكومة المصرية في تنفيذ التعليمات، استخدمت العصا، فتوقفت وكالة التنمية الأمريكية عن اتخاذ أيَّة خطوات لتنفيذ اتفاقيات المنح إلا في حدود 5.9 مليون دولار، والمستخدم فعلاً
لم يتجاوز 0.9 مليون دولار خلال 1979. أما القروض السلعية وقروض المشروعات؛ فلم تُتخذ بشأنها أيَّةُ خطوةٍ تنفيذية، وبالتالي كان إجمالي المستخدم من المساعدات الأمريكية هو في حدود الـ 0.9 مليون دولار، 172.9 مليون دولار (قروض القمح والسلع الغذائية) وكان هذا الرقم الإجمالي (173.8 مليون دولار) أقل مستوى لاستخدام القروض والمنح الأمريكية منذ عام 1975 (273).

وقد حدث في نفس العام (1979) أن أوقفت الدول الخليجية تحويلات الدعم، وزاد ضغطها على ميزان المدفوعات المصري بمنع تصدير مشتقات النفط إلى مصر، فتم استيرادها بأسعار تبلغ ضعف الأسعار الميسرة للأوبِك. وبالتأكيد هناك تساؤل مشروع (على ضوء السوابق مع المال النفطي الخليجي) حول ما إذا كانت هذه الإجراءات في إطار التحركات القومية ضد كامب دافيد، أو في إطار آخر؟
على أيَّة حال، أدت تحركات الحكومة الأمريكية وتوابعها إلى بعض النذر؛ إذ اضطرت السلطات المصرية إلى خفض واردات السلع الوسيطة والرأسمالية، بطريقة تحكمية وعشوائية، وصحيح أن العجز الجاري في عام 1979 كان يقل؛ نتيجة لخفض الواردات بنسبة 15 %، عن العام السابق، ولكن حدث رغم هذا أن أدى قصور الموارد الخارجية إلى زيادة الائتمان القصير الأجل في نهاية 1979 بحوالي 600 مليون دولار (مقابل 443 مليونًا في نهاية 1978) أي زاد صافي الاقتراض عبر التسهيلات المصرفية حوالي 150 مليون دولار، وبالإضافة زاد صافي ائتمان الموردين حوالي 100 مليونًا (274). والبنك الدولي سبق أن سجل العظة المستخلصة من كابوس 76/ 1977؛ "فالرسالة التي أبلغتها هذه الأحداث، كانت مما لا يُختلف فيه؛ فقيام حجم كبير من الديون القصيرة الأجل، يجعل بوسع أية بادرة (ولو كانت صغيرة) لظروف معاكسة، أو لإدارة اقتصادية متدنية، أن تطلق أزمة سيولة، وتدمر أهلية البلاد للاقتصراض، وعلى ذلك فإن الانضابط المحكم لمنع التورط في ديون قصيرة الأجل، ينبغي أن يشكل مبدءًا هامًا في سياسة إدارة الدين" (275). وقد تجمعت النذر في أواخر 1979، فالظروف المعاكسة قائمة (غضب الجهات الخارجية)، والإدارة الاقتصادية المتدنية موجودة (الإدارة التي تتباطأ في تنفيذ التعليمات).
ولكن يبدو أن السلطات المصرية ظلت على ترددها أمام جسامة المطلوب منها، وأمام تصور أن علاقاتها الدولية (بعد كامب دافيد والمعاهدة) تسيغ بعض المماطلة في تنفيذ إجراءات "غير شعبية"، وساعدها في هذا الموقف أيضًا أن إجراءات الردع لم تكن كافية؛ إذ أفسد مفعولها - إلى حد كبير – أن قيمة الصادرات زادت على نحو غير متوقع من الحكومة أو الصندوق، بحوالي 38 % بفضل الزيادات الكبيرة في المتحصلات من النفط والقطن الخام؛ فالقطن الخام زادت صادراته بضربة حظ، أي بسبب محصول غير عادي، وزيادة المتحصلات من النفط كانت راجعة في الأساس إلى ضربة حظ أخرى، أي إلى زيادة في أسعار التصدير للنفط الخام؛ نتيجة قرار الأوبك (1350 مليون دولار في 1979 بالمقارنة بحوالي 734 مليون دولار عام 1978 ـ محسوبة للسنة ككل، ولو أن الزيادة في نصف السنة كانت قريبة من 80 في المائة إذا أخذنا في الاعتبار الأسعار العالمية للسوق الحرة التي تحصل عليها مصر، والتي ترتفع كثيرًا فوق السقف الذي حدده الأوبك) (276)، ورغم انخفاض المتحصلات من السياحة (نتيجة المقاطعة العربية أساسًا) إلى 650 مليون دولار مقابل 702 مليونًا (1978)، فإن متحصلات قناة السويس زادت بحوالي 17 % بسبب زيادة في الرسوم في منتصف العام، وتحويلات العاملين في الخارج زادت بنسبة 11 %.
وبالنسبة لوقف تحويلات الدعم، ردت السلطات المصرية بإعلان التوقف مؤقتًا عن سداد فوائد الودائع وبعض القروض العربية (حوالي 200 مليون دولار).
وقد حدث في مباحثات آخر العام، أنْ تقدم صندوق النقد بطلبات مُلحة؛ وُوفِق على بعضها، وأُرجِئ البعضُ الآخر، وعلى رأسه تخفيض جديد لسعر الصرف. "ويمكن أن تكون البداية في هذا الاتجاه بتعديل نزولي في السعر إلى حوالي 0.72 جنيه للدولار. وقد وافق د. السايح على أن السعر الحالي لا ينبغي اعتباره سعرًا جامدًا، ولم يغلق الباب أمام احتمال التعديل النزولي" (277). ولكن هذا الموقف
لم يكن مرضيًا، وكان لا بد من عقاب، وقد انتهت المحادثات في 6 ديسمبر، وحدث بعدها أن تقدمت دول الخليج تطلب ودائعها. وقررت وقف السحب على ما تبقَّى من قروضها للمشروعات (نحو 170 مليون دولار)، وطلب سحب الودائع بالذات، دفعة واحدة؛ إنذارًا بإحداث انهيار خطير، ولكن السلطات المصرية ردت بأمر عسكري يقضي بحظر سحب الودائع لاعتبارات الأمن القومي (278).

ومعروفٌ أن صندوق النقد سبق أن كتب "أن تأجيل سداد الودائع، سيستمر طالما أن ميزان مدفوعات مصر يتطلب هذا"، ولكن كان هذا الكلام يتضمن ـ في نفس الوقت ـ شرط أن تكون الحكومة المصرية منتظمة في تنفيذ التعليمات. وقد نسجل في هذه المناسبة أنه لوحظ في المحضر السري لمباحثات ديسمبر 1979 أن ممثل الصندوق (شعلان) لم يثِر قضية التوقف المصري عن سداد الفوائد العربية؛ باعتبارها من نقاط الخلاف الساخنة، ولوحظ أيضًا أن هذا التوقف، وما تلاه من قرار بحظر سحب الودائع،
لم يمنع من عقد اجتماع المجموعة الاستشارية الثالثة، بحضور صندوق النقد وإشراف البنك الدولي، وحسب معلوماتنا، لم يثر الموضوع أيٌّ من الحاضرين، مع أن جزءًا صغيرًا من هذه الإجراءات كان كفيلاً ـ في ظروف أخرىـ بإثارة زوابع الهيئات الدولية ومن حولها. وتفسير ذلك، أن الجو السياسي العام في المنطقة العربية، كان يوحي بأن سحب الودائع في إطار المحاربة "للحلول التصفوية"، وضار سياسيًّا أن تثار في هذا الجو ضجةٌ غربيةٌ لمساندة أصحاب الودائع، وفي نفس الوقت، فإن صندوق النقد ـ الذي يعلم الملابسات الحقيقية ـ يدرك قيمة احتواء مثل هذه التناقضات (في ظروف سياسية معقدة) دون ضجة تثير حقيقة دوره ومطالبه (279).

لقد أراد الصندوق أن يستخدم قضية الودائع كأداة ضغط في دبلوماسيته السريَّة، وبالفعل تمت مباحثات واتصالات سرية مع الصندوق، كان وجهها الأول دفاعًا عن حق أصحاب الودائع، وكان وجهها الآخر المطالبة بتنفيذ التعليمات. ورغم جهلنا بنتائج هذه المباحثات ـ حتى كتابة هذه السطور ـ نؤكد أن النتيجة ستكون ترتيبات ميسرة لحل مشكلة الودائع، مرتبطة بجدول زمني لتنفيذ الالتزامات والشروط.
ولمزيد من التوضيح حول موقف الدول الخليجية و"مساعداتها"، نُلفت النظر إلى فقرة جاءت في تقرير رسمي لوكالة التنمية الأمريكية، الفقرة تتناول جهد الحكومة الأمريكية لحشد وقيادة مصادر إضافية لإقراض الاقتصاد المصري، وتقول: "إن مدَى التمويل العربي، الذي كان المصدر الأساسي لدعم ميزان المدفوعات في الماضي، معرض لدرجة ملحوظة من عدم اليقين، ولكن يتوقع أن يظل ضخمًا" (280) (التشديد من المؤلف).
على أيَّة حال، كان تزايد اعتماد الاقتصاد المصري على الواردات مسألة خطيرة، فهو يؤكد ـ كما يقول البنك الدولي ـ انعدام المنعة الاقتصادية لمصر، أي أن الاقتصاد المصري معرض لإصابة بليغة لدى أي طارئ سلبي في علاقاته الخارجية؛ سواء فيما يتعلق بالاستهلاك، أو الإنتاج، أو الاستثمار (281). ويتوقع البنك الدولي زيادة العجز في الحساب الجاري خلال الأعوام 80 ـ 1982 بحوالي 77 % فوق مستوى 79 ـ 1980 (282). والاحتياجات الإجمالية من النقد الأجنبي لسد الفجوة التمويلية قدرت بحوالي 3.2 بليون دولار (1980)، و3.9 بليون دولار (1981) و4.7 بليونًا (1982). ويحدث كل هذا رغم توقع أن تزيد المتحصلات الذاتية للاقتصاد المصري من النقد الأجنبي من حوالي 6.6 بليون دولار (1979) إلى حوالي 8.6 بليون دولار (1981) (283). ولكن هناك حرص على أن تبقى الفجوة وأن تتسع؛ لكي يبقى الاقتصاد المصري معتمدًا بشدة على الاستدانة من العالم الخارجي ـ تحت إشراف صندوق النقد ـ وتقول التقديرات إنَّ المصادر غير الرسمية يمكن أن تسد جزءًا من الفجوة التمويلية (استثمارات شركات النفط أساسًا)، والباقي يُسدد بالقروض الرسمية وبتسهيلات صندوق النقد. والمطلوب من هذه "المساعدات" في الأعوام الثلاثة على التوالي: 2 بليون دولار ـ 2.6 بليون دولار ـ 3.3 بليون دولار (284). وكل هذه الجزرة يمكن أن تتحول في أي لحظة إلى عصا.
(2) القطاعات الرائدة ـ النفط:

أ- ننتقل الآن إلى قصة "القطاعات الرائدة": النفط ـ القناةـ السياحة ـ العاملون في الخارج. هذه القطاعات أحيطت بضجة إعلامية كبيرة. والتقارير الدولية حول استراتيجية التنمية (وكالة التنمية الدولي ـ صندوق النقد) ركزت على هذه القطاعات باعتبارها مناط الأمل في النمو السريع، وفي التغلب على مشكلة ميزان المدفوعات. وقد التزمت القيادة المصرية بهذا التوجه لتشويه الهيكل الاقتصادي وبنية المجتمع. وحين راج الحديثُ عن عام 1980 كعام للرخاء، وعام لاجتياز عُنُق الزجاجة ـ حسبما جاء في خطابات وأحاديث الرئيس السادات طوال الأعوام 1976 ـ 1978، وحتى أوائل 1979 ـ كان المقصود أن عائد "القطاعات الرائدة" سيصل عام 1980 إلى ذروة مرتفعة؛ فوفقًا لخطة 76/ 1980 (التي صدرت في أبريل 1975) كان هناك التزام بإنتاج 50 مليون طنًا من النفط الخام عام 1980، والمرحلة الأولى من توسيع وتعميق قناة السويس تنتهي في نفس هذا العام. ومشروعات السياحة (بكل الحوافز المقدمة) كان مُقدرًا أن تصل إلى قمة مناسبة، وكذلك تحويلات العاملين.
ورغم تراجَع شعار عام الرخاء مع الاقتراب من عام 1980، ظلت التقارير الدولية، والمقالات الصحفية (في الخارج وفي مصر) تشيد بدور القطاعات الرائدة، وبالنتائج الباهرة التي حققتها، في تحقيق معدلات النمو المزعومة، وفي زيادة الحصيلة من النقد الأجنبي.
وقد تطور صافي الحصيلة النقدية ـ الناشئة عن كل القطاعات الرائدة ـ على النحو الوارد في جدول (19):
جدول (19)
صافي حصيلة النقد الأجنبي من القطاعات الرائدة (285) بملايين الدولارات (أسعار جارية)
السنوات
1976
1977
1978
1979 (1)
1 ـ النفط *
2 ـ صافي خدمات غير العوامل * *
القناة
السياحة
3 ـ تحويلات العاملين * * *
المجموع (1 + 2 + 3)
ـ 357
627
311
464
530
800
20
572
248
730
516
1108
244
729
514
702
922
1895
680
680
600
650
850
2210

* هذا صافي أثر النفط على ميزان المدفوعات (= صادرات القطاع ـ وارداته).
** خدمات غير العوامل تشمل بنودًا أخرى ثانوية غير القناة والسياحة، وقد تعذر تقدير صافي القناة والسياحة، كلٌّ على حِدة.
*** المقصود تحويلات العاملين النقدية. أي استبعدت المبالغ الموجهة للاستيراد العيني دون تحويل عملة.
(1) أرقام أولية.
وهذه الحصيلة النقدية الإجمالية لم تكن تكفي لسد العجز في الميزان التجاري، الذي يتسع في نفس هذه السنوات (بعد استبعاد أثر النفط) على النحو التالي:
بملايين الدولارات (أسعار جارية)
1976
1977
1978
1979
ـ 2421
ـ 2541
ـ 3936
ـ 4250

وينبغي أن نتذكر أن أعباء خدمة الديون الطويلة والمتوسطة الأجل (بملايين الدولارات ـ أسعار جارية) تزايدت أيضًا في نفس السنوات على التوالي، على هذا النحو: (286).
ـ 1008
ـ 1130
ـ 1314
ـ 1386

وإذا خصمت التزامات خدمة الديون (وهي التزامات مقدسة عند صندوق النقد) من حصيلة "القطاعات الرائدة"؛ يكون الباقي (بملايين الدولارات ـ أسعار جارية):
208
22
581
842

ولكن لا يعني كل ذلك أن القطاعات الرائدة لم تُحدِث أي تحسن؛ فهناك تحسن في قدرة الاقتصاد المصري على تسديد الديون، وهناك تحسن بالقدر الذي يجعل توقف التحويلات النقدية من الدول النفطية، مسببًا لمشاكل يمكن احتمالها،
ولا يُحدث انهيارًا خطيرًا.. (هل كان استهداف أن يتحقق هذا حول عام 1980 ـ أي في فترة المعاهدة والتطبيع ـ مجرد صدفة؟).

سبق أن ذكرنا أن إعادة صياغة الهيكل الاقتصادي (بحيث تصبح هذه القطاعات رائدة وقائدة) تعني تحول الاقتصاد المصري عن الاعتماد المتزايد على الإنتاج الزراعي، وعلى الصناعة التحويلية المُدارة من الداخل، وهذه القطاعات الرائدة تابعة بالضرورة للخارج، وخادمة لمخططاته؛ سواء بحكم وضعها المؤسسي الحالي، أو لطبيعة نشاطها نفسه. ونضيف الآن أن هذه القطاعات ـ في الظروف المصرية ـ تعني تحولاً في هيكل الاقتصاد المصري، وفي بنية المجتمع المصري، على نحو يتسق تمامًا مع أهداف السلام الأمريكيـ الإسرائيلي، ويكفي أن نشير - حاليًا - إلى أن انتظام الموارد الناشئة عن هذه القطاعات يرتبط ـ إلى حد كبير ـ بعدم تجدد القتال. وبهذا الهيكل الجديد للموارد، تغامر مصرُ بحوالي 60 % من حصيلتها من النقد الأجنبي، إذا قررت أن تحارب.
وقد يتساءل البعض هنا عمَّا إذا كنا ضد استخدام القناة، أو ضد تنشيط السياحة، أو ضد انتقال العمالة المصرية إلى الأقطار النفطية المجاورة، ومثل هذا التساؤل يبلور الفارق بين منهج التعامل مع العناصر المختلفة؛ كلٍّ على حِدة، وبين منهج الدراسة لهذه العوامل، لمفهومها ووظيفتها وأسلوب عملها، في إطار علاقتها بالنسق العام. وسنلحظ في عرضنا لما تحقق في "القطاعات الرائدة"، أن الأعداء خططوا لهذا القطاعات في إطار نسقهم المستهدف، وتطورت بالتالي هذه القطاعات على النحو الذي يتسق مع طبيعة النسق المحكوم بهدف إرساء التبعية بشكل عام، وبوجهه الخاص في منطقتنا الممثل في السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي.
وبالتالي لا تكون المسألة: هل نحن ضد تطوير هذه القطاعات أولاً؟ السؤال هو: كيف تتطور هذه القطاعات ـ أو بعضها ـ في إطار نسق مستقل محارب؟
ب ـ قطاع النفط ـ كما يقال ـ حقق نتائجَ باهرة. وواقع الحال أن الزيادة في دخل النفط (وبالتحديد في حصيلة صادراته) تعود إلى زيادة الأسعار في المقام الأول. وليس إلى الكمية المستخرجة أو المصدرة؛ فوزارة البترول اعترفت في عام 1977 بأن الهدف السابق إعلانه بإنتاج 50 مليون طنًا من النفط في عام 1980 لن يتحقق؛ إذ لن يتجاوز الإنتاج (من الزيت الخام والغازات) في ذلك العام 39.1 مليون طنًا، ولن يصل الإنتاج إلى 50 مليون طن إلى عام 1981 (وكان مستهدفًا في التقديرات الأولى أن يصل إلى 65 مليون طن) (287). إن الوصول إلى قمة الـ 50 مليون طن لم يكن طفرة معجزة، ولم تستند تقديراته إلى اكتشافات كبيرة جديدة (فعلية أو متوقعة) ومع ذلك تأجل الوصول إلى هذا الهدف، رغم استرداد الآبار المنتجة من إسرائيل في عامي 1975 و 1979.
إن الزيادة الكبيرة في الحصيلة النقدية للصادرات النفطية، ترجع – إذًا - إلى زيادات سعرية ـ في الأساس ـ
ولا تعكس تقدمًا جادًّا في الكميات المنتجة والمصدرة، ومع هذا نلحظ الكثير من الزهو في الحديث المتكرر حول التوسع الكبير في الصادرات السلعية بفضل النفط. وبتواصل هذا الحديث رغم أن الوجه الآخر من الصورة، يؤكد أن الحصيلة النقدية لمجموع الصادرات السلعية (التي انتفخت بأسعار النفط المصدر) لم تعد تكفي لمواجهة الواردات من السلع الاستهلاكية وحدها، كما يبدو في الجدول التالي:

السنوات
1977
1978
1979
الواردات الاستهلاكية
ـــــــــــ %
مجموع الصادرات السلعية
81
103
100.4

ويُلاحظ أيضًا أن التقارير الدولية تعمد إلى التصريح أو الإيحاء بأن النفط حل محل القطن كمصدر أول للنقد الأجنبي (في إطار الصادرات السلعية)، وهذا الكلام جزء من حرب أصحاب هذه التقارير ضد القطن ـ من ناحية، وهو احتفاء بالنفط (باعتباره ممثل القطاعات الرائدة في الصادرات السلعية) من ناحية أخرى. يطرح الموضوع في الجداول الإحصائية (على سبيل المثال) كما في جدول (20)(288):
جدول (20)
صادرات النفط والقطن
(ملايين الدولارات ـ أسعار جارية)
1976
1977
1978
1979
صادرات النفط
صادرات القطن
268
312
600
457
734
275
1350
370

وهناك نقد تقليدي يوجه إلى الدول النفطية؛ لأنها
لا تتعامل مع النفط باعتباره ثروة ناضبة، إلا أن السياسات الاقتصادية المصرية (بدفع من القوى الخارجية) تخطط للتعامل المنتظم مع النفط، باعتباره مصدرًا لإيرادات جارية، ولاستخدام كل زيادة في إيراداته ـ وبحماس واحتفاء شديدينـ للحد من العجز الجاري في الموازنة العامة، وفي ميزان المدفوعات. ولكن هذه قصة أخرى. فما نحن بصدده، هو أنه ـ حتى بهذه المعايير ـ تعتبر الصورة المذاعة زائفة؛ فبند صادرات النفط (المُثبت عاليه) زيد زيادة مُفتعلة بضم إيرادات الدولة من خط سوميد إليه، ولكنْ أهمُّ من ذلك أنه لم تُخصم واردات قطاع النفط لإثبات الأثر الصافي الذي تجوز مقارنته بحصيلة قطاع القطن، وكذلك ضمت صادرات نواتجَ تكرير النفط، بينما لا تضم صادرات الغزل والنسيج. وإذا عدلت الصورة على ضوء كل هذا تكون كما في الجدول رقم (21):

جدول (21)
صافي حصيلة قطاع النفط ومجموع حصيلة قطاع القطن (289) ملايين الدولارات (أسعار جارية)

1976
1977
1978
1979 **
صادرات النفط *
واردات النفط
واردات شركات النفط
(آلات)
صافي حصيلة النفط
صادرات القطن الشعر
صادرات غزل ونسيج وملابس
مجموع حصيلة القطن
268
ـ 385
ـ 240
ـ 357
312
301
613
600
ـ 250
ـ 330
20
457
325
782
734
ـ 200
ـ 290
244
275
350
625
1350
ـ 350
ـ 320
680
370
350
720

* لا تدخل في الصادرات حصة الشريك (وتحسب كتحويلات للخارج) وهي 95 ـ 160 ـ 245 ـ 540 مليون دولار من 76 إلى 1979 على التوالي.
** أرقام أولية.
ج ـ ويعني كلُّ هذا، أن نتائج قطاع النفط الفعلية
لا تتناسب أبدًا مع حجم الضجة المثارة، ومع ذلك، فإن الضجة الحالية حول الإنجازات، أقل كثيرًا من الضجة التي أثيرت حول الأماني والأحلام في عامي 1974 و1975. في بداية الغزو الخارجي، تحدثنا عن الحملة الهائلة لبيع الأماني والأحلام، ووسط هذه الحملة تدافعت شركات النفط الغربية لتوقيع اتفاقيات للبحث عن النفط في مظاهرة مثيرة (انظر الفصل السادس). بمجرد وقف إطلاق النار بدأ التزاحم، ومع نهاية 1974 كانت الاتصالات والمفاوضات مع الشركات قد أسفرت عن توقيع 24 اتفاقية، ومع ارتفاع أسعار النفط عند الجيران، وسيول الأموال التي اجتاحتهم، التهب الخيالُ وطاشت العقول. وعبَّر عن هذه اللحظة موسى صبري (رئيس تحرير جريدة الأخبار) حين سارع في ديسمبر 1974 إلى وزير البترول (أحمد عز الدين هلال) ليسأله:

- "متى يجيء الخير الكبير؟
- أتوقع أن عام 1976 سيكون عام المفاجآت البترولية السارة.. إن المستقبل القريب للبترول، يقدر الدخل بأرقام ضخمة خيالية، وهذه هي الأبواب الحقيقية للأمل، الأمل الكبير في الغد الكبير" (290).
وبالتأكيد عمِد أصحاب المخطط الخارجي إلى نشر الأكاذيب والأضاليل على نطاق واسع، وعلى كل المستويات. في أول يناير 1975، أعلنت جريدة الأهرام أن فاندربيك (رئيس شركة أرامكو) أكد للرئيس أنور السادات، أن إنتاج النفط في مصر سيصل في نهاية 1975 إلى 600 ألف برميل يوميًّا (30 مليون طنًا سنويًّا). وقد أسرعت وزارة البترول في تلك الفترة (وعلى ضوء اتصالاتها بالشركات) إلى وضع مخططها الشهير للوصول بالإنتاج إلى 50 مليون طنًا عام 1980. ولكن ظل الدعاة الأجانب يزايدون على هذا الرقم الطموح، على نحو أقلق الفنيين الوطنيين، فكتب أحدهم (مصطفى كمال العيوطي): "إنه قد يكون من المناسب في مقام الحديث عن هدف المليون برميل يوميًّا عام 1980 الإشارة، إلى ما ذكره أحد الأمريكيين الذي وصفته إحدى الصحف المصرية بأنه "خبير بترولي"، في الندوة التي أقيمت في القاهرة في الفترة من 7 إلى 9 يونيو الماضي، بالتعاون مع الفاينانشيال تايمز تعليقًا على ما ذكره رئيس الهيئة المصرية للبترول في هذه الندوة عن الهدف المذكور، فقد علق هذا "الخبير" الأمريكي على هذا بأن ما لديه من بيانات يشير إلى أن مصر ستنتج بمعدل خمسة ملايين برميل، وليس مليونًا واحدًا يوميًّا في عام 1980. ولا شك أن كل مصري يسعده أن يكون هذا الوضع ممكنًا عام 1980، ولكن لا يجب في مثل هذه الأمور أن توضع الأرقام جُزافًا، دون أي أساس علمي" (291).
إن الإمكانيات النفطية المتوقعة في مصر تبدو واعدة جدًا. وهذا التقدير يعتمده كافة الفنيين الوطنيين، ووفق مؤشرات موضوعية واضحة (292)؛ ولذا نظر كثير من هؤلاء إلى ظاهرة التدافع المفاجئ للشركات منذ أواخر 1973، باعتبارها تحركًا منطقيًّا، وتصحيحًا لخطأ قديم، وحين سُئل وزير البترول أيامها:
- "كيف تم الاتفاق مع 24 شركة بهذه السرعة؟" (حتى آخر 1974).
كانت الإجابة: "بتنظيم بسيط للعملية. أولاً ـ حددنا مسار ممثل الشركة الأجنبي عندما يحضر إلى مصر. يقابل من؟ واخترنا الأفذاذ المصريين ـ في مجال الاتفاق ـ مفاوضة وعلمًا.. شعارنا: فهم ـ جدية ـ أمانة ـ سرعة" (290).
من المؤسِف أن تكون الإجابة بهذا المستوى، وهي تعكس في جانب منها ـ أن ثقافتنا العامة عن عالم النفط، لا زالت محدودة.. فهل مافيا النفط تحركها عوامل "الفهم والجدية" لدى الأقطار المنتجة للنفط؟! وهل يحفزها توفر "الأمانة"؟! يحتمل طبعًا أن يكون الوزير قد حاول ألا يثير أي تفسير يسببُ ضيقًا ـ بأي قدر ـ لشركات النفط حاملة الرخاء، ويحتمل أنه أراد الفخر بإنجاز وزارته، ولكن ما يعنينا هنا هو التأكيد على أن شركات النفط أكثر الشركات العابرة للجنسية ارتباطًا بالاستراتيجية العُليا للدول الغربية، وأكثرها تنسيقًا مع أصحاب القرار في السياسة الخارجية لهذه الدول. ووفقًا لذلك، فإن قرار الشركات باقتحام أحد الأقطار للاستكشاف هو قرار استراتيجي سياسي في المقام الأول، وقرارها بالإنتاج، وبأي معدلات هو أيضًا قرار سياسي في المقام الأول (دون إهمال طبعًا لوزن الاعتبارات التابعة الأخرى). وهذا هو التفسير الوحيد والصحيح لظاهرة امتناع شركات النفط العالمية عن المشاركة النشطة في عمليات البحث والتنقيب – داخل مصرَ –لأكثر من عشرين عاما، ثم لظاهرة تدافعها مرة واحدةًَ بعد حرب أكتوبر.
في عام 1954 وُقِّعت اتفاقية مع شركة كولورادو الأمريكية (صحارَى بتروليم) للبحث عن البترول في الصحراء الغربية، ولكن "ثبت أن هذه الشركة لم تكن مهمتها البحث عن البترول، وإنما تعطيل البحث عنه مدة معينة"(294). وقد تركت شركة صحارَى مسرح العمل تمامًا بعد عدوان 1956، دون أي أثر، أو أية معلومات عن نتائج عملها. ومع عودة "المساعدات" الأمريكية ـ في أوائل الستينيات ـ وقعت ثلاث اتفاقيات مع شركتي فيليبس وأوموكو الأمريكيتين، ومع الشركة الدولية للزيت (الإيطالية). وشملت هذه الاتفاقيات مناطق خليج السويس والصحراء الغربية ودلتا وادي النيل، ولكن "هل يمكننا أن نكتفي بثلاث شركات للبحث عن النفط؟ "أجاب علي والي (وزير البترول) على هذا السؤال عام 1972 بأننا "نريد عشرين شركة ونرحب بالتعاون مع كل جهة تتقدم وبشروط وتسهيلات مرنة، ولكن شركات البترول الغربية هي التي أحجمت عن المجيء.
في الفترة الأخيرة تقدمت شركتان فقط بعرضين جديدين للبحث عن البترول، ولكن لوحظ أنهما اختارتا منطقتين محددتين وبطريقة مشبوهة (منطقة حول مرسى مطروح على البحر الأبيض، ومنطقة حول مرسى علم على البحر الأحمر) ومعروف أن المنطقتين تشتملان على مواقع عسكرية، وكانت بهما مرافئ وتسهيلات للأسطول السوفيتي) وكان طبيعيًّا أن نرفض".
وقد خلص علي والي إلى تأكيد "أن البترول سياسة والسياسة بترول"، وقد ركزت احتكارات النفط على ليبيا في العهد السابق في ظروف سياسية معينة، وبعد أزمة 1956، حين ارتفعت الصيحة بضرورة إنتاج نفط غرب السويس، وأنفقت في سبيل ذلك حوالي 1000 مليون دولار قبل اكتشاف قطرة من النفط الليبي. أما في مصر، فقد أُنفق 120 مليون دولار فقط (حتى تاريخ هذا التصريح) ولكننا لم نصل بعد إلى الموقع الأساسي للنفط"، وأهم من ذلك أن "الشركات الأمريكية لا تعطينا كل المعلومات التي تحصل عليها" (95).
ورغم غياب المعلومات المتكاملة، كانت هناك ملاحظات حادة حول عمل الشركتين الأمريكيتين اليتيمتين: "أوموكو" و"فيليبس". فشركة "أوموكو" متهمة بتخريب إنتاج حقل المرجان العملاق المتعدد الطبقات، الذي أعلن أنه أصيب بشيخوخة مبكرة عام 1971، وقد وعدت الشركة بأن مشروع الحقن المائي سيرفع الإنتاج إلى 150 ألف برميل يوميًا من طبقة كريم وحدها في عام 1971، ولكن إنتاجه من طبقتي كريم وبلاعيم معًا، لم يتجاوز 92 ألف برميل يوميًا في ديسمبر 1976. ويذكر الفنيون أيضًا اكتشاف حقل يوليو العملاق عام 1967 (700 ألف برميل احتياطي ممكن ضخه)، ثم مهزلة إعادة اكتشافه في مارس 1974. لقد تم وضع هذا الحقل على الإنتاج في أواخر 1974، أي بعد سبع سنوات من تاريخ الاكتشاف (في ليبيا متوسط المدة بين الحصول على الامتياز والبدء في الإنتاج حوالي 18 شهرًا) (296).
وسجل أوموكو طويل أيضًا في إهمال حقل الأمل العملاق ذي المخزون الهائل من الزيت والغازات، ويلاحظ أيضًا التلكؤ في تنمية وتطوير حقل رمضان الذي يحوي طبقة بترولية سمكها 1450 قدمًا، والذي يمكن ـ كما تقول وولد أويل (عدد أغسطس 1976) - أن يصل إنتاجها إلى حوالي 300 ألف برميل يوميًّا (إنتاج الحقل في آخر ديسمبر 1976) ـ أن يصل إنتاجها إلى حوالي 300 ألف في سجل أوموكو إلى إهمال الكشف النفطي في بئر (ألف ـ 1) جنوب الطور الذي أعطى 4500 برميل زيت يوميًّا جودة 30 درجة أمريكية (في منتصف 1966)، وقد تسلَّم الإسرائيليون هذه المنطقة، وعربدوا فيها بحفاراتهم الأمريكية.
ومعروفٌ أن الجيولوجيين المصريين أشاروا منذ مدة طويلة إلى الاحتمالات النفطية العالية لصخور العصر الطباشيري وما تحته، وأكدوا باستمرار على معارضة التركيز ـ أثناء البحث عن النفط ـ على صخور المايوسين. ونتائج حقلَي رمضان ويوليو وغيرهما من الحقول المكتشفة حديثًا في منطقة حقل مرجان وجنوبها، أثبتت أهمية البحث عن النفط في صخور العصر الطباشيري؛ "فأين كان خبراء النفط في شركة أوموكو؟ إن اتهام هؤلاء بالقصور والغباء ـ كما يقول نصر حمود ـ هو اتهام خاطئ؛ فالحقيقة أن في شركة أوموكو يعمل خبراء البترول وخبراء التلكؤ في إنتاج البترول جنبًا إلى جنب".
والملاحظات حول أعمال شركة فيليبس ليست أقل حدة وخطورة؛ فقد وعد وزير البترول (علي والي) بناء على تقارير خبراء فيليبس، بأن يبدأ الإنتاج المنظم من حقل
"أم بركة" قبل نهاية 1970، وأن يصل معدل الإنتاج اليومي إلى 60 ألف برميل، إلا أن هذه الأحلام تبددت في الهواء، وسُمِّي حقل "أم بركة" بعد ذلك بحقل الألغاز. وعندما اكتشفت حقل الغازات العظيم في أبي قير، اختلفت شركة فيليبس مع الحكومة المصرية على مشكلة توزيع الأرباح، ورفضت إقامة مصنع لإنتاج الإيثيلين والبولي فينيل كلوريد، من النافتا الناتجة عن معمل تكرير النفط بالمكس في عام 1966، وتركت المؤسسة العامة للبترول لتتولى مهام تطوير حقل
أبي قير وحدها إذا شاءت. كما تركت أيضًا المؤسسة تحفر على مسئوليتها بئر يد ما ـ 1، والذي تفجر منه زيت عالي الجودة، وأهملت تمامًا منطقة فاجور والسلوم المجاورة لحقوق شرق ليبيا العملاقة، رغم أن هذه البئر أعطت عند الاختبار 2088 برميل يوميًّا، من طبقة رملية في العصر الطباشيري، تشابه تمامًا الطبقة المنتجة في حوض سرت في شرق ليبيا.

كذلك أهملت فيليبس نتائج بئر حافة القطارة ـ 1 التي أعطت زيتًا من طبقتين من الحجر الرملي النوبي في عام 1967، واعتبرت الزيت والغاز الذين تدفقا من بئر علم البويب (نوفمبر 1965) غير اقتصاديين، فضلاً عن إهمالها لبئر برج العرب.
وحقل الرزاق شهد مفاجأة مثيرة؛ فقد تخلت شركة فيليبس عن منطقة الحقل وفقًا لنظام التخلي عن المساحات غير المرغوب فيها في إطار عقدها الذي كان يشمل مناطق برج العرب ومطروح وفاجور (96 ألف كيلومترًا مربعًا). وقد انتقلت المنطقة إلى امتيازات الشقيقة "أوموكو" (بعد عصر الانفتاح)، وعند حفر أول بئر استكشافي، تفجر الزيت من ست طبقات متتالية، أعطت الطبقة الثالثة وحدها حوالي 4000 برميل يوميًّا من صمام ¾ بوصة، جودة 37.5 درجة أمريكية ـ وقد حدث أن أعلنت شركة ويبكو (وهي شركة المشاركة بين فيليبس ومؤسسة البترول) أنه تم اكتشاف طبقة جديدة منتجة في حقل العلمين، أسفل الطبقات الحالية، وقيل بعد ذلك إن هذه الطبقة كانت معروفة من قبلُ، ولكن لم تكن معدة للإنتاج، ثم أعلن في النهاية انخفاض إنتاج حقل العلمين من 43 ألف برميل يوميًّا في سبتمبر 1969 إلى 8000 برميل يوميًّا في آخر 1976 (297).
كل هذه الملاحظات تدور في إطار أن الشركات العالمية لم تكن جادة في إنتاج النفط، ولم تبذل جهدًا في أعمال الكشف، يتناسب مع ضخامة الاحتمالات. في أوائل 1969 أوضح أحمد نصر البرقوقي "أنه في ضوء الأبحاث والمساحات التي تمت حتى الآن في خليج السويس، يتبين أن هناك ما يزيد على 150 تركيبًا بتروليًّا خلاف ما سوف تُسفر عنه عمليات البحث في المستقبل، وما سوف يتضح فيما بعد من مصايد أخرى غير المصايد التركيبية؛ مثل المصايد الاستراتيجرافية. وقد اختبر حتى الآن بالحفر أقل من 50 تركيبًا اكتشف البترول في 29 منها وثبت خلو نحو 15 تركيبًا من البترول، والباقي لم يتم اختبارها بعد.. وإذا استمرت أعمال الحفر في هذه المنطقة بمعدلاتها الحالية (وهو ما لا يزيد عن عشر آبار سنويًّا) فمعنى هذا أن خليج السويس يحتاج إلى 25 عامًا على الأقل لتحديد كميات البترول والغاز فيه، ومعروف أن منطقة خليج السويس التي تشمل حوالي 22 ألف كيلومتر مربع هي أكثر المناطق دراسة وحفرًا، أمَّا الصحراء الغربية والدلتا، التي تشمل حوالي 400 ألف كيلومتر مربع، فسوف تحتاج بالمعدل الحالي للحفر (وهو أيضًا حوالي عشر آبار استكشاف سنويًّا) إلى خمسمائة عام على الأقل لتحديد كميات البترول والغاز فيها" (298). وللمقارنة، فإن عدد الآبار الاستكشافية في ليبيا (في بداية انطلاقها النفطي) كان 173 بئرًا عام 1962، وارتفع إلى 180 عام 1963 (297).
د ـ والحسابات السياسية ـ خلف هذا الموقف من الشركات ـ كانت معقولة تمامًا (من منظور المصالح الاستراتيجية الغربية)؛ فالقيادة الناصرية استفادت من إمكانيات مصر المؤسسية والبشرية والإنتاجية، في إحداث مد ثوري عارم داخل الوطن العربي الكبير، فانتشر التمرد بزعامتها ودعمها باتجاه الاستقلال، والأنظمة التي أقامتها قوَى السيطرة الغربية لضمان التبعية صارت في موقف الدفاع ومعرضة للانهيار، وبالتالي كان استمرار تدفق النفط بشروط الدول الغربية المجحفة مُعرَّضًا أيضًا للانهيار. وفي هذا الوضع كان تحول مصر إلى دولة نفطية يضاعف وزنها الثوري، ويدعم قدرتها الاقتصادية، ويجعلها أكثر تأثيرًا ـ وبشكل مباشر ـ في سياسات النفط العربية؛ ولهذا كانت الحسابات السياسية الرشيدة تبرر صدور قرار عام بمنع شركات النفط من المجيء للاستكشاف، وبمنع من يُستثنَى من الإنتاج، إلا بالقدر الذي يُبقي على آمال السلطات المصرية في جدوَى استمرار التعامل.
* ولكن مع بداية الغزو الاقتصادي صدر قرار جديد، وأفهمت السلطات المصرية المعنية ـ مع تدافع الشركات أن الموقف أُعيد تقويمه، وأن صفحة جديدة قد فتحت. وبالفعل وصل عدد الاتفاقيات المنفذة (منذ 24/ 12/ 1973 حتى 7/ 6/ 1979 إلى 49، منها 23 اتفاقية في الطلعة الأولى؛ أي حتى آخر 18/ 12/ 1974. ولكن ـ بعد إحداث الأثر النفسي المطلوب ـ لوحظ أن عدد الآبار الاستكشافية لم يزد عمَّا كانت عليه الحال قبل الانفتاح، بل نقص!
كان عدد الآبار الاستكشافية المحفورة سنويًّا (في الفترة 68 ـ 1972) يتراوح بين 20: 33 بئرًا، وكانت الشكوى مستمرة ـ كما أوضحنا ـ من انخفاض هذه المعدلات، فلما رضت عنا الشركات وتدافعت؛ انخفض عدد الآبار الاستكشافية إلى 12 (1974) وإلى 18 (1975)، ثم زاد التباطؤ على نحو حاد، بدءًا من عام 1978 (299)، وكان العدد في عام 1979 مجرد 9 آبار (7 في خليج السويس + بئر في الصحراء الشرقية + بئر آخر في الصحراء الغربية)(300). وكان طبيعيًّا أن تثور المخاوف لدى الفنيين الوطنيين في قطاع النفط؛ فقد تمخضت المظاهرة عن
لاشيء، وعادت الشركات إلى اللعبة القديمة. وكان إهمال الصحراء الغربية بالذات يبدو غريبًا ـ في نظر هؤلاء الفنيين ـ رغم احتمالاتها الكبيرة. لقد وُضعت شروطٌ جديدة مغرية أمام الشركات العالمية، ومن أهمها أن الشركة تسترد مصاريف البحث (في حالة العثور على النفط وإنتاجه) خلال سنة واحدة بدلاً من عشر سنوات. وكان يقال في مرحلة التفاؤل الأولى: إننا لن نعود إلى أيام تقسيم الصحراء الغربية بين شركتين، وأيام أن احتكرت شركة واحدة حوالي 100 ألف كيلومتر مربع (فيليبس)، "إن أكبر مساحة أعطيت لشركة (في الاتفاقيات الجديدة) لا تتجاوز 15 ألف كيلومتر مربع، والمتوسط العام للمساحة في حدود 7 آلاف كيلومتر مربع فقط" (301). ولكن حدث أن تقدمت شركة "كونوكو" الأمريكية لاحتكار حق البحث في مساحات هائلة من الصحراء الغربية عام 1976، ونشر على لسان الفنيين المصريين أنهم يعارضون منح هذه الشركة المساحات التي تطلبها، وقالوا إن السياسة الأمريكية هي التي تتحكم في عقود الشركة والتزاماتها. وآخر سوابقها أنها انسحبت من الصومال بحجة عجزها المالي، وقد حدث "العجز المالي" هذا بعد ستة أشهر من قيام الحكومة الأمريكية بوقف معوناتها عن الصومال؛ بسبب علاقاته مع الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة (302). إلا أن الفنيين المصريين كانوا يذكرون أيضًا تجربتهم المباشرة والمعاصرة مع هذه الشركة؛ إذ إن "كونوكو" هي الواجهة الجديدة لنفس الشركة التي تعاملنا معها (54 ـ 1957) تحت اسم "كولورادو" أو "صحارَى بتروليم". ولكن حدث رغم هذه المعارضات أن حصلت الشركة الأمريكية على اتفاقية (كونوكو بحرية ـ 90 ألف كيلومتر مربع ـ نافذة في 7/ 3/ 1977)، وعلى اتفاقية (كونوكو بحرية ـ 90 ألف كيلومتر مربع ـ نافذة في 27/ 10/ 1977) (303). وقد التزمت الشركة في الاتفاقية الأولى بألا يتجاوز متوسط إنفاقها السنوي 2.5 مليون دولار، وفي الاتفاقية الثانية 2.6 مليون دولار. ولا شك أن هذا الالتزام الهزيل يثبت أن مهمة كونوكو (كما كانت مهمة كولورادو) ليست "البحث عن البترول، ولكن تعطيل البحث عنه مدة معينة".

وقد قيل في تبرير هذه الاتفاقيات الشاذة: إن المساحات الممنوحة غير واعدة، ولكن يؤكد الفنيون الوطنيون كذب هذا الزعم، ويؤكدون أن شركة كونوكو واثقة من الاحتمالات النفطية العالية (304). ولكنها تتباطأ قبل حفر بئرها الأول، ويقول وزير البترول: إن أبحاث الشركة "استغرقت وقتًا طويلاً ولكننا لم نتعجلها في شيء" (305). وهذا تعبير مهذب، فالعاملون في قطاع النفط يتميزون غيظًا من شركة كونوكو ومن الشركات الأخرى العاملة في الصحراء الغربية، فكلهم يقول إن "وجود البترول في الصحراء الغربية حقيقة مؤكدة". و"غير معقول أن يكون لدينا بترول في أم بركة بجوار مرسى مطروح، ثم في العلمين وأبي الغراديق، ثم نترك الصحراء على هذا النحو" (306). لِكي تصبح الصحراءُ الغربية بها بترول، ولكن يحتاج إلى حفر مئات الآبار؛ لكي تصبح الصحراء الغربية في مصر صحراءَ قادرة على العطاء أُسوة بالجيران" (305).
"إن الدولة لا بد أن تضع - في المرحلة القادمة - شوطًا ملزمة للشركات العالمية لتكثيف عمليات البحث. هل يُعقل أن يكون في الصحراء الغربية الآن ثلاثة أجهزة حفر، وفي الصحراء الليبية المجاورة 50 جهازًا؟" (307).
إن الوقائع التي لا يُختلف عليها تقول – إذًا - إن الجهود الفعلية في مجال الاستكشاف لا زالت محدودة جدًا، وتقول الوقائع أيضًا إن الصحراء الغربية لا زالت محل تجاهُل ملحوظ، وكذلك الدلتا وحوض النيل. و"الحقيقة التي واجهتنا بها هذه الشركات (....) تؤكد احتمالات المناطق الأخرى، وهما بلا شك منطقة خليج السويس والبحر الأحمر" (308). وهذا التوجه للشركات كان ملحوظًا منذ بداية التدافع، ورغم "أننا نطلب الكثير ممن يطلبون تصاريح الحفر في خليج السويس" (290)، فإن التدافع لم يهدأ في هذا الاتجاه. ولا نعتقد أن تحديد الوجهة بهذا الإصرار، كان لأسباب فنية أو اقتصادية في المقام الأول، كما تزعم الشركات.
القرار بمجيء الشركات كان قرارًا سياسيًّا في الأساس، وقد تحدد الهدف العام (التباطؤ في أعمال الكشف والإنتاج) على أسس سياسية أيضًا، وكذلك اتجاه التركيز على خليج السويس في المرحلة الأولى، ثم على البحر الأحمر وسيناء في مرحلة تالية.
ويمكن أن نسجل عددًا من الملاحظات أو العلاقات على ضوء المطالعة العامة للاتفاقيات النافذة: (309).
كان عدد الاتفاقيات حتى أكتوبر 1979 قد وصل إلى 52 اتفاقية، وكان نصيب الشركات الأمريكية 36، أي بنسبة 69%، وإذا أضيف إلى نصيب الشركات الأمريكية ثلاث اتفاقيات مع شركة شل (على أساس العلاقة العضوية والخاصة) ترتفع النسبة إلى 75 % وتتناظر هذه النسب تقريبًا مع نسبة إنفاق هذه الشركات، خلال مدة البحث الكلية؛ فإجمالي الإنفاق لكافة الاتفاقيات 956.1 مليون دولار، وإجمالي الإنفاق للشركات الأمريكية 651.7 مليون دولار (68 %) وإذا أضيفت شركة شل؛ يصل الإنفاق إلى 745.7 مليون دولار (78 %). ولا يعني ذلك مجرد انحياز سياسي خاص قبلته الحكومة المصرية، ولكنه يعني في نفس الوقت أن المظاهرة النفطية كانت مرتبطة – بالتحديد - بتوجيهات السياسة الأمريكية، وبالتالي بالمفهوم المركب للسلام الأمريكي الإسرائيلي.
ويلاحظ في هذا الإطار أن الطلعة الهجومية الأولى (عام 1974) ركزت على منطقة المواجهة مع إسرائيل بشكل خاص؛ ففي اتفاقيات 1974 كان الإنفاق الإجمالي المستهدف للفترة الأولى من البحث (وتتراوح بين 2 و4 سنوات حسب الاتفاقية) يبلغ 185.4 مليون دولار، وكانت نسبة الإنفاق في منطقة المواجهة 60.4 % من هذا المبلغ. وقد هبطت هذه النسبة في اتفاقيات السنوات الأخرى (أي في الاتفاقيات قبل عام 1974 وبعده) إلى 32.8 %.
ويُلاحظ أن الشركات الأمريكية تولت مسئولية هذا التركيز على منطقة المواجهة، فمن إجمالي الإنفاق لكافة اتفاقيات البحث في هذه المنطقة، والنافذة بدءًا من عام 1974 (= 266 مليون دولار) التزمت الشركات الأمريكية بإنفاق 214 مليون دولار (80.4 %)، وبإضافة اتفاق شل حسب اتفاقياتها في نفس المنطقة، يرتفع الرقم إلى 244 مليونًا (أي حوالي 90 % ـ ويعني هذا احتكار كافة الاتفاقيات في المنطقة باستثناء اتفاقية واحدة مع شركة ديمنكس الألمانية الغربية).
وقد ترتب على هذا التوجه، أنْ استأثرت منطقة المواجهة بالنصيب الأكبر من نشاط الشركات الأمريكية؛ أي: بحوالي 75 % من إجمالي إنفاقها، المستهدَف حسب اتفاقيات 1974.
· والتفسير السياسي لهذا الاختيار لموقع العمل يرتبط بالنشاط المحموم في نفس الفترة لإعادة الملاحة في قناة السويس، وللتعمير (خلال عامي 74 و1975). وكافة هذه الأنشطة، كانت تكثف الوجود المادي الغربي (والأمريكي بشكل خاص) في منطقة المواجهة، وتدعم نتائج اتفاقيات فَصل القوات، والمباحثات السياسية التي تسعى لمنع تجدد القتال ولكسب الوقت، وإذا كان الهدف المحدود والمصرح به لهذه الشركات، هو إنتاج بعض النفط، فإن إنتاج النفط من هذه المنطقة بالذات، له دور مُهِم في الاستراتيجية الموضوعة؛ فهيكل التوزيع الجغرافي للموارد كان يستهدف أن تصبح منطقة المواجهة مصدرًا أساسيًّا للناتج المحلي الإجمالي؛ بحيث يتحول القتال إلى كارثة تصعب مداراتها. وبالتأكيد كان هذا العامل أيضًا خلف تركز الجهود المحدودة لشركات النفط ـ قبل 1967 ـ على هذه المنطقة، وأصبح نفس الاتجاه مستمرًا ومتصاعدًا بعد 1973 (71 % من إنتاج النفط المصري يأتي حاليًا من خليج السويس) (310). وقد حقق هذا المخطط في المرحلة الأولى إعاقة إمكانية القتال ـ كما ذكرنا ـ ولكنه كان يستهدف أيضًا ـ في مرحلة تالية ـ أن تكون هذه المنطقة المتاخمة لسيناء، والقريبة من إسرائيل -ركيزةً لشبكة المشروعات المشتركة.
ولكن لماذا الإصرار على أن تكون الزيادة في إنتاج النفط محدودة، رغم تغير المناخ السياسي؟ هذا الهدف معقول أيضًا (من منظور المخطط الخارجي)، فقبل انتهاء فترة الانتقال بكل أبعادها، يظل خطرًا أن تصبح مصر منتجًا كبيرًا للنفط. ويكفي أن نتأمل هذه العينة من الأسئلة: ما هي النتائج السياسية المترتبة على زيادة وزن مِصر النفطي في محيط العلاقات العربية؟ بالتحديد ما أثر ذلك على الوزن النسبي لدول الخليج الذي استفادت الولايات المتحدة من زيادته، بل وضخمته بطريقة مفتعلة؟ وما أثر ذلك بالتالي على موقف المفاوض المصري في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وهل كانت القيادة المصرية ستلهث خلف حقول سيناء بنفس الدرجة؟ وهل كان اعتدال ميزان المدفوعات ـ دون قروض "ميسرة" ـ سيساعد في فرض الشروط على النحو الذي تحقق؟
من المؤكد أن القيادة المصرية ـ رغم كل توجهاتها واختياراتها ـ تكون في وضع أفضلَ في حالة الاستناد إلى رصيد نفطي كبير، وبالتالي كان لا بد من الانتظار. وقد تم التباطؤ فعلاً، بل ويزداد التباطؤ إذا عنَّ للغزاة أن يزيدوا الضغط؛ ففي عام 1979، حين أوقف صندوق النقد تسهيلاته، وتضامن معه آخرون، حدث أيضًا أن هبطت استثمارات شركات النفط، وانخفضت أعمال الحفر. بل إن إنتاج النفط كاد يتوقف عن أية زيادة رغم استرداد بعض الحقول من إسرائيل.
(3) القطاعات الرائدة ـ القناة:
استهدف برنامج توسيع وتعميق القناة السماح بعبور الناقلات التي تصل حمولتها إلى حوالي 300 ألف طن (بشحنات مخففة)، وكان مقررًا أن يتم التنفيذ على مرحلتين، وقد بدأت هيئة قناة السويس تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج التطوير في أكتوبر 1974، مع بدء عمليات إعادة الملاحة، ومعالجة آثار التدمير. وتؤدي هذه المرحلة إلى توسيع القطاع المائي للقناة؛ بحيث يصل إلى 3200 مترًا مربعًا، وبالتالي تتمكن ناقلات ذات غاطس 53 قدمًا من العبور (أي ناقلات حمولة 150 ألف طن بكامل شحناتها، والناقلات الأكبر تعبر بحمولة مخففة أو فارغة (311). وتبلغ تكاليف هذه المرحلة الأولى حوالي بليون دولار، ويُتوقع أن يُنتهَى منها في سبتمبر 1980.
والتعجيل بعودة الملاحة في قناة السويس كان مطلبًا يرتبط بمفهوم ومخطط السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي. ويمكن أن يقال نفس الشيء، عن التعجيل بمشروعات التوسيع والتعميق، فهي تزيد من صعوبة الاتصال العسكري بين ضفتي القناة؛ ولذا بذلت الولاياتُ المتحدة جهدًا كبيرًا لتوفير القروض اللازمة لتمويل المرحلة الأولى من البرنامج (595) مليون دولار)، فتدفقت قروض عبر وكالة التنمية الأمريكية، ومن ألمانيا الغربية، وفرنسا، وإنجلترا، واليابان، ولم يتقاعس أي صندوق خليجي عن تقديم القروض وفق اتفاقيات تمويل مشترك يقودها البنك الدولي (بشروط قاسية ومهينة ـ انظر الفصل الثاني).
وحتى بعد رحلة القدس، تقدمت كل الصناديق الخليجية بالدفعة الثانية من القروض ذات الفائدة المنخفضة نسبيًا، من أجل إتمام مشروعات المرحلة الأولى؛ فقدم الصندوق السعودي للتنمية قرضًا قيمته 176.5 مليون ريال سعودي(312)، وقدم الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي 12 مليون دينار كويتي (313)، و"صندوق
أبو ظبي للإنماء الاقتصادي العربي" 60 مليون درهم الإمارات، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية 6 مليون دينار كويتي (315)، والبنك الإسلامي للتنمية 10.3 مليون دينار إسلامي (316). وكان الإسهام في هذه المرة أيضًا بقيادة البنك الدولي، وبنفس شروطه التقليدية القاسية والمهينة (317).

إلا أن النتائج السياسية المترتبة على مشروعات القناة
لا تقف عند تأكيد الوقائع التي تُعيق ـ بشكل مباشر ـ تجدد الاشتباكات المسلحة؛ فإلى جانب ذلك يسهِم دخل القناة، مع مخطط إنتاج النفط من الخليج ومنطقة المواجهة، ومع الأدوار المكملة للقطاعين "الرائدين" الآخرين (السياحة والعمالة في الخارج) في ربط هيكل الموارد، وهيكل التوزيع الجغرافي لمصادر الدخل، بقضية السلام في الجبهة المصرية الإسرائيلية. وفي السنوات الماضية (بعد عودة الملاحة) كان العائد الصافي للدولة المصرية لا يتجاوز ثلث الدخل الذي حققته القناة، إذا خصمنا مصاريف التشغيل، وتكلفة الاستثمارات، وخدمة الديون، ولكن مع نهاية المرحلة الأولى (خلال 1980) يمثل معظم الدخل السنوي الإضافي من مشروعات التوسيع والتعميق المحققة (450 مليون دولار) ربحًا صافيًا (318)، ويعوض هذا وقف القروض الخليجية.

أ- والمخطط لمنطقة القناة، اشتمل أيضًا على ما أُسمِي بمشروعات التعمير، وقد ألقينا ضوءًا على جوانب هذه المشروعات (انظر الفصول: السادس والسابع والثامن). ونضيف هنا نموذج المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد. هذا النموذج لم ينحرف أثناء الممارسة، ولكن خطط له منذ البداية، وصمم؛ بحيث ينشأ ـ في منطقة المواجهة ـ تشكيل بشري مشوه بلا انتماء، يكون بمثابة خط دفاعي آخر بوجه أي محاولة لتجدد القتال، بل ويكون جسرًا للتعامل مع الأعداء.. فضلاً طبعًا عن استنزاف موارد النقد فيما لا يفيد، وبما يؤدي إلى تفاقم أزمة ميزان المدفوعات والديون.
* المشروعات الإنتاجية والخدمية بنظام المناطق الحرة مسألة تناولناها بالنقد في مواضعَ مختلفة من الكتاب، ولكنها في كل الأحوال مسألة لها منطق مفهوم، وهي في بورسعيد محددة بمنطقة معينة وتخضع لقانون استثمار المال العربي والأجنبي؛ شأنها في ذلك شأن المناطق الحرة الأخرى في أنحاء مصر. ولكن حدث في بورسعيد أنه إلى جانب الكردون الأول الذي يحدد منطقة المشروعات، تحدد كردون آخرَ يشمل المدينة نفسها. وكلها كسوق حرة، تخضع لقانون خاص بها. ودون مناسبة مفهومة، أصبحت البضائع والمواد الأجنبية التي تُستورد أو تصدر لمدينة بورسعيد، لا تخضع للإجراءات الجمركية، وتُعفَى من الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المُلحقة بها. وأصبح التعامل بالنقد الأجنبي
أو الاحتفاظ به لا يخضع لأية قيود، وجواز دخول النقد المحلي والأجنبي من جهات الجمهورية المختلفة إلى المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد، لا يخضع لأية قيود، وجواز خروج هذا النقد بنوعيه من بورسعيد إلى هذه الجهات، لا يخضع أيضًا لأية قيود، وجواز فتح حسابات بالعملات الأجنبية في البنوك بغير التحقق من مصادرها، لا يخضع لأيَّة قيود، وحق استخدام المودعين لأرصدة هذه الحسابات بالنقد الأجنبي، لا يخضع لأية قيود (319).

إذا كان الاستيراد مطلقًا من أيَّة قيود، وبلا جماركَ
أو إجراءات جمركية، فهل يتصور أن تكون النتيجة المتوقعةـ من هذا النظام ـ مجرد استمتاع أهل بورسعيد بهذا الحق المطلق، في استيراد كل ما يشتهون من الخارج دون سائر أهل مصر؟ وهل جماهير بورسعيد صاحبة مواردَ استثنائية تبيحُ هذا الافتراض، بأنهم أصحاب تطلعات نحو أنماط الاستهلاك المستورد، تختلف عن باقي أهل مصر، ويلزم معاملتهم معاملة خاصة؟ الإجابة على مثل هذه الأسئلة لا يُختلف عليها، وبالتالي لا يمكن تصور أن المصممين والمقننين لهذه الفوضى الاستيرادية، كانوا يقصدون مجرد إشباع السوق المحليَّة لمدينة بورسعيد؛ فالدعوة المفتوحة لاستيراد أي شيء وبأية كمية، وبتمويل مشروع أو غير مشروع، هي "دعوة للقادرين" على استيراد أكبر كميات ممكنة، وإذا أخرجت البضائع (التي لم تحصل عليها جمارك أو ضرائب أو رسوم) إلى خارج بورسعيد، تتحقق معدلات من الأرباح غير معقولة ولا مسبوقة.

المشروع بطبيعته يفرز هذه النتيجة، صحيح أن القانون أخضع البضائع والمواد الأجنبية الواردة من الخارج، إلى داخل الجمهورية عن طريق المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد للقواعد والإجراءات المقررة قانونًا للاستيراد، ولضريبة الوارد وغيرها من الضرائب والرسوم، ونص القانون أيضًا على تأدية الضرائب والرسوم الجمركية على البضائع والمواد الأجنبية التي تسحب من المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد، إلى غيرها من جهات الجمهورية. ولكن هذه النصوص بالتحديد، تقيد دائرة "القادرين" على الاستفادة من دعوة بورسعيد المفتوحة للثراء السريع. "فالقادرون" هنا ليسوا مجرد رجال أعمال أكفاء، ولكن ينبغي أن يكونوا قادة عصابات شرسين. تحقيق الثراء الهائل بمجرد اجتياز الحاجز الإداري والجمركي، كان من شأنه أن يجذب إلى بورسعيد أفاقين ومغامرين لاجتياز الحاجز، وبالفعل تكونت مافيا، وتبلورت قيادات لهذه المافيا (من بينها بالضرورة عناصر مهمة من خارج المدينة)، وحشدت المافيا كل أهل المدينة كجنود منفذين، في أدوار مختلفة، وبأنصبة متباينة،
ولا يدهشنا أن تكون القيادة العليا في الخارج، خارج بورسعيد، بل وخارج القطر.

وهذا بالدقة ما تحقق، ولم يكن ممكنًا أن يتحقق غيره. والتقارير الرسمية تؤكد ذلك. في مايو 1978، أعدت وزارة المالية مذكرة عن ضرورة إعادة دراسة وتقييم تجربة المنطقة الحرة ببورسعيد، وجاء في المذكرة: قيمة الواردات برسم المنطقة الحرة منذ أول يناير 1976 (تاريخ البداية الرسمي للتجربة) حتى يونيو 1977، بلغت 106 ملايين جنيه، ولم تُحصَّل الرسوم الجمركية، إلا على ما يقرب من 6 ملايين جنيه، أي لم تُحصَّل أيَّة رسوم جمركية على حوالي 100 مليون جنيه واردات تسرب معظمها خارج بورسعيد (320). (المذكرة كانت مقدمة إلى رئيس مجلس الوزراء، وطبعًا لم يتخذ أي إجراء). وفي يناير 1979 تقدمت وزارة المالية بمشروع قرار إلى رئيس مجلس الوزراء لإخضاع بعض السلع الواردة للمنطقة الحرة ببورسعيد للضرائب الجُمركية وغيرها من الضرائب والرسوم، (وهذا نسف للفكرة من أساسها).
وتضمنت المذكرة المرفقة بمشروع القرار، أن قيمة الواردات، من أول يناير 1976 حتى 30 سبتمبر 1978، ارتفعت إلى حوالي 312.7 مليون جنيه (أي زادت عن الرقم السابق وخلال 15 شهرًا بنسبة 195 %).
وقدرت الضرائبُ والرسوم الجمركية (التي كان مفروضًا أن تسدد على هذه الواردات) بحوالي 472 مليون جنيه، وقد بلغت قيمة الرسائل التي تم الإفراج عنها كرسائل تجارية وهدايا، بصحبة زوار بورسعيد من المواطنين نحو 17 مليون جنيه، وحصَّلت عليها ضرائبَ ورسومًا جمركية بحوالي 22 مليون جنيه، والنتيجة أن هناك واردات قيمتها 295.7 مليون جنيه لم تحصل عليها ضرائب جمركية قيمتها نحو 450 مليون جنيه "تعتبر أموالاً ضائعة، يمكن أن تساهم في سد العجز في الموازنة العامة، وتوفير التمويل اللازم لمشروعات المرافق الأساسية".
أوضحت المذكرة أن "تقديرات حجم المخزون داخل بورسعيد، والمقدرة الشرائية للسكان، لا يمكن أن تستوعب هذه القيمة الكبيرة من الواردات، ويعني ذلك أن الجزء الأكبر من الواردات البالغة قيمتها 295.7 مليون جنيه، قد وجد طريقه إلى داخل البلاد عن طريق مسالك التهريب المختلفة"(321). وقد نشرت مجلة أكتوبر تقريرًا آخر عن بورسعيد، كتبه مسئول كبير في وزارة المالية، وأكد التقرير نفس النتائج السابقة، فأثبت أن نسبة السلع التي هُرِّبت إلى داخل القطر (وبالتالي دون ضرائب أو جمارك) بلغت 94% و90 % من إجمالي واردات بورسعيد في عامَي 1977 و1978، على التوالي.
وأثبت هذه التقارير الرسمية أيضًا أن عمليات بورسعيد "تتجه الآن إلى إقامة تكتلات (...) فمعظم السلع المتداولة في المدينة الحرة ببورسعيد، واقعَة تحت سيطرة عدد قليل جدًّا من التجار والمحتكرين للسوق؛ بما أصبحت معه السلعة واقعة تحت سيطرة المستورد الواحد". وتهدِف تكتلات التجار "إلى استمرار الإتجار في السلع الاستهلاكية؛ لأنها تُدِرُّ عائدًا كبيرًا، وأسرع من النشاط في الإنتاج".
والحقيقة أن "رواج تجارة السلع الاستهلاكية المستوردة التامة الصنع، الرخيصة الثمن - ذات عائد كبير، ويؤدي ذلك إلى إحجام المستثمرين عن إقامة مشروعات استثمارية داخل المدينة؛ نتيجة المنافسة الشديدة التي سوف تواجه منتجاتهم" (322). وقد بادر أحد أبناء بورسعيد إلى الرد على التقرير الأخير، وفي الرد، وفي تقديم مجلة أكتوبر له، سجلت إشارات صريحة إلى كل ما توقعناه. قالت مجلة أكتوبر: إن "التقرير العلمي الدقيق (الذي نشرته) ليس موجهًا ضد أحد ـ لا المحافظ ولا العائلات الخمس أو الست التي تتحكم في كل شيء في بورسعيد، وإنما نحن فقط نريد أن يعود إلى خزانة مصر ما يذهب إلى خزائن عشرين
أو ثلاثين شخصًا. وفي المقابل، قال المتحدث باسم أبناء بورسعيد: إن "عمليات التهريب ما زالت قائمة فعلاً، والمسئولون يعرفون جيدًّا من الذي يقوم بها، بل التقارير الموجودة لدى السيد وزير المالية تعطي مؤشرات بالغة الأهمية بهذا الصدد، وتعطي أيضًا الحل الوحيد. ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك حول هذه النقطة؛ لأن وزارة المالية تعرف جيدًا كيف يتم التهريب (بكميات هائلة) كما ذكرت في تقاريرها" (323).

وإلى جانب كل هذا التلميح حول المافيا الداخلية، سبق أن ذكرت وزارة المالية "استفادة فئة محدودة من التجار غير المصريين، من تحويل المدينة لمنطقة حرة على حساب الاقتصاد القومي وجموع المواطنين وأهالي بورسعيد أنفسهم" (321). وفي هذا الإطار، نذكر باستخدام التهريب الواسع من بورسعيد أثناء فترة الضغط والمحاصرة على صناعة النسيج المصرية.
وذروة المأساة أن الإصابات والتشوهات أصابت النسيج المجتمعي كله في المدينة، فقد احترفت فئات عديدة التهريب الجمركي" (321)، ودون الاشتراك المباشر في التهريب، فإن أهل المدينة تركوا "مجالات الإنتاج إلى التجارة في السلع الاستهلاكية" (321). الكل يحيا في إطار الرواج الذي أحدثه التهريب. لقد "تغيرت بورسعيد. رأيتها قبل العدوان وقبل النكسة ثم أخيرًا.. المدينة غير المدينة. الناس غير الناس.. بحثت عن حلاق فلم أجده. إن الحلاق والمكوجي والبويجي قد انقرضوا؛ فهذه أعمال بليدة. فلم يعد أحد يقبل أن يعمل ساعة في لحيتك ورأسك وحذائك وبنطلونك من أجل خمسين قرشًا. والملاهي والسينمات تحولت إلى دكاكين.. ولو أغمضت عينيك عن اللافتات العربية ونظرت إلى الفترينات فقط، فمن الصعب أن تعرف إن كنت في هونج كونج
أو سنغافورة أو أية مدينة حرة أخرى.. لم أعد أعرف بورسعيد، ولم يعد أهلها يعرفونها. لقد أصبح الناس كالذهب: معادن لامعة صفراء جامدة. لقد جاءهم الذهب، وذهبت عنهم أشياء كثيرة لا يمكن شراؤها بالذهب!" (324).

وماذا عن الانتماء؟ لقد كتب المتحدث بلسان بورسعيد: دعونا نعيش، فهذه "المدينة كانت طوال ربع قرن من الزمان تتلقى الضربات والشلاليت؛ بسبب مواقف القاهرة الوطنية والقومية" (323).
(4) القطاعات الرائدة ـ السياحة:
أ- حين ركزت التعليمات الخارجية على أهمية تطوير قطاع السياحة، كان مفهومها لهذا القطاع وتطويره منسقًا مع نموذجها العام في التنمية التابعة، والسياحة بشروط التنمية التابعة لا تعتمد فقط على حقيقة أنها نشاط محلي، يحصل على جميع زبائنه من الخارج، فأهم من ذلك أن يكون الوضع المؤسسي لهذا النشاط، مرتبطًا (أي تابعًا) بشبكة المؤسسات الدولية، أي أن يكون قطاع السياحة "مندمجًا بصورة أو أخرى في نظام الشركات المتعددة الجنسيات، أكثر من اندماجه باقتصاديات المجتمعات التي تستضيف السياح" (325). فقد تطور الوضع المؤسسي إلى تشكل منظمات عِملاقة تنظم الرحلات الجماعية ذات السعر المخفض، والرحلات الفردية ذات الأسعار غير المخفضة، وهذه المنظمات مقرها - بطبيعة الحال - في الدول الغربية التي تمتلك وسائل النقل (جوًا وبحرًا)، وتملك البنوك التي تموِّل العملية كلها، ووكالات السفر بفروعها ومكاتبها وخدماتها الإعلامية وأجهزتها الإليكترونية للحجز والسفر. إن كافة خطوط الطيران الأساسية تتدخل الآن في مشروعات الفنادق، ومكاتب الشركات لبيع التذاكر تنظم أيضًا الحجز في الفنادق، ومجرد إعلان شركة من هذه الشركات العابرة للجنسية عن نيتها في الإسهام بأحد الفنادق، يعتبر إشارة إلى أن الشركة ستضع سمعتها في الميزان، وأن مشروعًا مضمون النجاح سيقام، فيندفع المستثمرون المحليون إلى تقديم الأموال المطلوبة، مقابل أن تتولى الشركة الأجنبية مهام التصميم والإدارة، وتضع اسم الفندق على قائمة التسويق الخاصة بها(326).
إن الوضع المؤسسي الذي يضمَن سيطرة المراكز الغربية، يكفي لرفض هذا النوع من النشاط السياحي (إذا كان الهدف تنمية مستقلة)، ولكنَّ هذه السيطرة تتضمن - فوق ذلك - تحكمًا في معدلات التدفق السياحي إلى الأقطار المختلفة، ومن خلال السيطرة، ومن خلال إشعال التنافس بين الأقطار المرشحة لاستقبال السائحين، يحصل منظمو الرحلات السياحية على النصيب الأكبر من عائد هذا النشاط، بينما تنشغل الدول المضيفة في بناء المطارات ومد الطرق وإقامة الفنادق، وفي التسابق إلى تقديم كافة التيسيرات، والإعفاءات الضريبية (326). ويعني ذلك أن حصيلة النقد الأجنبي التي تصل إلى الاقتصاد التابع، بواسطة السياحة، لا تتناسب مع الضجة الكبيرة التي تثيرها الشركات الأجنبية والهيئات الدولية. وقد حاولت محيا زيتون تحديد العائد الصافي من الإنفاق السياحي، فأوضحت ضرورة استبعاد ما يعتبر تكلفة ضرورية للحصول على هذا الدخل (327)، وتظهر هذه التكلفة في صورة تسرُّب للخارج، ويمكن تقسيم هذا التسرب إلى قسم مرتبط بالإنفاق السياحي الجاري، وقسم مرتبط بالإنفاق الاستثماري لقطاع السياحة.
وتشمل التسربات المرتبطة بالإنفاق الجاري الواردات السلعية (الأطعمة والمشروبات) (328)، والواردات الخدمية التي تتمثل في قيمة بعض الخدمات المصرفية وخدمات التأمين وغيرها من الخدمات التي تقدمها مؤسسات أجنبية يحتاج إليها النشاط السياحي أو السائحون مباشرة، كما تتمثل في شكل عوائد عوامل الإنتاج من أجور وفائدة وربح، مقابل خدمات يقدمها الأجانب لقطاع السياحة (329). وتتضمن التسرباتُ أيضًا ما تنفقه الدولة للدعاية في الخارج (مكاتب ومطبوعات)، بالإضافة إلى نسبة من المصروفات المخصصة لإهلاك رأس المال يتم إنفاقها بالنقد الأجنبي لاستيراد سلع وأدوات للمحافظة على الطاقة الإنتاجية، وينبغي أن نخصم أيضًا من الإيراد السياحي، مقدارَ ما يُنفق في السياحة المضادة، أي ما ينفقه مواطنون من البلد المعني في أسفارهم الخارجية للسياحة (330).
وبالنسبة للتسربات الناشئة عن طبيعة الاستثمار في قطاع السياحة، يمكن أن يُشار ـ على سبيل المثال ـ إلى أن المكون الأجنبي المستهدَف في إجمالي استثمارات المشروعات السياحية (76/ 1980) كان حوالي 30 %، وهذه النسبة تمثل الواردات المباشرة وحدها؛ أي: لا تحتسب فيها الواردات من السلع الاستثمارية والوسيطة اللازمة لإنتاج بعض السلع الأزمة للاستثمار محليًّا (331).
إلا أن تقويم الأثر النهائي للسياحة التابعة لا يقف عند هذه المحددات للعائد الصافي؛ فهناك أيضًا نفقة الفرصة البديلة، المتمثلة في توجيه نفس التخصيصات الاستثمارية وتخصيصات قوة العمل، إلى ميادينَ إنتاجية، ترتبط باستراتيجية مُستقلة، وهناك قول شائع حول توفير الاستثمار السياحي لفرض العمالة، "غير أن السياحة ليست في الواقع صناعة تتطلب استخدام الكثير من العمال كما يُشاع؛ ففي تونس مثلاً، قُدِّر أنه في الفترة من عام 1956 حتى عام 1971 كانت تكاليف إنشاء وظيفة واحدة في صناعة الفنادق ما بين 13.3 ألف دولار و20 ألف دولار، وفي صناعة الإنتاج السلعي تكلفت الوظيفة 12.7 ألف دولار. وهناك عامل مهم آخر؛ هو الطبيعة الموسمية للوظائف. وقد يُتصوَّر أن التشوه في قوة العمل، يقتصر على التحول من بنية "المنتجين" إلى بنية "الخدم"، ولكن ازدهار السياحة التابعة، يعني ما هو أكثر من ذلك؛ فهو ينسج شبكات من القوَّادين والمغامرين، وبقدر اتساع وإحكام هذه الشبكة يكون ازدهار السياحة التابعة. إن المكسيك تحصل وحدها على حوالَي 40 % من الإيرادات السياحية للدول التابعة (منتهى الازدهار)، وفي المقابل أصيبت المكسيك بمُشكلة مدن الـ 24 ساعة، أي المفتوحة للسائحين طول الوقت، وقد تحولت هذه المدن إلى مراكزَ للدعارة والأفَّاقين من كل نوع، ولكنها سجلت في عام 1970 دخلاً يصل إلى 879 مليون دولار بالنقد الأجنبي؛ وفقًا للحسابات الرسمية. و"على ذلك، لا يكون متوقعًا أن تتمكن أية حكومة مكسيكية من إغلاق هذه المدن، وإذا حدث وحاولت، فإن الزعامات السرية قويةٌ، وإبادتها من المجتمع المكسيكي بنفس صعوبة إنهاء المافيا منذ منعها في الولايات المتحدة". وتحاول بعض الدول محاكاة موناكو (بالكازينو الشهير)، فتحرص "على تقديم تسهيلات للمقامرة؛ كعنصر جذب إضافي، ولكن يورطها هذا في أحد الصناعات التي تصعب إدارتها جدًا، فكما اكتشف البريطانيون ـ حين أباحوا المقامرة ـ في أوائل الستينيات، كانت دائرة المصالح المرتبطة بالمافيا سريعة في اختراق مثل هذه المشروعات الجديدة، آمنة وبعيدة عن قبضة السلطات الأمريكية، ولما لم تكن السلطات المحلية يقظة إلى أقصَى حد، فإنها ستجد الكازينوهات في أيدي العمليات المُلتوية، وأكثر من ذلك، فإن بديل الاحتفاظ بالكازينوهات تحت إدارة الدولة، يقدم ضمانًا بإمكان اقتلاع العناصر المجرمة، فلا يكفي أن يكون مديرو الكازينوهات قادرين على تحديد مَن مِن موظفيهم يحاول أن يغشهم، فهم يحتاجون أيضًا إلى معرفة موسوعية عن هذه الصناعة؛ كي يحددوا أيًّا من المقامرين يمكن منحه تسهيلات ائتمانية، ومن الذي يمكن أن يتخلف عن سداد ديونه، هذا النوع من المهارة لا يُكتسب إلا بالخبرة، ومن حقائق الحياة أن عددًا كبيرًا من أكفأ الخبراء أو المديرين سيرتبطون بالمافيا" (332).
ب ـ كل هذه الصورة لم تكن مستبعدة من رؤية الهيئات الدولية، بل كانت مستهدَفة من هذا الإلحاح حول تطوير قطاع السياحة، باعتباره قطاعًا رائدًا. وفي هذا الإطار العام للسياحة التابعة، نذكر أنه "على الرغم من النمو الذي حدث في عدد السياح والليالي السياحية على مدى الفترة 1952 ـ 1975 إلا أن الاتجاه العام لمعدل النمو، قد شابته تقلباتٌ كثيرة خاصة فيما يتعلق بالليالي السياحية، وتعكس هذه التقلبات مدى حساسية الحركة السياحية للأحداث السياسية والاجتماعية التي مر بها المجتمع المصري. وبالذات فإن تأثير الحروب الثلاثة يبدو واضحًا على حجم الحركة السياحية". وبالنسبة للتطورات السياسية، يلاحظُ أن الأهمية النسبيَّة لليالي السياحية للأوروبيين والأمريكيين، قد تضاءلت بشكل واضح خلال تلك الفترة، في حين أن الأهمية النسبية لليالي السياحية للعرب قد تزايدت بمعدلات محسوسة؛ بحيث أصبح العرب يمثلون ما يقرب من 75 % ـ في المتوسط ـ من مجموع الليالي السياحية منذ منتصف الستينيات حتى عام 1974، ولكن مع التغيرات السياحية التي انعكست في الانفتاح، نلحظ أن معدل الزيادة في عدد السياح الأوروبيين والأمريكيين أصبح أعلى كثيرًا من معدل الزيادة في السياح العرب، ورغم طول المدة التي يقضيها السائح العربي (في المتوسط) بالمقارنة مع السائح الغربي، انخفض نصيب السياح العرب (في العام الثاني للانفتاح مباشرة ـ 1975) إلى 62 % من مجموع الليالي السياحية، وارتفع النصيب المقابل للسياح من الدول الغربية إلى 31.4 (وكان 21.4 % عام 1974) (333).
إن هذه الحقائق تُشير إلى وضع خاص للسياحة المصرية؛ فقابلية هذا القطاع للتبعية للخارج، لا تقف عند الاعتبارات العامة التي ذكرناها، وإنما يمثل عدم الاستقرار السياسي المُحتمل في المنطقة (ومصر في قلب أحداثها) عنصرًا إضافيًّا يزيد من خطورة الاعتماد الكبير على الموارد السياحية، في حالة تنمية مستقلة (تَعني بالضرورة توترًا عاليًا في علاقتها الدولية). ومنذ الانفتاح، تزايد السياح من الدول الغربية (عددًا ولياليَ) إلى جانب الوزن التقليدي الكبير والمتنامي للسياحة العربية، وانعكس هذا في انتفاخ الأرقام المنشورة عن متحصلات هذا القطاع، وخصصت استثمارات متزايدة للتوسع في الهياكل الارتكازية اللازمة لتنشيط السياحة. ولكن ظلت التطورات السياسية خلف تغير الهيكل السياحي تدريجيًّا لمصلحة سائحي الدول الغربية؛ ففي عام 1978، زاد عدد السياح 5 %، وزادت الليالي السياحية بحوالي 12.5 %، ولكن هبطت نسبة السياح العرب إلى 45 %؛ لأن الزيادة الأساسية في عدد السياح جاءت من أوروبا الغربية والولايات المتحدة (+ 14 %). وصحيحٌ أن الهبوط الحاد في عدد السياح العرب عام 1979، أدَّى إلى انخفاض الحصيلة من الإنفاق السياحي عن العام السابق (وكان مستهدفًا أن تزيد بنسبة 8 %)، ولكن ظلت الصدمة في إطار ما يمكن استيعابه.
والارتباط بين القطاع السياحي التابع، وبين التطورات السياسية، يرشح هذا القطاع للقيام بعلاقات تنسيق قوية بين البرامج السياحية المصرية والإسرائيلية.
وكان ضروريًّا أن يتحقق كل هذا مع تغيرات جوهرية في الوضع المؤسسي لقطاع السياحة. في نهاية 1973، كان القطاع الخاص المصري يمثل 86 % من إجمالي الطاقة الفندقية، ولكن التركيز الكبير للقطاع الخاص كان في الفئات الدنيا (نسبة القطاع الخاص 100 % في فنادق الفئة السياحية والفئة الثالثة والفئة الشعبية)، ولكن في الفئات العليا (الفئة الممتازة والفئة الأولى والفئة الثانية) كان القطاع العام يملك 43.8 % من الطاقة الفندقية لهذه الفئات (334). وفنادق الفئة الممتازة بالذات كانت مملوكة للقطاع العام بالكامل، وصحيحٌ أن الإدارة كانت بيد شركات أجنبية ـ في حالات عديدة ـ مثل هيلتون وشيراتون وميرديان، ولكن ظل الإطار السياسي العام، ودور المؤسسة المصرية العامة للسياحة والفنادق، ضامنين لإشراف فعلي من القطاع العام. وقد تغيرت السياسة العامة والسياسات الاقتصادية ـ كما نعلم ـ فانتهت المتابعةُ والضوابط، وإذا كان الوضع المؤسسي للسياحة التابعة (كما في المجالات الأخرى) يتطلب تسليم الإدارة المحلية إلى القطاع الخاص (مصري أو غير مصري)، فإن دور القطاع العام هنا (كما في المجالات الأخرى) هو تقديم كافة التسهيلات والمساعدات المفضية إلى هذا الهدف؛ فالأغلبية الساحقة من الفنادق الجديدة (من الفئة المُمتازة) تنشأ كمشروعات مشتركة بين شركة السياحة والفنادق
أو شركة مصر للسياحة، أو أية شركات قطاع عام أخرى (خاصة شركات التأمين والبنوك) وبين مستثمري القطاع الخاص (المصري والأجنبي)، ويملكها القطاع الخاص بالكامل، وقد أوضحنا سابقًاـ على أيَّة حال ـ أن الفارق بين ملكية القطاع العام وملكية القطاع الخاص أصبح فارقًا شكليًّا، وبالتالي فإن كل سلسلة الفنادق المصرية الممتازة أصبحت مرتبطة عضويًّا (أو تابعة) لبرامج المؤسسات الدولية المسيطرة على السياحة، والمشرفة على التنسيق المستهدف بين مصر وإسرائيل، ولا يبدو حتى الآن أن مشروعات المستثمرين العرب في هذا المجال، ستخرج عن هذا المخطط.

ومع هذا التحول المؤسسي ـ في إطار التحولات العامة ـ يمكننا أن نقول إن كافة التشوهات الاجتماعية والاقتصادية ـ المتوقعة من سياحة تابعةـ وصلت إلى الحد الأقصى، ويرتبط بهذا أن صافي الحصيلة النقدية التي تصب في الاقتصاد المصري، يقل كثيرًا عما يتصوره الكثيرون (بسبب التسرب الذي أصبح استنزافًا)، والحصيلة التي تصل إلى النظام المصرفي تقل كثيرًا أيضًا عمَّا يُصب في الاقتصاد المصري. إنَّ أثرَ التشوهات الاجتماعية يتعذر تقويمه كميًّا بالضرورة. ولكن حتى في حساب صافي العائد من الإنفاق السياحي، لا تتوفر البيانات الكافية، والتقديرات التي انتهت إليها دراسة "محيا زيتون" أشارت إلى أن نحو 18 % من الإنفاق السياحي يتسرب إلى الخارج في صورة واردات سلعية، وضريبة (مباشرة وغير مباشرة)، ولوحظ ارتفاع نسبة المكوِّن الأجنبي لاستثمارات السياحة في مصر؛ إذ وصلت إلى ما يقرب من 30 % في حالة الواردات الاستثمارية المباشرة وحدها.. ورغم الدلالة الخطيرة لهذه التقديرات؛ إلا أنها استبعدت ـ مع ذلك ـ أثر السياحة المصرية للخارج، وتعترف الدراسة بأنها اعتمدت على بيانات غير كاملة، ووقفت حتى عام 1974، وقد تدهورت الحالة على نحو حاد منذ ذلك التاريخ، وإذا أدخلنا أثر السياحة العكسية وحده، وخاصة في السنوات التالية لعام 1974 (مع النمو السرطاني في الفئات التابعة المشوهة صاحبة الدخول العليا ـ ومع انتشار المكاتب المنظمة والميسرة للسياحة العكسية ـ ومع توجهات العاملين في الخارج للسياحة الخارجية)، يمكن أن ينخفض صافي العائد إلى درجة كبيرة (ولكن يصعب تعيينها كميًّا للأسف)، أما عن أشكال ومعدلات التسرب إلى الخارج من الإنفاق السياحي داخل مصر؛ فكافة المؤشرات تدل على الزيادة الهائلة؛ سواء من خلال التكلفة الجارية أو الاستثمارية للنشاط السياحي؛ فاستفادة من الإعفاءات الضريبية والجمركية الممنوحة لمستلزمات البناء، أو لتجهيز المنشآت الفندقية والسياحية، لوحظ اتجاه المبالغة في "استيراد الاحتياجات التي يمكن تصنيعها محليًّا وبدرجة مرتفعة من الجودة؛ مثل مفارش السفرة، فوط المائدة، ملايات الفرش، أكياس المخدات، فتاحات الزجاجات، أباريق الماء والثلج.. إلخ".
ويُضاف إلى هذا، أنه "تردد كثيرًا عن التجارة في المعدات المستوردة لقطاع السياحة، بعد إعفائها من الجمارك. ورغم أن كافة البيانات الرسمية في الوزارة، تؤكد عدم وجود مخالفات بقطاع السياحة في هذا الخصوص؛ فإن هذا التأكيد لا يلقَى قبولاً من المسئولين في شرطة السياحة؛ حيث يضع مدير المباحث حاليًا، وبِناءً على تحرياته - خطةً للتفتيش الشامل على هذه المعدات المستوردة، والمعروف أن شرطة السياحة لا تتدخل في هذه الأمور، إلا إذا اتخذت صورة ظاهرة، وهو ما يشكك في أن الرقابة السياحية قامت بأي دور في هذا المجال" (335).
وفي مجال الإنفاق الاستثماري أيضًا، يُقال الكثير عن أوجه الاستنزاف، فأشارت "أخبار اليوم" إلى الشكوك المحيطة بالتعاقد مع شركة بريطانية لتجديد وتطوير فندق شبرد (أحد فنادق القطاع العام). يشمل العقد 110 ألف جنيه إسترليني (مقابل دراسة مشروع التجديد)، و3 ملايين على الأقل، ويقال 5 ملايين، (مقابل التجديد نفسه) (336). وقد كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن اتهامات صريحة، بتبديد موارد الدولة لصالح المستثمرين؛ فقد باعت شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير (قطاع عام) قطعة أرض مساحتها 75 ألف متر مربع لشركة السياحة والفنادق إيجوت (قطاع عام): السعر يقل 25 % عن القيمة الفعلية؛ لكي تسهم بها كحصة عينية في مشروع فندق شيراتون هليوبوليس. وفي مشروع فندق القاهرة (إيتاب) باعت شركة (إيجوت) أرض الفندق بمبلغ 1.5 مليون جنيه، وبالتقسيط حتى عام 1986، في حين أن هيئة استثمار المال العربي والأجنبي، قدرت قيمة الأرض بمبلغ 4.3 مليون جنيه، ويقول الجهاز المركزي إن هذه الخسارة (2.8 مليون جنيه) "وقعت دون أي سبب واضح"، وفي أرض فندق سميراميس الجديد، سعت شركة "إيجوت" إلى تقييم الحصة العينية، أي أرض فندق سميراميس وما حولها. بثمن بخس عند توقيع البروتوكول مع الجانب السعودي، فقُدِّر سعر المتر بمبلغ 326 جنيهًا، بينما نظيره في مواقعَ أقل أهمية، وصل إلى ضعف هذا المبلغ، وترتب على هذا ضياعُ أكثر من 3 ملايين جنيه على الجانب المصري. وفي أرض مشروع سيد عبد الرحمن، قدَّرت هيئة الاستثمار حق الانتفاع في هذا المشروع المشترك بين شركة إيجوت وبعض الشركاء العرب بمبلغ 11.25 مليون جنيه طوال مدة المشروع (أي 75 عامًا × 150 ألف جنيه)، ثم بذلت شركة إيجوت "مساعيَ ومحاولات مضنية" مع هيئة الاستثمار، حتى جعلتها توافق على خفض حق الانتفاع إلى مبلغ مليون جنيه فقط طوال مدة المشروع، وترتب على ذلك ضياع 10.25 مليون جنيه (337)، وفي هذه الحالة ـ كما في الحالات السابقة ـ خسر الجانب المصري قسمًا كبيرًا من حصته في رأسمال المشروع، وبالتالي من حصته في الإدارة والأرباح، وزاد التسرب للخارج في شكل أرباح للمستثمر الأجنبي، ويقال إنَّ معدلات الأرباح التي تحققها الفنادق المصرية (45 % من المبيعات) تعتبر أعلى المعدلات في العالم، وشيراتون القاهرة على سبيل المثال في مقدمة مجموعة فنادق شيراتون، من حيث معدلات تحقيق الأرباح (338). وقبل الانفتاح، كانت الرقابة على النقد تسمح بتحويل الأرباح بحد أقصى قدره 10 %، (وكان أغلب فنادق الفئات العليا ملكية مصرية خالصة، أي لا تحول أرباحها)، وحاليًا أصبح التحويل بلا سقف.
ويمكن أن نذكّر في بند الاستنزاف أيضًا، بحقيقة الاستعانة المتزايدة بشركات المقاولات الأجنبية في أعمال الإنشاء.
إن كافة هذه المؤشرات، تدل على أن معدلات التسرب زادت جدًا مع التحول إلى التبعية، لقد وجد أن العائد الصافي من النقد الأجنبي الذي يتحقق من السياحة يتراوح بين حد أقصى 100 % في حالة بعض الدول المتقدمة، وحد أدنى قدره 50 % في حالة الدول شديدة التخلف؛ نتيجة ارتفاع معدلات التسرب من الإنفاق السياحي، ويبدو أننا اقتربنا من هذا الحد الأدنى، وقد نتجاوزه إذا أُضيف إلى هذا التسرب أثر السياحة العكسيَّة.
ويرتبط بهذه التطورات أيضًا أن حصيلة النقد الأجنبي التي تتسرب خارج الجهاز المصرفي تتزايد، ويصعب تحديد هذا التسرب كميًّا، ولكن تصور بعض التقديرات أنه حوالي 21 % سنويًّا (339). وفي كل الأحوال يمثل الإنفاق السياحي خارج الأسواق المشروعة للنقد، غذاء رئيسيًّا للسوق السوداء وعمليات المقاصة، وتستخدم حصيلتها ـ كما كتب لطفي
عبد العظيم ـ "في استيراد علبات البيرة والكوكاكولا والكافيار وخلافه، في وقت يتمنى فيه المصري المطحون أن يظل قادرًا على شراء الفول والعدس" (340).

· ولكن يبقى في النهاية، أثرُ التشوهات الاجتماعية باعتباره أخطر النتائج فتكًا، وقد حققت السياحة التابعة ـ في هذا المجال ـ كل ما كان مستهدفًا، والسياحة من الدول النفطية بالذات (بالممارسة التي تمت) أفضت إلى نتائجَ رهيبة داخل المجتمع المصري، وفي مجال العلاقات المصرية العربية، فحوالي 80 % من السياح العرب يتجهون إلى الشقق المفروشة، ولا يفضلون الفنادق (341) (حيث توجد درجة أعلى من الانضباط)، وأشارت التقديرات إلى أن عدد هذه الشقق المفروشة، تجاوز 30 ألف شقة في مدينة القاهرة عام 1976، وإذا فرض أن إيجار الشقة في السنة حوالي 2000 جنيه، يكون هذا النشاط قد خلق فئة منتفعة من المؤجرين يصل دخلها إلى 60 مليون جنيه تتهرب من الضرائب، وأخطر من ذلك أن قسمًا كبيرًا من أصحاب هذه الشقق دخل في علاقات وشبكات، و"نقولها بكل صراحة، ودون حساسية: إن السياحة المتسللة إلى خارج الفنادق دون ضوابطَ هي السبب الرئيسي في الانهيار المريع في الأخلاق في مصرَ، وللأسف فإن القاهرة قد أصبحت تحمل اسمًا غريبًا، ألا وهي أنها (بانكوك) العالم العربي" (340). وقد ارتبط هذا النمط السياحي بأنشطة شارع الهرم،
ولم يكن صدفة أن انتفاضة الشعب في يناير 1977، ركزت على الملاهي في هذا الشارع ضِمن تحطيمها الواعي لرموز الانفتاح والانحلال.

(5) القطاعات الرائدة ـ تصدير العمالة:
أ ـ تصدير قوة عمل مصرية إلى الأسواق الخارجية هو رابع "الأنشطة الرائدة"، بل هو القطاع الأول بين هذه الأنشطة؛ من حيث عائد النقد الأجنبي المحقق، وقد كشفنا في حالة النفط، أن أرقام الصادرات المعلنة، تضلل في أحيان كثيرة عن حقيقة صافي حصيلة النقد الأجنبي التي يوفرها قطاع النفط، وصافي الحصيلة من قناة السويس، يقل كثيرًا عن الأرقام المعلنة حول دخلها (بسبب تكلفة التشغيل والاستثمارات وخدمة الديون)، والحصيلة المُعلَنة عن قطاع السياحة لا تُخصَم منها تكلفةُ الخدمة السياحية بالنقد الأجنبي التي تتسرب إلى الخارج، ولكن في حالة العاملين المصريين في الخارج، يحدث العكس؛ بمعنى أن الحصيلة المعلنة لا تتضمن التسربات الإضافية للداخل؛ فتحويلات العاملين - كما تبدو في ميزان المدفوعات - تقتصر على ما يتم تحويله رسميًّا من خلال البنوك، بالإضافة إلى ما يتم تحويله من خلال السوق الحرة غير الرسمية؛ لتمويل عمليات الاستيراد دون تحويل عملة، ولكن لا يدخل في بيانات ميزان المدفوعات سيل السلع الواردة مع العائدين من الخارج؛ وهي تجسد كمية محترمة من التحويلات.
إلا أن كل هذا الكم من التدفقات النقدية، لم يلهنا عن الإشارة في فصول مختلفة، إلى أوجه التدمير والاختلال التي نشأت عن هذه العملية، وبتشجيع من السلطات المحلية والهيئات الدولية. وبالكاد بدأت بعض التقارير الخارجية تثير الانتباه إلى أن تقويم نتائج تصدير قوة العمل بالمعدلات الحالية ـ لا ينبغي أن يُقاس فقط بمقدار تحويلات النقد الأجنبي(432). وبدأت بعض تقارير الاقتصاديين والفنيين الوطنيين تُثير الموضوع وتقومه بمعيار مركب، وتحذِّر من استمرار السياسة الحالية، ولكن السياسة الرسمية والسارية لا زالت تنص على التوسع في "مراكزَ للتدريب المهني والتعليم الفني؛ بهدف تدريب الخرِّيجين للعمل بالبلاد العربية والأفريقية، كجزء أساسي من السياسة العامة "للانفتاح" و"تحرير" قوة العمل من المخططات والضوابط المركزية (343)، والواقع أن دفع قوة العمل إلى الخارج لا ينحصر في خريجي هذه المراكز للتدريب المهني والتعليم الفني؛ إذ "يبدو أن الحكومة المصرية ذاتها لم تقرر موازنة مزايا وعيوب مصر كمصدر للعمالة؛ وفقًا للمدى الحالي.. وبصفة عامة، يتوقع المخططون تزايد أعداد العاملين بالخارج؛ سواء كانوا من القطاع الخاص أو العام في مصر، ولم تبذل أية محاولات لإعاقة هذا الاتجاه، بل يحدث العكس؛ أي: تشجيع فعلي له" (344).
إن متابعة النتائج المجتمعية والاجتماعية، وبالتالي السياسية، التي ترتبت على تسابق أفراد قوة العمل المصرية في اجتياز الحدود إلى الأقطار العربية النفطية، تتطلب إلقاء نظرة عامة على حجم هذه الحركة، في السنوات التي أعقبت ارتفاع أسعار النفط في أواخر 1973 (345)، ولكن لا توجد بيانات رسمية يرتكن إلى دقتها، ويعكس ذلك جو الفوضَى الذي مارسه "الانفتاح" في هذا المجال الخطير. وقد تضاربت التقديرات الرسمية وغير الرسمية تضاربًا كبيرًا (346)، وليس أمامنا إلا أن نستعين بنتائج تعداد عام 1976 كمؤشر، ورقم المصريين في الخارج كان ـ وفقًا لهذا التعداد ـ 1.425 مليونًا، وقد حسب هذا التقدير من المصادر المحلية داخل البلاد(347)، ويدعم اتجاه هذا التقدير، تقدير آخر توصلت إليه وزارة القوى العاملة والتدريب، مستندة إلى المصادر الخارجية، ويرتفع الرقم في الأقطار العربية ـ حسب هذا التقدير الأخير ـ إلى 1.89 مليونًا في أوائل 1978 (348). والاستعانة بهذه التقديرات لا تنفي أننا نتفق مع تقرير جامعة ديرهام، حول تصور أنها تقل بنسبة محسوسة من الأرقام الفعلية (349)، ولكنها تكفي - على أيَّة حال - لافتراض أن حوالي 30 ـ 35 % من قوة العمل قد شاركت في هذا التحرك منذ 1974، آخذين في الاعتبار أن الهجرة مؤقتة، وبالتالي هناك من يعودون سنويًّا مقابل الإعداد الأكبر التي تتدفق على الأقطار العربية النفطية. والرصيد المتبقي في هذه الأقطار في عام كعام 1978 يبدو أنه كان في حدود 15 % من قوة العمل المصرية (350). ومع ذلك، فإن هذه النسب رغم جسامتها، لا تعبِّر عن الأثر الحقيقي لهذا التحرك العشوائي المدمر، ومكونات هذه النسبة لها دلالة أبلغ؛ إذ لا يختلف مثلاً حول انخفاض نسبة الهجرة في قوة العمل الريفية، بالمقارنة مع النسبة المقابلة من قوة العمل الحضرية، (التي تمثل حوالي 49.7 % من إجمالي قوة العمل)، وبالتالي يمكننا ـ في حالة اعتماد نسبة الـ 15 % نسبة عامة ـ أن نفترض أن نسبة قوة العمل الحضرية المهاجرة قد ترتفع على 25 % من إجمالي قوة العمل الحضرية في مصر. وقد لاحظ تقرير جامعة ديرهام "أن الصادرات كبيرة من الصناع والحِرَفيين المهرة والمؤهلين جيدًا"، ولكنه افترض أن الدخل المأمون والعلاوات الدورية للعاملين في الحكومة والقطاع العام، لا يجعل من هؤلاء العالمين (ويمثلون 75 % من مجموع العاملين بأجر خارج قطاع الزراعة) مهاجرين محتملين، واستنتج بالتالي أن المخزون الحقيقي من المهاجرين المحتملين، يتركز في القطاع الخاص(351). ونعتقد أن هذا الاستنتاج خاطئ تمامًا؛ فالدخل المأمون والعلاوات، يمكن أن تكون مانعًا حقيقيًّا إذا كان الفارق محدودًا بين الأجر المصري، والأجر في الدول النفطية، أما إذا كانت هناك قفزةٌ بين المستوى هنا والمستوى هناك، فإن تدافع المهارات البشرية داخل القطاع العام إلى الهجرة يصبح متصورًا، حتى لو تضمن الانتقال قدْرًا من المخاطرة، فما بالك والأمر لا يتضمن أية مخاطرة؛ حيث تُيسر السياسة الرسمية كل سبل الهجرة (بالإجازات والإعارات وما أشبه) أي أن العامل في الحكومة أو القطاع العام، يتحرك ليقبض الأجر الأعلى، دون أن يفقد موقعه الوظيفي داخل المؤسسات المصرية.
إن الاستنزاف كان شاملاً – إذًا - للقطاعين العام والخاص. وقد أشار تقرير جامعة ديرهام إلى الطبيعة الانتقائية للهجرة، أي تركيزها على أصحاب الكفاءة والمهارات، ولم يشرح مسئولية "الطلب" عن هذا التركيز، ولكن لفت النظر إلى عامل مهم في جانب العرض ـ بوضعه الحالي ـ فتكاليف السفر مرتفعة إلى الحد الذي يمنع الفقير الحضري، "بينما يمكن للعامل الأكثر غِنًى - إلى حد ما - أن يدبر بالكاد تكاليف السفر، ومن هنا نجد بالقاهرة مجموعة كبيرة من الفقراء الحضريين، واقعين في مصيدة الفقر: لا يستطيعون إيجاد عمل داخل بلدهم، ولا يستطيعون تمويل هجرتهم على الخارج " (352). إن أصحاب المهارات ـ في القطاعين العام والخاص ـ هم المطلوبون، وهم أيضًا أصحاب القدرة العملية على الرحيل، وإذا كانت هذه الفئات أكثر عددًا وأعلى خبرة وكفاءة في القطاع العام، فإنه من المشروع أن نتوقع أن حجم الاستنزاف الذي تكبده القطاع العام كان أكبر (على الأقل من حيث الحجم المطلق للهجرة المؤقتة). ويعنينا - على أيَّة حال - التأكيد على حقيقة ونتائج الطابع الانتقائي للهجرة، ونذكر أن كل الشواهد، وبعض الدراسات، تؤكد هذه الحقيقة. نشير مثلاً إلى دراسة جهاز التعبئة والإحصاء على عينة من المعارين من الحكومة والمتعاقدين رسميًّا للعمل بالأقطار العربية، وقد أثبت الفحص أن 6.7 % فقط من العمالة المهاجرة كان دون مؤهلات دراسية، وإذا أضفنا إلى هؤلاء الحاصلين على شهادة أقل من الإعدادية ترتفع النسبة إلى 8.3 %، أي أن أكثر من 90 % كانوا من الحاصلين على تعليم منظم وشهادات، تبدأ من الإعدادية إلى الدكتوراه (353) (بينما تدور نسبة الأمية في مصر حول الـ 70 %)، أيضًا فإن المذكورين كمهاجرين دون مؤهلات، أو بمؤهلات تقل عن الإعدادية، قد يمثلون عمالاً مهرة وحرفيين، تزيد كفاءتهم الإنتاجية وخبرتهم في حالات كثيرة عن حَمَلة ثانوية عامة، ولا نقول بكالوريوس.
وصحيحٌ أن هذه الدراسة تصور الحالة في آخر 1973، وبالتالي يمكن أن يقال بحق إن الحالة تختلف الآن مع التوسع الهائل في الأعداد المهاجرة، ولكن حتى إذا سلمنا بأن درجة تركيز الكفاءات العليا قد انخفضت نسبيًّا (رغم زيادة الحجم المطلق زيادة كبيرة)، وحتى إذا افترضنا أن نسبة أصحاب الشهادات المختلفة (رغم قصور هذا المعيار) هبطت إلى 40% من إجمالي المهاجرين، فإن دلالة ذلك ـ في المقام الأول ـ اندفاع العمال المهرة ونصف المهرة بأعداد هائلة، وليس العاطلين أو غير المهرة. ويبدو أن البيانات المتاحة عن حالة الكويت تؤيد هذا؛ ففي عام 1965. كان معظم العاملين المصريين في الكويت، ممن يشتغلون بالمهن العلمية والفنية؛ حيث بلغت نسبتهم إلى مجموع العاملين المصريين 52 %، ولكنها انخفضت في عام 1975 إلى 29.5 % من إجمالي قوة العمل المصرية الوافدة إلى الكويت. وفي مقابل ذلك، فإننا نجد أن عمال الإنتاج والخدمات، كانوا يمثلون نسبة قدرها 32.8 % عام 1965 من إجمالي قوة العمل المصرية الوافدة، فإذا بها ترتفع إلى 60.5 % عام 1975(354).
وباختصار، فإنه إذا كانت نسبة قوة العمل الحضرية التي تعمل في الأقطار المجاورة عام 1978، تصل إلى 25 % من إجمالي قوة العمل الحضرية؛ يكون مشروعًا أن نتصور أن النسبة تصل إلى أكثر من 30 % بين أصحاب المهارات المتميزة (العمال غير المهرة 59.3 % من إجمالي قوة العمل المصرية) (355)، ويكون مشروعًا أيضًا أن نفترض أن النسبة ترتفع إلى أكثر من 40 % في الفئات العمرية من 20 إلى 45 سنة (356). وحين تصل المؤشرات إلى هذه المستويات، يتطلب الأمر وقفة جادة؛ فالتجاهل لم يعد مقبولاً.
ب ـ نشير هنا إلى المواجهات التي مثلتها دراسات عدد من الاقتصاديين الوطنيين، والتي تناولت المشكلة ـ بدرجة أو أخرى ـ بمنظور يتسع للأبعاد الاجتماعية والسياسية، إلى جانب التركيز على النتائج الاقتصادية المباشرة (357)، ولكن يبدو أن المشكلة لا زالت تحتاج إلى مواجهة نظرية وعملية أشملَ وأعمقَ، وهي لا يمكن أن تهاجم أو تحلل من زاوية مصر (أو الأقطار المصدرة للعمالة عمومًا) فقط؛ إذ يظل هذا منهجًا جزئيًّا، والمنهج الأشمل والأنسب، هو بحث هذا الانتقال المشوه في إطار التشوه العام الذي أحدثه المال النفطي في النسيج المجتمعي لأقطار المنطقة كلها (من يستورد العمالة ومن يصدرها). ونتأمل معها هذه الملاحظات:






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:09 PM رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

الموقف من العمل المنتج: عند مستوى عالٍ من التجريد، نعلم أن الإنسان ينتج لكي يستهلك، ويزيد إنتاجه ويطوره؛ لكي يزيد استهلاكه ويصبح أفضل. وهذا هو ملخص المسيرة الاقتصادية للمجتمع البشري. ووفقًا لمنطق هذه المسيرة، احتلت قيمة العمل المنتج موقعها المميز بين مختلف القيم؛ ولكن ماذا يحدث لو تيسر لمجتمع ما أن يحصل على كل حاجياته الاستهلاكية دون عمل؟ لا شك أن هذا المجتمع سيواجه خللاً خطيرًا في قيمه، ويفقد الحافز على العمل المنتج ـ بكافة أشكاله ـ وهذه هي المصيبة الكبرى التي تواجهها الأمة العربية؛ بسبب المال النفطي، وهي مصيبة تكمن في طبيعة المال النقطي السهل، وهذه المصيبة لا تتهدد الأقطار النفطية وحدها (وإن كانت الإصابة فيها أشد)، ولكنها تمتد إلى الأقطار غير النفطية أيضًا كما سيجيء.
وهذا الوضع فريد، لم يعشه في السابق - على ما نعلم - مجتمع من المجتمعات. إن أثر المال النفطي، لا يقارن بأثر الريع ـ على سبيل المثال ـ في الطبقات المسيطرة في المجتمعات قبل الصناعية؛ فالريع في هذه المجتمعات، كان فائض عمل اجتماعي مضنٍ، واستمرار العمل المنتج في المجتمع كان شرطًا لاستمرار الفائض وزيادته؛ وبالتالي
لم يكن الريع سببًا في إهدار قيمة العمل المنتج، وإنما كان حافزًا للطبقة السائدة على حماية واستمرار العمل، ولزيادة إنتاجيته؛ أما المال النفطي، فإنه نتاج عملية تشبه عملية فتح الصنبور، وهو قادر على إغراق دائرة واسعة (عشرات الملايين) في بحر من الكماليات، ويهدد باقتلاع كل هؤلاء من هموم الإنتاج.

يرتبط بهذا استطراد إلى مسألة الاستهلاك المستورد: فنمط الاستهلاك الغربي الذي يلهب سباق الاستحواذ على أكبر سلة من السلع المصنوعة، له بريق وتأثير غير عادي. وهذا النمط محل نقد من المصلحين الراديكاليين في الغرب، ولكن كل الانتقادات كانت أعجز من أن تعوقه من داخل، وقد سيطر هذا النمط على خيال الدول الاشتراكية الأوروبية التي عجزت عن خلق إنسان جديد لا تتخلص حياته في سباق الاستحواذ على السلع المادية، وهذا النمط يلعب في خلق إنسان جديد لا تتخلص حياته في سباق الاستحواذ على السلع المادية. وهذا النمط يلعب في الدول التابعة دور الخرز والمرايا التي يقال إن الفاتحين الأوروبيين استولوا بها على عقول بعض قادة القارة الأفريقية. لقد كان من أفضال نيركسة، أنه أثار قضية "أثر المحاكاة" في أدبيات التنمية الغربية (والتي يقال في وصفها أيضًا: ثورة التطلعات)، وهو لم يتعمق بما يكفي في هذه القضايا وإطارها، ولكننا نعتبرها ـ اقتصاديًّا ـ "كعب أخيل" (أي نقطة الضعف القاتلة) في أي تجربة تنمية مستقلة، ومنها تتسرب الردة. إن منطق رفضنا لنمط الاستهلاك الغربي (أو بالأصح نمط الحياة الغربية) ينبع من الاعتقاد بأنه ليس النمط الاستهلاك الغربي (أو بالأصح نمط الحياة الغربية) ينبع من الاعتقاد بأنه ليس النمط الأمثل المحقق لسعادة الإنسان. ويقوي هذه الدعوة في الدول الساعية إلى تنمية مستقلة ـ أنها لا تستطيع من الناحية العملية الاستحواذ على هذا النمط إلا لقلة، بكل ما يترتب على ذلك من صدامات اجتماعية، وتشويهات تنموية، وتبديد للمدخرات المحلية؛ ولذا يقال أحيانًا في الغرب: إن محاربة النمط الغربي على أسس حضارية هو مجرد محاولة لتحويل الضرورة إلى فضيلة، ولكننا نعتقد بالفعل أنها محاولة لتحقيق فضيلة بالاستفادة من ظروف مناسبة (انظر الفصل الخامس). وعلى كلٍّ، فقد حدث في حالتنا الفريدة أن تضاعفت الأموال فجأة، وتضاعفت القدرة على استيراد كل ما يُبهر العيون ويخطف العقول. فجأة أصبحنا وسط الطوفان، في حالة "انعدام وزن" حقيقية. لم تكن أمامنا فرصة الاختيار والانتقاء المرتبطة بتنمية مستقلة مطردة لقدراتنا الإنتاجية. إن فرصة الاختيار هذه كانت ستتحقق عبر تطوير وتجدد ذاتي لكافة مؤسساتنا العربية، ولكنها ضاعت أمام الهجوم المفاجئ. فقدنا (ونرجو أن يكون ذلك مؤقتًا) الظروف المناسبة لإقامة نمط حياة عربية متميزة، وأصبحت حياتنا مجرد تقليد للغرب في نمط استهلاكه وفي ساعات لهوه. وكان لا بد من أن يكون التقليد سطحيًّا وزائفًا؛ وهذا طبيعي؛ فنمط الحياة الغربية (مع كل نقدنا له) مرتبط بوجه آخر للعملة، أي بنمط الإنتاج الغربي، وبالتأكيد، فإن نمط الإنتاج الغربي الذي يقدس العمل والوقت والقرار الرشيد والدقة.. إلخ يحكم أوجه الإنفاق، ويحكم ساعات الفراغ. وابتعادنا عن هذا الوجه الآخر الحاكم، كان لا بد من أن يحول نمط الاستهلاك الغربي إلى شبيه مشوه بالسفه والانحلال.
معروفٌ أن من أسباب التشوه في تنمية الدول التابعة انهيار العلاقات القديمة بغير انتظام أمام زحف السلع ورءوس الأموال المستوردة، بمعنى أن تصفية العلاقات القديمة لا يتزامن ولا يتسق ـ في الأساس ـ مع نمو وإبداع قوى الإنتاج المحلية. وعندما تهاوت العلاقات القديمة ـ
لا قبل نمو قوَى إنتاج جديدة، ولكن مع خفوت الحافز على تنمية قوَى الإنتاج المحلية.. ومع سيطرة النمط الاستهلاكي الغربي الشاملة؛ زاد الشعور بالعجز عن إشباع الطلب المحلي بإنتاج قومي، فتلقَّى الاتجاه التلقائي نحو التقاعس دفعة إضافية، وترسخت التبعية للخارج.

إن العمل ليس مجرد قيمة فردية أساسية: ولكنه قبل ذلك قيمة اجتماعية، بل إن العمل الاجتماعي هو أساس الاجتماع البشري، واختلال هذا الأساس ينعكس تلقائيًّا (ومع غياب آليات مضادة) في إعادة توزيع الأموال (ولا نقول الدخل). إن علاقات التوزيع ـ في المجتمع الطبيعي ـ هي الوجه الآخر لعلاقات الإنتاج. وفي غياب علاقات الإنتاج، ومع تصدع معيار العمل الاجتماعي (أن الوظيفة الاجتماعية) تصبح عملية إعادة توزيع الأموال في الدولة النفطية معرضة للعشوائية، ومتأثرة بطبيعية المؤسسات السياسية الحاكمة. وقد نلحظ أنه في الدول التي احتفظت بمؤسساتها السياسية التقليدية، اكتسبت العلاقات العشائرية والأسرية صلابة خاصة، وأصبحت هذه العلاقات من المحددات الأساسية للأنصبة المالية (وهذه ضربة أخرى لقيمة العمل الاجتماعي) (358). وتنقصنا - من غير شك - دراسات اجتماعية أمبيريقية عن التغيرات الحادثة في هذه الأقطار، في مؤسساتها المختلفة، وفي الحراك الاجتماعي. ولكن يمكن أن نلحظ أن التسابق على نصيب مالي أكبر، أضاف فئاتٍ اجتماعية جديدة إلى كبار الأثرياء، ومن خلال عمليات التداول أساسًا، وليس الإنتاج، بطبيعة الحال.
ومعروفٌ أن الشركات العابرة للجنسية، لا تتورع عن استخدام الأساليب القذرة؛ من أجل فتح الأسواق، وهي تتلمظ وتتحارب على أسواق الدول النفطية، وتدفع - في سبيل ذلك - هذه الفئات الجديدة كوكلاء لأنشطتها، ويقتسمون معها الأرباح الخرافية، ويمكن أن نقول إن أموال النفط، جذبت إلى بعض الأقطار النفطية أكبر حشد من الأفَّاقين والمغامرين من مختلف أنحاء الأرض. وحتى ممثلو الشركات المنظمة العملاقة، وممثلو الدول، كانوا لا يبذلون أي جهد لستر عمليات النصب والنهب، وبمشروعات وهمية وشبه وهمية. وقد حقق الموردون الأجانب - في مسعاهم - نجاحًا فاق كل تقديراتهم (359)، وساعدهم في المهمة التشابكُ بين المصالح الأجنبية والفئات المحلية العميلة، إن هذا التشابك معروف في كل الدول التابعة، ولكنه يبلغ أبعادًا غير مسبوقة في بعض الأقطار النفطية العربية، والأثرياء المحليون العديدون (الوكلاء) يحققون أرقامًا فلكية. ودور هذه الفئة الواسعة والقوية في دعم التبعية سهل تصوره. ولكننا بصدد الحديث عن إعادة توزيع الأموال، والقضية أن إعادة التوزيع بين فئات الدخل المختلفة، لا تتحدد على أساس العمل الاجتماعي (هذا إذا استبعدنا طبعًا أعمال السمسرة وما أشبه، من مفهوم العمل الاجتماعي الذي يسهم في إنتاج القيمة).
وكل هذه الاختلالات، لم تفتِك بالنسيج المجتمعي في الأقطار النفطية وحدها؛ فقد أصابت الأقطار المحيطة غير النفطية، والتي أصبحت مصدرًا للعمالة. والحديث عن انتقال العمالة (من مصر أو غيرها) ينبغي أن يكون في هذا الإطار. إن الدول المصدرة للعمالة إلى الأقطار النفطية، هي مصر والسودان وسوريا وفلسطين والأردن واليمن. وللأسف تنقصنا أيضًا في هذا المجال الدراساتُ الميدانية؛ ولذا فإن الملاحظات التالية تعتمد على ما شهدناه ولمسناه في مصر. إن هيكل توزيع الموارد المالية بين مختلف الأقطار العربية يحوي ـ كما نعلم ـ مفارقاتٍ صارخةً، وقد تعمقت هذه المفارقات منذ أواخر 1973 بالذات. في عام 1975 ـ على سبيل المثال ـ كان متوسط نصيب الفرد السنوي في مصر من الناتج المحلي الإجمالي 275.6 دولارًا، وكان المتوسط المقابل لمجموعة الأقطار النفطية 6034.2 دولارًا، ولمجموعة الأقطار نصف النفطية (العراق والجزائر) 983.8 دولارًا (بأسعار 1975). وكما في داخل الأقطار النفطية، لم يكن هذا التفاوت في الدخول بين الأقطار المختلفة على أدنى صلة بالكفاءة المقارنة للعمل الاجتماعي المبذول، والنتيجة الطبيعية لهذا كانت إهدارًا لقيمة العمل الاجتماعي في مصر، فالطريق الأيسر والأسرع لزيادة دخل الفرد المنتج لم يعُد مربوطًا برفع إنتاجيته، وبالتنمية الشاملة للمجتمع المصري، وإنما بمجرد الحصول على تذكرة سفر وتأشيرة دخول إلى قطر نفطي مجاور.
وفي هذا القطر المجاور لن يحصل على دخل أعلى بسبب انتظامه في علاقات إنتاج متطورة، وفي مؤسسات منظمة ذات إنتاجية عالية؛ فهو يحصل على حفنة من المال النفطي المُتاح لا أكثر. فالعامل الماهر، أو الفني المصري، لا يحصل على أجر أعلى في الدولة النفطية لأن إنتاجيته اختلفت؛ بل إن إنتاجيته قد تنخفض أحيانًا (360)، ولكنه يتلقى مع ذلك أجرًا أعلى؛ اغترافًا من مال النفط. ويعني ذلك أنه لم يحدث فقط أن أُهدِرت قيمةُ العمل الاجتماعي داخل مصر، ولكن ـ بالإضافة إلى ذلك ـ اهتز التصور لطبيعة العلاقة بين العمل المنتج بشكل عام، وبين الدخل، وإذا فتح الباب أمام التحرك التلقائي لقوة العمل (كما حدث في مصر)؛ فيمكننا أن نتوقع التدافع المجنون لترك مواقع العمل داخل مصر، والانتقال إلى مناطق الدخل الأعلى. لتقريب الصورة، نتصور أن هاتفًا زعق في أحد الطرقات بأن هناك مليون جنيه على الناصية، ألن يفقد الناس عقولهم، ويتركوا أشغالهم وعيالهم، ليتسابقوا ويتقاتلوا لحاقًا بهذه الثورة الهابطة من السماء؟ إنها "لحظة مجنونة"، وهذه الصورة هي بالضبط ما حدث، والخلاف الوحيد أن هناك بوابات منظمة في غالبية الدول النفطية تحدد عدد الداخلين أصحاب الحظ والنصيب. ولكن رغم هذه البوابات قفزت الأرقام إلى المستويات التي أشرنا إليها، وينبغي أن نقول أيضًا أن عددًا كبيرًا ممن
لم يسافر بعد (وخاصة في الفئات العمرية من 20 إلى 45 سنة) يستعد للسفر، أي أنه يعتبر نفسه "ترانزيت" (361)، ويمكن أن نتصور أثر هذا على إنتاجيته، وعلى فاعلية العلاقات المؤسسية.

ولن نتطرق هنا إلى النتائج الاقتصادية البحتة، المترتبة على هذه الظاهرة؛ فهي قد تضللنا عن الحجم الحقيقي للكارثة، حتى بالمعنى الاقتصادي. فالنتائج الاجتماعية والمجتمعية أثرت الأثر الأبلغ على الوضع الاقتصادي، حاليًا وفي الأجل المتوسط (مع التفاؤل)، وإن تعذر تقويم هذا الأثر كميًّا. فنحن في صميم "اللحظة المجنونة"، عشناها منذ 1974 ولم نتجاوزها حتى الآن: زاغت الأبصار، وطاشت العقول ـ بالمعنى الحرفي ـ أمام أمل الحصول على المال السهل بمجرد عبور الحدود، وهذه "اللحظة المجنونة" كانت كفيلة بتحلل الروابط المجتمعية على نحو لم تألفه مصر في كل تاريخها الطويل. فالمواطن المصري عاش في مجتمع زراعي مستقر في منطقة صحراوية، والتصاقه بالأرض، ورفضه للهجرة، كان جزءًا من أيديولوجيته وتكوينه النفسي طوال آلاف السنين، وهذا الالتصاق بالأرض انعكس في قوة الترابط المجتمعي، وفي أنماط المؤسسات (أو العلاقات الاجتماعية) في ظل الدولة المركزية العتيدة. وانهيار كل هذا فجأة، "وغلبة "قوة الطرد المركزية" على هذا النحو غير المسبوق، يدل على عمق الهزة التي أحدثتها "اللحظة المجنونة"، فنحن لم نعد نواجه مجرد خلل أو تشوه في التنظيم الاجتماعي، نحن نواجه أيضًا تحللاً في الروابط المجتمعية. والمشكلتان متفاعلتان - بطبيعة الحال - ولكن المشكلة المجتمعية أخطرُ أثرًا من أيَّة مشكلة اجتماعية؛ فإعادة الترتيب والتركيب للعلاقات الاجتماعية مسألة مطروحة وممكنة باستمرار من خلال الممارسات المختلفة، ولكن شرط أن يتحقق ذلك أن يكون هناك أولاً مجتمع تتم فيه هذه التفاعلات، مجتمع تترابط وحداته بالعمل المشترك، ويتأكد الانتماء إليه بعمق التاريخ ـ بكل ما يمثله من إنجاز وتراث حضاري وقيمي ـ والمجتمع مع التاريخ هما في التحليل النهائي الوطن والقومية. ومحنتنا في ذروة اللحظة المجنونة أن المركب المصري بدا مهددًا بالتناثر على ذرات مفردة، وهذا ما نقصده بالمشكلة المجتمعية. والحقيقة أنه لم يَحدث فقط أن تهاوت قيمة العمل الاجتماعي في مصر، وقيمة العمل الاجتماعي بشكل عام (وهذا ـ في حد ذاته ـ يثير مشكلة مجتمعية). فقد فاقم الأثر أن كثيرين من المتدافعين، انطلقوا كأفراد متزاحمين، كان طبيعيًّا أن يُداس في هذا الاندفاع على كل الالتزامات والمؤسسات والقيم في المجتمع؛ لقد اختزلت كل القيم في قيمة واحدة: المال.
ولا مجال لمقارنة هذه الحالة بحالة المهاجرين مثلاً إلى الولايات المتحدة، والساعين إلى اقتحام "حدود جديدة". فالتدفق التلقائي لقوة العمل المصرية، لا يسهم في خلق "مشروع كبير"، وهي لا ترتحل بخيال وجسارة من يقتحم المخاطر، وينبش الصخر، ويفجر الإنتاج؛ ليستحوذ في النهاية على المال. وهي لم تنسلخ من علاقات قديمة (لا ننكر عيوبها)؛ لتنشئ علاقاتٍ جديدةً أفضلَ، أو لتشتبك في علاقات قائمة أكثر تطورًا. لو حدث ذلك تكون النتيجة أن ما فقدته مصر كسبه قطر شقيقٌ، والحصاد النهائي قد لا يكون سلبيًّا بمنطق قومي. ولكن الحال هنا يختلف؛ فقوة العمل المصرية تذهب إلى مجتمعات لها مؤسسات قائمة (قد تكون أكثر تشوهًا)، وهي لا تندمج في هذه المؤسسات، ولكن تعمل كأفراد من خارج هذه المؤسسات، ووفقًا لشروطها (أي وفقًا لقواعدها ومعاييرها). وباختصار، فإنها ترتحل لمجرد التماس ثراء سريع على هيئة "رزق". ولا يعني ذلك أن الفرد من قوة العمل المصرية لا يبذل جهدًا كبيرًا في مقابل ما يحصل عليه من أموال، ولكنه ممنوع ـ في العادة ـ أن يلعب بعض "الغرباء" دون "المنظمين"، والأغلبية الساحقة من قوة العمل المغادرة، لا تعمل في قطاعات الإنتاج السلعي، وهذا ضمن شروط المؤسسات الحاكمة في أغلب الدول النفطية. فنمط النمو في هذه الدول يرجح قطاع الخدمات ـ والخدمات الاستهلاكية بالتحديد (362) ـ ولا نقول إنَّه يكاد يقتصر عليها (مدارس، مستشفيات، طرق، إسكان شاملاً القصور، إدارات حكومية، أعمال حرفية؛ كالحدادة والنجارة وإصلاح السيارات.. إلخ) والأجور لا تكاد تمت بصلة إلى القيمة المضافة، التي أسهمت بها هذه العمالة في الناتج المحلي الإجمالي، وهذه الأجور لا تشتري سلة السلع الاستهلاكية "الفاخرة"؛ لأن أصحابها أسهموا في إقامة قاعدة من الإنتاج السلعي، فواقع الحال أن دخول عمال الخدمات الاستهلاكية، ودخول المشرفين عليهم هي ـ في الأساس ـ في نطاق إعادة توزيع المال النفطي، وهذا المال النفطي هو الذي يجعل الطلب على سلع الاستهلاك الكمالي ممكنًا ومشروعًا؛ لأن البترودولارات كفيلة بتوفير العرض المناسب من كل السلع المستوردة. وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن نصيب قوة العمل المصرية من كعكة المال النفطي، لا يمكن أن يخضع للمعايير الاقتصادية الرشيدة، ولكن لشروط أو قواعد المؤسسات الحاكمة، قاعدة "الرزق". وقد يكون المحدد الوحيد المراعى في بعض الأقطار هو أن يكون هذا "الرزق" للعامل المصري أقل من "رزق" مثيله من أهل القطر صاحب المال.
  • أرجو ألا تفهم هذه الملاحظة على أنها نقد أو عتاب؛ إذ لسنا في مجال النقد. المقصود هو محاولة تشريح وتحليل - بعقل بارد - لتشوهات لا بد من مواجهتها، والمحدد الذي تحدثت عنه (بخصوص التمايز في الرزق) هو بالتحليل الموضوعي، نتيجة منطقية في هذه الظروف. فهذا المحدد يستمد مشروعيته من كل المنطق التلقائي لفعل المال النفطي، ولن يُقضَى عليه بمجرد "الوعظ" والحديث الإنشائي عن الإطار العربي؛ ففي غياب مشروع حضاري متكامل، ومع إهدار العمل الاجتماعي المنتج كقيمة مقدسة، ومع معاملة المال النفطي كإيراد جارٍ، وليس كحصيلة بيع أصول عينية، ومع تدفق مئات الألوف (أغلبهم كأفراد) في طلب أموال لم يسهموا في إنتاجها، فإن معيار التوزيع لا بد يعطي صاحب المال النصيب الأكبر من الكعكة، وصاحب المال (مواطنو القطر النفطي بشكل عام)، يستمد سلطته في مواجهة العامل الوافد من حقيقة أنه واهب الرزق، وهو يؤكد هذه السلطة ويمارسها بوضع اجتماعي أعلى، بصفته أكثر ثراء.
وهذا التمايز على أساس الثراء يأتي هنا بعد تداعي الصلة بين المال والعمل الاجتماعي، أو بين الاستهلاك والإنتاج. وكل هذا كان لا بد أن ينعكس في توتر العلاقات بين أبناء الأقطار المضيفة، وأبناء الأقطار المصدرة للعمالة؛ فالعمالة الوافدة، في أعين بعض (أو أكثر) أبناء الأقطار المضيفة "حاقدة وطامعة"، وفي المقابل يرى الأولون أنهم "ضحية للاستغلال وسوء المعاملة". وقد ازداد التوتر؛ لأن تدفق العمالة لا يتوقف (رغم ضوابطَ الدول النفطية)، أي ازداد عرض العمالة، وفي ظل الحركة التلقائية للأمور، كان لا بد من أن يترتب على ذلك انخفاض في الأرزاق، وغلطة في المعاملة (363)، ومزيد من الاقتتال بين العاملين الوافدين من نفس القطر، وبين العاملين القادمين من أقطار مختلفة، وكل هذا جانب خطير في قضية التحلل المجتمعي؛ فالعمالة المصرية (أو غير المصرية) عند تدافعها لتعبر الحدود شكلت بداية للتحلل المجتمعي، وأسلوب استخدامها في المجتمعات المضيفة ضاعف من مشكلة التحلل، فهم
لم يندمجوا في بناء مشروع حضاري متكامل، وفي حدود ما قدموه لإشباع حاجة الأقطار المضيفة من خدمات استهلاكية تعاملوا مع علاقات اجتماعية مشوهة، وفرض تداعي الأسباب أن يعاملوا في كثير من الأحيان بطريقة مهينة، والعائدون منهم يعودون، وقد توتر ما كان قد بقِي بينهم من علاقات؛ بسبب ما كان من تنافُس واقتتال، وهم رغم كل ذلك يهيمون بنفس التكالب من أجل العمل في الأقطار المجاورة، ويرحلون من موقع إلى موقع، بلا أي انتماء إلى أي شيء إلا محاولة الحصول على رزق أعلَى.... مُنتهى الضياع والمرارة.

إن المال النفطي يؤدي ـ بحركته التلقائية ـ إلى تشوه العلاقات الاجتماعية داخل الأقطار النفطية، وهو يخل بالتماسك المجتمعي من حيث أثره على قيمة العمل الاجتماعي المنتج، ولكن يعوض ذلك اتجاه هذه المجتمعات تلقائيًّا ـ إلى الحرص على التماسك حول ملكية المال النفطي.. أما في الأقطار غير النفطية، فإن المشكلة اجتماعية ومجتمعية، واتجاه التحلل المجتمعي في بلد كمصر، لم يكن ممكنًا تولد قوى تلقائية مضادة كافية لوقفه، ولم تهدف السياسات الموضوعة إلى توليد مثل هذه القوى، فانتشر التحليل إلى درجة خطيرة، وفي الأثناء تشوهت العلاقات بين أبناء الأقطار العربية المختلفة.
ج ـ إن هذا العرض لتشوهات معينة أصابت قوة العمل المصرية، وأصبت النسيج المجتمعي والعلاقات
(أو المؤسسات) الاجتماعية، بشكل عام، لا يمثل مجرد حالة مصرية خاصة، فقد تضمن عرضنا بصراحة أن التشوهات أصابت قوة العمل في مختلف الأقطار، بأشكال ودرجات متباينة. وهذا التحليل يغوص ـ في تقديرنا ـ إلى العمق الحقيقي للأزمة القومية الراهنة؛ ليحدد السبب الأول والأساسي والفريد؛ ففي الحالة المصرية ـ على سبيل المثال- لم يكن من تزاحموا وأصيبوا بالتشوه الاجتماعي والتحلل، مجرد أصحاب كفاءات فنية نادرة، فهم يضمون أيضًا نسبة كبيرة من العناصر الديناميكية (أكثر من 40 %) التي كانت مرشحة للقتال ضد العدو، وللنضال من أجل أوضاع اجتماعية وسياسية أفضل. لو بقي التزامها بمجتمع ووطن، ومشروع كبير تتم من خلاله تنمية قطرية وقومية، ترفع المستوى العام للمعيشة.. من خلال الإنتاج في المقام الأول. ومع تشوّه هؤلاء (وليس مجرد تغيبهم)، يتأكد ما نقوله عن الاتجاه إلى التحلل؛ فنحن لسنا بصدد كم من البشر يتزاحم على مغادرة البلاد؟ ولكن نحن بالتحديد أمام تشوه المراكز العصبية الرابطة والموجهة للمجتمع (سياسيًّا وفنيًّا) وفي هذا يكمن التفسير الأول (وليس الوحيد بطبيعة الحال)؛ لأن يتحقق كل ما تحقق دون مقاومة مناسبة.

يبقى أن نوضح ما قصدناه بالمنطق التلقائي للمال النفطي والتحركات التلقائية التي صاحبته، وتحركات العمالة بالتحديد ـ في السياق الحالي. والمقصود هو أن انتقال العمالة إلى الدول النفطية المجاورة، كان مسألة حتمية كتدفق الماء من قمة الجبل إلى السفح، ولكن يمكن أن يخضع التدفّق لتوجيه الإنسان، فيستفاد من الظاهرة في الري وتوليد الطاقة، ويمكن أن يترك التدفق مرسلاً فيقضي على الزرع ويدمر المنشآت. ومع المال النفطي تركت الاتجاهات التلقائية بغير محاولة للاحتواء، وأطلقت الغرائز دون سيطرة من العقل والقيم (والعقل مستخدم هنا بمفهوم واسع يتضمن المؤسسات والسياسات المناسبة) (364). ولا نتصور في الحقيقة أن إطلاق المنطق التلقائي للمال النفطي؛ ليحقق كل هذا الدمار والتشوه كان تلقائيًّا؛ فالمخططات الخارجية التي رتبت "إعادة تدوير" البترودولار تحت سيطرتها، والتي دبرت تبديد الثروات العربية بكافة السبل والأشكال، وعلى رأسها توريد أنماط الاستهلاك السفيهة، والتخطيطات الخارجية التي خلقت ظاهرة "الإنسان النفطي"، ثم سلطت عليه كل أجهزة التشهير، والتخطيطات الخارجية التي رتبت في مصر كافة الوقائع التي أدت إلى السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي... هذه المخططات الخارجية كانت أيضًا مع انتقال العمالة من مصر بلا أيَّة ضوابطَ أو توجيه. هذا مؤكد بشهادة التقارير الدولية السرية وغير السرية، ولكننا نضيف أن تشويه قوة العمل المصرية (وليس مجرد استنزافها) كان مقصودًا ومُقدرًا (365)، فتدخلت هذه الجهات لكي يأخذ المنطق التلقائي مداه بالكامل. وهذا المخطط كان يتكامل ـ من هذه الناحية ـ مع بعض أهداف القطاعات الرائدة الأخرى (السياحة وبورسعيد) (366). لقد أوضحنا (في الفصول المختلفة) استخدامات المال النفطي (منحًا وقروضًا واستثمارات) في تغيير الوقائع والعلاقات داخل المجتمع المصري إلى ما استخدامات المال النفطي تمثلت في تشويه قوة العمل المصرية (بالمفهوم والأبعاد التي حددناها) (367). وقد أوضحنا أن تنمية "القطاعات الرائدة" في إطار المخطط العام، كانت بالمفهوم والأسلوب الذي يتسق مع إرساء السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي، ولكن قطاع "العمالة المصرية في الخارج" كان القطاع الأكثر حسمًا باتجاه النتائج المستهدفة.
ويرى محمود عبد الفضيل "أن أخطر الآثار السياسية والاجتماعية للأوضاع الاقتصادية الجديدة، هو التآكل المطرد لمستويات معيشة ورفاه (الفئات المتوسطة) في المدن والمناطق الحضرية، بعد أن تمتعت هذه الفئات بفترة من الازدهار والرخاء النسبي خلال الستينيات" (368). وهذا الاستنتاج ـ في تقديرنا ـ غير صحيح، ولو كان صحيحًا؛ لانعكس في حركة سياسية عارمة تحمي الإنجازات الاجتماعية والقومية للمرحلة الناصرية. هذا الاستنتاج كان مفروضًا أن يكون صحيحًا إذا حدثت السياسات الانفتاحية في مجتمع لا يملك طرق الهرب إلى الأقطار المجاورة صاحبة المال النفطي، فالانفتاح (أي التحول إلى البنية التابعة) يعني - في هذه الحالة - خسائرَ ملموسة ومباشرة بالنسبة لمن يسمون "الفئات الوسطى" (وأقصد بهم تشكيلة واسعة تبدأ برجال الأعمال المتوسطين ورجال الإدارة العليا في الحكومة والقطاع العام، وتنتهي بالعمال في القطاع المنظم وأقسام واسعة من الحرفيين وصغار الفلاحين)؛ لأن عمليات إعادة توزيع الناتج المحلي الإجمالي في الستينيات، تمت أساسًا لصالح هذه الدائرة، وكان متصورًا أن تتسع الدائرة حال استمرار تنمية مستقلة (أو حال تغير أكثر راديكالية واستقلالاً في أنماط الاستهلاك).
والبنية التابعة تنشأ على التوسع في نمط استهلاكي من "عجائب" الإنتاج الغربي المستورد، وبالتالي على أصحاب دخول عالية تسمح باستهلاك هذا النمط، أو بالمشاركة في إنتاجه واستيراده (انظر الفصل الخامس)؛ ولذا كان مفروضًا أن تتضمن الانتكاسة إلى هذه البنية ـ بالضرورة ـ عودة إلى زيادة درجة اللامساواة، وليس على حساب القطاعات الأشد فقرًا فقط، ولكن أيضًا على حساب "الفئات المتوسطة"، وخاصة في قاعدتها العريضة، بل قد تكون هذه الفئات المصدر الأول للفائض المحول إلى الطبقة التابعة الصاعدة، ويتصادم كل هذا مع وقائع قامت، ومصالح لا تصفَّى إلا بصراع عنيف أو دموي.
إن الضربات التي وجهتها الناصرية إلى البنية التابعة (سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا) كانت حربًا ضارية ضد المستفيدين بهذه البنية، وكل من يُعد لضربات إلى البنية التي ركبتها الناصرية (أي لثورة مضادة)، كان مفروضًا بالفعل أن يواجَه بعنف من قِبَل المستفيدين من هذه البنية.
وقد أشار عبد الفضيل، إلى أن "الفئات المتوسطة" التي استفادت من إجراءات الستينيات، أصبح محكومًا عليها "إما بالانحدار إلى مستويات معيشة "الفئات الشعبية"، وإما بالهروب المنظم من خلال عمليات الهجرة؛ حتى لا تتعرض لتخفيض ملموس في مستويات معيشتها ورفاهها".
والحادث.. أن البديل الثاني كان متاحًا من أوسع الأبواب، وبالتالي نزعم أن تصفية الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية للناصرية، تمت في ظروف ارتفاع في مستويات المعيشة للقسم الغالب من "الفئات المتوسطة"، التي كان مفروضًا أن تضار (تحت شروط مغايرة).
ويقول عبد الفضيل: إن "هجرة العمالة للبلدان النفطية أدت إلى اتساع الفوارق الدخلية، وتعميق ظاهرة (ثنائية) هيكل الدخول والأثمان في الاقتصاد المصري، ومع مرور الزمن تزداد الفجوة التي تفصل بين هذين القطاعين في مجال الدخول وأثمان ونوعية السلع، والخدمات التي يجري تداولها واستهلاكها" (369). وهذه الثنائية الجديدة، أو "الازدواجية الواضحة في آليات الحياة الاقتصادية المصرية، قسمت الاقتصاد الوطني إلى قطاعين"؛ أُسمي الأول: القطاع الداخلي (أو المحلي) (369)، وأُسمي الثاني: القطاع الانفتاحي (أي المنفتح على العالم الخارجي).
ويبدو أننا نختلف مع هذا التحليل وما ترتب عليه من توقعات؛ إذ ينبغي أولاً أن نفرق بين ظاهرة (أو مرحلة) الازدواجية الانتقالية، وبين ظاهرة (أو مرحلة) الازدواجية التقليدية، حسب الوصف والمصطلح المنتشر في كثير من أدبيات التنمية، (وهي المرحلة التي يستهدف استقرار البنية الاجتماعية المصرية عندها). وينبغي بعد هذه التفرقة أن نرقب دور هجرة العمالة في كل من المرحلتين.
إنَّ الانتكاسة عن الأسس المستقلة لبنية المؤسسات والممارسات الناصرية، كانت تتطلب بالضرورة مرحلة انتقالية. وكل مرحلة انتقالية تشهد قطاعًا صاعدًا وقطاعًا في موقف الدفاع، وتنتهي المرحلة الانتقالية مع الانتصار الحاسم لأحد طرفي الصراع. يحدث هذا في الثورةِ، وفي الثورة المضادة. وقد كان مفهومًا ـ بالتالي ـ أن يشهد المجتمعُ المصري، في الفترة الانتقالية نحو التبعية - هذه الازدواجيَّةَ الخاصة والمؤقتة، كان طَبَعيًّا أن يشهد المجتمع المصري ازدواجية (أو تناقضًا) بين أسرى القطاع الناصري (ويشملون كل المقيدين بقواعده ومؤسساته؛ بدءًا من العاملين في الحكومة والقطاع العام، وانتهاء بملاك الأراضي الزراعية والمباني السكنية القديمة، وحملة الأسهم في الشركات المساهمة، وخاصة في شركات القطاع العام) من ناحية، وبين الملتحقين بالقطاع الانفتاحي (بدءًا من المهاجرين وانتهاء بالعاملين في المشروعات الجديدة). وهذا التناقض والصراع بين البنية التابعة (التي تسعَى القُوَى الخارجية إلى دعمها وفرضها) وبين البنية الناصرية (التي أصبحت في موقف الدفاع) كان تطورًا يحتمه - في كل الأحوال - منطقُ التحول من بنية إلى بنية مغايرة؛ وبالتالي لم يخلق هذه الثنائية انتقال العمالة، وما صاحبه من أموال. ولكن إذا أردنا تحديد دور انتقال العمالة في هذه العملية، يمكننا أن نقول إنَّه بفضل انتفاخ القطاع الانفتاحي بفيض المهاجرين، أمكن إلى حد كبير احتواء التقلصات الناشئة عن التناقض بين القطاعين (أو البنيتين)، وأمكن خفض درجة حرارة الصراع، وأمكن بالتالي حسم مهام المرحلة الانتقالية ـ في جوهرها ـ بسرعة وسهولة نسبية، فوفق الترتيبات المختلفة التي تابعناها في فصول الكتاب، تزول التناقضات تدريجيًّا بين هيكل الأثمان النسبي في القطاع الأول، وهيكل الأثمان النسبي في القطاع الآخر، وبالنسبة للفارق في مستويات الأجور والدخول داخل القطاعين، تطبق أيضًا ـ أثناء الفترة الانتقالية ـ إجراءات متتالية تهدِف إلى تقليصه من المنبع؛ أي إلى تقليص الطابع المميز لقواعد ومؤسسات القطاع الناصري، والتي لم تعد بالفعل منسقة منطقيًّا مع كل التطورات الدخلية"؛ ويقصد ـ كما أعتقد ـ اتساع الفجوة بين دخل المدرس مثلاً المهاجر إلى دولة نفطية، وبين دخل مثيله العامل في مصر. وهذه ملاحظة ـ كانت صحيحة ـ وخاصة في بداية المرحلة الانتقالية، ولكن تمثل الحل ـ إلى حد كبير ـ في التزاحم على الهجرة (بكل التشوهات التي تضمنتها)، وحين نتذكر الأرقام والنسب التي أوردناها، (وخاصة قوة العمل الحضرية في الفئة 20 إلى 450 سنة) يبدو لنا أن قسمًا محترمًا من "المتذمرين المحتملين" أمكنه حل مشكلة الفارق الدخلي، ونضيف أيضًا أن اتساع نطاق الهجرة، ضاعف الندرة في عديد من المهن؛ فتحقق قدرٌ من التوازن ـ عند مستوى مرتفع ـ بين أجور أو دخول أصحاب هذه التخصصات في السوق الداخلي، وبين أجور
أو دخول قرنائهم في الأسواق النفطية (370). وفي هذا الإطار حلت القوَى الخارجية (وعملاؤها) تناقض المرحلة الانتقالية لصالحها، وأنهت جوهريًّا، وبسلام نسبي، ازدواجيةَ هذه المرحلة.

وبانتهاء المرحلة الانتقالية، تصبح بصدد الانقسام الطبقي التقليدي في البنية التابعة، أو بصدد مفهوم الازدواجية كما درجت عديدٌ من دراسات التنمية على استخدامه، وهذا الانقسام يتضمن بالضرورة ـ ضمن ما يتضمَّن ـ ازدواجية في هيكل الدخول، ولا نتحدث عن ثنائية في هيكل الأثمان (عند نهاية مهمة "تحرير" الأسعار) إلا بقدر ما نقصد ثنائية في أنماط الاستهلاك (مرتبطة بفوارق الدخول) معبرًا عنها بالأثمان، وكل ذلك من السمات الطبيعية للبنية التابعة، وما تفرزه من تنمية مشحونة بالتوتر والقلاقل. إن البنية التابعة ـ في بلاد فقيرة ـ يصاحبها أيضًا فئات محدودة من أصحاب الدخول، التي تمكن من ممارسة نمط الحياة الغربية ونمط استهلاكها، وهناك علاقة وثيقة بين حجم هذه الفئات وممارساتها وبين الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البنية التابعة، فكلما زادت حدة الاستقطاب، وتكثفت المظالم الاجتماعية، كانت نُذُر الثورة أقوى، والحاجة للقمع أشد. فما هو دور هجرة العمالة (بالمعدلات والنوعيات الحادثة) في هذا النموذج؟ هل تزيد الهجرة (وما يصاحبها من أموال) اتجاه الاستقطاب؟ لقد أدت سياسية الانفتاح إلى نمو سرطاني سريع في شبكة المليونيرات وأشباه المليونيرات، ولكن منعت الهجرة ـ رغم ذلك ـ حدة الاستقطاب؛ لأنها رفعت مستوى معيشة القسم الأكبر من الفئات المتوسطة؛ أي: خلقت فئات واسعة ترتبط بخط الاستهلاك المستورد، وتتوسط المسافة بين من يملكون ومن لا يملكون.
إن طريقة الحصول على المال النفطي، وطريقة استخدامه بعيدًا عن العمل المنتج؛ كإيراد جارٍ وليس كتعبير عن قيمة أصول عينية. ثم ما يترتب على ذلك من إنفاق الأموال في إدمان نمط استهلاك مستورد.. كل هذا، شوَّه قوة العمل، وشوَّه المجتمعية والاجتماعية، وشوه الوعي القومي، ووفر أساسًا محتملاً للاستقرار في التبعية.
لقد تحققت مهام الانتقال إلى البنية التابعة في مصر بسهولة نسبية، وإذا بقي كل شيء على حاله، لا يتطلب الأمر لاستقرار طويل الأجل في التبعية إلا مرحلة كرومرية (نسبة إلى كرومر)؛ أي رفعًا لكفاءة الإدارة المحلية (كتابعة رشيدة)، وإجراء بعض الإصلاحات الضريبية، ومواجهة المفارقات والاختناقات المستفزة، وهي مهمة صعبة، ولكن القوى الخارجية تركز على إنجازها في هذه المرحلة؛ استفادة من فرصة فريدة أتيحت أمامها.
إن استمرار الجري والتزاحم خلف الأموال السهلة (من المال النفطي في الأقطار المجاورة، ومن قناة السويس،
أو السياحة)؛ لنسدد ثمن ما أدمنت فئاتٌ واسعة استيراده واستهلاكه، قد يؤدي ـ بالفعل ـ إلى أن تكون غاية المُنى انتظام هذه العلاقة، مع قدر من التشريد في أدائها داخل المجتمع. وغاية الحرص ستُوجَّه إلى عدم إغضاب مَن يمدوننا بما نستهلكه. سنتجنب كل ما من شأنه إغضابهم، مثل الحديث عن حرب ضد العدو الصهيوني مثلاً (ولو أن المجتمع الذي لا ينتج لا يمكن أن يحارب). وإذا استقرت التبعية، قد "يتصادف" أيضًا إنتاج النفط في مصر بكميات كبيرة، وإذا بقي كل شيء على حاله؛ سيكون هذا الاكتشاف إدخالاً لمصر ـ من باب أوسع ـ في نفس الدائرة المفرغة. وكسر الدائرة يتطلب آليات مركبة، ولكن الصحوة، والتمرد على ما أدمناه من نمط للحياة والاستهلاك، يأتي في المقام الأول. فهل نستطيع؟ إن علاجنا الجذري لا يبدأ بعقاقيرَ ووصفات مادية. نقطة البدء تغير نفسي وعقلي على المستوى الفردي والمستوى الجَمعي؛ من خلال عودةٍ لروح الصراع ضد أعداء أصالتنا الحضارية وقوميتنا، وتقبُّل لكل
التضحيات التي تترتب على ذلك..
}إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{.
صدق الله العظيم.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:15 PM رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع


هوامش الفصل العاشر
(1) Arab Republic of Egypt, Economic management in a period of transition, Report N". 1815 EGT. Op. cit., Volume one items 3. 12. 3. 13. 3. 24 and 3. 25.
(2) انظر: بيان السيد وزير التخطيط أمام مجلس الشعب عنمشروع خطة التنمية الاقتصادية الاجتماعية لعام 1977، (ج. م. ع: وزارة التخطيط، يناير 1977).
(3) انظر: وثائق اجتماع المجموعة الاستشارية الثانية، هوامش الفصل التاسع، مرجع سابق.
(4) انظر: "تقرير لجنة الخطة والموازنة عن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المالية لمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 1977"، لجنة الخطة والموازنة، الفصل التشريعي الثاني، مجلس الشعب.
(5) د. القيسوني، أخبار اليوم، (2/ 7/ 1977)، مرجع سابق.
(6) تقرير متابعة المركز المالي للدولة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 1977 (ج. م. ع. وزارة المالية)، (تقرير غير منشور).
(7) راجع: تقرير مبدئي عن متابعة خطة 1977 (القاهرة. وزارة التخطيط، أبريل 1977).
(8) Document of international monetary fund and not for public Use. SM – 78 – 21 contains confidential information, January 23, 1978. To: Members of the executive board. From: The secretary. Subject: Arab republic of Egypt – Recent economic developments. P. 1.
وقد أكد الصندوق نفس الموقف في تقرير أخير (غير منشور أيضًا) فقد سجل أن الأرقام الدالة على معدلات الزيادة في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وفي الرقم القياسي لسعر الجملة، "تخفض - إلى حد كبير - المعدل الحقيقي للتضخم، والرقمان القياسيان مثقلان بشدة - على أيَّة حال - بالمواد المحددة الأسعار".
وأضاف التقرير النتيجة المنطقية المترتبة على ذلك، (والتي كانت تُتجاهل في السابق)، فقال إنه "حيث إن هذه الأرقام القياسية تستخدم في احتساب معامل تكميش deflator للناتج المحلي الإجمالي، فإن معامل التكميش هذا يحتمل أيضًا أن يكون أقل من المعامل الفعلي.. ويحُد بالتالي من الثقة بالنتائج". وبالتالي تحُد من الثقة الموضوعة في تقديرات النمو الحقيقي في الاقتصاد، التي قيلت قبل ذلك.
Egypt: Supplementary Background material for GATT, (September 8, 1979).
(9) استخدم الجهاز أسعار 1972 كأساس، انظر: المتابعة وتقييم الأداء في القطاعات الاقتصادية عن عام 1977 (القاهرة: الجهاز المركزي للمحاسبات، 1979)، ص 1.
(10)يُستخدم في الإنجليزية مصطلح Structure للدلالة على الهيكل والبنية بلا تفرقة. ونستخدم هنا الهيكل للدلالة على أنواع الأنشطة الاقتصادية المختلفة وأوزانها النسبية. ونستخدم البنية الاقتصادية والاجتماعية للدلالة على توجه وروابط الأنشطة الاقتصادية (للخارج أو الداخل في الأساس. ويأتي هنا مفهوما التبعية والاستقلال). أيضًا على طبيعة القوى والفئات المسيطرة على النشاط الاقتصادي، وعلى علاقات هذه القوى بالطبقات الاجتماعية الأخرى.
(11)بيان السيد نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية ووزير التخطيط، عن السياسة الاقتصادية، وعن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية عام 1978"، مضبطة الجلسة 8 (5/ 12/ 1977)، الفصل التشريعي الثاني، مجلس الشعب.
قاطع محمود أبو وافية بيان القيسوني قائلاً: "إن الاستثمارات المخصصة لاستكمال المشروعات التي لم تستكمل بعدُ هي 90% وإن نسبة الاستثمارات المخصصة للمشروعات الجديدة هي 10% فقط.. وقد أحسست أنه قد يكون لدى بعض السادة الزملاء تساؤلات حول هذه النقطة بالذات، كما قد تكون هناك بعض الملاحظات التي قد يكون يبديها الإخوة المعارضون في تعليقهم على البيان الذي تتفضلون سيادتكم بإلقائه الآن"! وجاء في تعليق حزب التجمع على هذه النقطة تساؤل حول فيم أنفقت استثمارات السنوات 74 ـ 1977 إذا كانت استثمارات استكمال المشروعات ما زالت تستوعب هذه النسبة العالية؟... ولماذا
لا تبين لنا الحكومةُ ما هي نوعية هذه المشروعات؟" انظر: "بيان حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي"، ملحق مضبطة الجلسة 16 (29/ 12/ 1977)، الفصل التشريعي الثاني، مجلس الشعب.

ونذكر أن د. محمد محمود الإمام كان قد سخر من هذا التركيز التقليدي على الإحلال والتجديد، "فكثيرًا ما يتردد على سبيل تحديد الأولويات القول باستكمال ما هو جارٍ، وإجراء الإحلال والتجديد الضروريين، والاستفادة ما أمكن من الموارد الخارجية المُتاحة، ومثل هذا القول وإن بدا منطقيًّا، فإنه يُحيل الخطة إلى أداة
لا اتجاه لها، ولا مغزى.

فالإحلال والتجديد أمر مفروغ منه، وهو أولوية داخلية لكل قطاع، شريطة أن يوضع في الموضع المناسب، ويساعد على تحقيق الأهداف التي تتناسب مع أولوية القطاع ومتطلبات تناسق الخطة، والمضي وراء الموارد المتاحة من الخارج رغم ضرورتها المُلحة يكاد يفقد الخطة توازنها، ويملي عليها رغبات العالم الخارجي الذي سعينا إليه في تواريخَ سابقة ومتفاوتة، ومن ثم فإنه يلزم دائمًا أن توضع هذه الموارد في كل خطة وفقًا لمتطلباتها الخاصة. أما استكمال ما سبق، فقد عانينا منه الكثير، فكل مشروع بدأ يصبح تركة تفرض وجودها، وتكاد تشُل حركة المخطط؛ إذ لا يتبقى له إلا النذر اليسير يتحرك في حدوده.
هذه الاعتبارات - إذًا - ليست أولويات بالمعنى المفهوم، وإنما هي بدَهيات تُراعَى ضمن الأولويات سالفة الذكر، وبالتالي فإنه يصبح من المنطقي ـ مثلاً ـ ونحن بصدد الإسراع بمعدل الاستثمار في الإسكان مثلاً، أن تأتي المشروعات وشيكة الإنجاز في المقدمة، تليها المشروعات التي جاوزت أو شارفت منتصف الطريق وهكذا. ومع ذلك، فإن حسن مسيرة أعمال التنفيذ لا ينفي بالقطع بدء مشروعات جديدة تتداخل مع المشروعات السابقة، طالما أن هناك برنامجًا محددًا لتعاقب المشروعات من حيث البدء والإنجاز".
(12) بيان السيد الدكتور نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط أمام مجلس الشعب عن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخمسية 78 ـ 1982 (القاهرة: وزارة التخطيط، جمهورية مصر العربية، ديسمبر 1977)، ص ص 23 ـ 25.
(13) انظر: القيسوني، المرجع رقم 101 ـ أثارت هذه التسمية المقلقة تعليقات المعارضين، انظر مثلاً، "كلمة د. محمد حلمي مراد"، و"بيان حزب التجمع"، مضبطة الجلسة 16 (29/ 12/ 1977)، الفصل التشريعي الثاني، مجلس الشعب.
(14) نعتمد علَى:
World Bank, Arab Republic of Egypt. Economic management, Report N". 1815 EGT, op. cit., Volume one.
ويلاحظ أننا لم نتقيد في عرضنا بالتسلسل الوارد في التقرير.
(15) Ibid..: Item 4. 68.
(16) Ibid..: Item 4. 70.
(17) Ibid..: Item 4. 02
(18) Ibid..: Item 4. 08
(19) Ibid..: Item 2. 25
(20) Ibid..: Item 4. 08, 4. 09 and 4. 13.
(21) Ibid..: Item 453
(22) Ibid..: Item 4. 54 to 4.58.
(23) Ibid..: Item 4. 07
(24) Ibid..: Item, item 4. 09.
(25) كافة النسب عن تقارير المتابعة المختلفة لوزارة التخطيط.
(26) لجنة الخطة والموازنة (د. أحمد أبو إسماعيل)، "تقرير لجنة الخطة والموازنة عن مشروع اعتماد الخطة الخمسيّة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 1978 ـ 1982 (التقرير التاسع)"، الفصل التشريعي الثاني. مجلس الشعب. 8/ 6/ 1978،
ص 40

(27) تقديرات وزارة التخطيط وصندوق النقد الدولي. نقلاً عن تقرير البنك الدولي:
Document of the world bank, (For official.. etc) Report N". 2738 – EGT, Arab Republic of Egypt recent economic development and External and External requirements, November 12, 1979 Statistical annex, table 2. 1 A.
(28) Ibid..: Item 1. 4 and 1. 5.
(29) نختلف هنا مع عدد الاقتصاديين والخبراء الوطنيين: مثلاً
د. مصطفى الجبلي "إن ضمان قدر أدنَى من الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية والكسائية لأفراد الشعب أمر قد تفرضه الضرورة في أوقات الحروب، وحينما تتعرض الدولة لحصار اقتصادي أو ضغوط غذائية. أمَّا ما عدا ذلك، وحينما تكون الموارد الزراعية المُتاحة محدودة والطلب عليها يفوق كثيرًا قدرتها الإنتاجية، كما هو الحال في مصر. فإن الهدف يجب أن يكون تحقيق أفضل استغلال للموارد المتاحة وتنظيم العائد منها". "استراتيجية التنمية الزراعية بين تحقيق الاكتفاء الذاتي وحسن استغلال والتشريع). القاهرة: مارس 1977. هذا الاعتراض الصريح عند د. الجبلي على ضرورة اشتمال الأهداف على ضمان قدر أدنى من الاكتفاء الذاتي ـ من منظور الاستقلال ـ يقابله تجاهل كامل لهذا الهدف في عدد من الدراسات الأخرى. انظر مثلاً: د. محمود عبد الفضيل، "مستقبل التنمية الزراعية في مصر"، مصر المعاصرة ـ (أبريل 1977) العدد 368، انظر أيضًا د. عبد القادر دياب، منوال الاستغلال الزراعي المصري، واقعه، واتجاهات تعديله، وآثارها الاقتصادية، (القاهرة: معهد التخطيط القومي، أغسطس 1979)، مذكرة رقم 1249.

(30) في عام 1900 (أي بعد عشر سنوات من إقرار حق الملكية الخاصة في الأراضي الزراعية، وبعد حوالي سبع سنوات من الاحتلال الإنجليزي) كان الأجانب يملكون حوالي 11 % من مساحة الملكيات الزراعية، وانخفض عدد الملاك الأجانب فيما بين عامي 1900 و 1950 بنسبة 47.6 %، وكذلك انخفضت المساحة المملوكة لهم بنحو 63.2 %، وهذا يعني أنهم كانوا يتخلصون تدريجيًّا من أراضيهم؛ سواء لمغادرة البلاد
أو لانتقالهم إلى نشاط اقتصادي آخر. كما أن معظم ملكيات الأجانب كانت في شركات زراعية تستصلح الأراضي البور ثم تبيعها مرة ثانية إلى مصريين بأثمان مرتفعة جدًا. والمهم في ملكية الأجانب أن هيكل المحصول وأسلوب الإنتاج كان
لا يختلف عادة عن المتبع في المزارع المملوكة لمصريين. انظر: د. محمد محمود عبد الرءوف، الازدواجية في القطاع الزراعي، لماذا لم تظهر في الزراعة المصرية، (القاهرة: معهد التخطيط القومي، يناير 1973) مذكرة داخلية رقم 290.

(31) بعد استكمال برنامج التوسُّع على مياه السد العالي في مساحة الـ 400 ألف فدان المتبقية، تكون الموارد الأرضية المتاحة في أراض صحراوية تنخفض قدرتها الإنتاجية الوراثية، وتكاليف استصلاحها بالغة الارتفاع، والمدخلات اللازمة لاستزراعها تفوق كثيرًا مثيلاتها في الأراضي القديمة بالدلتا والوادي، علاوة على أن نوعية الزراعة الملائمة فيها متخصصة ومحدودة، وبالتالي فإن صافي العائد من زراعتها ضئيل. وبالنسبة للموارد المالية الإضافية اللازمة للتوسع المقترح، فإن الكمية المتاحة حاليًا من مياه السد العالي لا تسمح بتوسع إضافي إلا باتخاذ وسائل جذرية لترشيد استخدام مياه على المزرعة عن طريق ترشيد طرق الري الحالية،
أو إدخال، طرق جديدة كالري بالرش والري بالتنقيط. وتحت أحسن الظروف، وعلى فرض إحداث تطوير في الزراعة المصرية بما يمكن من تطوير طرق الري، لا يتوقع أن يزيد الوفر في مياه النيل الممكن استخدامها للتوسع الأفقي الجديد سنة 2000 عن 15 بليون م 3 تكفي لتوسع أقصاه 3 مليون فدان ـ انظر د. مصطفى الجبلي، استراتيجية التنمية الزراعية، مرجع سابق.

(32) وفقًا لآخر بيانات رسمية كانت الملكيات التي يقل حجم الواحدة منها عن خمسة أفدنة مملوكة لأكثر من 3 مليون مالك، أي كان متوسط الملكية في هذا القطاع لا يتجاوز 2.1 فدانًا، وهذه الملكيات المفتتة كانت تشغل 57.1 % من مجموع الأراضي الزراعية في مصر.. ولا تتحسن الصورة إذا راجعنا هيكل الحيازات التي تحدد بشكل أكثر واقعية حجم التفتت في الزراعة؛ لأن الحائزين هم العاملون فعلاً في الأرض (بالملكية أو بالإيجار)، ووفقًا لآخر البيانات (عام 1961) كان ـ متوسط مساحة الحيازة ـ على مستوى القطر ـ 3.79 فدانًا (مقابل 6.13 فدانًا عام 1950). ومتوسط المساحة في قطاع الحيازات التي تقل عن خمسة أفدنة كان 1.7 فدانًا، ومجموع هذه الحيازات غطى 37.8 % من مساحة الأرض الزراعية، ويمكن أن تضيف إلى ذلك مساحة الحيازات التي تتراوح بين 5 إلى 10 أفدنة (فيكون الإجمالي 55.5 % من الأراضي الزراعية)؛ لأن المساحة الكلية لحيازات هذه الشريحة الأخيرة تتناثر عادة على عدد من القطع المتباعدة، فعدد القطع التي تتوزع عليها الحيازات ـ على مستوى القطر ـ كان حوالي 4.4 مليون قطعة، ومتوسط المساحة للقطعة الواحدة كان بالتالي نحو 1.4 فدانًا (الرقمان المقابلان عام 1950 كانا 2.5، 2.4 على التوالي. ومجموع الحيازات في الشريحتين معًا ـ أي حتى 10 أفدنة ـ مثل 55.5 % من الأراضي الزراعية).
هذه البيانات لم تكن تعكس مع ذلك كل الحقيقة في رأي عدد من الدارسين، وقد نشرد د. محمود داود (وزير الزراعة) أخيرًا جدولاً بتوزيع حيازة الأراضي في عام 1975، ووفقًا لهذا المصدر، نجد أن مجموع الحيازات حتى 5 أفدنة أصبح يمثل 67.1 % من مساحة الأرض الزراعية (مقابل 37.8 % عام 1961)، والحيازات حتى عشرة أفدنة أصبحت 83.1 % (مقابل 55.5 %). انظر: د. محمود داود، السياسة الزراعية (1979 ـ 1983) (وزارة الزراعة بجمهورية مصر العربية، ديسمبر 1987)، جدول رقم 4، ص 8.
(33) أهم نتائج التفتت: وجود فاقد متزايد من الرُّقعة الزراعية؛ بسبب كثرة الحواجز التي يُقيمها الزراع، للفصل بين أراضيهم، وكثرة المراوي والمصارف الداخلية التي يقيمونها لتوصيل أو تصريف المياه بوحداتهم الصغيرة، علاوة على سوء استخدام مياه الري؛ بسبب كثرة القنوات ـ تنشأ أضرار من تجاوز المحاصيل التي تتباين معاملاتها الزراعية واحتياجاتها من الري ومقاومة الآفات.. إلخ ـ ضياع الوقت في نقل مستلزمات الإنتاج بين مزارع غير متصلة وتترتب على ذلك زيادة النفقات ـ صعوبة استخدام الآلات الحديثة ـ فقد جزء كبير من الموارد المائية؛ مما يؤثر على متصلة وتترتب على ذلك زيادة النفقات ـ صعوبة استخدام الآلات الحديثة ـ فقد جزء كبير من الموارد المائية مما يؤثر على إمكانية التوسع الرأسي والأفقي ـ صعوبة اتباع دورة زراعية معينة والاضطرار إلى اختيار محاصيل زراعية غير ملائمة ـ صعوبة تنفيذ القوانين الزراعية؛ سواء ما يتصل فيها بتحديد المساحات التي تزرع المحاصيل الرئيسَة، أو ما يتصل منها يمنع الري في تواريخ معينة كمقاومة الآفات الزراعية.
(34) نواجه حاليًا في مصر بأن الفجوة الغذائية تزداد اتساعًا (أي تقل باطراد نسبة الاكتفاء الذاتي من سلع غذائية أساسية). ووفقًا لحالة الأسواق الدولية الآن، يزداد حجم ومعدل الواردات الغذائية من دول العملات الحرة، ومع بداية السبعينيات، أصبحت حصيلة الصادرات السلعية بالعملات الحرة، غير كافية للوفاء باحتياجات الاستيراد من القمح ودقيقة، الزيت النباتية. وأكثر من ذلك، فإنه لا يكفي لإتاحة الموارد اللازمة لتوفير الواردات مجرد إعادة النظر في هيكل التوزيع الجغرافي للصادرات، أي لا يكفي مجرد زيادة صادراتنا السلعية إلى الأسواق التي نستورد منها السلع الغذائية الرئيسةُ (وهذا أمر صعبًا عمليًّا)؛ نظرًا لأن معدل نمو الواردات الغذائية يريد حاليًا عن معدل نمو الصادرات السلعية الإجمالية. وهذا المأزق لا تقدر على مواجهته في الأجل الطويل الزيادة المحتملة في الصادرات الزراعية وحدها.
(35) لا يصح أن يكون التركيز على التوسع الرأسي "على حساب الأراضي الجديدة والتي تبلغ مساحتها نحو 17 في المائة وإنتاجها نحو 3 في المائة من الإنتاج الكلي؛ مما يحتم ضرورة الاهتمام برفع إنتاجيتها؛ إذ إن المدخلات الحالية (بمتوسط 25 ـ 30 جنيهًا للفدان في السنة) لا تكفي تحت أي أسلوب زراعي للنهوض بإنتاجية هذه الأراضي، بل سيؤدي حتمًا إلى انخفاض إنتاجيتها مع الزمن، ولا بد أن ينحصر الاهتمام في الوصول إلى أفضل الطرق العلمية، والأساليب التكنولوجية لرفع إنتاجية هذه الأراضي، وربط ذلك بالطرق المثل لاستغلالها في مزارع كبيرة حديثة مصنعة، وعدم تعرضها للتفتت، واعتبارها مزارعَ رائدة لتطوير الزراعة المصرية. خصوصًا وإن هذه الأراضي تعتبر المصدر المنتظر توفره في المدى المنظور، وإن كل المواطنين قد ساهموا في إيجادها كثروة قومية؛ ولذلك فهم ينتظرون أن ينعموا بإنتاجها..
ولا شك أنه بالتركيز على هذه الأراضي، يمكن رفع الإنتاج الزراعي بنمو 14 في المائة". د. مصطفى الجبلي، "نحو تخطيط علمي للزراعة المصرية حتى سنة 2000"، مصر المعاصرة، (يناير 1975)، العدد 359. وكتب في نفس الاتجاه محمود عبد الفضيل "تبدو عناصر المشكلة الاقتصادية ـ في الأجل المتوسط ـ كما لو كانت مشكلة موازنة ومفاضلة بين تحقيق طفرة في الإنتاج الزراعي، في مقابل التوسع في خلق فرص لتشغيل الأيدي العاملة في الزراعة عن طريق توسيع رقعة الأرض المنزرعة.. ولكن أية نظرة متفحصة للمشكلة تجعلنا لا ننظر للمشكلة المطروحة على أنها مجرد موازنة استاتيكية بسيطة بين مزيد من الإنتاج ومزيد العمالة تجعلنا نكشف عن أبعاد جديدة لعملية التوسع الأفقي". وأشار
عبد الفضيل في هذه الأبعاد إلى تخفيف الضغط السكاني على الأرض، وإفساح المجال لأشكال جديدة من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي في الأرض الجديدة، والتحول إلى أنماط جديدة من الإنتاج الزراعي، وقال إن عمليات التوسع الأفقي تتم بأقل تكلفة اجتماعية طالما بقيت تكلفة الفرصة الاجتماعية البديلة للعمال الريفيين المستخدمين في مشروعات استصلاح الأراضي تقترب من الصفر، والعمل الإنساني يمثل حوالي 60% من إجمالي التكاليف الاستثمارية لمشروعات الاستصلاح"، "مستقبل التنمية الزراعية"، مصر المعاصرة، مرجع سابق.

(36) إلى جانب مؤلف ر. مابرو
The Egyptian Economy 1952 – 1972, op. cit.
نُشير ـ على سبيل المثال ـ إلى عدد من الدراسات الصادرة في مصر، والتي تحاول تناول التجربة بطريقة موضوعية. انظر مثلاً: د. محمود عبد الفضيل، التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الريف المصري (1952 ـ 1970) ـ دراسة في تطور المسألة الزراعية في مصر، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1978). ربط د. عبد الفضيل في مواضع محدودة بين الإصلاح الزراعي الأول وبين التغيرات السياسية الحاكمة لمجمل التنمية، "كان الهدف الفوري للإصلاح الزراعي في 1952 هو توجيه ضربة قوية لطبقة كبار ملاك الأراضي وعناصر الأرستقراطية الزراعية التي سيطرت على مراكز السلطة في العهد الملكي "وأضاف أنه "في الأجل الطويل كان الهدف الأبعد هو تخطي العوائق الأساسية أمام تطوير علاقات اجتماعية واقتصادية جديدة في الريف المصري وتصفية العلاقات شبه الإقطاعية السائدة، التي كانت تحجب عملية تحرير قوَى الإنتاج في الريف المصري" (ص 17) وواضح أنَّ الربط هنا مع النموذج التقليدي الذي يقال عن الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية، وليس مع نموذج الانتقال من التبعية إلى الاستقلال.
ويتأكد هذا الاستنتاج في قول المؤلف إنه "عَمِل واضعو السياسات الاقتصادية، على خلق شروط جديدة يتم في ظلها تحرير صغار وفقراء الفلاحين من براثن الاستغلال الاقتصادي والقهر الاجتماعي لملاك الأرض والمرابين وتجار الريف" (ص 239)، ولم يذكر أن كل هذا، يتم في محاولة تنمية مستقلة متكاملة، تحارب ضد القوى الخارجية، أثر هذا الموقف على المنهج العام للتحليل./ نشير أيضًا إلى مثال د. أحمد حسن إبراهيم، "جوانب من صور الزراعة" المطلوبة بعد خمس وعشرين سنة من ثورة يوليو 1952"، أيضًا بحث د. كريمة كريم، "توزيع الدخل بين الريف والحضر في مصر 52 ـ 1975". (البحثان مقدمان إلى المؤتمر العالمي السنوي الثالث للاقتصاديين المصريين القاهرة، 1978). البحث الأخير وصل في فصل قطاع الريف عن نموذج التنمية المستقلة، وفي تصور التميز في العلاقات ضد الريف، إلى حد اعتبار "أن أي اقتطاع للدخل من الريف لصالح الدولة سنعتبره إعادة لتوزيع الدخل لصالح الحضر".
وهذا فرض غير صحيح بالقطع، ويؤثر على صحة النتائج المتوصل إليها، حتى في إطار قضية إعادة توزيع الدخل. ونتفق في هذا مع تحفظ د. عبد العزيز حجازي على هذه النقطة، في تعقيبه على البحث. ويرى د. عبد الفضيل "أن المؤشر الملائم لقياس مقدار الفائض الزراعي الذي ذهب للخزانة العامة، هو الفائض الصافي القابل للاستثمار المستخلص من القطاع الزراعي، وذلك بعد استبعاد الأموال العامة التي تم تخصيصها للقطاع الزراعي في شكل استثمار عام"
د. محمود عبد الفضيل، التحولات، مرجع سابق، ص 247).

ويتفق هذا منهجيًّا مع د. محمد محمود عبد الرءوف، "التنمية الرأسية في الزراعة المصرية "مصر المعاصرة" (أكتوبر 1972)، العدد 35، الذي قدر أن المساهمة المالية الصافية للقطاع الزراعي قد تتراوح بين 5 إلى 7 % من إجمالي الدخل الزراعي خلال الفترة 1965 ـ 1970. وقد تولى د. أحمد زكي شعيرة حساب صافي الفائض الزراعي وفق نفس المنهج (1970)، وبعده د. كمال الجنزوري (1975)، ولكن هناك تقديرات أخرى أضافت إلى متحصلات القطاع الزراعي من القطاعات اللازراعية، نصيب الزراعة من الإنفاق الجاري في الزراعة والري ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعي، والدعم الاستهلاكي للقطاع الريفي، والدعم المدفوع للصادرات الزراعية في بعض السنوات، أي لم تقتصرْ على حساب نصيب الزراعة من الإنفاق الاستثماري، كما فعلت المحاولات السابقة للتوصل إلى صافي الفائض الزراعي، ووصلت هذه التقديرات إلى أن هذا الصافي لم يتجاوز 15 مليون جنيه في الفترة 60/ 1961 ـ 65/ 1966، ووصل إلى 52.2 مليون جنيه عام 70/ 1971، ثم تصاعد إلى 277.3 مليون عام 1974 وإلى 68 مليونًا عام 1975. انظر:
د. سيف نصار و د. عبد العظيم محمد مصطفى، "رؤية مستقبلية عن إمكانيات مساهمة الزراعة المصرية في التراكم الرأسمالي خلال العقد الثامن"، المؤتمر العلمي السنوي الخامس للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة 27 ـ 29 مارس 1980، وفي كل الأحوال، فإن تحويل قدر من الفائض الزراعي لا يعتبر تحيزًا ضد الريف، إذا كان التحويل مرتبطًا بتنمية مستقلة/ وينقلنا هذا إلى مجموعة الدراسات الهامة ـ الاقتصادية والاجتماعية ـ التي أجراها فريق بحثي، من خلال جهاز تنظيم الأسرة والسكان (1975 ـ 1977). الدراسة قدمت مسحًا ميدانيًّا وتشريحًا متكاملاً لأول مرة ـ في حدود عالمنا ـ لعينة من القرَى المصرية (محافظة الدقهلية). ركزت الدراسات على التركيب الطبقي والعلاقات الاجتماعية المصرية وعلاقتها بقوى الإنتاج المتاحة، وعلى بنية السلطة الريفية، ولكن لم ترتبط هذه المتغيرات وتطورها بتطورات البنية العامة للمجتمع نحو الاستقلال أو التبعية، فأثر هذا بالضرورة في صحة وشمول النتائج/ ومن الدراسات التي ركزت على قضية التوزيع بعيدًا أيضًا عن تطورات البنية العامة تشير إلى الدراسة الهامة:

s. Radwan, Agrarian Reform and Rural poverty: Egypt, 1952 – 1975, (Geneva: ILO. 1977).
وكذلك د. عبد الباسط عبد المعطي، توزيع الفقر في القرية المصرية، (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1979).
ولكن ينبغي أن نشير ـ بتقدير خاص ـ إلى الدراسة التي نشرتها مجلة الطليعة، ونسبتها إلى أسرة "التحرير" تحت عنوان: "كراس الطليعة ـ أفكار وملاحظات جديدة حول السياسة الزراعية". عدد (مارس 1968) ـ وقد بدأت بملاحظة تشبه ملاحظتنا، فسجلت "إن كثيرًا من الدراسات التي أجريت لمناقشة المشاكل المتعددة لقطاع الزراعة والمحاولات التي تمت لرسم استراتيجية اقتصادية لهذا القطاع كانت تقوم على النظر إلى هذا القطاع ومشاكله بمعزل عن بقية قطاعات الاقتصاد القومي" (ص 61). ونحن نتفق مع جوهر النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة.
(37) إجمالي الأراضي المستصلحة خلال الفترة 52 ـ 1976.
بالألف فدان
قبل الخطة الخمسية الأولى
الخطة الخمسية الأولى 60/ 1965
الفترة 65/ 1970
الفترة 70/ 1976
الإجمالي
78.7
536.4
275.9
21.0
912.0

المصدر: مشروع الخطة الخمسية 78/ 1982، (القاهرة: وزارة التخطيط، 1977).
(38) نسبة إسهام الإنتاج المحلي من الأسمدة إلى الكميات المستخدمة في الزراعة المصرية:
الأسمدة الأزوتية
الأسمدة الفوسفاتية
سنة
الكمية الكلية
المادة الفعالة
الكمية الكلية
المادة الفعالة
51/
59/
64/
65/
66/
67/
1952
1960
1965
1966
1967
1968
15.7 %
22.5 %
37.9 %
37.8 %
44.4 %
37.7 %
15.7 %
22.5 %
50.6 %
53.3 %
61.9 %
56.4 %
56.2 %
84.7 %
102.4 %
80.3 %
104.5 %
137.8 %
54 %
80.9 %
122.6 %
92.0 %
127.2 %
161.4 %


(*أ) بالنسبة للمبيدات الحشريَّة المستخدمة في الزراعة: بلغت نسبة الكميات الإنتاج المحلي إلى إجمالي الكميات المستخدمة حوالي 35 % (65/ 1966) ـ 13 % (66/ 1967) ثم تزايدت تدريجيًّا في الأعوام التالية؛ حتى وصلت إلى 70.2 % (1972) وهي أعلى قمة، ثم توالي الانخفاض بعد ذلك حتى وصلت إلى 29.9 % فقط عام 1977.
(*ب) وبالنسبة للجرارات، بدأ إنتاج الجرارات المجمعة محليًّا مع نهاية الخطة الخمسية الأولى. كان الإنتاج 286 جرارًا عام 64/ 1965 و1020 جرارًا عام 1966، و734 (عام 1967)، و598 (عام 1968)، و509 (عام 1969)، و1292 (عام 1970)، و937 (عام 1971)، و1237 (عام 1972) ويمثل هذا الرقم 41 % من حاجة الزراعة المصرية السنوية من الجرارات. ولكنْ يُلاحظ أن نسبة التصنيع المحلي لأجزاء هذه الجرارات
لا زالت منخفضة ـ للبيانات السابقة ولمزيد من التفاصيل، انظر: د. أحمد حسن إبراهيم، "العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين قطاعي الزراعة والصناعة"، برنامج تخطيط وتقييم المشروعات الزراعية، القاهرة، معهد التخطيط القومي، 15 ديسمبر 1979/ 31 يناير 1980.

(38) حاول الإصلاح منع تفتت الأراضي الموزعة بسبب الميراث، ولكن فشلت المحاولة. وحاول الإصلاح بعد ذلك معالجة المشكلة بتقسيم الأرض الموزعة في صورة دورات زراعية مقسمة إلى ثلاث قطع، كل قطعة تقع في قسم كبير تتراوح مساحته بين 50 و100 فدان، ويزرع بمحصول واحد. ونجحت هذه المحاولة في الأراضي خارج الإصلاح. أصدر القانون 53 لسنة 1966، وصدر قرار وزير الزراعة (تنفيذًا له) بأحكام تنظيم الاستغلال الزراعي ومواجهة مشكلة تفتت الملكية والحيازة. وبدأ تطبيق نظام التجميع على مستوى الجمهورية كلها عام 1966. مساحة التجميع نحو 30 فدانًا، وهناك تجميعات أكثر، وكانت هناك محاولات لجعل مساحة التجميع بضع مئات من الأفدنة ولكن ظهرت معوقات؛ ولذا بقيت مساحة التجميع قريبة من الثلاثين فدانًا. وتتشكل لجنة مشتركة من المزارعين والجمعية التعاونية وموظفي وزارة الزراعة لإعداد الكشوف والخرائط بزراعة الحاصلات في أحواض كل قرية طبقًا للدورة ـ طبعًا تعثر الموضوع في التنفيذ، ولكن كان بداية هامة.
(39) شمل نظام التسويق التعاوني للحاصلات الزراعية: القطن ـ القصب ـ القمح ـ البصل والثوم ـ البطاطس ـ الكتان ـ التيل ـ الفاكهة والخُضر ـ اللحوم واللبن ـ الأرز ـ السمسم الفول السوداني ـ الفول. ولكن لم يطبق هذا النظام على كل المحصول إلا في حالة القطن.
(40) يقول د. عبد الفضيل "إن السؤال الهام الذي يجدُر طرحه بهذا الصدد ليس هو هل كانت تلك السياسات الزراعية خاطئة في حد ذاتها أم لا، وإنما هو إلى أي مدَى ثم التصرف "بالفائض الزراعي" والحصيلة الإضافية للخزانة العامة من العملات الأجنبية لأغراض التنمية الحقيقية، وتمويل مجهود الحرب،
ولم يتم تبديدها في أوجه إنفاق عام "غير منتج"؟ والإجابة على هذا السؤال الهام هي التي تحدد مدى كفاءة أو عدم كفاءة السياسات الزراعية التي تم تطبيقها خلال الستينيات". (التحولات الاقتصادية والاجتماعية، مرجع سابق، ص 190) وقد ترك د. عبد الفضيل هذا السؤال الأخير مفتوحًا، وإجابة هذا السؤال معيار فعلي لمدى كفاءة السياسات، وإذا كانت الإجابة الكمية الدقيقة على السؤال تنقصنا؛ فإن مجرد الاستعداد العسكري الذي أدى إلى حرب أكتوبر، واستمرار معدلات معقولة نسبيًّا من الاستثمار يشير إلى الاتجاه العام الإيجابي لاستخدامات الفائض الزراعي. وتأخذ على د. عبد الفضيل أيضًا استبعاده للسؤال الأول الذي نعتبر أنه الأهم والأكثر ديناميكية. صحيح أنه لا يمكن وصف سياسة ما بأنها صحيحة أو خاطئة في حد ذاتها؛ فالمؤسسات والسياسات تكون صحيحة أو خاطئة بقدر اتساق منطقها وبنائها، مع إمكان إحداث تنمية مستقلة. وهذا سؤال يختلف (وإن كان مرتبطًا) عن سؤال مدى كفاءة هذه السياسة في التنفيذ. ونحن نحاكم سياسة ما بمعيار ملاءمتها للهدف قبل محاكمتها بمعيار ما أضافته مباشرة للتنمية في سنة معينة، أو أثناء عدد من السنوات. ووفقًا لذلك؛ نقول إن هذه المؤسسات والسياسات كانت ـ في جوهرها ـ خطوات ومحاولات في الاتجاه الصحيح من منظور التنمية المستقلة.

(41) التخلف التكنولوجي والثقافي والتعليمي لا يشكل - بحد ذاته -عقبة خطيرة بوجه إعادة تشكيل بنية الريف، بل قد يكون هذا التخلف (تحت شروط معينة) عاملاً مساعدًا في التنمية المركبة المستقلة (كما في الصين وفيتنام). وبالتالي فالمقصود بوعورة التضاريس الاجتماعية وظروف التطور الخاصة، أنَّ ازدواجية الاقتصاد المصري عميقة. وليست القضية أن قطاع الزراعة بالذات قد شهد (أو لم يشهد) هذه الازدواجية العميقة، انظر
د. محمود عبد الرءوف، الازدواجية في القطاع الزراعي، لماذا لم تظهر في الزراعة المصرية؟ (القاهرة: معهد التخطيط، يناير 1973)، مذكرة داخلية رقم 290. فالازدواجية قائمة بين تقدم المدينة بأشواط بعيدة جديًّا بالمقارنة مع تخلف القرية بكافة المعايير. ونستخدم الازدواجية هنا كمجرد تعبير وصفي لهذه الحالة، ولكن نتفق مع دارسي أمريكا اللاتينية حول نماذج التنمية التابعة، والتي تصل إلى ترابط هذين القطاعين (المتقدم والمتخلف) على نحو ملائم في نموذج التبعية. وترابط القطاعين في المجتمع المصري ذي الإدارة المركزية البالغة القوة، كان على نحو فرض تبعية شديدة على القطاع الريفي لحساب المدينة، ولحساب العاصمة بشكل خاص، وانعكس هذا تاريخيًّا في ضعف الحركة السياسية العامة في الريف، وأسلوب ثورة يوليو البيروقراطي المركزي أكد هذا الوضع، بينما التغيرات المطلوبة في الريف تتطلب مباشرة سياسية يومية في المواقع المختلفة، وليس مجرد إجراءات وقرارات فوقية. وزاد تأكيد الصعاب مع التوسع الطبيعي لفئة أغنياء الريف بعد إجراءات الإصلاح الزراعي. وإقامة هؤلاء في الريف، مع نفوذهم الاقتصادي (والعائلي) كانت تُعطيهم موقع الصدارة في السلطة الريفية، وكل هذا في إطار غياب رؤية متكاملة وتردد في الحسم لأسباب متنوعة
لا يختلف على معظمها.

(42) نشير هُنا إلى مَنهج التعامل مع الأراضي القديمة والجديدة الذي تبنته مجلة الطليعة. لاحظت الدراسة أن إنتاجية الفدان أعلى في المحافظات التي تنتشر فيها الحيازات الصغيرة؛ ولذا "لا بد أن يكون هدف الزراعة المصرية لسنوات طويلة تعميم المزرعة الصغيرة، وذلك في نطاق الأراضي المنزرعة القديمة؛ حيث إن المزارع الصغيرة أكثر استيعابًا للعمل وأكثر إنتاجية للفدان. كما أنه يمكن الاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير عن طريق الجمعيات التعاونية التي تنظم الملكيات والحيازات الصغيرة في وحدات كبيرة عن طريق تجميع الدورة الزراعية والتسهيلات الائتمانية والخدمات الزراعية من بذور وأسمدة والتسويق التعاوني وغيرها.. هدفنا – إذًا - في حدود الأراضي القديمة هو المزرعة الصغيرة مع تجميع هذه المزارع الصغيرة في جمعيات تعاونية كبيرة؛ حتى تستفيد من مزايا كل من الإنتاج الصغير (زيادة الإنتاجية والعمالة) ومزايا الإنتاج الكبير (قلة التكاليف)، ولا بد لهذا الهدف أن يترك أثره على موقفنا تجاه سياسة تحديد المِلكية في السنوات القادمة" كراس الطليعة، مرجع سابق، ص ص 70 ـ 71.
وبالنسبة للأراضي الجديدة، ناقشت الدراسة البدائل الثلاثة: نموذج المزرعة الصغيرة (ونتائجه: زيادة في الإنتاجية ـ زيادة في العمالة ـ مع نقص في الفائض؛ حيث إن معظم ما ينتج يستهلك بواسطة المنتفع وأسرته معًا). نموذج المزارع الكبيرة أو المتوسطة (نتائجه: زيادة في الإنتاج ـ عمالة أقل ـ خلق طبقة رأسمالية جديدة ـ خلق فائض لا يمكن استخدامه
أو استيعابه، إلا بوسائل تحكمية، عن طريق تحديد الأسعار واستلام الناتج، وفرض إجراءات ضريبية مشددة، قد تؤدي إلى عدم حماس هؤلاء المنتجين لزيادة الإنتاج، كما أنها تؤدي بالختم إلى تزايد حِدة الصراع إلى المجتمع). نموذج المزارع الكبيرة الحكومية تديرها شركات قطاع عام (نتائجه: يمكن الحكومة من استخلاص أكبر فائض ممكن وبصورة مباشرة من الدخل وتوجيهه الوجهة التي تتطلبها خطة التنمية. وربما أدى هذا النموذج إلى عمالة أقل من المزارع الصغيرة، ومساوية للمزارع الكبيرة الخاصة، إلا أنه يتمتع أيضًا بمزايا الإنتاج الكبير، ومزايا الاستخدام العلمي والتكنولوجي لوسائل الإنتاج الأمر الذي يمثل نقطة انطلاق للإنتاج الزراعي كله. ويتطلب هذا النموذج أن يُدار على أسس تجارية اقتصادية بحتة.

وخلُصَت الدراسة إلى أنه، لا بد من تحديد المعيار: هل هو الفائض أو الدخل أو العمالة، أو توليفة مُثلى منها جميعًا؟ ـ كراس الطليعة، ص ص 72 ـ 73. وقد نختلف في تفاصيل المزايا النسبية المرشحة للبدائل المختلفة، ولكن مثلت الدراسة منهجًا عامًا صحيحًا لحسم الخلاف حول السياسات المطلوبة.
(43) حدث فعلاً تغيُّر في الهيكل المحصولي؛ فبالمقارنة مع الستينيات، نلحظ أن التوسع في المساحات المنزرعة من المحاصيل المعمرة (دون القطن) كان بمعدلات تفوق معدل التوسع في المساحات المنزرعة بالمحاصيل غير المعمرة مجتمعة. ونشير - بشكل خاص - إلى التوسع في زراعة الفاكهة (في إطار المحاصيل المعمرة) بحيث زاد إنتاجُها من 1.2 مليون طنًا (1965) إلى 1.8 مليونًا (1973). وكذلك الخضر (في إطار غير المعمرة) من 4.6 مليون طن إلى 5.6 مليون طن خلال نفس الفترة. ارتبط هذا طبعًا بتخصيص أغنياء الريف لمساحات متزايدة للمحاصيل التي تدر دخلاً- وربما أعلى - بعيدًا عن ضوابط التسعير الحكومي ـ العائد السنوي من الفدان كان في الفترة 70 ـ 1972 (بالجنيه) كالتالي:
المحاصيل الحقلية 122 ـ محاصيل الفواكه 208 ـ محاصيل الخضر 500.
انظر د. الجبلي، استراتيجية التنمية، مرجع سابق.
(44) World bank, Report N" 18915 EGT, Op. cit., item 4. 05.
(45) Ibid..: Item 4. 84.
(46) د. رالف إدواردز (مدير البرنامج الزراعي في وكالة التنمية الدولية، حديث إلى الأهرام، (13/ 4/ 1979).
(47) د. محمود داود، السياسة الزراعية (1979 ـ 1983)، مرجع سابق، ص 136.
كافة المعلومات عن مشروعات الحكومة الأمريكية في قطاع الزراعة، الواردة في هذا الجزء (ما لم يذكر غير ذلك)، مرجعها المصدر السابق، ص ص 130 ـ 138 أو المصدر التالي:
USAID, Assistance to Egyptian Agricultural Development, (Cairo: AID, 1980).


الاتفاقية الأولى
:
مشروع بحري الأول
لزمام
950
ألف فدان
الاتفاقية الثانية
الاتفاقية الثالثة
الاتفاقية الرابعة
:
:
:
مشروع قبلي الأول
مشروع بحري الثاني
مشروع قبلي الثاني
لزمام
لزمام
لزمام
300
400
500
ألف فدان
ألف فدان
ألف فدان


(48) نذكر في هذا الصدد أن تنفيذ المشروعات، يتعثر على نحو شديد. دلَّت متابعة تنفيذ الاتفاقية الأولى (على سبيل العينة) حتى 31/ 12/ 1977 ـ وهو الموعد المقرر لإتمامها، على أن الزمام الذي تم تزويده بشيكات المصارف المُغطاة يمثل 48% تقريبًا من المستهدف، وتم تنفيذ 8 محطات صرف فقط وكان العمل لا زال جاريًا في المحطات الثلاث الباقية. أمَّا أعمال المصارف العامة المكشوفة، فتمت في 4 مناطقَ فقط من إجمالي مناطق المشروع البالغة 16 منطقة ـ كذلك سجلت المتابعة الميدانية أنه لم يراعَ الترابط الزمني في تنفيذ مكونات المشروع؛ مما أثر على حسن الاستفادة منه ـ أيضًا تجاوزت التكلفة الفعلية بالعملة الأجنبية لمحطات طُلمبات الصرف تكلفة التعاقد بحوالي 40 %، وبلغت نسبة المنصرف على بند الصيانة 36 % من المخصص على هذا البند، إلا أن المنصرف لم يتضمن أيَّة معدات لصيانة شبكات الصرف المغطى التي تم إنشاؤها، انظر الجهاز المركزي للمحاسبات، المتابعة وتقييم الأداء..." مرجع سابق، ص ص 71 ـ 72.
ويُلاحظ هنا، أن مشروع الصرف المُغطى أهم مشروعات القطاع الزراعي التي يمولها البنك الدولي ووكالة التنمية الدولية، وبالتالي لا يمكن تجنب المقارنة مع مشروع السد العالي، ونوع ومعدلات الإنجاز هنا وهناك. وصحيح أنَّ تدهور الإنجاز، يعكس انحطاط كفاءة الأجهزة المصرية في فترة الانفتاح، ولكنْ لا يمكن إعفاء الهيئات الدولية أيضًا من المسئولية المباشرة عن النتائج المحققة، وإلا.. فيمَ كانت كل الشروط المصاحبة لاتفاقيات القروض؟ (راجع الفصل الثاني).
(49) IMF, SM/ 78/ 21, op cit.
(50) World bank, report number 1815 EGT, Op. cit. item 4. 85.
(51) Ibid.. item 4. 91.
(52) World bank, report number 870 a – EGT, op. cit., item 3.54.
(53) The prime minister, the letter of intent, June 1978, op. cit., item 6.
(54) Ibid., item 22.
(55) زاد سعر الأرز بنسبة 30 % ـ القطن (في المتوسط) 32 % ـ القمح (الأصناف المحلية) 35.5 % و(الأصناف الوفيرة المحصول) 31.1 % ـ الفول 33.8 % ـ البصل 12.1 % ـ العدس 40 % ـ قصب السكر 8.9 %. (بيانات وزارة الزراعة).
(56) World bank, Report number 2738 – EGT, Op. cit., item 1. 6.
(57) انظر جدول عرضه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول توزيع الملكية الزراعية في عام 1965. وقد توالَى نشر نفس الجدول في الكتاب الإحصائي السنوي حتى كتابة هذه السطور. والجهاز لا يخفي هنا بيانات؛ فحقيقة الأمر أن متابعة التطور في هيكل الملكية الزراعية على المستوى القومي، توقفت منذ ذلك التاريخ، وقد شكا البنك الدولي من هذا القصور. انظر:
World Bank, Report number 1815 EGT, op. cit., item 4. 63.
(58) البيانات المتكاملة في الخُضَر حول تطور أنماط الاستهلاك، والمسوح والدراسات الميدانية حول توزيع الدخل والتطورات الاجتماعية, مقصورة أيضًا، ولكنْ نظرًا لكون الباحثين من أهل الحضر؛ يمكن للباحث أن يخلُص إلي صورة عامة على صلة قريبة من الواقع، على ضوء معايشته اليومية.
(59) د. محمود عبد الفضيل, التحولات الاقتصادية, مرجع سابق, ص ص 46 ـ 49, خاصة جدول 1 ـ 15.
الجهاز المركزي للأسعار ـ نقلاً عن د. فؤاد مرسي, (( تقييمالانفتاح الاقتصادي، سيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالية)). الطليعة عدد ( ديسمبر 1975 ), ص 144.
وقد استخدام د. إبراهيم العيسوي بياناتٍ غير منشورة لوزارة الزراعة، عن توزيع الحيازات في عامَي 74 / 1975 و77 / 1978 وقال إن نسبة المساحة التي تحوزها طبقة أغنياء الفلاحين وكبار الملاك (من 10 إلي 50 فدانا) قد ارتفعت من 18.8% إلي 20.4% أي من 979.5 ألف فدان، في غضون ثلاث سنوات، في الوقت الذي هبطت فيه نسبةُ هذه الحيازات أو الأُسر من 2.6 على 2.4 %، وارتفع بالتالي متوسط حجم الحيازة من 15.1 فدانًا أي 16.1 فدانًا. انظر: د. إبراهيم العيسوي، "تطور النظام الاجتماعي ومستقبل التنمية الاقتصادية في مصر"، بحث مُقَدَّم إلى المؤتمر العلمي السنوي الخامس للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة، مارس 1980، ص ص 13 ـ 14. يلاحظ أن الباحث لم يكن بصدد عرض متكامل للبيانات الحديثة، وفي حدود ما نُشر، قد يتضح أن الأرقام المستخدمة في المتن مبالغ فيها، ولكن تظل البيانات الأخيرة مؤشرًا واضحًا، إلى تسارع اتجاه التمركز في سنوات الانفتاح.
(60) في أواخر 1976 صدر قانون إنشاء بنك التنمية الزراعية وخوَّله القانون حقَّ إنشاء بنوك القرى؛ لإيجاد وحدة مصرفية على مستوى القرية، تتولى مهام الائتمان الزراعي وإقراض مشروعات التنمية الريفية. بدأ نشاط بنوك القرى في نحو 700 قرية، كما تم إنشاء 4212 مندوبية، بمعدل مندوبية بكل قرية على مستوى الجمهورية، وباشرت هذه البنوك مهامها اعتبارًا من أول يناير/ كانون ثان 1977. ولم تترتب على هذا التغيير المؤسسي للائتمان - زيادةٌ تذكر، في حجم الإقراض الجاري (الذي يستفيد منه كبار وصغار الحائزين)، ولكن زاد تمويل البنك في مجالات الميكنة والثروة الحيوانية، (الذي يستفيد منه كبار الحائزين أساسًا) زيادة كبيرة، فكان 178 مليون جنيه عام 1977، مقابل 119 مليون جنيه (1976)، 5 مليون جنيه (1975)، 5 مليون جنيه (1974)، 6 مليون جنيه (1973).
انظر د. محمود داود، السياسة الزراعية، مرجع سابق، ص ص 67 ـ 68.
(61) د. محمد دويدار: "تأشيرة" لدخول القرية المصرية"، مصر المعاصرة ـ عدد (يوليو 1977)، أجريت الدراسة على ثلاث قرى في محافظة البحيرة.
(62)
إجمالي الشكاوَى التي حُكِم فيها لصالح الشاكي (المالك): 63 شكوَى بنسبة 36.8 %.
إجمالي الشكاوى التي حكم فيها لصالح الشاكي (المستأجر): 16 شكوى بنسبة 8.9 %.
إجمالي الشكاوى التي حُكم فيها لصالح المشكو (المالك): 6 شكاوى بنسبة 3.5 %.
إجمالي الشكاوى التي حُكم فيها لصالح المشكو (المستأجر): 86 شكوى بنسبة 50.8 %.
انظر د. عبد الباسط عبد المعطي وآخرون، التركيب الطبقي ومسائل التنمية في منطقة برج نور الحمص، (القاهرة: مطبوعات مشروع التنمية والسكان، جهاز تنظيم الأسرة والسكان، أغسطس 1977)، الجزء الأول، ص ص 107 ـ 110. أجريت الدراسة على ثمانية قرَى بمنطقة برج نور الحمص، (أجا ـ دقهلية).
(63) اشترط قانون 1956 ألا يقل من يملكون خمسةَ أفدنة عن أربعة أخماس أعضاء مجلس إدارة جمعية الائتمان. نجحت المناورات في تأجيل إجراء انتخابات جديدة من 1962 إلى 1969 (رغم نص القانون على إعادة الانتخابات كل سنتين). تم تعديل القانون عام 1969 بحيث أسقط شرط الأربعة أخماس، وجاء في المذكرة التفسيرية له، أن هذه النسبة تنطبق على من يملكون عشرة أفدنة فأقل، كذلك أضاف التعديلُ شرطَ الإلمام بالقراءة والكتابة في عضو مجلس الإدارة.
(64) يتجه القانون الجديد إلى الأخذ بمبدأ اختيارية العضوية، وتوحيد الحركة التعاونية الزراعية، وإخضاعها لتشريع واحد، ويتجه أيضًا نحو التخصص؛ حيث تتجه الحركة التعاونية نحو مجالات الإنتاج النباتي، الحيواني، السمكي، واستصلاح واستزراع الأراضي البور، وإجازة تملك الجمعيات التعاونية الزراعية للأراضي وإدارتها، وكذا تملك وإدارة المشروعات الزراعية. (انظر: د. محمود داود، السياسة الزراعية، مرجع سابق، ص 73). ويعني هذا إلغاء الطابع الخاص لتعاونيات الإصلاح، الوثيقةِ الصلة بالإدارة الاقتصادية المركزية، ويعني التوجه العام ـ في إطار السياسات الحالية ـ تحول الحركة التعاونية كلها إلى جمعيات للأعيان وأشباه الأعيان، أي أصبحت الحركة التعاونية، تعبيرًا مؤسسيًّا مُناسبًا لنتائج السوق المرسل وحركة التمركز.
(65) د. عبد الباسط عبد المعطي وآخرون، التركيب الطبقي، مرجع سابق، ص 97.
(66) في عام 1961 كان عدد الجرارات الزراعية في فئة الحيازات التي تقل عن 5 أفدنة، لا يزيد على 7 % من جملة الجرارات المستخدمة في الزراعة، وكانت حصة الفئة من 5 إلى 20 فدانًا حوالي 20 %، والفئة أكثر من 20 فدانًا، كانت حصتها 83 %. نفس الاتجاه كان ساريًا مع آلات الري الثابتة؛ فالفئات الثلاث السابقة، كانت نسبتها 18 % و35 % و47 % على التوالي (النسب محسوبة عن التعداد الزراعي لسنة 1961. الجدول 54) ـ وتشير بيانات 69 % 1970 إلى نفس الاتجاه؛ فعدد الجرارات المستخدمة في الزراعة، زاد بنسبة 56 % عن العدد المقابل عام 1961، ويلاحظ أن متوسط قدرة الجرار (بالحصان الميكانيكي) ارتفع كثيرًا في نفس الفترة؛ أي ارتفع جدًا عدد الجرارات ذات القدرة (من 36 إلى 100 حصان)، وهي تتلاءم - بالضرورة - مع المزارع الكبيرة؛ استفادةً من وفورات النطاق (انظر د. محمد محمود
عبد الرءوف، وحلمي سعد: التنمية الرأسية في ج. م. ع، (القاهرة: معهد التخطيط القومي، يناير 1973) مذكرة رقم 8029، ص ص 48 ـ 49.

(67) الحد الأقصى للمزرعة 5000 كتكوت في الدورة الواحدة، وتوجه المؤسسة أصحاب المزارع إلى زيادة عدد الدورات من 4 على 6 أو 7 سنويًّا. انظر: "صلاح مهدي رئيس مؤسسة الدواجن أمام اللجنة الزراعية بمجلس الشعب". الجمهورية، (6/ 10/ 1977).
(68) د. عبد القادر دياب، منوال الاستغلال الزراعي، مرجع سابق، جدول (1) ص 7 وجدول (1) من الملحق.
(69) د. محمود منصور ـ الدراسة الاقتصادية (الورقة الأولى): "الملامح الرئيسَةُ للبنيان الاقتصادي لمجلس قروي برج نور الحمصي" ـ لم تُنشر هذه الدراسة". قد أثبتت الدراسة ـ في نفس الوقت ـ أن كافة المشاريع الحكومية للأنشطة غير التقليدية بالموقع (منحل ـ بركة بط ـ برج حمام ـ بيت البدارَى (دواجن) ـ مشروع الطلائق ـ مشروع الأرانب)، تمت تصفيتُها تِباعًا في سنوات الانفتاح.
النتائجُ العامة لدراسة د. دويدار (تأشيرة دخول، مرجع سابق) في نفس اتجاه د. منصور.
(70) د. عبد الباسط عبد المعطي، توزيع الفقر، مرجع سابق، ص 72.
(71) طلبت التوصيات التالي: أن تكون مهمة الحكومة، هي مجرد مد الزراع بالخدمات الزراعية والأسمدة والتقاوي والمبيدات ـ إعطاء المزارعين الأسعار المجزية لمحاصيلهم ـ مراجعة القوانين الخاصة بتحديد الملكية، وتحديد العلاقة بين ملاك ومستأجري الأراضي الزراعية، وإعادة صياغة القوانين بصورة واضحة محددة ـ إبعاد الدولة عن التعاون، ويقتصر دورها، على مد الجمعيات بوسائل التمويل والخدمات، وإلى أن يتم إنشاء بنك القرية، فإن التعامل بين المزارع وبنك التسليف مباشرة، يمثل أحد الحلول لتحرير الإنتاج الزراعي، ويوصي المجلس بالتوسُّع في إسناد عمليات المقاومة إلى الزراع أنفسهم- لا بد من استعادة القطاع الخاص لإنتاج اللحوم والألبان والأسماك ـ فتح المجال أمام القطاع الخاص ليأخذ دوره المنافس في الأسواق الزراعية؛ لتجنب الخسائر القومية التي تحققت في بعض المحاصيل التي قام القطاع العام بتسويقها ـ إعطاء الفرصة المتعادلة للقطاع الخاص أفرادًا
أو شركات للمساهمة في المشروعات الخاصة بالتصنيع الزراعي؛ كصناعة طحن الغلال وإنتاج الخبز ومضارب الأرز وصناعة الأغذية المحفوظة ـ السماح للقطاع الخاص على قدم المساواة مع القطاع العام بالمساهمة في تنفيذ عمليات التصدير بالنسبة للحاصلات والمنتجات الزراعية. (انظر: تقرير المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية ـ الدورة الثانية سبتمبر 1975/ يوليو 1976)، (القاهرة: رئاسة الجمهورية، المجالس القومية المتخصصة)، ص ص 107 ـ 109 ـ وانظر أيضًا التوسع في التوصيات حول قوانين الإيجار، وتسويق الحاصلات الزراعية في تقرير المجلس القومي.. الدورة الأولَى يناير ـ يونيو 1975، ص ص 52/ 53 و ص 57. وأعتقد أنَّ هذه التوصيات تدل على أن ما أنجز ـ من منظور التنمية المستقلة ـ لم يكن قليلاً.

(72) شجب بعضُ الفنيين انتقادهم لهذا التوسع العشوائي في الاستيراد، طالب د. عبد المنعم بلبع ـ مثلاً ـ بتدخل وزارة الزراعة؛ كي تقرر أيُّ أنواع الآلات أكثرُ ملاءمة للبيئة المصرية، وأي العمليات الزراعية تبدأ بمكنَنَتها. وطلب أن تكون صناعة هذه الآلات في مصر، أحدَ أسس خطة الصناعة المصرية، وأن تُنشِئ مراكزَ للصيانة والإصلاح، وبيع قطع الغيار والوقود، وألا يُترك لوكلاء الشركات الأجنبية استيرادُ أنواع مختلفة من آلاتٍ، قد لا تلائم الزراعة المصرية، فضلاً عن أن امتلاء السوق بأنواع مختلفة، يزيد من صعوبة الصيانة والإصلاح، والحصول على قطع الغيار ـ د. عبد المنعم بلبع، "تيارات زراعية"، الأهرام الاقتصادي، عدد (أول يونيو 1979).
(73) د. عبد الرزاق عبد المجيد، "نستطيع مضاعفةَ الأرض الزراعية، دون استصلاح لأرض جديدة"، حديث إلى سعيد سنبل، أخبار اليوم، (12/ 8/ 1978).
(74) محمد السيد أيوب (عضو المجلس القومي للإنتاج ونقيب الزراعيين السابق). "هل يمكن مضاعفةُ إنتاج القطن بالإمكانيات المتاحة حاليًا؟" الأهرام الاقتصادي عدد (أكتوبر 1979).
(75) تُستخدمُ الأقطانُ الطويلة التيلة في صناعة خيوط الحياكة والشرائط والدانتلا وأقمشة الجيبير، والبوبلينات الممتازة التي تُستعمل في صناعة القمصان والفساتين الفاخرة، وكذلك في صناعة الجونتان، وخيوط شغل الإبرة، وأيضًا في صناعة أشرطة ماكينات الكتابة والسيور، وشباك الصيد البحرية، وغير ذلك من المنتجات القطنية التي تحتاج إلى متانة عالية. ويُشار بشكل خاص إلى الاستخدامات الكثيرة في الصناعات الحربية والبحرية، التي لا تظهر عادة في الإحصاءات الرسمية للدول المستوردة. ومع ذلك، لا تقتصر مزايا القطن المصري على طول تيلته ونعومته؛ إذ له خصائصُ أخرى عديدة ذات أهمية كبرى في التصنيع؛ مثل انتظام التيلة، والاستطالة، وقلة العقد، ونضج الشعرة، وقلة النفاية.
(76) صلاح أبو النصر، (وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الشرقية)، "الهروب من القطن.. لماذا؟" الأهرام الاقتصادي، (أكتوبر 1979).
(77) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي السنوي 1978، مرجع سابق، رقم 1978، غير وارد في المصدر السابق، ولكن مصدره أيضًا الجهاز المركزي.
(78) وزارة التخطيط، بيانات الشعبة المركزية للتجارة الخارجية، (القاهرة: وزارة التخطيط).
(79) د. عبد القادر دياب، المنوال الزراعي، مرجع سابق، اعتمادًا على البيانات الواردة في جداول 10 و11 و12.
(80) سُمح للزراع باستبدال القطن بفول الصويا. عائد فول الصويا أعلى بالنسبة للفلاح، وحاجته للعمال أقلُّ؛ ولذا يتزايدُ إنتاجه بسرعة على حساب القطن. كان 26 ألف طنًا عام 1977، 78 ألف طن عام 1978، ويُتوقع أن يصل إلى 100 ألف طن عام 1979، 200 ألف طن عام 1980. يُستخدم حاليًا لإطعام الدواجن (بيانات وزارة الزراعة).
(81) أُجرِيت الدراسةُ تحت إشراف د. مصطفى الجبلي (وكان وزيرًا للزراعة وقتها). انظر د. مصطفى الجبلي، "دراسة قضية الأرض في مصر وماذا تزرعها؟"، الأهرام، (2/ 3/ 1976). وقد أوضح د. الجبلي أنه "ليس بالضرورة أن تستمر العلاقات المُتحَصَّل عليها من هذه الدراسة كلها صحيحة، وذلك في إطار التغيير الذي قد يطرأ على أسعار وإنتاجية المحاصيل المختلفة، ولكن باستخدام النموذج الذي وضع بهذه الدراسة، وعمل التعديل اللازم، يمكن بسهولة إعادة تقييم البدائل المختلفة في أي وقت، مما يعني النظر إلى سياسة استخدام الموارد المتاحة بمرونة كافية، والاستفادة بما قد يحدث من متغيرات في تعظيم استخدام الموارد".
(82) البنك المركزي، التقرير السنوي 1978، (القاهرة: البنك المركزي، يونيه 1979)، ص 29.
(83) محمد فرغلي، "مصر والقطن ومشكلات تخفيض إنتاجه"، الأهرام، (9/ 12/ 1975).
(84) لا نعيد هنا مسائل التوسع العام وغير الرشيد في معدلات وأنماط الاستهلاك، ولا تعيد الإشارة إلى تبديد الموارد الذي سببته فوضى الاستيراد، وإلى ارتفاع أسعار الواردات عن المستويات الطبيعية، ولا نعيد الحديث عن الأثر السلبي لانحياز الاستيراد من الأسواق الغربية. نضيف هنا مثالاً عن أثر عامل الإهمال السائد؛ نتيجة السياسات الانفتاحية. يقول مصطفى كامل مراد: إنه درس - مع بعض الخبراء الأجانب - ظاهرة زيادة الفاقد من القمح المستورد، واتضح أن السبب في هذا هو أن مستوى الصوامع التي يفرغ فيها القمح من الشفاطات منخفض عن مستوى الأرض؛ ولذلك فإنه عندما تُملأُ الأجولة من هذه الصومعة لنقلها إلى مراكز الاستهلاك، لا يجري إغلاقها على الوجه الأكمل، وفي الوقت المناسب؛ مما يؤدي إلى تساقط القمح بكميات كبيرة. قدرت الدراسة أن هذا الفاقد حوالي 8 % في الكميات المستوردة (حوالي 240 ألف طن من القمح). مصطفى كامل مراد. مضبطة الجلسة 44، (22/ 3/ 1978). الفصل التشريعي الثاني. مجلس الشعب/ وكانت الرقابة الإدارية قد قامت بدراسة ميدانية للوقوف على حالة أرصدة الدقيق والقمح في بعض محافظات الوجه البحري، في شهر نوفمبر 1975، أي في بداية فصل الشتاء، وقبل حلول موسم الأمطار، وسجلت الرقابة الإدارية - في تقريرها- التخزينَ وزيادة الفاقد، (مذكرة الرقابة الإدارية بتاريخ 10/ 12/ 1975، غير منشورة)، ونشرت جريدة الأخبار أن خبراء الزراعة يقولون: الخسارة في الحبوب المخزونة، تتضاعف سنويًّا، وطبقات لآخر الإحصائيات، فقد وصلت إلى 600 ألف طن حبوب قيمتها 33 مليون جنيه، والسبب سوء التخزين ـ انظر الأخبار، (16/ 1/ 1980).
(85) يتكون قطاع القطن من 12 شركة موزعة على ثلاثة أنشطة رئيسة؛ وفقًا لطبيعة العمل الذي تزاوله كل مجموعة منها؛ فهناك ست شركات تصدير، تقوم فروعها في الداخل بتسويق محصول القطن نيابة عن الحكومة؛ طبقًا لنظام التسويق التعاوني؛ حيث تقوم بشراء القطن الزهر من المنتجين في مراكز التجميع، وتنقله إلى شركات الخليج الخمسِ التي تتولى حلجه مقابل أجر محدد، ثم تبيع شركات التصدير ناتج الحَليج من بذرة واسكارتو في الداخل، وتتولى نقل القطن الشعر إلى الشركة المصرية لكبس القطن بالإسكندرية؛ حيث تخزنه لديها وتحاسب الحكومة على قيمته ـ نظريًّا ـ بذات سعر شرائه من الداخل، ثم تُعيد شركات التصدير شراء كميات الأقطان اللازمة لسد احتياجات كل من المغازل المحلية وارتباطات التصدير. وكانت أسعار إعادة الشراء للمغازل المحلية، هي ذات أسعار محاسبة الحكومة، أما أسعار إعادة الشراء بغرض التصدير؛ فهي أعلى من الأسعار التي تم محاسبة الحكومة عليها. ولما كانت هذه المحاسبة نظرية، فإن شركات التصدير تقوم بسداد الفرق بين السعرين، وهو ما يُطلق عليه: "فروق إعادة الشراء بغرض التصدير".
(86) بدأت صناعةُ الغزل والنسيج في العشرينيات من أجل السوق المحلي، ثم امتدت إلى التصدير قُبيل الخمسينيات، فكانت صادرات الغزل والنسيج تمثل 3.3 % من القيمة الإجمالية للصادرات (52/ 1953).
(87) محسوبة عن أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نشرة التجارة الخارجية، (القاهرة: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 1967 ـ 1977).
(88) R. Mabro, The Egyptian Economy, op. cit., p. 151.
يبدو أن ملاحظة مابرو عن تطور العلاقة النسبية بين صادرات الغزل وصادرات النسيج، تتعارض مع أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ولكنْ يهمنا تعليق المؤلف على الاتجاه العام لتصنيع القطن الخام.
(89) بيانات البنك المركزي المصري.
(90) محمد فرغلي، "لا بديل لتسويق القطن تعاونيًّا، ولكنْ من الضروري إطالة مدة التسويق"، الأهرام، (3/ 5/ 1976).
(91) اطلع المؤلف على تقرير وزارة الصناعة، وتقرير وزارة الاقتصاد، حول البديل المقترح لنظام تسويق القطن؛ ردًّا على توصيات لجنة الزراعة والري في مجلس الشعب. التقريران غير منشورين.
(92) زكريا توفيق عبد الفتاح، "غدًا.. القطن المصري في قبضة من؟" الأهرام الاقتصادي عدد (15 أكتوبر 1979).
(93) د. زكي محمود شبانة، "التطورات الاستهلاكية والتصنيفية للأقطان المصرية"، الأهرام الاقتصادي، (15 أكتوبر/ تشرين الأول، 1979).
(د. شبانة أستاذ الاقتصاد الزراعي، ورئيس جامعة المنوفية من المشاركين في اللجان الفنية المختصة بهذه المواضيع).
(94) محمد عز الدين، "حوار مع وزيري التخطيط والزراعة حول قضية القطن"، الأهرام الاقتصادي، (أول نوفمبر/ تشرين ثان، 1979).
(95) ينحصر النشاط الرئيسي للشركة المصرية لكبس القطن، في كبس وتنظيف وتخزين الأقطان المملوكة لشركات التصدير؛ تمهيدًا لتصديرها للخارجي؛ لذلك ترتب على تناقص الكميات المصدرة، تناقصُ الكميات المكبوسة سنة بعد أخرى، وبالتالي الخدمات المتعلقة بها، الأمر الذي ترتب عليه استمرارُ ارتفاع نسبة الطاقة غير المستغلة؛ مما حدا بالشركة إلى تأجير بعض الفراغات الموجودة في مخازنها، والمعدة إعدادًا فنيًّا إلى شركات القطاع العام، وشركات استثمار، كما أفادت الشركة أنها أتمت دراسات الجدوى لمشروعين؛ أحدُهما: إنشاء مبخرة للأقطان المستوردة، وغيرها من المحاصيل الزراعية، والآخر إنشاء ثلاجة للحوم والدواجن والأسماك؛ وذلك لتعويض النقص المستمر في إيرادات النشاط الجاري ـ انظر: الجهاز المركزي للمحاسبات، متابعة 1977، مرجع سابق، ص 92.
(96) المصدر: البنك المركزي المصري وتقديرات البنك الدولي، نقلاً عن:
World Bank, Report N" 2738 – EGT, Op. cit., statistical annex, table 3.3.
(97) نُشير هنا إلى أن معدل التحسين (الفرافر) للبالة المصدرة إلى دول الاتفاقيات، يزيد عن مثيله بالنسبة لدول العملات الحرة. وفي ضوء تناقص كمية الصادرات من القطن إلى دول الاتفاقيات؛ فإن عائد الشركات من أرباح التحسين (الفرافر) قد اتجه إلى الانخفاض. هذا العائد هو الذي تعتمد عليه الشركات في تغطية عجز النشاط الجاري لفروع الداخل ـ عائد التحسين عبارة؛ عن الفرق بين سعر بيع رتبة التيب المصدر (فوب) وسعر شراء رتب الأقطان الداخلية في إعداد هذا التيب، أي قبل إجراء عملية (الفرافر) عليه.
(98) النسب محسوبة على أساس الكميات المصدرة بالألف قنطار متري. الدول الاشتراكية الأوروبية الواردة في الحساب هي: الاتحاد السوفيتي ـ تشيكوسلوفاكيا ـ المجر ـ بولندا ـ ألمانيا الديموقراطية ـ رومانيا. الدول الغربية هي: اليابان ـ ألمانيا الاتحادية ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ إنجلترا ـ سويسرا ـ إسبانيا ـ اليونان. انظر: الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، نشرة القطن الأسبوعية، (الأسبوع الخامس والأربعون، 1978) و(الأسبوع الأربعون، 1977).
(99) المصدر هنا وزارة الزراعة، وكالعادة تختلف الأرقام الواردة عن أرقام الصادرات في مصادر أخرى، ولكن يهمنا الاتجاه العام، وهو لا يختلف في المصادر المتباينة.
(100) يقول د. عبد الرزاق عبد المجيد عن هذه الصورة، وبالتالي عن مشكلة القطن إن "الإحصائيات الأخيرة تكشف تناقص صادراتنا من القطن إلى الاتحاد السوفيتي، وإلى دول الكتلة الشرقية. وقد يتصور البعض أن هذه ظاهرة حسنةٌ، وأن نقص الصادرات إلى الكتلة الشرقية يتيح زيادة الصادرات إلى الكتلة الغربية، ولكن هذا لا يحدث عادة؛ لأن الكتلة الغربية تشتري حصة معينة في كل سنة، ولا تحتاج لأكثر منها؛ إذن ما مصير الكميات التي تم تخفيضها من حصة الاتحاد السوفيتي، ومن دول الكتلة الشرقية؟ هذه الكميات تذهب إلى مصانع الغزل المحلية؛ لتتحول إلى غزل. هنا قد يتصور البعض أيضًا أن هذا التحول أفضل للاقتصاد المصري، وهذا التصور بدوره غير صحيح؛ لأن 90 % من غزل القطن المصري يصدر إلى الاتحاد السوفيتي وأسواق الكتلة الشرقية، والذي يحدث عادة أن تحتفظ هذه الدول بحصيلة الغزل وفاء لديونها (لم يذكر الوزير لماذا؟) بل إنها لهذا السبب، تحصل على أكثر من أقساط الديون المستحقة لها. وإذا اعترضنا على هذا التصرف يقولون: نحن لا نجبركم على بيع الغزل لنا. من حقكم أن تبيعوه إلى أسواق أخرى إذا استطعتم.. والمشكلة أننا
لا نستطيع بيع الغزل المصري في الأسواق الغربية"، أخبار اليوم، (12/ 8/ 1978)، مرجع سابق.

(101)
M. Hughes, "Cotton, Too Little Available for Export", Financial Times, (30 – 7 – 1979).
(102) تضمنت سياسة التسويق التعاوني لمحصول القطن عام 1978 أنَّ للأفراد المنتجين، أو الجمعيات التعاونية - الحقَّ في تجميع أقطان من يرغب من المنتجين، وتخزينها في مخازنَ، وعرضها زهرًا للبيع للشركات ـ وللجمعيات التعاونية الحقُّ في تجميع أقطان من يرغب من المنتجين، وتقديمها للحليج لحسابهم، وعرض القطن شعرًا للبيع للشركات - انظر:
د. محمود داود، السياسة الزراعية، مرجع سابق، ص 74.

(103) د. مصطفى الجبلي، الأهرام، (2/ 3/ 1976)، مرجع سابق، مصر المعاصرة، (يناير/ كانون ثان، 1975)، مرجع سابق.
(104) د. محمود داود، السياسة الزراعية، مرجع سابق، ص 105.
(105) عن "بحث غير منشور، أعدَّه قسم الاقتصادي الزراعي"، (كلية الزراعة ـ جامعة الأزهر، 1980).
(106) الجهاز المركزي للمحاسبات، متابعة 1977، مرجع سابق، ص ص 80 ـ 81 ويقول الجهاز إن شركة الإسماعيلية/ مصر، وضعت يدها على مبانٍ وآلات ومعدات وتجهيزات، وعلى محطات تسمين بدارَى بمنطقة سيرابيوم بالإسماعيلية، (كانت تحت التشطيب وقت إنشاء الشركة الجديدة)، وقد أدى احتاج الشركة العامة للدواجن، إلى صدور قرار باعتبار الفرق بين قيمة الحصة العينية، وحصة الشركة في رأس المال، بمثابة قرض يُسدد على خمسة أقساط سنوية، مضافًا إليها قيمة الفائدة المستحقة سنويًّا، ولكن لم يتم الاتفاقُ على تحديد سعر الفائدة، وموعد البدء في السداد.. في الوقت الذي تعاني فيه الشركة العامة، للدواجن من نقص السيولة النقدية، ومن التجائها للاقتراض من البنوك؛ حيث بلغت أرصدة حسابات البنوك الدائنة حوالي 7.4 مليون جنيه في 31/ 12/ 1977 تحملت عنها فوائدَ بلغت 350 ألف جنيه عام 1977.
(107) "بحث قسم الاقتصاد الزراعي"، مرجع سابق. اعتمد البحث في إثبات هذه النتائج، على أرقام الشركة العامة للدواجن (أرقام غير منشورة).
قيمة الواردات من الكتاكيت (أمهات وجدود) ومن الأعلاف
بآلاف الجنيهات
الكتاكيت *
الأعلاف
1975
1976
1977
1978
1979
277
271
358
204
1479
6474
6138
2539
-* *
-* *


* في الأرقام التفصيلية، التحول الكامل من استيراد الجدود إلى استيراد الأمهات، بدءًا من عام 1978.
* * الأرقام غير متوافرة.
وفقًا لهذا البحث؛ فإن الشركات الأجنبية استطاعت عن طريق وكلائها، توريدَ كميات كبيرة من مزارع الدواجن ذات الطاقة الإنتاجية المنخفضة، ولكن بعد عرض تلك الشركات بيع مزارعَ ذات طاقة إنتاجية عالية، استفاد المنتجون الجدد من اقتصاديات الحجم والسعة للمزارع الكبيرة، وتحولت المزارع الصغيرة إلى وحدات خُردة، غير اقتصادية، ولا يتم بالتالي استخدامها.
(108) Report N" 870 a "EGT, op. cit, item 4. 94.
(109) A policy statement, op. cit. item 11 (d).
(110) Minister of land reclamation (I, Shoukry). Land Reclamation policy and programmes in Egypt, to the world Bank Consultative Group for Egypt, Paris, June 1978.
(111) تقرير المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية ـ يناير/ يونيو 1975 ـ مرجع سابق ص ص 65/ 66.
(112) نسبة المساحات غير المستغلة وتطورها
خلال الدورات الصيفية (%)
شركة شمال التحرير/شركة جنوب التحرير/شركة مريوط الزراعية/شركة الوجه القبلي
1974
1975
1976
1977
34
44
44
43
56
46
63
65
40
46
51
47
66
72
79
77

انظر: تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات. متابعة 1977، مرجع سابق، ص ص 61 ـ 68؛ انظر المرجع السابق، ص ص 74 ـ 77.
(113) A Policy statement, op. cit., item 47.
(114) د. مصطفى خليل، "بيان الميزانية العامة (ميزانية السلام) أمام مجلس الشعب الأخبار، (16/ 12/ 1979).
(115) كان د. بلبع قد علَّق على الأنباء المنتشرة، حول إقبال الشركات الأمريكية والفرنسية والرومانية، وقال: "لسنا نعرف لماذا تقبل هذه الشركات على هذه المشروعات؛ إلا لأنها واثقة أنها قادرة على الربح منها؟ فما الذي يمنع أو يعوق المصريين من أن يستغلوها بأنفسهم استغلالاً مربحًا، كما يستغلها القادمون من الغرب والشرق؟ لقد أوضحنا في مناسبات مختلفة أن القطاع العام الزراعي، يستطيع أن ينتج إنتاجًا مربحًا، إذا أدير الإدارة الرشيدة؛ فالربح من الزراعة لا يقترن حتمًا بالملكية" ـ د. عبد المنعم بلبع "الزراعة المصرية ورياح التغيير"، الأهرام الاقتصادي، (15/ 9/ 1977).
(116) "قصر تقدير الإيجار عام 1978 على الأراضي التي مضَى على زراعتها عامان، ومساحتها 6200 فدانًا (...)، ويعني هذا إعفاء باقي الأراضي المستصلحة، ومساحتها 11581 من الإيجار لمدة خمس سنوات. ولكن تبيَّن أن مجلس إدارة الشركة الجديدة قرر بتاريخ 27/ 2/ 1979 عدم تحمل أيَّة قيمة إيجارية للأراضي، خلال فترة الخمس سنوات الأولى من تسلُّمها لها، كما أن المجلس المذكور يرى زيادة الإعفاء لمدة عشر سنوات، مع العمل على تلك الأرض". وقد تم تقييم الحصة العينية التي ساهمت بها الشركة المصرية الزراعية العامة بمعرفة لجنة شكلت بقرار وزاري، قدرتها بمبلغ مليون و240 ألف جنيه على أساس القيمة السوقية، مع احتساب نسبة صلاحية للمعدات والآلات ووسائل النقل، (وأشار جهاز المحاسبات إلى أن هذا التقييم أقل من الواقع). ولكن رفضت شركة الإسماعيلية هذا التقييم، فتشكلت لجنة لتصفية الحسابات المعلقة بين شركة الإسماعيلية والشركة المصرية، بقرار وزاري آخر، وانتهت اللجنة الجديدة إلى تعديل قيمة الحصة العينية إلى مليون و46 ألف جنيه، وافقت الشركة المصرية، ورفضت شركة الإسماعيلية أيَّة زيادة لرقم المليون جنيه. ومع ذلك، كان هذا المبلغ يعطي للشركة المصرية نسبة 25 % من عضوية مجلس الإدارة، ولكن مثلت الشركة بعضو واحد؛ أي بنسبة 9 % فقط ـ انظر: الجهاز المركزي للمحاسبات، متابعة 1977، مرجع سابق، ص ص 79 ـ 80.
(117) تصريحات حسين عثمان (رئيس شركة المقاولون العرب وشقيق عثمان أحمد عثمان). كانت العناوين كالتالي: "الحلم الذي يجري تحقيقه بالخبرة المصرية والتكنولوجيا الحديثة ـ اكتفاء ذاتي في الأمن الغذائي؛ باستخدام أسلوب جديد للزراعةـ كيف أنتج فدان الأرض الصحراوية 13 طن من الطماطم؟ ـ طريقة جديدة للري توفر 40 % من المياه لري ثلث الأراضي المنزرعة بمصر"، الأخبار، (6/ 1/ 1980). نُشرت في الصحف والمجلات المختلفة، موضوعاتٌ مشابهة.
(118) انظر كافة الصحف القاهرية الصادرة (30/ 1/ 1980) مانشيت الأهرام كان: "السادات: اليوم تنطلق الثورة الخضراء لتعمير كل الصحارَى المصرية ـ 29 يناير عيد للثورة الخضراء في مصر. تعمير الصحراء هو نقطة البدء الصحيحة" ـ قد يكون من أسباب المبالغة في الضجة، محاولةُ الرئيس - في تلك الفترة - إرضاء الولايات المتحدة، بعد إبعاد الشركات الأمريكية من كونسورتيوم تجديد شبكة التليفونات.
(119) توفيق كرارة (وزير استصلاح الأراضي) ـ "تمليك الصحراء في دائرة الحوار"، الأهرام، (25/ 1/ 1980).
وقد صرح نفس الوزير بعد ذلك، أنه "سيتم خلال العام الحالي توزيع 175 ألف فدان من الأراضي التي تم استصلاحها، منها 110 ألف فدان ستُوزَّع على الخريجين والمُعدَمين والمزادات، وستُباع الأراضي الباقية (65 ألف فدان) لواضعي اليد الذين قاموا باستصلاح الأراضي وزراعتها، على أن يتم البيع بالنسبة لهذه المجموعة بأثمان الأراضي قبل عمليات الاستصلاح، ويقسط ثمنها على 15 سنة دون فائدة".
(120) د. عبد المنعم بلبع، "تيارات زراعية"، الأهرام الاقتصادي، عدد (أول يونيو 1978).
(121) أشارت إلى ذلك، مذكرةُ مختار عبد الحميد (نائب رئيس اتحاد عمال مصر، ورئيس نقابة عمال الزراعة). طلبت المذكرة "الإقلاع نهائيًّا عن نظام تمليك الأراضي بطريقة المزاد العلني؛ لما يفتحه هذا الباب أمام عناصرَ تتخذ من الاتجار في الأراضي، وسيلةً للثراء السريع، كما أنه يساعد على خلق ملكيات مستغلة، لا تمكن من تحقيق الأهداف المرجوة" ـ المذكرة غير منشورة ـ يناير 1980.
(122) أول إعلان عن ذلك (داخل مصر) جاء على لسان الرئيس السادات، حين نشر "أنه أعطى من 27 نوفمبر (1979) إشارة البدء في حفر ترعة السلام، بين فارسكور والتبنة، عند الكيلو 25 ـ طريق الإسماعيلية بورسعيد ـ لتتجه تحت قناة السويس إلى سيناء لتروي 2/ 1 مليون فدان.
طلب الرئيس إجراء دراسة علمية كاملة لتوصيل المياه إلى مدينة القدس؛ لكي تصبح مياه النيل هي آبار زمزم لكل المؤمنين بالأديان السماوية". مجلة أكتوبر، (16/ 12/ 1979)، العدد 164.
ولكن الحديث عن هذا المشروع قديم في الصحف الإسرائيلية (انظر مثلاً: عل همشمار، (20/ 9/ 1978). ولمتابعة تاريخ المخططات الصهيونية حول ماء النيل، انظر: كامل زهيري، "النيل في خطر!" وثائق تنشر لأول مرة ـ مشروعات تحويل مياه النيل، من هرتزل إلى بيجين، أسرار الأطماع الصهيونية في مياه النيل 1903/ 1980، (القاهرة: العربي، 1980). ويلاحظ أن العمل في مشروع نفق الشهيد أحمد حمدي الذي يتضمن (ضمن ما يتضمن) نقل المياه إلى سيناء، بدأ عام 1974 دون أي اعتراض إسرائيلي، ولم يكن هذا مفهومًا أيامها.
(123) يوسف والي مستشار وزير الزراعة، وشارك في مختلف المباحثات الرسمية مع الأطراف الدولية المعنية (وبينها إسرائيل). وتصريحه، والحديث عن زيارة شارون نقلاً عن:
M. Aulas, Le monde diplomatiqué, (Mars, 1980).
(124) تقديرات 1978، أولية، وفقًا لوزارة التخطيط والبنك الدولي وصندوق النقد، World Bank, Report N". 2738 – EGT, op. cit.
(125) تقديرات وزارة التخطيط وصندوق النقد، المرجع السابق، ونذكر أن تقديرات وزارة التخطيط، كانت قد حددت معدل النمو لذلك العام باعتباره 8.3 %، وهللت المجموعة الاستشارية لذلك، ويبدو أن صندوق النقد الذي عبر عن نقده لطريقة حساب المعدلات، كان مسئولاً عن التعديل الحادث، ولكن نذكر أيضًا أن الجهاز المركزي للمحاسبات، قدر معدل النمو لذلك العام بصفر في المائة.
(126)
1974
1975
1976
1977
1978
3.9 %
11.6 %
8.1 %
9 %
5.7 %

المصدر السابق ـ عاما 74، 1975 يشملان البترول إلى جانب الصناعة ـ كل أرقام الصناعة تشمل الصناعة الاستخراجية، لكن يمكن إهمال أثرها على الصورة العامة.
(127) اعتمدنا في حساباتنا لهذه النتائج، وفي المقارنة، على أرقام الإنتاج الصناعي الواردة في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي السنوي لجمهورية مصر العربية، مجلد 1952 ـ 1974 (أكتوبر 1975) ومجلد 1952 ـ 1977 (يوليو 1978).
(128) World Bank, Report N" 1815 EGT, op. cit., item 4. 48.
(129) Statement of his excellency Ahmed Hilal, Minister of petroleum, Industry and Mining consultative group for the Arab republic of Egypt, Paris, June 14 to 16, 1978, European office. Paris, restricted, June 14, 1978.
(130) World Bank, report N". 1815 EGT, op. cit, items 4. 103 to 4. 105.
(131) Developing the Egyptian private sector, Progress report, Prepared for the second meeting of the consultative group for Egypt. Delivered by Mr. Gamal El Nazer, Deputy chairman for the investment and free zone authority.
(132) تصريحات منير شنودة (نائب رئيس بنك التنمية الصناعية) ومحمود عبد الله (عضو مجلس إدارة البنك الأهلي) وسامي الحلواني (مدير عام الائتمان بالبنك الأهلي)، "الجناح الثاني للاقتصاد المصري: القطاع الخاص الصناعي"، الأهرام، (17/ 11/ 1978).
(133) نقلاً عن البيانات الرسمية الصادرة من بنك التنمية الصناعية. يتم الإقراض عادة للعميل بفائدة 11 % على القروض بالعملات الأجنبية، وبفائدة تتراوح بين 11.9 % على القروض بالعملة المصرية. وبالنسبة لقرض الأوبك للصناعات الصغيرة تتم إعادة الإقراض بفائدة 8 %، ويقول تقرير البنك "في مقدمة المشروعات الحاصلة على قروض: مشروعات التصنيع الزراعي كتصنيع الخضروات والفواكه وعلف الحيوان، وتصنيع البصل ومشروعات التبريد ومشروعات الدواجن وتصنيع اللحوم، وصناعة منتجات الألبان. ومن الأنشطة الرائدة إنشاء البنك لمشروعات صناعة مواد البناء؛ كالرخام الطبيعي والرخام الصناعي، والبلاط، والأدوات الصحية، والسيراميك، وغيرها، كما أسهم البنك بدور فعال في الفندقة بتمويله تأسيس عدد أكبرَ من فنادق الدرجة الأولى في مختلف أنحاء القاهرة والمحافظات، وتعتبر مشروعات السياحة من الأولويات العامة. بالإضافة إلى الصناعات الصغيرة والحرفيين الصناعيين" ـ وقد استبعدنا قطاع السياحة والفنادق، وقطاع البناء والتشييد، وقطاع ما أسماه البنك الصناعات الغذائية عند احتساب القروض المعتمدة من البنك (حسب الجدول المنشور) انظر: الأهرام، (30/ 11/ 1978).
(134) انظر:
USAID. Assistance to the Egyptian private sector, (Cairo: 1980).
(135) مقصود هنا إباحة استيراد الخامات غير المتوفرة محليًّا لمصانع القطاع الخاص في حدود 5 آلاف جنيه دون تراخيص الاستيراد ودون العرض على لجان البت، أيضًا إباحة الاستيراد دون تحويل عمله للآلات والخامات.
(136) بيانات سنة 70 ـ 1971 مصدرها، الهيئة العامة للتصنيع، تطور استثمارات القطاع الخاص العام الوطني، القاهرة.
بيانات 72 ـ 1977 ستهدف: مصدرها الهيئة العامة للتصنيع، خطة الصناعة في ظل برنامج العمل الوطني، القاهرة.
بيانات 72 ـ 77 فعلي: مصدرها الهيئة العامة للتصنيع، تطور استثمارات القطاع الخاص لعام 1977.
بيانات 1980 مستهدف: مصدرها بيان وزير الصناعة أمام لجنة الصناعة بمجلس الشعب، (القاهرة ديسمبر 1979).
نقلاً عن د. رأفت شفيق، "دور القطاع الخاص في تنمية الصناعات التحويلية بمصر في ظل سياسة الانفتاح الاقتصادي"، المؤتمر العلمي السنوي الخامس للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة، مارس 1980، جدول رقم 5 تتعارض الأرقام الواردة هنا مع أرقام وزارة التخطيط (الواردة في تقاريرها للمتابعة)، والتي نُقل عنها: موجز التقرير السنوي عن إنجازات الحكومة عام 1977 ـ رئاسة مجلس الوزراء/ وزير الدولة لشئون المتابعة 1978. ولكن لا تختلف البيانات حول حقيقة أن الوزن النسبي للقطاع الخاص لم يتغير تقريبًا، وهذا ما يعنينا في الأساس.
(137) المصدر: وزارة الصناعة والتعدين والثروة المعدنية، الرقابة الصناعية، تقارير غير منشورة عن تقدير الإنتاج الصناعي الخاص ـ يناير 1977، يناير 1979/ نقلاً عن د. رأفت شفيق، المرجع السابق، جدول رقم 9.
(138) "تصريح محمود هلال وكيل وزارة الصناعة للشئون الاقتصادية" ـ الأهرام الاقتصادي، (1/ 3/ 1979). وكان وزير الصناعة قد أعلن أرقامًا في هذه الحدود (115 مليون جنيه)، انظر الأهرام، (18/ 9/ 1978).
(139) "الصناعة والانفتاح"، الأهرام الاقتصادي، (1/ 4/ 1978).
(140) "هموم الصناعة الخاصة"، (16/3/1978).
(141) انظر: "وقف استيراد الملابس الجاهزة من الخارج، المسئولون عن التجارة: القرار ينقذ صناعة مصرية من التوقف، ويحمي المستهلكين من الملابس المستعملة المستوردة- التجار: الأسواق تحتاج إلى الملابس المستوردة جنبًا إلى جنب مع الملابس المحلية". الأهرام، (9/ 10/ 1978).
(142) انظر: الأهرام، (3/ 5/ 1978).
(143) "مخزون سلعي قيمته 106 مليون جنيه في شركات الغزل والنسيج"، الأهرام الاقتصادي، (15/ 10/ 1978).
(144) تقرير غير منشور بتاريخ (15/ 12/ 1979).
(145) انظر: الأهرام، (31/ 8/ 1971).
(146) "تصريح د. عبد الرحمن الناصر، وكيل وزارة الصناعة للرقابة الصناعية"، الأهرام الاقتصادي، (31/ 8/ 1979).
(147) بيانات وزارة الصناعة (غير منشورة).
(148) انظر: هيئة الرقابة الإدارية، أوجه القصور والخلل في الجهاز الإداري للدولة (الفترة من عام 1972 حتى عام 1976)، (القاهرة: يوليو 1977)، الجزء الأول وعنوانه "آثار إباحة استيراد بعض السلع على الإنتاج المحلي"، ص ص 223 ـ 229. (تقرير سري). انظر أيضًا البند خامسًا (بورسعيد) في هذا الفصل.
(149) تقديرات وزارة المالية وصندوق النقد الدولي:
World Bank. Report N" 2738 – EGT, op. cit.
(150) World Bank. Ibid.. item 1. 7.
(151) وزير الصناعة: "لا أطلب الحماية... لكنني أطلب المعاملة العادلة"، حديث إلى محمود المراغي، روزاليوسف، (24/ 7/ 1978).
(152) "وزير الصناعة بطلب حماية الصناعة المصرية من المنافسة غير المتكافئة"، الأهرام، (19/ 3/ 1979).
(153) انظر: محمد العتر، "250 مليون جنيه مخزون السلع في مصانعنا، مَن المسئول عنها؟"، الأخبار، (30/ 1/ 1979).
(154) انظر: "المخازن (المكدسة) ـ الطريق إلى الأزمة: سيل من السلع المستوردة بلا ضوابطَ، يؤدي إلى تكشدس مخازن عدد من الشركات ببضائع لا تجد فرصتها للخروج إلى السوق"، الأهرام، (23/ 9/ 1978).
(155) مذكرتان للرقابة الإدارية بتاريخ (3/ 6/ 1976، 26/ 5/ 1977)، (غير منشورتين).
(156) تصريح جمال المناديلي (عضو مجلس الإدارة لشركة وولتكس): "عقدة الخواجة تحبس الأصواف المصرية في المخازن!"، الأهرام، (15/ 3/ 1979).
(157) تصريح كامل عبد الخالق (شركة البلاستيك الأهلية)، "مخزون قيمته 3 ملايين جنيه في إحدى شركات الكيماويات!"، الأهرام الاقتصادي، (1/ 4/ 1978). وجدير بالذكر أن القطاع الخاص عانَى أيضًا في نفس المجال.
(158) "بعد الملابس الجاهزة المستوردة: موجة من الأثاث المستورد من أوروبا.. وبالأسعار الملتهبة لماذا يستورد القطاع العام الأثاث من الخارج؟ وإلى أي حد يؤثر هذا على صناعة الأثاث في مصر؟"، الأهرام، (16/ 6/ 1979).
(159) تصريح جمال كيرة (رئيس شركة النصر لصناعة الأقلام ومنتجات الجرافيت) وأحمد اليسقي (رئيس شركات البطاريات)، "لماذا تتراجع صناعاتنا الخفيفة؟"، الأهرام، (12/ 8/ 1979).
(160) محمد فتحي الفقي (رئيس شركة النقل والهندسة)، "بل الانفتاح مسئول عن مخزون بعض السلع المحلية"، الأهرام، (21/ 12/ 1978).
(161) هيئة الرقابة الإدارية، أوجه القصور والخلل..، مرجع سابق، ص 16.
(162) المرجع السابق، ص 4.
(163) د. إبراهيم بدران، الأهرام، (4/ 4/ 1978).
(164) انظر في تحليل أسباب ونتائج الفساد في الدول "النامية":
Myrdal. The challenge: op. cit.,
ويعلم المؤلف عن مناقشات عديد من الاقتصاديين والسياسيين المصريين مع خبراء هذه الهيئات الدولية، (وعلى رأسها وكالة التنمية الأمريكية) حول موضوع الفساد، وأوضحت المناقشات أن معلومات هذه الجهات عن أبعاد الفساد، أضعاف ما تعرف، وهذه نتيجة طبيعية.
(165) هيئة الرقابة الإدارية، أوجه القصور، مرجع سابق، ص 11.
(166) "استجواب موجه إلى السيد وزير الصناعة والثروة المعدنية من السيد العضو الدكتور محمد حلمي مراد، عن الأسلوب الذي تتبعه الوزارة، في الإشراف على المشروعات الصناعية وما يترتب عليه من آثار"، مضبطة الجلسة 38 (12/ 4/ 1977)، الفصل التشريعي الثاني، مجلس للشعب.
(167) انظر مثلاً البحث الميداني للدكتور فؤاد إسماعيل بتجارة الأزهر، عن "إدارة الأفراد في ظل سياسة الانفتاح"، أثبت البحث مشكلة تسرب العمالة الماهرة من القطاع العام، إلى الشركات المشتركة، وكشف "أن أقل المجموعات التي تركت الشركات، هم العاملون حديثو التخرج من الجامعات؛ مما يوضح أن الشركات المشتركة تجذب العمالة المدرَّبة". انظر أيضًا: "البحث الميداني للدكتور أمين الضرغامي بكلية التجارة بجامعة حلوان"، البحثان مقدمان إلى مؤتمر جماعة خريجي المعهد القومي للإدارة العليا (المؤتمر 15 للمتابعة)، الإدارة وتحديات السلام، القاهرة، من 27/ 6 إلى 1/ 7/ 1979.
(168) أدت حركة التنقلات، إلى مزيد من الاستقالات. قال م ـ حسن عبد الفتاح (رئيس الهيئة العامة للتصنيع): هناك اختلاف في السياسات.... كما أن الجو العام أصبح بدفع الإنسان لإعطاء جهده لبلاده في موقع آخر ـ وقال م ـ كمال الزيادي (رئيس المؤسسة الهندسية السابق الذي نُقل إلى شركة الكابلات): إن كثرة التغيرات تُصيب القطاع الصناعي بالعقم، خاصة أنك نقلت ثلاثة من المديرين إلى غير تخصصاتهم، فأنت رقيت مدير شركة ستيكلو (م. سيد عوض) المتخصص في أعمال الصلب؛ لكي يصبح رئيسًا لشركة سورناجا للفخار، ونقلت 2 من كبار المهندسين المتخصصين في صناعة البطاريات، وهما جلال عزمي؛ لكي يصبح رئيسًا بشركة ناروبين للكاوتشوك، وحسن جعفر لكي يصبح مديرًا لشركة ستيلكو، كما أنك نقلت د. علاء الحديدي (دكتوراه في صناعة الورق، ومدير شركة فرتا (15 سنة)؛ لكي يصبح مديرًا في شركة كازوزة (سي كولا).. وهذه هي التشكيلات ـ وقال م. علي زكي البدري (رئيس شركة البلاستيك) تركت شركتي التي أحببتها؛ لكي أمارس عملي بالقطاع الخاص؛ لأن العمل في القطاع العام أصبح من الصعوبة بمكان.. وكنت أحب أن يكون الإحساس بالمسئولية يعم الكبير والصغير؛ لأننا ننتحر داخل وحداتنا الإنتاجية/ إبراهيم راشد، لماذا هربوا من القطاع العام"، أخبار اليوم، (19/ 3/ 1977).
(169) هيئة الرقابة الإدارية، أوجه القصور، مرجع سابق، ص ص 17 ـ 33. الأمثلة التي أوضحها التقرير عن صور الاتجاه السلبي من قيادات الإدارات العليا هي: 1 ـ العمل على تنفيذ القوانين والتعليمات بحرفيتها، وعدم الاعتداد بروح النصوص وإن تعارض التطبيق مع الصالح العام. 2 ـ الحرص على إحاطة ما يتخذونه من قرارات بكثير من الضمانات (منها كثرة توقيعات المستويات الأدنى ـ الاتجاه إلى تشكيل اللجان الداخلية دون مبرر قوي ـ الالتجاء إلى جهات إصدار الفتاوَى داخلية كانت أم خارجية ـ عدم البت في الأمور بالسرعة الواجبة، والتأشير غير الواضح والقاطِع على ما يعرض عليهم من موضوعات؛ مثل: "أوافق في حدود القوانين والتعليمات"، "تُتبع التعليمات"، "نظر"... إلخ). 3 ـ التراخي في إصلاح مواطن الخلل، وتلافي أوجه القصور التي يكشف عنها العمل. 4 ـ التغاضي عن أخطاء المرءوسين، ومحاولة تغطيتها.
ويمكننا بالفعل تصور أن هذا النوع من القيادات (وهو منتشر حسب شهادة الرقابة الإدارية) قاتلٌ تمامًا لأيَّة مشروعات صناعية واقتصادية..
(170) مذكرنا الرقابة الإدارية في 22/ 6/ 1976 و19/ 12/ 1976. وهما تغطيان الفترة حتى آخر عام 1976. ولكن معلومات المؤلف تدل على أن الصورة لم تتغير في الأعوام التالية (على الأقل؛ إذ الأرجح أنها ساءت). انظر: المرجع السابق، ص ص 127 ـ 128.
(171) انظر: بعض معوقات التنمية الصناعية في مصر، (القاهرة: المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية، شعبة الإنتاج الصناعي (رئاسة الجمهورية)، مارس 1979)، ص 4 ـ هذا التقرير هام؛ لأنه يعرض بتركيز نتائج المناقشات والدراسات العديدة التي اشتركت فيها كل الجهات المرتبطة بقطاع الصناعة، وضمنها دراسات مركز معلومات القطاع العام التابع لمجلس الوزراء؛ ولذا اعتمدنا على ما جاء في هذا التقرير في توضيح محنة القطاع العام والصناعة المصرية.
(172) خارج قطاع الصناعة قررت شركة الشمس للإسكان والتعمير وشركة مصر للفنادق طرح أسهم للاكتتاب لتمويل مشروعاتهما الاستثمارية.
(173) قضايا الجمارك كانت محور تقارير ودراسات ومواجهات بين رجال الصناعة وبين الجهات الأخرى وبالإضافة إلى التحيزات المتعمدة والمفروضة من الجهات الخارجية، فإن المرحلة الأولى من الغزو كانت ـ بتخطيط ـ كالإعصار المدمر، وصاحب هذا أن أصبح منح الإعفاءات الجمركية عشوائيًّا وممنوحًا لعدد من الوزراء بلا أي تنسيق. "وهذه ظاهرة غريبة وغير موجودة في العالم؛ لأنها مهمة وزير المالية"، كما قال
د. علي لطفي وزير المالية؛ ولذا بدأ صندوق النقد في مرحلة ما بعد "قانون التصفية"، يطالب بترشيد السياسة الجمركية. ولكن الأساس الذي قامت عليه كل التعريفة الجمركية الحالية في يناير 1962، لا بد أن يتغير؛ "فقد حدثت ـ كما قال الوزير ـ تغيرات جذرية في الاقتصاد المصري كما أصبحت مصر عضوًا في منظمة التعاون الجمركي ـ مركزها بروكسل ـ وأصبح لزامًا علينا، أن نتمشى مع قراراتها". وبالفعل تشكلت لجنة لإحداث التعديل المطلوب تحت إشراف خبراء من صندوق النقد. لم يصدر بعد القانون الجديد. ولكن في آخر مواجهة مع وزير المالية، كان الموقف الموحد من محمود هلال (وكيل وزارة الصناعة) وحامد المأمون حبيب (رئيس اتخاذ الصناعات) ـ وهم ممن يعلمون اتجاه التعديلات، في موقف الهجوم على نتائج عمل اللجنة. ووضح من المناقشة أن كافة ما يشكو منه قطاع الصناعة، سيظل قائمًا في ظل القانون الجديد. وهذا طبيعي. انظر: "الجمارك.. والصناعة الوطنية"، ندوة في جريدة الأهرام، (11/ 1/ 1980).

(174) جمال الناظر، "سلع مصرية... تحت أسماء الماركات العالمية.. لماذا؟"، الأهرام، (15/ 10/ 1979).
(175) إبراهيم عطا الله ـ وزير الصناعة، "خطة جديدة للإنتاج المشترك مع الشركات العالمية" الأهرام، (28/ 6/ 1979). وحتى كتابة هذه السطور، كانت مثل هذه التعاقدات قد بدأت فعلاً بشأن إنتاج الملابس الداخلية مع شركة جيل ـ ومع شركات فارتا الألمانية، ومانسفيلد الأمريكية، وكونس الإنجليزية في مجال الصناعات الكيماوية، بالإضافة إلى تعاقدات مع شركات "بلوج" الفرنسية، و"فيليبس" الهولندية و"تراك" السويدية.
(176) أصدر سعد محمد أحمد، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (ووزير العمل في نفس الوقت) قرارًا بتشكيل لجنة لدراسة القانون الخاص باستثمار المال العربي والأجنبي والمشروعات الاستثمارية، التي قد تكون لها آثار ضارة على الاقتصاد الوطني، أو تنتقص من حقوق العمال. والفقرة التي نقلناها كانت من النتائج التي توصلت إليها الدراسةُ، وانتقدت الدراسة أيضًا ما يجري في قطاع النسيج (مشروع العامرية)، واتجاه الاستثمار الأجنبي على الإسكان الفاخر، واستثمار البنوك الأجنبية للمدخرات المصرية في أنشطة خارج مصر ـ انظر: مجلة الشعب (حزب العمل الاشتراكي)، عدد (20/ 11/ 1979). سبق أن عقد الاتحاد العام مؤتمرًا في النصف الثاني من مايو 1978 لمناقشة سياسة الانفتاح ودور العمال في تدعيم وحماية الصناعة الوطنية، انظر: الأهرام، (1/ 5/ 1978).
(177) عن المذكرتين اللتين وزعتهما وزارة الصناعة في الجمعيتين العموميتين غير العاديتين. انعقدت الجمعية العمومية غير العادية لكل شركة بناء على دعوة الوزارة في سبتمبر 1979 لإقرار هذا التعديل في تشكيل الشركتين.
(178) نبيل صباغ "سوق المال"، الأهرام الاقتصادي، عدد (1/ 10/ 1979).
(179) المحادثات مع شركة طومسون، واجهت عقباتِ أعلن عنها، ونتصور أن مشاكلَ مشابهة واجهت مشروعات المشاركة الأخرى، وحسم الموقف - في كل حالة - حسب درجة الصلابة لدى إدارة الموقع في مواجهة الضغوط والإغراءات. حتى كتابة هذه السطور كانت مفاوضات إيديال ـ طومسون قد أسفرت عن الاتفاق على حصول الجانب الفرنسي على 51 % من رأس المال، وبالتالي يمثل في مجلس الإدارة بخمسة مقاعد، أمَّا الجانب المصري، فيمثل بأربعة مقاعد، ومن هنا فإن الجانب المصري رأى أن ينص التأسيس على أن تصدر القرارات في الموضوعات العامة بأغلبية غير عادية؛ أي الثلثين على الأقل؛ وذلك حتى يضمن الجانب المصري وجود عضو أو اثنين مصريين، يملكان حق الاعتراض على هذه القرارات إذا كانت تمس سيادة مصر. وأوضح الجانب المصري أن ما يعتبره موضوعات عامة، يشمل كافة المسائل المتعلقة بسياسات الاستثمار والتصدير وتسعير المنتجات في السوق المحلية في ظل إشراف الحكومة على تسعير المنتجات. ومن ناحية أخرى، أعلن الجانب الفرنسي أنه يرى أن يتدرج التصنيع لبعض المكونات دون البعض الآخر، الذي يتم استيراده من مصانع طومسون في فرنسا. ورد الجانب المصري بأن الهدف الأساسي من قبول الشركة الفرنسية كشريك أجنبي، هو نقل أسرار التكنولوجيا المتقدمة إلى مصرَ في صناعة الثلاجات، ولهذا الغرض؛ وُوفق على حصولها على 51 % من رأس المال؛ ولذا فإن قبول مبدأ تدرج التصنيع أو استيراد جزء وتصنيع جزء مرفوض، ولا يحقق الهدف؛ فالهدف من المشروعات المشتركة (كما قالت إدارة إيديال) هو تحقيق وفرة من النقد الأجنبي من طريق التصنيع محليًّا والتصدير ـ الأهرام الاقتصادي عدد (أول فبراير 1980).
(180) World Bank, Report N". 1815 – EGT, Vol. 1, op. cit., item 4.99.
(181) نعتمد في عرض وجهات نظر رجال القطاع العام الصناعي على ما ورد في تقرير "بعض معوقات التنمية الصناعية في مصر"، مرجع سابق. لم نتقيد في عرضنا بترتيب النقاط الواردة في التقرير.
(182) في بيان الحكومة المصرية عن مشروعات القطاع العام التي تحتل الأولوية الأولى في السنوات القادمة، والتي تتطلب مشاركة المستثمرين الأجانب، تحددت المشروعات التالية:
- استغلال فوسفات "أبو طرطور". قام بدراسات الجدوى والتقييم الشركات الاستشارية التالية:
Sofermines of France. Alusuisse o Switzerland
وقامت شركة ألمانية بإعداد الدراسة الهندسية حول ميناء سفاجا، وشركة أمريكية بدراسة الخط الحديدي من "أبو طرطور" إلى سفاجا.
- مشروع مجمع الصلب في الدخيلة. قام بدراسة الجدوَى:
Swindell Dressler (U. S. A.) international Engineering Company (U. S. A)
- مشروع ميناء الدخيلة. قام بالدراسات:
B. C. E. O. M. (France). W. Y. P. (United Kingdom). P. A. M (France).
- مشروعان لتصنيع فول الصويا؛ لاستخراج مذيبات، قام بدراسة الجدوى:
Arthur D. Little of the U. S. A.
المصدر مرجع رقم (121).
(183) إبراهيم شركس نائب رئيس هيئة التصنيع، "حتى يقود القطاع العام مسيرة التنمية"، الأهرام، (9/ 3/ 1979).
(184) نعتمد في هذه النقطة على ما ورد في: تقرير للعرض على المجلس في شأن تطوير القطاع العام، (القاهرة: المجلس القومي للإنتاج والشئون الاقتصادية، شعبة الإنتاج الصناعي، رئاسة الجمهورية 1979)، ولكن نشير إلى أن الدراسات والمقالات في الصحف نشطت في تناول فكرة الشركات القابضة، وخطورة البعثرة التنظيمية الحالية للقطاع العام. ونذكر في هذا الصدد المقال الرائد والحار الذي كتبه
د. مهندس أبو بكر مراد (رئيس شركة الحديد والصلب سابقًا) حول كافة مشاكل الصناعة والقطاع العام، وأساليب علاجها، انظر: "الصناعة المصرية ثروة بدون حدود، يجب ألا تنهار بين أيدينا". الأهرام، (17/ 12/ 1977).

(185) بدأت المعركةُ حين أعلن د. إبراهيم بدران (3 أبريل) أن بعض مستوردي الأدوية الأجنبية حاولوا رشوته ثلاث مرات؛ ليسهل لهم هدفهم في تحطيم صناعة الدواء في مصر، وتحقيق أرباح طائلة على حساب المستهلك المصري. وقال الوزير إنهم استخدموا التزوير في الحصول على مكاسبَ بلغت ثمانية ملايين جنيه، وأنه قرر إحالتهم إلى النيابة. وقال إن حملة المستوردين ضد الدواء المصري، تهدف إلى التأثير على سوق الدواء المصرية صناعة وإنتاجًا وتوزيعًا. تابع الحملات المؤيدة للوزير والهجمات المضادة من المستوردين في صحف الأيام العشرة التالية لهذا التصريح اقرأ مثلاً ـ أحمد بهاء الدين: "قنبلة الدواء: إبراهيم بدران والحملة المدبرة على القطاع العام"، الأهرام، (9/ 4/ 1978).
(186) انظر: مذكرة بشأن الآثار الضارة على الاقتصاد القومي المصري التي ستنجم عن تنفيذ مشروع العامرية واحتياجات البلاد من المنسوجات والألياف الصناعية عام 1982، (الهيئة العامة للتصنيع، ديسمبر 1978)/ انظر أيضًا: المراحل التي مر بها مشروع مجمع بنك مصر للغزل والنسيج بالعامرية منذ إخطار الهيئة العامة للتصنيع به، حتى صدور قرار المجلس الأعلى للاستثمار بإيقاف العمل بالمشروع بتاريخ 16/ 8/ 1978. (الهيئة العامة للتصنيع، وزارة الصناعة، سبتمبر 1978)/ مذكرة الهيئة العامة للتصنيع بشأن ما أثير في لجان الاستماع بمجلس الشعب ولجان الخبراء عن مشروع مجمع العامرية، (الهيئة العامة للتصنيع، 1978) كافة هذه الدراسات أثبت أن هذا المجمع العملاق سيستولي على كافة الاستثمارات المخصصة للقطاع الخاص ـ إحجام البنك الدولي وهيئات التمويل العالمية عن تمويل قطاع الغزل والنسيج إذا نفذ مشروع العامرية ـ سيجذب المشروع العمالة المدربة من الشركات القائمة، ويعني كل هذا أن المشروع لا يضيف إلى الطاقة الإنتاجية القائمة، ولكن يحل محلها، ويبدد ما تمثله من أصول وعمالة. أثبتت الدراسات أيضًا عدم سلامة موقع مشروع العامرية فنيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وأثبتت أنه سيحقق عجزًا كبيرًا في ميزان المدفوعات ويعرض بنك مصر للإفلاس!.
تضامنت لجنة الخطة والموازنة، مع معارضة هيئة التصنيع المدروسة، وانتقدت تجاهل رأي الهيئة "واتضح للجنة أن الخطة الخمسية للصناعة 1978 ـ 1982 لم تشِر إلى وجود هذا المشروع الكبير الحجم على الإطلاق، وأكدت اللجنة أنه بمثل هذه المشروعات المشتركة وغير المدرجة في الخطة، لن تنضبط أرقام الخطة،
ولا يمكن ضبط الطلب العام، كما أن الموارد المختلفة المستخدمة كالأسمنت والحديد والأغذية الخاصة بالعمال وغيرها، لا يمكن السيطرة عليها؛ حيث إن هذه الموارد سنذهب إلى مثل تلك المشروعات، وإلى غيره من المشروعات المشتركة ومشروعات القطاع العام... وإذا وزع هذا الإنتاج محليًّا سيكون منافسًا لمنتجات القطاع العام والخاص المصري، وإذا وزع في السوق الخارجي؛ فسيكون على حساب صادرات القطاع العام؛ حيث إن صادرات الغزل والنسيج، لها حصص في أغلب الدول المستوردة، وهذه الحصص كلها مستنفذة بشركات القطاع العام؛ ولهذا السبب فإن البنك الدولي للإنشاء والتعمير قد تراجع عن تمويل شركة الغزل الأهلية ورفض هذا التمويل إذا تم تنفيذ المشروع المشترك لشركة العامرية للغزل والنسيج. وهذا يعني أن التراجع من ناحية التمويل من جانب البنك الدولي، لن ينسحب على الشركة الأهلية فقط، بل على أيَّة شركة مصرية أخرى تحتاج التمويل". تقرير لجنة الخطة والموازنة عن مشروع قانون باعتماد الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 1978 ـ 1982 بتاريخ 8/ 6/ 1978. (لجنة الخطة والموازنة)، التقرير التاسع، الفصل التشريعي الثاني، مجلس الشعب.

(187) World Bank, Report N" 1815 EGT, vol 1, op. cit., item 4.13.
(188) الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، تقرير عن مشروعات الاستثمار حتى 31/ 12/ 1978، (القاهرة: 1979). التقرير أكثر شمولاً وتحليلاً من التقارير السنوية السابقة للهيئة.
(189) قال هذا الكلام للمؤلف مسئول كبير في الهيئة، أعتقد أنه يفضل عدم ذكر اسمه. سلمني مشكورًا تقرير 1978، ورجاني ألا أقفز إلى أيَّة نتائجَ بعد قراءته، إذا كًُنت باحثًا علميًّا جادًّا. رغم هذا البيانات في هذا الجزء، تعتمد على المرجع السابق ما لم يذكر غير هذا.
(190) لوحظ أن تقرير الهيئة لم يوضح المدلول الحقيقي لرأسمال المشروعات الموافق عليها؛ فقد يدل رأس المال على:
أ*- رأس المال المُقترَح أو المقدر عند تقديم طلب الموافقة، مصحوبًا بدراسة الجدوَى الاقتصادية، أو..
ب*- رأس المال الذي سوف يعرض للاكتتاب، أو (جـ) رأس المال المكتتب فيه فعلاً (والذي دُفع منه جزء فقط)، أو (د) رأس المال المدفوع بالكامل".
انظر د. محمد علي رفعت، "الاستثمارات الأجنبية في مصر، ماضيها وحاضرها ومستقبلها في الميزان"، المؤتمر العلمي السنوي الخامس للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة، مارس/ آذار 1980، ص 29، وقد لوحظ أيضًا أن التقرير لم يوضح ما إذا كان المال الأجنبي الوارد قد تم تقويمه بالجنيه المصري في كل الحالات، وفي كل الأحوال بالسعر التشجيعي، أو تم التقويم في بعض الحالات بالسعر الرسمي وفي حالات أخرى بالسعر التشجيعي ـ ولا نعتقد أن الغموض هنا على سبيل السهو والخطأ، فأغلب الظن أن الغموض مقصود، ويخدم هدف الدعاية لاطراد النجاح.
(191) استبعدنا من إجمالي رأسمال المشروعات المقبولة، نصيب قطاع البنوك؛ باعتباره حالة خاصة. وإضافة شركات الاستثمار إلى السياحة والإسكان، يرجع إلى أنَّ أغلب استثمارات هذه الشركات (حسب تصريحات المسئولين في الهيئة) تتجه إلى هذين القطاعين. شركات الاستثمار نوع من الشركات القابضة، أو بنوك الاستثمار، تمول المشروعات المتنوعة التي تقيمها من مواردها الذاتية، وبتوظيف مدخرات الآخرين.
(192) الجهاز المركزي للمحاسبات، الإدارة المركزية لمتابعة تنفيذ الخطة وتقييم الأداء، متابعة نشاط الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة (في مجال نظام الاستثمار داخل البلاد) حتى 31/ 12/ 1977، (القاهرة 1978)، تقرير سري ومحظور التداول. وحسب تقرير الهيئة (الذي لم يفصل مشروعات الإسكان الجاري تنفيذها) فإن متوسط الإنفاق الاستثماري في المشروع الواحد من مشروعات الإسكان كان 7.4 مليون جنيه حتى آخر 1978، وهذا يؤكد نوع الإسكان بطبيعة الحال.
(193) قال حافظ داود (رئيس غرفة الصناعات الغذائية) "إن الباب قد فتح أمام الشركات الأجنبية؛ مما ترك الإنتاج الاستثماري دون رقابة سعرية، في الوقت الذي قيد فيه الإنتاج المحلي بتسعيرة جبرية. وتساءل الرجل عن منطق ربط الإنتاج الوطني بتسعيرة. مع فتح الباب أمام شركات الاستثمار الأجنبي؛ لتحديد السعر الذي تراه. إن الموزعين يرفضون الآن الإنتاج الوطني؛ لأن هامش الربح للإنتاج الأجنبي يصل إلى ضعف ما يحصل عليه من الإنتاج الوطني. وكان طبيعيًّا أن يحقق الإنتاج الأجنبي ربحًا عاليًا سريعًا، يمكنه من توسيع إنتاجه، بينما تعجز المصانع الوطنية عن تمويل تحديداتها المطلوبة ـ "المستثمرون يفضلونها: مصنعًا للمياه الغازية"، الأهرام، (28/ 11/ 1979).
(194) جاء في تقرير الهيئة ـ على سبيل الدعاية ـ أن "جملة الإنفاق الاستثماري للمشروعات التي بدأت الإنتاج، والتي تحت التنفيذ حتى نهاية عام 1978 يبلغ نحو 1160 مليون جنيه، ومما يوازي 70 % من إجمالي رءوس أموال المشروعات الموافق عليها"، والمغالطة هنا أنه نسب الإنفاق الاستثماري إلى إجمالي رءوس الأموال؛ إذ ينبغي أن ينسب الإنفاق الاستثماري إلى إجمالي التكلفة الاستثمارية، وفي هذه الحالة تنخفض النسبة إلى 38 % كما أثبتنا في المتن ـ وبالنسبة للمناطق الحرة، استخدم التقرير معاييرَ مختلفة في المتابعة، فلم يعلن ما وصل إليه من أنباء عن الإنفاق الاستثماري، ولكن جمع رأس المال المقدَّر للمشروعات، التي وصلت إلى مرحلة الإنتاج مع إجمالي رأس المال للمشروعات، التي بدأت إجراءات تنفيذها (والتي قد
لا تتعدَّى بداية صورية)؛ لكي يصل إلى صورة مزيفة لإنجاز عظيم. واستنتجنا من ذلك أن الاتفاق الفعلي للمشروعات تحت التنفيذ متواضع؛ ولذا اقتصرنا على حساب ما ذكره التقرير كمشروعات وصلت فعلاً إلى الإنتاج.

(195) صرح د. جمال السحراوي (رئيس قطاع المناطق الحرة بهيئة استثمار المال العربي والأجنبي) تعليقًا على قرار نقل مشروعات المناطق الحرة الخاصة، إلى مناطقَ عامة، أنه
تم حتى الآن نقل 14 منطقة خاصة إلى المنطقة العامة، والباقي في طريقها للنقل، ولن تبقَى إلى المناطق التي تتطلب بالضرورة مساحة كبيرة من الأرض يصعب توفرها في المنطقة الحرة العامة، الأهرام، (13/ 1/ 1980)، ويشهد للدكتور السحراوي، أنَّه صرَّح بانتقادات عديدة للمناطق الحرة ـ الخاصة والعامة ـ على مدى السنوات السابقة، ولكن تصريحاته في السياق الحالي والمعبرة عن سياسة رسمية منفذة تحمل معنى آخر، ومن السياق الحالي مثلاً تصريح السيد جمال الناظر (وزير التعاون الاقتصادي) بأنه تبين وجود مجموعة من السلبيات أهمها: إقامة عدد كبير من مشروعات التخزين بدلاً من المشروعات الصناعية، وكذلك ظهور اتجاه بعض المشروعات لبيع إنتاجها داخل البلاد بدلاً من البحث عن الأسواق الخارجية، الأهرام، (12/ 1/ 1980) ـ وفي نفس الاتجاه، تصريح د. علي لطفي (وزير المالية): "أنا ضد المناطق الحرة الخاصة.. أنا لا أقبل المناطق الخاصة؛ لأن كل واحد يمكن أن يعمل منطقة خاصة في منزله، وغير معقول أرسل له مأمور جمرك يعيش في منزله، هذا غير ممكن (...) أما بالنسبة للمناطق الحرة العامة، فيجب أن تقتصرَ على إقامة مشروعات صناعية، أو مشروعات إعادة التصدير، ولكنَّ إنشاء مشروع داخل المنطقة الحرة العامة لكي تأخذَ توكيلا، مرفوضٌ. على هذا المشروع أن يعمل داخل البلاد، ويدفع ضرائب (...) إن المشروعات التجارية تستفيد من مَيزتين: الإعفاء الضريبي مدَى الحياة، وتقسيط الجمارك؛ لأنه يدخل مثلاً 200 سيارة داخل مخازنه، وكل سيارة يبيعُها يدفع جمركها، وإذا نحن أعطينا الميزتين السابقتين؛ من حقنا أن نسأله: ما هي الميزة التي أدخلها للاقتصاد المصري في المقابل؟ الرد: صفر. (حوار عصام رفعت وأسامة سرايا، مع د. علي لطفي وزير المالية)، الأهرام، (8/ 2/ 1980).

(196) عن تقرير سري للرقابة الإدارية حول الانفتاح الاقتصادي، (القاهرة: 1978) للأسف عنوان التقرير غير موجود.
(197) الهيئة العامة للتصنيع، مذكرة بشأن الآثار الضارة..، مرجع سابق.
(198) يلاحظ أن تقرير هيئة الاستثمار تعمَّد الغموض عند تناوله للقروض، ضمن التكاليف الاستثمارية؛ فهو لم يفصح عن مصادر الإقراض المُقترحة، ولم يشِر إلى ما إذا كان قد تم الاتفاق على عقد القروض المقترحة أولا، ولم يشر أيضًا إلى شروط هذه القروض؛ من حيث سعر الفائدة وأجَل السداد. ونعتقد أن إغفال هذه الأمور، يعكس أن الصورة لا تتناسب مع متطلبات الدعاية للانفتاح.
(199) الجهاز المركزي للمحاسبات، متابعة نشاط الهيئة..، مرجع سابق، ص 18، 19.
(200) المرجع السابق، ص 17. ويتعارض هذا الموقف مع أحكام القانونين 129 لسنة 1964، 31 لسنة 1975 اللذين أُسندا إلى الجهاز المركزي للمحاسبات مهمة الرقابة على الأموال العامة سواء في وحدات الجهاز الإداري للدولة، أو في وحدات القطاع العام أو في "أي مشروع من المشروعات التي تسهم فيها الدولة".
(201) رشاد كامل تادرس (مسئول في الجهاز المركزي للمحاسبات)، "الجهاز المركزي للمحاسبات... وموقعه من الانفتاح"، الأهرام الاقتصادي، عدد (15 أبريل 1978)، تناول الكاتب الأساليب التي تبتكرها الشركات المتعددة الجنسية لتغطية تحويلاتها وتقليل مدفوعاتِها الضريبية؛ مما يستلزم التأكد من صحة الحسابات الختامية لهذه الشركات ومراكزها المالية، قبل الترخيص لها بتحويل أرباحها أو استعادة جزء من رأسمالها "ومن ثم كانت ضرورة إسناد مهمة الرقابة المالية على الشركات متعددة الجنسية إلى الجهاز الأعلى للرقابة... على أن يأخذ في اعتباره ضرورة مراقبة عمليات الانتقال السعري لبيان أثرها على حجم الأرباح المتحققة للشركة التابعة وهو ما يستلزم أن تتوفر لديه البيانات والمعلومات الكافية عن الأسعار العالمية للمستلزمات والمعدات المستوردة؛ للاسترشاد بها في التأكد من سلامة تقييم الأصول، وسلامة أسعار التصدير والاستيراد التي تقررها الشركة. ويرسل الجهاز المركزي للمحاسبات تقريره بالملاحظات التي يظهرها حول تقييم الأصول أو حجم الأرباح الحقيقية إلى الشركات مع إخطار الهيئة العامة للاستثمار.. وتعتبر موافقة الجهاز المركزي للمحاسبات على الحساب الختامي والميزانية، شرطًا ضروريًّا للحصول على الترخيص بتحويل الأرباح أو استعادة رأس المال".
(202) "من تتبع الاكتتابات التي طُرِحت للمواطنين داخل مصر للاكتتاب العام نجد أن عدد الشركات التي طَرحت أسهمها؛ سواء بالعملة المحلية أو الأجنبية قليل للغاية، إذا قورن بضخامة المشروعات الداخلة في إطار سياسة الانفتاح. وحتى الشركات القليلة التي طرحت أسهمًا في مصر، نجد أن بعضها طرح الأسهم بالنقد الأجنبي، ولم تخصص حصة منها للاكتتاب بالجنيه المصري".
وهناك عقبتان "العقبة الأولى هي أن معظم الشركات التي أُنشئت في ظل قوانين الاستثمار مغلقة على عدد محدود من المؤسسين ـ العقبة الثانية هي تكوين رءوس أموال الكثير من هذه الشركات، بوحدات الملكية ذات القيمة الاسمية المرتفعة". (أي أن الأسعار الإسمية للأسهم مرتفعة: 100 دولار أو 100 جنيه أو أكثر). وقد أثبت الكاتبُ قائمة طويلة بالشركات للتدليل على وجود هاتين العقبتَين، وقال إنه يعتقد أن القيمة المثلى للسهم قياسًا على القوى الشرائية الحالية، والأوضاع السائدة في سوق الاستثمار تتراوح بين 4، 10 جنيهات مصرية
أو إسترلينية، وما بين 10 ـ 25 دولار بالنسبة للسهم المقدم بالدولار ـ انظر نبيل صباغ، "سوق المال" الأهرام الاقتصادي، (15 نوفمبر 1978).

(203) انظر: جميل جورج، تحقيقان حول "مشاكل المستثمرين الأجانب"، الأخبار، (10/ 3/ 1979) و(26/ 4/ 1979).
انظر أيضًا المطالب الأساسية التي قدمت مؤخرًا من أعضاء لجنة الأعمال المصرية الأمريكية في كتاب موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، حول وجهة نظرهم في معوقات الاستثمار التي ما زالت قائمة، بحث د. محمد علي رفعت، والاستثمارات الأجنبية"، مرجع سابق، ص ص 9 ـ 10.
(204) "المستثمِرون يفضلونها..."، الأهرام، (28/ 11/ 1979)، مرجع سابق.
(205) Nazli Choucri, Richard S. Eckaus, and Amr Mohie – Eldine, "Migration and Employment in the construction sector: Critical facter in Egyptian development", Cairo universtiry – Massachusettes institute of technology, Technology adaptation program, 1979, P. 140.
(206) Construction. International market, "Financial times survey, Egypt XI" Financial Times.(30/7/1979)
(207) Washington post, (18 – 9 – 1979).
(208) Nazli choukri and Others, Migration, op. cit, pp. 2 – 5, and p. 89, 96, 117. 118.
مكوّن الإنشاء في الاستثمارات المصرية (p- 88)
70 ـ 1971
القطاعات المُختارة
مكوِّن الإنشاء
السد العالي
...........................
0.892
النفط الخام ومنتجاته
...........................
0.330
الصناعات الكيماوية
...........................
0.338
الصناعات الغذائية
...........................
0.351
المنتجات غير المعدنية
...........................
0.325
الصناعات المعدنية الرئيسية
...........................
0.532
النقل والمواصلات
...........................
0.425
الإسكان
...........................
0.990
الخدمات العامة Utilities
...........................
0.526
الخدمات الصحية
...........................
0.587
الخدمات
...........................
0.528
المتوسط لكل القطاعات
...........................
0.431

(209) "حديث شامل مع الدكتور مصطفَى الحفناوي وزير الإسكان"، الأخبار، (18/ 12/ 1978). وحدث فعلاً في نوفمبر 1979 أن أعلن اتفاق مبدئي بإسناد مشروعات إسكان إلى شركات أوروبية (2000 مليون دولار).
(210) د. مصطفَى خليل، الأهرام، (7/ 1/ 1980).
(211) د. حامد السايح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي، "البيان الاقتصادي أمام مجلس الشعب. السياسة المالية والاقتصادية، ملحق الأهرام الاقتصادي، (أول يناير/ كانون ثان، 1980) ص 90.
(212) كان لا يُسمح للقطاع الخاص، بأن ينفذ عمليات مقاولات تزيد عن 100 ألف جنيه، زيدت (1975) إلى 500 ألف جنيه، والآن يُسمح للقطاع الخاص (أجنبي ومصري طبعًا) بتنفيذ العمليات، مهما كانت قيمتها.
(213) "شركات المقاولات الأجنبية: هل هي "الحل السعيد" لأزمة الإسكان؟"، الأهرام، (31/ 10/ 1979) ويذكر أن مُستحقات شركات المقاولات لدى الجهات الحكومية والهيئات، حتى أول سنة 1977 كان يصل إلى 157 مليون جنيه تقريبًا (منها 60 مليون جنيه عن عمليات تم تنفيذها، والباقي مستحقات عن المراحل التي أنجزت من مشروعات جارية، ويؤدي هذا الموقف إلى التأثير على السيولة النقدية لدى شركات المقاولات، ويضطرها إلى السحب على المكشوف من البنوك، أو التوقف عن التنفيذ. انظر: مذكرة الرقابة الإدارية بتاريخ 16/ 1/ 1977.
(214) انظر آراء عزمي "مدير عام الشئون المالية بشركة المقاولون العرب) ـ عبد الفتاح القاضي (المدير العام بشركة النصر للمقاولات) ـ محمود عبد الموجود (وكيل أول وزارة الاقتصاد لشئون النقد)، "شركات المقاولات تطالب بحرية التصرف في حصيلة النقد الأجنبي"، الأهرام الاقتصادي، (1/ 6/ 1979).
(215) "المنافسة بين شركات المقاولات الخاصة والقطاع العام، ماذا حققت حتى الآن وما هي نتائجها؟"، الأهرام، (24/ 12/ 1978).
(216) بيان السيد الدكتور نائب رئيس الوزراء، ووزير التخطيط أمام مجلس الشعب، (ديسمبر 1977)، مرجع سابق، ص 74.
(217) هجرة عمال الإنشاء، كنسبة من قوة العمل في مجال الإنشاء في مصر عام 1976
مصدر التقدير
رصيد مهاجري الإنشاء بالآلاف
قوة العمل في الإنشاء بمصر بالآلاف
نسبة المهاجرين إلى قوة العمل %
صندوق النقد الدولي
تقرير ديرهام
تقرير ديرهام
تقرير القاهرة/ ماساشستس
133 ـ 235
140 ـ 288
228 ـ 402
380 ـ 670
434
434
434
434
31 ـ 54
32 ـ 66
53 ـ 93
88 ـ 154
تدفقات مهاجري الإنشاء
تقرير القاهرة/ ماساشستس
200 ـ 250
434
46 ـ 58

See. N. Choukri and Others. Migration, Op. cit. table 1 – 18, p. 83.
(218) World Bank, Report N". 1815 EGT, op. cit., item 4. 113.
(219) المجموعة الأولى (يعمل أبناؤها في مجالات المقاولات): اشترك ابن المهندس عدلي أيوب، رئيس مجلس إدارة شركة النيل العامة للخرسانة المسلحة، مع شركة سويسرية والمصرف العربي الدولي؛ لإنشاء فندق رمسيس هيلتون بالقاهرة ـ ابن المهندس حسن درة رئيس مجلس إدارة شركة الجمهورية العامة للمقاولات، أنشأ شركة للمقاولات ـ ابنة المهندس حسين الحمصاني، رئيس مجلس إدارة الشركة المساهمة للمقاولات، أنشأت شركة للاستشارات الهندسية.
المجموعة الثانية (المساهمة كشركاء موصيين): المهندس نعمة الله بولس رئيس شركة النصر للمباني والإنشاءات، شريك موصى من شركة مقاولات قطاع خاص مع مدير الشئون الإدارية لشركة عامة، ومقاول ممن يتعاملون معه كرئيس شركة عامة، ومجموعة من الهولنديين ـ المهندس محمد حسن علام، رئيس مجلس إدارة شركة النصر العامة للمقاولات شريك موصى في شركة مقاولات قطاع خاص مع إخوته.
المجموعة الثالثة (مزاولة الأعمال والاستشارات الهندسية): المهندس علي نور الدين نصار رئيس مجلس إدارة شركة التعمير والمساكن الشعبية، كان يدير مكتبًا خاصًا للاستشارات الهندسية ـ المهندس محمد مهدي حجازي رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للإسكان والتعمير يدير مكتبًا خاصًا بالقاهرة، ويتركز نشاطه في بعض البلاد العربية وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة ـ الدكتور المهندس يحيى محمد الزيني، رئيس مجلس إدارة شركة المكتب العربي للتصميمات والاستشارات الهندسية، يدير مكتبًا خاصًا بالقاهرة لأعمال التصميم ـ المهندس عدلي أيوب رئيس مجلس إدارة شركة النيل العامة للخرسانة المسلحة، حصل على ترخيص لتقديم الاستشارات والاشتراك في بعض المشروعات الفنية المتطورة. المهندس حسن علي فهمي، رئيس مجلس إدارة شركة أطلس العامة للمقاولات رخص له في مزاولة العمل كمهندس استشاري.
المجموعة الرابعة (تعمل في شركات القطاع الخاص خارج القطر): المهندس حسين أحمد عثمان رئيس مجلس إدارة شركة "المقاولون العرب" يشغل منصب نائب الرئيس، والعضو المنتدب لشركة المقاولين السعوديين بالرياض، رغم أن شركة "المقاولون العرب" لها عمليات في عديد من الدول العربية، وخاصة في السعودية ـ المهندس أحمد حلمي عبد المجيد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "المقاولون العرب" يشغل منصب عضو مجلس إدارة شركة المقاولين السعوديين.
المجموعة الخامسة: (تعمل في بعض الشركات التي أنشأها العاملون في "المقاولون العرب" ويتوزع أعضاء مجلس إدارة شركة المقاولون العرب على هذه الشركات مع آخرين طبعًا.
(220) لوحظ مثلاً في مناقصة إنشاء أساسات مصنع السماد في طلخا أن شركات القطاع العام المتخصصة في أعمال الأساسات
لم تدعْ للاشتراك في المناقصة. ومع ذلك حضرت شركات قطاع عام أخرى وقدمت أسعارًا تقل بمقدار 480 ألف جنيه عن أسعار مقاولي القطاع الخاص، الذين أرسيت عليهم العملية، ولكن أُسندت العمليةُ - رغم ذلك - لمقاولي القطاع الخاص. مذكرة الرقابة الإدارية بتاريخ (12/ 12/ 1975).

(221) فضلاً عن التعارض الواضح بين تشكيل هذه الشبكة وبين الصالح العام، فإنَّ القانون المصري يمنع هذه الممارسات على نحو قاطع. جاء في القانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام أنه "يحظر على العامل.. (م 45 ـ 3): أن يجمع بين عمله وأي عمل آخر يؤديه، إذا كان من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى الإخلال بوظيفته، أو لا يتفق مع مقتضياتها (م 45 ـ 5): أن يزاول الأعمال التجارية وبوجه خاص بأن تكون له أية مصلحة في أعمال أو مقاولات أو مناقصات تتصل بوظيفته. (م 45 ـ 6): أن يشترك في تأسيس منشآت تمارس نفس نشاط الجهة التي يعمل بها، أو يكون له نشاط من أي نوع في مثل هذه الأعمال". وعلى الرغم من وجود هذا القانون الواضح رخص وزير الإسكان والتعمير لهؤلاء الناس أن ينشئوا شركات خاصة، تعمل في نفس مجالهم. وقد اضطر رئيس الوزراء إلى إصدار قرار رقم 397 لسنة 1977 (28/ 4/ 1977). نص هذا القرار على: "المادة الأولى: يضاف إلى المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 815 لسنة 1975 المشار إليه من جديد برقم (7) بالنص الآتي:
7 ـ لا يجوز الجمع بين رئاسة أو عضوية مجلس إدارة أيٍّ من شركات أعمال التشييد والبناء والإسكان والتعمير، وبين أي عمل آخر.
المادة الثانية: تلغَى التراخيصُ السابق منحها، بما يخالف حكم المادة السابقة لأي من رؤساء وأعضاء مجالس إدارة شركات أعمال التشييد والبناء والإسكان".. رغم كل ذلك، استمر التحايل، واستمر خرقُ القوانين والقرارات.
رجعنا في البيانات السابقة، وبالنسبة لما جاء في المتن إلى مذكرة غير منشورة للرقابة الإدارية، وإلى طلب إحاطة من السيد العضو الدكتور محمود القاضي عن قيام بعض السادة رؤساء شركات المقاولات وأعضاء مجالس إدارتها بشغل مراكز رؤساء وأعضاء شركات مماثلة في القطاع الخاص. مضبطة الجلسة 35 (28/ 2/ 1978). الفصل التشريعي الثاني. مجلس الشعب.
(222) يتطلب قيام صناعة المساكن الجاهزة وجود مخطط إسكاني متكامل، فإذا توافرت خطة عمل لإنشاء عدد من المساكن
لا يقل عن 5000 وحدة يبدأ التفكير في إنشاء مصنع للمساكن سابقة التجهيز بالقرب من منطقة التوسع؛ فالمصنع يجب أن ينتج بشكل متواصل لمدة خمس سنوات متصلة، ويجب أن يخدم منطقة لا يزيد قطرها عن 30 كيلومترًا مربعًا، وهنا مكمن النجاح في هذه الصناعة، فليس المقصود منها إنشاء تجمعات سكانية متناثرة وقليلة ومتعددة الأنماط، بل إنشاء تجمعات كبيرة موحدة الأنماط (تقل منتجات المصنع لمسافات طويلة ـ الحوائط العملاقة ـ تكلفته عالية جدًا أو يتعرض للتشقق في طرقنا غير الممهدة).

وبالإضافة لكل هذا تتطلب هذه الصناعة عددًا من الصناعات التكميلية (مصنع شباك حديد التسليح يقوم بسحب الحديد على البارد وتغيير سمكه. ثم تقطيعه ًاتوماتيكيًّا إلى الأطوال المناسبة ـ صناعة الأدوات الصحية المركبة سابقًا ـ صناعة مواد الدهانات والطلاءات السريعة من الداخل والخارج.. إلخ) وكل هذا غير متوافر، ويحل بالتالي باقتصاديات العملية تمامًا. انظر "حول فضيحة هذه المصانع": جمال الغيطاني، جريدة الأخبار، (18/ 1/ 1979) و(20/ 1/ 1979).
(223) البنك المركزي المصري، البنوك المشتركة وفروع الأجنبية في مصر، (9/ 2/ 1978). وهي مقدمة للدراسة التفصيلية المُرفَقة عن تطور المركز المالي المجمع للبنوك المشتركة وفروع البنوك الأجنبية خلال عام 1977. وقد ذكرنا (الفصل الثامن) أن الجزء الثاني من التقرير السنوي للبنك المركزي عن عام 1976، الذي تضمن متابعة لعمل البنوك الأجنبية، سحب من التداول. ومنذ ذلك التاريخ فرضت السرية من البداية على هذا الجزء من التقارير السنوية؛ ولذا فإن هذه الدراسة
لم تطرح للتداول أصلاً (على أساس أنها سرية للغاية). وكان البنك المركزي قد تناول نفس الموضوع أثناء العام 1977 أكثر من مرة؛ ففي تقريره عن الربع الأول من عام 1977 ـ على سبيل المثال ـ جزء سرِّي عن "تطور المراكز المالية للبنوك المشتركة والأجنبية في مصر خلال الربع الأول من عام 1977"، وجاء في تقييم موقف هذه البنوك "أنه فيما عدا ما قدمه كل من بنك "أوف أمريكا" و"سيتي بنك" و"بنك مانيو فكتشرز هانوفر" من قروض للبنك المركزي المصري بلغ مجموعها حوالي 75 مليون دولار، كتمويل مقدم لصادرات القطن لموسم 76/ 1977 (ومن الجدير بالذكر أن البنك المركزي كان يحصل على مثل التمويل في السنوات السابقة من مراسليه بالخارج بكل يسر)؛ فإنه لا يبدو أن هناك إنجازات ملموسة قد تحققت"، وقال التقرير ما عاد إلى تأكيده في تقريره السنوي، والذي نقلناه في المتن. وأوضح "أن هذه البنوك لم تأخذ دورها بعد في تمويل أغراض التنمية الاقتصادية في البلاد؛ فباستثناء بعض عمليات محدودة لتمويل بعض وحدات القطاع العام أو الشركات المشتركة، وجهت تلك البنوك الجانب الأكبر من مواردها للإبداع لدى مراكزها الرئيسية وفروعها والمراسلين في الخارج، أو تقديم التسهيلات المصرفية قصيرة الأجل من 90 يوم إلى 180 يوم لبنوك القطاع العام لتمويل عمليات التجارة الخارجية ـ ويمكن النظر لهذه البنوك في المرحلة الحالية على أنها تقوم بدور المراسل لمجموعة البنوك المحلية".

(224) انظر مثلاً الدراسة المنشورة في: البنك الأهلي المصري، النشرة الاقتصادية، العدد (الثامن 1978) ـ انظر أيضًا الدراسة المنشورة في البنك الأهلي المصري، النشرة الاقتصادية العدد (الرابع 1978)، وفيها "استعراض الانتقادات الرئيسية التي وجهت لهذه التجربة، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي: لم تنجح البنوك الجديدة في اجتذاب أية رءوس أموال يعتد بها/ تستثمر البنوك الجديدة في الخارج من النقد الأجنبي الذي يملكه مصريون، أكثر مما تستثمره منه في مصر/ تركز البنوك على عمليات تمويل التجارة الخارجية (التي تعتبر بالتحديد الدقيق عمليات قصيرة الأجل) بدلاً من توظيف أموالها في مشروعات الاستثمار/ لم تفلح البنوك الجديدة في تطعيم البنوك المحلية، كما سبق القول، بالمهارات وأساليب العمل المتقدمة، بل إنها بالعكس نجحت في اجتذاب صفوة رجال البنوك المصريين، للعمل بها بعد أن أغرتهم بمرتبات عالية/ تتركز البنوك الجديدة في القاهرة/ قيام البنوك الجديدة وانتشارها لم يكن يتناسب مع احتياجات البلاد". وحسبما جاء في نشرة البنك الأهلي، فإن الرد على هذه الانتقادات تلخص في مطالبة التريث، وإعطاء فرصة لهذه البنوك.
(225) د. محمد علي رفعت، الاستثمارات الأجنبية، مرجع سابق ص ص 33 ـ 35.
(226) انظر مثلاً التحقيق الصحفي حول ما جاء في "تقرير خطير للبنك المركزي: البنوك الأجنبية في مصر لم تحقق نتائج لها وزنها ـ البنوك الأجنبية ترد: لا.. هذا غير صحيح!". أخبار اليوم، (20/ 8/ 1977) انظر أيضًا: "34 بنكًا أجنبيًّا بعد الانفتاح ـ أين مشروعاتها الصناعية والاستثمارية. الحلقة الأولى رأي المسئولين في التخطيط والاقتصاد" الأهرام، (10/ 1/ 1979). "الحلقة الثانية رأي مديري البنوك الأجنبية" الأهرام، (11/ 1/ 1979).
(227) البنك المركزي المصري، التقرير السنوي 1978، (يوليه 1979)، الجزء الثاني، كالعادة هذا الجزء عن البنوك (وضمنها البنوك الأجنبية) غير منشور، وصادر بعد الجزء المتداول عن تطورات الاقتصاد القومي والعالمي والصادر في يونيه 1979.
(228) البنوك التي زاولت نشاطها فعلاً حتى آخر 1978 كانت على النحو التالي:
- بنوك مُنشأة وفقًا لحكم المادة 3 فقرة 6 من القانون، وتتعامل بالعملة المحلية والعملات الأجنبية.
تجارية 9
استثمار وأعمال 1
- بنوك منشأة وفقًا لحكم المادة 3 فقرة 5، ويقتصر تعاملها على العملات الأجنبية.
- بنوك استثمار وأعمال مشتركة 4
- بنوك منشأة وفقًا لحكم المادة 4 فقرة 5 ويقتصر تعاملها على العملات الأجنبية.
فروع بنوك أجنبية 13
بنوك منشأة بالمنطقة الحرة 1
ـــ
المجموع 28 بنكًا.
ولا يدخل ذلك ـ كما في المتن البنك العربي الأفريقي.. إلخ.
(229) بلغ مجموع المركز المالي لبنوك القطاع العام التجارية 5960.2 مليون جنيه في آخر ديسمبر 1978 مقابل 4357.9 مليون جنيه في آخر ديسمبر 1977 بزيادة ظاهرية قدرها 1602.3 مليون جنيه، بنسبة 36.8 %، ولكن الزيادة الحقيقية كانت لا تتجاوز 946.8 مليون جنيه (على أساس أن الزيادة المتورمة تتضمن 655.5 نتيجة فروق إعادة التقييم بعد توحيد سعر الصرف) أي بنسبة 21.7 % فقط، وكانت نسبة الزيادة المقابلة في البنوك المشتركة 100.4 % ـ وارتفع مجموع المركز المالي للبنوك المتخصصة في القطاع العام في آخر ديسمبر 1978 بزيادة حقيقية قدرها 76.4 مليون جنيه عن آخر ديسمبر 1977، بنسبة 60.5 % وفي المقابل كانت الزيادة في بنوك الاستثمار والأعمال بنسبة 78.5 %.
كافة الأرقام والنسب ـ في هذا الجزء ـ نقلاً من، أو محسوبة عن، بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي، (يوليه 1979)، مرجع سابق.
(230) البنوك الأجنبية هي البنوك المشتركة + بنوك الاستثمار والأعمال، والمركز المالي الإجمالي للجهاز المصري هو حاصل البنوك الأجنبية + المركز المالي لبنوك القطاع العام التجارية + بنوك القطاع العام المُتخصصة.
(231) تشمل الاستخدامات الرأسمالية: (أ) زيادة أرصدة بنود الأصول (الأرصدة لدى البنوك في الخارج والأرصدة لدى البنوك في مصر + الأرصدة لدى البنك المركزي + القروض والتسهيلات + محفظة الأوراق المالية + أصول أخرى). (ب) نقض أرصدة بنود الخصوم (الأرصدة المستحقة للبنوك في الخارج).
(232) الأرصدة لدى البنوك في الخارج بالذات زادت من 289.9 مليون جنيه (عام 1977) إلى 483.8 مليون جنيه (عام 1978) ولكن انخفضت مع ذلك نسبة مساهمتها في الاستخدامات الرأسمالية من 56 % إلى 51 % خلال نفس الفترة لنمو عناصر الاستخدامات الأخرى بدرجة أعلى.
(233) تصريح علي لبيب وكيل وزارة التخطيط بشعبة الاستثمار والاستهلاك ـ "34 بنكًا أجنبيًّا بعد الانفتاح"... مرجع سابق ـ الأهرام" (10/ 1/ 1979).
(234) عبد العزيز الصبروت (بنك مصر): "البنوك المصرية.. كيف تعمل أمام بنوك الانفتاح؟" الأهرام الاقتصادي، عدد (15 سبتمبر 1978).
(235) كمال صالح رضوان (مدير في بنك القاهرة) ـ أخبار اليوم، (20/ 8/ 1977)، مرجع سابق.
(236) من قَبيل التكتيك، تتصدر الدعوةُ البنوكَ التجارية المصرية الخاصة، التي مثَّل السماحُ بقيامها عام 1977 تصدعًا آخر في الجهاز المصرفي الوطني؛ (إذ كانت القاعدة عند بداية الانفتاح ـ 1974 ـ ألا تقوم بنوك تجارية تتعامل بالنقد المحلي،
إلا بمشاركة القطاع العام بنسبة 51 % على الأقل). ومعروفٌ في الأوساط المصرفية، أن نجاح البنوك الخاصة المصرية في فتح باب القطاع العام، تمهيدٌ لتعميم المطالبة بالمساواة.

(237) يلاحظ أن أرصدة القروض الممنوحة لقطاع الأعمال العام (من بنوك القطاع العام التجارية) تفوق أرصدة ودائعه في هذه البنوك بما يعادل 33.1 %.
(238) يتألف مجلسُ إدارة البنك المركزي من المحافظ ونائب المحافظ، والرؤساء الأربعة لمجالس إدارة بنوك القطاع العام التجارية، ورئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري، ورئيس بنك التنمية الصناعية، ومُمثلَي وزارتَي المالية والاقتصاد، والتعاون الاقتصادي والتجارة الخارجية.
(239) إبراهيم لُطفي (رئيس بنك ناصر) "قصر تعامل الشركات العامة على بنوك القطاع العام هل يتفق مع أهداف وفلسفة الانفتاح؟" الأهرام، (2/ 11/ 1979).
(240) علي نجم (وكيل محافظ البنك المركزي). المرجع السابق.
(241) جاء في تقرير البنك المركزي عن تطور المراكز المالية للبنوك المشتركة والأجنبية، خلال الربع الأول من عام 1977 (مرجع سابق)، نقد لحقيقة أن هذه البنوك شاركت بنوك القطاع العام التجارية، في الاحتفاظ "بودائع بعض شركات القطاع العام من العملة الأجنبية". وأوردت ـ على سبيل الكشف والتحذير ـ قائمة بمعاملات هذه الشركات مع مجموعة البنوك الأجنبية والمشترَكة في مِرفق رقم 2.
(242) مذكرة الرقابة الإدارية بتاريخ (26/ 12/ 1976).
استحوذ النشاط المصرفي (919 مليون جنيه) الموقع الأول من المساهمات المباشرة في رءوس أموال المشروعات البالغة






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:19 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

جدول ثاني



(12) مصدر أرقام الواردات بالأسعار الثابتة، البنك المركزي المصري وتقديرات البنك الدولي. حسبُنا الأرقام القياسية وفقًا لذلك. نقلاً عن تقرير البنك الدولي.
World Bank, Report N". 1624 EGT, Op. Cit., Statistical Annex, Table 3. 4.
(13) عن بيانات اللجنة الاستيراديَّة بوزارة التجارة.
(14) International monetary fund, Arab Republic of Egypt – 1979 Article IV Consultation. Minutes of Meeting N". 5, (November 27 – December 6, 1979). Confidential. P. 1.
(15) يتألف القطاع العام في التجارة الخارجية، من عشر شركات، موزعة طبقًا لتخصصاتها؛ منها خمس شركات للتجارة العامة، تختص أساسًا بعمليات الاستيراد والتصدير، وثلاث شركات لتجارة واستيراد السلع الهندسية، وشركتان لتصدير الحاصلات الزراعية ـ ولا تدخل في هذا الإطار شركات تصدير الأقطان.
(16) المصدر لأرقام شركات القطاع العام في التجارة الخارجية: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، النشرة الشهرية للتجارة الخارجية، (أبريل 1978).
(17) لا تشملُ السلع غير التقليدية الموالح والأرز والبطاطس والثوم والفول السوداني.
(18) لاحظ الجهاز المركزي للمحاسبات، أن بعض شركات القطاع العام تعتمد على عمولات الاستيراد للغير في تحقيق أرباحها؛ فشركة المحاريث والهندسة، حصلت خلال عام 1977 على 5.2 مليون جنيه عمولات استيراد للغير تمثل 130 % من مجمل فائض الإنتاج والتجارة، كما أنَّ شركة مصر للاستيراد والتصدير، حصلت على عمولات قدرها 3.9 مليون جنيه، تمثل 97 % من مجمل فائض الإنتاج والمتاجرة، وكذلك الشركة العربية للتجارة الخارجية حصلت على عمولات قدرها 691 ألف جنيه، تمثل 90 % من مجمل فائض الإنتاج والمتاجرة. انظر تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات لمتابعة 1977، مرجع سابق، ص ص 82 ـ 87.
(19) خطاب النوايا الموقع من ممدوح سالم، مرجع سابق.
(20) تقديرات أوائل 1977 عن البنك الدولي:
World Bank, Report N", 1815 EGt, op. cit., statistical Annex, table 4.2.
وتقديرات منتصف العام:
A policy Statement, op. cit.
(21) World Bank, Report N". 1624 – EGT, op. cit., table 14.
(22) World Bank, Report N". 1815 – EGT, V. 1., op. cit., item 4. 34.


وقد هبطت التحويلات (المنح) في الفترة محل الدراسة على النحو التالي:
بالمليون دولار

السنوات
1974
1975
1976
1977
1978
1979
المنح
1303
1076
792
445
345
160
المصدر: البنك المركزي ـ صندوق النقد ـ البنك الدولي.
(23) World bank, Report N". 1815 EGT, Op. cit., item 4. 16.
(24) تقديرات البنك الدولي في تقاريرَ متفرقة.
(25)
الدين الخارجي القائم، شاملاً غير المستخدم حتى 31/ 7/ 1979 (الديون التي تسدد بالنقد الأجنبي أو بالسلع بملايين الدولارات الأمريكية)
* تسهيلات موردين (1)
المستخدم
غير المستخدم
الإجمالي
أستراليا
فرنسا
ألمانيا الاتحادية
سويسرا
الولايات المتحدة
اليابان
السويد
المملكة المتحدة
أقطار متعددة
دانمرك
بلجيكا
هولندا
النمسا
إيطاليا
إسبانيا
بنما
كندا
سنغافورة
فنلندا
هونج كونج
اليونان
المجموع
* مؤسسات تمويلية
مقرضون متعددون (1)
فرنسا
ألمانيا الاتحادية
النمسا
سويسرا
الولايات المتحدة
المملكة المتحدة
كندا
المجموع
* سَنَدات
مقرضون متعددون (2)
المجموع
*القروض المتعددة الأطراف
هيئة التنمية الدولية
البنك الدولي
صندوق النقد Trust fund
المجموع
* القروض الثنائية
الولايات المتحدة
ألمانيا الاتحادية
اليابان
فرنسا
إيطاليا
دانمرك
إسبانيا
هولندا
بلجيكا
المكسيك
سويسرا
المجموع
مجموع قروض الدول والمؤسسات الغربية (أ)
(ب) الدول الاشتراكية الأوروبية.
* تسهيلات موردين (1)
يوغوسلافيا
ألمانيا الديمقراطية
السوفييت
تشيكوسلوفاكيا
رومانيا
المجر
المجموع
* قروض ثنائية0
السوفييت
ألمانيا الاتحادية
تشيكوسلوفاكيا
بلغاريا
يوغوسلافيا
بولندا
المجر
رومانيا
المجموع
المجموع الكلي لديون الدول الاشتراكية (ب)
(جـ) الدول العربية والنفطية
* القروض المتعددة الأطراف المستخدم
هيئة الخليج
AFESD
البنك الإسلامي
صندوق النقد العربي
صندوق الأوبك
بنك التنمية الأفريقي
المجموع
* القروض الثنائية
الكويت
السعودية
إيران
الإمارات
ليبيا
قطر
العراق
المجموع
مجموع ديون الدول والمؤسسات العربية (جـ)
المجموع الكلي للديون الخارجية (أ + ب + جـ) (3)
173
122.9
121.7
58.6
56.5
43.1
38
33.6
32.1
30.4
19.2
9.6
7.3
6.3
5.6
4
3.7
2.5
0.4
0.4
ـ
772.3
المستخدم
390.5
132.2
59.8
38.4
13.6
1.9
1.1
0.6
638.1
المستخدم
134
134
المستخدم
250.4
192.6
121.5
564.5
المستخدم
1695
628.7
348.7
60.2
55.9
36.6
22.5
7.5
5.2
4.7
ـ
2865
4201.6
المستخدم
18.2
7.5
5.8
5.1
2.5
0.1
39.2
المستخدم
411.8
64.1
56.0
20.1
8.7
6.3
3.3
1.8
572.1
611.3
المستخدم
1725.0
118.9
21.5
17.7
15.6
12.8
1911.5
المستخدم
1177.0
993.1
300.0
295.0
137.9
87.6
31.3
3021.9
4933.4
10587.9
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـــ
غير المستخدم
ـ
210.6
ـ
ـ
27.6
ـ
ـ
ـ
238.2
غير المستخدم
غير المستخدم
318.0
666.0
ـ
984.0
غير المستخدم
1348.2
383.0
209.2
73.5
40.0
10.6
ـ
52.3
ـ
ـ
9.3
2126.1
3348.3
غير المستخدم
غير المستخدم
379.9
ـ
7.9
ـ
ـ
ـ
25.0
ـ
412.8
412.8
غير المستخدم
ـ
125.6
9.5
ـ
7.6
19.2
161.9
غير المستخدم
74
53
ـ
26.2
ـ
25
ـ
178.2
340.1
4312.2
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـــ
الإجمالي
390.5
342.8
59.8
38.4
41.2
1.9
1.1
0.6
876.3
الإجمالي
134
134
الإجمالي
568.4
858.6
121.5
1548.5
الإجمالي
3079.2
1011.7
557.9
133.7
95.9
47.2
22.5
59.8
5.2
4.7
9.3
50.27.1
7585.9
الإجمالي
الإجمالي
791.7
64.6
63.9
20.1
8.7
6.3
28.3
1.8
964.8
964.8
الإجمالي
1725.0
244.5
31.0
17.7
23.2
32.0
2073.4
الإجمالي
1251.0
1046.1
300.0
321.2
137.9
112.6
31.3
3200.1
5273.5
14900.1
ملاحظات:
1- أرقام تسهيلات الموردين (في الدول الغربية والاشتراكية) بالنسبة لغير المستخدم (وبالتالي بالنسبة للإجمالي) غير متوافرة.
2- المقرضون المتعددون يشملون بنوكًا أجنبية، ونفترض أن هذا نوعٌ من التمويل العربي (عام 1989) من خلال قنوات، أو تحت واجهات أجنبية.
3- الأرقامُ لا تُمثِّل – بالدقة - مجموع أ + ب + جـ. الفارق يمثل ديون عدد من البلاد، لم ندخلها في المجموعات التي حددناها، وهي: الهند (تسهيلات موردين مستخدمة 6 مليون دولار) ـ لبنان (تسهيلات موردين مستخدمة 0.4 مليون دولار) ـ الصين (قروض ثنائية مُستخدَمة 62.9 مليون دولار).
المصدر: World Bank, Report N". 2738 – EGT, op. cit., statistical Annex, table 4.1
(أعدنا ترتيب المجموعات وفْق رؤيتنا التحليلية).
(26) Document of IMF, SM/ 78/ 21, op. cit., p. 38.
(27) World Bank, report N" 1624 – EGT, op. cit., item 1. 24
(28) البنك المركزي المصري، تقرير 1978، مرجع سابق، ص ص 17 ـ 18.
(29) World Bank, report N" 1624 – EGT, op. cit., item 125.
(30) خطاب الرئيس أنور السادات أمام مجلس الشعب، الصحف القاهرية، (29/ 1/ 1980.
(31) د. حامد السايح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي، "البيان الاقتصادي أمام مجلس الشعب، السياسة المالية والاقتصادية عام 1980"، ملحق الأهرام الاقتصادي عدد (أول يناير 1980)، ص 90.
(32) World Bank, report N" 1624 – EGT, op. cit., item 1. 30 and table II
(33) قروض ومِنَح الحكومة الأمريكية، كانت كالتالي (بالمليون دولار) حتى 30 سبتمبر 1979.
السنوات
المستخدم
الاتفاقيات
1975
1976
1977
1978
1979
328.9
632.5
555
336.4
173.8
371.8
986.4
891.9
933.7
1061.1
المجموع
2026.6
4244.9
مصدر الجدول والبيان عن الموضوع في المتن:
AID, Summary of U. S Economic Assistance to Egypt: F Y 1975 – 1979, (Cairo: 1980).
(34) World Bank, report N" 1624 – EGT, op. cit., item 1.31
(35) World Bank, report N" 1624 – EGT, op. cit., item 4.34.
(36) كانت توقعات المؤسسة المصرية العامة للبترول في بداية العام، على أساس زيادة 4 % في حجم الصادرات، ومتوسط السعر للبرميل 21.5 دولار، بالمقارنة بـ 11.5 دولار للبرميل عام 1978، وقد تزايد متوسط السعر للنفط المصدر باطراد خلال السنة، ووصل إلى 29.2 دولار للبرميل في ديسمبر.
(37) IMF, Minutes of Meeting N. 5, op. cit., p. 6.
(38) انظر "خبر هام.. وتعليق أهم يعلنه الدكتور السايح ـ صندوق النقد يبحث قضية الودائع". روزاليوسف عدد (31/ 12/ 1979).
(39) في "خطاب الرئيس السادات "(29/ 1/ 1980، مرجع سابق ـ هجوم شديد على موقف الدول الخليجية، ولم يتعرض بطبيعة الحال للولايات المتحدة أو صندوق النقد، غلا بإشارات لا يفهمها من ليس في الصورة، فحديثه عن المليارات التي تتدفق على مصر، كان مقصودًا منه أن التباطؤ في القروض الأمريكية وموقف الصندوق لم يؤثر في الاقتصاد المصري. ومجرد البدء في إرسال مثل هذه الإشارات لم يكن مما يرحب به الصندوق، في هذه الظروف الحرجة.
(40) Agency for international development, congressional presentation, fiscal year 1980. Egypt, p. 16.
(41) World Bank, report N". 1624 EGT. Op cit., item 2.11
(42) Ibid. Item 2. 13
(43) Ibid item. 2. 4
(44) Ibid, Item 2. 14
(45) محسوبة عن تقديرات وزارة الخزانة وصندوق النقد الواردة في تقرير البنك الدولي.
World Bank, report N" 1624 – EGT, op. cit., statistical Annex, table 3 – 1 and table 3. 2.
(46) Ibid
(47) بيانات وزارة البترول.
(48) World Bank, Report N" 1624 – EGT, op. cit., table 3. 2
(49) بإعادة ترتيب البيانات والأرقام الواردة في نفس الجدول السابق، ووفقًا لجدول 3.3 (في نفس المرجع) نجد الصادرات وبالأسعار الثابتة بعد إعادة تبويبها، تُشير إلى نفس الدلالة، بل وعلى نحو أوضح، إذا لاحظنا أن صادرات النفط هنا لا تُمثل الصافي، وتعذر وفقًا لأرقام الجدول المُتاحة احتساب ذلك.


بملايين الدولارات (أسعار 1978)

1977
1978
1979
القطن الزهر
الغزل والنسيج
إجمالي قطاع القطْن
النفط
431
349
780
645
275
350
625
734
370
310
680
960

(50) "حديث وزير البترول مع موسى صبري" ـ جريدة الأخبار (القاهرية)، (22/ 12/ 1974).
(51) د. مصطفى كامل السيوطي: "جيولوجيا البترول في مصر، وأين يمكن أن يوجد؟" ـ الأهرام (24/ 10/ 1976). أوضح د. السيوطي "أن اكتشاف الخام شيء، وإنتاجه شيء آخر. فحتى لو تم اكتشاف احتياطي من البترول، يستطيع عند استكمال عمليات التنمية، أن يُنتج بمعدل خمسة ملايين برميل يوميًا، فإن الوصول إلى رقم الإنتاج هذا، يحتاج إلى سنين عديدة لكي يتم حفر عدد كبير من الآبار الإنتاجية، وبناء سعات ضخمة جدًا لتخزين الإنتاج، وإنشاء خطوط الأنابيب اللازمة لتقبل هذه الكميات الهائلة من الزيت، وبناء الموانئ الضرورية للشحن. ولا شك أن كل هذا لا يمكن عمليًّا تحقيقه في سنة
أو سنتين، ولا بد أن يُشار هنا، إلى أن من المتوقع فعلاً أن يتم اكتشاف بعض الاحتياطي الجديد في السنة الأخيرة من سنوات الخطة، ولكن لنْ يساهم هذا الاحتياطي في الإنتاج عام 1980".

(52) يتأكد وجود أعداد من أحواض الزيت والغاز على الخريطة المصرية، وهي جزء من حزام النفط الرئيسي الممتد من جبل طارق إلى خليج البنغال (حوض النفط يضم مجاميع من حقول الزيت والغاز). فبعد حوض السويس (20 ألف كيلومتر مربع) وحقوله الغزيرة العملاقة، وامتداداته نحو حوض ساحل البحر الأحمر ذي الاحتمالات العالية؛ حيث يوجد 12 ألف قدَّم من رواسب العصر الجيولوجي الثلاثي والرباعي على حوافه، وحيث كان يتدفق النفط من أقدم حقول مصر في الغردقة، يظهر الآن حوض شمال الدلتا بعد كشوف الغازات الطبيعية، حوض "أبو الغراديق" ذي الامتدادات الضخمة من شرق منخفض القطارة، حتى غرب القاهرة (حوالي 450 كيلومتر باتجاه جنوب غرب إلى شمال شرق، ومن 60 إلى 100 كيلومتر عرضًا؛ أي تقريبًا ضعف حوض خليج السويس)، تكوينات الحزام الفوسفاتي المصري والطفلة الإسناوية، التي تعتبر صخورًا مصدرية هامة للهيدروكربونات النفطية ـ يكشف هذا الحوض (الذي تبلغ مساحته في مِصر أكثر من 200 ألف كيلومتر مربع) عن جزء صغير من حافته الغربية في شرق ليبيا، وقد كشف هناك عن أهم الحقول الليبية العملاقة في حوض سرت. ولم يكشف الغطاء بعد عن كنوزه المغمورة في مصر. هناك أيضًا حوض الترسيب الضخم في جنوب غرب مصر، والذي وضعت أخيرًا إحدى الشركات الأمريكية يدها على مساحة 126 ألف كيلومتر مربع فيه. هذا وتبلغ جودة الزيت في حقول النفط الجديد في خليج السويس، وفي الصحراء الغربية مستويات عالية جدًا من ناحية الكثافة وشوائب الكبريت، ونسب الشمع وبلغت جودة نفط أم بركة 45 درجة ونسبة الكبريت فيه أقل من 0.1 %. وقد انهارت نظرية البحث عن النفط في خليج السويس، حتى تراكيب صخور عصر المايوسين فقط، بعد أن تدفق النفط من طبقات أخرى قديمة من العصر الطباشيري حتى الباليوزوي. ومن صور الأقمار الصناعية تسربت أخبار مثيرة حول ازدحام منطقة الدلتا بالقباب الصخرية الدفينة، ولكن نتائج الأقمار الصناعية محاطة بستار كثيف من الصمت. (انظر د. نصر حمود، "هل يتدفق النفط عام 1980؟ الشركات تماطل، تخفي الكشوف، تستنزف العقول"، (دراسة خاصة). وهناك مشروع مشترك مع جامعة عين شمس، لاختبار هذه النتائج في الصحراء الغربية، وقد تحدث مع المؤلف عدد من الجيولوجيين المشاركين في المشروع، وقالوا إنهم يعملون في نقاط متفرقة، والنتائج النهائية والمجمعة لهذه الدراسات لا يعلمون عنها شيئًا، وترسل إلى الولايات المتحدة مباشرة.
(53) استفادة بالوقائع والخبرات المعاصرة، نشير إلى أن العراق هو البلد الوحيد (إلى جانب مصر طبعًا) الذي لم تشمله حملة الستينيات للبحث والتنقيب عن النفط، رغم علم التقديرات الغربية (نقلاً عن تحليل بعض الخبراء الأمريكيين لنتائج المسح الذي قامت به شركةُ نفط العراق) أن الاحتياطيات المُحتملة في الجنوب، يُتوقَّع أن تزيد على 80 بليون برميل، فإذا أضيف إلى هذا 15 بليون برميلاً (احتياطي ثابت في الشمال)؛ فإن احتياطيات العراق كانت تجعله في الموضع التالي مباشرة للسعودية. انظر:
M. Field, A Hundred million dollars A Day, (London: Sidgwick and Jackson, 1975) p. 48.
والتفسيرُ طبعًا هو عدم الاطمئنان إلى الموقف السياسي للعراق، واستمرارًا لنفس الموقف؛ فُرضت سقوفٌ على الإنتاج العراقي، بل وارتبطت ذبذبات الإنتاج مباشرة (قبل التأميم) بتطورات الموقف العراقي وسياساته النفطية بعد ثورة تموز 1958. بدأت مفاوضة الدولة الجديدة مع شركات النفط؛ لتحسين شروط الاتفاقيات في يناير 1959، وأثناء السنوات الثلاث للمفاوضات، تراوحت الزيادة السنوية بين 5 % و 1 %، بينما ارتفع إنتاج النفط في إيران خلال نفس الفترة بنسبة 12 % كمتوسط سنوي، وفي السعودية كان المعدل السنوي للزيادة 9 %، وفي الكويت 11.5 %.. أغلب الأراضي غير المستغلة من الشركات) لم يزد الإنتاج خلال 1962 إلا بنسبة 0.3 %، وبشكل عام يمكن أن نقول: إنه منذ توقيع اتفاقية 1952 حتى نهاية 1961 كان معدل النمو السنوي لإنتاج النفط في المتوسط حوالي 11.1 %، وبعد 1961 (أي بعد القانون 80) كان المعدل السنوي (من 62 ـ 1970) حوالي 4.7 %. في نفس الفترة، كان إنتاج الشرق الأوسط يزيد بمعدل 13 % سنويًّا، ومعدل الزيادة في استهلاك النفط في العالم كان 9 % سنويًّا. رغم أنَّ تكلفة إنتاج النفط هناك، تكاد تكون أقلَّ كلفة في العالم:
انظر: عادل حسين، النفط من خلال الثورة، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1977)، ص ص 67 ـ 71.
"إن نقمة العراق على الشركات أصبحت أكثر حدة بعد ثورة 1958؛ فقد ساعد العراق على دفع العرب الآخرين إلى مواقفَ راديكالية، وساعد على قيام الأوبك، ولكن إنتاجه من النفط تخلف أثناء ذلك، رغم أن احتياطياته، كانت أكثرَ من احتياطيات إيران". ويُضيف سامبسون أن وجود مصادرَ متعددة لإنتاج النفط تحت يد الشركات العملاقة، مكنها دائمًا من المناورة الواسعة. وهو ينقل عن هوارد بادج: "أن إنتاج أقطار الشرق الأوسط للنفط، زاد بتلك المعدلات المرتفعة؛ بفضل تخفيض معدلات الزيادة في إنتاج العراق. والربطُ بين المواقف الراديكالية وبين خفض الإنتاج، لم يتركه بادج للاستنتاج؛ فأيُّ بلد يقيم صعابًا كثيرة في وجه الشركات، يعطي ذريعة مفيدة لخفض إنتاجه. وحسب صياغة هوارد بادج شخصيًّا "إنهم في بعض الأحيان يسهلون علينا اتخاذ قرار الخفض؛ بأن يخلوا بالاتفاقية ـ كما حدث في العراق ـ عندها يمكن أن نقول لهم: اذهبوا إلى الجحيم". ويعلن سامبسون الذي نقل هذا الحديث عن هوارد بادج، بأن "العراق أصبح بمثابة تحذير جديد أمام الآخرين، تمامًا كإيران تحت حكم مصدق".
A. Sampson. The seven sisters, the great oil companies and the world they made, (London – Sydney – Auckland Toranto: Hodder and Stoughton. 1975). P. 167.
وحدث أن اشتدت مطالبات إيران، بزيادة معدلات الإنتاج خلال عام 1966. كانت السلطات الإيرانية ترى أن هناك محاباة للسعودية، وهوارد بادج، كان مشغولاً بالاتصالات مع كل من الدولتين، وحين اشتكى الشاه السابق إلى الخارجية الأمريكية؛ صارحه جيم أكينز (خبير شئون النفط لوزارة الخارجية) بأنه لا يمكن أن يتفق مع وجهة النظر الإيرانية، وقال بنفس الصراحة إنه "إذا أصبح الإيرانيون استفزازيين جدًا؛ فإنهم قد يشاطرون العراق في مصيرها".
Ibid., pp. 172 – 173.
وللعلم، من هو بادج؟ شركات الكارتل السبعة (أو الثمانية إذا أضيفت الشركة الفرنسية) تترابط جميعًا في مشروعات مشتركة، وفي مركز هذه الحلقة، كانت تتربع شركة إكسون (إسو)؛ إذ كانت شريكة في أرامكو، وفي الكونسورنيوم الإيراني، وفي شركة نفط العراق. وسيد الحلقة الذي قاد المفاوضات أيامها في الشرق الأوسط، هو مدير أعمال شركة إسو طوال عشرين عامًا: هوارد بادج.
(54) عن تقرير رسمي غير منشور، للمؤسسة المصرية العامة للبترول تاريخ (1968).
(55) عادل حسين، "الصحيح والخطأ في سياستنا البترولية"، الأخبار، (13/ 1/ 1972).
(56) المدافعون عن شركة أوموكو يحيلون مهزلة التلكؤ في تنمية حقل يوليو إلى معجزة في تنمية حقول النفط، فيقولون إنه "أسرع حقل بترول تمت تنميته في العالم؛ فقد اكتُشف في شهر يوليو 1973 وبدأ الإنتاج في نوفمبر 1973؛ أي بعد الاكتشاف بخمسة أشهر فقط" ـ الأخبار، (22/ 12/ 1974).
(57) كافة المعلومات السابقة، معروضة (مع بعض التعديل والاختصار) عن الدراسة المهمة للدكتور نصر حمود، "هل يتدفق النفط عام 1980؟" (دراسة خاصة) مرجع سابق.
(58) الجيولوجي أحمد نصر البرقوقي (رئيس الشركة العامة للبترول) ـ بحث مقدم إلى ندوة الجمعية العربية للتعدين والبترول، 14 فبراير 1969.
(59) بيانات الهيئة المصرية العامة للبترول، (غير منشورة)؛ انظر أيضًا، د. الوليد ناصر الشافعي: Energy Assessment in Egypt and the implications of industrial development until 2000", pp. 26. 28.
الندوة التحضيرية المصرية للمؤتمر الأفريقي، لسياسات واستراتيجيات التنمية الصناعية (23 ـ 26 سبتمبر 1978)، وزارة الصناعة والتعدين، الهيئة العامة للتصنيع، معهد التخطيط القومي ـ E. C A.
(60) Financial times, (July 30, 1979), "Oil: Risk of over – production".
(61) صلاح منتصر، "خريطة الاحتمالات البترولية في مصر"، الأهرام الاقتصادي، عدد (15 ديسمبر 1974)، ص ص 28ـ 32.
(62) إبراهيم البعثي، "رسالة لندن"، المصور، (27/ 8/ 1976).
(63) جدول بيان اتفاقيات البحث عن البترول واستغلاله، التي أُبرِمت منذ إنشاء وزارة البترول في 28/ 3/ 1973" (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للبترول ـ الإدارة العامة للاتفاقيات البترولية).. (أكتوبر 1979). وللتوصل إلى جنسية الشركات؛ عدنا إلى نصوص الاتفاقيات المنشورة في الجريدة الرسمية في السنوات من (1973 إلى آخر 1978).
(64) ثبت الآن أن الصخور النارية ليست السمة المميزة لجنوب الصحراء الغربية ـ كما كان شائعًا ـ ثبت أن الأحواض الرسوبية موجودة في أعماق الصحراء الكُبرَى؛ أسوة بالمناطق التي تقترب من البحر. تطورت هذه النظرية مع ظهور النفط في جنوب الصحراء الغربية في وادي "سرت" بليبيا، ثم ظهوره في تشاد، ثم في شمال السودان. وعلى ضوء هذه النظرية قررت كونوكو أن تحتكرَ جنوب الصحراء الغربية في مصر.
(65) المهندس سمير تادرس، (نائب رئيس مجلس إدارة شركة بترول خليج السويس) ـ "لغز الصحراء الغربية"، أخبار اليوم، (17/ 2/ 1979) ـ انظر أيضًا المهندس أحمد عز الدين هلال (وزير البترول) ـ "لغز الصحراء الغربية"، أخبار اليوم، (15/ 9/ 1979).
(66) المهندس سمير تادرس، والمهندس حسن الدوي (رئيس مجلس إدارة شركة بترول الصحراء الغربية)، على التوالي، أخبار اليوم، (17/ 2/ 1979 ـ مرجع سابق).
(67) د. سعد الدين الأنصاري (أستاذ جيولوجيا النفط، والخبير في مجالات التنقيب) ـ أخبار اليوم، (15/ 9/ 1979)، مرجع سابق.
(68) صلاح منتصر، "مصر والبترول.. انتهت مرحلة الأحلام وبدأ عصر الواقع"، الأهرام، (16/ 4/ 1976).
(69) النسب التالية محسوبة وفقًا للأرقام الواردة في المصدر رقم (303).
(70) إنتاج النفط عام 1979 (أرقام تقديرية ـ الوحدة: برميل/ يوم).
· إجمالي الإنتاج: 534873 (يتضمن 20 ألفًا غازات طبيعية).
· الإنتاج من خليج السويس: 574، 379.
الحقول الرئيسية (في خليج السويس):
يوليو:/ 183422 ـ رمضان 95000 ـ مرجان 81000 ـ غارب 7322.
· الإنتاج من الصحراء الغربية: 24130.
الحقول الرئيسية (في الصحراء الغربية):
أبو الغراديق 11773 ـ الرزاق 11750.
· الانسحابات الإسرائيلية خلال 1979 تشمل حقول عسل وسدر وفيران (في المرحلة الأولى)، والطور ورأس جبارة وعلما ورأس محمد (في مرحلة ثانية). مجمل إنتاجها أكثر من 30000.
Egyptian General petroleum corporation (EGPC). Daily production sheet, (9 – 7 – 1979).
(71) عند تأميم قناة السويس، كان القطاع المائي للقناة 1200 مترًا مربعًا، وأقصى غاطس مسموح به لعبور السفن 35 قدمًا، وأقصى حمولة للناقلة التي يمكنها عبور القناة 30 ألف طن. وبعد التأميم والعدوان، قامت هيئة قناة السويس بدراسة اقتصادية لتطوير القناة. وفي عام 1958 بدأ العمل في زيادة القطاع المالي من 1200 مترًا مربعًا إلى 1800، وزيادة الغاطس من 35 قدمًا إلى 38، وبذلك أمكن عبور الناقلات (60 ألف طن) بكامل حمولتها، وفي مشروع التطوير اللاحق كان مستهدفًا، تمكين الناقلات بغاطس 39 قدمًا من العبور (في منتصف عام 1967)، وبغاطس 40 قدمًا (في نهاية نفس العام)، ولكن حالت الحرب، دون استكمال هذه المرحلة. انظر: د. عبد المنعم القيسوني، بيان عن مشروع خطة 78 ـ 1982، مرجع سابق، ص ص 55 ـ 57.
(72) الفائدة 3.5 % سنويًّا. مدة القرض 20 سنة منها 5 سنوات سماح. انظر: "القرار الجمهوري رقم 359 لسنة 1977" ـ الجريدة الرسمية، (6/ 4/ 1978)، العدد 14.
(73) الفائدة 4 % سنويًّا، ويسدد أصل المبلغ المسحوب من القرض طبقًا لجدول السداد المرفق بالاتفاقية. انظر: "القرار الجمهوري رقم 1 لسنة 1978" ـ الجريدة الرسمية، (11/ 5/ 1978)، العدد 9.
(74) الفائدة 3 % سنويًّا. ويسدد أصل المبلغ المسحوب من القرض طبقًا لجدول السداد المرفق بالاتفاقية انظر: "القرار الجمهوري رقم 60 لسنة 1978"، الجريدة الرسمية، (26/ 7/ 1978)، العدد 27.
(75) الفائدة 3.5 % سنويًّا. ويسدد أصل المبلغ المسحوب من القرض؛ طبقًا لجدول السداد المرفق بالاتفاقية. انظر: "القرار الجمهوري رقم 145 لسنة 1978"، الجريدة الرسمية، (27/ 7/ 1978)، العدد 28.
(76) السداد على مدَى 18 سنة متضمنة فترة سماح مدتها 3 سنوات كما تسدد رسوم الخدمات طبقًا للجدول المُلحق بالاتفاقية. انظر: "القرار الجمهوري رقم 250 لسنة 1978" الجريدة الرسمية (14/ 9/ 1978)، العدد 37.
(77) كافة الاتفاقيات تحوي شروط البنك الدولي. شارك البنك الدولي في هذه الدفعة الثانية من تمويل المرحلة الأولى؛ فقدم قرضًا يعادل 100 مليون دولار بفائدة 8 %. "انظر القرار الجمهوري رقم 581 لسنة 1977"، الجريدة الرسمية، (4/ 5/ 1978)، العدد 18.
(78) Alan Mack. "Suez: Canal ready for supertankers", Financial times, (July 30. 1979).
(79) انظر "قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 12 لسنة 1977 بإصدار نظام المنطقة الحرة لمدينة بورسعيد" ـ الجريدة الرسمية، (31/ 3/ 1977)، العدد 13 تابع.
(80) عصام رفعت، "إعادة تقييم المنطقة الحرة ببورسعيد" ـ الأهرام الاقتصادي عدد (15/ 5/ 1978).
(81) مشروع القرار والمذكرة المرفقة غير منشورين، وقد اقترح مشروع القرار إخضاع البضائع الآتية، والواردة برسم المنطقة الحرة، للضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم: الخمور والسجائر والدخان ـ الساعات والآلات الحاسبة والولاعات وأقلام الحبر ـ إطارات الكاوتشوك والبطاريات ـ النظارات والحلي الصناعية ـ ورق الذهب والمشغولات الذهبية ـ الأحجار الكريمة ونصف الكريمة والروائِح العطرية ـ الأقمشة والملابس الجاهزة والملابس المستعملة ـ السلع الاستهلاكية المعمرة.
(82) تقرير خطير: "بورسعيد مدينة حرة ـ خطورتها على الاقتصاد القومي". مجلة أكتوبر، عدد (22/ 7/ 1979). انظر أيضًا د. محمد حلمي مراد، "تقييم سياسة الانفتاح الاقتصادي في مصر"، جريدة الشرق الأوسط. عدد (7/ 7/ 1978) "ثبت من التقارير الرسمية أن ما حصل من الرسوم الجمركية على ما تم بيعه بالفعل إلى الداخل لا يتجاوز 10 % مما ينبغي أن يحصل، وهو ما يدل على النسبة الرهيبة للتهريب الجمركي".
هذا، وقد أعدت الرقابة الإدارية تقريرًا عن موضوع بورسعيد، ودار حول نفس النقاط التي تناولناها، انظر هيئة الرقابة الإدارية، أوجه القصور والخلل، مرجع سابق، ص ص 236 ـ 239.
(83) مصطفى شردي، "هذا التقرير ابتعد عن الدقة والأمانة". أكتوبر عدد (12/ 8/ 1979).
(84) أنيس منصور، "مواقف"، الأهرام، (28/ 11/ 1979).
(85)
1) Jacques Bugnicourt, "Tourism with no return! The new colonialism". Development
Forum, (June – July 1977). Vol. V. N". 5. (United nations, the center for economic and social information – OPI).
(86)
2) Ibid., and also:
Louis Turner, "International division of leisure: Tourism and the third world". World development, (1976). Vol. V. N". 3.
(87) د. محيا علي زيتون، "نحو أساس موضوعي لتحديد دور السياحة في تنمية الاقتصاد المصري"، المؤتمر العلمي السنوي الثاني للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة 24 ـ 26 مارس 1977.
(88) الواردات السلعية لقطاع السياحة لا تقتصر على الواردات المباشرة؛ بسبب عدم وجود إنتاج محلي ملائم لطلب السائحين، ولكن يجب إدخال الواردات غير المباشرة، الخبز الذي يستهلكه السائح مصنوع من قمح يتم استيراده، والمعلبات المصرية يحتاج إنتاجها إلى مدخلات مستوردة.
(89) في حالة ملكية الأجانب جزئيًّا لبعض الفنادق، أو في حالة إدارتهم للفنادق بعقود، يتم تحويل نسبة من الأرباح إلى الخارج، أيضًا يتم تحويل جزء من الإيرادات في صورة فوائدَ على رأس المال الأجنبي المستثمر في قطاع الفنادق أو في قطاعات السياحة الأخرى (مواصلات ـ تسلية وترفيه) ـ أيضًا هناك تحويلات العاملين الأجانب في الفنادق وغيرها، وقد يُستعان كذلك بفنانين أجانب لإحياء حفلات.
(90) نختلف في هذه النقطة مع د. محيا؛ إذ ترى أنه "لا يمكن اعتبار سياحة المصريين إلى الخارج نوعًا من أنواع التسربات التي تقلل من إجمالي الإيرادات السياحية"؛ لأن "سياحة المصريين إلى الخارج لا تتوقف بالضرورة على تحقق إيرادات من سياحة الأجانب إلى مصر؛ ومن ثم فإن الربط بين هذين النوعين من السياحة، أمرٌ ليس له مبرر معقول" (صـ15). صحيح أنه لا توجد رابطة حتمية، وفي كل الظروف، بين السياحة للخارج (وفي الأغلب سيحد أيضًا من السياحة للداخل)، ولكن في إطار السياحة التابعة (التي تعالجها د. محيا أساسًا) نعتقد أن الرابطة حتمية، أي "يرتبط التدفق السياحي للداخل، بتدفق مضاد، وبأعداد كبيرة، للتدفق السياحي إلى الخارج. وقد أشارت الباحثة إلى ذلك بقولها: إن "أثر المحاكاة قد ينعكس بشكل آخر، وهو رغبة المواطنين في السفر للسياحة في الخارج" (ص 19)، ولكن الارتباط بين الاتجاهين في حركة السياحة التابعة، أوثق من ذلك؛ ولأسباب تتعلق بمجمل البنية التابعة، وليس فقط لأثر المحاكاة.
(91)


المكون المحلي والمكون الأجنبي في المشروعات السياحية في مصر 76/ 1980
المشروعات
نسبة المكون المحلي
نسبة المكون الأجنبي
مشروعات وزارة السياحة
مشروعات الإقامة السياحية
مشروعات المحال العامة السياحية
مشروعات النقل السياحي
المستلزمات السلعية
إجمالي الاستثمارات
63 %
76 %
75 %
23 %
ـ
70 %
37 %
24 %
25 %
77 %
100 %
30 %
المَصدر: وزارة السياحة. نقلاً عن المصدر السابق (د. محيا) ص 30.
(92) Luis Turner, Multinational companies and third world, (New York: Hill and Wang, 1973). Pp. 224 – 225.
(93) انظر: د. محيا علي زيتون، دراسة تحليلية لبعض جوانب هيكل قطاع السياحة في مصر (1952 ـ 1975) ـ (القاهرة: معهد التخطيط القومي، يناير 1978)، مذكرة رقم 1215. وخاصة النتائج العامة للدراسة ص ص 66 ـ 67. انظر أيضًا: الكتاب السنوي للإحصاءات العامة (القاهرة: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 1976).
(94) ترتب الفنادق تنازليًّا على النحو التالي: (الفئة) ممتازة ـ أولى ـ ثانية ـ سياحية ـ ثالثة ـ شعبية ـ انظر المرجع السابق (د. محيا). ص 29.
(95) "ثغرات في إعفاء السلع السياحية المستوردة"، الأهرام الاقتصادي، عدد (أول نوفمبر 1977) ونُشر أيضًا عن "تسرب كثير من مستلزمات المشروعات السياحية المُعفاة من الرسوم الجمركية مثل الموكيت بأنواعه، وأوراق الحائط والأدوات المنزلية الزجاجية والصيني والفضيات إلى السوق بكميات هائلة. فلا بد أن تحدد وزارة السياحة الاحتياجات التي ستستوردها المشروعات. مع تقدير تقريبي لفترة الاستهلاك". د. عايدة أبو هيف، "تحديد المستلزمات المعفاة لمشروعات الانفتاح حتى لا تتسرب"، الأهرام الاقتصادي، عدد (15 مايو 1978).
(96) سعيد سنبل، أخبار اليوم، (26/ 4/ 1975)، وقد تساءل الكاتب: لماذا لم يعلن عن مسابقة عالمية؟ ثم أليس تشغيل الطاقات العاطلة، أو إضافة طاقة جديدة، أهم من مشروع التجديد في منشآت قائمة وتشتغل؟ ولم يتلقَّ طبعًا أيَّة إجابة.
(97) "جهاز المحاسبات يتهم: باعوا الأرض بأرخص الأسعار"، أخبار اليوم، (13/ 1/ 1980).
(98) "Tourism, Squeezed from two sides", Financial times, (July 30, 1979).
(99) يتم تقدير للدخل السياحي بالاعتماد على أرقام الليالي السياحية، وعلى أرقام تقديرية لمتوسطات الإنفاق اليومي للسائح على أساس أن سعر الإقامة في الفندق يمثل 40 % من الإنفاق اليومي، وبمقارنة الدخل السياحي المقدر بهذه الطريقة مع البيانات المُتاحة لدى الجهاز المصرفي، يجري تقدير التسرب خارج الجهاز المصري، انظر: ظاهرة اقتصادية تبحث عن تفسير"، الأهرام، (18/ 8/ 1979).
(100) د. لطفي عبد العظيم، "هل تهدم السياحة الاقتصاد المصري"، الأهرام الاقتصادي، عدد (أول يناير 1976).
(101) د. محيا زيتون، دراسة تحليلية، مرجع سابق، ص 23.
(102) انظر مثلاً:
World Bank Report N". 1851 EGT, V. 1. op. cit., p. 18
Gerakis and Tharanithe, "Save of middle east migration raises questions of policy in many countries", IMF Survey, (September 4, 1978).
Nazli Choukri, Migration processes A mong developing countries: The middle east (M. I. T.: center for international studies, May 1978).
J. S. Birks and C. A. Sinclair, international Migration Project, country case study, Arab Republic of Egypt, (England: University of Durham, 23 – 26 Old Elvet, Durham DHJ 3 HY, 1979).
(341)
Ministry of planning, Five year plan, 1978 – 82, (Cairo: 1978), V. 1. pp. 47 – 48.
(342) J. S. Birks C. A. Sinclair, Migration project, op. cit., انظر الترجمة العربية، مشروع الهجرة الدولية ـ دراسة حالة ج. م. ع. ترجمة علي رجب علي. مراجعة د. محمد
عبد الفتاح منجي، (القاهرة: معهد التخطيط القومي، نوفمبر 1979)، مذكرة رقم 1258، ص ص 70 ـ 71.

(343) معروف أن ظاهرة مغادرة مصر للعمل في البلاد العربية سابقة على 1974، ولكنها لم تكن ابدأ بالأبعاد الحالية. الرقم الرسمي لعدد المغادرين خلال 1970 إلى كل البلاد العربية لم يتجاوز 47768 فردًا (منهم 19.3 ألفًا إلى ليبيا ـ 6.3 آلاف إلى الكويت ـ وألفان إلى السعودية) ـ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مرجع رقم 3 ـ 215 ـ وفي عرضنا هنا للتغير النوعي في الحالة لا تتناول استنزاف الكفاءات بشكله التقليدي، أي بالهجرة إلى الدول الصناعية، رغم أن هذه الظاهرة تمت بدورها بمعدلات خطرة، ورغم اتساع دائرتها بحيث لم تعد قاصرة على مئات من أصحاب الشهادات العليا، إذ أصبحت تقدر بعشرات الألوف من العمالة الماهرة وشبه الماهرة في تخصصات مختلفة، ولكن يكفي أن نركز هنا على أن عدد المبعوثين للدراسة في الخارج، ورفضوا العودة، بلغوا حتى مارس 1976 ـ 1058، وقد استولت الولايات المتحدة وحدها على 558 مبعوثًا، وانجلترا على 162، وألمانيا الاتحادية على 91، وكندا على 57، وفرنسا على 54. ويلاحظ أن نصيب المجر كان 14. وألمانيا الديمقراطية 14 ـ والرقم الإجمالي يمثل حوالي 10 % من مجموع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية. انظر:
Amr Mohie – Eldin – Ahmed Omar, The emigration of universities' Aademic staff, prepared for the project on Egyptian Labor migration, (Cairo University – MIT, Technology planning program, July, (1978), Table 2, p. 11.
(344) تقديرات IMF لعدد العاملين المصريين في الأقطار العربية النفطية 350 ألف عامل (عام 1977)، Durham Report وصل إلى تقدير 369 ـ 430 ألفًا (في 1975 ـ 1976) ويرتفع التقديرُ إلى مليون (1976) في:
N. Choukry – R. S. Eckaus – A – Mohie – Eldine, Migration and development in the construction sector: Critical Factors in Egyptian Development, (Cairo university – Mas – Sachusetts institute of thechnology, Technology Adaptation Program, 1978), table 1 – 19.
(345) حسب هذا التقدير استفادة من عدد الأشخاص الذين سجلوا "غائبين" بشهادة "الموجودين في المنازل" أثناء الحصر الفعلي للتعداد، وقد أجريت أيضًا دراسة منفصلة ـ بهدف المقارنة ـ حول عدد الأشخاص الذين استخرجوا جوازات سفر في الفترة السابقة على التعداد. مع نظرة شاملة لإحصائيات مرور المصرين عبر الحدود. انظر:
The Central Agency for public mobilization and statistics, Preliminary results of the General Population and Housing census, 22nd – 23nd November, 1976, Cairo. P. 5.
(346) تصريح السيد سعد محمد أحمد، وزير القوَى العاملة والتدريب. قال إن "البيانات المتوفرة لدى الأجهزة المعنية في هذا الشأن يتعذر الاعتماد عليها؛ حيث إنها غير كاملة وغير حديثة، بل هي بيانات متداخلة؛ لذلك فقد اتصلت وزارة القوى العاملة بوزارة الخارجية لتعاون أجهزتها في الدول المختلفة؛ لإمداد الوزارة بحصر للقوَى العاملة المصرية في الخارج متضمنًا التخصصات المهنية والحِرَفية للعمالة المصرية". والرقم الذي أعلنه الوزير (حوالي 1.9 مليونًا) يعيشون في 6 أقطار عربية ودولة أوروبية هي اليونان ـ 25 ألف عامل ـ كان طبقًا للبيانات التي أمدتنا بها وزارة الخارجية عن أعداد المصريين الذين يعملون بالخارج". انظر، "العمالة المصرية في الخارج تدخل عصر الملايين ـ العمال وحدهم أكثر من مليون ونصف"، الأهرام، (18/ 9/ 1978).
(347) يقول تقرير جامعة ديرهام: إنه "يمكننا توقع أن تقدير هذا الرقم كان بالناقص"... فمن المرجع أن الأسر الموجودة بالمنازل قدمت عدًّا بالناقص لأقاربهم بالخارج، ويرتبط هذا بالتحركات غير الرسمية للعمال المهاجرين، ويؤدي هذا أيضًا إلى بيان بالناقص عمن يعبرون الحدود (ويبدو هذا واضحًا، وبحجم كبير في حالة تحركات العمالة نحو ليبيا). ويُضاف إلى هذا تزايد العمال المهاجرين متنكرين في هيئة زوار لأقاربهم الموجودين بالبلاد المضيفة؛ فذلك لا يستلزم الكثير من إجراءات الدخول المشددة؛ فبالنسبة للسعودية يذهب إليها العمالُ المهاجرون المحتملون في موسم الحج، (انظر مشروع الهجرة الدولية ـ مرجع سابق، ص ص 40 ـ 41)، ونُضيف إلى هذه الملاحظات حقيقة أن الدخول إلى العراق، لا يحتاج إلى تأشيرة خاصة. وتدل كافة المؤشرات على أن أرقام العاملين المصريين في العراق، تزيد كثيرًا عن الأرقام الواردة في التقديرات المختلفة؛ وضمنها المصرية، وخاصة منذ 1978.
إلا أنَّ تقرير جامعة ديرهام لجأ إلى مغامرة غريبة؛ للتوصل إلى تقدير خاص به لأرقام العمالة المصرية في الأقطار العربية، فأمام حقيقة أن "مصادر المعلومات المصرية، لا تلقي ضوءًا (كافيًا) على هذا التوسع الحديث في تحركات العمالة.. تكون أكثر الوسائل فاعلية لتحليل هجرة العمالة المصرية هي الاستفادة من بيانات البلاد التي يعمل فيها المصريون" (ص 48). وهذا المنهج الغريب، يفترض أن أجهزة الإحصاء في الأقطار العربية المضيفة أكثر كفاءة من أجهزة الإحصاء المصرية. وهذا فرض غير صحيح قطعًا؛ ولذا أسفرت الجهود المضنية في مقابلة سجلات وبيانات حكومات الأقطار المضيفة، إلى نتيجة تقول إن إجمالي عدد المصريين في هذه الأقطار هو 637.4 ألفًا فقط، وإن عدد النشطين اقتصاديًّا من هؤلاء،
لا يتجاوز 430.2 ألفًا. (جدول رقم 19)، وهذه نتيجة تختلف تمامًا عما سجله نفس التقرير، حول أن رقم 1.4 مليون الذي أعلنته السلطات المصرية، يقل عن الرقم الفعلي.

نَعتمد – إذًا - في هذه الدراسة رقم المليونين للسنوات بعد 1978، ونبني استنتاجاتِنا على أساسه، دون أية خشية من المبالغة؛ فهو صادر عن أكثر الجهات قدرة على الحصر. ويعزز هذا الرقم أيضًا، أنَّ التقديرات العلنيَّة (في كافة المصادر المتاحة) حول عدد المصريين في القطر العراقي تبدو واضحة الانخفاض كما أشرنا، والأرقام الرسمية العراقية حول الموضوع غير معلنة، ولكن وفقًا لبعض المصادر المطلعة يقول إن الرقم بعد عام 1978 يدور حول المليون، ومعروفٌ أنَّ عدد المصريين في الأقطار العربية، لا يمثل عدد المصريين النشطين اقتصاديًّا (على أساس اصطحاب بعض العاملين لزوجاتهم وأطفالهم). ولكنْ لا يعني هذا خفض عدد النشطين اقتصاديًّا وفق النسب السائدة في ظروف اجتماعية تقليدية؛ إذ يبدو أن الغالبية
لا تصطحب الأسرة، وفي كثير من الأحيان تعمل الزوجة المُصاحبة لزوجها، أو الزوج المصاحب لزوجته.

(347) قوة العمل (Labour Force) تشمل كل المواطنين بين 12 و 65 سنة، عاملين فعلاً أو عاطلين. استُخدِم هذا المصطلح عادةً في دراسات بالعيِّنة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ويتناظر هذا المصطلح مع مصطلح السكان النشطِين اقتصاديًّا (Economically Active Population) المستخدم في التعداد العام للسكان ـ وفقًا لهذا كانت قوة العمل 9.7 مليونًا (1974)، و10.6 مليونًا (1976) حسب التعداد، (ولكن وزارة التخطيط تذكر رقمًا مغايرًا لعام 1976: 9.6 مليونًا ـ الخطة الخمسية 78/ 1982! المجلد الثاني ـ ص 200). وتتوقع وزارة القوى العاملة أن تصل قوة العمل إلى 11.9 مليونًا عام 1980 (انظرMigration and Employment, op. cit., table 1 – 1.
(348) مشروع الهجرة الدولية، مرجع سابق، ص ص 73 ـ 75. ويبدو أن الدراسة تورطت في هذه الفروض والنتائج الغربية؛ لأنها حاولت أن تجيب على سؤال معقول ومشروع هو: لماذا لم ترتفع أرقام الهجرة المصرية إلى الأقطار النفطية عن المستويات الحالية؟ وقد استبعدت محاولة الإجابة القدرة الاستيعابية للأقطار النفطية ـ في إطار المحددات الحالية ـ واستبعدت أيضًا الموانع والضوابط الإدارية التي تفرضها هذه الأقطار. ومع استبعاد كل هذا في جانب الطلب، تفننت الدراسة في التنقيب عن أوجه التصور في جانب العرض من قوة العمل، وبالتأكيد هناك أوجه قصور فعلية؛ مثل تجزئة سوق العملي المصري، ولكن ليس صحيحًا أن القطاع العام يحبس بامتيازاته 75 % من العاملين بأجر.. ليت هذا كان صحيحًا!
(349) "في مصر تعتبر تكاليف الحصول على جواز السفر مرتفعة بالنسبة للفقير الحضري، فهي تتضمن استئجاره لوسيط للاتصال بوزارة الداخلية، ليس فقط للتأكد من أن أوراقه تجد طريقها إلى المكاتب المناسبة، بل أيضًا لاستكمال النماذج والاستثمارات نيابة عنه. وكذلك من الضروري أن يدفع سلسلة من المبالغ غير الرسمية وأن يقضي عدة أيام لمجرد الحصول على التأشيرة وربما تكون خسارته لدخله الذي يصل إلى حد الكفاف خلال هذه الأيام تضحية مستحيلة، وأخيرًا توجد تكاليف السفر إلى مكان العمل" ـ المرجع السابق ص ص 76 ـ 77.
(350) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المعالم الرئيسية لحركات الهجرة المؤقتة للمصريين من جمهورية مصر الغربية في 31/ 12/ 1973 (القاهرة: يناير 1975) ـ كان عدد أفراد العينة 34614 شخصًا. انظر الجدول رقم 8.
(103) محمد عبد الفتاح رمضان، "دراسة عن أوضاع المصريين في الكويت"، أعدت للحصول على دبلوم التخطيط والتنمية بالمعهد العربي للتخطيط، الكويت، يونيو 1978 ـ نقلاً عن د. محمود عبد الفضيل، "أثر هجرة العمالة المصرية للبلدان النفطية على العمليات التضخمية، ومستقبل التنمية والعدالة الاجتماعية في الاقتصاد المصري"، المؤتمر العلمي السنوي الخامس للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة، مارس 1980، ص 5.
(104) وزارة التخطيط. الخطة الخمسية 78/ 1982 ـ المجلد الثاني ـ (مرجع سابق)، ص 200.
(105) انظر تصريح وزير الصناعة "إن القلاع الرئيسَة في الصناعة تعاني من نقص شديد؛ نتيجة سفر المهندسين إلى الخارج بالطرق المشروعة وغير المشروعة، وإن الشركات تعاني من قلة القيادات الهندسية" ـ هم.. والمهندسون، الأهرام، (27/ 10/ 1975). وقد صرح صلاح الدين دياب (وكيل وزارة الصناعة) بأن الوزير اضطر؛ بسبب شكاوَى رؤساء الشركات من نقص عدد المهندسين والفنيين، بصورة تهدد خطط الإنتاج إلى إصدار قرار بمنع سفر المهندسِين بإجازات دون مرتب.
أو عن طريق الإعارات؛ وذلك لحاجة العمل، وللحد من تسربهم خارج الوزارة ـ وفي مرفق مياه الشرب صرح رئيس المرفق بأن لديه عجزًا يصل إلى 80 % من الفنيين ـ وفي هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية، صرح نائب رئيس مجلس الإدارة بأن الهيئة تعد من أكثر الجهات الحكومية التي تفقد مهندسيها ـ وفي وزارة الصحة، هناك تخصصات ناقصة، وتجد الوزارة حرجًا في منحها الإجازات دون مرتب، كما يقول وكيل الوزارة؛ بسبب نقص الإعداد الموجودة من الأطباء والممرضات من خريجي جميع أنواع مدارس التمريض. ـ "إجازة مجانية من فضلك"، أخبار اليوم، (1/ 10/ 1977).

وقد أعلن وزير الصحة (حول أسباب هبوط الخدمة العلاجية في المستشفيات المركزية) أن جملة الاحتياج من الأطباء كافة التخصصات 3589 والموجود 1979 طبيبًا، بالإضافة إلى العجز الكبير في أطقم التمريض؛ بسبب الهجرة ـ جلسة مجلس الشعب. ردًّا على سؤال العضو سيد عمر زناتي، الأهرام، (31/ 5/ 1977).
(106) نُشير إلى: د. إبراهيم سعد الدين، "الآثار السلبية للفروق الدخليَّة بين الأقطار العربية على التنمية في الأقطار الأقل دخلاً"، المؤتمر العلمي السنوي الثاني للاقتصاديين المصريين، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، القاهرة، 1977.
د. محمود عبد الفضيل، النفط والمشكلات المعاصرة للتنمية العربية، (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، أبريل 1979).
Amr Mohie – Eldin and Ahmed Omar, The Emigration of universities' Academic staff, Op. cit.
N. Choukry, R. S. Eckauss, and Amr Mohie – Eldin, op. cit.
والدراسة الأخيرة أشارت إشارة هامة إلى الآثار السياسية لهجرة العمالة؛ سواء باعتبارها قضية أصبحت مرشحة للدخول في جدول أعمال العلاقات الدولية بين حكومات المنطقة، أو من زاوية أثرها على ضعف الحركة السياسية والنقابية داخل مصر. (P. 137)
(107) الدول النفطية ذات المؤسسات السياسية غير التقليدية معرضة أيضًا لإنشاء "قبائل" غير تقليدية؛ بحيث يظل توزيع الأموال ضعيف الصلة بعملية الإنتاج الاجتماعي.
(108) انظر: د. حسين عبد الله، "الأبعاد المالية لأسعار النفط العربي"، المستقبل العربي، (4/ 1980)، العدد 14، ص ص 56 ـ 59.
(109) إحدى السفارات العربية طلبت حاصلين على ليسانس حقوق وسنتين خبرة، وفوجئ الممتحنون برؤساء محاكم، وبحاصلين على ماجستير، فأخذوا الأخيرين بأسعارهم الزهيدة ـ وهناك مهندسون يتقدمون كعمال فنيين، ومراجعون يزاحمون في وظائف كتبة حسابات، انظر، الأخبار، (26/ 9/ 1975). "هذه الحالات لم تكن استثنائية.. إن كثيرين من المصريين ارتضوا لأنفسهم أن يعملوا أي شيء وبأقل الأجور، ومن ذلك أن أعدادًا من الجامعيين، وبعضًا من حملة الماجستير يعملون كعمال في المطاعم، أو في النظافة لدى المؤسسات أو في منازل رجال الأعمال، وأكثر من 500 جامعي يعملون بمكافآت شهرية تصل إلى 1200 ريال على بند التنظيمات ببلدية جدة" ـ تحقيق حسين الشاعر، "عمال العمرة"، الأهرام، (24/ 3/ 1979).
(110) في استطلاع غير رسمي لرأي عينة من طلاب الجامعات، قال حوالي 85 % من الطلبة: إنهم يتمنون مغادرة مصر للعمل في الخارج بعد التخرج مباشرة (1976).
ولم يكن هناك بدٌّ من أن يتابع جهاز الرقابة الإدارية وضع المصريين العاملين في الدول العربية، بعد أن كثرت الشكوى منهم عن سوء الظروف التي يلاقونها في تلك البلاد، واتضح للرقابة الإدارية "أن الخبرات المصرية تتكالب على عروض العمل بزيادة غير طبيعية؛ ولذلك فإنها تقبل الحدود الدنيا من الرواتب؛ الأمر الذي أدى إلى حصول بعض الحكومات والدول العربية على الخبرة المصرية بأجور أقل من الأجور التي يمكن أن تقبلها أيَّة خبرة منافسة في أسواق العمل العربية، ولقد اتضح للرقابة الإدارية - ومعها وزارة القوى العاملة - أن الخبرة المصرية تنافس أيضًا بعضها في أسواق العمل العربية؛ مما يترتب عليه أن يعمل المصري في غير تخصصه، أو في غير العمل الذي كان يزاوله في مصر" ـ تحقيق صبري سويلم، "العمالة المصرية في الخارج، تدخل عصر الملايين"، الأهرام، (17/ 9/ 1978).
(111) الخدمات بطبيعتها لها استخدامان: فهي قد تكون مدخلاً ضروريًّا في عملية الإنتاج، وهي قد تطلب لذاتها. فزيادة المهارة البشرية بالتعليم والقراءة.. إلخ لها هذان الجانبان: الإنتاج والإشباع الشخصي، ونفس الأمر يقال عن الخدمات الأخرى، والجانب الأول هو ما نسميه خدمات إنتاجية، والجانب الثاني خدمات استهلاكية.
(112) "انخفض أجر العامل المصري في بعض الدول العربية، من 140 جنيهًا في المتوسط منذ عامين فقط إلى 70 جنيهًا وأحيانًا 60، ولا زال اتجاه الانخفاض مستمرًا.. امتدت موجة تخفيض الأجور للمصريين إلى المهنيين.. فشكا بعض المدرسين العاملين في بعض دول الخليج من أن حكومات هذه الدولة تحدد للمدرسين المصريين أجورًا تتساوَى وأحيانًا تقل عن مرتبات السعاة من أبناء هذه الدول.. وأكثر من هذا.. شكا المدرسون في إحدى الدول العربية، من أن السلطات في هذه الدولة، تميِّز بينهم وبين زملائهم من المدرسين الأجانب في المرتبات والامتيازات، وبينهم وبين زملائهم من الجنسيات الأخرى كالإيرانيين والفلسطينيين والعراقيين والسوريين، وشكا البعض الآخر من أن المدارس تخصص لهم جداول مدرسية مضاعفة، ولا تمنحهم أجورًا إضافية.. وقد انتشر الاعتقاد بأن المصري ـ عاملاً أو مهنيًّا أو خبيرًا ـ موظف مطيع لا يقول لا لأي حجم من العمل يُفرض عليه، ولا يرفض أي ظروف معيشية يوضع فيها، ولا يسبب لرؤسائه في العمل أي نوع من الإشكالات.. وينتشر الاعتقاد كذلك بأنه ليس هناك مصري
لا يمكن "إحضاره" للعمل في هذه البلاد، مهما علت مكانته العلمية أو الوظيفية، أو علا قدره في بلاده، وأن من يعمل في هذه البلاد (مصر)؛ ليس لأنه مستريح إلى عمله في بلده، ولكن لأنه لم يجد بعد فرصة العمل في هذه الدول العربية، "وهذه التقديرات لم تكن بلا أساس "كان يقبل عدد كبير من وكلاء الوزارات الحاليين والسابقين - العملَ في بعض الدول العربية تحت رئاسة خريجين جدد من أبناء هذه البلاد، أو يقبل عدد آخر كبير من أساتذة الجامعات المصرية، العمل في الجامعات العربية تحت رئاسة بعض تلامذتهم السابقين في الكليات المصرية.. وكأن يتدافع عددٌ كبير من الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراه، للتقدم لشغل وظيفة لا يشترط لشاغلها إلا الحصول على شهادة البكالوريوس.. وكثير من المصريين اكتشفوا بعد وصولهم إلى مقار أعمالهم، أن المرتبات المعروضة هناك تقل كثيرًا عن المرتبات التي تعاقدوا عليها في القاهرة، وأن هناك شروطًا لا تنفذ؛ كشروط السكن مثلاً، وبالرغم من ذلك، فإنهم يضطرون للقبول، وإلا لجأ أرباب العمل إلى "الاحتياطي" الموجود فعلاً في الانتظار". ـ تحقيق صحفي لعبد الوهاب مطاوع، الأهرام، (20/ 2/ 1975).

وفي تحقيق آخر حول ظروف العمل في السعودية، كتب أن "السر وراء انخفاض الأجور، هو أن كثيرًا من العمالة المصريين يأتون إلى السعودية بطريقة غير سليمة، تحت ستار العمرة، ثم يبقون بطريقة غير مشروعة، ويضطرون لقبول أقل الأجور" ـ تحقيق حسين الشاعر، "2/ 1 مليون مصري في السعودية"، الأهرام، (6/ 8/ 1978).
(113) أوضحت الرقابة الإدارية أنه "لا يوجد على مستوى الدولة حاليًا أسلوب معين، يكفل تنظيم تصدير الخبرة المصرية للعمل في الدول العربية، أو يكفل حمايتها في الحصول على الأجور العادلة، أو رعايتها خلال مدة العمل "(المرجع السابق)، ورغم مطالبة الرقابة الإدارية بإقامة أوضاع مؤسسية، تحقق هذه الأهداف، ورغم تضامن وزارة القوى العاملة في هذه المطالبة، لم يحدث أي تحرك سياسي لوضع أيَّة ضوابط. "والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: أينَ رقابة ورعاية أجهزة الشباب والقوى العاملة في مصر نحو أبنائها؟ ولماذا لا تسعى هذه الأجهزة إلى ترتيب عقود جماعية لأبنائها، كما تفعل الدول الأخرى، وعلى سبيل المثال كما فعلت كوريا والصين الوطنية والفلبين مع السعودية؟"، انظر: حسين الشاعر، الأهرام، (24/ 3/ 1979).
(114) مَسألة الأثر السلبي للمال النفطي على القابلية للعمل عند أبناء الأقطار النفطية، مسجلة ومطروقة في عديد من الدراسات حول المجتمعات الخليجية، بل وأثر المال النفطي (وما تولد عنه من أنماط استهلاكية) على قابلية هذه الأقطار لمواجهة مخاطر صدامات عسكرية أو سياسية حادة؛ من أجل قضايا قومية، كان أيضًا محل دراسات عديدة. ومفهومٌ أن المال النفطي استُخدِم في إغراء جماعات كبيرة من الفلسطينيين على الهجرة قبل 1973، وكان مدروسًا الأثر المحتمل لهذه الهجرة على سخونة الالتزام بمسألة تحرير الأرض. وعلى هذا
لا يكون غريبًا، أن يستفاد من نحو مخطط بالإمكانية الواسعة التي أُتيحت بعد 1973 لتشويه قوة العمل المصرية، وإبعادها عن القضايا القومية.

(115) تشويه قوة العمل، كان طبيعيًّا أن يمتد في كافة الاتجاهات (في غيبة آليات وسياسات مضادة)، أعمال التهريب المنظم التي شارك فيها أبناء بورسعيد في الداخل صاحبها تنظيم أكبر للتهريب من بعض فئات العاملين في الخارج. وقد عصف التشويه بكل القيم؛ ولذا تضمنت العملية توسعًا مهولاً في فئة العاهرات للاستخدام المحلي (في النشاط السياحي وما حوله)، وللتصدير. في عام 1975 "كانت التقارير الرسمية كلها تؤكد أن تجارة "العيب" التي تعتمد على عدد من المصريات ـ في بيروت وحدها ـ قد وصلت من حيث المال الدائر فيها إلى 200 مليون ليرة.. وقد حددت الحملة أن هذا النوع من النساء المصريات في لبنان، بما يصل إلى 75 % من مجموع النساء المصريات الموجودات في لبنان" ـ حسين غانم/ رياض توفيق، تحقيق مطاردة العيب خارج الحدود"، الأهرام، (10/ 5/ 1975). وأوضحت تقارير أخرَى أن عدد الفتيات اللاتي يشتغلن بالعيب في العراق، حوالي 350 فتاة؛ موزعة على 14 ملهى ليليًّا؛ منها 9 في بغداد، و3 في البصرة، وملهيان في الموصل، وهناك تقارير مشابهة عن البحرين ـ تحقيق سامي رياض، "القصة في البحرين وبغداد"، الأهرام، (10/ 5/ 1975).
والدلالة الوحيدة لهذه الأرقام، هي مجرد اعتراف السلطات رسميًّا بهذه الظاهرة، دون إجراء حاسم لردعها، ولكن الأرقام الحقيقية أعلى من هذا كثيرًا. وفي كل الأحوال، فإن الأرقام السابقة تحصر اهتمامها في نشاط "القطاع الخاص المنظم" ولكن النشاط غير المنظم والمبادرات الفردية ترفع الأرقام كثيرًا.
(116) في تقويم نتائج هجرة العمالة المصرية للبلدان النفطية، أشار د. محمود عبد الفضيل إلى أن حجم التحويلات لدخول العاملين بالبلدان العربية النفطية وصل إلى درجة "تؤثر على حجم وتركيب الطلب النهائي، وحجم ونمط توزيع الاستثمارات، ومقومات توازن ميزان المدفوعات، ومستوى الأسعار والأجور النقدية. وبعبارة أخرى: فإن حركة المتغيرات الكلية في الاقتصاد المصدر للعمالة أصبحت تتأثر تأثرًا بالغًا بحركة دخول وتحويلات العاملين في البلدان العربية النفطية"
(د. محمود عبد الفضيل، أثر هجرة العمالة المصرية ـ مرجع سابق). ولكن لم تضع الدراسة قضية "العمل الاجتماعي المنتج" في بؤرة التحليل، وأثر هذا ـ في تقديرنا ـ على نوع ومدى الأثر الذي أصاب المتغيرات الكلية، وأثر أيضًا على كفاءة المقترحات المقدمة من الباحث للسياسة الاقتصادية ـ ودراسة د. إبراهيم سعد الدين (الآثار السلبية للفروق الدخليَّة ـ مرجع سابق)، تضمنت أثر الهجرة على الإنتاج المصري، وعلى التنظيم الاجتماعي، أي تأثير الفروق الدخليَّة بين الأقطار العربية على النمط الاستهلاكي في مصر، وتأثير الهجرة على إمكانيات جذب الاستثمارات الخارجية إلى مصر، ومدى التعويض الذي تحصل عليه مصر في صورة تحويلات من النقد الأجنبي، ولكن يظل التحليل في إطار أنها عملية استنزاف ومحاكاة، وليس في أنها عملية تشويه تنبع أساسًا من الموقف من العمل المنتج.

(117) د. محمود عبد الفضيل، أثر هجرة العمالة المصرية، مرجع سابق. كافة الإشارات التالية في المتن إلى تحليل
د. عبد الفضيل منسوبة إلى نفس المرجع ص ص 25 ـ 31.

(118) القطاع الداخلي (أو المحلي) "يشمل المعاملات الاقتصادية والتدفقات السلعية والخدمية لذوي الدخول التي تتولد داخل الاقتصاد المحلي، دون مؤثرات خارجية"... "يغطي هذا القطاع العاملين في الصناعات والخدمات المحلية (بما في ذلك الخدمات الحكومية)، وكذلك صغار التجار". ويتضمن عرضنا في المتن نقدًا لهذا التعريف، فوفقًا لهذا العرض لا يشخص التعريف ما نقصده في إطار الازدواجية الانتقالية
أو الازدواجية التقليدية، فضلاً عن أن هناك بعض الغموض في المقصود من "دون مؤثرات خارجية" و"الصناعات والخدمات المحلية".

(119) في الدراسة حول نتائج هجرة عمال المقاولات، استنتجت الدراسة من البيانات التي حصلت عليها، أن "الأجور (جدول 1 ـ 9) تشير إلى زيادة ملحوظة في أجور الإنشاء منذ 1973، وهي تكشف أيضًا أن متوسط معدل الزيادة السنوية في أجور الإنشاء من 1974 إلى 1978 كان مشابهًا للمتوسط في القطاع الزراعي، ولو أن المستويات تختلف إلى حد كبير".
N. Choukry and Others, op. cit., p. 47.
العلاقة بقطاع الزراعة ترجع إلى الحَراك من هذا القطاع إلى قطاع الإنشاء؛ لتعويض العمالة المهاجرة من الأخير. حالة قطاع المقاولات تنطبق على عديد من المِهَن والحِرَف.






آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:21 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

الخلاصة
لا نهدف في هذه الخلاصة، إلى تقديم عرض سريع، يذكِّر القارئ بما سبق أن فصلناه؛ فنحن نهدف ـ في الحقيقة ـ إلى بلورة النتائج والمفاهيم؛ ولهذا الغرض؛ فإننا لن نتقيد أيضًا بمنطق الترتيب والتسلسل، الذي التزمنا به في الكتاب؛ فهذا المنطق حكَمَتْهُ ـ كما قلنا في التقديم ـ ضروراتُ التحليل، وأهمية التصاعد في البرهان.. وكل هذا قد تجاوزناه الآن.
نبدأ أولاً بقضية الاستقلال ـ التبعية؛ إذ لا شك أن القارئ قد لاحظ أننا استخدمنا "الاستقلال" و"التبعية" بدلا من "الرأسمالية" و"الاشتراكية"، في عنوان الكتاب وطوال المتابعة والتحليل. وبالتأكيد لم يكن هذا العزوف عن استخدام المصطلحات الشائعة، على سبيل السهو والخطأ؛ فهي محاولة لصياغة مضمون الإشكالية، وتحديد التوجه القومي المستهدف على نحوٍ أكفأ. (انظر الفصل الخامس). إن إشكاليتنا تبدأ من حقيقة أن توازن القوى الدولي، فرض علينا أن نخضع لقرارات الدول الغربية المتقدمة صناعيًّا؛ وبالتالي فإن مهمتنا الأولى هي أن يتمكن مجتمعنا من انتزاع حقه، في أن ينهض وفق منطقه واحتياجاته، وأن يجسد هذه الإرادة المستقلة في سلطة سياسية قادرة، تحفز وتنظم القوى الاجتماعية المتطلعة للنهضة الأصيلة، وتقود ما تتطلبه هذه النهضة من تجدد ذاتي، ومن تنمية شاملة (تتضمن تنمية اقتصادية مستقلة وتنمية قدرات الدفاع). لقد امتلكت أوروبا (الغرب) أدوات فعالة للسيطرة؛ بفضل قيادتها للثورة الصناعية الأولى، وامتد وتشعب نطاقُ علاقاتها؛ بحيث تشكل نظام دولي باتساع الكرة الأرضية، يخضع لهيمنتها وشروطها، والترابط بين طرفي النظام الدولي (أي بين البلاد المسيطرة والبلاد التابعة) أخذ أشكالاً وصيغًا مختلفة (ومن هنا مشروعية الحديث عن "الاستعمار القديم" و"الاستعمار الجديد") ويمكننا أن نرصد تنامي مكونات خاصة (بل نسق متميز) لعلاقات التبعية في أيامنا هذه؛ فمع بداية الثورة الصناعية الثانية التي تشهدها دول الشمال (بكل ما تفرع عنها من أسلحة الدمار الرهيبة، وبكل ما تتضمنه من ثورة علمية وتكنولوجية، وبالتالي ثورة في الاتصالات والمواصلات وفي المعلومات.. إلخ) أصبح مركب أدوات الإلحاق والتبعية أكثر تعقيدًا؛ فالهيمنة المتنامية لقيم الحضارة الغربية، ونظم التعليم والتربية لفئات اجتماعية متوسعة (وخاصة النخب السياسية والفنية)، تنعكس في فرض أنماط سلوكية واستهلاكية غير ملائمة، وهذه البنية الاستهلاكية المستوردة، تحدد التوجهات المشوهة للتنمية، وتربط القطاع المحلي "الحديث" بمراكز القيادة في الغرب، في إطار ضبط للأداء الاقتصادي وفق المبادئ التي تحقق هيمنتها، وفي إطار استراتيجيتها لتقسيم العمل الدولي، التي تحتفظ بمفاتيح العملية الصناعية في يدها؛ أي تحتكر أكثر القطاعات ديناميكية. هذه المكونات المتنامية تتعهدها دول وهيئات دولية وشركات عملاقة، وهي تشكل نوعًا من الترابط "العضوي" بين طرفي النظام الدولي، إلى جانب أدوات الربط "الميكانيكي" (أي أدوات القمع المباشر).. إذا جاز أن نستخدم مصطلحات دور كايم في سياق مغاير.
إن الحرص على توثيق الترابط "العضوي" يفسر هذا الفيض من الدراسات الغربية عن مفاهيم التنمية واستراتيجيتها في الدول التابعة، ويفسر كثيرًا مما يقال في الغرب، عن نظام دولي جديد. إنها محاولة لاستيعاب المتغيرات الجديدة، ولاستخدام الإمكانيات المتزايدة من أجل احتواء التطلع للانعتاق في الدول التابعة؛ بحيث تكون النتيجة مجرد توليد طبعات متطورة من النظام الدولي الذي تسيطر عليه الدول الصناعية. إن مفهوم الاستقرار السياسي في الدولة التابعة يعني في عصرنا الراهن أن يزداد الوزن النسبي لعوامل التبعية العضوية؛ بحيث تضمن هذه ـ إلى حد كبير ـ انتظام المسار تلقائيًّا في مدار التبعية، وبقرارات محلية متسقة مع المحددات والتوجيهات العامة. إن عوامل التبعية العضوية تتيح قدرًا معقولاً من التحكم على البعد دون مرجع أجنبي (مندوب سامي) مقيم. ولكن جوهر الإدارة الخارجية لمجمل النسق التابع يظل قائمًا وفاعلاً، وفي حالة أي انحراف عن المسار يتدخل فورًا المشرفون على أجهزة التحكم على البعد، ومنطق التبعية العضوية (بما يتضمنه من نتائج الثورة الصناعية الثانية) يكفل أن تصل التعليمات "السرية" في لحظة، أو يصل مندوب سامي (أو أكثر) خلال ساعات إن تطلب الأمر؛ ولذا فإن بعد مركز التوجيه والقيادة العليا عن العاصمة المحلية، وصدور القرارات المسيِّرة على لسان مسئولين محليين كبار؛ سواء بمنطق التبعية العضوية، أو امتثالاً لتعليمات سرية، لا ينبغي أن يُلهينا أبدًا عن الآليات الحقيقية لإدارة وإعادة إنتاج النظام الدولي؛ أي عن حقيقة آليات تقرير السياسات في الدول التابعة (انظر الفصل السادس: الإطار العام للتغيرات).
وغنيٌ عن البيان، أن زيادة المكوِّن العضوي في آليات التبعية لا يعني أن أدوات التآمر السياسي والتدخل العسكري أصبحت مستبعدة؛ فهي دائمًا في حالة تأهب لقمع أي تمرد، وعند انكسار آليات التبعية العضوية، وقد حدث هذا في المنطقة العربية عام 1967 على سبيل المثال.
إن انتزاع حق النهضة يتطلب - إذًا - إرادة حديدية، ويتطلب إدارة عبقرية للصراعات الدولية الضارية، وللصراعات المحلية ضد المرتبطين بالتبعية العضوية (بشكل أو آخر). وإبداع النهضة لا ينحصر فقط في تعيين الإطار العام للهدف الرئيسي البعيد، ولكن يرتبط بهذا تعيين المسار الممكن، والمراحل الممتدة التي لا تتأثر - فقط - بطبيعة القوى الاجتماعية المحلية، ولكن أيضًا بالاعتبارات الجيوسياسية، وبتوازنات القوَى الدولية، وبطبيعة اللحظة التاريخية التي يبدأ منها تفجر النهضة.
وسط كل هذا، تظل قضية تأليف تشكيل اجتماعي ملائم ـ لمجتمع معين في ظروف تاريخية معينة ـ تحتل موقعًا محوريًّا، ويظل نمط التنمية الملائم مسألة جوهرية. والمعايير الأول للملاءمة هو مدى اتساقها مع مجمل النسق المستقل، أو المتجه إلى الاستقلال.
ومفهوم "النسق" غاية في الأهمية؛ إذ كثيرًا ما نتعامل مع المتغيرات أو المكونات كوحدات مستقلة، وبعيدة عن مجمل النسق الذي يتشكل من هذه المتغيرات، ومن علاقاتها ببعضها البعض، أو من تفاعلاتها. المتغيرات وعلاقاتها تشكل النسق، والنسق بدوره يُحوِّر من هذه المتغيرات؛ لكي تتلاءم مع مجمل المكونات الأخرى وعلاقاتها. ليست القضية ـ في المقام الأول ـ أن يكون هناك قطاع عام أو لا يوجد قطاع عام. ليست القضية أن تُقام صناعة ثقيلة أو لا تُقام، القضية هي مجمل النسق الذي يعمل القطاع العام، أو تعمل التنمية الصناعية في إطار تفاعلاته. إذا كان مجمل النسق (عبر آليات مختلفة) تابعًا؛ يتخذ القطاع العام مضمونًا مناسبًا لذلك مهما كان حجمه، وإذا كان مجمل النسق يتجه إلى الاستقلال؛ فإن القطاع العام يكتسب مضمونًا مغايرًا. وإن كان حجمه محدودًا. والشيء نفسه يقال عن رجال الأعمال، فبروز هذه الفئة لا يعني أننا بصدد نسق يصح أن نصفه ـ في كل الأحوال ـ بأنه نسق رأسمالي؛ فرجال الأعمال في النسق الرأسمالي المستقل، لهم مضمون، ولهم وظيفة تختلفان تمامًا عن مضمون ووظيفة قرنائهم في نسق تابع.
بهذا المفهوم لطبيعة العلاقات الدولية، ولطبيعة مشروعنا في النهضة.. وبهذا المفهوم للنسق، نمسك بجوهر ما نهدف إلى تحقيقه، ونكشف كثيرًا من الزيف في شعارات ذائعة. فالناصرية لم تكن مجرد محاولة لإقامة قطاع عام، وتصنيع وتخطيط، وعدالة اجتماعية.. لقد كانت تحتوي على كل هذا، ولكن لا كمتغيرات مفردة، ولكن كمكونات في مشروع نسق مستقل متكامل، بل إن هذه المكونات اكتسبت مشروعيتها من اتساقها مع ضرورات هذا النسق المستقل الذي يشق طريقه الوعر وسط صراع دامٍ. وخصوم النسق الناصري لم يكونوا أصحاب أنساق رأسمالية؛ فهذا شرف لا يجوز لهم أن ينالوه، إنهم أصحاب نسق تابع. والارتداد في مصر عن النسق الناصري، لم يكن أيضًا عودة إلى الرأسمالية، ولكنه عودة إلى التعبية. إن النكسة التي واجهناها عميقة، والانفتاح الاقتصادي (أي التبعية) ينتشر في عديد من الأقطار العربية، ولكن عزمنا لم يهن، ونتطلع بإصرار إلى إقامة نسق عربي مستقل، ولا يغيب عن ذهننا أبدًا أننا أمام تحديات ومعضلات فريدة؛ فإلى جانب المشاكل العامة لأية نهضة مستقلة في عصرنا، نواجه مشاكل التوحيد بين الأقطار العربية بأسلوب ملائم، ونواجه المشروع الصهيوني على أرضنا، ونواجه إشكالية النفط والمال النفطي، ونواجه خصوصية موقعنا من التراث الإسلامي بكل امتداداته في آسيا وأفريقيا، وبكل آثاره المباشرة على مضمون حضارتنا.
نشير بعد هذا، إلى أن الدراسة التي قمنا بها، لم تكن تهدف إلى تقديم تاريخ متكامل للفترة موضع التحليل. وبالتالي لم تقدم الدراسة كل الآليات التي استخدمت لإعادة مصر إلى التبعية. لقد ركزت الدراسة على متابعة الجبهة الاقتصادية، ولكن على علاقة وثيقة مع التطورات في جبهة الصراع الرئيسي: جبهة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أي مع خطة السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي. وكان طبيعيًّا أن تحرص الدراسة ـ في الوقت نفسه ـ على ربط تغيرات البنية الاقتصادية بالتغيرات المجتمعية والاجتماعية المصاحبة، فتناولنا بالتحليل آليات نشر التحلل المجتمعي (الفصل العاشر ـ القطاعات الرائدة)، وتناولنا تغيير وتحوير الطبقة الحاكمة اجتماعيًّا ـ في الريف وفي المدينة ـ من طبقة مربوطة بالداخل (أي مستقلة) إلى طبقة مربوطة بالخارج (أي تابعة). تناولنا ذلك في قطاع الريف (الفصل العاشر)، وتناولنا ذلك في قطاع الصناعة الخاص (الفصل العاشر)، وفي القطاع العام (في الفصول من السادس إلى العاشر)، وقد أوضحنا كيف تحقق كل هذا من خلال تسريع للحَراك الاجتماعي باتجاه تعلية العناصر الموالية والمغامرة في مجال الأعمال (العام والخاص)، وإقصاء العناصر الوطنية النشطة من قيادة القطاع العام. بدا أن هناك دعوة مفتوحة للإثراء لكل قادر على اغتنام الفرصة، بل بدا أن هناك مراكزَ محلية وخارجية كانت بمثابة مولِّدات أو مسرِّعات منظمة لإنتاج وتغليظ الأثرياء الجدد التابعين. لاحظنا هذا بوضوح في الدور الذي أداء عثمان أحمد عثمان في قطاع التعمير (الفصلان السادس والسابع)، ثم في مشروعاته للأمن الغذائي ومن خلال شركته "المقاولون العرب" (الفصل العاشر: قطاع الزراعة ـ قطاع المقاولات). وقد فعلت الشركات الدولية الشيء نفسه مع وكلائها والمُقتربين منها، وكذلك البنوك الأجنبية في مصر، ورجال الأعمال النفطيون المدربون على هذه الآليات (كالخاشقجي وغيره ـ انظر الفصل الثاني: قضية الرَّشاوَى).
ولا شك أن جانبًا هامًا من أموال "المساعدات" الأمريكية والخليجية وظفت في الاتجاه نفسه، مع تركيز على أقطاب السلطة والقريبين منها ـ وقد تناولنا أيضًا ـ في إطار تحليل التغيرات الاجتماعية ـ إعادة توزيع الناتج المحلي الإجمالي؛ سواء بواسطة الآليات السابقة، أو من خلال النهب غير المنظم مؤسسيًّا (المضاربة ـ التهريب ـ الاتجار في السلع غير المسعَّرة حكوميًّا ـ شبكات الدعارة.. إلخ. انظر مثلاً الفصل السادس: الصورة الواقعية لتجارة مصر الخارجية، والفصل العاشر. دور المنطقة الحرة في بور سعيد).

وقد تحقق كل هذا في وسط من السيولة الرائدة، أي من ارتفاع معدلات التضخم قفزًا، مع ما يشبه التثبيت في الدخول الإسمية لكل من كانت تشملهم شبكةُ القوانين للمرحلة الناصرية، وعلى رأسهم العاملون في الحكومة والقطاع العام، ولكن شاملين أيضًا أصحاب العقارات السكنية وأصحاب الأسهم في شركات القطاع العام.. إلخ.. إلا أننا حللنا ـ في مقابل هذا ـ دور المال النفطي بأشكاله المختلفة (وخاصة في شكل أجور العاملين في الخارج) في تحييد الآثار الناشئة تلقائيًّا، وبحفزٍ وتسريع مُدبَّر، في مجال إعادة توزيع الدخل، الأمر الذي خفف - أو خدَّر - الآلام المصاحبة للعملية الجراحية، عملية الانتقال إلى التبعية.
إلى جانب الشرح لكل هذه المناحي من التغيرات الاجتماعية، تخللت الدراسة إشارات إلى اتجاهات التغير في بنية النخبة السياسية، وفي هيكل مؤسساتها، وكذلك في توجهات الثقافة والإعلام. وقد قصدنا من الحرص على عرض كافة المتغيرات (بالتفضيل في المجالات الرئيسَةِ للدراسة، وبالإجمالي أو الإشارة في المجالات الأخرى) إلى إثبات مفهوم النسق في تحرك الأعداء، فمخططهم كان يتحرك بتكامل واتساق في كل الجبهات، والواقع أن المغزى الحقيقي لأية خطوة في أية جبهة، كان لا يتبدى إلا على ضوء منطق التصور للمخطط العام أو للنسق العام.
ولكن لا بأس من إضافة سريعة هنا، إلى ما ذكرناه في فصول الكتاب، وبالتحديد في جبهة النخبة والمؤسسات السياسية، وفي جبهة الإعلام. إن تحليل التغيرات التي تمت في هذين المجالين، والمرتبطة بمجمل التغيرات في المجالات الأخرى، يحتاج جهدًا مكثفًا ودراسة مطولة، وحسبنا أن نشير هنا إلى أن التحويرات التي أصابت الطبقة الحاكمة اجتماعيًّا، أصابت النخبة السياسة بشكل أكثر تكثيفًا.
الروابط العضوية بين أعضاء النخبة السياسية وبين عالم الأعمال المرتبط - بدوره – بالخارج، أصبحت من حقائق الحياة اليومية العادية، ولكن يُضاف إلى ذلك استخدام الضغوط السياسية، واستخدام أموال "المساعدات" الحكومية بالذات، وبشكل منظم لترويض العناصر المعارضة، ولتجنيد العملاء وتنظيم تحركهم السياسي باتجاه المخططات الخارجية. والصورة المعلنة لنتائج هذه المحاولات تابعناها في مجلس الشعب (السلطة التشريعية)، لقد رأينا تشكل مجموعات ضغط منظمة تناور وتكذب وتزايد؛ لكي يتجاوز المجلس أي تردد في قبول أو ابتلاع المخططات الخارجية (انظر الفصول الثالث ـ السادس ـ السابع ـ الثامن ـ التاسع).
وقد لمحنا أيضًا التنسيق المنظم بين هذه المجموعات، في المجلس، وبين وزراء في قمة السلطة التنفيذية. وكما حدث تدخل بشع في انتخابات مجلس الشعب لإقصاء عناصر المعارضة الوطنية التي تعذر استيعابها، حدث إقصاء منتظم للوزراء الذين أصروا على المناوءة، وكذلك للعناصر الوطنية في المواقع القيادية للجهاز التنفيذي. ولا توجد معلومات عما تم في هذا الإطار داخل المراكز العصبية الأكثر تأثيرًا (الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة).
وكانت المخططات الخارجية تهدف ـ في الوقت نفسه ـ إلى خلخلة البنية المتماسكة لجهاز الدولة، وتقليص صلاحيات الرئيس داخل النسق السياسي المصري. وهذه المخططات يعلن عنها باسم دولة المؤسسات، وتحت شعارات الليبرالية أو الديمقراطية التعددية. وفي الحقيقة، فإن المركزية التاريخية والفريدة في إدارة المجتمع المصري، تسلح أي حاكم مصري بإمكانيات كبيرة، وتعطيه هامشًا واسعًا نسبيًّا من المناورة في مواجهة الضغوط المحلية أو الخارجية. وفي التاريخ المصري الحديث، أدى مشروع النهضة الذي قاده محمد علي (بمجمل إنجازاته الاجتماعية والدولية وبما تضمنته من تجدد في الجهاز التنفيذي ورفع كفاءته) إلى مزيد من مركزية القرار في يد الحاكم المصري ومزيد من فعاليته. ولذا كان طبيعيًا أن تستهدف المخططات الخارجية في القرن التاسع عشر ـ أثناء إجهازها على مشروع النهضة ـ ضرب هذا الإنجاز المحوري (الفصل الأول). وقد تكرر ذلك في مشروع عبد الناصر. عبد الناصر حقق الإنجاز نفسه، والمخططات الخارجية سعت إلى تقويضه. إنها لا تهدف إلى الديمقراطية التعددية. الهدف: لا مركزية السلطة، أو لا مركزية القرار السياسي؛ حتى لا يكون إسباغ الشرعية على المصالح الأجنبية في يد مؤسسة محلية واحدة (مؤسسة رئاسة الجمهورية)، وهي تتجسد واقعيًّا في شخص واحد. (الفصل الثامن ـ تقرير الشركات العابرة للجنسية). ويبدو أن الرئيس السادات لم يقبل أن يقلص صلاحياته ببساطة، تمامًا كما حاول الخديو إسماعيل أن يرفض في القرن التاسع عشر، وظل يحتفظ بأغلب خيوط الشرعية في قبضته. فلم تنشأ أحزاب مؤثرة من النمط الذي يستهدفه المخططون الخارجيون، تنافس السادات في التجاوب مع السياسة الأمريكية وتصلح كبديل محتمل، وحزب الوفد ـ الذي كان مرشحًا لهذا الدور ـ حُلّ، بل حُلّ حزب مصر الاشتراكي الذي شكله ورأسه ممدوح سالم، باعتباره مركز قوة محتمل، وتولى السادات بنفسه رئاسة الحزب الحاكم (الحزب الوطني). أيضًا لم تنشأ مؤسسات صحفية خاصة، تحصل على تمويلها من خارج الدولة وتملك استقلالية وقدرة على الضغط، بل حدث أن ازدادت السيطرة المركزية ـ من الناحية القانونية ـ على الصحافة وأجهزة الأعلام. أيضًا فشلت محاولة تحقيق استقلال للمؤسسة الدينية الإسلامية (متمثل في أن يحتل شيخ الأزهر موقعه بالانتخاب).. إلخ. إلا أن المخططات الخارجية تلجأ - في هذه الحالة - إلى سياسة الخطوة خطوة، وهي تتضمن خلق أمر واقع، يساعد في انتزاع اعتراف قانوني ـ أي تعديل دستوري وقانوني ـ في مرحلة تالية. وقد حققت في هذا الإطار الشيء الكثير. فمجمل التغيرات في البنية الاجتماعية ـ الاقتصادية ـ وفي تشكيل النخبة الحاكمة السياسية، وضع الأجانب وعملاءهم في موقع التحكم في القرارات الاستراتيجية، وفي السياسات، وتدعم هذا على مستوى القطاعات والمشروعات باتفاقيات القروض الرسمية (الفصلان الثاني والرابع). وهذه الوقائع تحد عمليًّا من صلاحيات الرئيس الرسمية في تغيير السياسات الحالية، رغم استمرار حقه الشكلي في إصدار أية قرارات يراها. فتغيير السياسات الحالية أصبح ركوبًا لمخاطرة شديدة من داخل التشكيلات الاجتماعية والسياسية المحلية، وليس فقط بسبب التهديدات الخارجية السافرة. المخاطر شديدة من الداخل في مواجهة المنتفعين من السياسات الحالية والتابعين في مختلف مواقع القيادة والمسئولية.
نضيف بعد هذا لمحة سريعة، عما تم في مجال الثقافة والإعلام. هنا أيضًا ركزت المخططات الخارجية على إحداث تغييرات عميقة وملائمة لأهدافها. في مجال الثقافة نكتفي بالإشارة إلى سيطرة العناصر المتغرِّبة والعميلة على قيادة التوجه، وإلى عمليات الرشوة الواسعة (بأشكال مختلفة) لمجموعة من ألمع العقول؛ لكي توظف أعمالها في خدمة المخطط العام. وفي مجال الإعلام، نشهد أن عمليات "غسيل الدماغ" كانت بالغة الأحكام، وأسهمت بالتالي إسهامًا مؤثرًا في تشويه سمعة الناصرية وإنجازاتها، وفي إذكاء التناقض مع العرب، وفي إذكاء (ليلة القدر ـ مشروع مارشال العربي ـ مشروع كارتر ـ عام الرخاء.. إلخ).
وأعتقد أن الرئيس السادات كان صاحب الدور الإعلامي الأول، ولكن لا يقلل هذا من دور قادة المؤسسات الإعلامية، إن ارتباط بعضهم بالمخابرات المركزية مسألة معروفة. ولكن التحرك المنسق والمتناغم، وبمختلف الأدوات الفنية المدروسة والمؤثرة، ووفق مراحل أو سيناريو جيد الإعداد، لا يمكن أن يكون صدفة، وهو يشي بأن عدد العملاء المباشرين والمنظمين في أجهزة الإعلام، أكثر ممن نعرفهم بالاسم. لقد كشفت الكتابات عن أنشطة المخابرات المركزية كثيرًا من آليات استخدام الصحافة والإعلام في الدول التابعة لخدمة السياسية الأمريكية، وعلى ضوء هذه المعلومات عن قواعد اللعبة، يمكن لأي باحث أن يكشف كيف أن كل القواعد طبقت ببراعة.. بوسعه أن يكشف كل الخطة الإعلامية، وتقسيم الأدوار بين أبطالها.. إنه بحث في غاية الأهمية ووثائقه منشورة، تحتاج فقط إلى من يُعيد فحصها في سياقها وترابطها.
ننتقل - بعد هذا - إلى نتائج الدراسة في مجالها الرئيسي: الجبهة الاقتصادية، ولا ننكر أننا بدأنا البحث من فرض محدد، يستند إلى فهمنا العام لطبيعة النظام الدولي وآليات العلاقة بين الدول المسطرة والدول التابعة، ويستند إلى تحليلنا لوقائع التاريخ المصري وتاريخ الأمة العربية، وخاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين، ثم يستند على تصورنا المبدئي للتطورات الحادثة منذ أواخر 1973. الفرض الذي بدأنا منه، وحاولت الدراسة أن تمتحنه هو: المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وبالتالي التخطيط الاستراتيجي الأمريكي، يهدف إلى تأمين واستقرار السيطرة الأمريكية على الوطن العربي. ويتطلب هذا الهدف: إبعاد القُوَى الدولية المعادية والمنافسة، عن بؤرة الأحداث إلى أقصى مسافة ممكنة + الاحتفاظ بهامش تفوق عسكري إسرائيل (تختلف الولايات المتحدة وإسرائيل على مداه) + دعم مواقع السيطرة الأمريكية التقليدية في المنطقة العربية، واكتساب مواقع جديدة + تمزيق الصف العربي + إعادة تشكيل الدور المصري، على نحو يتسق مع الهدف والمخطط. هذا هو مخطط السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي.
والنقطة الأخيرة (مصر) نقطة محورية في تحديد النجاح والفشل لمجمل المخطط، وهي النقطة التي دارت دراستنا داخلها. وافترضنا هنا أن الخطة تعني الهبوط بقدرة الدولة المصرية على المناورة المستقلة إلى أدنَى درجة ممكنة، ويتضمن ذلك: السيطرة على القرار المصري في مجال العلاقات العربية، واستخدام هذه السيطرة في توجيه العلاقات المصرية ـ العربية على النحو الملائم للهدف؛ سواء في إقامة محور معينة، أو في الابتعاد عن مشاكل معينة، أو في الاحتجاب الكامل في لحظة مناسبة. ويتضمن ذلك أيضًا التأثير في علاقات مصر الدولية (وخاصة مع الاتحاد السوفيتي)، وبالتالي في قدرتها العسكرية. ويتطلب كل هذا عملاً دءوبًا ومباشرًا، لإعادة تشكيل البنية الثقافية ـ السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية؛ أي للانتقال إلى بنية تابعة عضويًّا، تفرز استقرارًا في التبعية لمخطط السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي.
لقد تابعنا تطورات الاقتصاد المصري (74 ـ 1979) من هذا المنظور، وأعتقد أن الاقتراب من الوقائع، وتحليلها، أثبت صحة الفرض، أو كفاءة المنظور. فتطورات الاقتصاد المصري ـ كما أثبتنا ـ تحققت وَفْقَ تخطيط استراتيجي خارجي، يتكامل ويترابط مع التطورات في المجالات الأخرَى. والقيادة الخارجية التي أشرفت على تنفيذ المخطط الاقتصادي، كانت تتحرك - في تنسيق واضح - مع القيادات القطاعية الأخرى، في إطار الاستراتيجية العُليا، وتحت إمرة القيادة السياسية العليا في واشنطن.
في الجبهة الاقتصادية، تمثلت المؤسسات القائدة في: وكالة التنمية الأمريكية ـ صندوق النقد الدولي ـ البنك الدولي للإنشاء والتعمير ـ الشركات والمصارِف الدولية. والمؤسسات الخليجية كانت مجرد واجهات ومصادرَ تمويلية في يد هذه القيادة.
وكالةُ التنمية الأمريكية، كانت أصرح في التعبير (في وثائقها الرسمية) عن ارتباطِ تحرُّكِها وشروطها باستراتيجية السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي (الفصل الرابع). وكذلك كانت الشركات الدولية صريحة بما فيه الكفاية (الفصل الثامن ـ تقرير الشركات). صندوق النقد والبنك الدولي ـ كالعادة ـ أكثر ادَّعاءً للفنيَّة، وأقل إفصاحًا عن العمق السياسي لتعليماتها الفنية، ولكنْ لم تستطِع وثائقُهما - مع ذلك - إخفاءَ معالم ارتباطهما باستراتيجية السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي، وارتباطهما - بالتالي - بتوجيه وكالة التنمية في مجال السياسات الاقتصادية الملائمة؛ فقد كشفنا التنسيق الواضح في الخطوات الاقتصادية، وفي الدعم المتبادل لمطالب الجهات المختلفة، وفي الضغط المشترك من أجل تحقيقها.
كشفنا أيضًا (خاصة في الفصول من السادس إلى التاسع) كيف ارتبط الجدول الزمني لبرنامجَي صندوق النقد، والبنك الدولي، مع متطلبات ومراحل التطور في جبهة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، واجتماعات المجمُوعة الاستشارية التي يدعو لها ويرأسها البنكُ الدولي، والتي لا تنعقد إلا بعد تقرير من صندوق النقد، يُطمئِن أصحاب "المساعدات" (أي ممولي مشروع إعادة تشكيل البنية الاقتصادية، والأداء الاقتصادي) على أن خطتهم حققت أهدافها. هذه المجموعة الاستشارية لا تنعقد أيضًا إلا في ظل خطاب من وزير الخارجية الأمريكي، يؤكد أن التقَدُّم في جبهة الصراع المصري ـ الإسرائيلي، يمضي بنفس القدر من النجاح. إن الترابط بين هذه المؤسسات في الهجوم على القطاع الاقتصادي، أوضحُ من أنْ يُنكَر، وارتباط هذه المؤسسات بالقيادة السياسية الأمريكية، مثبت بالوثائق في كل مراحل التحليل. ولم نذهب بعيدًا؟ إن المسئولين المباشرين عن الهجوم على الجبهة الاقتصادية المصرية كانوا: رونالد براون (أمريكي ـ وكالة التنمية)، جون جنتر (أمريكي ـ صندوق النقد الدولي)، منير بنجنك (يهودي تركي ـ البنك الدولي للإنشاء والتعمير)، دافيد روكفلر (أمريكي ـ رئيس بنك تشيزمانهاتن، وصاحب الصلات الوثيقة بالدوائر النفطية).
ماذا كانت أهدافهم في الجبهة الاقتصادية؟ كما في التنمية الاقتصادية المستقلة، تتطلب عمليةُ التغيير الجذري السيطرةَ - أولاً - على مفاتيح القرار الاقتصادي بشكل أو آخر، ويعني هذا - في الواقع - نوعًا من السيطرة الفعلية على السلطة السياسية. في حالة التنمية المستقلة، تجد السلطة الوطنية نفسها أمام ضرورة السيطرة على مفاتيح الاقتصاد؛ لتقليل أثر الضغوط الاقتصادية الخارجية (المجسدة في مؤسسات عملاقة) على تشكيل القرارات المحلية، وعلى مجمل التوجه التنموي، ويرتبط بهذه السيطرة الوطنية على مفاتيح الاقتصاد (التي تشمل بالضرورة تأميمات واسعة) - نمطٌ مغايرٌ في توزيع الدخل، ينعكس في أهداف التنمية الاقتصادية (أي: محتواها، بالإضافة إلى أهميته السياسية والاجتماعية). ويرتبط بهذه السيطرة أيضًا، الشروعُ في إنشاء هيكل أسعار مستقل، يتسق ـ إلى أقصى درجة ممكنة ـ مع الأهداف التنموية والتوزيعية، ومع استمرار التنمية الاقتصادية المستقلة، يتركز الاهتمامُ في تغيير الهيكل الاقتصادي، وتحسين الإدارة المركزية، وإنتاجية الوحدات المُختلفة، وعبْر أشواط في هذا الاتجاه (تصاحبها بانتظام تغيُّرات ثقافية واجتماعية ملائمة)، ينشأ أساس وطيد للاستقرار. وقد ضربت الناصرية بالسلاح عام 1967 وهي في هذه المرحلة، فانتقلت ـ في الجبهة الاقتصادية كما في الجبهات الأخرى ـ إلى موقف الدفاع النشِط، دون أن تنهار.
في حالة الانتقال إلى التبعيَّة، كان مفهومًا أن يأخذ التحرُّكُ مسارًا في الاتجاه المعاكس، ولكن بنفس المنطق. بعد اختراق السلطة السياسية، كان الهدف إصدار القرارات المترابطة التي من شأنها تصفيةُ الإدارة الاقتصادية المستقلة، وعودة الإدارة الأجنبية المباشرة؛ كمدخل لإعادة تشكيل البنك، وهيكل التنمية. ومع استمرار التنمية التابعة يتدَّعم الاستقرار بتبعية عضوية، تملك القدرة على التواصل الذاتي، دون اللجوء إلى التدخُّل اليومي لتحديد المسار. في هذا الهجوم،
لم تكن تصفيةُ القطاع العام في ضربة واحدة أمرًا ممكنًا.

كان المدخل الملائم، هو التوغُّل من القطاع الخارجي؛ أي "الانفتاح"، انفتاح الاقتصاد المصري على الأسواق الغربية بشروط هذه الأسواق، وهذه مهمة صندوق النقد الدولي بتعليماته التقليدية، تحت اسم "تحرير التجارة"، وإطلاق حركة الأسعار المحلية؛ لكي يتناظر هيكلها مع الهيكل القائم في الأسواق الغربية. هذه مهمة تقليدية لصندوق النقد الدولي تضمن إعادة إنتاج النظام الدولي.
ومعروفٌ أن البنك الدولي يتدخل - فقط - بعد أن يضبط الصندوقُ الأداء الاقتصادي وفق تعليماته؛ أي يدخل البنك الدولي ليوجه التنمية، في جو الانفتاح المستمر على العالم المسيطر، فتتحدد المشروعات الأنسب للبلد المعين، في حدود أنه خاضع للسيطرة الخارجية، وتقسيم العمل الدولي. ومعروف أيضًا أن الديونَ هي الوسط الذي يتحرك وينمو فيه الاقتصاد التابع، بل إنها من وسائل ربطه (الفصل الخامس ـ نموذج التنمية التابعة في التطبيق).
ولكن مصر كانت حالة خاصة في هذا الإطار العام؛ فهي من ناحية، حالة يرتبط مخطط إخضاعها بوجهة السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي. وهي من ناحية ثانية، حالة تتطلب عملية جراحيَّة معقدة لاستئصال ما نشأ ورسخ في مرحلة التوجه الاستقلالي. الخصوصية الأولى تعني أن الإصرار على تحرير التجارة وهيكل الأسعار المحلية من أي توجيه مركزي وطني، لا يرتبط فقط بالمبدأ العام لصندوق النقد الدولي، ولكن يرتبط أيضًا بإسقاط أيَّة عقبات تمييزية يمكن أن تقيمها الدولة المصريةُ في وجه علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل.
والشيء نفسه بالنسبة لاستراتيجية التنمية؛ فلم يقتصر الهدف على مجرد إرساء هيكل وبنية تابعة بالمعنى العام، ولكنْ وجهٌ أساسي للمخطط، أنْ يكون هيكلُ الاقتصاد متسقًا مع متطلبات السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي، وما يتضمنه من تكامل، ومشروعات مشتركة مع العدو الصهيوني.. الخصوصية الثانية (الإرث الناصري) كانت تتطلب فترة انتقالية تُدار ببراعة، وتتزامن مراحلها مع مراحل الخطوة خطوة في الجبهات الأخرى.
وينقلنا هذا إلى الوسائل التي استخدمتها القيادةُ المشتركة في تحقيق أهدافها الاقتصادية: ينبغي أن نذكِّر دائمًا بأن خطوات التحرك في الجبهة الاقتصادية، كانت مسنودة بالضغط الممثل في احتلال الأرض، وبالتالي بالدور الأمريكي في إجراء انسحابات إسرائيلية؛ لقاء قبول القيادة المصرية للشروط الأمريكية الإسرائيلية في مختلف الجبهات، وضمنها الجبهة الاقتصادية ـ نذكِّر أيضًا بدور التغيرات في بنية المؤسسات السياسية، وفي البنية الاجتماعية ـ ونذكِّر أخيرًا بدور الإعلام في التضليل وبيع الأحلام.
مع تذكر كل ذلك، قلنا إن الهجوم على الجبهة الاقتصادية بدأ من القطاع الخارجي، ونضيف أن الهجوم كان بأسلوب "الحرب الخاطفة". وهو أسلوب يتطلب التضليل من أجل الضربة المفاجئة القاتلة، التي تُحدث الدمار والاختراق الخطير كأمر واقعٍ، قبل أن تُفيق الضحية وتسترد أنفاسها. هذا الأسلوب (ونتائجه المباغتة) يحدث إرباكًا شديدًا ويشل الإرادة في كل الأحوال. وتزداد صعوبة الموقف إذا كانت يد السلطة السياسية مقيدة أيضًا عن التصرف الطليق والمناسب؛ بحيث يصبح طريق الإنقاذ الوحيد هو قبول شروط الخصم لكي يخفف من قبضته.
هذا التكنيك في الهجوم الاقتصادي (كما في الحرب الخاطفة العسكرية) كان يتطلب درجة عالية من إحكام التنسيق بين القوات المهاجمة، وهي كما بانت في المسرح ـ خلال المرحلة الأولى من الهجوم: صندوق النقد ـ البنوك والشركات الدولية ـ ومصادر المنح والقروض الرسمية (وعلى رأسها المصادر الخليجية). كان الصندوق يتفاوض مع السلطات المصرية عام 1974، وكان يتقدم بمطالبَ من شأن الأخذ بها إحداث انهيار مروّع. كان يطالب بفتح الأبواب على مصاريعها فجأة، بل بنزعِها، وبينما الحكومةُ تطالب بالتدرج في تنفيذ الانفتاح، كان الغزاة يستفيدون من الفتح الجزئي للأبواب الرسمية، وأخطر من ذلك أنهم استعانوا بالقوَى الاجتماعية والسياسية المعاونة، التي كانت كامنة في البنية الناصرية؛ لكي يتدفقوا عبر النوافذ والشقوق. وبين حملة تضليلية واسعة حول المعونات المتوقعة، انفتحت المنافذُ أمام طوفان من الاستيراد السلعي؛ فانهار ميزان المدفوعات في عامَي 1974 و1975 (نعم، لم يكن عجزًا في الميزان ولكنْ انهيارًا). وأُغرق الاقتصاد المصري في كم غير طبيعي من الديون المصرفية، ذات الآجال القصيرة والتكلفة المرتفعة (الفصول الأول والثالث والسادس). هذا التوسع المجنون في الاستيراد (مع غَيبة القروض والمنح النقدية بالكميات الموعودة)، تم على يد الموردين والمصارف الدولية، دون أي مبرر عقلاني ـ بمعيار اقتصادي محايد ـ من منظور هؤلاء، أو من المنظور المصري. كان انهيار ميزان المدفوعات، وكان الإغراق في الديون المصرفية عملاً مُدبرًا، وكان رأس الحرية في الهجوم الخاطف. الإغراق في الديون قصيرة الأجل وتلاحق الالتزامات خلق مشاكلَ حادة في التعامل الخارجي (الفصل السادس: تفسيرنا للانهيار). واستخدامات الديون (بأنواعها المختلفة) وما تخللها من منح نقدية حفزت التطلعات الاستهلاكية المشوهة، وخلقت الوقائع الاجتماعية والتخريبية، فتصاعدت بسرعة صاروخية قُوَى الضغط الداخلي المستفيدة من هذه الفوضى الانفتاحية؛ لتساند صندوق النقد (ومن معه) في المطالبة بإسقاط أيَّة ضوابطَ مركزية محلية على إدارة الاقتصاد المصري.
إلا أن الهجوم الخاطف على القطاع الخارجي، لم يكن فقط من الشمال؛ فقد انفتحت - أيضًا - طُرق الهجرة غير المنظمة لقوة العمل المصرية إلى الأقطار النفطية. ومنعت أيَّة ضوابطَ على حركة الهجرة، أو على التحويلات النقدية الناشئة عنها؛ وبالتالي أسهمت هذه التحويلات في فوضَى الاستيراد، وإذكاء التطلعات الاستهلاكية، ولم تستخدم في التقليل من استخدام القروض المصرفية. كانت هذه النتائج للهجوم الخاطف من القطاع الخارجي، أخطرَ ما تحقق في سنوات الانفتاح الأولى، وليس قانون استثمار المال العربي والأجنبي الصادر عام 1974 كما يرد في كثير من التحليلات. لقد أصيبت الإدارة الاقتصادية بارتباك شديدة وتهاوت محاولاتها لدعم الأسعار المحلية (أي للاحتفاظ باستقلال هيكل الأسعار)، خاصة مع منعها من اتخاذ إجراءات تحد من انهيار ميزان المدفوعات، أو تقلل من عجز الموازنة العامة بزيادة الإيرادات الحقيقية؛ سواء بتعليمات سياسية عُليا، أو تحت ضغط المنتفعين من الفوضَى.
وفي الواقع، كان المنتفعون من هذه الفوضى، والذين حققوا دخولاً خرافية من ورائها، أصحاب مصلحة حقيقية في التشبث بالبقاء على أرض مصرَ، وفي العمل السياسي باتجاه مزيد من فتح النوافذ والأبواب. أمَّا المرشحون ليكونوا قوة ضغط مضادة؛ أي المتضررين المحتملين من هذا الانفتاح؛ فإن جُلَّ جَهدهم تطلُّعٌ إلى الهجرة؛ من أجل حلٍّ أيسرَ لمشاكلهم المعيشية.
وسط هذه الوقائع والنتائج، كانت بعثة صندوق النقد تفاوض، وكما في أيَّة مفاوضات، فإن الحديث الدائر يعكس توازن القوى الموضوعي خارج طاولة المفاوضة. وسط الاختناق الحاد بالتزامات الديون، ووسط الارتباك الطبيعي الناشئ، ومع منع الإدارة المركزية من تقرير أو استعادة بعض الضوابط، كان الطريق الوحيد المفتوح لتجاوز الاختناق، هو أن يسمح صندوق النقد بتقديم جرعات نقدية ميسرة لاستيراد الضروريات أو لسد التزامات الديون. وكان الصندوق في مفاوضاته يعرض ـ من موقع القوة هذا ـ قدرًا من هذه "المساعدات" مقابل قبول السلطات لقدر من شروطه، وشروط الصندوق هي ـ في التحليل النهائي ـ أن تتنازل الدولة المصرية. عن صلاحيتها في إدارة الاقتصاد الوطني للجهات الخارجية. إلا أن تصفية الأوضاع المؤسسية للمرحلة الناصرية؛ أي: تصفية الصلاحيات الواسعة في إدارة الاقتصاد الوطني التي انتزعتها الدولة المصرية في تلك المرحلة، لم تكن ـ كما قلنا ـ أمرًا سهلاً؛ ولذا استخدمت لعبة الديون ببراعة، فتتابعت عمليات الإغراق والتيسير المؤقت تحت إشراف صندوق النقد، مع تتابع جولات المفاوضة وانتزاع مزيد ومزيد من التنازلات. وكان الصندوق حريصًا على أن يحيط كل تنازل بضمانات تمنع العدول عنه، وحريصًا على الإسراع في إنشاء قواعد وأوضاع مؤسسية جديدة على أنقاض ما يتحطم. في أواخر 1976 كان مفروضًا أن يحقق الصندوق، ومن معه انتصارهم الحاسم، بالاستيلاء رسميًّا على سلطة إصدار القرار الاقتصادي، جنبًا إلى جنب مع انتهاء انتخابات الرئاسة الأمريكية، واستعدادًا لمرحلة جديدة من اتصالات "أزمة الشرق الأوسط، ولكن اختلت التقديرات مع هبة الشعب في يناير 1977 ضد تعليمات صندوق النقد. وكان هذا مجرد إرجاء للتنفيذ، فمع استمرار الضغط الأمريكي، أي مع ربط الدور الأمريكي في التسوية بتنفيذ تعليمات صندوق النقد، ومع تراكم الديون والمتأخِّرات، وامتناع المصارف والموردين وأصحاب "المساعدات" عن تقديم قروض أو منح جديدة، إلا بعد تنفيذ تعليمات صندوق النقد، أعلن الاستسلام في الجبهة الاقتصادية في مايو 1977، واكتسب حق الغزاة في الإشراف الكامل على إدارة الاقتصاد المصري وضعًا مؤسسيًّا مستقرًا؛ أي تحددت حقوق هذه الجهات، وتحددت مسئولية السلطات المصرية قبلها، بموجب اتفاقيات رسمية؛ لقاء أن تتولى دول الخليج رفع الحصار (انظر الفصل الثالث: التسهيلات المصرفية، والفصل التاسع: الخطوة الحاسمة اتفاقيات الخليج). وهذا بالدقة ما حدث في القرن التاسع عشر، وأُسمِي أيامها: "قانون التصفية".
قبل قانون التصفية هذا، كان الغزاة قد انتزعوا فعلاً عديدًا من التنازلات، ولكن مثلت الاتفاقيات المتتالية والمترابطة في مايو 1977 نقلة نوعية في الاتجاه للتبعية، والتزمت الحكومة ـ في خطاب النوايا ـ بأن تنفذ البرنامج الذي أوضعه صندوق النقد لما أُسمِي: "بإصلاح المسار الاقتصادي"، وبمتابعة الجهات الخارجية. والتزمت الحكومة بأن تقبل العقاب من صندوق النقد (وبالتالي من كل الجهات الدائنة) إذا أخلت بالتزاماتها (الفصل التاسع: خطاب النوايا). والعقاب الاقتصادي لم يكن يعني فقط توقف دول الخليج عن تقديم شرائح قروضها الميسرة، فيعود الاختناق المميت، ولكن يصل العقاب إلى توقيع الحجز على كل أصول الدولة (الفصل الرابع: تضامن الدائنين في عقاب الحكومة المصرية).
كان البرنامج الذي وضعه الصندوق يشمل القطاعين؛ الخارجي والداخلي، ولكن ظلت تقديراته أن القطاع الخارجي هو المدخل المناسب للضغط على القطاع الداخلي، وإدخاله في إطار البرنامج. وقد تمثل نجاحه الجوهري في القطاع الخارجي، في خفض سعر الصرف إلى المستوى الذي حدده، وفي الوقت الذي عينه (أي: انتزع الصندوق حق أن يحدد وحده سعر الصرف).
وتمثل النجاحُ أيضًا في مبدأ إعادة القسم الأكبر من التجارة الخارجية، إلى القطاع الخاص التابع، دون قيد
أو شرط (نظام التراخيص المفتوحة). وكان طبيعيًّا أن تلتزم السلطات المصرية بالنتائج المترتبة على ذلك منطقيًّا وفعليًّا. وبالتحديد في مجال سيطرتها على الأسعار المحلية. لقد تخلت الدولة بداية ـ وبمنطق "الحرية" الاقتصادية ـ عن التدخل الفعلي في أسعار كثير من منتجات القطاع الخاص، وتوالت الضغوط على اعتمادات دعم الأسعار في الموازنة العامة باسم ضغط العجز، والحد من اللجوء إلى التمويل المصرفي. أيضًا توالت الضغوط على دور الدولة في تحديد الأسعار داخل القطاع العام؛ فمع خفض سعر الصرف؛ ارتفعت تكلفة الآلات ومستلزمات الإنتاج المستوردة، وفرض على الدولة في الوقت نفسه أن تتشدد في تحصيل ضرائبها المفروضة على الشركات، وأن تضع سقوفًا على التسهيلات الائتمانية المقدمة لها من بنوك القطاع العام، لتوفير السيولة، ومع هذه المحاصرة، كان تثبيت أسعار بيع منتجات القطاع العام، يعني إفلاس الشركات.







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
قديم 06-09-2011, 03:23 PM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الاقتصاد المصريّ من الاستقلال إلى التبعيَّة00 الفصل التاسع

هذه الضغوط على أسعار القطاع العام، مارست فعلها في إطار الضغط الرئيسي المتمثل في شبح تجدد أزمة الديون الخارجية؛ ولذا التزمت الحكومة بأن ترفع يدها رسميًّا عن أسعار القطاع العام، وأن تُدار الشركات على أسس تجارية بحتة، فتعكس أسعارُ منتجاتها التكلفةَ المحددة للإنتاج مع هامش مناسب من الربح. والتزمت أيضًا بالاتجاه إلى تحرير الأسعار الزراعية من تدخلها. وحدث أن تلكأت السلطات في تنفيذ هذا البند أو ذاك، أمام الخوف من ردود الفعل السياسية، ولكنْ مع الثقة بالنفس بعدما تحقق في مايو 1977، ومع "العصا والجزرة"، كان الصندوق يتمكن عادة من تصحيح المسار نحو تحقيق أهدافه الأساسية.. (انظر الفصل التاسع: صندوق النقد يغضب ثم يتساهل، الفصل العاشر: ميزان المدفوعات والديون).. وللتذكرة، فإن التسليم في الجبهة الاقتصادية كان في مايو 1977 كما قلنا، وبعد هذا التاريخ بأشهر قليلة، كانت رحلة القدس. وللتذكرة أيضًا، فإن تكنيك الهجوم الخاطف والإرباك، كان ناجعًا، ولكن تكنيك السرية والكذب والمناورة، لم يكن أقل نجوعًا.
البنك الدولي يتسلم مهامَّه: كانت التعليمات الخارجية تقضي بمنع قيام مشروعات جديدة، إلى حين الانتهاء من إعادة ترتيب البيت؛ أي إلى حين انتهاء صندوق النقد من مهمته. ومع انتزاع الصندوق لخطاب النوايا، كان البنك الدولي ينتزع بدوره "إعلان سياسة" يلزم الحكومة باستراتيجية تنموية تابعة. هناك من يركز على مهاجمة الانفتاح؛ باعتباره انفتاحًا استهلاكيًّا، وليس انفتاحًا إنتاجيًّا. وهذا الوجه تشوه زائد بالفعل، ولكنه كان ضروريًّا في المرحلة الأولى؛ مرحلة إشاعة الفوضى والإرباك وتقويض النسق القديم. ولا يدهشنا أن تتجه المخططات الخارجية في المرحلة التالية إلى توجيه اهتمام أكثر بالنواحي الإنتاجية، ويمكن أن ترتفع أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر؛ ولذا فإن ما يزعج في المقام الأول، ليس كون الانفتاح استهلاكيًّا أو إنتاجيًّا، الإزعاج الحقيقي هو في جوهر التوجه الاقتصادي نحو هيكل تابع وبنية تابعة، وهو ما تعبر عنه بصراحة استراتيجية البنك الدولي ومن معه (الفصل التاسع: خطوة إعلان السياسة، الفصل العاشر: الخطوط العامة لاستراتيجية التنمية التابعة).
ففي قطاع الزراعة هناك ـ على سبيل المثال ـ جهد تنموي، ولكن في أي اتجاه؟ هناك حرب على القطن في إطار الدعوة لتغيير الهيكل المحصولي. والسبب الحقيقي للحرب، هو أن القطن تحول إلى مؤسسة وطنية مستقلة تتشابك روابطها في الداخل. فمدخلاتها المختلفة مصرية، والصناعة الوطنية تستهلك جزءًا كبيرًا من مخرجاتها، والتسويق الداخلي والخارجي يتم عبر القطاع العام، وتتجه أغلب الصادرات أيضًا من القطن الشعر ومن الغزول والمنسوجات إلى الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية. وتقليص المساحات المزروعة قطنًا وتقطيع أوصال مؤسسة القطن يتحقق ـ كما قلنا ـ في إطار الدعوة لتغيير الهيكل المحصولي، فتنتشر الدعوة إلى ما يسمى مشروعات الأمن الغذائي، وهي ـ في حقيقتها ـ دعوة لزيادة مساحات البرسيم، وإنتاج الدواجن، والخضر والفواكه والزهور. والأسلوب الذي يتحقق به هذا التحول يعني في واقع الأمر أن تحل محل القطن أنشطة تسيطر المؤسسات الأجنبية على مدخلاتها (وخاصة من حيث الخبرة الفنية) وعلى مخرجاتها (من حيث التسويق الخارجي)؛ الأولى تقدمها الولايات المتحدة، وبالثانية تهيمن عليها إسرائيلُ. والأراضي المستصلحة كان مفروضًا أن تكون النموذج الطليعي لزراعة حديثة مستقلة، فأصبحت النموذج الطليعي لهذا النمط التابع، وهي طليعية في هذا الاتجاه بمعنى أن تبعيتها كاملة، فكلها تزرع محاصيل غير تقليدية، وقسم كبير منها لا يسيطر الأجانب عليه من خلال المدخلات والمخرجات فقط، ولكن بالاشتراك المباشر أيضًا في إدارة الشركات المنتجة. ينطبق هذا على الأراضي المُستصلَحة في الوادي، وينطبق كذلك وبطبيعة الحال على الأراضي المستصلحة في سيناء. وفي هذا الإطار تتم أيضًا دراسات مكثفة حول ما يسمَّى ترشيد استخدام مياه الري.. لكن نصدر بعضه إلى إسرائيل ـ ويواكب كل هذا ربط أعيان الريف بالخارج؛ سواء مع تغيير الهيكل المحصولي على النحو الذي أوضحناه، أو مع "تحرير" الأسعار، الذي يعني عودة قسم هام من الفائض الزراعي إلى أيديهم، بدلاً من الذهاب إلى الخزانة المركزية، وينعكس هذا في زيادة دخولهم وإنفاقهم الاستهلاكي، وبالتالي في ربطهم أيضًا ـ كقرنائهم في المدينة ـ بنمط الاستهلاك المستورد (الفصل العاشر ـ قطاع الزراعة).
وفي قطاع الصناعة، تدرك المخططات الخارجية أن التصفية الجسدية لكل منشآت القطاع العام مستحيلة. وتدرك أيضًا أن إنهاء ملكية الدولة للشركات المنتجة، مسألة صعبة وتحتاج وقتًا. وباختصار تدرك المخططات الخارجية أن انفراد القطاع الخاص (الأجنبي والمصري) بملكية وسائل الإنتاج الصناعي، هو تصور غير واقعي في الأجل المتوسط؛ ولذا كان المخططُ الموضوع ذا شُعَب مختلفة. فمن ناحية صدرت التعليمات بوقف المشروعات الجديدة، وفي الوقت نفسه، قُدِّمت كل الحوافز لتنشيط القطاع الخاص في مجال الصناعة؛ بهدف زيادة حجمه المطلق، ووزنه النسبي، (وثبت أن نتائج هذا الحفز لن تكون ناجعة في الأجل المتوسط). وبالنسبة للقطاع العام القائم فعلاً"، فإن تصفية بعض وحداته أمرٌ واردٌ؛ بحجة أنها غير اقتصادية أمام المنافسة الأجنبية من السلع المستوردة، أو المُنتَجة من مشروعات الاستثمار الأجنبي في مصر، وتتمتع بإعفاءات وتيسيرات كبيرة. ولكن أهم من ذلك، أن تسيطر إدارة أجنبية على قسم كبير من المشروعات؛ سواء من خلال مشاركة رمزية في رأس المال، أو من خلال التحكم في المدخلات التكنولوجية والتمويلية (عبر البنوك) أو من خلال السيطرة على التسويق الخارجي، (بشرط إنتاج ماركات عالمية تتطلب إشراف الشركات العابرة للجنسية على عملية الإنتاج). وفي كل الأحوال، فإن شركات القطاع العام فُرِض عليها أن تعمل وفق معاييرَ تجارية بحتة؛ أي وفق معايير الربح والخسارة فقط، وهي معايير تحكمها - إلى حد بعيد - الأسعار العالمية، وبالتالي تعمل هذه الشركات وتحدد أنشطتها وتوسعاتها، وفق توجيهات هذه الأسعار المتحيزة، والتي تسهم في إفراز نمط معين من تقسيم العمل الدولي. إن شركات القطاع العام في هذه الحالة تمثل مضمونًا مخالفًا تمامًا لمضمون القطاع العام في المرحلة الناصرية؛ كقطاع قائد للتنمية المستقلة، إنها قطاع يتألف من وحدات مبعثرة تابعة للخارج، ولا يجمعها بماضيها إلا الملكيةُ الإسمية للدولة. وهذه مسألة مؤقتة أو شكلية كما يقول البنك الدولي نفسه.
لقد وصل القطاعُ العام إلى هذه النهاية، بعد مواجهات متصلة مع خبرة قياداته. وقد هزمت المقاومة من خلال التطورات السياسية العامة، ومن خلال التطورات الاقتصادية الإجمالية التي فتحت باب الاستيراد والتهريب (من بورسعيد وغيرها) بلا حساب، وخفضت سعر الصرف، وحلت المؤسسات العامة (أداة التخطيط والتكامل القطاعي). وهُزِمَت المقاومة أيضًا من خلال عمليات التطهير المتتابعة لقيادات القطاع العام المتمرسة، ومن خلال التشهير الإعلامي بإنجازاتهم وكفاءاتهم، ثم من خلال استنزاف المهارات بمستوياتها المختلفة بالهجرة، أو بالعمل في المشروعات الانفتاحية بأجور أعلى (انظر الفصول من السادس إلى العاشر. وخاصة العاشر: قطاع الصناعة).
أمَّا عن القطاع المصرفي بموقعه الحاكم، فإنه ظل لسنوات متتالية، المجالَ الوحيد الذي تدفق عليه المستثمرون الأجانب بهِمَّة ملحوظة، ويقفز الحجم المطلق لأعمال البنوك الأجنبية، ويتزايد بالتالي الوزن النسبي لها ضمن النشاط الإجمالي للجهاز المصرفي المصري، على حساب التراجع النسبي للبنوك الوطنية. ويعني هذا أن البنوك الأجنبية تستحوذ على حصة متزايدة من مدخرات المصريين بالنقد الأجنبي وبالجنيه المصري (وهي المصدر الأساسي لمواردها)؛ كي تتولى توظيفها وَفْق مخططات قيادتها في الخارج. إنها لم تسهم حتى الآن على نحو نشط في تمويل مشاريع إنتاجية، وتوظف أغلب ودائعها في الخارج، ولكن هذا الموقف قد يتغير بدرجة أو أخرى في مرحلة تالية، ونرى أنه حتى في حالة تغير هذا الموقف، يظل جوهر التشوه والخطورة قائمًا؛ لأن استخدام موارد هذه البنوك في تمويل المشروعات سيظل انتقائيًّا وخاضعًا في معاييره لمنطق استمرار التنمية في الخط التابع للقرارات الخارجية.
والخطير في قطاع البنوك أيضًا، أن بنوك القطاع العام تتحور أيضًا في معاييرها ووظائفها، إلى صورة لا تختلف كثيرًا عن البنوك الأجنبية؛ سواء بسبب ضغوط المخطط العام، أو أمام اعتبارات المنافسة مع البنوك الأجنبية العاملة في مصرَ؛ من حيث معدلات الفائدة، أو من حيث أوجه التوظيف الأعلى عائدًا، في ظل الهيكل العام للأسعار المتحيزة (الفصول من السادس إلى العاشر: بند البنوك الأجنبية).
نُشير في السياق نفسه، إلى قطاع المقاولات الذي فتح رسميًّا عام 1977 أمام الشركات الأجنبية، فلم تتردد لحظة في التدافع. والنقطة المحورية هنا هي أن البنوك تتحكم في التوجه التنموي، من خلال تمويلها للمشروعات، وشركات المقاولات الأجنبية تتحكم في التوجه التنموي، من خلال قيامها بالتنفيذ العيني للإنشاءات (الفصلان التاسع: تعديل قانون الاستثمار، والعاشر: قطاع المقاولات).
بقي أن نتناول القطاعات الرائدة (النفط ـ القناة ـ السياحة ـ العاملون في الخارج). هذه القطاعات خططت الجهات الخارجية لتنميتها بشكل أو آخر، واحتفت كل سنة بنتائجها. وزعمت - على ضوء هذه النتائج - أن الناتج المحلي الإجمالي ينمو بمعدلات غير مسبوقة، وبشرت بأنها ستنهي متاعب مصر عام 1980 (وأسماه الرئيس السادات عام الرخاء). ويُلاحظ في هذا التوجه التنموي التالي: أولا: أن القطاعات الرائدة لا تمثل جهدًا تنمويًّا إنتاجيًّا، بل إن بعضها ينمو على حساب قدرة القطاعات الإنتاجية المحلية على النمو (ويتمثل هذا بشكل حاد في قطاع العاملين في الخارج). ثانيًا: استمرار هذه الأنشطة أو نموها يعتمد بالدرجة الأولى على قرارات خارجية، وهذا تأكيد لتبعية هيكل الاقتصاد المصري للخارج. ثالثًا: هذه القطاعات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتقييد القرار المصري بدخول حرب جديدة مع إسرائيل. ولا يعني هذا مجرد مزيد من تأمين الحدود الجنوبية للعدو الصهيوني في حالة أي عدوان يشنه على إخواننا في الشرق أو الشمال من إسرائيل، ولكنه يعني أيضًا قدرة العدو على ابتزاز مصر؛ بسبب ترددها أمام التكلفة الاقتصادية العالية لقرار الحرب. إن دخل هذه القطاعات أصبح مكونًا أساسيًّا من ناتجها المحلي الإجمالي، وأصبح المصدر الرئيسي لحصيلتها من النقد الأجنبي. وعلاقة هذه القطاعات بالحرب والسلام، هي على النحو التالي: علاقة القناة واضحة، وعمليات توسيعها وتعميقها لم تؤدِّ فقط إلى زيادة دخلها (وزيادة الخسائر المترتبة على إغلاقها بالتالي)، ولكن توسيع مجراها أدى كذلك إلى زيادة كفاءتها كعائق أمام عبور القوات المسلحة المصرية إلى سيناء، مع التواجد العسكري الرمزي شرق القناة ـ علاقة السياحة بقضية الحرب والسلام واضحة أيضًا. فهذا القطاع النامي يتوقف ازدهاره على سيادة حالة من انعدام الاشتباكات المسلحة، بل ويرتبط قسم كبير من ازدهاره يتعاون مصري ـ إسرائيلي في هذا المجال ـ قطاع النفط: يلاحظ أن جهود الشركات تركز على منطقة البحر الأحمر وسيناء؛ أي: على منطقة المواجهة. إن مخطط الشركات لا يهدف حتى الآن ـ كما
لم يهدف في المرحلة الناصرية ـ إلى زيادة الإنتاج بحيث تتحول مصر إلى مصدر كبير للنفط، والكميات المنتجة تظل في المنطقة التي يهددها اندلاع حرب ـ قطاع العاملين في الخارج يرتبط أيضًا ومباشرة بقضية الحرب والسلام، فمع الاستعداد للحرب بعد يونيو 1967، كان طبيعيًّا أن تفرض القيود على انتقال العمالة الفنية، ويفرض التجنيد الإجباري لسنوات طويلة على الشباب. واعتماد هذه الإعداد الكبيرة على فرص العمل في الخارج، واعتماد الاقتصاد المصري المتزايد على تحويلاتها، يمثل قوة ضغط مؤثرة ضد احتمال الحرب وما يرتبط بها من إجراءات مقيدة.

ويجرنا الحديث عن هذا القطاع الأخير إلى الإشارة إلى أن انتقال العمالة المصرية ـ بالتدافع الفوضوي الذي تحقق ـ لم يؤدِّ فقط إلى استنزاف مواقع الإنتاج، ليست النتيجة ـ في المقام الأول نقصًا كميًّا في قوة العمل المدربة، أخطر من ذلك تشوه المراكز العصبية في المجتمع المصري.. تشوه قيمها، وتشوه روابطها الإنسانية والوطنية والقومية. وهذا التشوه ـ إذا استمر ـ أكبر ضمان ضد الحرب، وما تتضمنه من التزام وتضحيات. هذا التشوه نفسه حدث في تعمير منطقة القناة ومناطقها الحرة، فأصبح الوجود البشري المشوه في هذه المنطقة بمثابة خط دفاعي يحمي إسرائيل من قرار مصري بالحرب، والتشوه حدث أيضًا من خلال قطاع السياحة وأسلوب ممارسته.. من هذا الجانب أيضًا، ترتبط قضية "القطاعات الرائدة" بقضية الحرب والسلام. (انظر الفصل العاشر: القطاعات الرائدة).
هناك سؤال مشروع بعد عرضنا السابق: كيف تحقق كل هذا التحول في التوجه المصري بسهولة نسبية؟ حدثت مقاومة - بطبيعة الحال - على مستوى الشارع (بلغت الذروة في يناير 1977)، وتواصلت مقاومة البيروقراطيين والتكنوقراطيين الوطنيين من مواقعهم داخل جهاز الدولة، وبطريقتهم الخاصة، وقد اعتقد أن مقاومة هؤلاء كانت أكثر فاعلية في إعاقة الغزاة.. ولكن كل هذا لا يتناسب مع حجم وطبيعة ما تحقق.. وهذا هو السؤال.. ليس السؤال كيف ولماذا هزمت الثورة الناصرية؟ فأيَّة ثورة يمكن أن تنتكس لأسباب من خارجها أو داخلها، وقد حدث هذا كثيرًا، ولا غرابة في مثل هذه الظاهرة. ولكن أن تُقتَلع من الجذور دون مقاومة ضارية من القوى التي عبرت الثورة عن مطامحها القومية أو المصلحية المباشرة؛ فهذه هي الظاهرة التي تُثير علامة الاستفهام وعلامة التعجب.
ولا يتسع المجال هنا لمناقشة الاجتهادات التي حاولت تفسير هذه الظاهرة. يكفي أن أشير بسرعة إلى تفسيري الخاص. وأبدأ بالاعتراف بسلبيات كثيرة في بنية الناصرية وممارساتها، وعن المسئولية الجزئية لهذه السلبيات في النتيجة الحاصلة، ولكن اختلف مع الانتقادات التقليدية في تضخيمها لهذه النواقص، وبالتالي في أن تكون وحدها تفسيرًا لحالة أننا واجهنا تصفية سهلة، وليس هزيمة وسط مقاومة عنيفة. ويتأكد خلافي مع الانتقادات التقليدية على نحو خاص؛ لأنها ـ حتى في تعدادها لأوجه القصور ـ لا تتناول نقطة الضعف الرئيسية في البنية الناصرية بالاهتمام الواجب، أقصد الصدع الخطير في قمة السلطة بين عبد الناصر وقيادة القوات المسلحة قبل 1967. فالتردد الطويل (أو العزوف) من عبد الناصر في حسم هذا الصراع، كان على صلة بكل أوجه القصور الأخرى (الأقل أهمية)، وكانت النتيجة المترتبة على هذا التردد ما حدث في يونيو 1967، أكبر كارثة أصابت النضال العربي، والإنسان العربي في تاريخنا المعاصر.
ورغم الجهد الخارق الذي بذله عبد الناصر ـ بعد وقوع الكارثة ـ في إعادة بناء القوات المسلحة، ورغم إدارته للصراع تمهيدًا للجولة العسكرية بدرجة عالية من الكفاءة، كان من حظ الرجل، أن ينتقل إلى جوار ربه، قبل أن يكمل مهمته، فمات عبد الناصر مورثًا للأمة هزيمة بالغة المرارة، ولا زالت حصيلتها، تجثم على أنفاسنا حتى الآن. وبعد اختفاء عبد الناصر من مسرح الحياة، كانت حرب أكتوبر على يد السادات. وقد اكتسب السادات - بهذه الحرب - سمعةً عالية؛ باعتباره قائد الحرب المشرفة، وباعتباره السياسي القادر على اتخاذ القرارات، والقادر على التمويه، وعلى إخفاء نواياه، وأصبح مفهومًا - على ضوء ذلك - أن تساند الجماهير عديدًا من خطوات السادات وإجراءاته، حتى وإن بدت شاذة، ومعارضة لكل ما يُعتبر مسلماتٍ؛ سواء بدافع مصداقية القائد المنتصر، أو بتصور أنهم أمام جولة جديدة من حملات التمويه والخداع.
لقد لعب الإعلام (الذي سيطرت عليه بسرعة العناصر الموالية للولايات المتحدة) دورًا بارزًا ومنظمًا في التضليل والتشهير بالناصرية، ولكن رغم كل الإمكانيات التي يملكها الإعلام الحديث، لم يكن ممكنًا تحقيق ما تحقق، لولا الدور الحاسم والفريد الذي لعبه الرئيس السادات شخصيًّا في تشكيك الناس في كل المسلمات؛ في الذاكرة، في التاريخ الذي عاشوه، وفي التجارب التي لمسوها ورأَوها. وهذا أسلوب يستخدم مع الأفراد، فيصل بهم إلى شلل كامل في الإرادة،
أو الجنون. وقد تم هذا على مستوى شعب بأسره.

إلا أن الدور السياسي والتضليلي، لم يكن يكفي وحده؛ فمفعوله كان سيبطل بعد فترة قصيرة، خاصة وأن تصفية الناصرية لا تنحصر فقط في دائرة التوجه الاستقلالي العام؛ أي دائرة المواجهة العربية المباشرة مع الاستعمار والصهيونية؛ فالتصفية تمتد بالضرورة إلى المؤسسات الداخلية، وإلى تهديد المصالح المباشرة لفئات اجتماعية عريضة. وهنا يأتي استخدام آخر للمال النفطي، وتكمُن فيه الإجابة الأساسية عن سؤال: لماذا صفيت الناصرية بهذه السهولة؟ إن الانتقال غير المنظم لقوة العمل المصرية والعربية؛ تزاحمًا خلف حِفنة من المال النفطي، هو ـ في تقديرنا ـ المسئول الأول عن تصفية الناصرية بكل أبعادها، وكجزء من التحلل العام في جسد الأمة العربية ومقاومته. هذا الدور الخطِر للمال النفطي حللناه بشكل كافٍ في الكتاب (الفصل العاشر: القطاعات الرائدة. تصدير العمالة)؛ ولذا نقتصر - في هذه الخلاصة - على مجرد الإشارة والتشديد.. والتشديد مقصود منه أن نهاجم أزمتنا الراهنة في عمقها الحقيقي.
و.. أخشى أن يتصور القارئ أننا أنهينا الكتاب والتحليل ـ في الفصل العاشر ـ بنظرة تشاؤمية؛ فالصحيح ـ كما أعتقد ـ أنني استخلصت من التحليل نظرة واقعية لطبيعة ما يواجهنا من مخططات خارجية، ومن نواقصَ وتشوهات في بنيتنا الاجتماعية، بل والمجتمعية (كأمَّة عربية وليس كمصر فقط). والمسار الذي أوصلنا إلى النتائج الحالية، لم يكن حتمًا أن نصل إليه مع إدارة مختلفة للصراع (بكل ما يتضمنه ذلك من علاقات داخلية وخارجية مغايرة). إن النتائج التي وصلنا إليها جزءٌ لا يتجزأ من مفهوم السلام الأمريكي ـ الإسرائيلي، وأغلب الظن أن الاتفاقيات ربطت بين ابتعاد القوات الإسرائيلية عن سيناء، وبين استمرار المسار الاقتصادي (والمسارات الأخرى المصاحبة)، الذي يضمن بقاء مصر خاضعة وضعيفة؛ أي يضمن الأمن والتوسع
للمشروع الصهيوني، وكسر هذا المسار يتطلب مساندة عربية قوية لأي تحرك مصري.. وكل هذا لا يدعو للتشاؤم؛ لأن بوسعنا أن نتغلب على أنفسنا وعلى أعدائنا، وأن ننهض بإذن الله، إذا وعينا أبعاد الصراع ومسرح العمليات، ومَلَكنا الإرادةَ.

عادِل حُسَيْن
كل الشكر لك
استفدت بكل قيمته
جعل الله فيه الفائدة لكل
باحث ولخير مصر
نووووووووووووور







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:14 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator