![]() |
الشيخ جبر
( نظرت لأعلى ، انتابني خوف شديد من شدة صراخه ، أخذ المنبر الخشبي يرتعد من تحته ، حاولت استبيان ما يقول ، لا فائدة ، صراخه أخذ يتعالى و يتعالى ) ـ حرام عليكم ، حرااااااام عليـكــــــــــــــم ، حرااااااام ، حرااااااااااام ،حراااااااااااااااااااااا ااااام ( أخذ يصرخ بها حتى بح صوته ، عندها تذكرت ما فعله بي ، أليس ما فعلته أول أمس أيضا حرااااااااااااااام ؟ نظرت إلى الخطوط الزرقاء التي رسمها على كفي بعصاه ، كل هذا الألم لأنني أخطأت في كلمة واحدة ؟ كلمة واحدة فقط وأنا أقرأ عليه ما حفظت من القرآن ، أضررت يومها لإخفاء الأمر عن أبي خوفا من تزايد عدد الخطوط ، نظرت إليه ، وجهت كفي من مكانهما خلسة للسماء ) ـ إلهي يا رب المنبر اللي أنت واقف عليه يتكسر بك و تتدحرج من فوقه درجة درجة يا بعيد ، و ينزل على راسك يكسرها ما يعرفوا وشك من قفاك ، و يا رب تكون بعد صلاة عشاء و أنت في المسجد لوحدك ما تلاقي حد يحوشك أو يساعدك أو يشيلك ، قادر يا كريم . ( أعادني صراخه مرة أخرى ، نظرت إليه و أنا أرتعد من شدة الخوف ، عيناه يتطاير منها الشرر ، أخذ يتمايل يمينا و يسارا ) ـ أيها الخسيـــــــس ، أيها التعيــــــــــــــس ، أيها الحقيــــــــــــــــر ، أيها الخنزيـــــــــــــــــر ، أيها ال.... ( مددت يدي بجيب جلبابي خلسة ، حاولت ألا يراني أبي الجالس إلى جواري ، أخرجت قطعة من القطن الذي أحتفظ به لمثل هذه الظروف ، فرقتها إلى نصفين ، دسستهما بأذني ، لا فائدة ، ما زال صراخه يغتصب سمعي ) ـ أيها الزااااااااااااني ، أيها السااااااارق ، أيها الماااااااارق ، أيها الفاااااااااااااااااااسق ، أيها ال........... ( لم أجد مفرا إلا بسد أذني بإصبعي السبابة ، طاردتني العيون من حولي ، نظرت إلى عيون أبي فإذا بسهام التوبيخ تنطلق تجاهي ، نزعت أصابعي بسرعة من شدة الرعب ، جاءني صوت الشيخ ثانية ، يدق رأسي دقا ، يمزق طبلة أذني تمزيقا ، يفترس كل ما بداخلي ، أمواج من الألم تلاحقني ) ـ يا كااااااااافر ، يا فاااااااااااجر ، يا عااااااااهر ، يا خاااااااسر ، يا ماااااااجن ، يا زنديـــــــــــق ، يا زنديــــــــــــــق ، يا زنديـــــــــــــــــق ، يا ............ ( لاااااااااااااااااااااااا ااااا ، سيطر على رأسي ألم رهيب رهيب ، أحاول بكل ما أوتيت من قوة مقاومته و لا أستطيع ، مستحيــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــل ، بوق المجهر يكاد ينطلق إلى داخل أذني ، جسدي يهتز بشدة من قوة ذبذباته ، قلبي و أطرافي ترتعد من هول اهتزازاته ، شيء عملاق أمسك بمطرقة مهولة و أخذ يدق رأسي دقا دقا ، وضعت رأسي بين كفي أسد بهما أذني ثانية ، باغتتني وكزة خاطفة من أبي ، لم أجد أمامي إلا الفرار إلى دورات المياه ، انطلقت أبحث عن ملاذ آمن ، تعرقلت بأقدام المصلين ، هويت مرتطما بأجسادهم ، حاول البعض مساعدتي على الوقوف ، وقفت بينما أحاول التخلص من بين أياديهم ، و انطلقت ثانية ، بكاء شديد أخذ يغلي بصدري ، خفت أن يسمع صوتي أحد ، أسرعت إلى صنبور المياه ، فتحته ، وضعت رأسي تحته ، أخذت أبكي وأبكي و أبكي ، ذابت ملوحة دموعي و انطفأت سخونتها وسط برودة المياه العذبة ، تلاشي صوت بكائي خلف هدير شلالات المياه المتساقطة ، سحبتني بين دواماتها ، لفتني ، أغرقتني ، أخذتني بعيدا بعيدا ، إلى حيث كنت اجلس إلى جدي ( الشيخ علي ) رحمة الله عليه ، ما زالت صورته محفورة بعيني ، يلون وجهه و لحيته الطويلة البيضاء ضوء المصباح الزيتي الصغير ، ابتسامته التي لا تفارق شفتاه تكشف ستر بعض حبات اللؤلؤ المتبقية و التي تحاول الاختباء ، يجلس في طمأنينة و سكينة إلى ( طبلية ) خشبية مستديرة ، كان يجمعنا حولها كل مساء ، يحكي لنا الحكايات ، يمسك بكتابه العتيق الذي خضب الزمن أوراقه البيضاء بالاصفرار ، كم كنا نشتاق لسماع صوته كلما سكت للحظات ، نتلذذ بمداعبة آذاننا بعذوبته ، نطرب لشدو بلابل حروفه التي تتسلل في حنان و رقة إلى القلوب ، وجدته يتطلع إلي بنظرة حانية ، يعبق كياني طيب حروفه التي تنزل على سمعي بردا و سلاما ، يدغدغ مشاعري بهمسه الحاني في أذني ) ـ ( و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) م ن |
رد: الشيخ جبر
سلوى .. رائع طرحك تسلمى على الطرح القيم وفقك الله ويسر امورك دعواتى لك بالصحة والعافية |
رد: الشيخ جبر
أحمد المصرى تسلم على مرورك المميز لك أرق التحايا |
الساعة الآن 10:35 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by