شبكة صدفة

شبكة صدفة (http://www.aadd2.net/vb/index.php)
-   قرآن كريم وصوتيات اسلامية (http://www.aadd2.net/vb/forumdisplay.php?f=120)
-   -   شبهات حول القرآن الكريم (http://www.aadd2.net/vb/showthread.php?t=132905)

الدكتوره 07-29-2011 10:47 PM

شبهات حول القرآن الكريم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
شبهات حول القرآن الكريم

يوجد فى القرأن الكريم العديد من الشبهات التى يمكن التوقف عندها
شبهات لغوية

شبهات أخرى

يتبع





الدكتوره 07-29-2011 10:52 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
الشبهات اللغوية

التعبير بصيغة المضارع بدل الماضي
ورد في القرآن الكريم في سياق الحديث عن خلق عيسى عليه السلام، قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } (آل عمران:59)، والتعبير بأسلوب: { كن فيكون } ورد في أكثر من موضع في القرآن الكريم في سياقات مختلفة .
وقد استشكل بعض الناس مجيء الإخبار بصيغة الحاضر { فيكون } على ما وقع في الماضي، وقالوا: إن مقتضى الكلام أن يقال: ( فإنما يقول له كن فكان )؛ لأن الإخبار عن أمر قد وقع وانتهى، لا يصح أن يكون بلفظ المضارع، وإنما بلفظ الماضي .
وقد أجاب المفسرون على مجيء هذه الآية على هذا الأسلوب، فقالوا:
إن الآية جاءت بصيغة الحاضر بدلاً من صيغة الماضي، جريًا على عادة العرب في الاستعمال؛ حيث يستعملون صيغة المضارع تعبيرًا عن الماضي؛ لاستحضار صورة الحدث، وكأنه يقع الآن. قال ابن هشام في (مغني اللبيب): إنهم يعبرون عن الماضي، كما يعبرون عن الشيء الحاضر؛ قصدًا لإحضاره في الذهن، حتى كأنه مُشاهد حالة الإخبار ".
وعلى هذا الأسلوب جاءت كثير من الآيات القرآنية، غير الآية التي بين أيدينا، من ذلك قوله تعالى: { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا } (فاطر:9) فلم يقل سبحانه: ( فأثارت ) بصيغة الماضي، وإنما قال: { فتثير } بصيغة الحاضر؛ لاستحضار تلك الصورة البديعة، الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب، وكأنها تحدث الآن، حيث تبدو أولاً قطعًا متناثرة، ثم تأتلف وتتداخل فيما بينها، إلى أن تصير ركامًا، ويتشكل منها الماء .
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام و فرعون : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } (القصص:5) مع قوله أيضًا: { ونري فرعون وهامان وجنودهما } (القصص:6) فإن ( المنَّ ) على موسى بالنصر والتأييد قد تم وانتهى، وأصبح من التاريخ والماضي، ولكن جاء الخطاب القرآني بصيغة المضارع { نمن } ليستحضر القارئ صورة النصر والتأييد، وكأن مجريات الأحداث تجري بين ناظريه. وقل مثل ذلك في عاقبة فرعون ، حيث جاء التعبير القرآن بصيغة المضارع { ونري }؛ لاستحضار صورة الهزيمة، والعاقبة الوخيمة التي آل إليها أمر فرعون ومن معه .
ومن الأمثلة الشعرية على هذا الأسلوب، قول الشاعر تأبط شرًا ، وكان قد دخل في صراع مع ضبع من الضباع، يقول في وصف هذا الصراع:
بأني قد لقيت الغول تهوي بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دَهَشٍ فخرت صريعًا لليدين وللجران
فالشاعر قد ضرب الضبع في الماضي، وضَرْبها قد مضى وانتهى، لكن لما قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويطلعهم على حقيقتها، للتعجب من جرأته على كل هول، وثباته عند كل شدة، عبر عن ذلك بصيغة المضارع، فقال: ( فأضربها ) ولم يعبر بصيغة الماضي: ( فضربتها )؛ والذي دعاه للعدول عن صيغة الماضي إلى صيغة المضارع، استحضار تلك الصورة العجيبة، من إقدامه وثباته، حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة .
وعلى هذا الأسلوب أيضًا جاء قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
يُغشون حتى ما تَهِرُّ كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل
فقد عبر الشاعر عن المعنى الذي يريد إيصاله بصيغة المضارع ( تَهِرُّ )، مع أنه يخبر عن أمر قد مضى وانتهى، وما ذلك إلا لبعث الماضي في صورة الحاضر، وتصويره كأنه يحدث الآن .
وهذا الأسلوب الشائع في لغة العرب، والذي جاء القرآن الكريم على وفقه، إنما يُعمل به إذا عُرف المعنى، ولم يكن هناك التباس وغموض .
على أن مجيء الآية على هذا الأسلوب وراؤه أمر بلاغي؛ وذلك أن التعبير بصيغة الماضي يفيد الانقطاع والانتهاء، وهذا غير مراد في الآية، حيث جاءت لتبين الكيفية التي خلق الله فيها آدم ؛ لأنه لو قيل: ( كن فكان ) لصدق هذا التعبير على وجود آدم لحظة واحدة من الزمن، ولو كان قد مات لحظة خلقه .
أما التعبير بصيغة المضارع: { كن فيكون } فيفيد الدوام والاستمرار؛ وهذا يدل على أن آدم وجد، واستمر وجوده حتى أنجب ذكورًا وإناثًا؛ لأن دلالة المضارع تبدأ من الحال، وتستمر في الاستقبال .


يتبع





الدكتوره 07-29-2011 10:55 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
هل في القرآن ما يخالف قاعدة الممنوع من الصرف؟

في اللغة العربية باب يسمى ( الممنوع من الصرف )، يقصد به أهل اللغة: كل اسم لا يلحقه تنوين ولا كسرة، ويجر بالفتحة، تقول: جاء أحمدُ ، بالضم من غير تنوين، وتقول: مررت بـ عمرَ ، فتجر بالفتحة عوضًا عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف .
وقد جاءت في القرآن ألفاظ قليلة، خالفت قاعدة الممنوع من الصرف، من ذلك قوله تعالى: { إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا } (الإنسان:4)؛ فقد جاء في الآية لفظ { سلاسلا } منونًا مصروفًا، وبحسب مقتضى قواعد المنع من الصرف، كان ينبغي أن يمنع هذا اللفظ من الصرف؛ لأنه مشبه صيغة ووزن ( مَفَاعِل )، وهو من صيغ منتهى الجموع، وكل ما جاء على هذه الصيغة، يمنع من الصرف؛ كمساجد، وصوامع، ومنابر؛ فلا ينون، ويجر بالفتحة عوضًا عن الكسرة .
وبحسب هذه القاعدة النحوية، كان الأصل في لفظ { سلاسلا } أن يأتي غير مصروف ( سلاسلَ ) بفتح اللام الثانية من غير تنوين، جريًا على القاعدة المشار إليها، ويكون مجيئه منونًا في القرآن من الخطأ في الكتابة، كما يظن من لم يكن على بينة من أمر اللغة وقواعدها .
وقبل مناقشة هذا القول، تجدر الإشارة إلى أن لفظ ( سلاسل ) قد قرء بالوجهين معًا، وبقراءتين متواترتين؛ فقُرِء مصروفًا { سلاسلا } بالفتح منونًا، وقرء غير مصروف ( سلاسلَ ) بالفتح من غير تنوين .
وبناء على هاتين القراءتين المتواترتين، يكون من قرأ هذا اللفظ بالفتحة ( سلاسل ) من غير صرف، قد وافق القاعدة، ولا إشكال في اللفظ على هذه القراءة؛ لأنها موافقة لقاعدة عدم صرف الأسماء الواردة على وزن صيغ منتهى الجموع ( مفاعل ) .
أما من قرأ هذا اللفظ منونًا بالفتح { سلاسلاً }، فعلى هذه القراءة يرد الإشكال. وقد أجاب المفسرون وأهل اللغة على هذا الإشكال بعدة أجوبة، منها:
أن هذا اللفظ في الآية قد جاء على لغة من يصرف كل ما لا ينصرف. وقد حكى الأخفش - وهو من أئمة اللغة - هذا المذهب وقال: " سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف؛ لأن الأصل في الأسماء الصرف، وترك الصرف لعارض فيها " .
ولهذه اللغة شواهد عديدة من الشعر، من ذلك قول عمرو بن كلثوم :
كأن سيوفنا فينا وفيهم مخاريقٌ بأيدي لا عبينا
وقول لبيد :
فضلاً وذو كرم يعين على الندى سمح كسوب رغائبٍ غنامها
فصرف الشاعر ( مخاريق ) بتنوين الضم، و( رغائب ) بتنوين الكسر، والأصل فيهما عدم الصرف؛ لأنهما من صيغ منتهى الجموع؛ فالأولى على وزن ( مفاعيل ) كـ ( مصابيح )، والثانية على وزن ( مفاعِل ) كـ ( مساجد ) وكلاهما من صيغ منتهى الجموع التي تمنع من الصرف .
ومما أجابوا به على مجيء هذا اللفظ مصروفًا، موافقته للاسمين اللذين قبله، وهما: { شاكرًا } و{ كفورًا }، والاسمين اللذين بعده، وهما: { أغلالاً } و{ سعيرًا }، وهذه الموافقة يسميها أهل اللغة ( الإتباع والمزاوجة )، وهي طريقة متبعة في كلام العرب؛ من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال الملكين: ( لا دريت ولا تليت ) رواه البخاري ، وكان الأصل أن يقال: ولا تلوت؛ فجاء بلفظ ( تليت ) مزاوجة لقوله: ( دريت ) .
ومن ذلك قول تميم بن أبيّ بن مقبل :
هتَّاك أخبية ولاَّج أبوبة يخالط البر منه الجد واللينا
فقوله: ( أبوبة ) جمع باب، وكان المفترض أن يقول: أبواب، لكنه جاء بهذا اللفظ؛ مزاوجة لقوله: أخبية .
ومن الأجوبة أيضًا، أن الرسم القرآني جرى على اعتبار حالة الوقف، فكتابة الألف بعد اللام لقصد التنبيه على إشباع الفتحة عند الوقف، بحيث تصبح ألفًا، من أجل أن تتوافق الفواصل حالة الوقف؛ وذلك كثير، ومن هذا القبيل قوله تعالى: { الظنونا } و{ الرسولا } .
ومن الشعر قول جرير :
يعود الفضل منك على قريش وتفرج عنهم الكرب الشدادا
فما كعب بن مامة وابن سعدى بأكرم منك يا عمرَ الجوادا
فالألف في قوله: ( الشدادا ) و( الجوادا ) ليست عوضًا عن التنوين حال الوقف، وإنما هي ألف الإطلاق، يؤتى بها إشباعًا لفتحة الكلمة، ومراعاة للقوافي ورؤوس الآيات .
وإضافة إلى كل ما سبق، فإن لفظ { سلاسلا } قد جاء في مصاحف مكة والمدينة والكوفة بالألف؛ فكان ذلك دليلاً على صحة مجيء هذا اللفظ مصروفًا .
ومن المهم أن ننبه هنا إلى أن حفصًا عن عاصم ، قد قرأ هذا اللفظ ( سلاسل ) في حالة الوقف بالوجهين، بالألف { سلاسلا } مصروفًا؛ وبتركها { سلاسل } من غير صرف .
على أن القراءات القرآنية روايات مسموعة، ورسم المصحف سنة متبوعة؛ ومجيء لفظ { سلاسلا } مصروفًا، قراءة صحيحة متينة، يعضدها رسم المصحف، وهي جارية على طريقة عربية فصيحة .
وإذا كانت بعض الألفاظ القرآنية قد جاءت على خلاف قاعدة الممنوع من الصرف، بحسب التوجيه الذي ذكرنا، فإن اطراد تلك القاعدة في ألفاظ القرآن هو الأصل؛ كما في قوله تعالى: { في مواطن كثيرة } (التوبة: 25)؛ وقوله سبحانه: { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } (فصِّلت:12)؛ فـكلاً من اللفظين ( مواطن ) و( مصابيح ) قد سُبق بحرف جر، غير أنهما حُرِّكا بالفتحة عوضًا عن الكسرة، لأنهما ممنوعان من الصرف؛ وأيضًا قوله سبحانه: { لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد } (الحج:40)؛ حُرك اللفظان ( صوامعُ ) و( مساجدُ ) بالضمة عوضًا عن تنوين الضم؛ لأنهما ممنوعان من الصرف؛ والمانع من صرف هذه الأسماء وأمثالها، أنها من صيغ منتهى الجموع، كما تقدم .
وقد ذهب بعض الناس - خطأ أو قصدًا - إلى أن ثمة ألفاظًا في القرآن، جاءت على خلاف قواعد اللغة، ومثَّلوا لذلك بقوله تعالى: { ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته } (هود:12)؛ فاللفظ: { ضراء }، جاءت حركته الفتحة، وحقه - بحسب هذا البعض - أن يحرك بالكسرة؛ لأنه في محل جر بالإضافة. وصواب القول في ذلك – كما أسلفنا - أنه مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ ومن المعلوم أن الأسماء المنتهية بألف ممدودة أو ألف مقصورة يمنع صرفها؛ قال ابن مالك في ألفيته النحوية:
فألف التأنيث مطلقًا منع صرف الذي حواه كيفما وقع
وقد عقَّب شارح الألفية ابن عقيل على هذا البيت، بقوله: " فيمنع ما فيه ألف التأنيث من الصرف مطلقًا، أي: سواء كانت الألف مقصورة، كـ ( حبلى )؛ أو ممدودة كـ ( حمراء ) ". واللفظ في الآية موجَّه على ما ذكرنا .
على أن الأمر الأهم هنا، أن القرآن هو الذي ينبغي أن تقاس صحة اللغة عليه، وليس العكس؛ إذ ليس من الصواب أن نجعل الأصل فرعًا، والفرع أصلاً .


يتبع



الدكتوره 07-29-2011 10:57 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
وقفة لغوية مع قوله تعالى: { فقد صغت قلوبكما }

في فاتحة سورة التحريم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم معاتبًا إياه، بسبب تحريمه على نفسه ما أحله الله له، ومما أنزله عليه في ذلك، قوله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } (التحريم:4) .
والآية الكريمة قد يبدو فيها إشكال من جانب اللغة؛ وذلك أن الخطاب في الآية جاء بصيغة التثنية، في قوله: { تتوبا } في حين أن المضاف إلى المخاطب قد جاء بصيغة الجمع، وهو قوله تعالى: { قلوبكما }؛ وقد يبدو للوهلة الأولى، أن الأصح أن يقال: ( قلباكما ) بصيغة التثنية؛ لأنه يعود على المخاطب وهو مثنى. فكيف أضيف الجمع ( القلوب ) إلى المثنى ؟ هذا هو وجه الإشكال كما يبدو للبعض .
وحل ما يبدو من إشكال في هذه الصيغة، إنما يكون بالرجوع إلى لسان العرب، وقواعد اللغة .
والقاعدة عند أهل العربية في هذا الباب: أن كل جزأين أضيفا إلى صاحبيهما، وكانا مفردين من صاحبيهما - بمعنى أنه لا يوجد لهما ثان من جنسهما، كالقلب، والظهر، والبطن _ جاز فيهما ثلاثة أوجه: الأحسن الجمع - وعليه جاءت الآية - ويليه الإفراد، ويليه التثنية، فأنت تقول: ( قطعت رؤوس الكبشين ) على الجمع، وهو الأفصح والأصوب لغة؛ ولك أن تقول: ( قطعت رأس الكبشين ) على الإفراد؛ ولك أن تقول أيضًا: ( قطعت رأسي الكبشين ) على التثنية .
وهذه القاعدة إنما تنتظم في الأشياء المتصلة، والتي هي جزء من كلٍّ؛ كالرأس من الجسد، والقلب من الإنسان، ونحوهما؛ أما ما كان منفصلاً، ولم يكن جزءًا من كل، فلا تستقيم فيه هذه القاعدة؛ فلا يصح لك أن تقول: رأيت أفراسهما؛ ولا أن تقول: ضربت غلمانهما؛ بل الصواب أن تقول هنا: رأيت فرسيهما؛ وضربت غلاميهما؛ لأن كلاً من الفرس والغلام شيء مستقل بنفسه، وليس جزءًا من كل .
وبحسب هذه القواعد، أجاب المفسرون على ما يبدو من إشكال في هذا اللفظ، فقالوا: كل شيء يوجد من خلق الإنسان؛ كالرأس، والظهر، والقلب ... إذا أضيف إلى اثنين جُمع، فأنت تقول: قبَّلتُ رؤوسهما، وأشبعت بطونهما، وأوجعت ظهورهما؛ فـ ( الرأس ) و( البطن ) و( الظهر ) لما أضيفت إلى ضمير التثنية ( هما )، جاء المضاف بصيغة الجمع، ( الرؤوس، البطون، الظهور )، فقالوا: رؤوسهما، وبطونهما، وظهورهما؛ وعلى هذا الأسلوب جاء قوله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما }؛ قالوا: وأكثر استعمال العرب وأفصحه في ذلك، أن يعبروا بلفظ الجمع مضافًا إلى ضمير المثنى؛ لأن صيغة الجمع قد تطلق على الاثنين في الكلام، فهما يتبادلان .
ومما ذكروه من تعليلات في هذا الباب: أن الإتيان بصيغة الجمع دون صيغة التثنية، إنما كان تجنبًا لاجتماع تثنيتين في كلمة واحدة؛ ففي الأمثلة السابقة، يصح أن تقول: قبَّلتُ رأسيهما، وأشبعت بطنيهما، وأوجعت ظهريهما؛ لكن في هذا الاستعمال ثقل في اللفظ، فعدلوا عنه إلى صيغة الجمع، تخلصًا من ثِقَل التلفظ بصيغة التثنية. وهذا أمر معهود في لغة العرب، حيث يعدلون عن استعمال صحيح إلى استعمال أصح منه؛ طلبًا للخفة، وتحريًا لسهولة اللفظ .
وبما أن القرآن قد نزل بلغة العرب، وعلى وفق لسانها في التعبير والبيان؛ فقد جاء لفظ الآية الكريمة { قلوبكما } جريًا على الأفصح من كلامهم، حيث وضع الجمع موضع المثنى، استثقالاً لمجيء تثنتين في كلمة واحدة، كما لو قيل: ( قلباكما ) .
ومما جاء في السنة النبوية على هذا الأسلوب، قوله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين رأياه يمشي مع صفية زوجته رضي الله عنها، ولم يكونا يعلمان أنها زوجته: ( وإني خشيت أن يُقذف في قلوبكما ) متفق عليه، فلم يقل لهما: ( قلباكما ) بصيغة التثنية، وإنما جاء به على صيغة الجمع، فقال: ( قلوبكما ) .
وعلى هذا الأسلوب أيضًا، جاء في الشعر قول خطام المجاشعي :
ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين
فقد جمع الشاعر في هذا البيت بين مثال التثنية، في قوله: ( ظهراهما )؛ وبين مثال الجمع، في قوله: ( ظهور الترسين ) .
إذن، فاللفظ في الآية سليم مستقيم لا إشكال فيه؛ وفصيح صحيح جار على وفق لسان العرب؛ وإنما الإشكال في عدم فهم كلام العرب، وعدم معرفة أساليبهم في البيان والتبيان .



يتبع







الدكتوره 07-29-2011 11:00 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
شبهة حول قوله تعالى: { لا ينال عهدي الظالمين }

جاء في سورة البقرة في سياق الحديث عن إبراهيم عليه السلام، وقصة بنائه للبيت الحرام، قوله تعالى: { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } (البقرة:124). وقد أورد بعض الناس إشكالاً نحويًا في الآية، وذلك أن قوله تعالى: { لا ينال عهدي الظالمين } جاء فيه الفاعل { الظالمين } منصوبًا، وكان المتبادر أن يقال: ( لا ينال عهدي الظالمون )! فما هو توجيه الآية الكريمة ؟
هذه الآية قرأها معظم القراء بنصب { الظالمين } بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وجمع المذكر السالم ينصب بالياء. وقرأ بعض القراء في قراءة غير متواترة بالرفع ( الظالمون ) بالواو؛ لأنه جمع مذكر سالم، وجمع المذكر السالم يرفع بالواو. ويكون { عهدي } على هذه القراءة مفعول به مقدم على الفاعل اهتمامًا به .
والآية على القراءة الثانية لا إشكال فيها. وهي كذلك على القراءة الأولى؛ فقوله تعالى: { لا ينال عهدي الظالمين } جملة مؤلفة من فعل وفاعل ومفعول به؛ أما الفعل فقوله تعالى: { ينال }، والفعل ( نال ) كما يقول النحويون، يتعدى لمفعول واحد لا غير، وهو في الآية { الظالمين }، فتعين أن يكون الفاعل هو ( العهد ) في قوله سبحانه: { عهدي }، وهذا الفاعل مرفوع بضمة مقدرة على ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة لياء المتكلم؛ أما قوله سبحانه: { الظالمين } فهو مفعول به منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
وإعراب الآية على هذا النحو، هو محل اتفاق بين أهل العلم، بل إن أهل العلم ذكروا هنا أمرًا مهمًا، وهو أن الفعل ( نال ) يجوز أن يكون فاعله مفعولاً، ويجوز أن يكون مفعوله فاعلاً، على التبادل بينهما؛ فأنت تقول: نال الطالبُ الجائزةَ، ويجوز لك أن تقول: نالت الجائزةُ الطالبَ؛ لأن ما نالك فقد نلته أنت .
ومعنى الآية على هذه القراءة: لا ينال عهدُ الله بالإمامة ظالمًا، أي: ليس لظالم أن يتولى إمامة المسلمين .
ومجيء الآية على هذا التركيب يفيد معنى مهمًا، وهو أن الظالمين ولو اتخذوا الأسباب التي توصلهم إلى نيل العهد، فإن عهد الله وميثاقه يأبى بنفسه أن يذهب لظالم، أو يكون له؛ لأن الأخذ بعهد الله شرف، وهذا الشرف لا ينال الظالمين .
والآية الكريمة وإن كانت واردة بصيغة الإخبار لا بصيغة الأمر، حيث إنها تخبر أن عهد الله لا يناله ظالم، إلا أن المقصود بهذا الإخبار الأمر، هو أمر الله عباده، أن لا يولوا أمور الدين والدنيا ظالمًا. والذي يُرجح أن يكون المقصود بالآية الأمر لا الإخبار، أن أخباره تعالى لا يجوز أن تقع على خلاف ما أخبر سبحانه، وقد علمنا يقينًا، أنه قد نال عهده من الإمامة وغيرها كثيرًا من الظالمين .



يتبع






الدكتوره 07-29-2011 11:01 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
الضمير المفرد في قوله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه}

في سورة التوبةحديث مفصل عن المنافقين ومواقفهم تجاه الدعوة الإسلامية، ومن بين تلك المواقف، ما أخبرنا عنه قوله تعالى: { يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين }(التوبة:62) .
وقد أثار بعض المشككين إشكالاً لغويًا حول الآية، من جهة أن الضمير في قوله تعالى: { يرضوه } جاء بصيغة الإفراد، مع أن سياق الكلام يعود إلى الله ورسوله، فكان الذي تقتضيه قواعد اللغة أن يأتي الضمير بصيغة التثنية، فيقول: ( والله ورسوله أحق أن يرضوهما )؛ فهل صحيح أن هذا الأسلوب جاء مخالفًا لما تقتضيه القواعد ؟
لقد توقف المفسرون عند هذه الآية، وأجابوا على هذا الإشكال بأجوبة عديدة، تبين أن الآية جاءت على أسلوب العرب، ولا إشكال فيها ولا مخالفة .
ومن الأجوبة في توجيه الآية، أن قوله تعالى: { والله ورسوله أحق أن يرضوه }عبارة عن جملتين؛ الأولى: ( والله أحق أن يرضوه ) والثانية: ( ورسوله أحق أن يرضوه )، فحذف خبر الجملة الأولى ( أحق أن يرضوه ) لدلالة خبر الجملة الثانية عليه، وتقدير الآية: ( والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه ). وإلى هذا ذهب سيبويه في توجيه الآية. قالوا: وهذا كقول الشاعر الجاهلي أحيحية بن الجلاح :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
والتقدير: نحن راضون بما عندنا، وأنت راض بما عندك، ورأينا ورأيك مختلفان، لكن حذف ( الرضا ) في الشطر الأول من البيت؛ لدلالة ( الرضا ) عليه في الشطر الثاني .
وذكر المفسرون توجيهًا ثانيًا للآية، يرى أن في الآية تقديمًا وتأخيرًا، والتقدير: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك. وهذا مذهب المبرد في توجيه الآية. وكلا المذهبين له من كلام العرب ما يؤيده .
ثم إن المفسرين ذكروا هنا، أن الآية جاءت على هذا الأسلوب لاعتبارات معينة:
فإما أن يكون مجيء الضمير بلفظ المفرد دون لفظ المثنى؛ لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، فكانا في حكم مرضي واحد؛ فإرضاء الرسول في الحقيقة هو إرضاء لله سبحانه، وهذا كقوله تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله } (النساء:80) .
وإما أن يكون مجيء الضمير بلفظ المفرد دون لفظ المثنى؛ للتفرقة بين الإرضاءين، رضا الله تعالى، ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كقول الشاعر ضابئ بن الحارث البرجمي :
من يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيَّار بها لغريب
و( قيار ) اسم فرس الشاعر، والتقدير: فإني لغريب بالمدينة، و( قيار ) بها غريب أيضًا؛ وكان الأصل أن يقول: لغريبان، لكن جاء به على صيغة الإفراد؛ لأن إحدى الغربتين مخالفة لأخراهما، فأتى باللفظ على صيغة الإفراد دون التثنية مراعاة لذلك .
وإما أن يكون مجيء الضمير بلفظ المفرد دون لفظ المثنى؛ لتعظيم الجناب الإلهي بإفراده بالذكر تأدبًا؛ لئلا يجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير تثنية، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: ( ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان ) رواه أبو داود .
وبأيٍّ من هذه الاعتبارات أخذنا، فإن الآية تبقى مستقيمة في تركيبها، وصحيحة في معناها .
على أن أمرًا جدير بالذكر في هذا السياق، وهو أنه يشترط لصحة تثنية الضمائر وجمعها توافق ما يراد تثنيته وجمعه من جميع الجهات، فإذا لم يتحقق هذا التوافق من جميع الجهات، لم تجز التثنية ولا الجمع بحال؛ فأنت تقول في تثنية رجل: رجلان، وفي الجمع تقول: رجال؛ لاتحاد أفراد هذا الجنس، لكن لا يمكن أن تثني رجل وامرأة ولا أن تجمعهما مطلقًا؛ ولما كان الله سبحانه ليس كمثله شيء، فقد اقتضى التركيب القرآني في الآية أن يأتي على الشكل الذي أتى عليه .



يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:03 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
من الشبه اللغوية: {وخضتم كالذي خاضوا}

من الشبه المثارة حول القرآن، التي صُنفت على أنها من الشبه اللغوية، ما جاء في قوله تعالى: { كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا } (التوبة:69) .
فقد قالوا حول هذه الشبهة: إن اسم الموصول ( الذي ) في قوله تعالى: { وخضتم كالذي خاضوا } قد جاء في صيغة المفرد، مع أن موصوله ( ضمير الجمع ) قد جاء في صيغة الجمع، وكان المفترض - بحسب القائلين بهذه الشبهة - أن يأتي التركيب القرآني على النحو التالي: ( وخضتم كالذين خاضوا )؛ لتوافق الصلة ( واو الجماعة ) في ( خاضوا ) الاسم الموصول ( الذين ) الدال على صيغة الجمع؛ إذ لا يستقيم الإتيان بالاسم الموصول المفرد ( الذي )، مع مجيء صلته على صيغة الجمع .
والحق، أن التركيب القرآني لا إشكال فيه، بل جاء على وفق لسان العرب، وعلى حسب أسلوبهم في البيان، وبيان ذلك يُعرف ببيان الوجوه التالية:
الأول: أن الاسم الموصول ( الذي ) يُستعمل للمفرد والجمع في كلام العرب؛ فمن أمثلة استعماله مع الجمع، ما جاء في شعر هديل بن الفرخ العجلي:
وبت أساقي القوم إخوتي الذي غوايتهم غيي ورشدهم رشدي
فأتى الشاعر باسم الموصول ( الذي )، مع أن صلته ضمير الجمع في قوله: ( غوايتهم ) .
ومن هذا القبيل في الاستعمال أيضًا، قول الراجز:
يا رب عبس لا تبارك في أحد
في قائم منهم ولا في من قعد
إلا الذي قاموا بأطراف المسد
فجاء الراجز باسم الموصول ( الذي )، مع أن صلته ( واو الجماعة ) في قوله: ( قاموا ) ضمير جمع، فهذا وجه أول يفهم على ضوئه صحة التركيب القرآني .
الثاني: أن يكون الاسم الموصول ( الذي ) صفة لاسم مفرد، لكن معناه الجمع؛ كـ ( الفريق ) أو كـ ( الفوج )، فلوحظ في الصفة اللفظ، وفي الضمير المعنى؛ فلفظ ( الفريق ) و( الفوج ) مفردان، لكن معناهما الجمع. وعلى هذا يكون توجيه الآية: وخضتم كالفوج الذي خاضوا؛ فـ { الذي }- بحسب هذا التوجيه - صفة لاسم مفرد اللفظ ( الفوج )؛ في حين أن ضمير الجماعة ( الواو )، في قوله: { خاضوا }، يعود على معنى الجمع في لفظ ( الفوج )؛ إذ إن معناه الجمع .
وهذا أيضًا استعمال معهود ومعروف في لسان العرب؛ حيث استعملت العرب ألفاظًا صيغتها الإفراد، غير أن معناها الجمع، كلفظ ( القوم )، فهو لفظ مفرد، ومعناه الجمع؛ وكلفظ ( الماء )، فهو لفظ مفرد، ومعناه الجمع، ونحو ذلك. وهذا وجه ثان يُفهم من خلاله صحة هذا التركيب القرآني .
الثالث: أن الاسم الموصول ( الذي ) مخفف من الاسم الموصول ( الذين )، وتخفيف اسم الموصول مستعمل في بعض لغات العرب، كلغة هذيل وتميم، حيث يحذفون النون من المثنى، ويحذفونها من الجمع، من باب التخفيف في اللفظ؛ فمن تخفيفهم الاسم الوصول المثنى، قول الأخطل :
أبني كليب إن عمي اللـذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
فخفف الشاعر الاسم الموصول المثنى ( اللذان )، وجعله ( اللذا )، مع أن صلته ألف التثنية ( قتلا ، فككا ) .
ومن تخفيفهم الاسم الموصول الجمع، قول أشهب بن رميلة :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
فخفف الشاعر الاسم الموصول الجمع ( الذين )، وجعله ( الذي ) مع أن صلته ( هم ) ضمير الجمع .
هذا، وقد أتى سيبويه بهذا البيت شاهدًا على استعمال الاسم الموصول ( الذي )، موضع اسم الموصول ( الذين )، بما يُفهم من مسلكه أن الأمر من باب التخفيف .
فإذا تبينت هذه الوجوه الثلاث، وأمكن حمل التركيب القرآني عليها، عُلم أنه لا إشكال في هذا التركيب مطلقًا، وإنما الإشكال فيمن قصرت أفهامهم عن فهم لسان العرب، وفيمن فسدت ألسنتهم عن معرفة أساليبهم في البيان والتبيين .


يتبع






الدكتوره 07-29-2011 11:05 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
شبهة لغوية حول قوله تعالى: { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم...}

شبهة لغوية قرآنية أخرى نقف عندها في هذا المقال، أثارها من لا علم له بلسان العرب، ولا فقه له بأسرار لغتهم، تلك اللغة التي اختارها سبحانه لتكون لغة القرآن الكريم، أصدق كتاب عرفته البشرية منذ فجر تاريخها، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
تنصَّبُ هذه الشبهة اللغوية حول قوله تعالى: { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفُلك وجَرَيْن بهم بريح طيبة } (يونس:22) وموضع الشبهة في الآية - كما يخيل لأصحابها - هو استخدام أسلوب الخطاب أولاً، في قوله سبحانه: { حتى إذا كنتم } ثم استخدام أسلوب الغيبة في قوله تعالى: { وجَرَيْن بهم } قبل أن يتم المعنى؛ وكان المتسق والمتفق - وفق زعمهم - أن يستمر الأسلوب على خطاب المخاطب من غير التغيير إلى أسلوب الغيبة، حتى يتم المعنى !!
ولا شك، فإن مثيرو هذه الشبهة ومن رأى رأيهم، وسلك نهجهم، ليسوا على معرفة بلغة العرب لغة القرآن، بل هم جاهلون بأساليب تلك اللغة، وخائضون فيما لا علم لهم به .
ونحاول فيما يلي من سطور أن نتلمس كلام أهل العلم حول هذا الأسلوب العربي عمومًا، وعند هذه الآية خصوصًا؛ توضيحًا لما يلتبس على بعض من يغتر بكلام من لا علم له بلسان العرب .
قال أهل العلم عند قوله سبحانه: { حتى إذا كنتم في الفُلك وجرين بهم } ما نصه: هذا خروج من الخطاب إلى الغيبة، وهو في القرآن وأشعار العرب كثير؛ ففي القرآن قوله تعالى: { وسقاهم ربهم شرابًا طهورا * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورًا } (الإنسان:21-22) ففي الآية الكريمة انتقال من خطاب الغائب إلى خطاب الحاضر؛ فبدل أن يقول: ( إن هذا كان لهم ) حسب سياق الآية السابقة لهذه الآية، { وسقاهم ربهم } قال: { إن هذا كان لكم } فغير أسلوب الخطاب من نوع لآخر، وهذا ما يُعرف في علم البلاغة بـ ( الالتفات ) وهو في القرآن كثير، كما سيأتي، وفي أشعار العرب كثير أيضًا، من ذلك قول النابغة :
يا دار ميَّة بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
فبدأ الشاعر أسلوبه مخاطبًا الحاضر، بقوله: ( يا دار ميَّة ) ثم التفت إلى أسلوب مخاطبة الغائب، كما هو واضح في قوله: ( وطال عليها.. ) .
وقول عنترة في معلقته:
شطَّت مَزارُ العاشقين فأصبحتْ عَسِرًا عليَّ طِلابُكِ ابنةَ مخْرَمِ
فبدأ بخطاب الغائب، فقال: ( شطَّت - فأصبحتْ ) ثم انعطف إلى خطاب الحاضر، فقال: ( طِلابُكِ ) .
وقال الزجاج - وهو من أئمة اللغة-: كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه، جاز أن يرده إلى الغائب .
قال بعض المفسرين عند هذه الآية: وفائدة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة هنا المبالغة في وصف الحال التي هم عليها؛ وأيضًا ليتمكنوا من رؤية العبرة في غيرهم، وليست فيهم .
وقال الرازي : الانتقال من مقام الخطاب إلى مقام الغيبة في هذه الآية دليل المقت والتبعيد؛ كما أن عكس ذلك ما جاء في بداية سورة الفاتحة، إذ بدأت السورة بأسلوب خطاب الغيبة، في قوله تعالى: { الحمد لله رب العالمين } ثم عطفت على ذلك بأسلوب الخطاب المباشر، في قوله تعالى: { إياك نعبد } قال الرازي : وهذا دليل الرضا والتقريب .
أما ابن عاشور ، فيرى في الآية أسلوبًا بديعًا؛ إذ إنها لما كانت بصدد ذكر النعمة جاءت بضمائر الخطاب الصالحة لجميع السامعين، المؤمنين وغير المؤمنين؛ وذلك في قوله: { هو الذي يسيركم في البحر } وقوله: { حتى إذا كنتم في الفلك } فلما تهيأت الآية للانتقال إلى ذكر الضراء - وهو الموقف الذي يخالف فيه حالُ المؤمن حالَ الكافر - قال: { وجَرين بهم } ثم قال: { وجاءهم الموج من كل مكان } إلى أن قال: { وظنوا أنهم أحيط بهم } وقع الانتقال من ضمائر الخطاب إلى ضمائر الغيبة؛ لتلوين الأسلوب، وللفت الانتباه إلى تلك الحالة، حالة غير المؤمنين عندما تصيبهم الضراء، فجاءت الضمائر في الآية وَفْق حال الفريقين .
ونحن لو تتبعنا هذا الأسلوب - أسلوب الالتفات من المخاطبة إلى الغيبة أو العكس - في القرآن الكريم لوجدنا العديد من الآيات التي سيقت وَفْق هذا الأسلوب؛ فمن ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - ما جاء في سورة الفاتحة - كما سبق وذكرنا - وأيضًا قوله تعالى: { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنًا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } (المائدة:12) ففي الآية التفاتان؛ أولهما: التفات من خطاب الغائب، في قوله سبحانه: { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } إلى خطاب المتكلم، إذ قال: { وبعثنا منهم } ولو جرى على أسلوب واحد لقال: ( وبعث منهم ). وثانيهما: التفات من خطاب المتكلم، في قوله: { وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا } إلى خطاب الغائب، إذ قال: { وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنًا لأكفرن عنكم ...} .
ومن الأمثلة أيضًا على هذه الأسلوب، قوله سبحانه: { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين } (آل عمران:13) فانتقل هنا من خطاب المتكلم، في قوله: { قد كان لكم } إلى خطاب الغائب، إذ قال: { يرونهم مثليهم } .
فإذا كان هذا الأسلوب شائعًا في القرآن، وجاريًا على سَنَن لسان العرب، فلا يُلتفت بعد ذلك إلى مَن أشكل عليه هذا الأسلوب، أو قال بقول خلافه .
على أن لهذا الأسلوب فوائد أخرى، نشير سريعًا إلى بعضها، وإن لم يكن هذا مقامها:
فمن فوائد هذا الأسلوب، حمل المخاطب على الانتباه عند تغيير الأسلوب، وذلك يكون بالانتقال من خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب أو العكس .
ومن ذلك أيضًا، دفع السآمة والملل، لأن البقاء على أسلوب واحد مع طول الكلام، يسبب الملل غالبًا .
وبما تقدم، يتضح لك - أيها القارئ الكريم - أنه ليس ثمة إشكال في أسلوب الآية الكريمة، وإنما الإشكال فيمن قصر عن فهم كلام العرب ولسانهم، وجهل أسلوب القرآن وطريقة بيانه .



يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:08 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
شبهة لغوية حول قوله تعالى: { إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين }

من الشُّبه اللغوية التي أثيرت حول القرآن الكريم، ما يتعلق بقوله تعالى: { إن رحمت الله قريب من المحسنين } (الأعراف:56) ووجه الشبهة فيما زعموا يتلخص في السؤال الآتي: لماذا لم يُتْبَعْ خبرُ { إنَّ } وهو: { قريب } اسمها، وهو { رحمت } في التأنيث، وكان حقه أن يقول: ( إن رحمة الله قريبة ) إذ ينبغي أن توافق الصفةُ الموصوفَ تذكيرًا وتأنيثًا، وإفرادًا وتثنيةً وجمعًا .
وقبل أن نجيب عن هذه الشبهة، من المفيد أن نقول بداية: إن كلمة { رحمت } في الآية التي بين أيدينا، قد كُتبت بالتاء المفتوحة في المصحف الشريف، وليس بالتاء المربوطة، كما هي في الكتابة الإملائية المعتادة؛ وتعليل ذلك أنها هكذا رُسمت في المصحف العثماني .
إذا تبين هذا، نشرع في الإجابة عن هذه الشبهة، فنقول: إن للعلماء توجيهات عديدة في الإجابة عن هذه الشبهة، بيد أننا نقتصر هنا على أقوى تلك التوجيهات، وأقومها رشدًا، وأقصدها سبيلا .
فمن تلك التوجيهات قولهم: إن من أساليب اللغة العربية، أن القرابة إذا كانت قرابة نسب، تعيَّن التأنيث فيها في الأنثى؛ فتقول: هذه المرأة قريبتي، أي: في النسب؛ ولا تقول: قريب مني. وإن كانت القرابة قرابة مسافة، جاز التذكير والتأنيث؛ فتقول: داره قريب وقريبة مني. قالوا: ويدل لهذا التوجيه، قوله تعالى: { وما يدريك لعل الساعة قريب } (الشورى:17) وأيضًا قوله سبحانه: { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا } (الأحزاب:63) ومن هذا القيبل، قول امرئ القيس :
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
فذكَّر ( قريب ) مع أنه صفة لمؤنث، باعتبار أن القرابة قرابة مكانية لا نَسَبِيَّة.
ومنه أيضًا، قول عروة بن الورد :
عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد
فأنَّث ( قريبة ) وذكَّر ( بعيدًا ) على ما تقدم. ولو كان القريب، من القرابة في النسب، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثًا. فهذا التوجيه الأول للآية .
التوجيه الثاني قولهم: إن صيغة ( فعيل ) تأتي على ضَربين، أحدهما: بمعنى ( فاعل ) كقدير، وسميع، وعليم. والثاني: تأتي بمعنى ( مفعول ) كقتيل، وجريح، وكحيل؛ كله بمعنى ( مفعول ). فإذا أتت بمعنى ( فاعل ) فحقُّها إلحاق تاء التأنيث مع المؤنث دون المذكر؛ كجميل وجميلة، وشريف وشريفة، وصبيح وصبيحة، وصبي وصبية، ومليح ومليحة، وطويل وطويلة ونحو ذلك. وإذا أتت بمعنى ( مفعول ) فلا تخرج عن حالين: إما أن تكون الصفة مصاحبة للموصوف، أو منفردة عنها؛ فإن كانت الصفة مصاحبة للموصوف، استوى فيها المذكر والمؤنث؛ تقول: رجل قتيل، وامرأة قتيل، ورجل جريح، وامرأة جريح؛ وإن لم تكن الصفة مصاحبة للموصوف، فإنها تؤنث، إذا جرت على المؤنث، نحو قتيلة بني فلان. وهذا المسلك هو من أقوى مسالك النحاة في توجيه الآية .
وثمة توجيه آخر للآية حاصله، أن هذا من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر، لكونه تبعًا له، ومعنًى من معانيه؛ فإذا ذُكر أغنى عن ذكره، لأنه يُفهم منه. ومنه على أحد الوجوه قوله تعالى: { إن نشأ ننـزِّل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } (الشعراء:4) فاستغني عن خبر ( الأعناق ) بالخبر عن أصحابها. ومنه أيضًا في وجه، قوله تعالى: { والله ورسوله أحق أن يرضوه } (التوبة:62) فالمعنى عليه: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك. فاستغنى بإعادة الضمير إلى الله، إذ إرضاؤه هو، إرضاء لرسوله، فلم يحتج أن يقول: يرضوهما. فعلى هذا، يكون الأصل في الآية: إن الله قريب من المحسنين، وإن رحمة الله قريبة من المحسنين. فاستُغْنيَ بخبر المحذوف عن خبر الموجود، وسوَّغ ذلك ظهور المعنى .
وقريب من هذا، ما ذكره ابن القيم ، قال - رحمه الله -: " إن الرحمة صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، والصفة قائمة بالموصوف لا تفارقه؛ لأن الصفة لا تفارق موصوفها، فإذا كانت رحمته سبحانه قريبة من المحسنين، فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منها، بل قرب رحمته تعالى تَبَعٌ لقربه هو من المحسنين. وقد تقدم في أول الآية، إن الله تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته، ومن أهل السؤال بإجابته. وإن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده، كما أن العبد قريب من ربه بالإحسان، وإن من تقرب منه شبرًا، تقرب الله منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا، تقرب منه باعًا، فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين، ورحمته قريبة منهم، وقربه يستلزم قرب رحمته. ففي حذف التاء ههنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة. إن الله تعالى قريب من المحسنين، وذلك يستلزم القربين: قربه وقرب رحمته؛ ولو قال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين،لم يدل على قربه تعالى منهم؛ لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته، والأعم لا يستلزم الأخص، بخلاف قربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم، وهو قرب رحمته ". ثم قال - رحمه الله - بعد أن ذكر هذا التوجيه للآية: "...فلا تستهن بهذا المسلك، فإن له شأنًا، وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب... وهو من أليق ما قيل فيها. وإن شئت قلت: قربه تبارك وتعالى من المحسنين، وقرب رحمته منهم متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا كانت رحمته قريبة منهم، فهو أيضًا قريب منهم، وإذا كان المعنيان متلازمين، صح إرادة كل واحد منهما، فكان في بيان قربه سبحانه من المحسنين، من التحريض على الإحسان، واستدعائه من النفوس، وترغيبها فيه غاية حظ لها، وأشرفه وأجلُّه على الإطلاق، وهو أفضل إعطاء أُعطيه العبد، وهو قربه تبارك وتعالى من عبده، الذي هو غاية الأماني، ونهاية الآمال، وقرة العيون، وحياة القلوب، وسعادة العبد كلها. فكان في العدول عن ( قريبة ) إلى ( قريب ) من استدعاء الإحسان، وترغيب النفوس فيه، ما لا يختلف بعده إلا من غلبت عليه شقاوته، ولا قوة إلا بالله " ا.هـ .
على أن الآية الكريمة قد وجِّهت بتوجيهات أُخر، لم نأتِ على ذكرها؛ استغناء بما هو أولى بالاعتبار، واقتصارًا على ما يفي بالمقام، ودفعًا لم يثيره قاصري الأفهام. وأيضًا يتبين بما تقدم، أنه ليس ثمة إشكال في الآية، وإنما الإشكال في الأذهان العليلة، والعقول القاصرة، عن فهم كلام العرب وأساليبهم التعبيرية، والذي على وَفْقه نزل كلام الرحمن. وعلى الله قصد السبيل، وهو الموفق للصواب والتسديد .



يتبع






الدكتوره 07-29-2011 11:15 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
شبهة لغوية حول قوله تعالى: { والصابرين في البأساء والضراء }


من الشُّبه اللغوية التي تعلق بها من يريد الطعن في القرآن الكريم، وبالتالي الطعن في هذا الدين، ما جاء في قوله تعالى في آية البِرِّ: { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء } (البقرة:177) والشبهة التي تعلقوا بها هنا تقول: الصواب أن يقول: ( والصابرون ) بالرفع، لأنه معطوف على قوله: { والموفون بعدهم } والمعطوف على المعطوف يأخذ حكمه، رفعًا ونصبًا وجرًا .

وقد أجاب العلماء على هذه الشبهة، فقالوا: إن {
مَن } في قوله تعالى: { ولكن البر مَن آمن بالله... } اسم موصول يفيد الجمع، وهو في محل رفع، وتقدير الكلام: ( لكن البر المؤمنون والموفون..) ثم قالوا: { والصابرين } هو صفة لـ { مَن } في قوله تعالى: { ولكن البر مَن آمن } نُصب على وجه المدح؛ لأن من شأن العرب - إذا تباعدت صفة الواحد - الاعتراض بالمدح والذم، بالنصب أحيانًا، وبالرفع أحيانًا أُخر؛ فمن أمثلة المدح نصبًا في كلام العرب، قول شاعرهم:

إلى الملك القرم وابن الهمام وليثَ الكتيبة في المزدحم

وذا الرأي حين تغم الامور بذات الصليل وذات اللجم

فنَصَبَ ( ليثَ الكتيبة ) و( ذا الرأي ) على المدح، مع أن الاسم قبلهما ( الملكِ القرم ) مخفوض، لأنه من صفة واحد، لكن نصبه على سبيل المدح والتنبيه؛ ومنه قولهم:

وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم إلا نميرًا أطاعت أمر غاويها

الظاعنين ولما يظعنوا أحدًا والقائلون لمن دار نخليها

فنَصَبَ ( الظاعنين ) على المدح، وحقه الرفع، بدليل قوله بعد: ( والقائلون ) .

ومثله أيضًا، قول قائلهم:

لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هموا سُم العُداة وآفة الجُزْر

النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأُزْر

فنَصَبَ ( النازلين ) على المدح، وحقه الرفع، بدليل قوله بعد: ( والطيبون ) .

ومن النصب على المدح أيضًا، قوله تعالى: {
والمقيمين الصلاة } (النساء:162) مع أنه معطوف على مرفوع، وهو قوله تعالى: { لكن الراسخون في العلم } (النساء:162).

ومن النصب على الذم، قوله تعالى: {
ملعونين أينما ثقفوا } (الأحزاب:61) فنصب على الذم .

ومن أمثلة الرفع في موضع النصب للغرض السابق، قوله تعالى: {
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون.. } (المائدة:69) فرفع { والصابئون.. } مع أنه معطوف على اسم { إنَّ } المنصوب، وحقه أن يقول: ( والصابئين ) لكن عدل عن ذلك، جريًا على عادة كلام العرب وسَنَنِهم في التنبيه والتخصيص، ونحو ذلك .

قال
سيبويه في باب ( ما ينتصب على التعظيم والمدح ): وإن شئت جعلته صفة، فجرى على الأول، وإن شئت قطعته فابتدأته؛ قال: ولو رُفع { والصابرين } على أول الكلام كان جيدًا، ولو ابتدأته فنصبته على الابتداء كان جيدًا .

ثم إن هناك من وجَّه الآية، فقال: النصب في الآية إنما هو من باب الاختصاص، وهو قريب مما تقدم، قالوا: والعرب تنصب على المدح وعلى الذم، كأنهم يريدون بذلك إفراد الممدوح والمذموم، ولا يتبعونه أول الكلام؛ وعليه فإنما نصب {
الصابرين } على الاختصاص؛ مدحًا لحالهم، وحثًا على سلوك طريقهم، لشدته وصعوبته. قالوا: والنصب - على هذا - بفعل محذوف، تقديره: وأمدحُ الصابرين، أو أخصُّ الصابرين، ونحو ذلك مما يقتضيه السباق والسياق، وباب ( النصب على الاختصاص ) باب واسع في كلام العرب .

قال
الخليل بن أحمد : والعرب تنصب الكلام على المدح والذم، كأنهم يريدون إفراد الممدوح والمذموم، فلا يتبعونه أول الكلام .

وقال
أبو عبيدة : النصب على تطاول الكلام وتباعده، ومن شأن العرب أن تغيِّر الإعراب، إذا طال الكلام وبَعُدَ النسق .

وقال صاحب "الكشاف": النصب على المدح، باب واسع، كسَّره
سيبويه على أمثلة وشواهد .

قال أهل اللغة: وهذا أسلوب واسع ومعهود في كلام العرب، لا مطعن فيه من جهة الإعراب .

ثم قال في "الكشاف" حول الشبهة التي نحن بصددها : ولا يُلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربما التفت إليه من لم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان. وقد عقب الشيخ
ابن عاشور على قول الزمخشري بقوله: إنَّ تكرره وتقارب الكلمات يربأ به عن أن يكون خطأ، أو سهوًا، وهو بين كلمتين مخالفتين إعرابه .

على أن هناك من القرَّاء من قرأ {
والصابرون } بالرفع، عطفًا على { والموفون بعهدهم } وهذه قراءة يعقوب ، وهي قراءة متواترة؛ وعلى هذه القراءة فلا مطعن لطاعن في الآية .

فإذا تبين هذا، وعُلِمَ أن الأمر جارٍ وفَقَ سَنَن لسان العرب ولغتهم، لم يبق متمسك لأصحاب هذه الشبهة، بل العيب فيهم إذ جهلوا لغة العرب وأساليبهم في نظم الكلام وسبكه، وكفى بالمرء عيبًا أن يقول ما لا يعلم، فكيف إذا كان يطعن فيما لا علم له به ؟! نسأل الله أن يبصِّرنا الحق ويرزقنا اتباعه، ويجنبنا الزلل والخطأ .



يتبع



الدكتوره 07-29-2011 11:19 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
حول قوله تعالى: {أياماً معدودة} و{أياماً معدودات}

وردت الصفة { معدودة } بصيغة الإفراد في ثلاث آيات في القرآن الكريم؛ الأولى قوله تعالى: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } (البقرة:80) والثانية قوله تعالى: { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة } (هود:8) والثالثة قوله تعالى: { وشروه بثمن بخس دراهم معدودة } (يوسف:20) ووردت هذه الصفة بصيغة الجمع { معدودات } في ثلاث آيات أيضًا، وردت جميعها وصفًا لـ ( أيام ) الأولى قوله تعالى: { أياما معدودات } (البقرة:184) وردت بعد الحديث عن فرضية صيام رمضان؛ والآية الثانية قوله تعالى: { واذكروا الله في أيام معدودات } (البقرة:203) والثالثة قوله سبحانه: { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } (آل عمران:24) والحديث هنا مقصور على المواضع التي جاءت فيه هذه الصفة - مفردة أو جمعًا - صفة لـ ( أيام ) فنقول:
قد استشكل البعض وصف ( أيام ) بـ { معدودات } لأن { أياما } جمع ( يوم ) وهو مذكر، و{ معدودات } واحدها { معدودة } وهو مؤنث، فكيف تقع صفة له ؟ هذا أولاً؛ وأيضًا لقائل أن يقول: لِمَ كانت الأولى: { معدودة } والثانية: { معدودات } والموصوف في المكانين موصوف واحد، وهو { أياما } ؟ والجواب على هذا الإشكال يُعرف بالرجوع إلى كتب التفسير أولاً .
- يجيب الإمام الرازي على هذا الإشكال، فيقرر أصلاً في المسألة، حاصله: أن الاسم إن كان مذكرًا، فالأصل في صفة جمعه، أن يُجمع بـ ( التاء ) المربوطة؛ فأنت تقول: كيزان مكسورة، وثياب مقطوعة؛ والأولى جمع ( كوز ) وهو مفرد مذكر، والثانية جمع ( ثوب ) وهو مفرد مذكر أيضًا، وجاءت صفة جمعهما بـ ( التاء ) المربوطة، إذ هو الأصل في مثل هذه الجموع؛ أما إن كان الاسم مؤنثًا، فالأصل في صفة جمعه، أن يُجمع بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطة؛ فأنت تقول مثلاً: جرار مكسورات، وخوابي مكسورات، والأولى جمع ( جرة ) والثانية جمع ( خابية ) وجاءت صفة جمعهما بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطة. فهذا الأصل في هذه المسألة، كما يقرره الرازي .
بعد أن قرر الرازي هذا الأصل، رأى أن هذا الأصل ليس مطردًا دائمًا، بل قد تأتي صفة الجمع، لما كان واحده مذكرًا بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطة في بعض الصور؛ واعتبر أن ذلك يأتي نادرًا في اللغة، وهو - حسب رأيه على خلاف الأصل - نحو ( حمَّام ) يُجمع على ( حمامات ) و( جمل ) يُجمع على ( جمالات ) وحَمَل قوله تعالى: { أياما معدودات } في مواضعه الثلاثة على أنه جاء به القرآن على خلاف الأصل، وحسب تعبيره: بما هو الفرع؛ أما قوله تعالى: { أياما معدودة } فجاء وفق الأصل. هذا حاصل جواب الرازي على هذا الإشكال .
وأنت إذا أمعنت النظر فيما أجاب به الرازي على هذا الإشكال، وجدت أن في النفس منه شيئًا؛ وذلك أنه جعل قواعد اللغة هي الأصل، وقاس عليها ما جاء في القرآن؛ والحق الذي ينبغي أن يقال في مثال هذا: إن ما جاء في القرآن الكريم هو الأصل الذي ينبغي أن تبنى عليه قواعد اللغة، ويُخرَّج عليه ما هو أصل وما هو فرع، وما هو قاعدة وما هو استثناء؛ ولأجل هذا المأخذ، نرى أن ما ذهب إليه أبو حيان في هذه المسألة أصوب مسلكًا، وأقوم منهجًا؛ وإليك حاصل رأي الأخير في الجواب على هذه المسألة .

- يذهب أبو حيان إلى أن صفة الجمع الذي لا يعقل - وهو في مسألتنا ( أيام ) - تأتي على وجهين؛ فالجمع تارة يعامل معاملة الاسم المؤنث المفرد، فتأتي صفته بـ ( التاء ) المربوطة؛ وتارة يعامل معاملة جمع المؤنث السالم، فتأتي صفته بـ ( الألف ) و( التاء ) المبسوطة؛ فمثال ما عومل معاملة الاسم المؤنث المفرد، قوله تعالى: { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } (البقرة:80) حيث جاءت الصفة هنا { معدودة } معاملة الاسم المؤنث المفرد؛ ومثال ما عومل معاملة جمع المؤنث السالم، قوله تعالى: { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات } (آل عمران:24) فـ { معدودات } جمع لـ { معدودة } وعوملت هنا معاملة جمع المؤنث السالم؛ مع أنه لا يصح لك، ولا يستقيم لغة أن تقول: يوم معدودة، إنما الصواب أن تقول: يوم معدود؛ لأنه مذكر، لكن جاز ذلك في جمعه، فهما طريقان فصيحان لغة؛ كما تقول: جبال شامخة، وجبال شامخات، وأعمدة راسخة، وأعمدة راسخات. فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر الذي لا يعقل، تارة كصفة الاسم المؤنث المفرد، وتارة كصفة جمع المؤنث السالم. فكما تقول: نساء قائمات، كذلك تقول: جبال راسيات. قال أبو حيان : وذلك مقيس مطرد فيه، أي: هذان الطريقان صحيحان، ومستقيمان في لسان العرب .
ف أبو حيان - كما ترى - يجعل كلا الاستعمالين صحيحين فصيحين ومستقيمين لغة، ويفيد قوله أن كلا الاستعمالين مسموع في كلام العرب، والقرآن جاء على وفاقهما، فمرة جاء بهذا، وتارة أتى بذاك. فليست المسألة - وَفْقَ أبي حيان - مسألة أصل وفرع، وإنما المسألة بمسلكيها أصل برأسه .
أما الشيخ ابن عاشور - رحمه الله - فقد وافق أبا حيان فيما ذهب، ولم يعرج على قول لغيره، بَيْدَ أنه رأى في المسألة تحقيقًا، غفل عنه أبو حيان ، ينبغي أن يُلتفت إليه، فقال بعد أن ذكر قول أبي حيان في المسألة: " ويظهر أنه ترك فيه تحقيقًا؛ وذلك أن الوجه في الوصف الجاري على جمع مذكر إذا أنثوه، أن يكون مؤنثًا مفردًا؛ لأن الجمع قد أُوِّل بالجماعة، والجماعة كلمة مفردة، وهذا هو الغالب. غير أنهم إذا أرادوا التنبيه على كثرة ذلك الجمع، أجروا وصفه على صيغة جمع المؤنث؛ ليكون في معنى الجماعات، وأن الجمع ينحل إلى جماعات كثيرة، ولذلك فأنا أرى - والكلام ل ابن عاشور - أن { معدودات } أكثر من { معدودة } ولأجل هذا قال تعالى: { وقالوا لن تمسسنا النار إلا أياما معدودة } (البقرة:80) لأنهم يقللونها غرورًا أو تغريرًا، وقال هنا { معدودات } لأنها ثلاثون يومًا، وهذا مثل قوله في جمع ( جمل ) { جمالات } (المرسلات:33) على أحد التفسيرين، وهو أكثر من ( جِمال ). هذا نص كلام ابن عاشور تقريبًا .
ف ابن عاشور لم يتوقف في المسألة عند القول: إنها من باب الأصل والفرع، كما ذهب إلى ذلك الرازي ؛ ولم يتوقف في المسألة أيضًا عند قول أبي حيان - على صوابه - من أن الوجهين صحيحان لغة، ومستقيمان لسانًا؛ ويذهب في الأمر أبعد من ذلك؛ ويرى أن المسألة لا ينبغي أن يوقف بها عند قواعد اللغة فحسب، بل ينبغي أن تفهم فهمًا أبعد من ذلك، فهمًا يقوم على أساس فقه اللغة وأسرارها. ولأجل هذا الملحظ، يرى ابن عاشور في المسألة معنى زائدًا وكاشفًا عن مقصود المغايرة بين اللفظين القرآنيين. ويقوَّي ما ذهب إليه ابن عاشور القاعدة البلاغية التي تقول: إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ؟
هذا، ولم تخرج كتب النحو واللغة عما تقرر ذكره آنفًا، فهي تقول في هذا: يجوز أن يُنعت جمع غير العاقل بمفرد مؤنث، فأنت تقول: زارني فلان قبل أيام معدودة، أو أيام معدودات؛ وتقول أيضًا: ليس حول دمشق جبال شاهقة، أو جبال شاهقات. فجاء الوصف في كلا المثالين ونحوهما تارة بصيغة المفرد، وأخرى بصيغة الجمع. فدل على أن كلا الاستعمالين صحيحان لغة وفصيحان لسانًا. وبهذا يُعلم أن اللفظ القرآني في موضعيه، قد جاء على وَفْق اللغة وقواعدها .



يتبع






الدكتوره 07-29-2011 11:22 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
شبهة لغوية حول قوله تعالى: { إن الذين آمنوا ...والصابئون }

من الشبه اللغوية التي أثيرت حول القرآن الكريم، ما جاء في سورة المائدة في قوله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } (المائدة:69) قال أصحاب هذه الشبهة: لِمَ لم ينصب المعطوف { الصابئون } على اسم { إن } وهو { الذين آمنوا والذين هادوا } ومقتضى القواعد النحوية أن يقال: ( والصابئين ) لأن اسم ( إنَّ ) منصوب، وما عُطف عليه فحقه أن يكون كذلك، ورفعه من الخطأ البيِّن. هذا ما قالوه في هذه الآية، والرد على الشبهة بأن يقال:
إن مجيء الآية على النحو الذي جاءت به، هو وجه من وجوه بلاغة القرآن، وجانب من جوانب إعجازه، يوضِّح هذا ويؤكِّده ما جاء عن أئمة اللغة في توجيه هذه الآية الكريمة .
قال الخليل و سيبويه : رفع ( الصابئون ) في الآية محمول على التقديم والتأخير؛ والتقديم والتأخير أمر جار ومعهود في كلام العرب، وهو كثير في القرآن الكريم، يعلمه كل من كان على دراية وعلم بلغة القرآن وأسلوبه، قالوا: وتقدير الكلام في الآية: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك ) قالوا: ومن ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
أي: وإلا فاعلموا أنا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم كذلك.
وعلى هذا، فإن ( الصابئون ) في الآية على نيَّة التأخير بعد خبر { إنَّ } وهو مبتدأ لخبر محذوف تقدير الكلام: ( والصابئون كذلك ). وعلى هذا قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيَّار بها لغريب
أي: فإني بها لغريب، وقيَّار كذلك .
وقال بعض أهل العلم في توجيه الآية: إن خبر { إن } محذوف، دلَّ عليه قوله سبحانه: { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } قالوا: وجملة { والذين هادوا } معطوفة على جملة { إن الذين آمنوا } ومحلها الرفع؛ لأنها جملة ابتدائية، وما عطف عليها كذلك، وجملة { والصابئون } من المبتدأ والخبر المحذوف، معطوفة على الجملة المرفوعة قبلها؛ فالعطف هنا عطف جُمل على جُمل، وهي مرفوعة، فلأجل هذا جاء قوله تعالى: { والصابئون } مرفوعًا، عطفًا على ما قبله من جُمل مرفوعة .
وثمة من يرى من العلماء أن { إنَّ } في الآية بمعنى ( نعم ) كقول الشاعر:
ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت: إنَّه
قال الأخفش: ( إنه ) بمعنى ( نعم ) والهاء أدخلت للسكت. وعلى هذا القول، فـ { الصابئون } في الآية رُفع على الابتداء، وحُذف الخبر لدلالة الثاني عليه؛ والعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام، وانقضاء الاسم والخبر .
والحق، فإن اللغة العربية تسع كل ما قيل في توجيه الرفع في هذه الآية، ولا يخفى ذلك على كل من كان ملمًّا بعلوم العربية وفقهها. وإذا كان الأمر على ما ذكرنا فلا يعوَّل على ما قيل من شبهة حول هذه الآية الكريمة، إن يقولون إلا ظنًا، والحق أحق أن يتَّبع لو كانوا يعلمون .



يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:28 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
شبهات اخرى

شبهات حول مصدرية القرآن


لا يزال الحديث موصولاً بالشبهات التي تثار حول القرآن الكريم، ووقفتنا اليوم مع شبهة تقول: إن مصدر القرآن لم يكن وحيًا من السماء أوحاه الله إلى نبيه محمد ، بل كان مصدره الكتب السابقة. وقد استدلَّ أصحاب هذه الشبهة على ذلك بأمور، نجملها فيما يلي:
- أن خمسة وسبعين في المئة من آيات القرآن مقتبسة من الكتاب المقدس للنصارى ( العهد الجديد ) وفي هذا يقول القس أنيس شروش : " إن هناك نصوصًا عديدة من مقاطع العهد الجديد قد استعارها القرآن واقتبسها من الكتاب المقدس؛ فهناك مثلاً حوالي ( 130 ) مقطعًا في القرآن مستوحاة من سفر المزامير " .
- واستدلوا أيضًا بأن الرسول كان قد استعان بـ بحيرا الراهب، ونسطور في كتابة بعض آيات القرآن !!
- ثم قالوا: إن الرسول كان يقرأ ويكتب، بدليل أنه مارس التجارة في شبابه، وهي تستلزم معرفة الكتابة والحساب، وأيضًا فقد أمر الرسول عندما حضرته الوفاة بكتاب، ليكتب عهده للصحابة، كما ثبت ذلك عنه في عدد من الأحاديث .
- واحتجوا بقوله تعالى: { اقرأ باسم ربك الذي خلق } (العلق:1) على أن محمدًا كان يعرف القراءة والكتابة، وإلا لما طلب منه القرآن أن يقرأ ؟!! وإذا ثبت أن الرسول لم يكن أميًّا، بل كان قارئًا وكاتبًا، فقد تعيين أن يكون القرآن من تأليفه، وليس وحيًا من السماء أوحي إليه .
هذا حاصل ما استدل به أصحاب هذه الشبهة، من أن مصدر القرآن لم يكن وحيًا من السماء !!
والجواب على هذه الشبهة، يستدعي تفنيد كل دليل من الأدلة التي استدلوا بها، فنقول:
- ينبغي أولاً أن نحرر مفهوم ( الاقتباس ) لنعرف مدى صحة القول القائل: إن القرآن مقتبس من الكتب السابقة، فما هي حقيقة هذا المفهوم ؟ وهل ما في القرآن من أحكام وأخبار، ينطبق عليه مفهوم ( الاقتباس ) ؟
إن حقيقة ( الاقتباس ) التام: أنه نقل فكرة ما، إما نقلاً كليًا أو نقلاً جزئيًا، بحيث لا يزيد الناقل المقتبس شيئًا؛ أما إذا زاد الناقل وأضاف وعدل بعض الأفكار وصححها، فإن هذا لا يسمى اقتباسًا، هذا أولاً .
ثم يقال ثانيًا: هل يعتبر مجرد الاتفاق على وقوع قصة ما، ونقل أحداثها ومجرياتها، اقتباسًا ونقلاً ؟ ألم تقع القصة واقعًا، وجرت أحداثها حقيقة، فكيف يمكن حينئذ أن يكون نقلها وسَوْقُ أحداثها اقتباسًا ؟ نعم: لو أن القرآن لم يأتِ بجديد؛ وكان بعض ما فيه أو أكثره نسخة عن الكتاب المقدس، لصح أن يقال: إن القرآن اقتباس من الكتاب المقدس؛ غير أننا وجدنا أن القرآن قد أضاف وعدَّل وصحَّح في كثير من الأحكام والوقائع، فكيف يصح - والحال كذلك - أن يسمى هذا اقتباسًا ؟
إن الناقل المقتبس أسير من ينقل عنه ويقتبس منه، فهو لا يضيف جديدًا، ولا يصحح خطأ...وليس الأمر في القرآن كذلك، بل هو على خلاف ذلك كما سبق وذكرنا .
- وعلى هذا فإن القول بأن ما نسبته 75% من القرآن مقتبس من الكتاب المقدس، قول لا يستند إلى دليل، ولا يقوم على برهان .
- على أن المتأمل في موضوعات الكتاب المقدس، وموضوعات القرآن الكريم، يظهر له بجلاء، الفارق الكبير بين موضوعات هذا وذاك، سواء أكان ذلك من جهة المضمون، أم من جهة الأسلوب؛ ويكفينا في هذا المقام للتدليل على صحة ما نقول، أن نقارن بين بشارة زكريا بـ يحيى كما وردت في القرآن في سورتي آل عمران و مريم ، مع ما جاء في الإنجيل .
فبشارة زكريا بـ يحيى عليهما السلام، كما ورد ذكرها في النص الإنجيلى:
" لم يكن لهما يعنى زكريا وامرأته ولد. إذ كانت اليصابات يعنى امرأة زكريا عاقرًا. وكان كلاهما متقدمين فى أيامهما، فبينما هو يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر، وكان كل جمهور الشعب يصلى خارجًا وقت البخور. فظهر له ملاك الرب واقفًا عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لاتخف يا زكريا ؛ لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك اليصابات ستلد لك ولداً وتسميه يوحنا ، ويكون لك فرح وابتهاج. وكثيرون سيفخرون بولادته؛ لأنه يكون عظيمًا أمام الرب. وخمرًا ومسكرًا لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس، ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء. والعصاة إلى فكر الأبرار، لكي يهيء للرب شعًبا مستعدًّا. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا وأنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها ؟! فأجاب الملاك وقال: أنا جبرائيل الواقف قدام الله. وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتًا ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذى يكون فيه هذا؛ لأنك لم تصدق كلامي الذى سيتم فى وقته. وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا فى الهيكل. فكان يومئ إليهم. وبقى صامتاً.." إنجيل لوقا ، الإصحاح الأول: (7- 22) .
أما بشارة زكريا بـ يحيى، حسب النص القرآني:
{ هنالك دعا زكريا ربَّهُ قال رب هب لى من لدُنك ذريةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي فى المحراب أن الله يُبشرك بيحيى مصدقًا بكلمة من الله وسيدًا وحصورًا ونبيًّا من الصالحين * قال رب أني يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر قال كذلِكَ الله يفعلُ ما يشاء * قال ربِّ اجعل لي آية قال آيتك ألا تُكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا واذكر ربك كثيرًا وسبح بالعشى والإبكار } (آل عمران:38-41) .
{ ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربَّه نداءً خفيًّا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبًا ولم أكن بدعائك ربِّ شقيًّا * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرًا فهب لي من لدنك وليًّا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضيًّا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا * قال رب أًنَّى يكون لي غلام وكانت امرأتى عاقرًا وقد بلغت من الكبر عتيًّا * قال كذلك قال ربك هو عليَّ هينٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويًّا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا * وحنانًا من لدنَّا وزكاةً وكان تقيًّا * وبرًا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيًّا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًّا } (مريم:2-15) .
إن المقارنة بين نص الإنجيل لهذه الواقعة وبين النص القرآني، تظهر فوارق بين النصين لا مجال لنكرانها، وتبطل هذه المقارنة في الوقت نفسه دعوى أن نصوص القرآن مقتبسة من الإنجيل، وبيان ذلك فيما يلي:
- في سورة " آل عمران" تقدم على قصة بشارة زكريا بيحيى، قصة نذر امرأة عمران ما في بطنها خالصًا لله. في حين أنه لم يرد ذكر لهذا في النص الإنجيلي .
- النص القرآني أخبر أن امرأة عمران ولدت أنثى؛ وكانت ترجو أن يكون المولود ذكرًا، وهذا أيضًا لم يأتِ له ذكر في النص الإنجيلي .
- ذَكَر النص القرآني، كفالة زكريا للمولودة " مريم " وأخبر عن وجود رزقها عندها، وبيَّن أن مصدر هذا الرزق هو الله. وهذا بدوره لم يرد ذكره في النص الإنجيلي .
- ربط النص القرآني بين قصة الدعاء بمولود لـ زكريا ، وبين قصة مولودة امرأة عمران . وهذا لا وجود له في النص الإنجيلي .
- ذَكَر النص القرآني دعاء زكريا ، في حين أننا لا نجد ذكرًا لذلك في النص الإنجيلي.
- تناول النص القرآني ما رتبه زكريا على هبة الله له وليًّا، وهو أن يرثه ويرث من آل يعقوب . بينما لم يرد ذكر لهذا في النص الإنجيلي .
- بيَّن النص القرآني أن السبب الذي حمل زكريا على دعاء ربه، هو خوفه الموالي من ورائه. والنص الإنجيلي خالٍ من هذا تمامًا .
- صرَّح النص القرآني بأن زكريا أوحى لقومه، بأن يسبحوا بكرة وعشيًّا. ولا وجود لهذا في النص الإنجيلي .
- ذَكَر النص القرآني الثناء على المولود " يحيى " وبيَّن أنه بار بوالديه، يوم ولادته ويوم موته ويوم بعثه حيًّا. ولا مقابل لهذا الثناء في النص الإنجيلي .
وإضافة إلى هذه التفاصيل الدقيقة التي ذكرها القرآن والتي لم يرد لها ذكر في الإنجيل، تُظهر المقارنة أن النص القرآني قام بمهمة ثانية، لا تقل أهمية عن المهمة الأولى، وتتجلى هذه المهمة في تصحيح الأخطاء التى وردت فى النص الإنجيلي، وبيان هذا وَفْقَ الآتي:
أولاً: أن النص الإنجيلي جعل الصمت الذى قام بـ زكريا عقوبة له من الملاك. بينما صحح القرآن هذه الواقعة، وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا ربه. فالصمت - حسب النص القرآني - كان تكريمًا لـ زكريا عليه السلام من الله، وهذا مما يتناسب مع خصائص الأنبياء والرسل؛ في حين أنه في النص الإنجيلي عقوبة من الملاك، وفي هذا ما لا يتناسب مع خصائص الرسل والأنبياء. فما هو الذنب الذى ارتكبه زكريا حتى يعاقب من الله أو حتى من الملاك ؟! هل إقراره بكبر سنه وعقر امرأته هو الذنب ؟!
لقد وقع هذا من إبراهيم عليه السلام حين بُشِّر بإسحق، ووقع من سارة حين بشرت به، ووقع من " مريم " حين بُشِّرَتْ بحملها بـ عيسى ، فلم يعاقب الله منهم أحدًا. فما السر فى ترك إبراهيم و سارة و مريم بلا عقوبة، وإنزالها بـ زكريا وحده، مع أن الذى صدر منه، صدر مثله تمامًا من غيره ؟!
إن أكبر دليل على نفي صحة هذا القول، هو خلو النصوص القرآنية منه، وليس هذا تعصبًا منا للقرآن. وإنما هو الحق، والمسلك اللائق بمنزلة الرسل عند ربهم .
ثانيًا: النص الإنجيلي يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل إلى يوم أن ولد يحيى . في حين أن النص القرآني يصحح هذا الخطأ، ويذكر أن مدته كانت ثلاثة أيام بلياليهن، بعد الخروج من المحراب .
ثالثًا: على أن النص الإنجيلى يجعل البشارة على لسان ملاك واحد، بينما النص القرآني يجعل البشارة على لسان جمع من الملائكة، قال تعالى: { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي فى المحراب } (آل عمران:39) .
رابعًا: النص الإنجيلي جعل التسمية بـ " يحيى " - " يوحنا " حسب النص الإنجيلي - من اختيار زكريا ، غير أن الملاك قد تنبأ بها. في حين أن النص القرآني صحح هذا الخطأ، وبيَّن أن التسمية كانت من وحي الله إلى زكريا ، قال تعالى: { إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } (مريم:7) .
وعلى ضوء هذه المقارنة، يتضح لنا، أن القرآن قد أدى في تعقبه للنص الإنجيلي، مهمتين أساسيتين:
الأولى: تصوير الواقعة تصويرًا أدق تفصيلاً، وأجدر تصديقًا .
الثانية: تصحيح الأخطاء الواردة فى النص الإنجيلي المقارن .
لقد أوضحت هذه المقارنة أن القرآن لم يقتبس جزءًا من الواقعة، فضلاً عن أن يقتبس الواقعة كلها؛ وإنما صور الواقعة تصويرًا دقيقًا، فسجل كل حقائقها، وبيَّن كل دقائقها. وعرضها عرضًا جديدًا، وربط بينها وبين وقائع محددة، كانت كالسبب الموحد لها، والناظم لعقدها .
ثم إن القرآن لم يقف عند هذا الحد؛ بل قام بتصحيح كثيرٍ من الأخطاء التى وردت في النص الإنجيلي. وهذا لا يتأتى من ناقل، ليس له مصدر سوى ما اقتبس منه. وإنما يتأتى ممن له مصدره الخاص، ووسائله المستقلة، بحيث يتخطى كل الحواجز، ويسجل الواقعة من "مسرحها " .
وحينئذ، فكل مقارنة تجري بين القرآن وبين غيره من الكتب السابقة، تُعدُّ دليلاً جديدًا على نفي أن يكون شيء من القرآن مقتبَسًا من كتاب سابق عليه، وإنما هو وحي أوحاه الله لرسوله محمد خاتم النبيين .
ومع ذلك فإننا نقول: ليس هناك ما يمنع أن يكون ثمة تشابه بين القرآن والكتب السابقة، ولا سيما في مسألة القصص؛ لأن القصة والحادثة قد وقعت، وأصبحت في ذاكرة التاريخ، ولا يمكن تجاهلها بحال .
أما ما جاء من التشابه في القرآن، في قوله تعالى: { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } (الأنبياء:105) وما جاء في كتاب المزامير: ( الأبرار يرثون الأرض ) (المزمور:37/11) فنقول: إن القرآن قد صرح هنا بأن هذا الحكم موجود في الزبور، ولم يَنقل عن الزبور من غير إشارة إليه؛ في حين أن العبارة نفسها وردت في إنجيل متى ، ونصها: { طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ } ( متى، الأصحاح الخامس/5 ) دون الإشارة إلى المرجع الذي اقتبست منه !
- أما جوابنا على دعوى أن الرسول كان يعلم القراءة والكتابة، بدليل خطاب القرآن له بـ { اقرأ } (العلق:1) نقول: إن هذه الآية ينبغي أن تفهم على ضوء سبب نزولها، وقد نزل بها جبريل في بداية الوحي طالبًا من الرسول أن يتلو ما يقرأه عليه، لا أن يقرأ من كتاب هو بين يديه، وقد دل على هذا، قوله في سبب نزول هذه الآية: ما أنا بقارئ، إذ لم يدرِ الرسول ماذا يقرأ ؟ ولا كيف يقرأ ؟ ولا لمن يقرأ؛ ولا يمكن أن يكون المقصود بالقراءة في هذه الحادثة، القراءة من كتاب، إذ لم يدفع جبريل إلى النبي كتابًا مكتوبًا ليقرأه. وإنما دفع إليه وحياً مقولاً، فقرأه بعده .
- ثم الاستدلال على كون الرسول لم يكن أميًا بمارسته التجارة، ليس بالاستدلال المعتبر؛ إذ ليس من شروط العمل بالتجارة وممارستها أن يكون العامل فيها قارئًا وكاتبًا، إذ التجارة في الأساس قائمة على الأخذ والعطاء والتبادل، وهذه أمور لا يتوقف القيام بها على معرفة القراءة والكتابة، خصوصًا إذا علمنا أن ممارسة التجارة في عهد الرسول لم تكن على هذه الصورة من التعقيد، كما هي عليه اليوم، بل كانت تجارة تقوم في الأساس على المبادلة والمقايضة في سلع معينة على الأغلب، وعنصر المال فيها لم يكن بهذه الأهمية والمنـزلة التي هو عليها اليوم .
- ثم لو كان محمد غير أمِّيٍّ لما خفي ذلك على قومه، ولكذَّبوه في وَصْفِ نفسه بالأمِّيِّ، ولم يُعرف عن قومه أنهم أنكروا عليه وَصْفَ الأميِّة .
ولو كان محمد يقرأ ويكتب، فشعراء قريش وكبراؤهم كانوا يقرؤون ويكتبون أيضًا، وهم وُجِدوا قبل ميلاد الرسول، فلماذا لم يأتوا بمثل القرآن؟ ولماذا لمَّا تحدهم الرسول لم يواجهوه بكلام من جنس القرآن؟ .
- أما القول بأن الرسول قد استعان بـ بحيرا الراهب في تأليف القرآن، فهذه الشبهة قد أجبنا عنها في مقال مفصَّل بهذا الخصوص، بعنوان: ( هل استعان الرسول بأحبار اليهود فيما أوحي إليه من القرآن؟ ) فيمكن الرجوع إليه لمعرفة الجواب على هذه الدعوى؛ غير أننا نضيف هنا، إضافة لما ذُكر هناك، أن البحث التاريخي يثبت أن الرسول لم يلتقِ بـ بحيرا إلا مرة واحدة، وكل ما كان في هذا اللقاء أن أوصى بحيرا أبا طالب أن يولي ابن أخيه عناية خاصة، إذ سيكون له شأن، فهذا غاية ما تذكره الروايات التاريخية حول هذا اللقاء، أما ما وراء ذلك من أقوال وروايات فلا مستند لها من التاريخ .
- وقصة الكتاب الذي أراد رسول الله كتابته فقد ذكره البخاري وغيره، وهو لا شك حديث ثابت؛ لكن لا يؤخذ من ماجريات الحديث، أن الرسول كان قد همَّ أن يكتب لصحابته كتابًا بنفسه، بل كل ما يذكره الحديث، أنه قد كان عنده جمع من الصحابة، وأنهم اختلفوا فيما بينهم، فلما رأى اختلافهم، قال: ( قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع ) رواه البخاري و مسلم . فكما كانوا حوله يكتبون الوحي، فقد طلب منهم أن يكتبوا هذا الكتاب، بعد أن يمليه عليهم. والله أعلم .
* من مصادر هذا المقال: ( موقع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، جمهورية مصر العربية) .



يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:32 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
حول قوله تعالى : { يا أخت هارون }

ورد في القرآن عند الحديث عن قصة مريم ، قوله تعالى: { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا } (مريم:28) وقد اعتبر فريق من النصارى، أن القرآن قد وقع في خلط واضطراب، عندما وصف مريم بأنها أخت هارون ، مع الفارق الزمني بين العصر الذي وجد فيه هارون النبي، والعصر الذي وجدت فيه مريم أم عيسى ؛ فأهل التاريخ يتحدثون عن ألف ومئتي سنة بينهما، وربما كان الفاصل الزمني بينهما أكثر من ذلك .
بالمقابل، فإن الكتاب المقدس ( الإنجيل ) قد خلا من هذا الخلط والاضطراب، إذ لم يرد فيه ذكر لـ مريم إلا على أنها أم عيسى ، وابنة عمران ، لا أخت هارون ، وبالتالي فإن في هذا ما يثبت وقوع الخلط والاضطراب في القرآن .
هذا حاصل الشبهة، وما قيل فيها، ومقالنا التالي مكرس للرد على هذه الشبهة وتفنيدها، وردنا عليها من وجوه، منها:
- أن المتأمل في السياق القرآني الذي وردت فيه الآية، يجد ما يدل دلالة واضحة، على أن هذا الوصف الذي وُصِفت به مريم ، لم يكن تسمية قرآنية، وإنما جاء وصفًا حكاه القرآن على لسان قوم مريم ، وما خاطبوها ونادوها به عندما حملت بـ عيسى ، مستنكرين ذلك الحمل، واتهموها في عرضها وشرفها وعفافها .
وحكاية القرآن لأقوال أقوام آخرين أمر وارد ومعهود؛ كما في قوله تعالى: { قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } (الأحقاف:30)، فالقرآن هنا ناقل لقول الجن، وإلا فأين ذكر الإنجيل، وهو قبل القرآن ؟ فالله سبحانه نقل ما قالوا فحسب، وإلا فالواقع التاريخي غير ذلك .
وهكذا السياق القرآني في سورة مريم جاء ناقلاً قول اليهود في حق مريم ، قال تعالى: { فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريًا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيًا * فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيًا } (مريم:27-29) فقوله سبحانه: { يا أخت هارون } إنما هو حكاية لتلك المقولة التي صدرت عن قوم مريم ، وإثبات الاسم واللقب لا يدل على أن المسمى واحد. أما معرفة السبب في وصف قوم مريم لها { يا أخت هارون } فهذا أمر آخر، ساكت عنه النص القرآني، وينبغي البحث عنه فيما وراء ذلك .
- على أن سياق الآية - وهذا هو الأهم - لم يرد في معرض ذكر نسب مريم ؛ فالقرآن لم يقل: إن مريم أخت هارون ، وإنما ورد في معرض التوبيخ لها؛ لأنها في اعتقاد اليهود حملت سفاحاً، فما علاقة النسب الحقيقي بالسفاح ؟
- وهنا ينبغي أن يثار سؤال: لماذا قال اليهود: { يا أخت هارون } ولم يقولوا: ( يا أخت موسى وهارون ) أو ( يا أخت موسى )؟ لا شك أنهم لم يقولوا ذلك عبثاً، وإنما نسبوها إلى هارون ؛ لأن هارون - بحسب زعمهم - كان مصدر عار لهم، حيث صنع لهم عجلاً. وأيضاً فإن مريم العذراء - بحسب زعمهم أيضاً - فعلت عاراً؛ لهذا تهكموا بها واستهزؤوا منها قائلين: { يا أخت هارون } .
- ثم يقال أيضًا: إن هذه التسمية في حق مريم ، إما إنها أطلقت في القرآن على سبيل الحقيقة، أو إنها أطلقت عليها على سبيل التشبيه. وحملها على سبيل الحقيقة أمر غير مستنكر؛ إذ ليس ثمة ما يمنع أن يكون لـ مريم أخ اسمه هارون ؛ يؤيد هذا أن التسمية بـ ( هارون ) كانت شائعة ودارجة كثيرًا في بني إسرائيل، وأيضًا ليس في ذكر قصة ولادتها، ما يدل على أنه لم يكن لها أخ سواها. وعلى هذا، فالتعبير القرآني بـ: { يا أخت هارون } يمكن حمله على الحقيقة، فيكون لـ مريم أخ اسمه هارون ، كان صالحًا في قومه، خاطبوها بالإضافة إليه، زيادة في التوبيخ، أي: ما كان لأخت مثله أن تفعل فعلتك .
وحمل هذه التسمية على التشبيه أمر وارد أيضاً وغير مستبعد، خصوصاً إذا علمنا أن التسمية بأسماء الآباء والأمهات تشريفاً بهم، شيء معروف، ولا سيما و هارون كان سيد قومه مهاباً عظيماً له شأن في بني إسرائيل. وقد جاء في السنة النبوية ما يؤيد هذا، ففي ( صحيح مسلم ) وغيره عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرؤون { يا أخت هارون } و موسى قبل عيسى بكذا وكذا" ؟ قال المغيرة : فلم أدر ما أقول. فلما قدمت على رسول الله ذكرت ذلك له، فقال: ( ألم يعلموا أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم } .
على أن في إنجيل لوقا ، ما يفيد أن لـ مريم نسب مع النبي هارون أخي موسى ، عن طريق زكريا ، الذي كان متزوجًا امرأة من ذرية هارون اسمها أليصابات، وكانت امرأته نسيبة مريم ، والصحيح أنها كانت خالتها، ونص الإنجيل هو: { كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هَارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ } ( لوقا: الأصحاح الأول/ 5 ) وفيه أيضًا: { وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا } ( لوقا: الأصحاح الأول/36) وبحسب نص الإنجيل نفسه، فلا يبعد أن يكون لـ مريم نسب بعيد مع النبي هارون ، وعلى هذا فلا إشكال في التعبير القرآني .
- ومما يؤيد أن يكون المراد بلفظ ( الأخت ) هنا التشبيه لا الحقيقة، أن لفظ ( الأخ ) في القرآن يرد على سبيل الحقيقة، ويرد على سبيل المجاز، ومن الإطلاقات المجازية لهذا اللفظ قوله تعالى: { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } (الزخرف:84)، فـ ( الأخوة ) بين الآيات أخوة مجازية، وليست حقيقية، وأيضاً قوله سبحانه: { واذكر أخا عاد } (الأحقاف:21)، فالمقصود بـ { أخا عاد }هو هود عليه السلام، ومعلوم أن هوداً لم يكن أخاً لعاد، وإنما كان حفيداً له، وبينهما مئات السنين. وعلى هذا فمعنى أنها أخت هارون : أنها من نسله وذريته، كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللقرشي: يا أخا قريش، وللعربي: يا أخا العرب. فمعنى قولهم: { يا أخت هارون } أي: يا من أنتِ من ذرية ذلك النبي الصالح، كيف فعلت هذه الفعلة ؟
فعلى ما تقدم وتبيَّن، يكون في معنى قول القرآن: { يا أخت هارون } احتمالان، كلاهما له ما يؤيده: أحدهما: أنها الأخت حقيقة؛ وهذا على معنى أنه كان لها أخ اسمه هارون ؛ والثاني: المشابهة؛ وهذا على معنى أن ثمة قرابة بعيدة كانت تربطها بـ هارون أخي موسى ، أو على معنى نسبتها لرجل صالح في زمنها كان يسمى هارون .
- على أن مما يدحض قول من يقول بهذه الشبهة أن يقال له: كيف يسكت اليهود - وهم ألد أعداء الإسلام- على هذا الخطأ التاريخي الفاحش، ولم يعتبروه مأخذاً على القرآن والإسلام ؟ وهل من شأن هؤلاء القوم أن يغضوا الطرف عن مثل هذا الخطأ، لو كان الأمر كذلك ؟
ومن مجموع ما تقدم يزول الإشكال الذي قد يرد على الآية، وتبطل دعوى الخلط والاضطراب في القرآن التي يدعيها البعض .
ومن المفيد في هذا السياق، أن ننبه إلى أن ما ورد في بعض المصادر من أن محمد بن كعب القرظي قد قال في قوله الله: { يا أخت هارون } قال: هي أخت هارون لأبيه وأمه، وهي أخت موسى أخي هارون ، التي قَصَّت أثر موسى عليه السلام: { فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون } (القصص:11) نقول: إن ما ورد في هذا خطأ محض. ودليل خطئه أن القرآن قد ذكر أنه أتبع بـ عيسى بعد الرسل، فدل هذا على أن عيسى آخر الأنبياء بعثًا، وليس بعده إلا محمد، ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي، لم يكن عيسى متأخرًا عن الرسل، ولكان قبل سليمان و داود ، فإن القرآن قد ذكر أن داود جاء بعد موسى ، في قوله تعالى: { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله } (البقرة:246) وذكر القصة إلى أن قال: { وقتل داود جالوت } (البقرة:251) فدلت الآيات القرآنية على أن موسى و هارون متقدمان على داود في الزمن .


يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:35 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
حول سورة الإسراء

ثمة شبهة انصبت هذه المرة حول سورة الإسراء، تزعم أن في هذه السورة ما يثبت أن القرآن ليس كلام الله، وإنما هو من تأليف محمد ، وبالتالي فليس هو بالكتاب المقدس الذي يُركن إليه، ولا هو بالكتاب السماوي الذي يعول عليه !! ووجه دلالة ذلك - حسب هذه الشبهة - ينطلق من المزاعم التالية:
- الزعم بأن افتتاحية سورة الإسراء، جاءت بما لا يتناسب والمقام الإلهي؛ إذ جاءت في غاية الغرابة، ووجه هذا الزعم: أن السورة افتتحت كلامها بقول الله: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } (الإسراء:1) ففي هذه الصيغة ما يفيد الافتخار والتخايل من الله أمام عباده !! وهذا - وفق هذا الزعم - أمر شديد الغرابة، لا يمكن أن يصدر عن الله، إذ كيف يليق بالذات الإلهية أن تفاخر وتباهي بما تصنع. ثم رتبوا على هذا، فقالوا: لو كان هذا النص إلهيّ المصدر لوَجَب أن يكون كالآتي: ( إنّا نحن أسرينا بعبدنا ليلاً ) فهذا ما زعموه أولاً !!
- وزعموا ثانيًا، أن آية الإسراء الأولى مستقلة بذاتها تمامًا عن باقي السورة؛ فالآية الثانية تبدأ بالحديث عن موسى وبني إسرائيل ، وعليه تكون الآية الأولى منفصلة لا علاقة لها بما سبق من آيات سورة النحل؛ ولا علاقة لها - كذلك - بما جاء بعدها من آيات سورة الإسراء، وبالتالي فالآية مقحمة سياقًا وسباقًا. واستدلوا على هذا الزعم باختلاف موضوع الآية عما سبقها ولحقها، وأيضًا اختلاف فاصلتها عن الآيات التالية لها في السورة نفسها، وأيدوا مدعاهم كذلك، بأن اسم السورة - كما ورد في بعض الأحاديث - سورة ( بني إسرائيل ) ومن ثَمَّ تساءلوا عن علاقة بني إسرائيل بحادثة الإسراء .
- ثم زعموا ثالثًا، أن التاريخ لم يُثبت وجودًا للمسجد الأقصى، إبان حادثة الإسراء، وأنه لم يكن ثمة إلا كنائس للنصارى، حتى إن هيكل سليمان كان قد هدمه الرومان في القرن الميلادي الأول، ولم تقم له قائمة منذ ذلك اليوم؛ إلى أن قالوا: والمسجد الأقصى الذي نراه اليوم، إنما بُني في عهد عمر بن الخطاب . وخلصوا من كل ما تقدم، أنه إذا كان الأمر كذلك فإلى أي مسجد كان الإسراء ؟
- وقد زعموا أخيرًا لا آخرًا، أن حادثة الإسراء اختراعها محمد ، ولفقها من أجل تحقيق مآرب ومكاسب سياسية معينة، غايتها تأمين الحماية الجغرافية للدولة الإسلامية من جهة الشمال؛ وتعللوا لهذا الزعم بقولهم: إنه لا حياة للعرب في جزيرتهم، إذا لم يكن هذا البلد في حوزتهم - يعني أرض بيت المقدس - وإذا لم تكن تخومهم الشمالية بين البحر والبادية محميّة .
هذا حاصل ما زعموا ولفقوا حول سورة الإسراء عمومًا، وحادثة الإسراء خصوصًا. ونحن بعد أن بيَّنا بعض الشبه والمزاعم المثارة حول سورة الإسراء، نأخذ في الرد عليها وتفنيدها على وجه التفصيل، وذلك من خلال النقاط التالية:
1- إن الزعم بأن الآية التي جاءت فاتحة لسورة الإسراء فيها من التفاخر والتخايل بما لا يليق بصفة الألوهية، زعم باطل من أساسه، يدل على جهل بأسلوب الخطاب القرآني، وفقر في معرفة لسان العرب؛ فالله في الآية يمجد نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لايقدر عليه أحد سواه، إذ لا إله غيره ولا رب سواه. فالتسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده. وكذلك فإن التنزيه يقتضي نفي النقائص، ونفي النقائص يقتضي ثبوت صفات الكمال، ومنها التعظيم للخالق .
وعلى هذا، فليس في الآية إلا إثبات عظمة الخالق، وقدرته على ما لا يقدر عليه غيره. يؤكد هذا ويؤيده أن حادثة الإسراء والمعراج تستدعي وتستلزم التذكير بهذه الحقيقة، إذ هي حادثة خارجة عن مألوف الناس وعادتهم، فكان التصدير بهذه الصيغة من التسبيح والتنزيه من المناسبة بمكان. وأيضًا، فإن النبي قد أخبر عن الله أنه قد أسرى به، وأنه دنى من ربه، وشرع له شرائع، وأراه رؤى، فلو كان هذا كذبًا وبهتانًا على الله، لكان في هذا منقصة في حق الله أن يرى ويسمع من يكذب عليه ثم يتركه، ولا ينتقم منه، فنـزََّه الله نفسه بالتسبيح عن هذا الأمر، ليشير إلى صدق نبيه؛ لأنه لو كان كاذبًا لكان هذا طعنًا في مقام الربوبية !
2- الزعم الثاني حول سورة الإسراء ينصب على أن الآية الأولى من سورة الإسراء لا علاقة تربطها بما سبقها من آيات سورة النحل، ولا علاقة لها بما لحقها من آيات سورة الإسراء نفسها .
والواقع، فإن هذا القول إن دلَّ على شيء فإنما يدل على جهل قائله، وقلة بضاعته، وتقوُّله بغير علم ولا دليل؛ بل وجه المناسبة بين الآية المشار إليها وبين ما سبقها ولحقها من آيات، ظاهر لمن تأمل فيه، وذلك من وجوه منها:
الأول: لما ذُكرت في أواخر سورة النحل شريعة أصحاب السبت - بني إسرائيل - على وجه الإجمال، جاءت سورة الإسراء لتتحدث عن بني إسرائيل على وجه التفصيل؛ وذلك ببيان عصيانهم وإفسادهم وتخريبهم المسجد الأقصى؛ ومن ثَمَّ افتتحت السورة بذكر المسجد الأقصى والمسجد الحرام؛ لبيان عمق الترابط والتواصل والاتصال بين رسائل السماء كافة .
الثاني: لما كانت هذه السورة - سورة الإسراء - مصدَّرة في بداياتها بقصة تخريب المسجد الأقصى، كان من المناسب أن تفتتح حديثها بذكر إسراء الرسول إلى المسجد الأقصى، وتشريفه للمسجد بحلول ركابه فيه، جبرًا لما وقع من تخريبه .
الثالث: لما أمر الله رسوله في نهاية سورة النحل بالصبر، ونهاه عن الحزن على الكفرة، وطلب منه أن لا يضيق صدره جراء مكرهم، ونسبتهم إياه إلى الكفر والسحر والشعر، وغير ذلك مما رموه به، عقَّب ذلك بما جاء في فاتحة سورة الإسراء، وذلك تذكيرًا بشرفه، وتنويهًا بفضله، وبيانًا لعلو منزلته، ومن ثَمَّ مواساته مما لحق به من أذى المشركين .
الرابع: لما كان المسجد الأقصى هو قلب الأرض المقدسة التي أسكنها الله بني إسرائيل ثم أخرجهم منها؛ فقد جاءت سيرة موسى عليه السلام وبني إسرائيل هنا في مكانها المناسب من سياق آيات السورة، إذ لا يخفى أهمية المكان بالنسبة للحدث التاريخي، إذ كلاهما مرتبط بالآخر ارتباطًا لا ينفصل ولا ينفصم .
3- أما الزعم بأن المسجد الأقصى لم يكن له وجود إبان وقوع حادثة الإسراء، فهذا قول ليس له سند تاريخي معتمد؛ إذ من الثابت تاريخيًا أن إبراهيم عليه السلام هو أول من بنى المسجد الأقصى، وثمة رواية تفيد أن أول من بناه سليمان عليه السلام، وعلى كلا الروايتين فوجود المسجد الأقصى قبل حادثة الإسراء أمر ثابت لا شك فيه من الناحية التاريخية، وبغض النظر عن المراحل التي بني فيها المسجد، وعن الأحوال التي توالت عليه، من تدمير وهدم وتخريب، وعوامل أخر نالت من بنائه وعمارته .
وقد جاء في التوراة ما يؤيد هذا الذي قلناه؛ ففي سفر التكوين في الإصحاح الثاني عشر ما يفيد: أن إبراهيم عليه السلام لما دخل أرض كنعان - وهي بلاد فلسطين - نصب خيمته في الجبل شرقي بيت إيل. وهذا نص ما في العهد القديم: ( 1 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». 4فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ. 5فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ وَلُوطاً ابْنَ أَخِيهِ وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 6وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. 7وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. 8ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلٍ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ ). كما وأن في التوارة ما يفيد أن بناء المسجد الأقصى كان من عمل سليمان بوصية من أبيه داود ؛ ففي سفر الملوك، الأصحاح السادس ما نصه: (11وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى سُلَيْمَانَ: 12[هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي أَنْتَ بَانِيهِ، إِنْ سَلَكْتَ فِي فَرَائِضِي وَعَمِلْتَ أَحْكَامِي وَحَفِظْتَ كُلَّ وَصَايَايَ لِلسُّلُوكِ بِهَا، فَإِنِّي أُقِيمُ مَعَكَ كَلاَمِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَى دَاوُدَ أَبِيكَ، 13وَأَسْكُنُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ أَتْرُكُ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ]. 14فَبَنَى سُلَيْمَانُ الْبَيْتَ وَأَكْمَلَهُ ) .
وقد ذكر المؤرخون العبرانيون - ومنهم يوسيفسوس - أن الجبل الذي سكنه إبراهيم بأرض كنعان اسمه ( نابو ) وأنه الجبل الذي ابتنى عليه سليمان الهيكل، وهو المسجد الذي به الصخرة. وقصة بناء سليمان إياه مفصلة في سفر الملوك الأول من أسفار التوراة، فيمكن الرجوع إليها .
أما نسبة بناء المسجد الأقصى إلى عمر بن الخطاب ، أو لمن جاء بعهده من الخلفاء والأمراء فهو وهم من أوهام النصارى اختلط عليهم كشف عمر موضع المسجد فظنوه بناء؛ إذ كل ما كان من عمل عمر هو إعادة ترميم ذلك البناء، الذي عملت فيه عوامل الزمان عملها، فثمة فرق بين الكشف عن شيء قد كان ثم زالت معالمه، وبين بناء شيء لم يكن بداية .
4- وأخيرًا، فإن الزعم بأن حادثة الإسراء لُفِّقت من أجل مآرب سياسية، ودواع أمنية، هو زعم لا يقبله عقل سليم؛ وذلك أنه لو كان مراد النبي بذكر هذه الحادثة تحقيق مغنم سياسي، أو مكسب أمني، لأمكنه الوصول إلى غرضه هذا بطريق أسهل وأيسر من اختراع قصة، يصعب على الكفار تصديق أحداثها والإيمان بمجرياتها، ولكان يكفيه مثلاً أن يبعث بتجارات وهدايا إلى القبائل المتاخمة له من ناحية الشمال؛ أو كان يكفيه أن يوسط أحدًا ليقوم له بذلك؛ كما وكان يمكنه أن يبدأ بغزو الجهات الشمالية من منطقة الجزيرة بعد سيطرته على المدينة، لينتهي من هذه الجهة تمامًا. ويقال أيضًا: لو كانت دوافعه سياسية لما كان خاطب أهل مكة، ولما كان جمعهم لأجل هذه الحادثة، ولما عرَّض نفسه وأصحابه لسيل التهم التي أصابته، أو عرَّض بعض ضعاف النفوس إلى الارتداد عن الدين، وهو في ظرف أحوج ما يكون فيه إلى العدد من الرجال، الذين يدعم بهم دعوته .
وبعد، فهذا ما تيسر لنا في الرد على هذه الشبهة، والمزاعم التي أثيرت حول سورة الإسراء. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .



يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:38 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
هل أيَّد القرآن عقيدة التثليث ؟

يعمد بعض النصارى لتأييد معتقداتهم إلى بعض آيات القرآن الكريم فيفهمونها ويفسرونها وفق ما يعتقدونه وما يدينون به، وليس ذلك منهم إيمانًا بما جاء في القرآن، ولا تصديقًا لما أخبر به، وإنما لفتن المؤمنين عن دينهم، وردهم بعد إيمانهم كافرين، والسير بهم في طريق الضلال .
- ومن الأمثلة على ما قدمنا، استدلالهم ببعض آيات القرآن الكريم على إثبات عقيدة التثليث، إذ فهموا من تلك الآيات أنها تدل على هذه العقيدة ليحاجوا بها من خالفهم في عقيدتهم تلك؛ فمن الآيات التي استدلوا بها، قوله تعالى: { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } (النساء:171) ففهموا من هذه الآية، أن الله ثلاثة في واحد، أو واحد في ثلاثة، هم: الله، وعيسى، والروح القدس. أو الأب، والابن، والروح القدس. ورتبوا على ذلك، فقالوا: الأب هو الله، والابن هو الله، وروح القدس هو الله، وكلهم هو الله !!. فهذا حاصل القول بعقيدة التثليث، والتي جعلوا من هذه الآية دليلاً على القول بها .
- واستدلوا على تلك العقيدة أيضاً، بما جاء في القرآن من إسناد ضمير الجمع إلى الله؛ كقوله تعالى: { إنا فتحنا لك } (الفتح:1) وقوله: { إنا أنزلناه } (يوسف:2) وقوله: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } (الحجر: 9) وغير ذلك من الآيات التي جاءت بإسناد ضمير الجمع إلى الله، والدالة - حسب رأيهم - على عقيدة التثليث .
- وذهب فريق من النصارى إلى أن في صيغة البسملة { بسم الله الرحمن الرحيم } وهي آية قرآنية، ما يدل على عقيدة التثليث، فاعتبروها صيغة مثلثة؛ فقالوا: صيغة البسملة المسيحية: بسم الأب، والابن، والروح القدس؛ وصيغة البسملة الإسلامية: { بسم الله الرحمن الرحيم } فهناك الأب، والابن، وروح القدس؛ وهنا الله، والرحمن، والرحيم!! فهذا جملة ما استدلوا به من القرآن على عقيدة التثليث. ووراء ذلك أمور أخر لا يعنينا الخوض فيها في هذا المقام .
- ولا بد للمرء أن يتساءل: هل يوجد - فعلاً - فيما استدلوا به من آيات ما يدل على عقيدة التثليث ؟ هذا ما يسعى مقالنا التالي للإجابة عنه، لكن بعد أن نشير إلى أمر مهم، وهو أن الذين يعمدون إلى الاستدلال بالقرآن لإثبات بعض عقائد النصارى، إنما يسلكون في ذلك مسلك الانتقائية في الاستدلال؛ فيأخذون ببعض النصوص التي توافق هواهم، وتؤيد مسلكهم، ويعرضون عن كل ما ينقض مذهبهم، ويبطل معتقدهم؛ وهم بمسلكهم هذا ينطبق عليهم ما جاء في القرآن نفسه: { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } (البقرة:85). فليس هذا سبيل طالب الحقيقة، وإنما هذا شأن متبع الهوى .
- وعلى ضوء ما تقرر نقول: ينبغي لمن أراد أن يستدل بالقرآن على إثبات عقيدة التثليث، أن ينظر - بالمقابل - إلى كثير من الآيات القرآنية التي تبطل تلك العقيدة، وتجعل منها عقيدة كفر وشرك، لا عقيدة إيمان وصدق. وعلى هذا فإما أن يقبل بأدلة القرآن كافة، وإما أن يكف ويمسك عن الاستدلال بما يروق له من أدلة، ويعرض عما لا يروق له منها؛ إذ ليس هذا من الإنصاف العلمي في شيء .
- بعد هذا التوضيح المنهجي، نعود لتفنيد هذه الشبهة القائلة: إن في القرآن ما يؤيد القول بعقيدة التثليث. وردنا على هذه الشبهة يكون كما يلي:
- استدلالهم على التثليث بقوله تعالى: { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } جوابه أن يقال: إن قولكم: إن الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، تناقض واضح؛ لأنه لا يجوز لعاقل أن يعتقد في شيء، أنه ثلاثة مع اعتقاده فيه أنه واحد، لأن ذلك من اجتماع الأضداد، واجتماع الأضداد محال باتفاق أهل العقول جميعًا .
- ثم يجاب على هذا أيضًا، بما ذكرناه في مقال سابق ولا نعيده هنا، لكن نقول باختصار: إن المقصود بـ ( الكلمة ) هنا الكلمة التي قامت عليها السموات والأرض، وهي قوله تعالى: { كن } فبهذه الكلمة كان من كان من الخلائق، وبها وُجد من وُجد من الخلق؛ فـ ( الكلمة ) في الآية مضافة إلى الله، وهي صفة من صفاته، فتكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ومعلوم أن الصفة لا تقوم بذاتها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به؛ فليست الكلمة هنا ذاتًا مستقلة قائمة بذاتها .
- أما ( الروح ) في الآية، فليس المقصود منه ما ذهبتم إليه؛ وبيان ذلك: أنكم ما دمتم تقرِّون أنه ليس ثمة أحد يحمل صفات الألوهية أو البنوة لله تعالى إلا المسيح عليه السلام، وتستدلون على ذلك بقوله تعالى: { وروح منه } فحينئذ يلزمكم أن تقولوا: إن آدم عليه السلام أحق بالبنوة من عيسى، حيث قال الله في آدم: { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } (الحجر:29) ولا شك أن القول بهذا حجة عليكم لا لكم؛ فإذا كان قوله سبحانه: { من روحي } في حق آدم معناه الروح المخلوقة، وأن هذه الروح ليست صفة لله عز وجل، فهي كذلك في حق عيسى، إذ اللفظ واحد، بل إن الإعجاز في خلق آدم بلا أب ولا أم أعظم من الإعجاز في خلق عيسى بأم بلا أب، وحسب قولكم يكون آدم حينئذ أحق بالبنوة والألوهية من عيسى؛ وحينئذ يتعين أن يكون المقصود بـ ( الروح ) في الآية غير ما زعمتم، وأن الروح هنا أيضًا خلق من مخلوقات الله ليس إلا .
- ويؤكد ما تقدم، أن قوله: { مِنْهُ } المراد بذلك أن أمر الخلق كله راجع إلى الله ومبتدأ منه، فـ ( من ) في الآية للابتداء، كما يقول أهل العلم، والضمير فيها يعود على الله؛ وهذا كقوله سبحانه في آية أخرى: { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه } (الجاثية:13) أي: إن كل من وما في السموات والأرض قد ابتدأ خلقه ووجوده الله؛ فـ ( الروح ) إذن في الآية أيضًا مخلوقة من مخلوقات الله، وليست ذاتًا قائمة بنفسها .
- على أن أصرح ما عند القائلين بالتثليث، ما جاء في إنجيل متّى: ( عمِّدوا الناس باسم الأب، والابن، وروح القدس ) وعلى هذا القول بنوا قولهم بالتثليث، وأثبتوا لله ثلاثة أقانيم. ولفظ ( الأقانيم ) لم ينطق به أحد من الأنبياء قبل عيسى عليه السلام، ولا نطق به عيسى نفسه، ولا قال به أحد من الحواريين بعده، وهذا باعترافهم أنفسهم .
- والكتب المنقولة عن الأنبياء عندهم ليس فيها تسمية شيء من صفات الله، لا باسم ابن ولا باسم روح القدس، فلا يوجد في تلك الكتب أن أحدًا من الأنبياء سمى علم الله وحكمته وكلامه ابنًا، ولا سمى حياة الله أو قدرته روح القدس، بل ( روح القدس ) في كلام الأنبياء يراد به مَلِك الله، أو ما ينزله في قلوب الأنبياء والصالحين من هداه ونوره وتأييده ونحو ذلك؛ وإذا عُلِمَ ذلك، عُلِمَ أن ما فسروا به قول المسيح عليه السلام: عمدوا الناس باسم الأب، والابن، وروح القدس، كذب صُراح، وافتراء على المسيح ذاته .
- أما الاستدلال بما جاء في بعض آيات القرآن من إسناد ضمير الجمع إلى الله، فليس فيه ما يدل على عقيدة التثليث بحال من الأحوال؛ بل في هذا الاستدلال ما يدل على فقر وجهل - لدى القائل بهذا - في فهم كلام العرب عمومًا، وفهم أسلوب القرآن خصوصًا .
- وبيان ذلك، أن صيغة إسناد ضمير الجمع إلى الواحد، والواردة في القرآن الكريم في العديد من المواضع، هي صيغة شائعة في كلام العرب، ولا يقصد منها - كما فهم بعضهم جهلاً أو قصدًا - تعدد المتكلم، وإنما يؤتى بها على سبيل التفخيم والتعظيم؛ فإن قالت العرب في كلامها: فعلنا هذا، وأمرنا بذاك، وذهبنا إلى...فإنما مقصودها بكل ما تقدم وأمثاله، التعظيم والتفخيم للمتكلم ليس إلا، والمتأمل في لغة العرب، لا يعجزه الوقوف على مثل هذا الأسلوب في شعرهم ونثرهم، والقرآن جاء على وفق لغة العرب، وعلى نَسَق سَنَنهم في الكلام .
- ثم إنه قد وردت في القرآن الكريم آيات تحدثت عن الله بصيغة الإفراد، كقوله تعالى: { إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } (طه:14) بل قد وردت في القرآن صيغتا الإفراد والجمع، جنبًا إلى جنب في سورة العلق، ففي أولها، قوله تعالى: { اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق } (العلق:1-2) فهذه صيغة إفراد؛ ثم جاء في آخرها، قوله سبحانه: { سندع الزبانية } (العلق:18) فإذا كانت الآيات الواردة بصيغة الجمع دالة على التثليث، فما الجواب حينئذ على الآيات الواردة بصيغة الإفراد، ما دمتم تستدلون بالقرآن على عقيدتكم ؟؟
- على أنه لو فرضنا جدلاً، أن صيغة الجمع في القرآن تدل على التعدد، فالسؤال الوارد هنا: من أين للقائلين تقييد التعدد بالثلاثة، وما هو الدليل الصريح من القرآن على التقييد بالثلاثة ؟!
- أما استدلالهم في البسملة على عقيدة التثليث، فهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على جهل منهم بلغة العرب، وسوء فهم للسانها؛ وبيان ذلك: أن صيغة البسملة فيها تكرار لصفات الواحد، فـ { الله } هو الرحمن، وهو الرحيم، وهو الملك، وهو القدوس…وله جل وعلا تسعة وتسعين اسمًا، بل وله أسماء أكثر من ذلك، لكنه ذات واحدة؛ وثَمَّة فرق واضح بين تعدد الذوات وتعدد الصفات. إن النصارى يقولون: باسم الأب، وباسم الابن، وباسم روح القدس؛ في حين إن المسلمين لا يقولون في تسميتهم: باسم الله، والرحمن، والرحيم؛ إنما يقولون: بسم الله الرحمن الرحيم. والفرق واضح بين الصيغتين .
- بقي أن نقول أخيرًا: إن التعبيرات القرآنية عن المسيح بأنه ( كلمة الله ) أو ( روح من الله ) لا بد أن تفهم على ضوء الآيات الأخرى التي تنفي ألوهية المسيح وبنوته، وتكفِّر من يقول بهما، هذا من جانب، وهي من جانب آخر، تثبت براءة المسيح ممن يؤلِّهه، أو يؤلِّه أمه. وهي تثبت وتؤكد كذلك اعترافه ببشريته، وأنه خَلْقٌ من خَلْقِ الله، شرَّفه الله بوصف الرسالة فحسب، ولم يكن له وصف فوق ذلك: { ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة } (المائدة:75) .
- وبما تقدم يظهر، أن ما عليه النصارى من القول بالتثليث لم يدل عليه شيء من كتب الله، بما فيها الإنجيل، بل دلت على نقيض ذلك، فلا دليل على ما هم عليه لا من عقل صحيح، ولا من نقل صريح، بل كل ذلك يدل على نقيض ما هم عليه .



يتبع





الدكتوره 07-29-2011 11:40 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
وقفة مع قوله تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك}

في القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } (يونس:94) هذه الآية الكريمة وردت عقيب الحديث عن قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، وقصته مع فرعون وما انتهى إليه من عاقبة ومصير. والآية المذكورة قد تثير تساؤلاً من وجهين:
الأول: أن الآية الكريمة نسبت احتمال الشك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العلم أن وقوع الشك منه ممتنع غاية الامتناع .
الثاني: كيفية التوفيق بين قول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } مع قوله أيضًا في الكفرة: { وإنهم لفي شك منه مريب } (هود:110) .
وللإجابة على هذا التساؤل نخصص مقالنا التالي، مستعرضين أقوال المفسرين حول هذه الآية، بادئين بشيخ المفسرين الإمام الطبري ، فماذا يقول الطبري بخصوص معنى الآية ؟
ذهب الإمام الطبري عند تفسير هذه الآية إلى القول بأن الخطاب في الآية الكريمة موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الخطاب فيها من باب الحقيقة، وليس من باب المجاز؛ ثم وجِّه القول فيما ذهب إليه مستدلاً له - على عادته - بما روي في هذا الشأن من روايات؛ كالمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية، قوله: { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } قال: التوراة والإنجيل، الذين أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فآمنوا به. يقول: فاسألهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم. وأيضًا بما روي عن ابن زيد في معنى الآية، قوله: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } قال: هو عبد الله بن سلام ، كان من أهل الكتاب، فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. وبما روي عن الضحاك في قوله: { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب، ممن أدرك نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وافترض الطبري هنا سؤالاً، فقال: فإن قال قائل: أَوَ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك من خبر الله أنه حق ويقين، حتى قيل له: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك } ؟ ثم أجاب عن هذا التساؤل، قائلاً: لا، ويؤكد نفي وقوع الشك عنه صلى الله عليه وسلم بما روي في ذلك من آثار؛ كقول سعيد بن جبير ، وقد سئل عن قوله تعالى: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك } قال: لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسأل. وأيضًا بما روي عن قتادة في الآية نفسها، قال: ذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أشك، ولا أسأل .
وبعد أن ساق الطبري الروايات التي تؤيد ما ذهب إليه، نراه يجيب على التساؤل الذي قد يعرض للناظر في هذه الآية، والمتعلق بوقوع الشك من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرر في ذلك أن الكلام في الآية جار على حسب أسلوب كلام العرب، وبما يوافق معهودهم ومعتادهم؛ وبيان هذا أن من معهود العرب في كلامها أن يقول السيد لمملوكه: ( إن كنت مملوكي، فانته إلى أمري ) والعبد المأمور بذلك، لا يشك سيده القائل له ذلك، أنه عبده. كذلك قول الرجل منهم لابنه: ( إن كنت ابني فبرني ) وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه. ويعقب على ما قرره بالقول: إن ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم. ثم يأتي بشواهد من القرآن الكريم تدعم هذا الأسلوب المعهود في كلام العرب؛ كقوله تعالى: { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } (المائدة:116) وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك. فهذه الآية الكريمة هي على وزان الآية التي معنا. وأخيرًا، يخلص شيخ المفسرين إلى القول: لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكًا في حقيقة خبر الله وصحته، والله تعالى ذكره كان عالماً بأمره، ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا، إذ كان القرآن بلسانهم نزل. فالطبري إذن، يرى أن الخطاب في الآية وارد على الحقيقة، وأن الشك من الرسول صلى الله عليه لم يقع، وأن أسلوب الآية وارد حسب لسان العرب ومعهودهم، فلا إشكال في الآية مطلقًا .
أما الإمام الزمخشري ، فيرى أن الخطاب في الآية ورد على سبيل الفَرَض والتمثيل، لا على سبيل الحقيقة والتقرير؛ أي إنه يقرر أن الآية من باب المجاز، وليست من باب الحقيقة. ثم هو هنا يثير سؤالاً، قد يرد على ما قرره؛ وحاصل ما أثاره: أن إثبات الشك قد ورد في آية أخرى على سبيل الحقيقة، وذلك في قوله تعالى: { وإنهم لفي شك منه مريب } (فصلت:45) وأجاب على هذا بالقول: فرق عظيم بين قوله: { وإنهم لفي شك منه مريب } بإثبات الشك لهم على سبيل التأكيد والتحقيق، وبين قوله: { فإن كنت في شك } بمعنى الفرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلاً، وخيل لك الشيطان خيالاً منه تقديرًا { فاسأل الذين يقرؤون الكتاب } لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن، وصحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ويبالغ في ذلك، فقال: فإن وقع لك شك - فرضًا وتقديرًا - وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق، فسل علماء أهل الكتاب، يعني: أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك من الأخبار والقصص، إذ كان لهم علم بهذا .
هذا وجه الآية كما أورده الزمخشري . وحاصله - كما ترى - أن الغرض من ورود الآية بهذا الأسلوب إنما هو وصف أحبار اليهود بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل الله إلى رسول الله من القصص والأخبار؛ وليس المراد منها وصف رسول الله بالشك فيه .
وقد أطال الإمام الرازي النَفَس عند تفسير هذه الآية، وقرر بداية أن الخطاب في الآية يحمل على أحد وجهين رئيسين:
الأول: أن الخطاب في الآية للنبي عليه الصلاة والسلام، إلا أن المراد غيره؛ على غرار قوله تعالى: { يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } (الأحزاب:1) وقوله: { لئن أشركت ليحبطن عملك } (الزمر:65) وقوله: { يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } (المائدة:116) وهو أيضًا من قبيل قولهم في الأمثال المشهورة: إياكِ أعني، واسمعي يا جاره .
وقد مال الرازي في تفسير الآية - كما يظهر من كلامه - إلى هذا الوجه، واستدل له بأدلة تقويه وتدعمه، من ذلك:
- أن قوله تعالى في آخر السورة: { يا أيها الناس إن كنتم فى شك من ديني } (يونس:104) يبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح .
- أن الأسلوب الذي وردت فيه الآية، أسلوب معتاد في لسان العرب؛ بدليل أن السلطان إذا كان له أمير، وكان تحت راية ذلك الأمير جمع، فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص، فإنه لا يوجه خطابه إليهم، بل يوجه ذلك الخطاب إلى ذلك الأمير، الذي جعله أميرًا عليهم، ليكون ذلك أقوى تأثيرًا في قلوبهم، وأمضى فاعلية في سلوكهم .
وبهذه الاستدلالات، رأى الرازي أن الخطاب في الآية وإن كان في الظاهر مع الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن المراد في الحقيقة الأمة .
والوجه الثاني الذي حمل عليه الإمام الرازي الآية، أن يكون المقصود بالخطاب غيره؛ كما في قوله تعالى: { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذى خلقك } (الانفطار:6-7) وقوله: { يا أيها الإنسان إنك كادح } (الانشقاق:6) وقوله: { فإذا مس الإنسان ضر } (الزمر:49) فلم يرد سبحانه في جميع هذه الآيات إنسانًا بعينه، بل المراد هو الجماعة، فكذا الأمر في الآية التي معنا. وعلى هذا يكون معنى الآية: إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد، فاسأل أهل الكتاب، ليدلوك على صحة نبوته، وإنما أفرد الله تعالى الخطاب، وهو يريد الجمع .
وقريب من كلام الطبري والرازي، ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، حيث رأى أن الخطاب في الآية وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن معناه عام، واستند فيما ذهب إليه إلى قاعدة أصولية، هي محل اتفاق عند أهل العلم، مفادها أن الأصل فيما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم من أمر أو نهي أو إباحة أن يكون خطابًا عامًا لأمته؛ كقوله تعالى: { لئن أشركت ليحبطن عملك } (الزمر:65) وقوله: { فإذا فرغت فانصب } (الشرح:7) وقوله: { قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ) (سبأ:50) ونحو ذلك مما خوطب به صلى الله عليه وسلم، والمراد به عموم الأمة. فهذا هو الأصل فيما خوطب به صلى الله عليه وسلم؛ لكن ما دل الدليل على اختصاص النبي صلى الله وسلم به، فهذا يُحمل على ما دل عليه دليل الخصوص، وينتفي عنه قصد عموم الأمة؛ كقوله تعالى: { خالصة لك من دون المؤمنين } (الأحزاب:50) فالآية موضع التساؤل - وفق ما قرره شيخ الإسلام - خطاب عام للأمة، وإن جاء اللفظ فيها موجهًا للنبي صلى الله عليه وسلم .
على أن من الأمور التي تسلط مزيدًا من الضوء في فهم الآية معرفة بعض القواعد التي ذكرها العلماء في هذا السياق، من ذلك:
- ما قاله القرطبي : من أن مجيء حرف ( الفاء ) مع أداة الشرط، لا يعني وقوع الفعل، أو عدم وقوعه. وأن أداة الشرط ( إن ) تستعمل غالبًا فيما لا تحقق له، حتى يستعمل في المستحيل عقلاً وعادة، كما في قوله سبحانه: { قل إن كان للرحمن ولد } (الزخرف:81) وقوله تعالى: { فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض } (الأنعام:35) وصدق الجملة الشرطية لا يتوقف على وقوعها، كما هو ظاهر .
- وما قاله الرازي : من أن القضية الشرطية لا إشعار فيها البتة بأن الشرط وقع أو لم يقع؛ ولا بأن الجزاء وقع أو لم يقع، بل ليس فيها إلا بيان أن ماهية ذلك الشرط مستلزمة لماهية ذلك الجزاء فحسب.
- وما قاله ابن تيمية : من أن الحكم المعلق بالشرط يعدم عند عدمه؛ وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يشك، ولم يسأل .
فهذه القواعد في جملتها وتفصيلها، تفيد أن الجملة الشرطية شيء، ووقوعها شيء آخر، وأن سوق الكلام سياق الشرط والجزاء لا يقتضي ولا يستلزم الوقوع بحال؛ بدليل أنك إذا قلت: إن كانت الخمسة عددًا زوجيًا، كانت منقسمة بمتساويين، فهو كلام حق؛ لأن معناه أن كون الخمسة عددًا زوجيًا، يستلزم كونها منقسمة بمتساويين، ثم لا يدل هذا الكلام على أن الخمسة عدد زوجي، ولا على أنها منقسمة بمتساويين، فكذا الآية التي معنا، تدل على أنه لو حصل هذا الشك لكان الواجب فيه هو فعل كذا وكذا، فأما إن هذا الشك وقع أو لم يقع، فهذا أمر وراء نص الآية، وليس في الآية ما يدل عليه لا من قريب ولا من بعيد، بل نصوص السنة تثبت خلافه .
إذا عُرف هذا، يبقى أن يقال: فما الفائدة من سوق الآية مساق الشرط والجزاء ؟ والجواب عليه ما ذكره الرازي من أن الفائدة في إنزال هذه الآية على الرسول وفق هذا الأسلوب إنما تكثير الدلائل وتقويتها مما يزيد في قوة اليقين وطمأنينة النفس وسكون الصدر، ولهذا السبب أكثر الله في كتابه من تقرير دلائل التوحيد والنبوة .
وأخيرًا، نختم بالقول: إن ما نقلناه من أقوال أهل التفسير في تأويل هذه الآية الكريمة، كله صالح لفهم الآية فهمًا سليمًا ومستقيمًا؛ لأن الشك لا يتصور منه عليه الصلاة والسلام، إذ مثل هذا الأمر محال في حق النبي صلى الله عليه وسلم، بله أن يكون واقعًا منه، كما ثبت ذلك بنص الروايات التي أتينا على ذكر بعض منها أثناء ما تقدم .



يتبع





طارق سرور 07-30-2011 02:22 AM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
طرح رائع وقيم ونافع بإذن لله

جزاك الله خيرا عنه اختى الدكتورة

أعلى تقيييييييييييييييم

ملكة بإحساسي 07-30-2011 03:41 PM

رد: شبهات حول القرآن الكريم
 
سلمت حبيبتي
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
يعطيك العافيه ننتظر جديدك
شكري واحترامي




الساعة الآن 02:50 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by