[نور]

صهيل الجرح لا يخفت

,

لثغة سائلة //

هذه مساحة للنيلـ مني ، مساحة أتركها لوطن فقد أصابعه ، و انبعج بوضوء كافر
سألعن نفسي ألفا .. و لا تدعون لي بالمغفرة و الهداية ، فأنــا قررتـ الإنتحارا عارا أمام حاناتـ غزة و رام الله ..
و لي في الموتـ جحيم أتمناه .. ارفعوا نخبـ عزرائيلـ عاليا ، لتصطك الكؤوس و يندلق الخمر على طاولاتـ الغربة و اليتم ..
فالرصيد بعد خمسة و خمسين عاما .. سيكون صفرا .. إضافة إلى هامش غواية شمطاء
و ألف شريفـ سيبكي حسرة ضياعه ، و حسيرا سيمضي النورس .. و تعيسا سيسدلـ الستار ..

وقحة أنـا سأكون .. نذلة جدا ، أتمرغ في وحلـ الرذيلة ..
فأرسلوا ملائكتكم لتلعنني جهرا و أنـا في طريقي إلى القدسـ .. أحمل قلبي على كتفي .. و أنتشي بجراحاتي و كثير انهياري ..
العنوني إن أتيتم إلى هنـا .. صوبوا رماحكم لصدري و ظهري .. لكني سأصلـ البرتقال قبل أن يسقط ، و ألتقم حبات اللوز قبل أن تجف ..
و سأموتـ حينما أنهي تراتيل سور سخطي الطويلة ..

***


أتحرك كالموتى ، و فاقدي الإدراك ، أحاول أن أتشبث بخيوط تتدلى من السماء ، و من نوافذ القمر ، من بركة الدماء تلك التي أرى وجهي ينعكس عليها ، وطنا فقد رئته و ازدان بالبكاء
أتلقفـ عُمْيَ روحي وسط ظلام محاق ، أغرس ضلعي الأيمن زيزفونا أصفرا ، و أناضل لآتِ الطريقـ قدمي
تلك التي فقدتها على رصيفـ مدجج بالشوك ، ووجه أبتي الراح ـلـ ..

أطرقـ حانة المدينة المهمشة ، تزكمني رائحة الوجع المنتشية على أغصان الأمل ، أقبل جبهة السقوط طويلا ، و أطلب لي قدحا من نبيذ مسكر ، به قطع ثلج سوداء ، أغطي بها الكثير من ضياعي المتأخر ..
هنـا .. أحتاج أن أهرب مني ، من جلدي ، أسلخه عن عظمي ، و ألوذ من أفاكري و أشيائي الصغيرة ، من أرجوحة الأطفال ، و غيرة النساء ، و انسيابية الموتـ على كف ضئيلة معلقة في الهواء تلوح للراحلين .. للغائبين ..

سأنتح ـر و أطلب شنقي على جذع شجرة الزيتون ، و أعلق تهمتي على جبهتي ، و أسلم مفاتيح القلب لسجان غزة ، و أدعو اللاهثين لقطرة لعاب الظمأ أن يبتلعوني ..
سأثملـ الليلة و غدا .. لن أنفك أبرح الحانة و الكأس و ضجيج اللحد و الخيبة العتيدة بداخلي ، سأستقيم كمسطرة طالب هندسة ، أرقم الإتجاهاتـ ، و أستئنفـ المضي ارتفاعا ..

أنـا .. سيئة جدا .. قريبة من الشراسة ، و عمري آفلـ لا تسعه قبضة اتزان ..
أنـا .. بضع من بضعة هفوات خافتة ، ترمقـ الشر يتأجج من عيون جاحدة .. و أنـا لا أدري هل يجوز فتح فمي و إطلاق الماء من حنجرتي ، و البكاء .. !!

هل هنا من يمنحني بكاء يليق بي فقط .. بهوية اتهموها ب " اللانتماء ؟؟ "

يحملون موتي قطعة قماش بالية ، و شوارع بلدتنا ترزح في الحصار ، و الندى لم يعد يسقي الزهر و لا يروي عطش البرية ، نوافلـ الربيع اصفرت و نامت عيون الأطفال و هي مبتلة بحلم لم يكتملـ

سأرفع قبعتي ، و أتسلق حجرا ضخما ، و أحفر عليه اسما عابرا ، قضم طبشوري ، و استباح عري يرقاتي ، سأقف عارية إلا من الإنتكاساتـ العشر ، سأوزع نيشان الصفعات على جُند الإحتلال ، و أنقد الشقيق من سيف أخيه ، و ألثم يد القدر أن ترحم صرخة أم ثكلى ، سأنفخ في الريح صرختي و أشرد أفكاري على حبل الغسيلـ المهتيء
و ألتهم قطع لحمي .. فإني جائعة و لا أستلذ مائدتك يا صاحب البندقية العاتية ..

هنــا .. سأفجر رصاصاتـ برأسي ، و أتلذذ بنكهة الإنتحار الشبقة ..
سأقيم الخطايا جميعها .. سأرتكبها عمدا .. و لنـ أعلن التوبة ..


و أخيرا بعدما سحقتني حوافر التيه ، و اصطكت بي جدران تميد على خاطري .. و بعدما حلفت يمينا أنني " ذكرى إنسان " ، و بعدما رفعتـ رأسي عاليا لأقيس ارتفاع رايات العرب و لازلتـ الأضخم و الأطولـ ..
و بعدما تورطت في سيجارة مسمومة أنفث دخانها بقلبي ، و بعدما شربت الخمر و سجلتـ انتسابي الساحقـ للصعاليك و الفقراء ..
و بعدما لم يعد يهمني شيء .. لا رجل .. و لا وطن .. و لا أهل
قررتـ أنـ آتي إلى هنـا ، لأتمم ثمالتي ، أنحر براءتي ، و أرتكب مجازرا في مدن أشعاري
و أبصق في وجه السادة ثلاثا ..
و ابكي فيك يا بلدا هجرتها الملائكة ، و احتكمت فيها الشياطينـ ..
و ابكى في وطنيتي .. و في انتمائي و في هويتي ..
و ابكى في مباديء القومية ، و في شعاراتـ الإنتصار ، و في المجد المبين ، و مؤتمرات السلام
و ابكى من المحيط إلى الخليج .. من بيت لحم إلى الجليلـ

و عذرا للشيخ " ياسين " .. عذرا لأطفال الحجارة فقد صرنا حجارة .. الأجدر بها أن تقذف في قعر الجحيم
و عذرا " لناجي " ، و " الماغوط " ، و الأقلام الحزينة
عذرا كذلك " لأبي عمار " ، و عذرا للأنبياء ..
عذرا ... للأميرة الصغيرة يآرآ ..





أعذريني سأكسر قلمي ، فجبهتي تؤلمني من كثرة النيل بها جدارا ترتطم به
أغيثوني من عروبتي .. آه يا رسول الله لكم تضنيني
حشرجة المساجد المحترقة ..

سأعود لأتمم نكبتي ..

*
*
منقول




,