الموضوع: الخلق والنشوء
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-26-2009, 03:20 PM رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: الخلق والنشوء

الخَلــق والصُّدفــة العشوائيـــة[2]


وليس من المعقول أن يكون لدى الكيماويين كل هذه الثقة في القوانين الطبيعية لو أنَّ سلوك المادة والطاقة كان من النوع العشوائي الذي تتحكم فيه المصادفة، وعندما يتم أخيراً إدراك الأسباب التي تجعل هذا القانون الطبيعي عاملاً وتفسر لنا حقيقته، فإنّ أي أثر لفكرة العشوائية أو المصادفة في سلوك المادة أو الطاقة سوف يندثر اندثاراً تاماً.

ومنذ مائة سنة تقريباً رتَّبَ العالم الروسي "مانداليف" العناصر الكيماوية تبعاً لتزايد أوزانها الذرية ترتيباً دورياً، وقد وجد أن العناصر التي تقع في قسم واحد تؤلف فصيلة واحدة ويكون لها خواص متشابهة، فهل يمكن إرجاع ذلك إلى مجرد المصادفة؟

وهل يمكن أن نفسر على أساس المصادفة ما توصل إليه العلماء السابقون من تفاعل ذرات عنصر (أ) مع ذرات عنصر (ب) وعدم تفاعلها مع عنصر (ج)؟ كلا. إنهم قد فسروا ذلك على أساس أنّ هناك نوعاً من الميل أو الجاذبية بين جميع ذرات عنصر (أ) وجميع ذرات عنصر (ب)، ولكن هذا الميل أو الجاذبية منعدم بين ذرات عنصر (أ) وبين ذرات عنصر (ج) ....... فهل يتصور عاقل أو يفكر أنَّ المادة المجردة من العقل والحكمة قد أوجدت نفسها بنفسها بمحض المصادفة؟. لا شك أنَّ الجواب سيكون سلبياً. بل إنّ المادة عندما تتحول إلى طاقة أو تتحول الطاقة إلى مادة فإنَّ ذلك يتم طبقاً لقوانين معينة، والمادة الناتجة تخضع لنفس القوانين التي تخضع لهل المادة المعروفة التي وُجدت قبلها.

وتدلنا الكيمياء على أنَّ بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء، ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والآخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فالمادة ليست أبدية[1 ]، ومعنى ذلك أيضاً أنها ليست أزلية[2 ] إذ أنَّ لها بداية، وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أنَّ بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية بل

وُجدَت بصورة فجائية، وتستطيع العلوم أن تحدد الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد، وعلى ذلك فإنَّ هذا العالَم المادي لا بُدّ أن يكون مخلوقاً، وهو منذ أن خُلق يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ليس لعنصر المصادفة بينها مكان.

فإذا كان هذا العالَمُ المادي عاجزاً عن أن يخلق نفسه أو يحدد القوانين التي يخضع لها فلا بدَّ أن يكون الخلق قد تمَّ بقدرة كائن غير مادي. وتدل الشواهد جميعاً على أنَّ الخالق لا بُدَّ له أن يكون متصفاً بالعقل والحكمة. إلا أنَّ العقل لا يستطيع أن يعمل في العالم المادي دون أن يكون هناك إرادة. ولا بدَّ لمن يتصف بالإرادة أن يكون موجوداً وجوداً ذاتياً. وعلى ذلك فإنَّ النتيجة المنطقية الحتمية التي يفرضها علينا العقل ليست مقصورة على أنَّ لهذا الكون خالقاً فحسب، بل لا بُدَّ أن يكون هذا الخالق حكيماً عليماً قادراً على كل شيء حتى يستطيع أن يخلق هذا الكون وينظمه ويدبره، ولا بد أن يكون هذا الخالق دائم الوجود تتجلى آياته في كل مكان. وعلى ذلك فإنه لا مفر من التسليم بوجود الله خالق هذا الكون ومدبره وموجهه. إنَّ التّقدم الذي أحرزته العلوم منذ أيام "لورد كلفن" يجعلنا نؤكد بصورة لم يسبق لها مثيل ما قاله من قبل من أننا إذا فكرنا تفكيراً عميقاً فإنَّ العلوم سوف تضطرنا إلى الإيمان بالله ).[3 ]

أما "جورج هربرت بلونت" [4 ] فيقول في مقال له بعنوان "منطق الإيمان" :

(... فالأدلة الكونية تقوم على أساس أنَّ الكون متغير، وعلى ذلك لا يمكن أن يكون أبدياً، ولا بد من البحث عن حقيقة أبدية عليا، أما الأدلة التي يبنى على أدراك الحكمة فتقوم على أساس أنَّ هنالك غرضاً معيناً أو غاية وراء هذا الكون ولا بد


لذلك من حكيم أو مدبر، وتكمن الأدلة الإنسانية وراء طبيعة الإنسان الخلقية، فالشعور الإنساني في نفوس البشر إنما هو اتجاه مشروع أعظم.

ولما كان اشتغالي بالعلوم ينحصر في التحليل الفيزيائي، فإنَّ الأدلة التي يتجه إليها تفكيري تعتبر من النوع الذي يبحث عن حكمة الخالق فيما خلق. ولاكتشاف القوانين التي تخضع لها الظواهر المختلفة لا بُدَ من التسليم أولاً بأنَّ الكون أساسه النظام، ثم يتجه الباحث نحو كشف هذا النظام.... ولا يمكن أن يتصور العقل أنَّ هذا النظام قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم أو من الفوضى، وعلى ذلك فإنَّ المفكر لا بد وأن يصل ويسلم بوجود إله منظم لهذا الكون[5 ]، وعندئذ تصير فكرة الألوهية إحدى بديهيات الحياة، بل الحقيقة العظمى التي تظهر في هذا الكون والمطابقة بين الفرض والنتيجة تعد برهاناً على صحة هذا الفرض. والمنطق الذي نستخدمه هنا هو أنه إذا كان هنالك إله فلا بد أن يكون هنالك نظام، وعلى ذلك فما دام هنالك نظام فلا بد من وجود إله.... فإذا قارنا بين الشواهد التي يستدل بها المؤمنون على وجود الله، وتلك التي يستدل بها الملحدون في إنكار ذاته العلية، يتضح لنا أنَّ وجهة نظر الملحد تحتاج إلى تسليم أكثر مما تحتاج إليه وجهة نظر المؤمن، وبعبارة أخرى نجد المؤمن يقيم إيمانه على البصيرة، أما الملحد فيقيم إلحاده على العمى، وأنا مقتنع أن الإيمان يقوم على العقل، وأنَّ العقل يدعوا إلى الإيمان)[ 6]

أما "وحيد الدين خان" فيقول: ( ولو افترضنا أنَّ المادة وُجدَت بنفسها في الكون، وافترضنا أيضاً أنَّ تَجَمعها وتفاعلها كان من تلقاء نفسها – ولست أجد أساساً لأقيم عليه هذه الافتراضات – ففي تلك الحال أيضاً لن نظفر بتفسير الكون، فإنَّ صُدفَة أخرى تحول دون طريقنا، فلسوء الحظ أنَّ الرياضيات التي تعطينا نكتة


الصُدْفَة الثمينة هي نفسها التي تنفي أي مكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون الصدفة).[7 ]

أما العالِم الطبيعي "إسحاق نيوتن" فيقول: (لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة الوجود)[8 ].

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ـــــ ـــــــ
[1] الأبدي هو دائم الوجود.
[2] الأزلي هو ما لا أول له ولا آخِر.
[3] كتاب " الله يتجلى في عصر العلم " الصفحات ( 21 – 25 ). والكتاب هو النسخة العربية لكتاب: " The Evidence of God ".
[4] جورج هربرت بلونت: أستاذ الفيزياء التطبيقية، وكبير المهندسين بقسم البحوث الهندسية بجامعة كاليفورنيا.
[5] الكون: هو مجموعة الأجرام السماوية.
[6] المصدر السابق، الصفحات ( 78 – 83 ).
[7] وحيد الدين خان، كتاب "الإسلام يتحدى"، صفحه (73)، وهو النسخة العربية المترجمة للكتاب باللغة الأردية باسم: Jadeed Ka challenge. ؛ Ilmeَ
[8] العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي، صفحه ( 17 ).







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس