مسيو دى لسبس يحول دراسات حفر القناة إلى واقع
بعد أن تولى محمدمحمد سعيد باشا حكم مصر فى14 يوليو1854تمكن مسيودى لسبس - والذى كان مقرباً من سعيد باشا - من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس الاول و كان مكون من 12 بنداً كان من أهمها حفر قناة تصل بين البحرين و مدة الامتياز 99 عام من تاريخ فتح القناة و اعترضت انجلترا بشدة على هذا المشروع خفاً على مصالحها فى الهند.
قام مسيو دى لسبس برفقة المهندسان لينان دى بلفون بك و موجل بك كبيرا مهندسى الحكومة المصرية بزيارة منطقة برزخ السويس فى10 يناير1855لبيان جدوى حفر القناة و أصدر المهندسان تقريرهما فى 20 مارس 1855 و الذى أثبت سهولة انشاء قناة تصل بين البحرين. وقام مسيو دى لسبس بتشكيل لجنة هندسية دولية لدراسة تقرير المهندسان و زاروا منطقة برزخ السويس و بورسعيد و صدر تقريرهم فى ديسمبر1855وأكدوا إمكانية شق القناة و أنه لا خوف من منسوب المياه لأن البحرين متساويين فى المنسوب و أنه لا خوف من طمى النيل لأن بورسعيد شاطئها رملى.
فى5 يناير1856صدرت وثيقتين هما عقد الامتياز الثانى و قانون الشركة الأساسى و كان من أهم بنوده هو قيام الشركة بكافة أعمال الحفر و إنشاء ترعة للمياه العذبة تتفرع عند وصولها إلى بحيرة التمساح شمالاً لبورسعيد و جنوباً للسويس و أن حجم العمالة المصرية أربعة أخماس العمالة الكلية المستخدمة فى الحفر.
فى الفترة من5إلى30 نوفمبر1858تم الاكتتاب فى أسهم شركة قناة السويس و بلغ عدد الأسهم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم بقيمة 500 فرنك للسهم الواحد و تمكن مسيو دى لسبس بعدها من تأسيس الشركة و تكوين مجلس إدارتها.
فترة حفر قناة السويس
فى25 ابريل1859أقيم حفل بسيط ببورسعيد للبدء بحفر قناة السويس و ضرب مسيو دى لسبس بيده أل معول فى الأرض إيذاناً ببدء الحفر وكان معه 100 عامل حضروا من دمياط ولم يتمكن العمال بعدها من استكمال حفرهم بسبب معارضة إنجلترا والباب العالى لذلك واستكمل الحفر فى30 نوفمبر1859وذلك بعد تدخل الامبراطورة أوجينى لدى السلطان العثمانى ووصل عدد العمال المصريين الى 330 عامل والاجانب 80 عامل، وتم الاستغناء عن فكرة الاستعانة بعمال اجانب لعدة اسباب من ضمنها ارتفاع اجورهم واختلاف المناخ واختلاف عاداتهم عن العمال المصريين.
فى اوائل عام1860بلغ عدد العمال 1700 عامل ولم يكن ذلك العدد كافياً على الاطلاق فقامت الشركة بتشكيل لجنة لجمع العمال و خاصة من منطقة بحيرة المنزلة وواجهت كذلك مشكلة مياه الشرب فقامت باستيراد 3 مكثفات لتحلية مياه البحر.
فى عام1861ركزت الشركة على انشاء ميناء مدينة بورسعيد، فأقامت منارة لإرشاد السفن و كوبرى يمتد من البحر إلى الشاطئ لتفريغ شحنات السفن و المعدات اللازمة للحفر و أنشأت أيضاً حوضاأ للميناء وأقامت الورش الميكانيكية مثل الحدادة و الخراطة و النجارة و أقامت مصنعاً للطوب و كانت الشركة مازالت تواجه مشكلة نقص مياه الشرب فاتفقت مع السيد محمد الجيار صاحب مراكب الصيد على نقل مياه الشرب من المطرية الى بورسعيد.
قامالخديوى سعيد فى12 ابريل1861بزيارة الميناء الذى حمل اسمه فيما بعد وزار الورش وأثنى على العمل وتسببت تلك الزيارة فى رفع عدد العمال اللازمين لحفر القناة.
فى19 ابريل1861أرسلت الشركة 3000 عامل لحفر ترعة المياه العذبة بدءاً من القصاصين الى قرية نفيشة بالقرب من بحيرة التمساح و وصلت المياه اليها فى23 يناير1863.
فى أواخر عام1861قام الخديوى بزيارة مناطق الحفر بجوار بحيرة التمساح و اختار موقع المدينة التى ستنشأ بعد ذلك و التى حملت اسم الإسماعيلية و طلب بعدها مسيو دى لسبس زيادة عدد العمال الى 25000 عامل شهرياً و قد كان ذلك للوفاء باحتياجات الحفر الا ان العمال لم يكونوا يحصلوا على مقابل مادى مناسب.
فى18 نوفمبر1862أقام مسيودى لسبس احتفالاً بمناسبة الانتهاء من حفر القناة البحرية المصغرة ووصول مياه البحر المتوسط الى بحيرة التمساح و أقيم الخفل فى منطقة نفيشة.
وكانالخديوى اسماعيل قد تولى حكم مصر فىيناير1863وتحمس للمشروع ولذلك أنشأ محافظة القنال فىمارس1863برئاسة اسماعيل حمدى بك وفى أواخر ذلك العام و تحديداً فى15 ديسمبر1863بلغت الترعة الحلوة مدينة السويس.
ولأن مشكلة مياه الشرب كانت مازالت مستمرة وخاصة فى بورسعيد فقد بدأت الشركة فى10 ابريل1864فى مد خط أنابيب المياه العذبة من التمساح الى بورسعيد وقامت شركة المهندس لاسرو بذلك.
وبسبب كثرة العمال و عدم وجود رعاية صحية كافية لهم فقد انتشر أكثر من وباء بينهم قضى على كثير منهم و من أشهر هذه الأبئة وباء الكوليرا و ظهر فى16 يونيو1865ووباء الجدرى فى أواخرعام1866. وفى18 مارس1869وصلت مياه البحر المتوسط الى البحيرات المرة. وفى15 أغسطس ضربت الفأس الأخيرة فى حفر القناة و تم اتصال مياه البحرين فى منطقة الشلوفة.
و عليه فقد تم استخراج 74 مليون متر مكعب من الرمال و التكاليف 369 مليون فرنك فرنسى و عدد العمال مليون. و يبلغ عدد الذين ماتوا أثناء الحفر 125 ألف عامل و يبلغ طول القناة 195 كم وعرضها 190 م غاطسها 58 قدم.
مياه الشربفى البداية كان يتم جلب المياه من دمياط عبر القوارب الصغيرة و من الإسكندرية عبر سفينة مجهزة لذلك وتحمل 8 ألاف لتر من الماء و أقامت مكثفين لتقطير المياه فىيونيو ثميوليو عام1859ينتج كل منهما 5 ألاف لتر يومياً إلا إن الإنتاج الفعلى كان 900 لتر فقط لكل مكثف بسبب الخوف من الأعطال و لأن كل مكثف يستهلك كيلو جرام فحم مقابل لتر ماء, لذا اتفقت الشركة مع مصطفى عنانى بك صاحب مراكب الصيد ببحيرة المنزلة لجلب ما لا يقل عن 6 أمتار مكعبة يوميا من الماء مقابل 6 فرنكات للمتر فى حين أن تقطير المتر يتكلف 20 فرنك و كان يتم توزيع المياه على المنازل بواسطة الفلاحين.
ثم اتفقت الشركة مع محمد الجيار بك و هو احد كبار ملاك السفن فى بحيرة المنزلة لنقل المياه فى براميل و أقامت الشركة له خزانا ضخماً سعته 32 متر مكعب.
و لم تتحسن الحالة إلا فى عام1866حينما مد خط من الأنابيب من الإسماعيلية لبورسعيد و كان يوجد شبكة مواسير فى المدينة يختلف قطرها حسب أهمية الشارع و توجد حنفيات عامة فى مختلف الميادين و كان على المحافظة إمداد الحجاج بالمياه اللازمة لسفرهم و لوحظ أيضا كثرة المشكلات الناجمة عن قلة المياه بين السكان.
حفل افتتاح قناة السويس
دعا الخديوى اسماعيل أباطرة و ملوك العالم و قريناتهم لحضور حفل الافتتاح و الذى تم فى16 نوفمبر1869، وقد كان حفلا أسطوريا ووصلت الحفلة إلى مستوى فاق ما نسمعه عن حكايات ألف ليلة و ليلة.
ولقد قام الخديوى اسماعيل برصف الطريق من ( القاهرة : السويس )
مائلا بزواية قياسية لكى يتمكن من التقرب من الامبرطوره اوجينى .... زوجة الملك نابيلون الثالث( صاحب عرش فرنسا )
كان طبيعيا أن تكون البداية هى الاهتمام بزى العساكر و خاصة العاملين بالجوازات و الصحة لأنهم فى طليعة المستقبليين للملوك كما روعى الاهتمام بنظافة المدينة و تم حث التجار على توريد الخضروات و اللحوم و الأسماك كبيرة الحجم لبورسعيد لمواجهة الطلبات المتزايدة كما روعى إحضار الثلج من القاهرة كذلك جهز عدد من السفن لإحضار المدعوين من الاسكندرية لبورسعيد.
وفى أوائلنوفمبر1869 اخطر دى لسبس محافظة بورسعيد بأن الخديوى أذن فى بدء إعداد الزينات و على الفور تم إخلاء الشوارع و ترتيب العساكر اللازمين لحفظ الأمن و ضاقت بورسعيد بالمدعوين و كان الخديوى قد طلب من مد يرى الأقاليم ان يحضروا عدد من الاهالى بنسائهم و أطفالهم لحضور حفل الافتتاح فانتشروا على خط القناة من فلاحين و نوبيين و عربان بملابسهم التقليدية حتى أن الإمبراطورة أوجينى أبرقت إلى الإمبراطور نابليون الثالث بأن الاحتفال كان فخماً و أنها لم ترى مثله فى حياتها و مما زاد الأمر أبهة هو اصطفاف الجيش و الأسطول المصري فى ميناء بورسعيد بالإضافة لفيالقه على ضفاف القناة.
وأقيمت 3 منصات خضراء مكسوة بالحرير خصصت الكبرى للملوك و الأمراء و الثانية لليمين لرجال الدن الإسلامى و منهم الشيخ مصطفى العروسى و الشيخ إبراهيم السقا و الثالثة لليسار خصصت لرجال الدن المسيحى و جلس بالمنصة الكبرى الخديوى اسماعيل و مسيو دى لسبس الإمبراطورة أوجينى إمبراطورة فرنسا و فرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا و ملك المجر وولى عهد بروسيا و الأمير هنرى اخو ملك هولندا و سفيرا انجلترا و روسيا بالآستانة و الأمر محمد توفيق ولى العهد و الأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا و شريف باشا و نوبار باشا و الأمير عبد القادر الجزائرى و قد بلغ عدد المدعوين من ذوى الحيثيات الرفعة زهاء ستة ألف مدعو و حتى يوم 15 نوفمبر كان قد تم استدعاء خمسمائة طباخ من مرسيليا و جنوا و تريستا.
واصطف العساكر عند رصيف النزول لحفظ الأمن و منع الازدحام و كانت المراكب الحربية اصطفت على شكل نصف قوس داخل ميناء بورسعيد فى منظر بديع و بعد أن تناول الجميع الغذاء على نفقة الخديوى صدحت الموسيقى بالغناء و بعزف النشيد الوطنى الفرنسى و تلا الشيخ إبراهيم السقا كلمة تبريك و قام أحبار الدن المسيحى و أنشدوا نشد الشكر اللاتينى شارك فيه الإمبراطورة.
وفى المساء مدت الموائد و بها شتى أنواع الأطعمة و الخمور و انطلقت الألعاب النارية و التى تم استيرادها خصيصاً لهذا الغرض و تلألأت بورسعيد بأنغام الموسيقى.
ومن هذا يتضح مدى التكاليف الباهظة التى عانتها الخزانة المصرية بما فه من دعوات مجانية و تكاليف الطعام و الخمور و الإقامة و جولاتهم داخل البلاد و قد استخدم إسماعيل تلك المناسبة لإظهار مدى حضارة مصر و لمحاولاته إظهار مزيد من الاستقلالية عن الآستانة.
إحتلال الإنجليز مصر ودخولهم إليها عن طريق القناة
كانت كل العقود والاتفاقيات الدولية تغبن مصر حقها في قناة السويس وكان مشروع القناة يدين بالولاء إلى فرنسا وأوروبا عامة دون أي أهمية لاحقية مصر أو المصريين في قناة السويس حتى أنه حين حاول الإنجليز غزو مصر لم يستطيعوا الدخول إلي مصر إلا عن طريق قناة السويس وذلك عن طريق الخديعة التي نصبها المهندس فرديناند ديليسبس أحمد عرابي حين أقنعه أن قناة محايدة ولا تخضع لأي تأثيرات خارجية إلا انه بعد سمح للأسطول الإنجليزي بالدخول إلي مصر عامة واحتلالها وكان ذلك في 20 أغسطس 1882.