عرض مشاركة واحدة
قديم 09-23-2010, 12:35 AM رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
marmer

الصورة الرمزية marmer

إحصائية العضو








marmer غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: ابحاث ثورة يوليو

ثورة يوليو والشيوعيون
استمرت المنظمات الشيوعية المختلفة الموجودة على الساحة المصرية فى نشاطها تحت الأرض فى مصر ، وكانت المعلومات تشير إلى أن الحزب الشيوعى المصرى هو أنشط تيار، منظمة "حدتو " ( الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى ) تليه فى النشاط ، أما باقى المنظمات ، وكانت معروفة بالاسم ولا يتعدى عددها العشرة ، فكانت محترقة ولم يكن لها تأثير أو وجود على أرض الواقع بشكل مؤثر أو فعال ، وحدثت إندماجات وإنشقاقات بين التيارات الرئيسية وهى الحزب الشيوعى المصرى والحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى " حدتو " ، و التيار الثورى وهى الفروع الثلاثة النشطة إذا قلنا مجازا أن لها قواعد .
وقد لوحظ فى الفترة التى أعقبت قيام الوحدة بين مصر وسوريا أى من العام 1958 حتى العام1962 زيادة النشرات التى كانت تصدر عما كان يسمى بالحزب الشيوعى المصرى ، وكان التوقيع الذى يذيّل كل منشوراته يحمل أسم " الرفيق خالد " .
ولقد اهتم الرئيس جمال عبد الناصر بما يكتبه و أراد أن يعرف من هو الرفيق خالد ، وكلفت الأجهزة أن تتابع هذا الموضوع لكى تكشف من هو الرفيق خالد ، ولكن مضت مدة لم تكن قصيرة نسبيا ولم تستطع الوصول إلى نتيجة إيجابية ولكن إلى تخمينات غير مؤكدة ، مما ترتب عليه أن تدخل عبد الناصر شخصيا بمجهود ذاتى وشخصى منه للوصول إلى حقيقة هذه الشخصية، وكان قد تكون لديه انطباعات واستنتاجات عن حقيقة هذه الشخصية ، لكنه أراد أن يقطع الشك باليقين .
استدعى الرئيس عبد الناصر فى أحد أيام شهر أكتوبر سنة 1964 " أحد الأشخاص " -وأرجو إعفائى من ذكر اسمه لأسباب أخلاقية ومبدئية- وكان لدى الرئيس انطباع قوى أنه يعرف من هو الرفيق خالد .
قال له عبد الناصر : " يا . . . حا أسألك سؤال واحد ، وأنا واثق إنك حا تجاوبنى عليه بحكم العلاقة التى تربطنا ، وبحكم الوطنية التى تجمعنا وبحكم مصريتك ، وثق أن الغرض ليس أبدا أنى أطلب منك أن تفشى أسرار، أو أن تكشف عن شخص قد يكون عزيزا عليك . . ولكنى أرجوك أن تكون يا . . صادقا معى كما كنت طول عمرك . "
إندهش الضيف وقال : " إسأل يا ريس . . إيه هو السؤال؟!
سأله الرئيس : " مين هو الرفيق خالد ؟!
كان السؤال مفاجئا ومباغتا، ولكن بعد تفكير قصير لم تطل مدته أكثر من دقيقة من الزمن قال للرئيس أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى .
كان الرئيس عبد الناصر قبل أن يستدعى هذا الضيف قد ظل حوالى شهرين يحلل ويقرأ كتبا وأبحاثا ودراسات لخمسة أشخاص بعينهم ، الدكتور فؤاد مرسى واحد منهم، ووصل إلى شبه قناعة شخصية أن الرفيق خالد قد يكون هو الدكتور فؤاد مرسى ، ولكنه أراد أن يقطع الشك باليقين، ويؤكد هذا الاستنتاج من شخص يعلم تماما أنه يعرف من هو الرفيق خالد ، وصدق ظنه واستنتاجه من أن الرفيق خالد هو الدكتور فؤاد مرسى .
وقبل أن يغادر الضيف بيت الرئيس قال له الرئيس عبد الناصر : " ثق أن هذه المقابلة لن يعلم بها أحد ، فأنت كما كنت دائما شريفا وصادقا ولم تراوغ" .
وعقب هذه المقابلة كلفنى الرئيس بالاتصال بالدكتور فؤاد مرسى ومقابلته ، كما كلف السيد على صبرى بنفس الشيء .
وتمت مقابلات مع الدكتور فؤاد مرسى، وفى أول لقاء سألته لماذا يتواجد باستمرار فى الإسكندرية، فقال لى لو تحبوا ترونى فأنا موجود، وخلقت نوع من الاتصال المباشر معه، وأبلغته بأن الرئيس مهتم بما يكتب .
وحدث نفس الشيء مع السيد على صبرى؛ حيث تناقشا فى إطار الخطة الخمسية، والعمل السياسى والتنظيمات السياسية والاتحاد الاشتراكى، ووجهة نظره فى التنظيمات الحالية وأسلوب العمل الجماهيرى..... الخ، كما طلب منه طرح اقتراحاته وآراؤه فى تطوير العمل .
وفى لقاء آخر معى وكنت قد طلبت منه إبداء رأيه فى نقد التجربة والأوضاع الاقتصادية؛ فقدم الرجل دراسة أبدى فيها رأيه بوضوح وبصراحة ، وفى نهاية اللقاء طلب مقابلة الرئيس عبد الناصر الذى حدد له موعد بعدها بأقل من أسبوع .
فى لقائه مع الرئيس عبد الناصر كاشفه قائلا له أنه كان يعلم أن الرفيق خالد هو نفس الدكتور فؤاد مرسى، وحسب ما دار فى الحديث فقد أبدى الدكتور فؤاد مرسى اندهاشا واستغرابا . ولم ينكر الرجل ولكنه طلب أن يسأل سؤالا واحدا هو : هل الأجهزة هى التى اكتشفت هذه الحقيقة ؟ فقال له الرئيس : لا ، أنا من تتبعى وقراءاتى لما كتبته أنت والآخرين استنتجت أنك الرفيق خالد، وبناء على ذلك تم الاتصال بك . وقال له الرئيس : أنا كنت شاكك فيك إنت أو الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله .
وفى هذا اللقاء أيضا قال له الرئيس : " أننا نمر بمرحلة تعاد فيها صياغة المجتمع ، وهناك ضوابط بالنسبة للمجتمع المصرى وبالنسبة للتطبيق الاشتراكى ، ولا يمكن أن نطبق الماركسية فى مصر ؛ لأن لدينا ما يحول دون ذلك ، ومن ناحية المبدأ نحن لا نأخذ أقوالا ونطبقها ؛ لأن الذى يطبق النظم هم البشر ، ولا أستطيع أن أضع البشر الذين يصوغون التجربة عمليا فى قوالب جامدة ، فلنا تجربتنا الخاصة المختلفة والمتميزة والفوارق جوهرية بين النظرية الماركسية والتطبيق الذى نمارسه لاشتراكيتنا وهو على سبيل التحديد كما يلى :
إن اشتراكيتنا تستند فى أساسها وتطبيقاتها على القيم الروحية ، وتلتزم بما نادت به رسالات السماء ، وعلى سبيل المثال تأخذ اشتراكيتنا بنظام الإرث ، وهو ما ترفضه الماركسية .
إن اشتراكيتنا تؤمن بتذويب الفوارق بين الطبقات سلميا ، ولا تأخذ بأسلوب الصراع والعنف ، فهى تصفى امتيازات ونفوذ الإقطاع والرأسمالية المستغلة ، ولا تصفى الإنسان إنما تحرره من الاستغلال .

إن اشتراكيتنا تحترم إنسانية الإنسان ، وتتيح له فرصة الحياة الكريمة ، ولا تنظر إليه كترس فى آلة ، وإنما ما عليه من واجبات، وهى فى الوقت نفسه ترفض الأخذ بالماركسية التى تضحى بأجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة .
إن اشتراكيتنا تؤمن بسيطرة الشعب على وسائل الإنتاج والهياكل الرئيسية له ، وفى الوقت نفسه تتيح قدرا من المشاركة لنشاط القطاع الخاص تحت الرقابة الشعبية ، فلا تأخذ بالتأميم فى كل جزئيات الإنتاج كما هو الحال فى النظم الشيوعية.
الرأسمالية الغير مستغلة جزء أساسى من تحالف قوى الشعب العامل .
إن اشتراكيتنا تعطى القيادة ديموقراطيا لتحالف قوى الشعب العامل ( العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية غير المستغلة ) ، وترفض أن تقوم سلطة الدولة على ديكتاتورية البروليتاريا ( الطبقة العاملة ) .
إن اشتراكيتنا فى التوزيع تقوم على مبدأ كل بقدر إنتاجه وعمله ، وليس بقدر حاجته، وفى هذا تكريم للعمل وإثارة لحوافز الإنتاج، بعكس الماركسية التى تطبق مبدأ لكل حسب حاجته .
إن اشتراكيتنا لم تأخذ بتأميم ملكية الأرض ، وإنما آمنت بالملكية الخاصة فى قطاع الزراعة ، وبما لا يسمح بالاستغلال عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة بمقتضى قوانين الإصلاح الزراعى، وزيادة عدد الملاك من صغار المعدمين من الفلاحين .
إن اشتراكيتنا هى بيت سعيد لكل أسرة يقوم على القادرين أى المهيئين للعمل رجالا ونساء ، مجتمع الرفاهية ، مجتمع تكافوء الفرص ، مجتمع العدالة الاجتماعية .
إن اشتراكيتنا هدفها مجتمع الكفاية فى الإنتاج والعدالة فى التوزيع ، مجتمع الكفاية والعدل
نحن نؤمن بالله وكتبه ورسله ، وديننا واضح ، ونحن نتمسك بهذا الدين.
ثم قام الرئيس بشرح الفروق فى التطبيق وبين ما يحدث فى الكتلة الشرقية .
كان الدكتور فؤاد مرسى واضحا وصريحا فى رد فعله على كلام الرئيس عبد الناصر ، فقال (وأنا أذكر تماما نص كلامه ) :
" يا سيادة الريس أنت بإصدارك القوانين الاشتراكية تجاوزت كل ما كنا نطمع فى تحقيقه، ولو تلاحظ سيادتك أننا فى النشرات الأخيرة حاولنا أن نواكب التجربة التى تطبقها؛ لأن نظرتنا كانت قاصرة منذ سنة 1952 حتى صدور القوانين الاشتراكية سنة1961 ، وما واكبها وصاحبها من تطبيق ، الحقيقة يا ريس كان على عيوننا منظار أسود ، كنا متأثرين بأن الحكم العسكرى لن يستطيع أن يحقق التحول الاجتماعى فى مصر بالأسلوب الذى تقوم به وتعلن عنه " .
ورد عليه الرئيس قائلا أنه يرى أن القوة القادرة على إحداث التغيير فى المجتمع من أجل مصر يجب أن تضع أيديها معا فى ظل الشرعية ، وفى ظل إطار قانونى ، وفى ظل مبادئ يسلمون بها، وفى ظل قواعد متفق عليها ، ومن المصلحة أن تلتقى كل الآراء من أجل الوصول إلى التغيير .
وأضاف الرئيس عبد الناصر بقوله : " يا دكتور فؤاد أنا بأطرح عليك رأيا لتفكر فيه ، وهو غير ملزم ، كل ما أطلبه منك إنك تفكر ، وعندما تصل إلى قناعة أو إلى قرار ، فإن بابى مفتوح لك لنتناقش فيما وصلت إليه؛ والموضوع باختصار شديد هو أن تنضم العناصر اليسارية فى الساحة المصرية إلى تحالف قوى الشعب العامل بشكل أو بآخر . . فكروا . . وقدموا مقترحاتكم.. ".
وانتهى اللقاء عند هذا الحد من الحديث .
وبعد هذا اللقاء أصدر الرئيس جمال عبد الناصر تعليماته لى لكى أبلغها للسيد على صبرى الأمين العام للاتحاد الاشتراكى العربى والسيد شعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم للاتحاد الاشتراكى ولباقى الأجهزة بما دار من حديث ليكونوا على علم بالتطورات الجديدة ، كما أبلغت اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة أيضا بما استجد؛ حيث كان الرئيس قد طلب أن تكف الأجهزة المعنية بالبحث عن الرفيق خالد لأننا عرفنا من هو.
اتصل الدكتور فؤاد مرسى بعد ذلك وأبلغنى ، كما أبلغ السيد على صبرى أيضا أنه قد تم بحث الأفكار التى طرحها الرئيس فى لقائه الأخير معه، وهم يرحبون بالمساهمة فى الاتحاد الاشتراكى، ولو أن هناك مشكلة أن البعض يريد أن يكون لهم وضع خاص.
كان رد الرئيس عبد الناصر قاطعا صريحا وواضحا لا لبس فيه؛ وهو أن من يريد أن يشارك فى العمل العام يدخل كفرد عادى ولا يمثل إلا نفسه فقط . . وكل واحد عاوز ينضم عليه أن يتقدم بطلب للعضوية، ويأخذ موقعه فى محل سكنه جغرافيا أو مهنيا فى مكان عمله .
وبدأت بعد ذلك لقاءات مع السيد على صبرى حول هذا الأمر، وعندما تم الاتفاق أصدرت قيادة الحزب الشيوعى المصرى تعميما داخليا للأعضاء بأن الأمور قد سويت، وأنه يمكن للأعضاء أن يمارسوا النشاط ضمن تشكيلات الاتحاد الاشتراكى كأفراد و لا يمثلون إلا أنفسهم .
و فى هذه المرحلة كان قد تم اتصال من السيد محمد حسنين هيكل مع الدكتور فؤاد مرسى بالاتفاق مع الرئيس عبد الناصر ؛ حيث لعب دورا فى تصفية بعض العقبات على المستويات الشخصية، وليس من ناحية المبدأ، و شارك معه كل من لطفى الخولى ومحمد سيد أحمد بشكل أساسى .
وكانت نتيجة كل هذه الاتصالات واللقاءات فى بداية سنة 1965 أن تم الاتفاق ، دون أى ضغط، على إصدار بيان من الحزب الشيوعى المصرى يعلن فيه حل نفسه ، وأن من يريد مباشرة أو المشاركة فى العمل السياسى فأبواب الاتحاد الاشتراكى مفتوحة على مصراعيها للجميع ، كما تم الاتفاق على أن يتم رفع العزل السياسى عن أعضاء الحزب، واصبح كل واحد منهم مثل أى مواطن عادى ليس له انتماء حزبى، وليس هناك تسلسل قيادى ولا تعليمات ولا تعميمات، وهكذا بدأ أعضاء التنظيمات الشيوعية يدخلون فى وحدات الاتحاد الاشتراكى كأفراد ، وكانوا لا يزيدون عن 950 شخصا .
إن إعلان الحزب الشيوعى المصرى لأول مرة فى التاريخ بنفسه وبإرادته حل كافة تنظيماته سابقة قبل سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتى، وإعلان الأحزاب الشيوعية فى الكتلة الشرقية حل نفسها .
عقد بعد ذلك أكثر من لقاء بينى وبين الدكتور فؤاد مرسى وحضرها الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله، وقد تم فى هذه اللقاءات على وجه التحديد بحث قضية كيفية التعامل مع الأرض المستصلحة الجديدة، وأعدا فعلا دراسة تم بحثها فى لقاء مع الرئيس عبد الناصر وهذه الدراسة محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى .
وبهذه المناسبة فإنى أجد لزاما علىّ أن أتعرض لفرية ترددت بصوت عال فى السبعينات متواكبة مع الحملات التى بدأت مع الارتداد عن خط ثورة يوليو1952 ، وعن تجربة الرئيس عبد الناصر، وبالذات عقب الإفراج الصحى عن مصطفى أمين ، بالإدعاء أن الشيوعيين كانوا مسيطرين على الإعلام المصرى، وأقول لهؤلاء . . اللى إختشوا ماتوا ! وتعالوا نضع النقاط فوق الحروف :
رؤساء أجهزة الإعلام والثقافة فى مصر تولاها كل من صلاح سالم، ومحمد عبد القادر حاتم، وأمين هو يدى، ومحمد فائق، ومحمد حسنين هيكل، وبدر الدين أبو غازى، وثروت عكاشة، وسليمان حزين، وفتحى رضوان .
والمؤسسات الصحفية سواء الأهرام أو أخبار اليوم أو الجمهورية أو روز اليوسف أو دار الهلال أو وكالة أنباء الشرق الأوسط أو الشعب أو الإذاعة أو التليفزيون أو مصلحة الاستعلامات فقد تولى قيادتها كل من محمد حسنين هيكل، ومصطفى أمين، وعلى أمين، ومحمد التابعى، وروزاليوسف، و إحسان عبد القدوس، وأنيس منصور، وإبراهيم سعدة، وجلال الحمامصى، ومحمد زكى عبد القادر، وكامل الشناوى، وأحمد بهاء الدين، وكمال الدين رفعت، وكمال الدين الحناوى، ومصطفى المستكاوى، ومحمد عودة، وموسى صبرى، وأنور السادات، وصلاح سالم، وحلمى سلام، وسعيد سنبل، ومحسن محمد، وسامى جوهر، وسعد عفرة، وأحمد عصمت عبد المجيد، وفتحى غانم، وكامل زهيرى، ومحمد أمين حماد، وفكرى أباظة، و مكرم محمد أحمد، وصلاح الدين حافظ، وصلاح منتصر، ومحمود المراغى، وعبد الله إمام، وسلامة أحمد سلامة، ومحمد عروق، وفاروق شوشة، وجلال معوض، وحمدى قنديل، وأحمد فراج، وهمت مصطفى، وتماضر توفيق، ومحمد محمود شعبان ( بابا شارو ) وصفية المهندس، وسلوى حجازى.. وغيرهم ؟
قولوا لنا من منهم شيوعى ؟ ! .
لقد تولى الأستاذ محمود أمين العالم ، وهو مفكر يسارى محترم وشريف ، المسئولية لفترة بسيطة فى دار أخبار اليوم ثم نقل إلى موقع آخر . ونفس الشىء ينطبق على السيد أحمد فؤاد فى مؤسسة روز اليوسف ،وقتها، ولم يكن هو المسيطر على التحرير؛ بل كانت روزاليوسف مؤسسة ومدرسة صحفية مشتعلة نشاطا، وكنا نقول عنها أنها تصدر فى كل أسبوع منشورات وليس جريدة قومية.
ثم بعد ذلك يقول شيوعيوا حدتو وهم فصيل من التيار الشيوعي فى مصر أن الضباط وبعض المدنيين فى هذا الفصيل هم الذين قاموا أو بمعنى أصح هم الذين صنعوا ثورة يوليو، وأنهم هم الذين أقنعوا خالد محى الدين بأن الرئيس عبد الناصر حقيقة ذو اتجاه مضاد للاستعمار ، وأن هنرى كورييل ـ اليهودى ـ أحد قادة حدتو والمبعد فى باريس من قبل قيام الثورة هو الذى قاد هذا الرأى .
ويقول قادة هذا الفصيل أن استقرار ثورة يوليو كان ثمنه أربعة آلاف جنيه دفعها جمال عبد الناصر الذى دبر أيضا عدد من الانفجارات لإثارة مخاوف الناس من الاندفاع نحو طريق الديموقراطية ، وأن بعض الدول الغربية ـ وتلميحا الولايات المتحدة الأمريكية ـ قررت مساندته فى ذلك .
أما جماهير الشعب المصرى التى لا دخل لها ولا دور لها إلا أن تنقاد لهؤلاء الذين قبضوا الأربعة آلاف جنيه .. ممن وكيف ؟! إن هذا الإدعاء أقل ما يوصف به أنه يمثل قمة الاستهزاء بعقلية وإرادة الجماهير التى هبت بالملايين فى كافة أنحاء البلاد تدعم الثورة وتساندها، وتحمى ظهرها فى الداخل.
لقد كنا فى هذه الفترة نعمل فى القسم الخاص بالمخابرات العامة ، القسم المسئول عن الشئون الداخلية بمختلف مناحيها بالتنسيق مع إدارة المباحث العامة ، وعلى وجه التحديد كل من : محى الدين أبو العز ومحمد وفاء حجازى ـ السفير فيما بعد ـ وسامى شرف وصلاح الدسوقى أركان حرب وزارة الداخلية ـ المحافظ والسفير فيما بعد ـ ويوسف القفاص والسيد إبراهيم وحسن طلعت وأحمد صالح داود من ضباط المباحث العامة ، نتابع التطورات لحظة بلحظة ؛ سواء على الصعيد العسكرى أو على صعيد الشارع المدنى، وكانت هناك غرفة عمليات تعمل ليل نهار، ولم نر أو نسمع أو نعلم أن أموالا دفعت أو وزعت من أجل تثبيت الثورة ، بل الذى أقطع به أن تحركات كافة القطاعات كانت تلقائية، ومن موقع تقدير المسئولية .
ولقد تعرضت بالتفصيل لهذه القضية فى فصل أزمة مارس 1954 فى مكان آخر من هذه الشهادة.
وإضافة إلى فرى الشيوعيين ضد ثورة يوليو ما يشيعونه بأن الثورة كانت تعمل ضد الديموقراطية.. من الممكن أن يقبل ذلك الحديث من أى أحد إلا الشيوعيين؛ فتاريخ الشيوعية ينضح بكافة الممارسات التى تتنافى تماما مع مبدأ الديمقراطية!! ثم أن من يحاول الترويج لهذه الفرية؛ سواء من الشيوعيين أو غيرهم لم يحددوا لنا أى ديموقراطية يقصدونها بالضبط؛ هل يقصدون ديمقرطية " ستالين " أم ديموقراطية " العم سام"؟!! إذا ما كانوا يقصدوا أى منهما فأنا معهم.. نعم ثورة يوليو لم تكن مع هذا أو ذاك، وشرف لها أن تكون كذلك؛ لأنها ثورة أسمى من أن تبطش بشعبها أو تزيف وعيهم، وتستخف بعقولهم بكلمات براقة ليس فيها من الحقيقة شئ. قائد ثورة 23 يوليو أدرك أن لكل مجتمع تقاليده ومورثاته وتجربته السياسية التى قد تتفق فى بعض جوانبها مع تجارب الآخرين، إلا أنها أيضا تختلف فى جوانب أخرى بما تتميز به من خصوصية- فلكل مجتمع خصوصية تميزه عما سواه – بما يعنى أن استيراد أنماط جاهزة مستقاة من تجارب سياسية أخرى تختلف عنا اختلافا جذريا لتطبق لدينا – كما يروج البعض الآن من مشاريع الشرق الأوسط الكبير وغيره- كان كفيلا بأن يحكم بالفشل على تجربتنا من البداية.. أدرك الرئيس عبد الناصر ذلك، وكان مبدأه أن نستفيد من تجارب الآخرين .. نقاط القوة فيها، ونأخذ منها ما يناسب خصوصية مجتمعنا، ويتوافق مع أهدافنا، وظروفنا السياسية، والتحديات التى كانت تواجهها الثورة فى الداخل والخارج).
وهنا لدى سؤال؛ هل كان الدكتور عبد الرزاق السنهورى، وفتحى رضوان، والدكتور سيد صبرى، كما يقول هؤلاء الشيوعيون يشجعون العسكر على الاتجاه ضد الديموقراطية ؟
وأسأل مرة ثانية هل عندما تولوا مسئولية جريدة " المساء " التى كانت تصدرها مؤسسة دار التحرير التى يرأسها الرئيس جمال عبد الناصر ، وتتبنى اتجاهات الثورة .. لماذا قبلوا تولى المسئولية ما دامت الثورة لم تكن تطبق الديموقراطية كما يدعون ؟ بل كانوا يكتبون فيها ما يشاءون !! كل هذا ولم تكن هناك ديموقراطية ! عجبى ! .
ثم يقولون بعد ذلك أن هزيمة يونيو 67 كانت بسبب أزمة الديموقراطية ! نحن نفهم طبعا ما هى الديموقراطية، ولا نقلل من أهميتها وإن اختلفنا فى تحديد المفاهيم وفى تشخيص ما إذا كان نظام الرئيس عبد الناصر يعانى من أزمة ديموقراطية أم لا . لقد كان الاتحاد السوفيتى يدعى أنه نظام ديموقراطى، وكانت حدتو وغيرها من الفصائل الشيوعية تؤيده، وتتلقى الأوامر منه ومن توابعه فى بلغاريا مثلا . . ومع ذلك فقد انهار هذا النظام بصورة مهينة لقاء حفنة من الدولارات، وإلقاء محاضرات، وعقد لقاءات تليفزيونية فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا، وفيلا سكنية فى إيطاليا .
وفرنسا أم الحرية والديموقراطية والأحزاب ذات الصوت العالى ، اكتسحتها جحافل النازية فى لمح البصر وسقط النظام سقوطا كاملا .
وقمة الديموقراطية الولايات المتحدة الأمريكية -كما تدعى لنفسها- نسف أسطولها وطيرانها بالكامل فى لحظات فى بيرل هاربور ، ولم تشفع لها الديموقراطية ولا حقوق الإنسان .
إن قضية الديموقراطية هى بلا شك من قضية هامة ، ولكنها أيضا ذريعة ، وباسمها ترتكب الجرائم والخطايا؛ فالديموقراطية مثلا هى الشعار الذى ترفعه الرأسمالية والإمبريالية الجديدة فى حربها ضد الثورة الوطنية والاجتماعية فى العالم الثالث ، وضد الاشتراكية فى المعسكر الاشتراكى ، فهى تزعم أن معركة العصر هى معركة بين الديموقراطية وبين الشمولية، وليست بين الرأسمالية والامبريالية.
والديموقراطية التى تعترف بها وتريد تطبيقها كنموذج يحتذى للعالم الثالث هى ديموقراطية فورموزا بقيادة تشيانج كاى شيك ، أو ديموقراطية كوريا الجنوبية وأخيرا ديموقراطية إسرائيل .
ولكن النظم الأخرى ، نظم عبد الناصر فى مصر، وسوكارنو فى اندونيسيا، وسيكوتورى فى غينيا فهى نظم ديكتاتورية شمولية شيوعية لابد من مقاومتها من أجل الديموقراطية .
والديموقراطية كانت الذريعة التى انشقت بها الحركة الاشتراكية الدولية بمساهمة القوى الرأسمالية والاستعمارية ، وانقسمت إلى أحزاب اشتراكية ديموقراطية تهاجم الأحزاب الاشتراكية اليسارية، والأحزاب الاشتراكية الماركسية؛ بحجة واحدة هى افتقادها وعدوانها على الديموقراطية.
إن الديموقراطية فى البلاد التى عانت من الاستعمار والاستغلال الأجنبى لابد أن تبدأ أولا بالديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية، وهدم النظام القديم بكل كياناته وعلاقاته. فلا يمكن أن تقوم ديموقراطية فى ظل الأمية أو الجوع أو المرض أو البطالة تظلل أغلبية سحقها الاستبداد والاستغلال . لا أعنى بذلك بالطبع أننا كنا مثاليين؛ كانت هناك تجاوزات لن ننكرها، واعترف بها الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه بها أكثر من مرة فى أقوى وأجرأ نقد ذاتى للتجربة – إن هذه التجاوزات موجودة فى أقدم ديمقراطيات العالم ولدى كل من يدعى أنه ديموقراطى، ولنا فيما حدث للعرب والمسلمين فى بريطانيا و الولايات المتحدة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وما تفعله الولايات المتحدة مع الشعب العراقى، وكذلك ذنبها الكيان الصهيونى مع شعب فلسطين ما يؤكد صدق ما أقول- ، ولم يكن هدم المجتمع القديم ليتم بالحوار والإقناع بل كان لابد من التشدد مع طبقة قهرت وأذلت الشعب طويلا . ومهما كانت التجاوزات فى التطبيق فإنها لا تبرر اتخاذ البعض لها ذريعة للتنديد بالثورة . وإن تجاوز الشرعية قد صاحب كل الثورات فى العالم شرقه وغربه بلا استثناء ( أمريكا ـ فرنسا ـ روسيا ) ، والثورة ليست حفلة وإنما صراع قوى وهائل. وما حدث فى مصر من تجاوزات لا يقارن فى شىء بما حدث فى ثورات أخرى غربية أو اشتراكية أو عربية ، لا يقاس فى شىء بما حدث فى الثورة الأمريكية أو الفرنسية والروسية وفى الثورة الجزائرية والعراقية .
إن ما حدث من تجاوزات ينبغى ألا يؤخذ وسيلة لإنكار كل ما حققته الثورة أو تكئة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء .
والإقطاع والرأسمالية المصرية حكمت مصر طويلا وتمخض عن حكمهم أن 99.5% من الشعب فى أدنى درجات الإنسانية وتجاوزات القانون والشرعية تعنى أول ما تعنى البحث عن أفضل شكل لديموقراطية اشتراكية لا تنفصل فيها الديموقراطية السياسية عن الديموقراطية الاقتصادية أو الديموقراطية الثقافية، وهى لا تعنى أبدا إعادة الديموقراطية الرأسمالية الغربية أو سيادة قوانينها . وإن ما حدث من تجاوزات كان حالات واستثناءات لم يكن القانون، ولم يعلن الإرهاب العام ولكن انحرافات وشذوذ ومن الافتراء الاستناد إليها للقول بأنها –الثورة- سحقت مصر والمصريين، ولا يجوز إطلاقا أن يشوه عظمة التجربة، ونبل أهدافها ومبادئها، وقوة انجازاتها؛ .
طبعا كلامى هذا ليس تقليلا أو ينال من الإيمان بضرورة تطبيق الديموقراطية التى سعت الثورة بكل طاقاتها فى محاولات لتطبيقها التطبيق السليم لتستند على أساس تطوير المجتمع .. مجتمع الكفاية والعدل، وليس مجتمع النصف فى المائة .
هناك سؤال يطرح نفسه على أى سياسى مصرى وهو : لمن كانت ستمنح الحرية السياسية والديموقراطية فى بدايات الثورة ؟
هل كانت ستتاح للباشوات والبكوات والإقطاعيون ومجتمع النصف فى المائة ؟ أم كان من المفروض أن يقودها الفلاح والعامل والفقير الذين طحنوا قرونا طويلة تحت سيطرة الاستعمار وأعوانه وعملائه ؟
وإذا سلمنا بأن الديموقراطية حق لابد من انتزاعه ، فمن كان سينتزعه ؟ شعبا يعانى الفقر والجهل والمرض .
الديموقراطية حق لا يمنح ، بل ستظل دائما وأبدا معركة الشعب المستمرة من أجل المشاركة الفعلية فى الحكم، ومن أجل حرية الكلمة، وحرية النقد والمعارضة، وممارسة النقد الذاتى .
وإذا كانت الديموقراطية فى زمن الرئيس عبد الناصر طبقت بمفهوم حق المواطن فى التعليم المجانى والعمل والعلاج المجانى، وإتاحة الفرص المتكافئة أمام الجميع بدون أى استثناء، وكانت تعنى على الجانب الآخر حق العمال فى المشاركة فى إدارة مصانعهم وشركاتهم، وحق الفلاح فى امتلاك الأرض ، وحق المشاركة فى عضوية المجالس والمؤسسات السياسية والنيابية بنسبة تمثل حقيقة حجمهم فى المجتمع .
لقد سلمنا عبد الناصر الأمانة لنكمل نحن المسيرة بعد الوصول إلى مرحلة النضج السياسى والاجتماعى بمفهوم التعددية السياسية ، كما نادى بها هو قبل رحيله فى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى يوم3 أغسطس سنة 1967 . فهل نحن قادرون على تحقيق هذا الهدف أم سنظل نتباكى على الديموقراطية المفقودة ظلما ؟. وإذا كان نظام عبد الناصر هو السبب فى تعطيل مسيرة الديمقراطية، فماذا عطلها بعد رحيله؟!!
إن الحرية طريق لا نهاية له ، ولسوف يظل جمال عبد الناصر رمزا حيا للكبرياء الإنسانى والكرامة.. ليس فى مصر فقط بل فى الوطن العربى قاطبة ، إن لم يكن فى العالم الثالث كله .
وإنى أحب أن أضع تحت أنظار القارئ الكريم ورقتين أنهى بهما بهذه الشهادة :
الأولى: هى تقدير للموقف بخط يد الرئيس جمال عبدالناصر عن الشيوعية فى الجمهورية العربية المتحدة .
والثانية: هى صورة فوتوغرافية للخطاب الذى تسلمه الرئيس جمال عبد الناصر، والذى يقرر فيه قادة التنظيمات الشيوعية المصرية بخط يدهم وبإرادتهم الحرة حل كافة تنظيماتهم فى الجمهورية العربية المتحدة ، والذى سلمونى إياه فى مكتبى بمنشية البكرى . 24
والبرقية المرفقة بهذه الرسالة تشمل أيضا مشاركة باقى قادة التنظيمات الشيوعية الذين حالت ظروفهم من أن يوقعوا بأنفسهم على الرسالة ، وناب عنهم السيد محمد كمال عبد الحليم.
( ويقول "جون بادو" سفير الولايات المتحدة الأمريكية فى مصر : " أن كينيدى كان يعلم كما كان هو يعلم تماما أن عبد الناصر لم يكن شيوعيا، وإنما كان ثوريا عمليا " ، بل ويذهب بادو إلى القول بأن الولايات المتحدة كانت تسعى فى ذلك الوقت لإنجاح تجربة عبد الناصر والتى أسماها "الاشتراكية البراجماتية " للدولة بدلا من أن تندفع مصر فى طريق الشيوعية السوفيتية ، وقد كان يطمئنهم فى ذلك أن ناصر لم يكن أيديولوجيا ، فقد كان يأخذ بعض الأشياء من النظم الاشتراكية ، لكنه كان أيضا يأخذ أشياء أخرى من النظم الرأسمالية كلما وجد أن فى هذا أو ذاك مصلحة عملية لاقتصاد بلاده 0
(وبالمناسبة فإنى أقرر هنا أنه حدث تجاوز تلقائى تم بمعرفة إثنين من ضباط البوليس الحربى؛ وهما أحمد أنور، وحسين عرفة اللذين توجها إلى مجلس الدولة فى محاولة للاعتداء على الدكتور عبدالرزاق السنهورى بتصرف شخصى وفردى منهما وبدون الرجوع لأى مسئول كبير من أعضاء مجلس قيادة الثورة ، وذلك عقب وصول إشاعة لهما تفيد بأن مجلس الدولة سيصدر فتوى قانونية ضد الثورة ، ولقد حال الرئيس جمال عبد الناصر دون إتمام هذه المحاولة عندما بلغه ما هما مقدمان عليه فى اللحظة الأخيرة، وتم الاعتذار للدكتور السنهورى بواسطة الرئيس عبد الناصر . وأحب أن أؤكد هنا أنه لو كانت هناك تعليمات للقيام بمثل هذه الاعتداءات لكان قد تم الاعتداء على نقابة المحامين التى كانت قد أصدرت فعلا فى ذلك الوقت بيانا ضد الثورة ، أو كان تم الاعتداء على جريدة المصرى التى كانت بوقا ضد الثورة!!
(الولايات المتحدة الأمريكية تتدخل فى الشئون الداخلية للدول، وتغير أنظمة دول من أجل خدمة مصالحها الخاصة تحت ذريعة نشر الديمقراطية، وما فكرة مبادرة الشرق الأوسط الكبير التى تروج لها الآن فى الوطن العربى إلا ذريعة من جانب الولايات المتحدة للتحكم فى المنطقة، وتغيرها لصالح الكيان الصهيونى








آخر مواضيعي 0 حلمي لأيامي الجايه
0 صفات الله الواحد
0 عيش بروح متفائله ونفس مؤمنه
0 إبتهال قصدت باب الرجا
0 كونى انثي
رد مع اقتباس