قِوامة الرجل على المرأة
قال الله تعالى : ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ النساء/34 .
كل بيتٍ يلزمه قيمُ يقوم عليه ويُدبر أَمره ويسوسه (1) ويحفظه ويرعاه , وهذا القيم ينبغي أن يُسمع له ويُطاع ما لم يأمر بمعصية الله - سبحانه وتعالى - ، وهذا القيمُ على البيت هو الرجل ، وتنصيبُه قيمًا على البيت إنما هو من الله - سبحانه وتعالى - ، قال الله سبحانه : ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ النساء/34 .
وقوامةُ الرجل على المرأة- كما ذكر الله سبحانه وتعالى - بشيئين :
أولهما : بما فضل الله بعضهم على بعض ، أي : بما فضل الله به الرجال على النساء في أصل خِلقتهم من قوة الرجل ورجحان عقله وجلادته وصبره ، وبما خص اللهُ به الرجال على النساء من جعل النبوة فيهم (2) ، وكذلك الخلافة (3) ، وجعل الله شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين , وجعل له من الميراث ضعف المرأة ، وجعل له الحق في أن يجمع بين أربع نسوة ، ولا يحق للمرأة إلا أن تكون تحت زوجٍ واحد ، وجعل الله الطلاق والنكاح والرجعة بيد الرجل ، وكذلك انتساب الأولاد إلى أبيهم دون أمهم (4) ، وجعل الجهاد على الرجال دون النساء ، وكذلك كثير (5) من مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتعلق بالرجال دون النساء إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالرجال دون النساء .
الثاني : في بيان سبب قوامة الرجل على المرأة هو الإنفاق المذكور في قوله تعالى : ﴿ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ النساء/34 ، فالرجل ينفق على المرأة منذ بداية عقده عليها (6) فيجب لها عليه مهر ، ويجب لها عليه إطعام وكسوة ومسكن وسائر أوجه الإنفاق الواجبة للنساء على الرجال ، وحتى إذا طلَّقها يجب لها في ماله والنفقة والسكنى إلى غير ذلك .
• فالرجل قيم على المرأة لهذين السببين الذين ذكرهما الله في كتابه : ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ النساء/34 .
• ويتأكد هـذا بقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ البقرة/228 .
• ويزداد هـذا المعنى تأكدًا بقول النبي : (( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )) (7) .
• وبما ورد بإسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري (8) أن رجلاً أتى بابنةٍ له إلى النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فقال : إن ابنتي هذه أبَتْ أن تزوَّج ، قال فقال لها : (( أطيعي أباك )) , قال قالت : لا حتى تُخبرني ما حق الزوج على زوجته ؟ فرددت عليه مقالتها ، قال فقال : (( حق الزوج على زوجته أن لو كان به قرحة فلحستها أو ابتدر منخراه صديدًا أو لحسته ما أدت حقه )) , قال فقالت : والذي بعثك بالحق لا أتزوَّج أبدًا قال فقال : (( لا تنكحوهن إلا بإذنهن )) .
• وبقول النبي - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - لَمَّا سُئِلَ أيّ النساء خير ؟ قال : (( التي تَسُرُّه إذا نظر , وتُطيعه إذا أمر , ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله )) (9) .
• وكذلك فالمرأة لا تصوم (10) وزوجها شاهد إلا بإذنه .
• ولا تأذن لأحدٍ في بيته إلا بإذنه (11) .
• ولا تخرج إلى المسجد إلا بإذنه (12) .
• وإذا دعاها إلى فراشه وجب عليها طاعته , فإن أبت لعنتها الملائكة حتى تصبح (13) ، وكان الذي في السماء ساخطًا عليها (14) إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على قوامة الرجل على المرأة , وليس للمرأة أن تعترض على ذلك فهي قسمة الله سبحانه وتعالى الحكيم العليم اللطيف الخبير، وقد قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ النساء/32 .
______________________________
(1) من السياسة كما قال النبيُّ : (( كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم )) .
(2) كما قال تعالى : (( وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم )) الأنبياء/7 .
(3) وقد قال النبي : (( لن يُفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )) .
(4) إلَّا في حالاتٍ مُستثناة نادرة .
(5) ويجوز للنساء في بعض الأحيان تغيير المنكر إذا كان تغييرهن له لا يؤدي إلى فساد أكبر ، وقد ثبت في (( صحيح البخاريّ )) وغيره أن امرأة قالت للقوم الذين كانوا يقدمون عمرو بن سلمة يصلي بهم ويظهر استه إذا سجد ... : ألا تغطون عنَّا است صاحبكم .
(6) تلاحظ أن المرأة التي تُدخل على زوجها مالاً والمرأة التي تنفق على زوجها لهما نوع تسلط في البيت ؛ وذلك لأن القوامة بشيئين كما ذكرنا أولهما خلقة الرجل , وثانيهما الإنفاق ، فإذا كانت المرأة هي المنفقة نازعت الزوج القِوامة فلينتبه لذلك .
(7) أخرجه الترمذي حديث (1159) ، وابن حبان ((موارد الظمآن)) حديث (1291) ، والبيهقي حديث (7/ 291) ، وعند البيهقي وابن حبان من الزيادة : « لما عظم الله من حقه عليها » وهي زيادة ثابتة أيضًا من حديث أبي هريرة ( بإسناد صحيح بمجموع طرقه ) .
(8) أخرجه ابن أبي شيبة (((المصنف)) 4/ 303) ، والبيهقي (((السنن الكبرى)) 7/ 291) ، والنسائي في ((السنن الكبرى)) حديث (3/ 383) وغيرهم .
(9) أخرجه أحمد حديث (2/ 251) بإسناد صحيح لشواهده .
(10) صوم التطوع ، والحديث أخرجه البخاري حديث (5192) ، ومسلم (ص711) من حديث أبي هريرة عن النبي قال : (( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه )) .
(11) أخرجه البخاري حديث (5195) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا .
(12) أخرجه البخاري حديث (5238) ، ومسلم (ص326) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : (( إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها )) .
(13) أخرجه البخاري حديث (5193) ، ومسلم حديث (1060) من حديث أبي هريرة ، عن النبي قال : (( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح )) .
(14) وأخرج مسلم حديث (3/ 611) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله : (( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها )) .
وفي رواية للبخاري (5194) , ومسلم (ص1059) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع )) .