لا يَفـرُكُ مُؤمـنٌ مُؤمنـة
ولا ينبغي لمؤمنٍ أن يفرك مؤمنةً فإنه إن كره منها خُلُقا رضي منها آخر (1) ، والله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ النساء/19 . فيندر جدًّا أن تجتمع خصال الخير في امرأة ، وقـد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( إنما الناسُ كإبل مائة ، لا تكاد تجد فيها راحلة )) (2) . فلا تكاد تجد رجلاً شجاعًا مِغوارًا مِقدامًا , كريمًا سخيًا عالمًا محسنًا متصدقًا , كاظمًا للغيظ عافٍ عن الناس , صبورًا يقوم الليل ويصوم النهار واصلاً للأرحام بارًّا بوالدية .. , نادرًا ما تجد خصال الخير تجتمع في رجل - كالإبل في المائة - واحد تجده صبورًا على الجوع والعطش , مُريحًا في المشي هادئ الطبع لبنه كثير .. نادرًا ما تجد في الإبل كهذا ، فإذا كان هذا هو الشأن , الشأن في الناس أنهم كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ، فالنساء اللواتي خُلِقنَ من ضلع من باب أولى ألَّا تجتمع فيهن خصال الخير ، فقد تكون المرأة جميلة حسناء ولكنها بذيئة اللسان ، وقد تكون جميلة حسناء لسانها طيب وقولها حلو جميل , لكنها مُبذِّرة في الإنفاق ومتوسعة فيه وغير مقتصدة في معيشتها , وقد تكون مقتصدةً في معيشتها لكن لا تجيد الطهي والخبيز (3) ، وقد تكون جملية حسنة الخلق حسنة التبعُّل متقنة لعمل البيت لكنها شديدة الغيرة , وقد يكون فيها ما ذُكر من جمال وبهاء وحسن تبعل وإتقانٍ للعمل إلَّا أنها ضعيفة في العبادة .. إلى غير ذلك .
الشاهد أنَّ المرأة بها عوج كما قال النبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كالضلع وكالعود ، عودُ في آخره عوج تريد أن تُقَوِّمَه وتعدله ، فإذا ذهبت تُقوِّمه كُسر منك ، وإن تركته بقي أعوج ، فكذلك المرأة إن ذهبت تُقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ، وإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج .
فلا بد أن يكون في المرأة عيب وعوج ، وكما قال النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( فدارها تعش بها )) (4) .
لا نقول لك : اتركها بعيوبها ، ولكن قوِّمها برفقٍ ولين قدر الاستطاعة , وسدِّد وقارب ، ولن تستطيع أن تصل إلى التمام ؛ لقول النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عوج )) (5) .
فليكن منك هذا الحديث على بال ، والله المستعان ، وعليه صلاح الأحوال ، ولا حول وقوة إلا بالله .
______________________________
(1) أخرج مسلم - رحمه الله - (3/ 657) من حديث أبي هريرة - رضيَ اللهُ عنه - قال : قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقًا رَضِيَ منها آخر - أو قال غيره )) .
وقوله لا يفرك : أي لا يُبغض ، والذي صوَّبه النووي في معنى هذا الحديث : أنه لا ينبغي أن يبغضها ؛ لأنه إن وجد فيها خُلُقًا يُكره وجد فيها خلقًا مرضيًا , بأن تكون شرسة الخلق لكنها ديَّنة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك ، والله أعلم .
(2) أخرجه البخاري (6498) ، ومسلم (2547) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا .
(3) وأسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين العاقلة الرشيدة تقول عن نفسها : ولم أكن أحسن الخبيز . انظر البخاري (9/ 319) ، ومسلم (5/ 26) وزينب بنت جحش أم المؤمنين كانت عابدة متصدقة جميلة لكن تعتريها حدةٌ أحيانًا .
وأُمُّنا عائشة - رضي الله عنها - كانت غيورًا مع فضلها وعملها رضي الله عنها .
(4) تقدم الكلام عليه .
(5) تقدم الكلام عليه .