الموضوع: محمود درويش
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-25-2012, 06:02 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
نور

الصورة الرمزية نور

إحصائية العضو







نور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: محمود درويش

الرجل الذي ضيع في الأحلام .. عمره

عبد الحليم قنديل

بدا الخبر ذابلا منهكا كأنك سمعته مرارا من قبل، رسالة على الهاتف المحمول تقول: مات المهندس إبراهيم شكري بعد صراع طويل مع المرض، مات الشيخ الذي عاش 92 سنة في وضع 'الشهيد الحي'. مات إبراهيم شكري غريبا غربة الإسلام في آخر الزمن، وكأن البلد الذي أحبه، والأمة التي عاش لأجلها، كأنه لابلد ولا أمة، ولا وفاء لمن ضحىّ، مات الرجل على سريره، وهو الذي خاض ألف معركة، ونجا من ألف جرح، مات وهو في العزلة، ويعاني الإحباط والإنكار والاستبعاد من السياسة المصرية، وهو الذي صنع أسطورة حياة يندر مثيلها .
ولد إبراهيم شكري في زمن الحرب العالمية الأولى، ولم يكن يحتاج للعمل بالسياسة، بل ربما لم يتوقع له أحد أن يفعلها، فقد ولد وفي يده ملعقة من ذهب، ولد كأبن باشا، آلاف الفدادين من الأراضي الزراعية الخصبة بحوزة الأسرة، وحياة كلها في الرغد وتمام النعيم، لكن روح الشاب 'التولستوي' كانت متمردة، فقد كان واحدا من اثنين وصلا لعضوية مجلس النواب قبل الثورة، وبنفوذ الأسر الإقطاعية الكبرى كغيرهم، لكنهما كانا نائبين من طراز مختلف، فقد قدما أول قانون للإصلاح الزراعي في تاريخ مصر، ولم يقبل المشروع بالطبع في مجلس يسيطر عليه كبار الملاك الزراعيين، لكن إبراهيم شكري تعامل مع نفسه وأملاكه، وكأن القانون صدر بالفعل، وراح يوزع قطعا من أرضه التي ورثها على صغار الفلاحين، ووضع أمواله في خدمة جماعات السياسة الشابة المتمردة، كان رفيقا لأحمد حسين خطيب الغضب الجامح، وكان ممولا وحيدا ـ ربما ـ لحركة مصر الفتاه في الثلاثينيات، وللحزب الإشتراكي الذي أعقبها في الأربعينيات، وكان قريبا جدا من فتحي رضوان المحامي وأول وزير الثقافة في عهد عبد الناصر فيما بعد، كان رضوان وحسين وإبراهيم شكري رموزا على تمرد بميول وطنية وإسلامية واجتماعية، وفي مشهد سياسة كان محجوزا لإخوان حسن البنا في الظل، ولكبار الملاك الزراعيين وعملاء الإنجليز والقصر الملكي في مشاهد التأليف والانفضاض الوزاري .
وطوال سبعين سنة، كان إبراهيم شكري القاسم المشترك الأعظم في السياسة المصرية، أصيب برصاص الإنكليز في انتفاضات الطلاب أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، كان الطلاب يدعون الأحزاب لجبهة موحدة معادية للاحتلال البريطاني، وينادون بالعودة إلى دستور 1923، وتفجرت المواجهات دامية، وسقط عشرات الطلاب في المظاهرات، وكان أولهم الشهيد عبد الحكم الجراحي رفيق إبراهيم شكري (وقد أوصى أن يدفن إلى جواره على طريق صلاح سالم بالقاهرة)، فيما ظل شكري على قيد الحياة بعد شفائه من جروح الرصاص، وبعد أن راح في غيبوبة طويلة، ونقل إلى المشرحة تمهيدا لدفنه، ومن وقتها عرف باسم 'الشهيد الحي'.
والتحق ـ فيما بعد ـ مع رفاقه المتمردين بقافلة تأييد ثورة الضباط الأحرار، وشغل منصب المحافظ أكثر من مرة، ثم دارت دورة الزمان ضد الأحلام، وارتد السادات على الثورة، وحاول استمالة شكري وعينه وزيرا للزراعة، إلا أن الرجل كان يخفي في نفسه حس المعارضة لكل ما يجري، كان يدرك أن الأوضاع تعود تدريجيا إلى أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 1952، ويسعى للعودة إلى المعارضة التي انتسب إليها قبل الثورة، وفي ظروف جديدة، وهيئ للسادات ـ بغباوة مفرطة ـ أن شكري يصلح لدور المعارضة المستأنسة، وساعد السادات في إنشاء حزب العمل الاشتراكي أواخر السبعينيات، ولم تمض غير شهور حتى انقلب شكري إلى سيرته الأولى، وتحول حزب العمل ـ برئاسة شكري ـ إلى خصم لدود لكامب ديفيد ولنظامها، وإلى موئل لجماعات من الوطنيين والناصريين كانت ممنوعة من العمل بالسياسة، وإلى محطة حنين لرجال 'مصر الفتاة' القدامى، وتكون خليط سياسي ـ بزعامة إبراهيم شكري ـ أقرب لأحزاب يسار الوسط، وفيما بدا إبراهيم شكري في صورة الراعي الطيب، فقد أفرزت الظاهرة رجالا ونساء من المعارضين المؤثرين بشدة في الرأي العام، كان أولهم ـ بالطبع ـ فتحي رضوان الذي سجن في العهد الملكي وفي أواخر العهد الساداتي، وحلمي مراد الذي تساءل ـ في الوقت المبكر ـ عن بدعة السيدة الأولى، وعن نفوذ جيهان السادات ومن بعدها سوزان مبارك، ثم عادل حسين الذي التحق بالحزب في أواسط الثمانينيات، وكان له الدور البارز في إعادة صياغة هوية حزب العمل، كان عادل حسين يؤمن ـ كما قال لي مرارا ـ بما يسميه 'الناصرية آخر موديل'، وكان يسعى لتحويل حزب العمل إلى مزيج من التيارين القومي والإسلامي، وكان تركيزه هائلا على الاستفادة من الحجم الكبير لجماعة الإخوان، وهكذا نشأ ما سمي 'التحالف الإسلامي'، والذي آلت إليه زعامة المعارضة الرسمية في برلمان 1987، بدا أن عود حزب العمل يشتد، وبدا الهجوم الرسمي مركزا على شخص عادل حسين الذي حظي بدعم ورعاية وتأييد إبراهيم شكري، فقد ظل الرجل مخلصا لآل حسين، ودعم خط عادل حسين وفاء بحق شقيقه الأكبر أحمد حسين، فقد كان شكري من طراز رومانسي فريد، وظلت جريدة 'الشعب' ـ الناطقة بلسان حزب العمل ـ تؤثر بشدة في الرأي العام طوال التسعينيات، ولم يكد يطوي القرن أوراقه وحوادثه، حتى وقعت الواقعة، وانقلب نظام مبارك ـ وريث السادات ـ على إبراهيم شكري وحزبه بالجملة، وتقرر حل الحزب وإغلاق الجريدة في سنة 2000، كان إبراهيم شكري قد وصل وقتها إلى عامه الرابع والثمانين، وظن النظام أن الرجل ـ مع تقدم السن ووهن الصحة ـ ربما يميل إلى المساومة، لكن الرجل صمم على أن يحتفظ بصفحته بيضاء وبسيرته ناصعة، ولجأ إلى القضاء الذي انتصف له مرارا وتكرارا، وأصدر عشرات الأحكام بعودة جريدة حزب العمل للصدور، لكن النظام الذي يحتقر القانون ويدهس القضاء صمم على رفض التنفيذ، وهكذا بدا ان شكري قد أحيط به، حاصره الإحباط المستعجل، وذهب إلى العزلة والمرض، ولم تعد تسمع عنه أو تقرأ له، وإلى حد تصورت معه أجيال أن إبراهيم شكري قد مات، وغادر الدنيا من زمن، بينما كان الرجل وحيدا مع أمراض الشيخوخة في بيته المعزول، و يشكو إلى الله ما لحق به من عنت الظالمين .
ذهب شكري إلى العزلة بغير اختيار، وإلى خيمة الصمت المطبق، وهو الذي كان ملء السمع والبصر، فقد جرحته الإهانه، وهو الذي جعل حياته سيرة شرف، انتهى وحيدا إلى اجترار الأحزان، وربما تأمل ما يجري حوله، وأحس أن الزمن لم يعد زمنه، فقد بدت حياته كلها ـ في المحصلة ـ كأنها قبض ريح، عاش يحلم بمصر أفضل، وقد رآها تتدهور من سئ إلى الأسوأ، وتنحدر إلى هاوية بلا قرار، عاش حياته مناضلا من أجل حقوق العمال والفلاحين، وانتهت القصة إلى دهس آدمية المصريين بغالبيتهم الساحقة، ناصر ثورة يوليو، ورأى انجازاتها تمحى من الوجود واحدا بعد الآخر، كانت فلسطين قضية عمره كما كانت قضيـــــة كل المصريين، وكان بيته هو المنزل المفضل لاستضافة أبــــــو عمار رمز الثورة الفلسطينية، وانتهى الأمر إلى ما عرف ونعرف، أعلام السفارة الإسرائيلية على حافة النــــــيل، وهدايا الغاز والبترول المصري لإسرائيل، ومهانة استضافة الإسرائيليين في بيت الرئيس، كان شكري ـ السياسي الرومانسي ـ أشبه بالوتر الحساس، والكل يذكر ماذا فعل شكري في جنازة الشهيد سليمان خاطر، كان الشهيد قد مات غيلة في السجن الحربي، وبعد ان اتهم بقتل إسرائيليين في سيناء، وبكى شكري الفتى سليمان كأنه ابنه، ولم يكن يدري أنه ـ هو الآخر ـ سيموت وحيدا، فهو الرجل الذي ضيع في الأحلام عمره . كاتب من مصر







آخر مواضيعي 0 أنا أَيضاً يوجعنى الغياب
0 ﺃﻋﺪُﻙ !
0 ذاكرة الجسد...عابر سرير ...لاحلام مستغانمي
0 أنا وانتي.. حكاية بريئة
0 إنيِّ طرقتُ البابَ ياربّ
رد مع اقتباس