لماذا تغيّر طعمُ التفاح؟
بقلم : مين ماكان
زمان كانت أسماؤنا أحلى... حين النساء أكثر أنوثة، ورائحة البامية تتسرب من
شبابيك البيوت، وساعة "الجوفيال" في يد الأب العجوز أغلى أجهزة البيت سعراً
وأكثرها حداثة، وحبات المطر أكثر اكتنازاً بالماء.
زمان .. حين أخبار الثامنة أخف دماً، ومذاق الشمس في أفواهنا أطيب، والطرقات
أقل ازدحاماً، وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن في صفحات دفتر العلوم.
لما كانت غمزة "سميرة توفيق" أكثر مشاهد التلفزيون جرأة، و"مجلس النواب" حلماً
يداعب اليسار المتشدد، وأجرة الباص قرشين، والصحف تنشر كل أسماء الناجحين
بالبكالوريا.
عندما كان المزراب يخزّن ماء الشتاء في البراميل، وكُتّاب القصة ينشرون مجموعات
مشتركة، وحلو العرس يوزع في كؤوس زجاجية هشّة تسمى "مطبقيات"، والجارة تمدّ
يدها فجراً من خلف الباب بكوب شاي ساخن للزبّال فيمسح عرقه ويستظلّ بالجدار!
زمان.. عندما كانت "قبة السيار" آخر الدنيا، و"فكر واربح" أهم برامج المسابقات،
ولم نكن نعرف بعد أن ثمة فاكهة تتطابق بالاسم مع منظف الأحذية "الكيوي"، وأننا
يوماً ما سنخلع جهاز الهاتف من شروشه ونحمله في جيوبنا!!
كانت "القضامة المالحة" توصف علاجاً للمغص، والأولاد يقبّلون يد الجار صباح
العيد، والبوط الصيني في مقدمة أحلام الطلبة المتفوقين!
كانت "أخبار الأسبوع" لصاحبها عبد الحفيظ محمد أهم الصحف وأجرأها على الإطلاق،
و"ألمانيا" بلد الأحلام، وصورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة
على الحائط.
حين تصحو على صوت "فيروز" وبرنامج "مرحباً يا صباح" وظهراً تسمع "كوثر
النشاشيبي" ومساء تترقب "ابراهيم السمان"... والتلفزيون يغلق شاشته في موعد
محدد مثل أي محل أو مطعم!
عندما "مدينة الأهلي للألعاب السياحية" هي وجهة الأثرياء، والسفر إلى دمشق
يحتاج التحضير قبل يومين، وجامعة دمشق بلا شقيقات!
حين أقلام البيك الأحمر هي الوسيلة الوحيدة للحب قبل اختراع الموبايلات، وعندما
كانت المكتبات تبيع دفاتر خاصة للرسائل أوراقها مزوّقة بالورد،..أما الورد ذاته
فكان يباع فقط في المالكي، الحي الأرستقراطي الباذخ في ذلك الزمان!!
حين جوازات السفر تكتب بخط اليد، والسفر الى الشام بالقطار، وقمصان "النص كم"
للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيبا وتخدش الحياء!
كانت البيوت تكاد لا تخلو من فرن "أبو ذان وأبو حجر" الحديدي، والأمهات يعجنّ
الطحين في الفجر ليخبزنه في الصباح، والأغنام تدق بأجراسها أن بائع الحليب صار
في الحي، والجارة الأرملة تجلس من أول النهار لصق الجدار مهمومة ويدها على
خدّها!
كان مسلسل "وين الغلط" لدريد ونهاد يجمع الناس مساء، ومباريات "محمد علي كلاي"
تجمعهم في سهرات الثلاثاء، وكان "جورج مختار" أفضل حارس مرمى في كرة القدم!
كانت الناس تهنئ أو تعزّي بكيس سكّر "أبو خط أحمر" وزن مئة كيلو غرام، والأمهات
يحممّن الأولاد في الطشط، و"القرشلّة" يحملها الناس لزيارة المرضى!
كان "الانترنت" رجماً بالغيب لم يتوقعه أحذق العرّافين، ولو حدّثتَ أحدا يومها
عن "العدسات اللاصقة" لاعتبرك مرتدّاً أو زنديقاً تستحق الرجم، أما "الماسنجر"
فلو حملته للناس لصار لك شيعة وأتباع!!
حين مذاق الأيام أشهى، والبرد يجعل أكفّ التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها
ببعضها، وعندما "زهير النوباني" في دور "مقبول العقدي" أعتى رمز للشر قبل أن
يعرف الناس أن في الغيب رجلاً يدعى "جورج بوش"!
كانت لهجات الناس أحلى، وقلوبهم أكبر، وطموحاتهم بسيطة ومسكينة وساذجة!
الموظفون ينامون قبل العاشرة، والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاجة وقوانصها لتقليها للزوج
دلالة على تدليله!
الشمس كانت أكثر صرامة في التعامل مع الصائمين، والثلج لم يكن يخلف موعده
السنوي .... ....
كانت الحياة أكثر فقراً وبرداً وجوعاً، لكنها كانت دائماً خضراء !