الجار
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه،
ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا،
من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له،
وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
أوصانا الله في سبحانه في كتابه بالجار
حسن الجوار بالحار
الجار هو القريب منك في المنزل والمسكن والجوار، لغة هو المجاور، وله حقوق عظيمة يجب القيام بها، بحسب موقعهم من الدار، قال الإمام الشوكاني: روى القرطبي أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل يشكو جاره، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينادي على باب المسجد " ألا إن أربعين دارا جارا " .
وقال الزهري : أربعون هكذا، وأربعون هكذا، وأربعون هكذا، وأومأ إلى أربع جهات.
وقد جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا النداء جوابا على شكوى الرجل لأن فيه إيذانا بخطورة حرمة الحوار حتى أنها لتمتد إلى أربعين دارا، ومن يكلف بمراعاة حق أربعين لا ينبغي له أن يضيق ذرعا بحق واحد، وهذا النوع من الزجر من أبلغ أساليب التأديب التي لا تؤثر إلا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
يقول تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين احساناً، وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم، إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً) (النساء 36).
وقال أبان عن يحيى عن أبي سعيد ثم اتفقا من أبي شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره
لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل
- عليه السلام - يوصي نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم -
بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار:
"مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه"
شك أن لأداء حقوق الجار وحسن الجيرة أثر بالغ في المجتمع وحياة الناس، فهو يزيد التراحم والتعاطف، و سبيل للتآلف والتواد ، به يحصل تبادل المنافع وقضاء المصالح واستقرار الأمن، واطمئنان النفوس، وسلامة الصدور، فتطيب الحياة ويهنأ المرء بالعيش فيها. فلو أحسن كل جار إلى جاره لظللت المجتمعات السعادة ولعاشت كأنها أسرة واحدة فتنصرف الهمم إلى الإصلاح والبناء والسعي نحو الرقى والتقدم.. و يتضح مما سبق البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي يحرص على تحقيق روح المودة بين المسلمين بسبل شتى بالترغيب في مرضاة الله عزوجل والترهيب عن سوء العاقبة لمن يتجرأ على عصيان الخالق والإفساد في الأرض وهو مأمور بعمارتها، هذه العمارة التي لا تتصور مع وجود النفور بين الناس عامة وبين الجيران خاصة، فالمسلم إذا صان حقوق جاره وترفق به كسب ثواب الدنيا والآخرة .
الإسلام دين الترابط والتآلف، ودين يدعو الى المحبة بين أبنائه، والتكاتف في المجتمع,, صلة ومودة، وتهادٍ ومحبة, وفي القرآن الكريم تأتي آيات كريمات توصي المسلمين فيما بينهم، بحقوق كثيرة، مطلوب من المخاطبين بالتشريع في هذا الكتاب العظيم، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، على اختلاف مستوياتهم، رجالاً ونساء، أن يهتموا بها، وأن يولوها كل اهتمامهم، حيث تبدأ بحق الله سبحانه، وحقّه سبحانه على عباده، أن يعبدوه على الوجه الذي يرضيه، لأن هذه المهمة التي خلق البشر من أجلها، ومثلهم الجن، وألا يشركوا بالله شيئاً، بأي نوع من أنواع العبادات كبرت أو صغرت.
ثم يتبع الله جلّت قدرته، هذا الأمر بالحث على الحقوق الأخرى: للوالدين، وذي القربى، واليتامى والمساكين والجار القريب والجار البعيد، وابن السبيل وما ملكت اليمين، كما يوصي بالنساء والأيامى، والفقراء والمعوزين وغيرهم.
إنه دين يدعو للترابط، ويهتم بتوثيق الصّلة بين أبنائه, في نظرة شمولية, حتى تسود المحبة بينهم، وتنمية هذه المحبة بالهدايا، وبذل المعروف، يقول صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابّوا).
مما يبرهن على أن المجتمع الإسلامي، في حسن تعامله بعضهم مع بعض، وفي أدب الأخذ والعطاء، تدعو الناس تعاليم هذا الدين، إلى الإحسان فيما بينهم بالكلام، وفي العمل بما يزيل الجفوة من النفوس، ليشعروا بأنهم إخوة ينصح الفاهم من دونه، ويحترم الصغير الكبير، ويتأدب معه، ويعطف القادر على المحتاج والمسكين، بما تجود به يده, وبما يزيل عنه بؤسه, ليواسيه في محنته، ويشاركه في ماله بحسب قدرته: زكاة أو صدقة.
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ
: قلت : يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدى؟ قال: "
إلى أقربهما منك باباً "
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ
قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ليس المؤمن
الذي يشبع وجاره جائع "
وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (126) .
2/4 ـ وعن أبي ذر رضي الله عنه قال30 :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة ؛ فاكثر ماءها وتعاهد جيرانك )) رواه مسلم (127) .
وفي رواية له عن أبي ذر قال :
إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني : (( إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك ، فأصبهم منها بمعروفٍ )) (128) .
3/305 ـ وعن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره
بوائقه !)) متفق عليه (129) .
وأضعف ذلك كلمة طيبة، أو يدفع عنه شرّه أو أذية أولاده,, القول الماثور يؤصل هذا المفهوم (لا يحقرّن أحكم من المعروف
شيئاً، ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق).