مازلنا نبحث في أسرار مراكب الشمس لنعرف وظيفتها لدي المصري القديم, وكيف أنها كانت قوارب رمزية فقط يستعملها الإله رع ـ إله الشمس ـ في رحلة الليل والنهار, تساعده النجوم في الإبحار والتجديف ويقوم الإله في تلك الرحلة بتنظيف العالم من الأرواح الشريرة, وبالتالي يقدسه الشعب ويقدم له القرابين شكرا وعرفانا.(على حد تفكيرهم وزعمهم )
لكننا اليوم نقول ان هناك أنواعا أخري من المراكب عرفها المصري القديم منها:
أولا: المراكب الدينية
وهذا النوع من المراكب كان رمزيا يستخدم للإله فقط, وتوضع هذه المراكب غالبا بقدس الأقداس داخل المعابد, وكان الكهنة يحملون المركب وبداخلها تمثال الإله كي يزور المعابد الأخري, مثل زيارة حورس لمعبد حتحور بدندرة, أو زيارة الإله آمون لمعبد الأقصر.
ثانيا: المراكب الجنائزية
وهذا النوع كان يستخدم لنقل مومياء الملك لزيارة الأماكن المقدسة الخاصة بالإله أوزوريس ومنها أبيدوس في الجنوب وبوتو في الشمال, هذا بالإضافة إلي أن هذا النوع من المراكب كان يستعمل أيضا في نقل جثمان الملك من قصره الذي يقيم فيه إلي الجبانة حيث يوجد هرمه.
ثالثا: المراكب الدنيوية
وكانت تستخدم في النيل لنقل الجرانيت من محاجر أسوان, أو الألباستر من حتنوب بمصر الوسطي, أو الحجر الجيري من طره, أو لنقل المسلات من محاجر أسوان إلي معابد الأقصر والكرنك, بالإضافة إلي استعمالها لنقل العمال الذين يحفرون في الصخر للعمل في بناء الأهرامات, وهناك مراكب سافرت عبر البحار إلي جبيل( لبنان) لإحضار أخشاب الأرز ويسجل حجر باليرمو المراكب التي كان يرسلها الملك سنفرو أبو الملك خوفو إلي لبنان لإحضار هذه الأخشاب وهذه الأنواع من المراكب مسجلة علي معابد الدولة القديمة خاصة معبد الملك ساحورع بأبو صير, بالإضافة إلي المراكب التي كانت تستعمل للسفر إلي الجنوب خاصة بلاد بونت لإحضار البخور والزيوت العطرية والذهب.
رابعا: المراكب الحربية
التي استخدمت في الدولة الحديثة والمصورة بمعابد الدولة الحديثة خاصة معبد مدينة هابو الذي يصور المعارك البحرية للملك رمسيس الثالث آخر ملوك مصر المحاربين ضد شعوب البحر.
خامسا: المراكب التي استعملها المصري القديم للنزهة في النيل
وهذه المراكب ممثلة بأشكال مختلفة علي المقابر, بل إن قصة خوفو والسحرة التي تشير إلي قصة حدثت في عهد الملك سنفرو فقد خرج الملك للنزهة في مراكب داخل البحيرة الملحقة بالقصر, ترافقه فتيات جميلات يجدفن ويتغنين بأجمل الأغاني, وأثناء التجديف سقط قرط إحداهن, واستطاع رئيس المرتلين بسحره أن يخلي البحيرة من الماء ليعطيها القرط.
سادسا: أما النوع الأخير فهو المراكب الشمسية
وهي أيضا مراكب رمزية, واحدة لرحلة النهار أطلق عليها المصري القديم اسم معنجت وأخري لرحلة الليل أطلق عليها اسم مسكتت وهذا النوع كان يستعمله الإله رع فقط كي يبحر بها وتجدف له النجوم وتستعمل هنا المجاديف ذوات السنون المدببة لقتل الحيوانات والأرواح الشريرة الموجودة في العالم ليفني الشر وبالتالي يعترف بفضله الشعب ويعبده.(على حد تفكيرهم وزعمهم )
ونعود إلي حفر القوارب الموجودة بالمجموعة الجنائزية للملك خوفو حيث كانت حفرتا القوارب الشرقية التي تجاور المعبد, مخصصتين للملك باعتبار توجيههما من الشمال علي الجنوب, حيث إن الملك باعتباره حورس لديه القوة التي تمكنه لأن يمتد من الشمال إلي الجنوب.
وهاتان الحفرتان تختلفان تماما عن الحفر الجنوبية, وتقعان بجوار المعبد, حيث ترتبطان بنشاط الملك, كما تشير المناظر الممثلة داخلهما إلي نشاطه كحورس علي الأرض, أي انه يؤكد سيطرته الكاملة علي مصر العليا والسفلي( الجنوب والشمال).
أما الحفرة الثالثة التي تأخذ شكل مركب وتقع شمال الطريق الصاعد, فأعتقد أنها مركز رمزية خصصت للإلهة حتحور كما هو ثابت ومكتوب في بردية أبو صير.
أما الحفرتان الجنوبيتان اللتان عثر داخلهما علي الأخشاب, فقد ثبت من المناقشة السابقة أنهما ليستا جنائزيتين بل هما مركبان شمسيان.
وتشير متون الأهرام إلي أن الإله رع( خوفو) يمتلك قاربين استخدمهما في تنقلاته شرقا وغربا.
وهنا تشرق الشمس وتدور حول الأرض في قاربين من الشرق إلي الغرب ومن الغرب إلي الشرق وينتقل من قارب إلي آخر عند شروق الشمس وغروبها.
وكانت الشمس تبحر غربا فوق سطح الأرض, وشرقا تحت سطح الأرض وقد تم توجيه القارب الليلي مسكتت(msktt) نحو الشرق, والنهاري نحو الغرب معنجت(m,ndt) وقد أثبتت الدراسات أن القارب المكتشف يمثل قارب النهار خاصة لأنه موجه غربا, أما القارب الآخر والموجود داخل الحفرة الأخري فهو خاص بالليل ومقدمته تتجه شرقا.
ويمكن التوصل إلي دليل من هذا الافتراض, والذي وجد في تصميم الحفرتين الجنوبيتين ويفصل بينهما جدار من الصخر وموجود علي المحور الشمالي الجنوبي من الهرم.
وسوف نجد أن الفتحة الجنوبية الموجودة داخل حجرة الدفن لهرم خوفو والتي يطلق عليها خطأ فتحة التهوية تقع مباشرة علي المحور الذي يفصل بين المركبين وهما مركب النهار ومركب الليل ويقوم الملك خوفو في شكل الإله رع بالخروج رمزيا من هذه الفتحة كي يستقل المركب طبقا للرحلات التي سوف يقوم بها.
وقد أكدت بردية أبو صير التي عثر عليها داخل معبد الملك نفر ـ إير ـ كارع من الأسرة الخامسة أن وجود الأخشاب داخل فتحة المركب مهمة جدا لأن الملك سوف يستقله بعد أن يتم تجميعه, ولذلك كان لابد من وجود هذه الأخشاب, وقد أثبت زكي إسكندر أن مركب خوفو قد صنع بجوار الحفرة ثم تم فكه كي يوضع داخلها.
ومن المعروف بالنسبة لهم أن الإله رع سوف يستقل هذا المركب وسينقله في رحلة الليل والنهار, وسوف تقوم النجوم بالتجديف للإله وعندما يقابل الإله أي حيوان شرير أثناء رحلته فكان يتخلص منه عن طريق المجاديف المدببة, لأن واجب هذا الإله هو تطهير العالم من الشر, والأرواح الشريرة, وبالتالي يقدر شعبه ذلك المجهود والفضل الذي صنعه من أجلهم, فيعبدونه كإله أعظم.
وقد احتار العلماء في تفسير وظيفة مركب الملك خوفو نظرا لأنهم يدرسون المركب كأثر قائم بذاته من الناحية الدينية فقط حيث إنه من الخطأ أن تتم دراسة أي عنصر معماري, أو قطعة أثرية في أي موقع دون دراسة ما حولها من آثارومعابد وأهرامات ومناظر ممثلة بالمعبد والتماثيل وغيرها, وهذا ما قمنا به, حيث لم ننظر في هذه الدراسة إلي المركب كوحدة مستقلة بذاتها عن باقي عناصر المجموعة الهرمية, بل فسرنا جميع عناصر المجموعة ككل من خلال وحدة واحدة, لذلك استطعنا أن نصل إلي هذه النتائج.
ولكن يجدر بنا الإشارة إلي أن المجموعة الهرمية كانت مخصصة لعبادة الثالوث المكون من الإله رع إله الشمس, حورس ثم حتحور التي عبدت في منف وكانت تجلس تحت شجرة الجميز لذلك عرفت باسم( سيدة شجرة الجميز), وهناك أدلة لعبادتها في جبانة الجيزة.
وسوف نجد أن كل إله منهم كان يعبد في مكان معين داخل المجموعة الهرمية, وأيضا سوف نجد ارتباط المراكب الخمسة بهذا الثالوث, وفي نفس الوقت لابد أن نعرف أنه خلال الأسرة الرابعة ظهر فكر ديني جديد لم نعرفه من قبل, حيث قام الملك خوفو بطرد كهنة هليوبوليس وأصبح هو نفسه الإله رع أثناء حياته, لذلك فإن المركبين الموجودين شمال وجنوب المعبد الجنائزي, هما مركبان خاصان بالملك خوفوكحورس كي يبسط نفوذه وقوته علي جنوب مصر.
أما المراكب الواقعة علي جنوب مصر, والمراكب الجنوبية هي مراكب رمزية خاصة بالشمس أثناء رحلة النهار ورحلة الليل.
أما المركب الخامس فكان خاصا بالإلهة حتحور التي هي( عين رع, وزوجة الملك الحي حورس وهي في نفس الوقت أم الملك القادم.
هذه هي حقيقة المركب.. بالعلم, والمنطق, والأدلة هي مراكب شمس, إلا أن بعض العلماء ذكروا أنها مراكب جنائزية بدون أدلة موضوعية سليمة, وقد كان كمال الملاخ مصيبا وذلك علي الرغم من أنه لم ينشر أدلة علمية تدعم رأيه حين أطلق عليها(مركب شمس) بعد كشفه لها في25 مايو.1954
وقد استطاع الراحل الحاج أحمد يوسف عبقري الترميم أن يعزف أجمل الألحان بيديه الذهبيتين ليعيد المركب إلي حالته الأولي. ويضيف إلي مقتنياتنا الأثرية قطعة جديدة رائعة .
سفن الملاحة
منقول