غلطة عمر
هدأت أساريره بعض الشئ بعد موجة التشنج التى انتابت جسده النحيل الراقد على الفراش
وكأنه وسادة أخرى بطول السرير أخذ ينظر بعينيه الغائرتين إلى طفليه الصغيرين أكبرهما
أحمد ذو الأثنى عشر عاماً والثانى صابر ذو السبع سنوات أما هاجر الزوجة فتنظر إليه فى
حيره وكأن السؤال الذى حيرها طوال أعوام يجول بين شفتيها يريد الخروج إلى النور لعله
يجد إجابة شافية تنقذها من هذه الحيرة وهو راقد على فراش الموت ينتظر نهايته المحتومة
أخذ يتمتم بكلمات متعثرة تخرج من بين شفتيه بصعوبة بالغة : ثقى هاجر أنني لم أحب غيرك
لم أعشق يوما امرأة سواكِ فأنتِ لى كل حياتى أنت ِ الماضى والحاضر والمستقبل الذى لا
يعلم كم تبقى منه سوى الخالق كل ما أتمناه قبل لقاء ربى أن تسامحينى أن تغفرى لى خطأى
الذى ارتكبته يوما ً ما فى حق نفسى وأسرتى أدع لى بالرحمة والمغفرة.
قالت وعيناها تتأمل وجهه انحنت على ركبتيها مدت يدها لتلتقط يده النحيلة لتقبلها وهى تحاول الابتسام : آه ياحبيب العمر لو أنى أعرف ما بك ولماذا ترفض الذهاب للطبيب منذ خمس سنوات وأنت تخدعنى
وتقول أنك دائم الزيارة للطبيب ولا أجد دواءً تتناوله ولا تتقدم يوماً وحالتك فى تدهور مستمر
أستحلفك بالله أن تنطق أن تجيبنى عن سؤال يحيرنى ضغط بيده على يدها برفق هكذا أحست
ولكن فى الحقيقه كانت هى أقصى قوة لديه وهمس بصوت خافت لا تشغلى بالك حبيبتى ما حدث
كان ، والله عنده الكثير دعى الملك للمالك .
ترك يدها فى هدوء وجال بنظره فى أرجاء الغرفة وكأنه يودع المكان قفز إلى ذاكرته ذاك اليوم فأبتسم وهو يعيد شريط ذكرياته عندما كان يعمل فى أحد الفنادق الخمس نجوم مضيفاً للغرف عندما نزلت إحدى الفتيات الأجنبيات بإحدى الغرف وكانت فائقة الجمال بهرته ببهائها وطلتها التى كانت كالبدر فى ليلة تمامه ابتسمت له وطلبت فنجانين من القهوة وعندما أحضرهما قالت له فى دلال أثار ما بداخله : تفضل اجلس معى وأحتسى قهوتك فالفنجان الثانى هذا لك .
فجلس بجوارها مجاملة منه وأنبهاراً بها تجازبا أطراف الحديث وكانت تجيد العربية وضعت يدها على يده بحنان لم يعهده ارتجف كل ما بداخله شعر بأنه بعالم آخر من السحر مال عليها وهمس فى أذنها بمعسول الكلام ذاب الأثنين وكأنهما يعشقان البعض منذ سنين مضت .
تطورت العلاقة بينهما بسرعة عجيبة دعت الأجساد بعضها للقاء الآثم وكان ما كان حتى أنتهى
من اللقاء وكانت المفاجأة التى أذهلته وزلزلت كيانه وألجمت لسانه عندما نطقت شفتاه بجملتها
التى لم تبرح ذاكرته مبروك حبيبى لقد أصبحت عضواً فى جمعية حاملى مرض الأيدز
وهنا استفاق وأرتعد جسده على السرير وقال بأعلى صوته رحمتك يارب رحمتك يارب
وهدأ جسده تماماً وأنتهت غلطة العمر بنهاية العمر ؟؟؟؟ منقول للعبرة والعظة