الأرق سارق النوم والراحة ... والصحة
كيف تتعرّف إليه وكيف تحاربه؟
يخلد كلّ إنسان إلى النوم ليلاً ليأخذ قسطاً من الراحة الجسديّة والنفسيّة كي يعاود نشاطه في اليوم الثاني، وأي خلل في هذه العمليّة يعرّض الإنسان إلى اضطراب في الحياة اليوميّة.
ولا يكاد أحد ينجو من "ليلة ليلاء" يعدّ فيها نجوم السماء والخراف من دون أن ينجح في النوم، فيبدأ في تذكّر كلّ مفاصل يومه ويفنّد كلّ آماله وطموحاته، قبل أن يفقد صبره فيتوتّر ويطير النوم أكثر فأكثر لينجح بعد ساعات من المعاناة - أو لا ينجح - في الحصول على قسط من النوم لا يكفيه، فيقضي يومه متعباً مشتّت الذهن عصبي المزاج وتزداد عصبيته مع اقتراب المساء خوفاً من ليلة أخرى.
والأرق في التعبير الطبي هو "عدم القدرة على النوم في الفترات التي اعتاد الإنسان النوم فيها وصعوبة العودة إلى النوم أو النوم غير المريح". وهذا الأرق يكون غالباً ظرفياً ويتأثّر بظروف الإنسان النفسيّة والصحيّة. لكن هناك بعض حالات الأرق المزمنة التي تتحوّل مرضاً يهدّد حسن سير الحياة اليومية.
ويحذّر الأطباء من "المبالغة في التحسّس من الأرق لأنّه يسقطنا في دوامة القلق الذي يقودنا إلى الأرق". ويقول الخبير في علم النوم الطبيب الألماني جيرك ماير إنّ "عدم النوم خلال ليلتين أو ثلاث ليالٍ لا يعتبر أرقاً مرضياً". ويصنّف ماير الأرق بأنّه "عدم النوم واضطرابه مدة لا تقلّ عن خمس ليال تمتد متقطعة إلى فترة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر".
وفي حين يعترف الأطباء بأن نحو 50 في المئة من أسباب الأرق غير مفهومة، تنقسم الحالات الأخرى بين أسباب مرضيّة عضويّة وجسديّة **كالأمراض المزمنة وإلتهاب المفاصل والربو وأمراض القلب والكلى** وأسباب نفسيّة أهمّها التوتّر العصبي والقلق المهني والعائلي وضغط العمل اليومي.
ويصيب الأرق الذكور والإناث من كل الأعمار، لكنه يصيب النساء خصوصاً بعد سن اليأس. ويضع الأطباء اللوم الكبير فيه على أسلوب الحياة وبعض العادات اليوميّة السيّئة.
يحتاج الإنسان العادي من 4 إلى 9 ساعات من النوم كل ليلة للشعور بالنشاط في اليوم الثاني. لكن ساعات النوم تختلف من شخص إلى آخر. فالإعتقاد السائد هو أن كلّما إزدادت ساعات النوم كلّما كان الوضع أفضل. لكن المهم دائماً هو الشعور بالنشاط عند الإستيقاظ مهما كانت ساعات النوم.
وللنوم فوائد عدة، فمرحلة النوم العميقة مهمّة جداً لتنشيط الجهاز العصبي للجسم، لأنها اللحظات الأولى التي يستريح فيها الجهاز العصبي. وتساعد هذه المرحلة على النمو بسبب إفراز الجسم خلالها الكثير من الهرمونات كهرمونات النمو. كما تساعد هذه المرحلة على إعادة تنشيط الذاكرة والقدرة على الإستيعاب.
عملية النوم
تبدأ عملية النوم من خلال إشارات يعطيها الجسم بعد تراكم مواد كيميائية تنتجها الخلايا العصبيّة. ويحدث النوم من خلال تغييرات تحدث في المخ وتؤدّي إلى بداية النوم من خلال خلايا تدعى "خلايا فوق التصالب البصري"، وهي موجودة في المخ ومسؤولة عن التغييرات التي تحدث في الجسم حيث يدخل الجسم في دورات النوم التي تبدأ ب "غفوة" تستمر دقائق قليلة بعدما يقوم الجسم بإغلاق منافذ الوعي السمعية والبصرية، ما يحجب عن المخ كل المعلومات التي اعتاد التقاطها فيدخل مرحلة النوم العميق. ثم تنخفض حرارة الجسم، كما تنخفض ضربات القلب والحركة العضلية ليدخل الجسم مرحلة "الحركة السريعة" للعين، وهي مرحلة الأحلام لمدة 15 دقيقة. وتتكرّر هذه المرحلة مرات عدة في الليلة الواحدة.
أعراض الأرق
يمكن أن تكون مصاباً بالأرق إذا اجتمعت لديك بعض الحالات التالية ولأوقات طويلة:
- الاستيقاظ خاملاً بلا أي شعور بالإنتعاش.
- عدم القدرة على النوم رغم التعب الذي يعتريك.
- النعاس في النهار، الدوار، سرعة الغضب، الصعوبة في التركيز.
- التوتّر مع اقتراب موعد النوم خوفاً من عدم القدرة على ذلك.
عوامل ازدياد الخطر
هناك عوامل تساهم في زيادة مخاطر الإصابة بالأرق منها:
1 - العمر: فالكبار في السن يعانون من الأرق أكثر من غيرهم.
2 - الأحداث المقلقة والآلام الجسدية.
3 - العمل الليلي أو تغيير جداول العمل بإستمرار.
4 - السفر الطويل **إختلاف الليل والنهار بين المناطق البعيدة**.
5 - الإدمان.
6 - العمل الزائد على الكومبيوتر.
إفطر مع الملوك وتعش مع الفقراء
تؤثّر نوعية الطعام الذي نتناوله على نوعيّة النوم التي نحظى بها. فهناك بعض الأطعمة التي تنبّه الجهاز العصبي وهناك أطعمة تجلب الإسترخاء إلى الجسم.
فالكاربوهيدرات تساعد الجسم على إنتاج هرمون "السترونين" الذي يساعد على النوم. كما أن الحليب يساهم في استرخاء الجهاز العصبي بفضل الكالسيوم الموجود فيه.
أمّا عادات الطعام فلها تأثيرها أيضاً، ذلك أن وجبة دسمة متأخرة من شأنها أن تبقينا مستيقظين، أو نائمين من دون الحصول على فوائد النوم من راحة للجسم. ولهذا يقول الأطباء "إفطر كالملك وتعش كالفقير".
ويمكنك إذا كنت تعاني من الأرق محاربته بنظام غذائي يتضمّن الوجبات الرئيسية الثلاث بالإضافة إلى وجبات خفيفة بينها.
للفطور يمكنك أن تختار بين البيض المقلي مع الحليب الخالي من الدسم والموز أو خبز من الدقيق الكامل مع زبدة الفستق وعصير ليمون طازج وحليب خالٍ من الدسم.
للغداء يمكنك الإختيار بين معكرونة قليلة الدسم مع الجبنة والخضر وثلاث أونصات من السمك وكوب من شراب التوت وكوب من الحليب الخالي من الدسم. أو ثلاث أونصات من الدجاج وكوب من البروكولي المطبوخ على البخار وكوب من عصير التوت وكوب من الحليب الخالي من الدسم.
أمّا العشاء الذي يجب أن يكون قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل فيمكن أن نختار فيه بين أونصتين من الدجاج المشوي وقليل من البطاطا المشوية والسبانخ أو أونصتين من السمك وبعض أنواع الحبوب مع كوبين من الماء.
أمّا الوجبات الخفيفة فيمكن أن تكون: كوباً من الحليب الخالي من الدسم مع قطعتين من الكيك أو موزة مخفوقة في كوب من الحليب ونكهة الانيليا أو لبناً بالانيليا مع كعكة الرز.
أنواع الأرق
هناك ثلاثة أنواع معروفة من الأرق هي:
1 - الأرق العابر الذي يحدث ليوم أو بضعة أيام ثم يختفي.
2 - الأرق المتقطّع الذي يحدث لعدة أيام كل فترة.
3 - الأرق المزمن الذي يستمر لفترة شهر أو أكثر.
الحوامل والأرق
تصاب الحوامل بالأرق في الأشهر الأخيرة من الحمل بسبب زيادة الوزن والحاجة المتكرّرة للإستيقاظ بهدف التبوّل ليلاً والتي تخرق ساعات النوم، وكذلك الحال مع المرضعات.
يشار إلى أن تناول الأدوية المهدّئة أو المنوّمة خلال الحمل والرضاعة ممنوع تماماً إلاّ بأمر من الطبيب في حالات محدّدة ومحدودة.
ساعد طبيبك في التشخيص
سوف يطلب الطبيب منك معلومات وتفاصيل عن "تاريخ النوم" لديك، مثل فترات النوم ونوعيّة هذا النوم **عميق، إستيقاظ متكرّر، ...**. وسوف يهتم أيضاً بمعرفة أحداث قد تكون وقعت معك أخيراً **خسارة عمل، وفاة، ...** أو تغيير مفاجئ في أسلوب حياتك **إنتقال من مكان إلى آخر، تغيير العمل...** أو خضوعك لعلاج ما **تحديد نوعيّة الأدوية التي تتناولها**.
إنّ توفيرك الإجابة عن هذه الأسئلة قبل زيارة الطبيب سوف توفّر عليك الوقت والجهد وتساعد الطبيب في تشخيص حالتك بدقة وسرعة وتقديم العلاج المناسب.
نوم الليل أم النهار؟
يعتبر النوم ليلاً أفضل من النوم نهاراً، وهو صحي أكثر وذلك بسبب تأثّر المخ بعامل الضوء. ممّا يجعل نوم الليل أكثر عمقاً.
لكن هناك إستثناء لكلّ قاعدة، إذ أن البعض يعتاد نوم النهار والصحو ليلاً دون أيّ تأثيرات صحية.
الأقراص المنوّمة حل ومشكلة
يلجأ بعض الأشخاص إلى تناول الأقراص المنوّمة للتغلّب على حالات الأرق التي تنتابهم، وهي غالباً ما تكون فعّالة في البداية. لكن الإستمرار في تناول هذه العقاقير يجعلها أقل قدرة على التأثير بالذي يتناولها ممّا يضطره إلى زيادة الجرعات أو اللجوء إلى أنواع أقوى. كما أنّها تأتي غالباً بمفعول عكسي فلا يعود بالإمكان النوم من دونها.
وهناك أنواع متعدّدة من الأقراص المنومة لإستعمالات مختلفة، لكن يجب تناولها بإشراف الطبيب المباشر الذي يحدّد متى يجب تناولها ومتى يتمّ الإقلاع عنها.
قبل الذهاب إلى الطبيب
قبل الذهاب إلى الطبيب طلباً للعلاج المناسب للأرق الذي تعانيه لا بدّ وأن تستنفد 15 وسيلة ينصح بها الأطباء للكشف عن وجود الأرق المرضي أو عدمه.
فإذا قمت بهذه الخطوات ولم تنم، إذهب فوراً إلى الطبيب فربما هناك مشكلة عضويّة تستدعي علاجاً عاجلاً:
1 - حمّام دافئ : الحمّام الدافئ هو أفضل الوسائل للإسترخاء، لكن من دون الإفراط فيه. فالمياه الساخنة تنهك الجسم إذا بقي فيها لفترة طويلة.
يمكن وضع بعض الأملاح في المغطس، أو الإستغناء عنها باستعمال كوب من الملح الإنكليزي وكوب من كربونات الصودا، فهذا كفيل بإخراج السموم من جسمك.
2 - التدليك : للتدليك قبل الخلود إلى النوم فعالية مدهشة في ترخية العضلات. المساج الكامل هو المفضّل طبعاً، لكن يمكن الإكتفاء بتدليك الرقبة والوجه وفروة الرأس.
3 - الإستماع إلى الموسيقى : إنّ بعض الموسيقى الهادئة لا بدّ وأن تأخذك إلى عالم النوم إذا كنت تعباً، وهناك أشرطة تباع خصيصاً لهذه الحالات.
4 - الحليب الدافئ : إنّ كوباً من الحليب الدافئ قبل النوم بربع ساعة، يهدئ الجهاز العصبي بسبب مادّة الكالسيوم الموجودة فيه والتي تعمل كمهدئ عصبي.
5 - شاي الأعشاب : للذين لا يحبون الحليب أو يعانون من حساسية تجاهه، يمكنهم شرب كوب من مغلي البابونج أو اليانسون أو النعناع. فلهذه الأعشاب مفعول مهدئ لا يستهان به.
6 - وجبة خفيفة : إنّ تناول وجبة خفيفة قليلة البروتين وكثيرة الكاربوهيدرات، ككوب من العصير وقطعة من الكعك قبل ساعة من موعد النوم قد تقرّبكم من نوم سلس.
7 - الإمتناع عن الكحول : على الرغم من الاعتقاد السائد بأن الكحول والكافيين لها مفعول مهدئ، إلاّ أن الأطباء يؤكدون أنّ للكحول تأثيراً يمنع النوم الهانئ، أمّا الكافيين فهو منبه معروف. ولهذا ينصح بالإبتعاد عنها خصوصاً في ساعات المساء الأولى.
8 - التهوئة الجيدة : إن النوم في مكان يدخله الهواء المنعش وبدرجة حرارة مقبولة هو أسهل بكثير من النوم في أماكن سيئة التهوئة وعالية الحرارة.
9 - السرير : النوم في سرير مريح من الأسباب البديهية للنوم الهانئ لأنّه يساعد على الاسترخاء. وهو جيّد للهيكل العظمي أيضاً.
10 - وضعية النوم : إنّ أفضل وضعيات النوم هي النوم على الظهر لأنها تجعل الأعضاء الداخليّة للجسم مرتاحة وفي وضعها الطبيعي، ممّا يبعد أيّ انزعاج قد يقلق راحة النائم. أمّا في حالة النوم الجانبي فالأفضل النوم على الجانب الأيمن لأن النوم على الجانب الأيسر يجعل الرئتين والكبد والمعدة تضغط على القلب مسبّبة له وضعاً غير مريح. أمّا النوم على البطن فهو ممنوع تماماً.
11 - التمارين الرياضية : إنّ التمارين الرياضية والنشاط الجسدي عموماً خلال النهار ضرورية لنوم هانئ. وربع ساعة من الرياضة قبل ساعة من النوم تعطي الجسم الأوكسجين اللازم لنوم هانئ وسريع.
12 - ساعات النوم : حافظوا على ساعات نوم محدّدة حتى لو لم تشعروا بالنعاس، ليصبح للجسم ساعته الداخلية التي تدفعه إلى الإسترخاء في أوقات معيّنة.
13 - عدم المكوث في السرير : عندما تشعرون بأنكم غير قادرين على النوم بعد نحو نصف ساعة من المحاولة، أتركوا السرير. ولا تعودوا إليه قبل الشعور بالنعاس مجدداً.
14 - الإستيقاظ : إستيقظوا في ساعات محدّدة حتى في أيام العطل، لتتركوا للجسم بعضاً من الحاجة إلى النوم تساعدكم في محاولتكم مساء. وإياكم والغفوات الصغيرة لأنّها "تطيّر النعاس".
15 - الهدوء : تجنّبوا وجود الساعات ذات الأصوات في غرف النوم لأنها ستمنعكم من النوم عند أول بادرة أرق.
منقول