على غير انتظــــار
...
أعلم يا حبيبتى أن أحزاننا كثيرة.. وأن رصيد أحلامنا أصبح قليلا
أعلم أننا نعيش فى زمان غريب استباح كل الأشياء
أعلم أن زماننا أبخل من أن يمنحنا ساعة صفاء جديدة
اننا ما زلنا نتسكع فى الطرقات نستجدى زماننا البخيل حلما جديدا
ان سحابات الدخان تطارد أنفاسنا مع مطلع كل صباح
وان نسائم الربيع الراحل تهفو أحيانا فتذكرنا بعمر مضى وليس لنا الحق فى استرجاعه
أعلم أن ليالى الشتاء تحمل معها أحزان أيامنا وها نحن قد ودعنا عاما من عمرنا
هاهو العام تسرب فى خجل من بين أيدينا وأعلن رحيله... انه لن يعود بعد اليوم ولن نراه
فتعالى نصافحه ...تعالى نحدق فى ملامحه التى لن نراها قبل أن تغيب
تعالى نحاول أن نستعيد معه بعض تذكاراتنا قبل أن يمضى
سوف نجلس ذات يوم .. ربما نجلس معا... ربما يجلس كل منا وحيدا يراجع دفاتر أيامه
وسوف نذكر لهذا العام شيئا رائعا... سوف نذكر له أننا تلاقينا تحت ظلاله... وأننا ضحكنا
فيه وحلمنا معه بعد أن تضاءل رصيد أحلامنا وأننا رأينا فيه شروقا جميلا وغروبا أجمل
لقد أعطانا هذا العام شيئا من الدفء رغم أن صقيع أيامنا كان طويلا
سوف نذكر لهذا العام أنه أعطانا أشياء كثيرة جاءت على غير انتظار
وأجمل الأفراح هى التى تجىء على غير انتظار
واسوأ الأحزان هى ايضا تلك التى تجىء على غير انتظار
وعامنا الراحل جاءنا بأشياء جميلة جاءت على غير موعد
كانت أحلامنا قد افلست وتوقفت نبضات كثيرة فى أعماقنا
وغابت المساحات الخضراء حولنا.. واكتست ايامنا بسحابات حزن خانقة
وأغلقت القلوب أبوابها وأعلن الجميع اغلاق كل نوافذ الحب فى أوطاننا
بعد هذا كله جئت أنت لكى نبدأ من جديد فى تطهير القلوب من أوجاعها وحطام الأيام فيها
جئنا لنغرس فى شوارعنا الخالية أشجارا جديدة... لقد استباح زماننا رقاب كل الأشجار .. وأصبح
الصمت والخوف والوحشة شبحا يطاردنا فى كل مكان
لكننا عدنا مرة أخرى نرفع راية العصيان أمام الحياة لنعود لأنهارنا السجينة.. وهاهو الأمان يتسلل
الى كهوف أيامنا
لست واهما ولا حالما ولا مجنونا يحاول أن يرى الخرائب أشجارا أو أن يرى الصحارى أنهارا
ولكننى كنت دائما على يقين أننا نرى العالم من داخلنا... وأننا نرى الجمال فى أعماقنا قبل أن نراه
على وجوه الناس ... وان أعشاب القبح تنبت فى نفوسنا أولا وتتسلل الى كل شىء حولنا
ان الانسان الذى يغرس القبح لا يمكن أبدا أن يكون أرضا للجمال.. فالأعشــاب لا تنبت الزهور...
والزهور لا تقبل أبدا أن تعيش بين الأعـــشاب
عام مضى تعالى نعانقه وهيا نصافح أياما جديدة ونحلم معها بعالم جديد لا يوجد للقبح فيه مكان
فاروق جويدة