القوانين البيئية عقبات وصعوبات :
إتجه العالم منذ أوائل هذا القرن إلى وضع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات بهدف حشد الجهود الدولية لمعالجة القضايا ذات العلاقة بالبيئة ومواردها، وقد بلغ عدد تلك الاتفاقيات نحو 152 اتفاقية خلال الفترة من 1921-1991. ومن أهم الإتفاقيات الدولية التي أبرمت في مجال حماية البيئة ، الإتفاقيات المتعلقة بالحفاظ على الحيوانات والنباتات في حالتها الطبيعية الموقعة بلندن في عام 1923، والإتفاقية الدولية لمنع تلوث البحار بالنفط المعتمدة بلندن عام 1954، ومعاهد حظر تجار الاسلحة النووية الموقعة في موسكو عام 1963. هذا إلى جانب الاتفاقية المتعلقة بالأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية المعدة كموئل لطيور الماء المسماة باتفاقية (رامسار) المعتمدة في عام 1971. هذا إلى جانب إتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث والتي اعتمدت في برشلونه عام 1979، إتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة التي اعتمدت في بون عام 1979 ، كما وقعت في عام 1982، إتفاقية الأمم المتحد لقانون البحار، ووقعت في فيينا 1985 إتفاقية حماية طبقة الأوزون ، وأعتمدت في عام 1973 إتفاقية (سايتس) الخاصة بالاتجار الدولي في أنواع الحيوانات البرية المهددة بالانقراض.
وقد تم مؤخرا في التسعينات من هذا القرن وضع أهم الإتفاقيات الدولية في مجال البيئة، وهما إتفاقية التنوع البيولوجي التي اعتمدت في ريودي جانيرو في عام 1992 والاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر في عام 1994.
هذا ويتمثل الهدف الأساسي لهذه المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات سواء على المستوى الثنائي او الإقليمي او الدولي ، في حماية البيئة والمحافظة عليها نظيفة وملائمة لحياة الإنسان ، ولا يكفي فقط المصادقة أو الانضمام لتلك والإتفاقية إنما يتوجب الالتزام باتخاذ التدابير التشريعية والتنظيمية والإدارية التي تضمنت تنفيذ بنود تلك الاتفاقيات ونفاذها والامتثال إليها على المستوى الوطني.
القانون البيئي : التعريف والتطور :
يرتبط هذا الفرع من القانون بالبيئة والتي تشمل الإنسان والعوامل الطبيعية المحيطة به من ماء وهواء وكائنات حية وجمادات ، هذا فضلا عن الظروف الناشئة عن تفاعل الإنسان مع هذه العوامل وما يرتبط بذلك من عوامل ثقافية واجتماعية، وبهذا الوصف العام للبيئة، فإن القانون البيئي قد عرف على أنه(نظام القانون لحماية البيئة وتنميتها وردع مخربيها). هذا وقد نشأت القانون البيئي وتطور متلازما مع التطور الاقتصادي والاجتماعي للبيئة، فعندما يتزايد النشاط الاقتصادي ، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة ، فإن المعالجة القضائية للتعويض عن الأضرار لحالات التعدي او الإزعاج التي تقع على الاشخاص وممتلكاتهم لم تعد كافية لمواكبة الآثار البيئية الملازمة لذلك التطور، مما أكد الحاجة إلى ان تتولى السلطة التشريعية الأصلية مهمة الموازنة بين المصالح المتضاربة لجعل الغلبة لمصلحة البيئة على المصالح الفردية القائمة على فكرة المنفعة المقابلة للعائد.
وبمتابعة ورصد القانون (القانون البيئي) في الدول النامية أمكن رصد مرحلتين لتطوره قبل وبعد مؤتمر استوكهولم عن البيئة والتنمية (1970) ، وذلك على النحو التالي:خلال الفترة السابقة لقيام المؤتمر تميزت التشريعات الصادرة بالتركيز على تخصيص وتنظيم إستغلال الموارد مع إغفالها لمعالجة الآثار السالبة لإستغلال تلك الموارد، مثل غياب التشريعات المتعلقة بحماية الموارد المائية من التلوث ، ووجود بعض التشريعات التي تكرس لمنح حقوق الاحتكار وترخيص إستغلال الموارد كما في قوانين الغابات ، وقوانين الأراضي التي أنصب فيها الإهتمام على حقوق الحيازة بدلا من تنظيم إستغلال تلك الحيازات وفلاحتها بصورة تضمن إستدامة العطاء.
بعد قيام المؤتمر خاصة في فترة السبعينات واجهت الدول النامية العديد من المشاكل البيئية، والتي من أهمها ما يتعلق بالإستغلال غير المرشد للموارد المتجددة وغير المتجددة ، وما صاحب ذلك من السعي الحثيث لبعض الدول لوضع تشريعات تعني بشكل اساسي بالإدارة والاستغلال المستدام لهذه الموارد، فعلى سبيل المثال تضمنت قوانين البيئة أحكاما تنظم تخطيط إستخدام موارد المياه والمحافظة عليها والسيطرة على تلوثها ، هذا بالإضافة إلى المعايير الأخرى بجودة المياه ونقائها.
وبالإضافة إلى ما سبق تميزت فترة ما بعد استكهولم بالإنتقال التدريجي من طور المحافظة على الموارد إلى طور البناء المتكامل للمنظومة البيئية، حيث إتجهت التشريعات خلال هذه الفترة إلى استصحاب التكامل بين عناصر ومكونات البيئة وإدارتها تخطيطا وتشريعا وإنفاذا عاما. وبصفة عامة فقد اهتم برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) كثيرا بحصر الاتجاهات المعاصرة في مجال التشريع البيئي في الدول النامية ، والتي يمكن إجمالها في اهتمام العديد من تلك الدول بالتالي:
تضمين المسائل البيئية في الدساتير والخطط الكبرى للدولة.
ترسيخ معايير ومستويات الجودة في القوانين والتشريعات العامة.
ترسيخ المبادئ البيئية والاقتصادية في القوانين، من باب الجزاء الرادع والحافز والمشجع.
تضمين المعايير الدولية في القوانين والأجهزة الوطنية.
تضمين صيغة تقويم الأثر البيئي كمعيار لضبط إقامة المشاريع ذات الأثر البيئي السالب.
إدخال مبدأ التنسيق كأساس للإدارة البيئية المؤسسية.
تحقيق الاتساق التشريعي من خلال صيغ القوانين الإطارية.
مدى كفاية التشريعات البيئية :
أوضحت الدراسات والمسوحات المجراة في هذا الجانب، أن التشريعات التي عنيت بالبيئة في المنطقة العربية لم تتناول في اغلب الأحيان عناصر تكوينات البيئة بطريقة مباشرة ، وإنما هي مجموعة تشريعات لها صلة بشكل أو آخر بالبيئة وموضوعاتها. فمكونات البيئة حسب رؤية المتخصصين والتي لم تمسها التشريعات بطريقة مباشرة هي حماية الهواء من التلوث، والغلاف الجوي وطبقة الأوزون من التفكك حيث لا تتأثر صحة البشر وعناصر الحياة الأخرى بمخاطر التلوث الإشعاعي ، هذا إلى جانب حماية الكائنات الحية البرية والبحرية (الحيوانية والنباتية) وحماية موائلها (Habitats) من كافة المهددات البيئية . هذا بالإضافة إلى عناصر حماية التربة والحماية من أثار الضوضاء. ونتيجة للغياب الكامل للمعالجة التشريعية او المعالجة السطحية لبعض العناصر، إزدادت حدة المشاكل البيئية، خاصة مع غياب دور التوعية والإعلام البيئي، فمن مظاهر الخلل البيئي الأكثر وضوحا اضمحلال واختفاء الغطاء النباتي وزيادة الرقعة المتصحرة وتدهور خصائص التربة وتملحها وتلوث الهواء ومياه الشرب وغيرها من المظاهر .
وتجدر الإشارة ان معظم النصوص التشريعية المتعلقة بحماية البيئة لم توجه مباشرة إلى البيئة بشكل متخصص ، بل تناول بعضها جوانب من البيئة وفق تصور ضيق لأنواع وطبيعة المؤثرات على البيئة وحدود تأثيرها ، أي ان الصورة الكاملة لحالة البيئة غائبة عن أذهان المشرعين، مما جعل تلك النصوص غير كافية وغير ملائمة للحاجة التي تتطلبها تطورات العصر، إذ يغيب عن هذه النصوص المعيار العلمي المرجعي في تحديد المخالفات المتعلقة بالبيئة ، فغياب المعيار العلمي يعرض تطبيق النص القانوني للاجتهاد ويخرج به عن مقاصده ، إذ انه من المعروف عن تطبيق النصوص الجزائية لا بد وان يستند إلى نص قانوني واضح عملا بالمبدأ القانوني الثابت القائل بأنه (( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون)). ويضاف إلى ما تقدم ان هناك بعض الجوانب الهامة المتعلقة بالبيئة، التي لم تتناولها النصوص المعمول بها حاليا، مما يعني وجود فراغ تشريعي في توفير المعالجة القانونية والسند القانوني الملزم لتأمين حماية البيئة وإدارتها.
ولما كانت هذه هي حال النصوص ، من حيث عدم الملاءمة وعدم الكفاية ، فقد استدعت الحاجة الناتجة عن الطور التقني المتسارع الإيقاع إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالبيئة والدعوة إلى إجراء المزيد من التعديلات عليها لتتلاءم مع المستويات المطلوبة من الصحة والسلامة البيئية، وبخاصة في الجوانب المتعلقة بالبيئة الزراعية التي ترتبط مباشرا باحتياجات الانسان ومأكله وملبسه ، كما ترتبط بالموارد الطبيعية الحيوية التي تدعو الضرورة إلى صيانتها والحفاظ عليها وتنميتها بشكل مستدام .