أَحِبَّتي في الله:
مِن ذلك يتبيَّنُ لنا أنَّه لا يوجد أضَلُّ و لا أكفَرُ ولا أفسق من أولئك الرَّوافض الأخباث الأنجاس، الذين نالوا من صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونالوا من عِرْض أُمِّنا أُمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - وهو في الحقيقة نَيْلٌ وانتقاص لِعِرْض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فضلاً عن كونه تكذيبًا لله - جلَّ وعلا - كما بيَّنَّا ذلك مرارًا.
وعندما تُمْعن النظر - أيُّها المُبارك - في حال أولئك المَلاعين من الرَّوافض الأنذال، وحِقْدهم الدَّفِين، وغِلِّهم العظيم، وكرههم البغيض لصحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تجد أنَّ اليهود والنصارى فُضِّلوُا على أولئك الرَّوافض الأنجاس بفضيلة، وهي عدَمُ سبِّ هؤلاء - أي: اليهود والنصارى - لأصحاب أنبيائهم - صلوات الله عليهم جميعًا - قيل لليهود: مَن خَيْرُ أهْلِ مِلَّتِكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنَّصارى: مَن خيرُ أهل مِلَّتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرَّافضة: مَن شَرُّ أهل مِلَّتكم؟ قالوا: أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يستثنوا منهم إلاَّ القليل، كما سبق بيانه، ويَجْدر بالذِّكر هنا أنَّ فيمن سَبَّ أولئك الأوغادُ مَن هو خير ممن استثنوهم بأضعافٍ مضاعفة؛ لأنَّهم سَبُّوا الخلفاء الثلاثة أبا بَكْر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وهم أفضل أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الإطلاق، وهذا عليه إجماع المسلمين.
كلام نفيس:
يقول الإمام محمد بن صبيح المعروف بابن السَّمَّاك - رحمه الله تعالى -: "علمت أنَّ اليهود لا يَسُبُّون أصحاب موسى - عليه السَّلام - وأنَّ النصارى لا يسبُّون أصحاب عيسى - عليه السَّلام - فما بالُكَ يا جاهل، سببتَ أصحاب محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟ وقد علمت مِن أين أُتيت، لَمْ يَشْغَلْك ذنبُك، أمَا لو شَغَلك ذنبك، لَخِفْتَ رَبَّك، لقد كان في ذنبك شغلٌ عن المُسِيئين، فكيف لم يَشْغلك عن المحسنين؟
أما لو كنتَ من المحسنين، لَمَا تناولْتَ المسيئين، ولرجوتَ لهم أرحم الرَّاحمين، ولكنَّك من المسيئين، فمِنْ ثَمَّ عِبْتَ الشهداء والصالحين.
أيُّها العائبُ لأصحاب محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لو نِمْتَ ليلك وأفطرتَ نهارك، لكان خيرًا لك من قيام ليلك وصوم نهارك، مع سُوء قولك في أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فويحك! لا قيام ليلٍ ولا صوم نهار، وأنت تتناول الأخيار! فأبشرْ بما ليس فيه البُشْرى، إن لم تَتُب مما تسمع وترى.
ويحك! هؤلاء شُرِّفوا في أُحُدٍ، وهؤلاء جاء العَفْو عن الله - تعالى - فيهم، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران: 155]، فما تقول فيمن عَفا الله عنهم؟
نحن نحتجُّ بخليل الرَّحمن إبراهيم، قال: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]، فقد عَرَّض العاصي للغُفْران، فلو قال: فإنَّك عزيزٌ حكيم، أو عذابك عذابٌ أليم، فبِمَ تحتجُّ يا جاهل إلاَّ بالجاهلين؟! شرُّ الخلَفِ خلفٌ شتموا السَّلَف، والله، لَواحدٌ من السَّلف خيرٌ من ألفٍ من الخلف"؛ ا.هـ[12].
والحديث عن الصَّحابة وفَضْلِهم حديثٌ مُمْتِع وذو شُجون، ولقد تحَدَّث العلماء قديمًا وحديثًا عن فضلهم، والذَّبِّ عنهم، وبيان فساد وعوار مَن تكَلَّم فيهم، وخلاصة القول في ذلك أنَّ محبَّة الصَّحابة الكرام دِين يُدان لله به، وقُربة يُتَقرَّب إلى الله بها، والدِّفاع عنهم واجبٌ متأكِّد الفرضيَّة على جميع المسلمين؛ كلٌّ على حسب قدرته وطاقته وإمكانياته.
ومن صُوَر الدِّفاع عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - دَعْم تلك القنوات التي تُدَافع وتذبُّ عن أعراض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا فيما أظنُّ وأعتقد أنَّ دَعْم مثل هذه القنوات من الجهاد في سبيل الله، الذي قال عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((جاهدوا المُشْرِكين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))[13].
ومن صور الدِّفاع عنهم أيضًا قراءة سِيَرِهم، ومعرفة فضائلهم ونَشْرها في العالَمِين، وأن نُحْيِي ذِكْراهم بالتَّأسِّي بهِم، وتخليد أسمائهم بشتىَّ الطُّرق والوسائل، مُحْتَسِبين الأجر في ذلك، ومعتقدين أنَّنا بذلك نُدَافع عن الدِّين كُلِّه؛ لأنَّهم - رضي الله عنهم - هم حمَلَة الدِّين، فالتنقُّص منهم والنَّيل من مقامهم الشَّريف، هو في الحقيقة تنقُّص من الدِّين وهدْمٌ له.
هذا، والله أعلم، وصلِّ اللَّهم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبِه، وسلِّم.
يتبع إن شاء الله