العودة   شبكة صدفة > المنتديات الاسلاميه > قرآن كريم وصوتيات اسلامية

قرآن كريم وصوتيات اسلامية تحميل و استماع اناشيد و صوتيات و مرئيات اسلامية اناشيد اسلامية و صوتيات و مرئيات اسلامية جديدة , و اناشيد فلاش اناشيد mp3 و فيديو كليب اناشيد, ويشمل كلمات الاناشيد وايضاً اناشيد طيور الجنة ونغمات اسلامية ورنات اسلامية ونغمات دينية ونغمات انشادية و رنات انشادية كما تضم اناشيد لكبار المنشدين جديدة كـ مشاري العفاسي و سامي يوسف كما يضم أناشيد اناشيد افراح و اناشيد جهادية استماع اناشيد و تحميل اناشيد رائعة - اناشيد - أناشيد - انشودة - اناشيد قناة الروح - اناشيد الروح - اناشيد قناة فور شباب - اناشيد فور شباب - اناشيد للشباب - اناشيد شبابية - اناشيد صبا - اناشيد قناة صبا - اناشيد صباء - اناشيد قناة راما - اناشيد راما - اناشيد سراج - اناشيد سراج - سراج - اناشيد للكبار - تحميل - تحميل اناشيد - استماع اناشيد - اناشيد اسلامية - اسلام - اسلامية - الاسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06-01-2011, 07:51 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ملكة بإحساسي

الصورة الرمزية ملكة بإحساسي

إحصائية العضو








ملكة بإحساسي غير متواجد حالياً

 

افتراضي نشأة الأرحام والنشأة الأخرى

نشأة الأرحام والنشأة الأخرى

الكاتب الأستاذ محمد إسماعيل عتوك






يفرق الباحث بين نشأة الأرحام والنشأة الأخرى بأسلوب بياني ..... قال الله تعالى :﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى*وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى﴾ (النجم: 45-47)، فبيَّن سبحانه أن هنالكنشأتين : نشأة من الأرحام ، ونشأةأخرى . فماهذه النشأة الأخرى؟ وما الفرق بينها، وبيننشأة الأرحام، وبين﴿ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ﴾ (العنكبوت: 20)؟ وهل نشأة الأرحام هذه هي التي أخبر تعالى عنها بقوله:﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ(الواقعة: 60)؟.
أولاً- تتضمن هذه الآيات الكريمة الاستدلال بخلق الزوجين: الذكر والأنثى من النطفة على أمرين هما: قدرة الله عز وجل على البعث، وأنه ما خلق الإنسان إلا ليكلفه ويجازيه. وما أوجزه تعالى في هذه الآيات أتى به مفصَّلاً في قوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى (القيامة: 36-40)، فذكر سبحانه دلالة ذلك على البعث، وذكر أنه ما خلق الإنسان؛ ليهمله من التكليف والجزاء، منكرًا على من ظن ذلك.
وجعل الزمخشري من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (الفرقان:54)، فقال في تفسير هذه الآية الكريمة:« فقسم البشر قسمين: ذوي نسب. أي: ذكورًا ينسب إليهم.. وذوات صهر. أي: إناثًا يصاهر بهنَّ؛ كقوله: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾(القيامة: 40)، ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ، حيث خلق من النطفة الواحدة بشرًا نوعين: ذكرًا وأنثى ».
وخلق الزوجين من: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾، كما قال الرازي:« تنبيه على كمال القدرة؛ لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء، ويخلق الله تعالى منه أعضاء مختلفة وطباعًا متباينة، وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون؛ ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعيه، كما لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السموات والأرض ».
ثانيًا-والزوج في كلام العرب يطلق على ما كان مع آخر من جنسه، فالذكر زوج، والأنثى من جنسه زوج، وهما زوجان، قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ(يس: 36). فإن كان كل واحد منهما وحده، فهو فرد وليس بزوج.
وأكثر المفسرين على القول بأن المراد بـ( الزوجين ) في قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ (النجم:45)، وقوله: ﴿ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (القيامة: 40)، كل ما يتوالد من نوع الإنسان وغيره من أنواع الحيوانات، عدا آدم وحواء، وإلى ذلك أشار الشوكاني بقوله في تأويل الآية: « المراد بالزوجين: الذكر والأنثى من كل حيوان، ولا يدخل في ذلك آدم وحوّاء، فإنهما لم يخلقا من النطفة » .
والظاهر أن المراد بالزوجين، كما قال ابن عاشور: « الذكر والأنثى من خصوص الإِنسان؛ لأن سياق الكلام للاعتبار ببديع صنع الله، وذلك أشد اتفاقًا في خلقة الإِنسان؛ ولأن اعتبار الناس بما في أحوال أنفسهم أقرب وأمكن؛ ولأن بعض الأزواج من الذكور والإِناث لا يتخلق من نطفة، بل من بَيْض وغيره».
وإخراج آدم وحواء من الزوجين خلاف هذا الظاهر الذي نصت عليه الآية، وتعليلهم لذلك بأن آدم وحواء لم يخلقا من النطفة تعليل لا دليل لهم عليه من القرآن والسنة، وهو مبني في الأصل على ما وردنا من التوراة السبعينية المزورة من أن آدم خلق تمثالاً أجوف من طين، وأن حواء خلقت من ضلعه الأعوج، وقد بينت في مقال ( معجزات باهرات)، ومقال (هل خلق آدم تمثالاً أجوف وخلقت حواء من ضلعه ؟ ) أن كون آدم خلق من تراب لا يعني أنه تمثال جامد؛ وإنما يعني أن آدم كائن حيٌّ قبل تسويته ونفخ الروح فيه، ومثله حواء فأغنى ذلك عن إعادته.
وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ ﴾، كما قال:﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴾ (النجم: 45)، ولم يقل وَأَنَّهُ هو خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ )، ( وَأَنَّهُ هو أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى )، وإدخال ( هو ) في مثل هذا التركيب أحسن؛ لأنه محل تأكيد، ورفع توهم من يتشكك في المسند إليه الخبر، أو ينازع فيه، أو من يتوهم التشريك فيه؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى* وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ (النجم: 43- 44)، ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾(النجم: 48)، كيف أثبت الفصل ( هو ) دلالة على ما ذكر، ولم يأت به في نسبة خلق الزوجين، وإهلاك عاد؛ إذ لا يتوهم إسناد ذلك لغير الله تعالى، ولا الشركة فيه. وأما الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء والإغناء والإقناء فقد يدعي ذلك أو الشركة فيه متواقحٌ كذاب كنمرود؛ إذ قال في محاجة إبراهيم عليه السلام: ﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ (البقرة: 258). وأما قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾(النجم: 49). فدخول ( هو ) للإعلام بأن الله هو رب هذا النجم، وإن كان رب كل شيء؛ لأن هذا النجم عُبِد من دون الله واتُّخذ إلهًا، فأتى به؛ ليُنبِّه بأن الله مستبد بكونه ربًّا لهذا المعبود، ومن دونه لا يشاركه في ذلك أحد.
وقوله تعالى: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى. أي: إذا تصب، أو تقذف، وهو مضارع ( أمنى )، يقال: أمنى الرجل يمني؛ كقوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُوْنَ . أي: ما تقذفونه في الأرحام وتصبونه فيها من النطف. و( مِن ) ابتدائية من صلة ( خلق ). أي: خلق الزوجين: الذكر والأنثى، من نطفة، إذا أمناها الرجل والمرأة؛ فإن خَلْقَ الإِنسان ناشئ من هذه النطفة، فإذا تكونت وأُمنيت ابتدأ خلقه.
والنطفة هي ( خلية حيَّة )، تنقسم إلى خلايا ذكرية، وأنثويَّة، وهذه الخلايا هي الأولى المعبَّر عنها علميًّا بـ( الخلايا الجذعية ) كاملة القدرة، أو القوة، أو هي النسخة الأولى من الـ( دي ، إن ، إيه) الذي يحتوي على كروموسومات الكائن الوراثية حية وسليمة، وهذه الكروموسومات هي التي تمثل كتاب الحياة، والمكتبة الرقمية التي تحتوي على كل أسرار وخصائص هذا الكائن، ومنها تم تصنيع الإنسان، ومنها سيعاد تصنيعه يوم البعث.
وتطلق النطفة في كلام العرب على القطرة من الماء، وهي ( فُعْلة ) مشتقة من نطَف الماء: إذا قطر. وفي الحديث:« جاء ورأسه ينطف ماء ». أي: يقطر. ويقال: ما في القربة من الماء نطفة. أي: ليس فيها قليل ولا كثير؛ ولهذا يُعبَّر عنها بصيغة النكرة، وتجمع على: نُطَف ونطاف.
وسُمِّيَ القليل من مَنيِّ الرجل نطفة؛ لأنه ينطف. أي: يقطر قطرة، بعد قطرة. وقيل: سُمِّيَ ماءُ الإنسان مَنِيًّا؛ إما لإمنائه. أي: قذفه أو صبِّه في رحم المرأة. وإما لتقديره، وهو من المَنُّ الذي يوزن به؛ لأنه مقدار لذلك، فكذلك المنيُّ مقدار صحيح لتصوير الخِلْقة.
وتطلق النطفة أيضًا، ويراد بها ( بويضة المرأة )، وهي عبارة عن خلايا جنسية ينتجها جسم الأنثى البالع، وتحتوي على صبغي جنسي أنثوي، وما ينتجه جسم الذكر البالغ من هذه الخلايا الجنسية يعرف ياسم ( الحيوانات المنوية )، ويحتوي كل حيوان منوية على صبغي جنسي ذكوري (
Y )، وآخر أنثوي ( X). هذا ما أشار إليه الدكتور زغلول النجار، ثم قال: « فإذا كان الحيوان المنوي الذي أخصب البييضة مما يحمل صبغي التذكير جاء المولود ذكرًا بإذن الله, وإذا كان مما يحمل صبغي التأنيث جاء المولود أنثى بإذن الله، فالزوجية موجودة في نطف الذكر, وليست بين نطفة الذكر ونطفة الأنثى فقط ».
وجاء في كتاب ( الخلق الأول ): « هذه الآية تبين بوضوح أن تحديد الذكورة والأنوثة لا يكون في بويضة الأنثى؛ لأنها تعطي نصف مجموعة الكروموزومات ( الصبغيات ) (دانييل كيفلس وليروي هود– الشفرة الوراثية للإنسان ص:56)، كما لا يكون في حويمنات الذكر؛ لأنه يعطي النصف أيضًا؛ وإنما تحديد ذلك يكون في مني الرجل حين يلقح بويضة المرأة؛ فإن سبق حويمن ( حيوان منوي ) يمتلك صبغيَّة الذكور كان المولود ذكرًا، وإن سبق حويمن آخر يمتلك صبعيَّة الأنوثة كان المولود أنثى، وهذا تمامًا هو دلالة العبارة: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾، ففي هذا الظرف ( إذا ) يتجدد جنس الذكورة أو الأنوثة لا قبله. فظرف ( إذا ) هو ظرف سباق الحويمنات من الرجل نفسه لا قبله ولا بعده، ظرف أولى ساعات المعاشرة.
وهذا ما يُحتمل ( في قراءة ثانية ) أن نفهمه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: « فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد » (أحمد بن حنبل ، المسند، جزء:3 /189) .
( وفي صحيح ابن حبان، ودلائل النبوة للبيهقي: « فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه » ).
ماء الرجل وماء المرأة كلاهما من حويمنات الرجل ( ماء الرجل . أي : الحويمن الحامل الصبغة الذكورية ، وماء المرأة . أي : الحويمن الآخر الحامل الصبغة الأنوثية ) ، مع تسليمنا بالقراءة الأخرى القائلة بأن ماء ( إفرازات ) المرأة حمضي ، وماء الرجل قلوي ، ولوحظ أن غلبة الوسط الحمضي ( أي : غلبة ماء المرأة وعلوَّ تركزه ) ينشط الحويمنات ذات الصبغة الأنوثية ؛ لتلقيح البوَيْضة ، والعكس في الآخر . وهذا من معجزات النبوَّة التي لم يكتشفها إلا نوادر كبار علماء الطب في أيامنا هذه . فالقراءتان تُلمحان إلى السببين العلميين في تذكير ، أو تأنيث الجنين .
وفيحديثٍآخر: « ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر . فإذا اجتمعا ، فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذْكَرا بإذن الله ، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنَثَا بإذن الله » (ابنحزم ،المحلى ،ج : 6 ، ص : 187). والحديث موجود في (صحيح مسلم، والسنن الكبرى للبيهقي، وغيرهما ).
ولنا أن نجعل ( نطفة ) هي بويضة المرأة بالخصوص ، و( إذا تمنى ). أي: حين يلقحها مني الرجل؛ لتظل متوالية خلق الذكر والأنثى من ذكر وأنثى، وهكذا. وهذا يوافق جواب نبي الأمة صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الإمام أحمد في مسنده جوابًا لليهودي الذي سأله: يا محمد! ممَّ يخلق الإنسان؟ قال: « يا يهودي ! من كل يخلق، من نطفة الرجل، ومن نطفة المرأة ». ( أحمد بن حنبل ، المسند ، ج : 1 ، ص : 465 ، والنسائي ، السنن الكبرى ، ج : 5 ، ص : 340 ) » ( عن كتاب الخلق الأول ).
وتمام الحديث كما جاء في مسند أحمد: « قال يا يهودي من كل يخلق ، من نطفة الرجل ، ومن نطفة المرأة . فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة ، فمنها العظم والعصب . وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة ، فمنها اللحم والدم . فقام اليهودي فقال: هكذا كان يقول من قبلك ».
ثالثًا- وقال تعالى:﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ (النجم: 47)،فبين سبحانه على سبيل التأكيد والحصر أن هذه النشأة التي وصفها بالأخرى عليه وحده، لا على غيره؛ وكأنه أوجب على نفسه هذه النشأة؛ لأن المشركين كذبوا بها وأنكروها. و( النشأة ) هي المرة من الإِنشاء. أي: الإِيجاد والخلق، وهي في قول أكثر المفسرين إشارة إلى البعث والحشر، وفسرها ابن كثير بـ( النشأة الآخرة )، فقال في تأويل الآية: « وقوله: ﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾. أي: كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة، وهي النشأة الآخرة يوم القيامة ».
أما الرازي فقد ذهب بعيدًا حين ظن أن المراد بهذه النشأة الأخرى نفخ الروح الإنسانية في الإنسان، فقال في ذلك ما نصُّه: « والذي ظهر لي بعد طول التفكر والسؤال من فضل الله تعالى الهداية فيه إلى الحق، أنه يحتمل أن يكون المراد نفخ الروح الإنسانية فيه ».
وأما ابن عاشور فقد ذهب إلى أن ( الأخرى ) مؤنث ( الأخير )، وأن ( النشأة الأخرى ) هي النشأة التي لا نشأة بعدها، وهي مقابل ( النشأة الأولى ) التي يتضمنها قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ (النجم: 45)، وذكر أن هذه المقابلة هي مناسبة ذكر هذه النشأة الأخرى.
وعلى هذا القول جمهور المفسرين: ( نشأة من الأرحام )، يقابلها ( نشأة أخرى من التراب ) يوم القيامة، فهما نشأتان في الكيف، وفي الكم. ويفسرون نشأة الأرحام بالنشأة الأولى في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى (الواقعة: 60)، ويفسرون النشأة الأخرى بالنشأة الآخرة في قوله تعالى:﴿ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ﴾ (العنكبوت: 20)، مع أن ( نشأة الأرحام ) هي نشأة معتادة يراها الجميع، و( النشأة الأولى ) هي نشأة من تراب، وهي وإن كانت غير مشاهدة، فإنها معلومة؛ ولهذا قال تعالى فيها: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (الواقعة: 60)، وقال سبحانه في نشأة الأرحام: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ (يس: 77) ؟ فأتى بفعل ( الرؤية ) مع نشأة الأرحام، وأنكر على الإنسان عدم رؤيته لها، وأتى بفعل ( العلم ) مع النشأة الأولى مسبوقًا بـ( قد ) التي تفيد التحقيق، موصولة بلام التوكيد، تأكيدًا على علمهم بها، وتقريرًا لإمكان ( النشأة الآخرة )؛ ولهذا عقَّب سبحانه على ذلك بقوله: ﴿ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ﴾، فدل بذلك على أنهم كانوا على علم بها، وكل الذي عليهم هو أن يستحضروها.
ولو كان المراد بهذه ( النشأة الأولى ) تلك التي تتخلَّق ممَّا يُمْنونَ في الأرحام، لكان ينبغي أن يكون نظم الآية هكذا فلقد علمتم النشأة الأولى ) بالفاء؛ ليكون عطفًا وتفريعًا على المعلوم السابق. أي: التخلُّق من المَنِيِّ، ولأتي أيضًا بفعل الرؤية ( رأيتم ) الذي يدل على المشاهدة، بدلاً من فعل العلم ﴿ عَلِمْتُمُ المفيد لعلم سابق خارج سياق الكلام؛ أما وإنه سبحانه قد قال وقوله الحق: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ، بواو الاستئناف، وبفعل العلم، فإنه قد أحال على نشأة أخرى خارج الآية، معلومة في العقليَّة التراثيَّة وبالإمكان تذكُّرها، وإن كانت ليست مشاهدة لديهم؛ كنشأة المَنِيِّ في الأرحام.
فثبت بذلك أن ( نشأة الأرحام ) غير ( النشأة الأولى ) من التراب، وقد ميَّز الله تعالى بينهما، فقال في نشأة الأرحام: ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ (النحل: 78)، وقال في النشأة الأولى من التراب: ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ (هود: 61)، فهذه نشأة من الأرض، وتلك نشأة من بطون الأمهات، وقد جمعا معًا في قوله تعالى: ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ (النجم: 32)، فـ( إذ ) الأولى تبين بوضوح إنشاء البشر من الأرض قبل الإنشاء من الأرحام، و ( إذ ) الثانية تبين تولد الجنس البشري في الأرحام.
ومن الآيات التي جمعت بين النشأة من التراب، والنشأة من الأرحام قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ .. ﴾ (الحج: 5)، وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ (فاطر: 11)، وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ (غافر: 67)، وقول مؤمن ياسين لصاحبه الكافر: ﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ﴾ (الكهف: 37).
والعجب بعد هذا البيان والتوضيح كله نجد المفسرين يجمعون على القول بأن المراد من قوله تعالى: ﴿ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾: خلقنا أصلكم آدم، وأن المراد من قوله:﴿ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾: خلقنا أولاد آدم، ولم يرد آدم؛ لأن آدم لم يخلق من نطفة. يقولون ذلك مع أن الخطاب في الجملتين المفصول بينهما بـ( ثم ) التي تدل على الترتيب والمهلة واحد: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾.
ولست أدري إن كان أبونا آدم من الناس عندهم، أم من غير الناس؟ وليت شعري كيف يصح أن يكون المراد من خلقناكم ﴿ مِنْ تُرَابٍ ﴾: آدم أصل الإنسان، وأن يكون المراد من خلقناكم ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾ أولاد آدم، والخطاب للناس كلهم بمن فيهم آدم، والجملة الثانية معطوفة بـ( ثم ) على الجملة الأولى؟ فما دليلهم على هذا التأويل اللامنطقي واللامعقول، والمخالف لمعنى الآيات ونظمها الدقيق المحكم؟.
يحدثنا الشيخ محمد أمين الشنقيطي في أضواء البيان عن هذا الدليل، فيقول:« والتحقيق أن معنى خَلْقِه الناس من تراب: أنه خلق أباهم آدم منه؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾ (آل عمران: 59) الآية، ولما خلق أباهم من تراب وكانوا تبعًا له في الخلق صدق عليهم أنهم خُلقوا من تراب ».
ويقول أيضًا: « وقد بينا في قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ وقوله: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ ﴾ أن المراد بخلقهم منها هو خلق أبيهم آدم منها؛ لأنه أصلهم ، وهم فروعه ».
فإذا كان الأمر كما يقول ويقولون، فلم لم يقولوا مثله في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾ المعطوف بـ( ثم ) على قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾ ؟ ثم من قال: إن آدم وحده هو المخلوق من تراب؟ وما دليلهم على أن آدم أول مخلوق وجد من تراب، وأنه كان تمثالاً طينيًّا أجوف؟ ألم يقرؤوا قول الله تعالى : ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ (الروم: 20)؟.
هذه الآية الربانية من آيات الله المعجزة تخبرنا بصراحة وبلسان عربي مبين أن البشر خرجوا من الأرض الميتة في الحقبة الأولى كبارًا بالغين؛ كما يخرج النبات تمامًا، ثم فجأة إذا هم رجال ونساء منبثون في الأرض ومنتشرون، يدبون فيها هنا وهناك، وهي الصورة نفسها والخروج والانتشار نفسه الذي سيعاد في البعث يوم الإعادة، يوم ﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ (القمر: 7) كبارًا بالغين، وهذا ما ورد في الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه صاحب المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله بن أنيس، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:« يَوْمَ يُحْشَرُ العِبَادُ- أَوْ قَالَ: النَّاسُ- حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ .. » الحديث، ففي البداية خروج وانتشار، وفي النهاية خروج وانتشار بالكيفية نفسها؛ كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ (الأنبياء: 104)، ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (الكهف: 48)، وهذا ما أفادته لفظة ( مَا ) الموصولة بكاف التشبيه، مع لفظة ( مَرَّةٍ ) التي تدل على حدوث الفعل مرتين بكيفية واحدة، مرة في ابتداء الخلق الأول، ومرة في إعادته يوم البعث، ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (الإسراء: 51)، ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ (يس: 78-79)، فالفطر والإنشاء أول مرة هو ( النشأة الأولى )، والإعادة يوم البعث هي ( النشأة الآخرة ).
وهاتان النشأتان: ( الأولى ، والآخرة ) هما المعبَّر عنهما بـ( النشأة الأخرى ) التي تفيد البدليَّة والمغايرة لـ( نشأة الأرحام )، وهذه النشأة هي علينا - نحن البشر – تفعيلها أو تعطيلها. أما ( النشأة الأخرى ) فهي مخصوصة للرب عز وجل، ومحتكرة عليه بكيفية فردية غير تكاثرية، لا دور لنا فيها ﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ (النجم: 47). أي: عليه هو وحده سبحانه، لا علينا نحن، وهذا ما يفيده تقديم ( عليه ) الذي يدل على معنى الاختصاص.
فهناك نشأة علينا نحن البشر هي ( نشأة الأرحام )، وهناك نشأة على الله عز وجل هي ( النشأة الأخرى ) المغايرة للمعهود الذي نراه، وهذه النشأة الأخرى تحصل مرتين:
الأولى: في بدء الخلق البشري، وهذه هي ( النشأة الأولى ). والثانية في إعادة الخلق يوم البعث، وهذه هي ( النشأة الآخرة )، وهما نشأتان بالكيفية نفسها، ومغايرتان لـ( النشأة المعتادة من الأرحام )، والنشأتان لم نرهما، ولا دور لنا فيهما؛ فهما مخصوصتان لله تعالى ﴿ فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى ﴾ (النجم: 25). فثبت أن هنالك:
1- نشأة أولى من التراب .
2- نشأة معتادة من الأرحام.
3- نشأة آخرة من التراب.
ويجمع النشأة الأولى والآخرة ( النشأة الأخرى ) المغايرة لـ( نشأة الأرحام ). والأخرى مؤنث ( الآخَر ) بفتح الخاء، لا مؤنث ( الأخير ) كما قال ابن عاشور، ولا مؤنث ( الآخِر ) بكسر الخاء كما قال غيره، فهذا مؤنث ( الآخرة )، وما بين ( الآخِر ، والآخَر ) بون بعيد؛ إذ أحدهما موافق للأول، والثاني مغاير له، يبين لك ذلك أنك تقول: ( هو الله الأول والآخِر ) بكسر الخاء، ولا تقول هو الأول والآخرَ ) بفتح الخاء؛ لأنك لو قلت ذلك، لأشركت مع الله إلهًا ثانيًا، له كيفية مغايرة عنه، سبحانه وتعالى عما يصفون، له الحمد على ما تفضل به علينا من نعمة الفهم والعلم والدين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الغر الميامين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
بقلم : محمد إسماعيل عتوك






آخر مواضيعي 0 برنامج DuDu Recorder v4.90 الافظل في تسجيل المكالمات والملاحظات
0 كن بشرا وليس اشباه بشر
0 كيف تجعل عطرك يدوم طوال السهرة
0 ازياء رائعه وانيقة للمحجبات
0 فساتين قصيرة وناعمة للسهرة
رد مع اقتباس
قديم 06-01-2011, 08:45 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
طارق سرور

الصورة الرمزية طارق سرور

إحصائية العضو







طارق سرور غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نشأة الأرحام والنشأة الأخرى

طرح رائع ومعلومات قيمة ونافعة بإذن لله

جزاك الله خيرا عنه اختى أمـــــل







آخر مواضيعي 0 خوف
0 اسرار
0 اللهم اجعلنا من المحسنين
0 اعرف مين هى مصر
0 البقلة
رد مع اقتباس
قديم 06-01-2011, 09:47 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
كمال بدر

الصورة الرمزية كمال بدر

إحصائية العضو







كمال بدر غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نشأة الأرحام والنشأة الأخرى

الأخت الفاضلة :

جزاكِ الله خيراً عن هذا الطرح الطيب المبارك إن شاء الله .







آخر مواضيعي 0 موسى بن نصير .. القائد الفذ .
0 قبسات من الطب النبوي العلاجي .
0 حــــوار مع الشيطان .
0 الأمانة ـ روائع أخلاق الرسول .
0 القرآن الكريم دليل على نبوة رسول الله .
رد مع اقتباس
قديم 06-02-2011, 06:59 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أحمد اسماعيل

الصورة الرمزية أحمد اسماعيل

إحصائية العضو







أحمد اسماعيل غير متواجد حالياً

 

افتراضي رد: نشأة الأرحام والنشأة الأخرى

ملكة الاحساس .. جزاك الله كل خير


تسلمى على الطرح المميز

دعواتى لك بالصحة والعافية






آخر مواضيعي 0 مباراة الأهلي ووفاق سطيف الجزائري
0 دعاء يوم الجمعة
0 روسيا تسلم محطة تشيرنوبل النووية إلي أوكرانيا
0 دعاء آخر يوم في شعبان
0 فضل الصيام
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:06 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 (Unregistered) Trans by

شبكة صدفة

↑ Grab this Headline Animator