هِبةُ اللهِ من قديمِ الزمانِ * إنها مصرُ فانطلقْ يا لساني
وتجاوزْ حدودَ شِعرٍ ووزنٍ * رُبَّ حُبٍّ أقوى من الأوزانِ
****
ها هو النيلُ وامقٌ يَتَلَوَّى * وهْو يبكي محبةَ الوديانِ
فكأَنَّ المياهَ دمعُ عشيقٍ * تتهادى حَرَّى على الأجفانِ
وكأَنَّ الأشجارَ تلهو بصبٍّ * ذابَ فيها، كما تَلَهَّى الغواني
بل كأَنَّ الورودَ وجناتُ بِكْرٍ * مسَّها النيلُ رقةً ببنانٍ
بل كأنَّ النخيلَ جِيدُ عروسٍ * وعليه التمورُ عِقْدُ جُمانِ
****
النسيمُ العليلُ يُصدِرُ همساً * يُشبِهُ الغُنجَ في دلالِ الحِسانِ
والطيورُ البيضاءُ جَوْقةُ * عزفٍ يفتحُ العودُ صدرَهُ للكمانِ
والضُحى شمسهُ تُُرتِلُ نوراً * فوق هامِ الحقولِ والغيطانِ
****
رُبَّ ماءٍ يميسُ بين رياضٍ * أسكرَ القلبَ مثلَ بنتِ الدنانِ
عدَّدَ الحسنُ في الجَمَالِ جِناناً * فإذا النيلُ ثامنٌ في الجِنانِ
****
يا شِراعاً بصفحةِ النيلِ * يجري وبه الليلُ والهوى جالسانِ
ورقيبٌ بين الغيومِ مُطِلٌّ * يتغاضى فتضحكُ الشفتانِ
ويدورُ الحديثُ دونَ كلامٍ * لخَّصتْ ألفَ خُطبةٍ نظرتانِ
****
أنا يا مِصرُ عاشقٌ لكِ حتى * لم يعدْ لي من البكا دمعتانِ
نُوَبُ الحُبِّ جرَّحتني كثيراً * وكثيرٌ صبري على الحدثانِ
قد تقلَّبتُ بين حلوٍ ومُرِّ * فعيونٌ نُجْلٌ وطعنُ سنانِ
ودخلتُ النزالَ في الحُبِّ لكنْ * ضَاع سيفي مني وضَاع حصاني
****
لوَّنتْ مصرُ بالشبابِ ثيابي * مشَّطتني وطرَّزَتْ قمصاني
ألبَسَتْني مَعاطفاً من عطورٍ * في ذيولي تضوعُ والأردانِ
وسقتني مِنَ الشرابِ المعلَّى * لاحِظوا طُهرَهُ بحرفِ بيانِ
فأنا الشافعيُّ قد جاء مصراً * فإذا الفقهُ في جديدِ معاني
قبلها لم يكنْ هنالكَ شِعرٌ * كلُّ ما كانَ قبلها شطرانِ
بعدها دفقةُ النُّبوغِ تجلَّتْ * إن " شوقي" و "حافظاً" باركاني
****
أيُّها الحاسدان، ما العشق إلاّ * مُغرَمٌ، إنَّما له .... حاسدانِ
لا يَعيبُ الورودَ إن قيلَ فيها * إن خدَّ الورودِ أحمرُ قانِ
قد طَوَتْ مصرُ سِفْرَ كلِّ الليالي * فهي للدهرِ كُلِّهِ دَفَّتانِ
ولها بصمةٌ بكلِّ فؤادٍ وبقلبي * أنا لها بصمتانِ
****
مصرُ، يا مصرُ والتواريخُ كلَّتْ * في لحاقٍ وأنتِ في جريانِ
"فعزيزٌ" و "يوسُفٌ" و "زليخا" * وادخلوا "مصرَنا" بكلِّ أمانِ
وتجلِّي الإله في الطُّورِ يكفي * لكِ عزاً يا مصرُ في الأكوانِ
والتراتيلُ في مديحكِ تَتْرى * في سطورِ الإنجيلِ والقرآنِ
****
مِنْ ثرى مصرَ جدتان لِعُرْبٍ * وأصيلٌ إذا التقتْ جَدَّتانِ
رحِمُ الدمِّ والعقيدةِ مصرٌ * سِرُّها خالدٌ، هو "الرحِمَانِ"
فاسألوا الفقهَ والحديثَ ونحواً * كيفَ كانتْ لهم كصدرٍ حانِ
واسألوا "الضَّادَ" من حَمَاها تُجِبْكمْ * إنّهُ الأزهرُ الشريفُ حَمَاني
وأذكروا لي رأساً لعِلْمٍ وفَنٍّ * لم تكنْ فوقَهُ لمصرَ يدانِ
****
إسألوا الرملَ من سقاهُ يُجِبْكم: * جيشُ مصرٍ بدمِّهِ قد سقاني
وانظروا العينَ " عينَ جالوت" تروي * بعد "قُطزٍ"، حديثُها أُرْجواني
وستحكي حطينُ: جيشُ صلاحٍ * هو في القلبِ والجناحِ "كِناني"
ليس نصرٌ من غير مصرٍ لَعَمري * هل رأيتمُ خيلاً بلا فرسانِ
ليس للشرقِ نهضةٌ دونَ مصرٍ * كيفَ يَعلو بيتٌ بلا أركانِ
****
خاطَتِ الشمسُ للكنانةِ فستانَ * زفافٍ... يا روعةَ الفستانِ
ثم رشَّتْ عليه بعضَ نجومٍ * أَشعلَ الكونَ نورُها الربَّاني
عندما تَغزِلُ الشموسُ خيوطاً * لحبيبٍ ... فالمجدُ في الخيطانِ
****
يا عروسَ الزمانِ يلقي عليها * وهي في العرشِ تاجَهُ النوراني
ثم يحني وقارَهُ في خشوعٍ * لاثماً كفَّها بكلِّ حنانِ
فإذا قُبلةُ الزمانِ شِفاهٌ * وإذا " الثغرُ" في لَمى أسوانِ
****
"ثغرُها" أدهشَ البحارَ فجاءتْهُ * وأغفَتْ ترتاحُ في الشطآنِ
أسَندَ البحرُ رأسَه وتمنَّى * أَمنياتُ البحارِ، أَحلى الأَمانِي
واتَّكَتْ كفُّهُ على صَدَفاتٍٍ * فَهَمَى لؤلؤٌ بكلِّ مكانِ
حلمَ البحرُ ذاتَ ليلٍ فلمَّا * أصبحَ الصبحُ .. كانَ محضَ عيانِ
فعلى "اسكندريةَ" البحرُ أَرسَى * فإذا الشِّعرُ بيتُهُ اْسكندراني
****
مصرُ... يا مصرُ إذْ ذكرتُكِ ضَجَّتْ * في قصيدي مباهجٌ وأغاني
فحقولٌ من البنفسجِ شِعري * وقوافيَّ شهقةُ الريحانِ
وحروفي براعمُ اللوزِ لكنْ * نقطةُ الحرفِ حبةُ الرُمَّانِ
****
رغمَ هذا ومصرُ أعلى وأغلى * فاعذروني ما كان في إمكاني
ريشتي حاولت، وقولي، ولكنْ * أعجزت مصرُ ريشتي ولساني
منقول